نص السؤال

دعوى أن علماء المدينة الأتقياء وضعوا أحاديث ضد بني أمية

المصدر: شبهات المشككين في الإسلام

الجواب التفصيلي

دعوى أن علماء المدينة الأتقياء وضعوا أحاديث ضد بني أمية(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المشككين أن استبداد خلفاء بني أمية، وانحرافهم عن الدين قد دفع علماء المدينة الأتقياء إلى مقاومتهم والتصدي لهم عن طريق وضع الأحاديث في مثالبهم، ومدح أعدائهم من آل البيت، ويستدلون على دعواهم تلك بالعداء الذي كان بين عالم أهل المدينة سعيد بن المسيب والخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وبكثرة الأحاديث الموضوعة في مدح آل البيت. وهم يرمون من وراء ذلك إلى التشكيك في صحة السنة النبوية، وفي نزاهة علماء المسلمين.

وجوه إبطال الشبهة:

1) لقد كتب تاريخ بني أمية على أيدي أعدائهم من صنائع العباسيين وغلاة الروافض، فلا يصح الاعتماد على تلك الأخبار في الحكم عليهم، ومع ذلك فإن كثيرا من النصوص تؤكد تدين خلفاء بني أمية وحرصهم على مصلحة المسلمين، ونشرهم الإسلام في ربوع الأرض، فلماذا يعاديهم علماء المدينة الأتقياء؟

2) لم يستبح علماؤنا أبدا الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، حتى ولو كان ذلك دفاعا عن الدين كما يزعمون، بل كانوا أتقياء حقا في تحريهم الصدق ومقاومتهم للكذبة الوضاعين.

3) إذا كان سعيد بن المسيب تعرض للتعذيب الشديد دفاعا عن إحدى سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي عدم جواز البيعة لاثنين في وقت واحد، فكيف لمثله أن يستبيح الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم؟ ولم يرد أي دليل على وضع سعيد بن المسيب أحاديث ضد الأمويين.

4) ثمة أحاديث صحيحة في مدح آل البيت، ولكن غلاة الشيعة تزيدوا في ذلك ووضعوا كثيرا من الأحاديث في فضائل آل البيت نكاية في الأمويين، وليس صحيحا أن علماء المدينة هم من فعلوا ذلك، بل الصحيح أن علماء المدينة هم أول من تصدوا لهم وبينوا كذبهم.

التفصيل:

أولا. بنو أمية كانوا حريصين على نشر الإسلام وعلى مصلحة المسلمين:

في البداية نود أن نقول لهؤلاء الذين يصورون لنا الأمويين جماعة دنيويين ليس لهم هم إلا السلطة والملك، وفرض النفوذ والتوسع في رقعة هذا الملك، وإنهم كانوا في حياتهم العادية جاهلين لا يمتون إلى تعاليم الإسلام وآدابه بصلة[1]، إنهم قد تناسوا إحدى المسلمات الأساسية الواضحة؛ وهي أن تاريخ هذه الدولة يقع في دائرة خير القرون، المشهود لها بذلك من المعصوم - صلى الله عليه وسلم - في قوله:

«خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»

[2]

ولا يمكن لعقل أن يتصور هذه النقلة الكبيرة التي يتحدث عنها هؤلاء بين صفاء عصر الراشدين وظلام عصر بني أمية، وليس الثاني إلا امتدادا طبيعيا للأول، فيه عاش بقية رجاله، ومن تبعهم بإحسان، وصاغوا تاريخه وأمجاده، مع التسليم بوجود فارق لا بد منه بين هذا العصر وذاك.

وإن ما خلفه الأمويون من آثار تاريخية خالدة لا يمكن أن يصدر عن حقبة تاريخية بهذه السوءات التي يصورها أعداء الإسلام، كما أن التاريخ لا ينفرد بصياغته في عصر ما ثلة من الرجال - ولو كانوا ممتازين - على امتداد هذه العقود من الزمان التي عمرتها الدولة الأموية، وإنما هو نتاج عوامل شتى تتداخل فيها تأثيرات الزمان والمكان والبشر، وتلعب فيها قوى المجتمع وتكويناته الظاهرة والمستترة دورا كبيرا، ومن خلال هذا المنظور ينبغي تفسير التاريخ الأموي، فلا يجوز أن يتحمل حكامه من بني أمية كل أوزاره ومثالبه، ولا أن ترد جميعها إلى منعهم وتأثيرهم، تماما كما لا ينبغي أن تنسب إليهم وحدهم شرف كل أمجاده ومفاخره.

إن هذه الحقائق الثابتة تقودنا إلى البداية الطبيعية للبحث عن حقيقة التاريخ الأموي، ألا وهي بحث الظروف التاريخية التي دون فيها ذلك التاريخ، والعوامل المتعددة التي حكمت ذلك التدوين وأثرت فيه. فمن المسلم به أن كتابة التاريخ الأموي قد تمت في العصر العباسي، وفي أجواء معادية لبني أمية، وعلى أيدي رجال تعددت مذاهبهم واتجاهتهم الفكرية وولاءاتهم السياسية، وقد ترك ذلك كله آثارا ضخمة على تناولهم تاريخ هذه الحقبة بالغة الأهمية والحساسية[3].

ومن ثم فقد كتب معظم تاريخ بني أمية على أيدي أعدائها، فتزيد فيه الرواة والإخباريون ما شاءوا، ولعبت الشائعات التي أثارها صنائع العباسيين وغلاة الشيعة والروافض دورا كبيرا في تشويه تاريخ بني أمية، فلا يصح الاعتماد - بدون تمحيص - على كتب الأخبار والتاريخ التي كتبت في العصر العباسي فيما يتعلق بالأمويين، فضلا عن أنه حتى في هذه الحالة، فإننا نجد نصوصا كثيرة تكذب ما ذهب إليه هؤلاء المدعون وما رموا به خلفاء بني أمية من انحراف عن الإسلام وتحد لأحكامه[4].

صحيح أن الحكم الأموي قد أظهر بعدا ما عن ذلك الأفق السامي من الالتزام الإسلامي في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين، استمد توهجه وبريقه من الانسجام المتناغم بين القيادة والرعية، وحرص كليهما على التحقيق بكمالات الدين، في معظم مراحل هذه الفترة الزمنية الثرية.

غير أن التزام الدولة والمجتمع في العصر الأموي بالإسلام لم يتراجع بشكل حاد عنه زمن الراشدين، فقد كان كثير من مسلمي العهد الأموي ممن عاش زمن الراشدين، سواء كانوا من شيوخ الصحابة أو جيل التابعين.

وإن صح أن نقول: إن الاندفاع إلى تحقيق مثالية الإسلام قد أفسح الطريق لظهور نوع من الواقعية والترخص، لا يخرج في مجمله عن حدود الإسلام، الذي نعرفه دينا شاملا كاملا، يعترف باختلاف قدرات البشر واستعداداتهم، ويشرع العزائم والرخص، ولا يخرج أتباعه في هذه الحال أو تلك عن حدود الإسلام ومقتضى شريعته[5].

ويمكننا أن نتحدث بإيجاز عن التزام خلفاء بني أمية بالإسلام، ومدى تدينهم، وحمايتهم لهذا الدين، وخدمتهم للمسلمين مما ينفي عنهم الاستبداد والانحراف عن الدين في النقاط الآتية:

·   معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه:

لن نتحدث هنا عن مكانة معاوية بن أبي سفيان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عند خليفتيه أبي بكر وعمر، فهذا ما لا يستطيع أحد أن يشكك فيه، ولكننا نتحدث عنه بعد توليه الخلافة، ورغم أن روايات التاريخ قد حجبت كثيرا من الجوانب المضيئة عند خليفة الأمويين الأول، فإن شهادات بعض كبار معاصريه من الصحابة والتابعين تسد هذا النقص، مثل أقوال سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عباس، وابن عمر، الذين لا يتهمون بمحاباة معاوية، أو مجاملته..

فقد نقل الحافظ ابن كثير عن سعد بن أبي وقاص قوله: "ما رأيت أحدا بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب"[6]، يعني معاوية، وقال عنه ابن عباس: "ما رأيت رجلا كان أخلق بالملك من معاوية"[7]، وقيل لابن عباس:

«هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة؟ فقال: إنه فقيه»

[8]

وقال عبد الله بن عمر: "ما رأيت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسود من معاوية (أي: أكثر تخلقا بأخلاق السيادة منه)، فقيل له: ولا أبو بكر وعمر؟ فقال: كان أبو بكر وعمر خيرا منه، وما رأيت بعد رسول

الله - صلى الله عليه وسلم - أسود من معاوية"[9].

وقد روي أن بعض الصالحين قد بهره عدل عمر بن عبد العزيز، فأخذ يتحدث عنه، حتى فاجأه الأعمش بقوله: "تذكرون عدل عمر بن عبد العزيز، فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: في حلمه؟ قال: بل في عدله"، وروى الأعمش عن مجاهد قوله: "لو أدركتم معاوية لقلتم هذا المهدي"، وقال أبو إسحاق السبيعي مثل ذلك[10].

·    يزيد بن معاوية بن أبي سفيان:

ما كاد يزيد بن معاوية يتولى الخلافة بعد وفاة أبيه حتى ثارت ضده معارضة عنيفة قادها الحسين بن علي رضي الله عنهما، الذي وثق بإغراءات أهل العراق، ثم تلتها ثورة أهل المدينة، ثم ثورة عبد الله بن الزبير بمكة، إذ مات يزيد، وجيوشه تحاصر ابن الزبير وتضيق عليه الخناق.

وقد كانت هذه الثورات وما تمخض عنها من نتائج وخيمة فرصة هائلة لتشويه صورة يزيد والطعن فيه، وقد وجدت هذه المطاعن من يروجها من أعداء بني أمية طوال تاريخهم وبعده حتى حملتها لنا صفحات التاريخ.

أما قبل هذه الثورات فلا نعلم اتهاما خطيرا يعتد به ليزيد طوال خلافة أبيه حتى بعد ترشيحه لولاية العهد، وقد لبث وليا للعهد بضع سنين، ويكفي أن نذكر من فضائله أنه كان قائد أول جيش يغزو القسطنطينية، فصدقت فيه نبوءة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ قال:

«أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم»

[11].

وكانت له هناك ضروب من الشجاعة والبأس، وكان تحت لوائه من الصحابة أبو أيوب الأنصاري وابن عباس وابن عمر وابن الزبير.

ولما وفد عبد الله بن عباس على أمير المؤمنين معاوية بعد وفاة الحسن بن علي، دخل عليه يزيد وجلس يعزيه في وفاة الحسن، فلما نهض من عنده قال ابن عباس: "إذا ذهب بنو حرب ذهب علماء الناس"[12].

·    مروان بن الحكم:

عرف عن مروان بن الحكم العلم والفقه والعدل، فقد كان سيدا من سادات شباب قريش، وقد شهد له الإمام مالك بالفقه، واحتج بقضائه وفتاواه في مواطن عديدة من كتاب الموطأ، كما وردت في غيره من كتب السنة المتداولة في أيدي أئمة المسلمين يعملون بها، وكان الإمام أحمد يقول: "يقال كان عند مروان قضاء، وكان يتتبع قضايا عمر بن الخطاب"، وكان مروان من أقرأ الناس للقرآن[13]، كما كانت له رواية الحديث الشريف، حيث روى عن بعض مشاهير الصحابة؟ وروى عنه بعضهم، كما روى عنه بعض التابعين[14]، وكان حريصا على السنة والعمل بها[15].

·    عبد الملك بن مروان:

اشتهر عبد الملك بن مروان بالعلم والفقه والعبادة، فقد كان أحد فقهاء المدينة الأربعة: سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وقبيصة بن ذؤيب وعبد الملك بن مروان[16]، حتى قال نافع مولى عبد الله بن عمر: لقد رأيت المدينة وما فيها أشد تشميرا ولا أفقه، ولا أقرأ لكتاب الله من "عبد الملك بن مروان"[17]، وكان يسمى "حمامة المسجد" لحرصه على المكث فيه، وقد قال الإمام الشعبي: "ما جالست أحدا إلا وجدت لي الفضل عليه، إلا عبد الملك بن مروان فإني ما ذاكرته حديثا إلا زادني فيه، وقد استشهد الإمام مالك بفقهه وأحكامه وقضاياه"[18].

·   الوليد بن عبد الملك:

كان الوليد قارئا للقرآن مشيدا للمساجد عابدا غيورا على دين الله عز وجل، قال إبراهيم بن عبلة: قال لي الوليد بن عبد الملك: في كم تختم القرآن؟ فقلت في كذا وكذا، فقال: إن أمير المؤمنين على شغله يختمه في كل ثلاث، وقيل: في كل سبع[19]، وكان الوليد يقرأ القرآن في شهر رمضان سبع عشرة مرة[20]، وكان أول من أجرى طعام شهر رمضان في المساجد.

كما أنشئت في عصره الكثير من المساجد مثل جامع دمشق، الذي كان أعجوبة الدنيا في عصره، كما أعاد بناء المسجد النبوي بالمدينة وتوسعته، وكان له جهد هائل في الفتح، ونشر كلمة الإسلام ولغة العرب[21].

·    سليمان بن عبد الملك:

سمي سليمان بن عبد الملك "مفتاح الخير"؛ وذلك لأنه افتتح عهده بخير وختمه بخير؛ إذ رد المظالم على أهلها، وأخرج المسجونين الذين كانوا بالبصرة، واستخلف عمر بن عبد العزيز، وأغزى مسلمة أخاه الصائفة حتى بلغ القسطنطينية، فأقام بها حتى مات سليمان، وجمع سليمان حوله الفقهاء والعلماء، فكان يجالسهم ويستمع إلى مواعظهم.

·    عمر بن عبد العزيز:

إن الروايات عن زهد عمر بن عبد العزيز، وورعه وخوفه من الله - عز وجل - وعدله أكثر من أن تحصى، وترجمتاه اللتان كتبهما عنه ابن الجوزي، وابن عبد الحكم زاخرتان بهذه الروايات التي تقدم صورة مضيئة لعمر بن عبد العزيز نجيبة بني أمية، وخامس الخلفاء الراشدين، وقد نشأ عمر مترفا منعما في بيت الإمارة والملك، إذ كان أبوه عبد العزيز بن مروان أميرا على مصر، غير أنه بعد أن ولي الخلافة شعر بعظم المسئولية الملقاة عليه فانقلب زاهدا متعبدا على نحو مثير، وأحال ما حوله من مظاهر الملك وصوره إلى لون من البساطة يذكرنا بمظاهر الخلافة في عصر الراشدين، حتى قال فيه مالك بن دينار: "يقولون: مالك زاهد؛ أي زهد عندي، وإنما الزاهد عمر بن عبد العزيز أتته الدنيا فاغرة فاها فتركها جملة"[22].

·    يزيد بن عبد الملك:

صحيح أن يزيد بن عبد الملك لم يلزم نفسه مسلك عمر بن عبد العزيز في الزهد والتقشف، فليس كثيرون يطيقون ذلك، ولكنه لم ينقض سيرة عمر بن عبد العزيز ويفعل خلافها، كما أثار بعض المؤرخين، بل هناك دلائل عديدة على تحريه العدل وسنن الدين، وحرص عماله على بيت مال المسلمين، وحرصه على إرضاء رعيته، ولعل آخر ما يذكر ليزيد أنه استخلف من بعده هشاما أخاه، ولم يستخلف ولده الوليد؛ مراعاة لمصلحة الأمة[23].

·   هشام بن عبد الملك:

لقد كان زمن هشام بن عبد الملك حافلا بالجهاد والغزو على شتى الجبهات، وإن لم يحدث تقدم ذو بال على مساحة الدولة، ولم يكن أحد من بني مروان يأخذ العطاء إلا وعليه الغزو، فمنهم من يغزو ومنهم من يخرج بدلا، وكانت له جهوده المعمارية، وكان يجمع الأموال ويعمر الأرض ويستجيد الخيل، وقد اصطنع الرجال، وقوى الثغور، واتخذ القنى والبرك بطريق مكة وغير ذلك من الآثار، وكان هشام يجل العلماء والفقهاء في زمانه، فلما حج سنة 106هـ، وبلغه موت طاوس اليمني الفقيه وسالم بن عبد الله، حرص على أن يصلي عليهما بنفسه، ورأى القاسم بن محمد بن أبي بكر عند قبر سالم بن عبد الله، فأقبل عليه هشام، وما عليه إلا دراعة، يسأله عن حاله، فقال: بخير، فقال هشام: إني أحب والله أن يجعلكم بخير[24].

·   الوليد بن يزيد بن عبد الملك:

لم تزد خلافة الوليد بن يزيد عن سنة وثلاث أشهر، ورغم ذلك فقد شاع ذكره في التاريخ حتى أصبح من أشهر خلفاء بني أمية، وحاول بعض المؤرخين أن يجعل من نقائصه ومثالبه - الصحيح منها والمخترع - سمة غالبة على العصر الأموي وخلفائه، رغم قصر مدة خلافته، وثورة أهله الأمويين عليه فيما بعد، وقتلهم إياه.

ولكن لا يخلو التاريخ من أدلة تبرئ الوليد مما نسب إليه من التهم التي رماه بها أعداؤه من إلحاد وكفر وجهر بالفسوق، فرسائله إلى هشام بن عبد الملك، ونصر بن يسار، تدل على إيمانه بالله وثقته بقدرته، كما أن موقفه من القدرية وتتبعه لهم تعزز هذا المعنى وتؤيده، حتى إنه لما حصر من أعدائه قبل قتله جلس وأخذ مصحفا، وقال: يوم كيوم عثمان، ونشر المصحف يقرأ، ورفض الدفاع عن نفسه آنئذ حتى قتل[25].

ويعد مقتل الوليد بن يزيد بداية النهاية للدولة الأموية، فقد اختلف أمراء البيت الأموي على أنفسهم، ولم تطل خلافة يزيد بن الوليد عن بضعة أشهر، ورغم ذلك فقد وجدت بعض الدلائل على تدينه وعدله، وما لبث أن أقبل مروان بن محمد - آخر خلفاء البيت الأموي - يستولي على مقاليد الحكم بالشام، وليقضي ما بقي من سني حكم بني أمية في صراع ونضال[26].

هؤلاء هم ولاة الأمر من خلفاء بني أمية وتلك سيرتهم، وما ذكرناه من فضائلهم هو لمجرد الاستشهاد فقط لا على سبيل الحصر، بل إن التاريخ ليذكر فتوحات الأمويين بكثير من الإعجاب، حتى إن رقعة الإسلام في العصر العباسي لم تزد كثيرا عما كانت عليه في العصر الأموي، والفضل في ذلك للأمويين؛ إذ كان أبناء خلفائهم على رأس الجيوش الفاتحة الغازية في سبيل إعلاء كلمة الله ونشر شريعته، فلماذا إذن يعاديهم العلماء؟!

ولماذا يتهمونهم بأنهم لا يفهمون روح الإسلام ولا ينطلقون منها؟ ولماذا لا يلجئون في التصدي لهم إلا لهذا اللون الخسيس من المقاومة وهو وضع أحاديث ضدهم؛ لا شك أن كل هذه ظنون لا تمت إلى الحقيقة بأدنى صلة، بل إنها مجرد افتراءات لا يؤيدها شيء من واقع علماء المدينة الأتقياء، ولا من تاريخ خلفاء بني أمية الذين كانوا في أعلى درجات الحرص على مصلحة الإسلام وأهله.

ثانيا. صلاح علماء المدينة وتقواهم يتناقض مع اتهامهم بالوضع:

إننا نعجب من افتراء هؤلاء المشككين على علماء المدينة الأتقياء واتهامهم بأنهم أول من قاموا ضمن حركة الوضع في الحديث النبوي ضد الأمويين، وإرغام أنوفهم بمدح أعدائهم، وسر ذلك العجب هو كيف تتفق التقوى مع الوضع في الحديث؟

إن التقوى هي الاستقامة على الدين ظاهرا وباطنا، إن كلمة الأتقياء دسها هؤلاء ليهونوا على القارئ ويسهلوا عليه الغرض الدنيء والاتهام الجريء الذي يرمون إليه، فإنه إذا حكم أن هذا حال الأتقياء فكيف يكون حال غير الأتقياء؟ لا شك أنهم يفوقونهم ويزيدون عليهم في وضع الحديث.

والغريب أن هؤلاء لم يذكروا لنا بعضا من هؤلاء العلماء الأتقياء على حد زعمهم؛ لنبين لهم أقوال أئمة الجرح والتعديل فيهم، ولنعلم أهم علماء أم ليسوا من العلم في شيء [27].

بل إن الأغرب من ذلك أن يزيد هؤلاء المشككون أن مقرهم كان في المدينة، وهل كان بالمدينة إلا كل عالم تقي حقا، بالمعنى الذي يفهمه المسلمون من العلم والتقوى، والاجتهاد في دين الله والصدق في شريعته، ومحاربة الكذابين والوضاعين، لا بالمعنى الذي يريد هؤلاء إيهامنا به من الدس في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والافتراء عليه دفاعا عن دينه؟

ولكن: هل استجاز العلماء الكذب دفاعا عن الدين؟

إن القول بوجود مسوغات دفعت العلماء إلى اختلاق الأحاديث والكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو قول لم ولن يصل إلى مدى السمو الذي يتصف به علماؤنا الأثبات، ولا المدى الذي وصلوا إليه في الترفع عن الكذب حتى في حياتهم العادية، ولا مبلغ الخوف الذي استقر في نفوسهم من الله خشية ورهبة من الكذب، ولا مدى استنكارهم لجريمة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتي قال منهم من قال بكفر من يفعل ذلك وقتله وعدم قبول توبته.

إن هؤلاء معذورون إذا لم يفهموا عن علمائنا هذه الخصائص؛ لأنهم لا يجدون لها ظلا في أنفسهم ولا فيمن حولهم، ومن اعتاد الكذب ظن في الناس أنهم أكذب منه، وإلا فمن الذي يرضى لنفسه أن يتهم قوما جاهروا بالإنكار على بعض ولاتهم لأنهم خالفوا بعض أحكام السنة، بأنهم استجازوا لأنفسهم بعد ذلك أن يضيفوا إلى السنة أحكاما لم يقلها رسول الله صلى الله عليه وسلم[28].

ولو فرضنا جدلا أن علماء المدينة قد فعلوا ذلك كما يزعم هؤلاء المدعون، فهل كان علماء المدينة هم كل علماء الإسلام في ذلك العصر؟ ألم يكن في مكة ودمشق والكوفة والبصرة ومصر وأمصار الإسلام الأخرى صحابة وعلماء أيضا؟

لقد كان في مكة في ذلك العصر - عدا من تأخرت وفاته من الصحابة - أمثال عطاء وطاوس ومجاهد وعمرو بن دينار وابن جريج وابن عيينة، وكان في البصرة أمثال الحسن وابن سيرين ومسلم بن يسار وأبي الشعثاء وأيوب السختياني ومطرف بن عبد الله بن الشخير، وكان في الكوفة أمثال علقمة وعبد الله بن عتبة بن مسعود وعمرو بن ميمون وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وسعيد بن جبير والقاسم بن عبد الله بن مسعود، وكان في الشام أبو إدريس الخولاني وقبيصة بن ذؤيب وسليمان بن حبيب وخالد بن معدان وعبد الرحمن بن غنم الأشعري بن جبير ومكحول، وكان في مصر يزيد بن أبي حبيب وبكير بن عبد الله الأشج وعمرو بن الحارث والليث بن سعد وعبيد الله بن أبي جعفر، وكان في اليمن مطرف وغيره.

هؤلاء أعلام الإسلام في العصر الأموي فهل شاركوا علماء المدينة في الوضع إن صح زعمهم؟ وكيف تم ذلك؟ وأين هذا المؤتمر الذي ضمهم، حتى اتخذوا فيه قرار الوضع؟

وإذا كانوا لم يشاركوا علماء المدينة في ذلك، فكيف سكتوا عنهم؟ وكيف نقلوا حديثهم؟ وأين هو في التاريخ إنكارهم على هؤلاء العلماء؟ بل إنا لنجد عكس ذلك؛ فقد كان علماء الأمصار جميعا يعترفون بأن حديث الحجاز أصح حديث وأقواه، بل إن عبد الملك بن مروان الأموي يعترف لعلماء المدينة بصحة الحديث حين أشار على الزهري أن يأتي إلى دور الأنصار فيتعلم منهم، فكيف يعترفون بذلك لو كانت المدينة دارا لضرب الحديث واختراعه؟! ولماذا سكت الأمويون وهم على علم بأن علماء المدينة يضعون الحديث ضدهم؟! إنها دعوى متهافتة لا تثبت أمام النقد لحظات ولكن الهوى يعمي[29].

ثالثا. حقيقة العداء بين سعيد بن المسيب وعبد الملك بن مروان:

ومما يزيد في تهافت دعوى هؤلاء أنهم يتخذون من عداء سعيد بن المسيب لعبد الملك ذريعة لرمي علماء المدينة كلهم بالكذب والوضع، ولكنهم لا يذكرون لنا أي دور له في هذه الحركة، فلماذا؟ ولماذا لم يستدلوا بحديث واحد قد وضعه سعيد بن المسيب للطعن في بني أمية أو حتى في مدح أعدائهم؟ الحق أن هؤلاء لم يجرءوا على ذلك لأنهم لم يجدوا بين أيديهم ولو رواية واحدة مفتعلة تؤكد دعواهم تلك؟

ونحن نستطيع أن نبين حقيقة الجفاء الذي كان بين سعيد بن المسب وعبد الملك بن مروان، ثم لنحكم بأنفسنا: هل يستحق هذا الجفاء أن يدفع عالما تقيا مثل سعيد بن المسيب إلى وضع أحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم؟

إن سر الخلاف بين سعيد بن المسيب والخليفة الأموي عبد الملك بن مروان هو أن عبد الملك بعد وفاة أخيه عبد العزيز بن مروان عقد بيعة ولاية العهد لولديه الوليد وسليمان من بعده، وأمر ولاته في جميع الأمصار بأخذ البيعة لهما، فكان موقف سعيد بن المسيب هو الامتناع عن البيعة؛ لأن ذلك الامتناع لهما التزام بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في نظره؛ لأنه نهى عن البيعة لاثنين، فلا بد من تنفيذ ذلك، مهما كلفه الامتناع من ثمن.

قال شيبان بن فروخ: "حدثنا سلام بن مسكين، حدثنا عمران بن عبد الله الخزاعي قال: دعي سعيد بن المسيب للوليد وسليمان بعد أبيهما فقال: لا أبايع اثنين ما اختلف الليل والنهار، فقيل: ادخل واخرج من الباب الآخر، قال: والله لا يقتدي بي أحد من الناس، قال: فجلده مائة وألبسة المسوح"[30].

وكانت حجة سعيد بن المسيب في امتناعه عن البيعة أنه لا يجوز أن يبايع لاثتين في آن واحد، وقال عبد الرحمن بن عبد القاري لسعيد بن المسيب، حين قامت البيعة للوليد وسليمان بالمدينة من بعد أبيهما: إني مشير عليك بخصال، قال: وما هن؟ قال: تعتزل مقامك، فإنك تقوم حيث يراك هشام بن إسماعيل - والي المدينة - قال: ما كنت لأغير مقاما قمته منذ أربعين سنة، قال: تخرج معتمرا، قال: ما كنت لأنفق مالي وأجهد بدني في شيء ليس فيه نية، ثم قال: فما الثالثة؟ قال: تبايع، قال: أرأيت إن كان الله أعمى قلبك، كما أعمى بصرك - وكان أعمى - فما علي؟ قال رجاء: فدعاه هشام إلى البيعة، فأبي، فكتب فيه إلى عبد الملك، فكتب إليه عبد الملك: مالك ولسعيد؟ ما كان علينا منه شيء نكرهه، فأما إذ فعلت، فاضربه ثلاثين سوطا، وأوقفه للناس[31].

وكان للفقيه الكبير قبيصة بن ذؤيب دور في تلك الحادثة وجهد طيب أثمر عن إطلاق سراح ابن المسيب؛ إذ لام الخليفة على ما فعل بابن المسيب، وتم إخلاء سبيله من السجن من قبل والي المدينة الذي سجنه وجلده.

هذا هو موقف سعيد بن المسيب وتمسكه بفتواه، وقد اختلف المؤرخون في أمر سعيد بن المسيب، بأن والي المدينة هو الذي عرضه للعقوبة دون أمر عبد الملك، وبعضهم قال: إن عبد الملك هو الذي أمر بذلك، فالذي يعنينا هنا هو موقف سعيد من ولاية العهد للوليد وسليمان، وتعرضه للعقوبة والمحنة مما زاد من حدة الخلاف بينه وبين بني مروان.

والمتأمل في خلاف سعيد بن المسيب رحمه الله لبني أمية وولاتهم، يلحظ التزامه بآداب جمة يجدر الوقوف عندها، وأهمها:

1. أنه على الرغم مما حدث بينه وبين بعض خلفاء بني أمية وولاتهم فإنه يعترف بإمامتهم وشرعية خلافتهم، فهو يعترف لعبد الملك بن مروان وابنه الوليد بإمرة المؤمنين، كما ورد ذلك في قوله لحاجب عبد الملك حين دعاه لمقابلة عبد الملك: ما لأمير المؤمنين حاجة.

كما أنه على الرغم مما صنع به والي المدينة - هشام بن إسماعيل - فإنه كان يصلي خلفه، وكل ما فعله مقابل إساءته له أن قال: الله بيني وبين من ظلمني، أو اللهم انصرني من هشام، وكان يمتثل أوامرهم فيه، فحين أخرج من السجن نهوا أن يجالسه أحد، فكان إذا أراد أحد أن يجالسه قال: إنهم قد جلدوني، ومنعوا الناس أن يجالسوني.

2. ومن أدب خلافه أنه لم يشغل نفسه بسب بني أمية أو ولاتهم، أو التعرض لهم بالقدح وإثارة الناس عليهم، فحين قيل له: ادع على بني أمية، قال: اللهم أعز دينك، وأظهر أولياءك، وأخز أعداءك في عافية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

3.  أنه لم يضع يده مع كل معارض لهم نكاية للأمويين.

4. أنه على الرغم من كرهه القرب من خلفاء بني أمية - لا سيما بني مروان منهم - وربما انتقاده لبعض العلماء الذين خالطوهم كقبيصة بن ذؤيب والزهري، على الرغم من ذلك، فإن كرهه لهذا العمل لم يمتد ليشمل نظرته وتقويمه لهم، بل كان يقدر لهم علمهم واجتهادهم، فروي عنه قوله في الزهري: "ما مات من ترك مثلك"[32]، فانظر إلى هذا الأدب في الخلاف بين العلماء حين يختلفون في قضية من القضايا أو موقف من المواقف، فإنه لا يمتد هذا الخلاف ليفسد ذات بينهم أو يشعل فتيل التهم فيما بينهم.

وقد استطاع عمر بن عبد العزيز حين تولى الحجاز في عهد الوليد أن يحسن التعامل مع العلماء بشكل عام، وقدر لهم قدرهم، وجعلهم مستشاريه، وخص سعيدا بمزيد من التقدير والاحترام، ونتيجة لحسن معاملة عمر بن عبد العزيز له تجاوب سعيد معه، قال ابن كثير: وكان سعيد لا يأتي أحدا من الخلفاء، وكان يأتي عمر بن عبد العزيز وهو بالمدينة، ومرة أرسل عمر بن عبد العزيز رسولا إلى سعيد ليسأله في مسألة، فأخطأ الرسول فدعاه، فلما جاء سعيد قال عمر: أخطأ الرسول، إنما أرسلناه يسألك في مجلسك, فانظر كيف كان حرص عمر على تقديره، وانظر أيضا كيف سارع سعيد إلى المجيء إليه تقديرا له[33].

هذا هو سعيد بن المسيب رحمه الله عالم المدينة وسيد التابعين، مدرسة الأخلاق والقيم والمبادئ، وهذا موقفه من عبد الملك بن مروان، إنه موقف الرجل المدافع عن المبادئ وعن سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد تعرض للضرب والإهانة والتنكيل، حتى لا يبايع بيعتين في وقت واحد فيخالف بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترى هل يمكن لمثل هذا الرجل أن يستبيح بعد ذلك لنفسه أن يكذب ليدافع عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا كان يمكن أن يسمى الكذب دفاعا عن الإسلام؟

لا شك أن ما يدعيه هؤلاء كذب وافتراء يرده التاريخ ويأباه؛ إذ لم يثبت أن سعيد بن المسيب وضع حديثا يحط من قدر بني أمية حتى ولو كان دفاعا عن السنة.

رابعا. الذين وضعوا الأحاديث في مدح آل البيت هم غلاة الشيعة وليس علماء المدينة:

هكذا يقلب المشككون الحقائق، فعلى حين يصف علماء المسلمين وضاع الأحاديث بأنهم فساق وزنادقة، نجد هؤلاء يدعون أن علماء المدينة الأتقياء هم أول من قاموا بحركة الوضع في الحديث النبوي لمقاومة بني أمية عن طريق مدح أعدائهم من آل البيت، وغير خاف على المشتغلين بعلوم السنة أن الله مدح بعض الصحابة في الكتاب الكريم، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدح عليا، كما مدح أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وعائشة والزبير وأمثالهم من كبار الصحابة، فهنالك بلا شك أحاديث صحيحة في مدح كبار بعض الصحابة ومنهم آل البيت، ولكن الشيعة تزيدوا في ذلك، وبدأوا في وضع الأحاديث في فضائل آل البيت نكاية في الأمويين وأشياعهم[34].

وقد أجمع العلماء على أن الشيعة هم أول من قاموا بوضع الحديث ولم يخالف في ذلك أحد، فقد صنعوا أحاديث كثيرة وحرفوا بعض الأحاديث حسب أهوائهم، وفرقهم التي كانت تزداد يوما بعد يوم.

 يقول ابن أبي الحديد - وهو أديب شيعي - في شرح "نهج البلاغة": "واعلم أن أصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل كانت من جهة الشيعة، فإنهم وضعوا في مبدأ الأمر أحاديث في صاحبهم - أي علي بن أبي طالب - حملهم على وضعها عداوة خصومهم"[35].

قال ابن الجوزي رحمه الله: "فاعلم أن الرافضة ثلاثة صنوف: صنف سمعوا شيئا من الحديث، فوضعوا أحاديث وزادوا ونقصوا، وصنف لم يسمعوا فتراهم يكذبون على جعفر الصادق، ويقولون: قال جعفر، وقال فلان، والصنف الثالث: عوام جهلة يقولون ما يريدون مما يسوغ في العقل ومما لا يسوغ"[36].

وقد اتخذ أسلوبهم في الوضع اتجاهين:

الأول: الوضع نصرة لآرائهم ودواعيهم.

الثاني: الوضع في مثالب مناوئيهم[37].

وقد كثر الوضع منهم حتى أساءوا إلى سمعة العراق، التي سميت "دار الضرب" تضرب فيها الأحاديث كما تضرب الدراهم، وكان أهل المدينة يتوقون أحاديثهم، وكان الإمام مالك يقول: "أنزلوا أحاديث أهل العراق منزلة أحاديث أهل الكتاب: لا تصدقوهم ولا تكذبوهم"[38]، وقال له عبد الرحمن بن مهدي: "يا أبا عبد الله، سمعنا في بلدكم - المدينة - أربعمائة حديث في أربعين يوما، ونحن - أي في العراق - في يوم واحد نسمع هذا كله، فقال له: يا عبد الرحمن، من أين لنا دار الضرب التي عندكم؟ دار الضرب تضربون بالليل وتنفقون بالنهار"[39]، وقال ابن شهاب: "يا أهل العراق، يخرج الحديث من عندنا شبرا فيصير عندكم ذراعا"[40]، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص لجماعة من أهل العراق جاءوا يسألونه أن يحدثهم: "إن من أهل العراق قوما يكذبون ويكذبون ويسخرون"[41].

وقال الشافعي: "لم أر أحدا أشهد بالزور من الرافضة"، وقال حماد بن سلمة: "حدثني شيخ لهم تاب - يعني الرافضة - قال: كنا إذا اجتمعنا، فاستحسنا شيئا جعلناه حديثا"[42].

وهكذا صنع غلاة الشيعة أحاديث كثيرة، فوضعوا أحاديث في مناقب علي - رضي الله عنه - وأخرى وضعوها في مثالب معاوية والأمويين، وكتب الموضوعات مليئة بأكاذيبهم[43].

فالشيعة إذن هم من وضعوا الأحاديث في مدح آل البيت والطعن في بني أمية، وليس علماء المدينة الأتقياء كما يزعم هؤلاء.

إننا نجد هؤلاء العلماء الأتقياء هم الذين قاوموا هذا الوضع، ووقفوا دون هذه الحركة، حتى ليقول ابن سيرين: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم»[44].

ولا شك أن أهل البدع المقصودين هنا هم غلاة الشيعة والخوارج ومن سار على طريقهم، لا علماء المدينة الأتقياء الذين قاوموا هذه الطوائف التي تزيدت ووضعت الأحاديث في فضل آل البيت، فهل يمكن أن يفعلوا مثل ذلك ويضعون الأحاديث لهذا الغرض نفسه؟ لقد كان من الأولى، إذا كانوا على استعداد لوضع الأحاديث في ذلك ألا يقاوموا حركة الشيعة، وأن يسيروا معهم في طريق واحد، فلماذا لم يفعلوا [45]؟

لا شك أن ما ذكرناه من حقائق تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، براءة علماء أهل السنة أو علماء المدينة الأتقياء - على حد رأيهم - من تهمة وضع الأحاديث على النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يؤكد أن ما أثاره هؤلاء المشككون من غبار حول علمائنا الأثبات لا يعدو أن يكون تحريفا لحقائق التاريخ وقلبا لأحداثه.

الخلاصة:

·   لم يكن خلفاء بني أمية من المستبدين ولا المنحرفين عن الدين؛ بل إن هناك كثيرا من النصوص التاريخية التي تبرئ ساحتهم من التهم الكثيرة التي نسبها إليهم غلاة الروافض وصنائع العباسيين.

·   إن التاريخ يذكر بكثير من الإعجاب فتوحات الأمويين، ونشرهم للإسلام، وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية، فلماذا يعاديهم علماء الإسلام؟ ولماذا يتهمونهم بالانحراف عن الدين؟

·   لم يكن بالمدينة إلا كل عالم تقي حقا، فقد كانوا يتحرون الصدق أشد التحري، وهم الذين تصدوا لحركة الوضع والوضاعين، إذ كانوا يعدون الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - كفرا، ولا يقبلون توبة من يفعل ذلك.

·   لم يكن علماء المدينة هم كل علماء المسلمين في ذلك العصر، حتى يضعوا من الأحاديث ما شاؤوا دون أن ينكر عليهم أحد ذلك، بل كان في كل مصر من أمصار الإسلام علماء أثبات يتصدون للوضع والوضاعين.

·   إن سعيد بن المسيب عالم المدينة رغم تعرضه للتعذيب على يد عامل بني أمية إلا أنه لم يسب بني أمية ولم يدع عليهم، بل وكل أمرهم إلى الله.

·   كيف لسعيد بن المسيب، هذا العالم الجليل أن يضع أحاديث على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي لم يتحمل ما تحمله إلا دفاعا عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس هناك أي دليل يثبت وضعه ولو لحديث واحد.

·   وضع الأحاديث في مدح آل البيت كان من غلاة الشيعة وليس علماء المدينة، بل إن هؤلاء العلماء هم الذين تصدوا لهؤلاء الغلاة وبينوا كذبهم على النبي صلى الله عليه وسلم.

 المراجع:


(*) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م. حجية السنة والرد على الشبهات التي أثيرت حولها، الجامعة الدولية بأمريكا اللاتينية، د. ت..

[1]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص186 بتصرف.

[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب: فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، (7/ 5)، رقم (3651). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضل الصحابة ثم الذين يلونهم، (9/ 3659)، رقم (6354).

[3]. الدولة الأموية المفترى عليها، د. حمدي شاهين، دار القاهرة، القاهرة، ط2، 2005م، ص6 بتصرف.

[4]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص186 بتصرف.

[5]. الدولة الأموية المفترى عليها، د. حمدي شاهين، دار القاهرة، القاهرة، ط2، 2005م، ص193 بتصرف.

[6]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (8/ 142).

[7]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (8/ 143).

[8]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: ذكر معاوية رضي الله عنه، (7/ 130)، رقم (3765).

[9]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (59/ 66).

[10]. منهاج السنة النبوية، ابن تيمية، دار الحديث، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، (6/ 128).

[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجهاد والسير، باب: ما قيل في قتال الروم، (6/ 120)، رقم (2924).

[12]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (8/ 251).

[13]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (8/ 283).

[14]. تهذيب التهذيب، ابن حجر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (10/ 83).

[15]. الدولة الأموية المفترى عليها، د. حمدي شاهين، دار القاهرة، القاهرة، ط2، 2005م، ص199.

[16]. فوات الوفيات، محمد بن شاكر الكتبي، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، ط1، 1974م، (2/ 403).

[17]. تهذيب التهذيب، ابن حجر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (6/ 374).

[18]. تهذيب التهذيب، ابن حجر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (6/ 374).

[19]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (6/ 435).

[20]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (29/ 344).

[21]. الدولة الأموية المفترى عليها، د. حمدي شاهين، دار القاهرة، القاهرة، ط2، 2005م، ص206.

[22]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (9/ 227).

[23]. انظر: تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (65/ 300: 313).

[24]. تاريخ الأمم والملوك، الطبري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1407هـ، (4/ 14).

[25]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (10/ 13).

[26]. انظر: الدولة الأموية المفترى عليها، د. حمدي شاهين، دار القاهرة، القاهرة، ط2، 2005م، ص194: 219. الدولة الأموية: عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار، د. علي محمد محمد الصلابي، مؤسسة اقرأ، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص186 بتصرف.

[27]. حجية السنة والرد على الشبهات التي أثيرت حولها، الجامعة الدولية بأمريكا اللاتينية، د.ت، ص76 بتصرف.

[28]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص189 بتصرف.

[29]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص187، 188 بتصرف.

[30]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، 1423هـ/ 1993م، (4/ 231).

[31]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، 1423هـ/ 1993م، (4/ 231).

[32]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، 1423هـ/ 1993م، (5/ 337).

[33]. الدولة الأموية: عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار، د. علي محمد محمد الصلابي، مؤسسة اقرأ، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص68: 71 بتصرف.

[34]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص190 بتصرف.

[35]. شرح نهج البلاغة، عبد الحميد بن هبة الله بن الحسين بن أبي الحديد، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1378هـ/ 1959م، (1/ 48، 49).

[36]. الموضوعات، ابن الجوزي، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفكر، بيروت، ط2، 1403هـ/ 1983م، (1/ 338).

[37]. قضايا حديثية، أشرف خليفة عبد المنعم السيوطي، مكتبة أولاد الشيخ، القاهرة، د. ت، ص533، 534 بتصرف.

[38]. رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ابن تيمية، مكتبة السنة، القاهرة، ط1، 1418هـ/ 1998م، ص23.

[39]. منهاج السنة، ابن تيمية، دار الحديث، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، (2/ 209).

[40]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، 1423هـ/ 1993م، (5/ 344).

[41]. الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: د. علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (5/ 89).

[42]. لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني، دار الفاروق الحديثة، القاهرة، ط1، 1416هـ/ 1996م، (1/ 11).

[43]. انظر: السنة قبل التدوين، د. محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط4، 1425هـ/ 2004م، ص194: 197.

[44]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، المقدمة، باب: الإسناد من الدين، (1/ 89).

[45]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص190 بتصرف.

الجواب التفصيلي

دعوى أن علماء المدينة الأتقياء وضعوا أحاديث ضد بني أمية(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المشككين أن استبداد خلفاء بني أمية، وانحرافهم عن الدين قد دفع علماء المدينة الأتقياء إلى مقاومتهم والتصدي لهم عن طريق وضع الأحاديث في مثالبهم، ومدح أعدائهم من آل البيت، ويستدلون على دعواهم تلك بالعداء الذي كان بين عالم أهل المدينة سعيد بن المسيب والخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وبكثرة الأحاديث الموضوعة في مدح آل البيت. وهم يرمون من وراء ذلك إلى التشكيك في صحة السنة النبوية، وفي نزاهة علماء المسلمين.

وجوه إبطال الشبهة:

1) لقد كتب تاريخ بني أمية على أيدي أعدائهم من صنائع العباسيين وغلاة الروافض، فلا يصح الاعتماد على تلك الأخبار في الحكم عليهم، ومع ذلك فإن كثيرا من النصوص تؤكد تدين خلفاء بني أمية وحرصهم على مصلحة المسلمين، ونشرهم الإسلام في ربوع الأرض، فلماذا يعاديهم علماء المدينة الأتقياء؟

2) لم يستبح علماؤنا أبدا الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، حتى ولو كان ذلك دفاعا عن الدين كما يزعمون، بل كانوا أتقياء حقا في تحريهم الصدق ومقاومتهم للكذبة الوضاعين.

3) إذا كان سعيد بن المسيب تعرض للتعذيب الشديد دفاعا عن إحدى سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي عدم جواز البيعة لاثنين في وقت واحد، فكيف لمثله أن يستبيح الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم؟ ولم يرد أي دليل على وضع سعيد بن المسيب أحاديث ضد الأمويين.

4) ثمة أحاديث صحيحة في مدح آل البيت، ولكن غلاة الشيعة تزيدوا في ذلك ووضعوا كثيرا من الأحاديث في فضائل آل البيت نكاية في الأمويين، وليس صحيحا أن علماء المدينة هم من فعلوا ذلك، بل الصحيح أن علماء المدينة هم أول من تصدوا لهم وبينوا كذبهم.

التفصيل:

أولا. بنو أمية كانوا حريصين على نشر الإسلام وعلى مصلحة المسلمين:

في البداية نود أن نقول لهؤلاء الذين يصورون لنا الأمويين جماعة دنيويين ليس لهم هم إلا السلطة والملك، وفرض النفوذ والتوسع في رقعة هذا الملك، وإنهم كانوا في حياتهم العادية جاهلين لا يمتون إلى تعاليم الإسلام وآدابه بصلة[1]، إنهم قد تناسوا إحدى المسلمات الأساسية الواضحة؛ وهي أن تاريخ هذه الدولة يقع في دائرة خير القرون، المشهود لها بذلك من المعصوم - صلى الله عليه وسلم - في قوله:

«خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»

[2]

ولا يمكن لعقل أن يتصور هذه النقلة الكبيرة التي يتحدث عنها هؤلاء بين صفاء عصر الراشدين وظلام عصر بني أمية، وليس الثاني إلا امتدادا طبيعيا للأول، فيه عاش بقية رجاله، ومن تبعهم بإحسان، وصاغوا تاريخه وأمجاده، مع التسليم بوجود فارق لا بد منه بين هذا العصر وذاك.

وإن ما خلفه الأمويون من آثار تاريخية خالدة لا يمكن أن يصدر عن حقبة تاريخية بهذه السوءات التي يصورها أعداء الإسلام، كما أن التاريخ لا ينفرد بصياغته في عصر ما ثلة من الرجال - ولو كانوا ممتازين - على امتداد هذه العقود من الزمان التي عمرتها الدولة الأموية، وإنما هو نتاج عوامل شتى تتداخل فيها تأثيرات الزمان والمكان والبشر، وتلعب فيها قوى المجتمع وتكويناته الظاهرة والمستترة دورا كبيرا، ومن خلال هذا المنظور ينبغي تفسير التاريخ الأموي، فلا يجوز أن يتحمل حكامه من بني أمية كل أوزاره ومثالبه، ولا أن ترد جميعها إلى منعهم وتأثيرهم، تماما كما لا ينبغي أن تنسب إليهم وحدهم شرف كل أمجاده ومفاخره.

إن هذه الحقائق الثابتة تقودنا إلى البداية الطبيعية للبحث عن حقيقة التاريخ الأموي، ألا وهي بحث الظروف التاريخية التي دون فيها ذلك التاريخ، والعوامل المتعددة التي حكمت ذلك التدوين وأثرت فيه. فمن المسلم به أن كتابة التاريخ الأموي قد تمت في العصر العباسي، وفي أجواء معادية لبني أمية، وعلى أيدي رجال تعددت مذاهبهم واتجاهتهم الفكرية وولاءاتهم السياسية، وقد ترك ذلك كله آثارا ضخمة على تناولهم تاريخ هذه الحقبة بالغة الأهمية والحساسية[3].

ومن ثم فقد كتب معظم تاريخ بني أمية على أيدي أعدائها، فتزيد فيه الرواة والإخباريون ما شاءوا، ولعبت الشائعات التي أثارها صنائع العباسيين وغلاة الشيعة والروافض دورا كبيرا في تشويه تاريخ بني أمية، فلا يصح الاعتماد - بدون تمحيص - على كتب الأخبار والتاريخ التي كتبت في العصر العباسي فيما يتعلق بالأمويين، فضلا عن أنه حتى في هذه الحالة، فإننا نجد نصوصا كثيرة تكذب ما ذهب إليه هؤلاء المدعون وما رموا به خلفاء بني أمية من انحراف عن الإسلام وتحد لأحكامه[4].

صحيح أن الحكم الأموي قد أظهر بعدا ما عن ذلك الأفق السامي من الالتزام الإسلامي في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين، استمد توهجه وبريقه من الانسجام المتناغم بين القيادة والرعية، وحرص كليهما على التحقيق بكمالات الدين، في معظم مراحل هذه الفترة الزمنية الثرية.

غير أن التزام الدولة والمجتمع في العصر الأموي بالإسلام لم يتراجع بشكل حاد عنه زمن الراشدين، فقد كان كثير من مسلمي العهد الأموي ممن عاش زمن الراشدين، سواء كانوا من شيوخ الصحابة أو جيل التابعين.

وإن صح أن نقول: إن الاندفاع إلى تحقيق مثالية الإسلام قد أفسح الطريق لظهور نوع من الواقعية والترخص، لا يخرج في مجمله عن حدود الإسلام، الذي نعرفه دينا شاملا كاملا، يعترف باختلاف قدرات البشر واستعداداتهم، ويشرع العزائم والرخص، ولا يخرج أتباعه في هذه الحال أو تلك عن حدود الإسلام ومقتضى شريعته[5].

ويمكننا أن نتحدث بإيجاز عن التزام خلفاء بني أمية بالإسلام، ومدى تدينهم، وحمايتهم لهذا الدين، وخدمتهم للمسلمين مما ينفي عنهم الاستبداد والانحراف عن الدين في النقاط الآتية:

·   معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه:

لن نتحدث هنا عن مكانة معاوية بن أبي سفيان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عند خليفتيه أبي بكر وعمر، فهذا ما لا يستطيع أحد أن يشكك فيه، ولكننا نتحدث عنه بعد توليه الخلافة، ورغم أن روايات التاريخ قد حجبت كثيرا من الجوانب المضيئة عند خليفة الأمويين الأول، فإن شهادات بعض كبار معاصريه من الصحابة والتابعين تسد هذا النقص، مثل أقوال سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عباس، وابن عمر، الذين لا يتهمون بمحاباة معاوية، أو مجاملته..

فقد نقل الحافظ ابن كثير عن سعد بن أبي وقاص قوله: "ما رأيت أحدا بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب"[6]، يعني معاوية، وقال عنه ابن عباس: "ما رأيت رجلا كان أخلق بالملك من معاوية"[7]، وقيل لابن عباس:

«هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة؟ فقال: إنه فقيه»

[8]

وقال عبد الله بن عمر: "ما رأيت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسود من معاوية (أي: أكثر تخلقا بأخلاق السيادة منه)، فقيل له: ولا أبو بكر وعمر؟ فقال: كان أبو بكر وعمر خيرا منه، وما رأيت بعد رسول

الله - صلى الله عليه وسلم - أسود من معاوية"[9].

وقد روي أن بعض الصالحين قد بهره عدل عمر بن عبد العزيز، فأخذ يتحدث عنه، حتى فاجأه الأعمش بقوله: "تذكرون عدل عمر بن عبد العزيز، فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: في حلمه؟ قال: بل في عدله"، وروى الأعمش عن مجاهد قوله: "لو أدركتم معاوية لقلتم هذا المهدي"، وقال أبو إسحاق السبيعي مثل ذلك[10].

·    يزيد بن معاوية بن أبي سفيان:

ما كاد يزيد بن معاوية يتولى الخلافة بعد وفاة أبيه حتى ثارت ضده معارضة عنيفة قادها الحسين بن علي رضي الله عنهما، الذي وثق بإغراءات أهل العراق، ثم تلتها ثورة أهل المدينة، ثم ثورة عبد الله بن الزبير بمكة، إذ مات يزيد، وجيوشه تحاصر ابن الزبير وتضيق عليه الخناق.

وقد كانت هذه الثورات وما تمخض عنها من نتائج وخيمة فرصة هائلة لتشويه صورة يزيد والطعن فيه، وقد وجدت هذه المطاعن من يروجها من أعداء بني أمية طوال تاريخهم وبعده حتى حملتها لنا صفحات التاريخ.

أما قبل هذه الثورات فلا نعلم اتهاما خطيرا يعتد به ليزيد طوال خلافة أبيه حتى بعد ترشيحه لولاية العهد، وقد لبث وليا للعهد بضع سنين، ويكفي أن نذكر من فضائله أنه كان قائد أول جيش يغزو القسطنطينية، فصدقت فيه نبوءة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ قال:

«أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم»

[11].

وكانت له هناك ضروب من الشجاعة والبأس، وكان تحت لوائه من الصحابة أبو أيوب الأنصاري وابن عباس وابن عمر وابن الزبير.

ولما وفد عبد الله بن عباس على أمير المؤمنين معاوية بعد وفاة الحسن بن علي، دخل عليه يزيد وجلس يعزيه في وفاة الحسن، فلما نهض من عنده قال ابن عباس: "إذا ذهب بنو حرب ذهب علماء الناس"[12].

·    مروان بن الحكم:

عرف عن مروان بن الحكم العلم والفقه والعدل، فقد كان سيدا من سادات شباب قريش، وقد شهد له الإمام مالك بالفقه، واحتج بقضائه وفتاواه في مواطن عديدة من كتاب الموطأ، كما وردت في غيره من كتب السنة المتداولة في أيدي أئمة المسلمين يعملون بها، وكان الإمام أحمد يقول: "يقال كان عند مروان قضاء، وكان يتتبع قضايا عمر بن الخطاب"، وكان مروان من أقرأ الناس للقرآن[13]، كما كانت له رواية الحديث الشريف، حيث روى عن بعض مشاهير الصحابة؟ وروى عنه بعضهم، كما روى عنه بعض التابعين[14]، وكان حريصا على السنة والعمل بها[15].

·    عبد الملك بن مروان:

اشتهر عبد الملك بن مروان بالعلم والفقه والعبادة، فقد كان أحد فقهاء المدينة الأربعة: سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وقبيصة بن ذؤيب وعبد الملك بن مروان[16]، حتى قال نافع مولى عبد الله بن عمر: لقد رأيت المدينة وما فيها أشد تشميرا ولا أفقه، ولا أقرأ لكتاب الله من "عبد الملك بن مروان"[17]، وكان يسمى "حمامة المسجد" لحرصه على المكث فيه، وقد قال الإمام الشعبي: "ما جالست أحدا إلا وجدت لي الفضل عليه، إلا عبد الملك بن مروان فإني ما ذاكرته حديثا إلا زادني فيه، وقد استشهد الإمام مالك بفقهه وأحكامه وقضاياه"[18].

·   الوليد بن عبد الملك:

كان الوليد قارئا للقرآن مشيدا للمساجد عابدا غيورا على دين الله عز وجل، قال إبراهيم بن عبلة: قال لي الوليد بن عبد الملك: في كم تختم القرآن؟ فقلت في كذا وكذا، فقال: إن أمير المؤمنين على شغله يختمه في كل ثلاث، وقيل: في كل سبع[19]، وكان الوليد يقرأ القرآن في شهر رمضان سبع عشرة مرة[20]، وكان أول من أجرى طعام شهر رمضان في المساجد.

كما أنشئت في عصره الكثير من المساجد مثل جامع دمشق، الذي كان أعجوبة الدنيا في عصره، كما أعاد بناء المسجد النبوي بالمدينة وتوسعته، وكان له جهد هائل في الفتح، ونشر كلمة الإسلام ولغة العرب[21].

·    سليمان بن عبد الملك:

سمي سليمان بن عبد الملك "مفتاح الخير"؛ وذلك لأنه افتتح عهده بخير وختمه بخير؛ إذ رد المظالم على أهلها، وأخرج المسجونين الذين كانوا بالبصرة، واستخلف عمر بن عبد العزيز، وأغزى مسلمة أخاه الصائفة حتى بلغ القسطنطينية، فأقام بها حتى مات سليمان، وجمع سليمان حوله الفقهاء والعلماء، فكان يجالسهم ويستمع إلى مواعظهم.

·    عمر بن عبد العزيز:

إن الروايات عن زهد عمر بن عبد العزيز، وورعه وخوفه من الله - عز وجل - وعدله أكثر من أن تحصى، وترجمتاه اللتان كتبهما عنه ابن الجوزي، وابن عبد الحكم زاخرتان بهذه الروايات التي تقدم صورة مضيئة لعمر بن عبد العزيز نجيبة بني أمية، وخامس الخلفاء الراشدين، وقد نشأ عمر مترفا منعما في بيت الإمارة والملك، إذ كان أبوه عبد العزيز بن مروان أميرا على مصر، غير أنه بعد أن ولي الخلافة شعر بعظم المسئولية الملقاة عليه فانقلب زاهدا متعبدا على نحو مثير، وأحال ما حوله من مظاهر الملك وصوره إلى لون من البساطة يذكرنا بمظاهر الخلافة في عصر الراشدين، حتى قال فيه مالك بن دينار: "يقولون: مالك زاهد؛ أي زهد عندي، وإنما الزاهد عمر بن عبد العزيز أتته الدنيا فاغرة فاها فتركها جملة"[22].

·    يزيد بن عبد الملك:

صحيح أن يزيد بن عبد الملك لم يلزم نفسه مسلك عمر بن عبد العزيز في الزهد والتقشف، فليس كثيرون يطيقون ذلك، ولكنه لم ينقض سيرة عمر بن عبد العزيز ويفعل خلافها، كما أثار بعض المؤرخين، بل هناك دلائل عديدة على تحريه العدل وسنن الدين، وحرص عماله على بيت مال المسلمين، وحرصه على إرضاء رعيته، ولعل آخر ما يذكر ليزيد أنه استخلف من بعده هشاما أخاه، ولم يستخلف ولده الوليد؛ مراعاة لمصلحة الأمة[23].

·   هشام بن عبد الملك:

لقد كان زمن هشام بن عبد الملك حافلا بالجهاد والغزو على شتى الجبهات، وإن لم يحدث تقدم ذو بال على مساحة الدولة، ولم يكن أحد من بني مروان يأخذ العطاء إلا وعليه الغزو، فمنهم من يغزو ومنهم من يخرج بدلا، وكانت له جهوده المعمارية، وكان يجمع الأموال ويعمر الأرض ويستجيد الخيل، وقد اصطنع الرجال، وقوى الثغور، واتخذ القنى والبرك بطريق مكة وغير ذلك من الآثار، وكان هشام يجل العلماء والفقهاء في زمانه، فلما حج سنة 106هـ، وبلغه موت طاوس اليمني الفقيه وسالم بن عبد الله، حرص على أن يصلي عليهما بنفسه، ورأى القاسم بن محمد بن أبي بكر عند قبر سالم بن عبد الله، فأقبل عليه هشام، وما عليه إلا دراعة، يسأله عن حاله، فقال: بخير، فقال هشام: إني أحب والله أن يجعلكم بخير[24].

·   الوليد بن يزيد بن عبد الملك:

لم تزد خلافة الوليد بن يزيد عن سنة وثلاث أشهر، ورغم ذلك فقد شاع ذكره في التاريخ حتى أصبح من أشهر خلفاء بني أمية، وحاول بعض المؤرخين أن يجعل من نقائصه ومثالبه - الصحيح منها والمخترع - سمة غالبة على العصر الأموي وخلفائه، رغم قصر مدة خلافته، وثورة أهله الأمويين عليه فيما بعد، وقتلهم إياه.

ولكن لا يخلو التاريخ من أدلة تبرئ الوليد مما نسب إليه من التهم التي رماه بها أعداؤه من إلحاد وكفر وجهر بالفسوق، فرسائله إلى هشام بن عبد الملك، ونصر بن يسار، تدل على إيمانه بالله وثقته بقدرته، كما أن موقفه من القدرية وتتبعه لهم تعزز هذا المعنى وتؤيده، حتى إنه لما حصر من أعدائه قبل قتله جلس وأخذ مصحفا، وقال: يوم كيوم عثمان، ونشر المصحف يقرأ، ورفض الدفاع عن نفسه آنئذ حتى قتل[25].

ويعد مقتل الوليد بن يزيد بداية النهاية للدولة الأموية، فقد اختلف أمراء البيت الأموي على أنفسهم، ولم تطل خلافة يزيد بن الوليد عن بضعة أشهر، ورغم ذلك فقد وجدت بعض الدلائل على تدينه وعدله، وما لبث أن أقبل مروان بن محمد - آخر خلفاء البيت الأموي - يستولي على مقاليد الحكم بالشام، وليقضي ما بقي من سني حكم بني أمية في صراع ونضال[26].

هؤلاء هم ولاة الأمر من خلفاء بني أمية وتلك سيرتهم، وما ذكرناه من فضائلهم هو لمجرد الاستشهاد فقط لا على سبيل الحصر، بل إن التاريخ ليذكر فتوحات الأمويين بكثير من الإعجاب، حتى إن رقعة الإسلام في العصر العباسي لم تزد كثيرا عما كانت عليه في العصر الأموي، والفضل في ذلك للأمويين؛ إذ كان أبناء خلفائهم على رأس الجيوش الفاتحة الغازية في سبيل إعلاء كلمة الله ونشر شريعته، فلماذا إذن يعاديهم العلماء؟!

ولماذا يتهمونهم بأنهم لا يفهمون روح الإسلام ولا ينطلقون منها؟ ولماذا لا يلجئون في التصدي لهم إلا لهذا اللون الخسيس من المقاومة وهو وضع أحاديث ضدهم؛ لا شك أن كل هذه ظنون لا تمت إلى الحقيقة بأدنى صلة، بل إنها مجرد افتراءات لا يؤيدها شيء من واقع علماء المدينة الأتقياء، ولا من تاريخ خلفاء بني أمية الذين كانوا في أعلى درجات الحرص على مصلحة الإسلام وأهله.

ثانيا. صلاح علماء المدينة وتقواهم يتناقض مع اتهامهم بالوضع:

إننا نعجب من افتراء هؤلاء المشككين على علماء المدينة الأتقياء واتهامهم بأنهم أول من قاموا ضمن حركة الوضع في الحديث النبوي ضد الأمويين، وإرغام أنوفهم بمدح أعدائهم، وسر ذلك العجب هو كيف تتفق التقوى مع الوضع في الحديث؟

إن التقوى هي الاستقامة على الدين ظاهرا وباطنا، إن كلمة الأتقياء دسها هؤلاء ليهونوا على القارئ ويسهلوا عليه الغرض الدنيء والاتهام الجريء الذي يرمون إليه، فإنه إذا حكم أن هذا حال الأتقياء فكيف يكون حال غير الأتقياء؟ لا شك أنهم يفوقونهم ويزيدون عليهم في وضع الحديث.

والغريب أن هؤلاء لم يذكروا لنا بعضا من هؤلاء العلماء الأتقياء على حد زعمهم؛ لنبين لهم أقوال أئمة الجرح والتعديل فيهم، ولنعلم أهم علماء أم ليسوا من العلم في شيء [27].

بل إن الأغرب من ذلك أن يزيد هؤلاء المشككون أن مقرهم كان في المدينة، وهل كان بالمدينة إلا كل عالم تقي حقا، بالمعنى الذي يفهمه المسلمون من العلم والتقوى، والاجتهاد في دين الله والصدق في شريعته، ومحاربة الكذابين والوضاعين، لا بالمعنى الذي يريد هؤلاء إيهامنا به من الدس في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والافتراء عليه دفاعا عن دينه؟

ولكن: هل استجاز العلماء الكذب دفاعا عن الدين؟

إن القول بوجود مسوغات دفعت العلماء إلى اختلاق الأحاديث والكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو قول لم ولن يصل إلى مدى السمو الذي يتصف به علماؤنا الأثبات، ولا المدى الذي وصلوا إليه في الترفع عن الكذب حتى في حياتهم العادية، ولا مبلغ الخوف الذي استقر في نفوسهم من الله خشية ورهبة من الكذب، ولا مدى استنكارهم لجريمة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتي قال منهم من قال بكفر من يفعل ذلك وقتله وعدم قبول توبته.

إن هؤلاء معذورون إذا لم يفهموا عن علمائنا هذه الخصائص؛ لأنهم لا يجدون لها ظلا في أنفسهم ولا فيمن حولهم، ومن اعتاد الكذب ظن في الناس أنهم أكذب منه، وإلا فمن الذي يرضى لنفسه أن يتهم قوما جاهروا بالإنكار على بعض ولاتهم لأنهم خالفوا بعض أحكام السنة، بأنهم استجازوا لأنفسهم بعد ذلك أن يضيفوا إلى السنة أحكاما لم يقلها رسول الله صلى الله عليه وسلم[28].

ولو فرضنا جدلا أن علماء المدينة قد فعلوا ذلك كما يزعم هؤلاء المدعون، فهل كان علماء المدينة هم كل علماء الإسلام في ذلك العصر؟ ألم يكن في مكة ودمشق والكوفة والبصرة ومصر وأمصار الإسلام الأخرى صحابة وعلماء أيضا؟

لقد كان في مكة في ذلك العصر - عدا من تأخرت وفاته من الصحابة - أمثال عطاء وطاوس ومجاهد وعمرو بن دينار وابن جريج وابن عيينة، وكان في البصرة أمثال الحسن وابن سيرين ومسلم بن يسار وأبي الشعثاء وأيوب السختياني ومطرف بن عبد الله بن الشخير، وكان في الكوفة أمثال علقمة وعبد الله بن عتبة بن مسعود وعمرو بن ميمون وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وسعيد بن جبير والقاسم بن عبد الله بن مسعود، وكان في الشام أبو إدريس الخولاني وقبيصة بن ذؤيب وسليمان بن حبيب وخالد بن معدان وعبد الرحمن بن غنم الأشعري بن جبير ومكحول، وكان في مصر يزيد بن أبي حبيب وبكير بن عبد الله الأشج وعمرو بن الحارث والليث بن سعد وعبيد الله بن أبي جعفر، وكان في اليمن مطرف وغيره.

هؤلاء أعلام الإسلام في العصر الأموي فهل شاركوا علماء المدينة في الوضع إن صح زعمهم؟ وكيف تم ذلك؟ وأين هذا المؤتمر الذي ضمهم، حتى اتخذوا فيه قرار الوضع؟

وإذا كانوا لم يشاركوا علماء المدينة في ذلك، فكيف سكتوا عنهم؟ وكيف نقلوا حديثهم؟ وأين هو في التاريخ إنكارهم على هؤلاء العلماء؟ بل إنا لنجد عكس ذلك؛ فقد كان علماء الأمصار جميعا يعترفون بأن حديث الحجاز أصح حديث وأقواه، بل إن عبد الملك بن مروان الأموي يعترف لعلماء المدينة بصحة الحديث حين أشار على الزهري أن يأتي إلى دور الأنصار فيتعلم منهم، فكيف يعترفون بذلك لو كانت المدينة دارا لضرب الحديث واختراعه؟! ولماذا سكت الأمويون وهم على علم بأن علماء المدينة يضعون الحديث ضدهم؟! إنها دعوى متهافتة لا تثبت أمام النقد لحظات ولكن الهوى يعمي[29].

ثالثا. حقيقة العداء بين سعيد بن المسيب وعبد الملك بن مروان:

ومما يزيد في تهافت دعوى هؤلاء أنهم يتخذون من عداء سعيد بن المسيب لعبد الملك ذريعة لرمي علماء المدينة كلهم بالكذب والوضع، ولكنهم لا يذكرون لنا أي دور له في هذه الحركة، فلماذا؟ ولماذا لم يستدلوا بحديث واحد قد وضعه سعيد بن المسيب للطعن في بني أمية أو حتى في مدح أعدائهم؟ الحق أن هؤلاء لم يجرءوا على ذلك لأنهم لم يجدوا بين أيديهم ولو رواية واحدة مفتعلة تؤكد دعواهم تلك؟

ونحن نستطيع أن نبين حقيقة الجفاء الذي كان بين سعيد بن المسب وعبد الملك بن مروان، ثم لنحكم بأنفسنا: هل يستحق هذا الجفاء أن يدفع عالما تقيا مثل سعيد بن المسيب إلى وضع أحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم؟

إن سر الخلاف بين سعيد بن المسيب والخليفة الأموي عبد الملك بن مروان هو أن عبد الملك بعد وفاة أخيه عبد العزيز بن مروان عقد بيعة ولاية العهد لولديه الوليد وسليمان من بعده، وأمر ولاته في جميع الأمصار بأخذ البيعة لهما، فكان موقف سعيد بن المسيب هو الامتناع عن البيعة؛ لأن ذلك الامتناع لهما التزام بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في نظره؛ لأنه نهى عن البيعة لاثنين، فلا بد من تنفيذ ذلك، مهما كلفه الامتناع من ثمن.

قال شيبان بن فروخ: "حدثنا سلام بن مسكين، حدثنا عمران بن عبد الله الخزاعي قال: دعي سعيد بن المسيب للوليد وسليمان بعد أبيهما فقال: لا أبايع اثنين ما اختلف الليل والنهار، فقيل: ادخل واخرج من الباب الآخر، قال: والله لا يقتدي بي أحد من الناس، قال: فجلده مائة وألبسة المسوح"[30].

وكانت حجة سعيد بن المسيب في امتناعه عن البيعة أنه لا يجوز أن يبايع لاثتين في آن واحد، وقال عبد الرحمن بن عبد القاري لسعيد بن المسيب، حين قامت البيعة للوليد وسليمان بالمدينة من بعد أبيهما: إني مشير عليك بخصال، قال: وما هن؟ قال: تعتزل مقامك، فإنك تقوم حيث يراك هشام بن إسماعيل - والي المدينة - قال: ما كنت لأغير مقاما قمته منذ أربعين سنة، قال: تخرج معتمرا، قال: ما كنت لأنفق مالي وأجهد بدني في شيء ليس فيه نية، ثم قال: فما الثالثة؟ قال: تبايع، قال: أرأيت إن كان الله أعمى قلبك، كما أعمى بصرك - وكان أعمى - فما علي؟ قال رجاء: فدعاه هشام إلى البيعة، فأبي، فكتب فيه إلى عبد الملك، فكتب إليه عبد الملك: مالك ولسعيد؟ ما كان علينا منه شيء نكرهه، فأما إذ فعلت، فاضربه ثلاثين سوطا، وأوقفه للناس[31].

وكان للفقيه الكبير قبيصة بن ذؤيب دور في تلك الحادثة وجهد طيب أثمر عن إطلاق سراح ابن المسيب؛ إذ لام الخليفة على ما فعل بابن المسيب، وتم إخلاء سبيله من السجن من قبل والي المدينة الذي سجنه وجلده.

هذا هو موقف سعيد بن المسيب وتمسكه بفتواه، وقد اختلف المؤرخون في أمر سعيد بن المسيب، بأن والي المدينة هو الذي عرضه للعقوبة دون أمر عبد الملك، وبعضهم قال: إن عبد الملك هو الذي أمر بذلك، فالذي يعنينا هنا هو موقف سعيد من ولاية العهد للوليد وسليمان، وتعرضه للعقوبة والمحنة مما زاد من حدة الخلاف بينه وبين بني مروان.

والمتأمل في خلاف سعيد بن المسيب رحمه الله لبني أمية وولاتهم، يلحظ التزامه بآداب جمة يجدر الوقوف عندها، وأهمها:

1. أنه على الرغم مما حدث بينه وبين بعض خلفاء بني أمية وولاتهم فإنه يعترف بإمامتهم وشرعية خلافتهم، فهو يعترف لعبد الملك بن مروان وابنه الوليد بإمرة المؤمنين، كما ورد ذلك في قوله لحاجب عبد الملك حين دعاه لمقابلة عبد الملك: ما لأمير المؤمنين حاجة.

كما أنه على الرغم مما صنع به والي المدينة - هشام بن إسماعيل - فإنه كان يصلي خلفه، وكل ما فعله مقابل إساءته له أن قال: الله بيني وبين من ظلمني، أو اللهم انصرني من هشام، وكان يمتثل أوامرهم فيه، فحين أخرج من السجن نهوا أن يجالسه أحد، فكان إذا أراد أحد أن يجالسه قال: إنهم قد جلدوني، ومنعوا الناس أن يجالسوني.

2. ومن أدب خلافه أنه لم يشغل نفسه بسب بني أمية أو ولاتهم، أو التعرض لهم بالقدح وإثارة الناس عليهم، فحين قيل له: ادع على بني أمية، قال: اللهم أعز دينك، وأظهر أولياءك، وأخز أعداءك في عافية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

3.  أنه لم يضع يده مع كل معارض لهم نكاية للأمويين.

4. أنه على الرغم من كرهه القرب من خلفاء بني أمية - لا سيما بني مروان منهم - وربما انتقاده لبعض العلماء الذين خالطوهم كقبيصة بن ذؤيب والزهري، على الرغم من ذلك، فإن كرهه لهذا العمل لم يمتد ليشمل نظرته وتقويمه لهم، بل كان يقدر لهم علمهم واجتهادهم، فروي عنه قوله في الزهري: "ما مات من ترك مثلك"[32]، فانظر إلى هذا الأدب في الخلاف بين العلماء حين يختلفون في قضية من القضايا أو موقف من المواقف، فإنه لا يمتد هذا الخلاف ليفسد ذات بينهم أو يشعل فتيل التهم فيما بينهم.

وقد استطاع عمر بن عبد العزيز حين تولى الحجاز في عهد الوليد أن يحسن التعامل مع العلماء بشكل عام، وقدر لهم قدرهم، وجعلهم مستشاريه، وخص سعيدا بمزيد من التقدير والاحترام، ونتيجة لحسن معاملة عمر بن عبد العزيز له تجاوب سعيد معه، قال ابن كثير: وكان سعيد لا يأتي أحدا من الخلفاء، وكان يأتي عمر بن عبد العزيز وهو بالمدينة، ومرة أرسل عمر بن عبد العزيز رسولا إلى سعيد ليسأله في مسألة، فأخطأ الرسول فدعاه، فلما جاء سعيد قال عمر: أخطأ الرسول، إنما أرسلناه يسألك في مجلسك, فانظر كيف كان حرص عمر على تقديره، وانظر أيضا كيف سارع سعيد إلى المجيء إليه تقديرا له[33].

هذا هو سعيد بن المسيب رحمه الله عالم المدينة وسيد التابعين، مدرسة الأخلاق والقيم والمبادئ، وهذا موقفه من عبد الملك بن مروان، إنه موقف الرجل المدافع عن المبادئ وعن سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد تعرض للضرب والإهانة والتنكيل، حتى لا يبايع بيعتين في وقت واحد فيخالف بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترى هل يمكن لمثل هذا الرجل أن يستبيح بعد ذلك لنفسه أن يكذب ليدافع عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا كان يمكن أن يسمى الكذب دفاعا عن الإسلام؟

لا شك أن ما يدعيه هؤلاء كذب وافتراء يرده التاريخ ويأباه؛ إذ لم يثبت أن سعيد بن المسيب وضع حديثا يحط من قدر بني أمية حتى ولو كان دفاعا عن السنة.

رابعا. الذين وضعوا الأحاديث في مدح آل البيت هم غلاة الشيعة وليس علماء المدينة:

هكذا يقلب المشككون الحقائق، فعلى حين يصف علماء المسلمين وضاع الأحاديث بأنهم فساق وزنادقة، نجد هؤلاء يدعون أن علماء المدينة الأتقياء هم أول من قاموا بحركة الوضع في الحديث النبوي لمقاومة بني أمية عن طريق مدح أعدائهم من آل البيت، وغير خاف على المشتغلين بعلوم السنة أن الله مدح بعض الصحابة في الكتاب الكريم، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدح عليا، كما مدح أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وعائشة والزبير وأمثالهم من كبار الصحابة، فهنالك بلا شك أحاديث صحيحة في مدح كبار بعض الصحابة ومنهم آل البيت، ولكن الشيعة تزيدوا في ذلك، وبدأوا في وضع الأحاديث في فضائل آل البيت نكاية في الأمويين وأشياعهم[34].

وقد أجمع العلماء على أن الشيعة هم أول من قاموا بوضع الحديث ولم يخالف في ذلك أحد، فقد صنعوا أحاديث كثيرة وحرفوا بعض الأحاديث حسب أهوائهم، وفرقهم التي كانت تزداد يوما بعد يوم.

 يقول ابن أبي الحديد - وهو أديب شيعي - في شرح "نهج البلاغة": "واعلم أن أصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل كانت من جهة الشيعة، فإنهم وضعوا في مبدأ الأمر أحاديث في صاحبهم - أي علي بن أبي طالب - حملهم على وضعها عداوة خصومهم"[35].

قال ابن الجوزي رحمه الله: "فاعلم أن الرافضة ثلاثة صنوف: صنف سمعوا شيئا من الحديث، فوضعوا أحاديث وزادوا ونقصوا، وصنف لم يسمعوا فتراهم يكذبون على جعفر الصادق، ويقولون: قال جعفر، وقال فلان، والصنف الثالث: عوام جهلة يقولون ما يريدون مما يسوغ في العقل ومما لا يسوغ"[36].

وقد اتخذ أسلوبهم في الوضع اتجاهين:

الأول: الوضع نصرة لآرائهم ودواعيهم.

الثاني: الوضع في مثالب مناوئيهم[37].

وقد كثر الوضع منهم حتى أساءوا إلى سمعة العراق، التي سميت "دار الضرب" تضرب فيها الأحاديث كما تضرب الدراهم، وكان أهل المدينة يتوقون أحاديثهم، وكان الإمام مالك يقول: "أنزلوا أحاديث أهل العراق منزلة أحاديث أهل الكتاب: لا تصدقوهم ولا تكذبوهم"[38]، وقال له عبد الرحمن بن مهدي: "يا أبا عبد الله، سمعنا في بلدكم - المدينة - أربعمائة حديث في أربعين يوما، ونحن - أي في العراق - في يوم واحد نسمع هذا كله، فقال له: يا عبد الرحمن، من أين لنا دار الضرب التي عندكم؟ دار الضرب تضربون بالليل وتنفقون بالنهار"[39]، وقال ابن شهاب: "يا أهل العراق، يخرج الحديث من عندنا شبرا فيصير عندكم ذراعا"[40]، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص لجماعة من أهل العراق جاءوا يسألونه أن يحدثهم: "إن من أهل العراق قوما يكذبون ويكذبون ويسخرون"[41].

وقال الشافعي: "لم أر أحدا أشهد بالزور من الرافضة"، وقال حماد بن سلمة: "حدثني شيخ لهم تاب - يعني الرافضة - قال: كنا إذا اجتمعنا، فاستحسنا شيئا جعلناه حديثا"[42].

وهكذا صنع غلاة الشيعة أحاديث كثيرة، فوضعوا أحاديث في مناقب علي - رضي الله عنه - وأخرى وضعوها في مثالب معاوية والأمويين، وكتب الموضوعات مليئة بأكاذيبهم[43].

فالشيعة إذن هم من وضعوا الأحاديث في مدح آل البيت والطعن في بني أمية، وليس علماء المدينة الأتقياء كما يزعم هؤلاء.

إننا نجد هؤلاء العلماء الأتقياء هم الذين قاوموا هذا الوضع، ووقفوا دون هذه الحركة، حتى ليقول ابن سيرين: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم»[44].

ولا شك أن أهل البدع المقصودين هنا هم غلاة الشيعة والخوارج ومن سار على طريقهم، لا علماء المدينة الأتقياء الذين قاوموا هذه الطوائف التي تزيدت ووضعت الأحاديث في فضل آل البيت، فهل يمكن أن يفعلوا مثل ذلك ويضعون الأحاديث لهذا الغرض نفسه؟ لقد كان من الأولى، إذا كانوا على استعداد لوضع الأحاديث في ذلك ألا يقاوموا حركة الشيعة، وأن يسيروا معهم في طريق واحد، فلماذا لم يفعلوا [45]؟

لا شك أن ما ذكرناه من حقائق تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، براءة علماء أهل السنة أو علماء المدينة الأتقياء - على حد رأيهم - من تهمة وضع الأحاديث على النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يؤكد أن ما أثاره هؤلاء المشككون من غبار حول علمائنا الأثبات لا يعدو أن يكون تحريفا لحقائق التاريخ وقلبا لأحداثه.

الخلاصة:

·   لم يكن خلفاء بني أمية من المستبدين ولا المنحرفين عن الدين؛ بل إن هناك كثيرا من النصوص التاريخية التي تبرئ ساحتهم من التهم الكثيرة التي نسبها إليهم غلاة الروافض وصنائع العباسيين.

·   إن التاريخ يذكر بكثير من الإعجاب فتوحات الأمويين، ونشرهم للإسلام، وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية، فلماذا يعاديهم علماء الإسلام؟ ولماذا يتهمونهم بالانحراف عن الدين؟

·   لم يكن بالمدينة إلا كل عالم تقي حقا، فقد كانوا يتحرون الصدق أشد التحري، وهم الذين تصدوا لحركة الوضع والوضاعين، إذ كانوا يعدون الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - كفرا، ولا يقبلون توبة من يفعل ذلك.

·   لم يكن علماء المدينة هم كل علماء المسلمين في ذلك العصر، حتى يضعوا من الأحاديث ما شاؤوا دون أن ينكر عليهم أحد ذلك، بل كان في كل مصر من أمصار الإسلام علماء أثبات يتصدون للوضع والوضاعين.

·   إن سعيد بن المسيب عالم المدينة رغم تعرضه للتعذيب على يد عامل بني أمية إلا أنه لم يسب بني أمية ولم يدع عليهم، بل وكل أمرهم إلى الله.

·   كيف لسعيد بن المسيب، هذا العالم الجليل أن يضع أحاديث على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي لم يتحمل ما تحمله إلا دفاعا عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس هناك أي دليل يثبت وضعه ولو لحديث واحد.

·   وضع الأحاديث في مدح آل البيت كان من غلاة الشيعة وليس علماء المدينة، بل إن هؤلاء العلماء هم الذين تصدوا لهؤلاء الغلاة وبينوا كذبهم على النبي صلى الله عليه وسلم.

 المراجع:


(*) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م. حجية السنة والرد على الشبهات التي أثيرت حولها، الجامعة الدولية بأمريكا اللاتينية، د. ت..

[1]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص186 بتصرف.

[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب: فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، (7/ 5)، رقم (3651). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضل الصحابة ثم الذين يلونهم، (9/ 3659)، رقم (6354).

[3]. الدولة الأموية المفترى عليها، د. حمدي شاهين، دار القاهرة، القاهرة، ط2، 2005م، ص6 بتصرف.

[4]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص186 بتصرف.

[5]. الدولة الأموية المفترى عليها، د. حمدي شاهين، دار القاهرة، القاهرة، ط2، 2005م، ص193 بتصرف.

[6]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (8/ 142).

[7]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (8/ 143).

[8]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: ذكر معاوية رضي الله عنه، (7/ 130)، رقم (3765).

[9]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (59/ 66).

[10]. منهاج السنة النبوية، ابن تيمية، دار الحديث، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، (6/ 128).

[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجهاد والسير، باب: ما قيل في قتال الروم، (6/ 120)، رقم (2924).

[12]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (8/ 251).

[13]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (8/ 283).

[14]. تهذيب التهذيب، ابن حجر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (10/ 83).

[15]. الدولة الأموية المفترى عليها، د. حمدي شاهين، دار القاهرة، القاهرة، ط2، 2005م، ص199.

[16]. فوات الوفيات، محمد بن شاكر الكتبي، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، ط1، 1974م، (2/ 403).

[17]. تهذيب التهذيب، ابن حجر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (6/ 374).

[18]. تهذيب التهذيب، ابن حجر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (6/ 374).

[19]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (6/ 435).

[20]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (29/ 344).

[21]. الدولة الأموية المفترى عليها، د. حمدي شاهين، دار القاهرة، القاهرة، ط2، 2005م، ص206.

[22]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (9/ 227).

[23]. انظر: تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (65/ 300: 313).

[24]. تاريخ الأمم والملوك، الطبري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1407هـ، (4/ 14).

[25]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (10/ 13).

[26]. انظر: الدولة الأموية المفترى عليها، د. حمدي شاهين، دار القاهرة، القاهرة، ط2، 2005م، ص194: 219. الدولة الأموية: عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار، د. علي محمد محمد الصلابي، مؤسسة اقرأ، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص186 بتصرف.

[27]. حجية السنة والرد على الشبهات التي أثيرت حولها، الجامعة الدولية بأمريكا اللاتينية، د.ت، ص76 بتصرف.

[28]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص189 بتصرف.

[29]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص187، 188 بتصرف.

[30]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، 1423هـ/ 1993م، (4/ 231).

[31]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، 1423هـ/ 1993م، (4/ 231).

[32]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، 1423هـ/ 1993م، (5/ 337).

[33]. الدولة الأموية: عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار، د. علي محمد محمد الصلابي، مؤسسة اقرأ، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص68: 71 بتصرف.

[34]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص190 بتصرف.

[35]. شرح نهج البلاغة، عبد الحميد بن هبة الله بن الحسين بن أبي الحديد، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1378هـ/ 1959م، (1/ 48، 49).

[36]. الموضوعات، ابن الجوزي، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفكر، بيروت، ط2، 1403هـ/ 1983م، (1/ 338).

[37]. قضايا حديثية، أشرف خليفة عبد المنعم السيوطي، مكتبة أولاد الشيخ، القاهرة، د. ت، ص533، 534 بتصرف.

[38]. رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ابن تيمية، مكتبة السنة، القاهرة، ط1، 1418هـ/ 1998م، ص23.

[39]. منهاج السنة، ابن تيمية، دار الحديث، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، (2/ 209).

[40]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، 1423هـ/ 1993م، (5/ 344).

[41]. الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: د. علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (5/ 89).

[42]. لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني، دار الفاروق الحديثة، القاهرة، ط1، 1416هـ/ 1996م، (1/ 11).

[43]. انظر: السنة قبل التدوين، د. محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط4، 1425هـ/ 2004م، ص194: 197.

[44]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، المقدمة، باب: الإسناد من الدين، (1/ 89).

[45]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص190 بتصرف.