نص السؤال

الزعم أن التمسك الشديد بالسنة كان من دواعي الوضع

المصدر: شبهات المشككين في الإسلام

الجواب التفصيلي

الزعم أن التمسك الشديد بالسنة كان من دواعي الوضع (*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المشككين أن التمسك الشديد بالسنة أدى إلى ظهور الوضع في الحديث. ويستدلون على ذلك بأن الناس تغالوا في أنهم لا يقبلون من العلم إلا ما اتصل بالكتاب والسنة اتصالا وثيقا, ولما كانت هناك أحكام للحلال والحرام مؤسسة على مجرد الرأي فإنها لم تحظ عند العلماء بالقبول؛ لأنها مؤسسة على غير الحديث, بل إن كثيرا من العلماء في ذلك العصر كان يرفضها ولا يمنحها أية قيمة, وربما شنع بعضهم على من ينحو هذا النحو.

ويستدلون كذلك بأن الحكمة والموعظة الحسنة إذا كانت من أصل هندي, أو يوناني, أو فارسي,أو من شروح التوراة والإنجيل لم يؤبه لها؛ فحمل ذلك كثيرا من الناس أن يصبغوا هذه الأشياء كلها بصبغة دينية حتى يأخذ بها الناس ويقبلوا عليها, فوجدوا الحديث هو الباب الوحيد المفتوح على مصراعيه فوضعوا الأحاديث لتأييد ذلك، فكان من أثر ذلك أن نرى الحكم الفقهي المصنوع، والحكمة الهندية، والفلسفة الزرادشتية، والموعظة الإسرائيلية والنصرانية مدعومة بمرويات من الحديث.

وجوه إبطال الشبهة:

1) التمسك بالسنة والتشدد في قبول الأخبار والأحاديث أدى إلى تمحيصها، وتمييز صحيحها من سقيمها والاهتمام بها، والحفاظ عليها، وليس الوضع فيها كما يزعم المغرضون.

2) من المأثور أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها, فما الداعي لرفضها ما دامت لا تصادم نصوص الشريعة، ولا روحها، ولا غايتها السامية، ولا آدابها المطلوبة، وما الداعي إذن لوضع الأحاديث، أو صبغ الحكمة بصبغة دينية؟!

3) القرآن الكريم والسنة النبوية هما مصدر التشريع الإسلامي, ولا يجوز لأحد أن يحكم في القضاء الإسلامي بخلاف ما جاء فيهما, ولا يجوز للمجتهد أن يجتهد في مسألة بغير الرجوع إليهما, ولم يثبت أن أحدا من أتباع المذاهب الفقهية قد اجتهد في مقابلة النص.

التفصيل:

أولا. التشدد في قبول الرواية أدى إلى صيانتها وحفظها، وليس إلى الوضع فيها:

لقد بذل العلماء جهدا عظيما لمقاومة الوضع في الحديث، وقد أدى هذا الاهتمام والتشدد في قبول الأحاديث، ورد ما خالف الصحيح منها، والاعتناء بالإسناد وجعله من الدين كل ذلك أدى إلى الحفاظ على السنة وتمحصيها ببيان صحيحها من سقيمها، فقد قيض الله - سبحانه وتعالى - لسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - رجالا أمناء صدقوا في إخلاصهم لله ولرسوله، ونصبوا أنفسهم للذب عن السنة الشريفة فأفنوا أعمارهم في التمييز بين الصحيح والباطل صيانة للسنة النبوية وحفاظا على الإسلام من الدس والتحريف، وفي سبيل تنقيح السنة، وتنقيتها من الوضع بذل علماء الأمة من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم جهودا مخلصة، فوضعوا قواعد الجرح والتعديل، وكان من ثمرة أعمالهم "علم مصطلح الحديث" وهو يشتمل على أدق الطرق العلمية للتحقيق والتوثيق وأقومها في التمحيص والنقد ([1]).

ولقد اتخذ المحدثون والعلماء طرقا عدة للحفاظ على السنة وصيانتها من كل دخيل عليها، ومما لا يليق نسبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكان من أهم ما اتخذوه للذود عن السنة وصيانتها ما يلي:

1.  علم الإسناد:

ولقد أشاد علماء الأمة به وأبانوا عن أهميته، وأنه لم يكن مثله لأمة من الأمم، قال محمد بن سيرين: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم"، وقال أيضا: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة، فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع، فلا يؤخذ حديثهم»([2])، وقال عبد الله بن المبارك: «الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء»([3])، وقال أيضا: «بيننا وبين القوم القوائم، يعني الإسناد»([4]).

2.  التثبت من الأحاديث:

وفي سبيل التثبت كانوا يتذاكرون الأحاديث فيما بينهم لمعرفة ما يأخذون منها، وترك ما ينكرونه، كما كانوا على جانب كبير من الوعي والحيطة بحيث يحفظون الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة، خشية أن تختلط عليهم، وحتى يستطيعوا التمييز بين الصحيح وغيره بدقة فائقة وحيطة بالغة، وروى أبو بكر بن الأثرم: أن أحمد بن حنبل رأى يحيى بن معين بصنعاء في زاوية وهو يكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، فإذا طلع عليه إنسان كتمه، فقال له أحمد بن حنبل: تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، وتعلم أنها موضوعة، فلو قال لك قائل: إنك تتكلم في أبان، ثم تكتب حديثه على الوجه؟ فقال: رحمك الله يا أبا عبد الله، أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق عن معمر على الوجه فأحفظها كلها، وأعلم أنها موضوعة حتى لا يجيء بعده إنسان فيجعل بدل أبان ثابتا، ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس بن مالك، فأقول له: كذبت، إنما هي عن معمر عن أبان لا عن ثابت.

وقال الثوري: إني لأكتب الحديث على ثلاثة وجوه: فمنه ما أتدين به، ومنه ما أعتبر به، ومنه ما أكتبه لأعرفه([5]).

3.  نقد الرواة ودراسة حياتهم وتاريخهم وبيان أحوالهم من صدق أو كذب:

وقد وصلوا عن طريق هذه الدراسة إلى تمييز الصحيح من المكذوب، وكانت لديهم قواعد اتبعوها وساروا عليها من الأخذ من الرواة أو عدم الأخذ منهم، فحصروا المتروكين الذين يكذبون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذين يكذبون في أحاديثهم العامة، وإن لم يكذبوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحاب البدع والأهواء والزنادقة، والذين لا يفهمون ما يحدثون به، ومن لا تتوافر فيهم صفات الضبط والعدالة والفهم، وقد كانوا في حكمهم لا يخافون في الحق لومة لائم، ولا تأخذهم عاطفة ولو كان الراوي أخا لأحدهم، يقول زيد بن أبي أنيسة: «لا تأخذوا عن أخي»([6]). وقد ألفت المصنفات الكبيرة في الرواة، وألفت كتب خاصة بالضعفاء فصار من السهل التمييز بين المحق والمبطل على أساس من القواعد الدقيقة حتى اكتمل هذا العلم منذ القرن الثالث الهجري على أيدي الأئمة الأعلام الذين أخذوا على عاتقهم حفظ السنة الشريفة، والذود عن حياضها، فألفوا الكتب الكثيرة في الجرح والتعديل.

4.  وضع قواعد عامة لتقسيم الحديث وتمييز الصحيح من غيره:

لم يكتف العلماء بالتزام الإسناد، والتثبت من الأحاديث بالرحلة، ومراجعة الأحاديث، ودراسة الأسانيد والطرق، وإنما ضموا مع هذا تقسيم الحديث إلى درجات: صحيح وضعيف، وذلك لمعرفة القوي من الضعيف وما يقبل وما يرد.

وقد وضع العلماء قواعد يعرفون بها الحديث الموضوع، وبينوا العلامات الدالة على وضعه، منها ما هو في السند، ومنها ما هو في المتن([7]).

ونخلص مما سبق إلى أن تشدد العلماء والمحدثين في قبول الرواية أدى إلى صيانتها وحفظها من الموضوع الذي ليس من كلامه - صلى الله عليه وسلم - ولكنه نسب إليه عن طريق بعض الرواة الكذابين الذين افتضح أمرهم فلم يقبل أحد الأخذ عنهم، ولم يكن الوضع أبدا من أسباب التشدد في قبول الرواية كما يزعمون، ولكن كانت له أسبابه ودواعيه المعروفة والمشهورة، التي أفاض العلماء في بيانها.

ثانيا. لم يثبت أن أحدا من أتباع المذاهب الفقهية قد اجتهد في مقابلة النص الصريح:

لقد اتفق المسلمون سلفا وخلفا - إلا من لا يعتد بخلافهم من أصحاب البدع والأهواء - على أن الكتاب والسنة أصلان من أصول التشريع الإسلامي,لا يجوز لأحد أن يحكم في القضاء الإسلامي بخلاف ما جاء فيهما, ولا يجوز لمجتهد أن يجتهد في مسألة بغير الرجوع إليهما, ثم انقسموا قسمين:

·قسم يرى الأخذ بظواهر النصوص من غير تعليل ولا توسع في القياس، وهم الظاهرية، وأكثر أهل الحديث.

·وقسم يرى إعمال الفكر في استنباط الأحكام من النصوص، فعملوا بالقياس مع الكتاب والسنة, وبحثوا عن العلة وخصصوا العام, وقيدوا المطلق, وبينوا الناسخ من المنسوخ حين تقوم القرينة على ذلك كله, وهؤلاء هم جمهور المجتهدين وحملة العلم منذ عصر الصحابة حتى يومنا هذا.

نعم, كان هناك تفاوت بينهم في الأخذ بالقياس والتعليل, وفي الإحاطة بالسنة وشروط صحتها والعمل بها, ومن هنا كان الخلاف بين مدرسة الرأي ومدرسة الحديث، ولكنهم متفقون جميعا على أنه لا يصح الاجتهاد في الفقه مجردا غير منظور به إلى الحديث, بل أوجبوا على المجتهد أن يحيط بأحاديث الأحكام كلها لا يألو في ذلك جهدا.

والمجمع عليه لدى الأئمة المجتهدين, أن المجتهد ينظر أولا في كتاب الله - عز وجل - ثم في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفي أقوال الصحابة - رضي الله عنهم - ثم لا يتحول إلى الاستنباط والقياس إن لم يكن هناك إجماع([8]).

أخرج الحافظ ابن عبد البر في كتابه "جامع بيان العلم" عن الشافعي رحمه الله أنه قال: "ليس لأحد أن يقول في شيء: حلال أو حرام إلا من جهة العلم, وجهة العلم ما نص في الكتاب أو في السنة أو في الإجماع، فإن لم يوجد في ذلك فالقياس على هذه الأصول ما كان في معناها"([9]).

وهكذا كانت أصول الأئمة المجتهدين, فهم يأخذون بكتاب الله - عز وجل - فإن لم يجدوا في كتاب الله, فبسنة رسول اللهـ صلى الله عليه وسلم - فإن لم يجدوا في السنة فبالإجماع, فإن لم يجدوا, فبالقياس والاستنباط المؤسسين على الكتاب والسنة، ولم يثبت عن أحد منهم أنه اجتهد من هوى نفسه,وإنما كانت له أصول يسير عليها في اجتهاده.

قال الحافظ ابن عبد البر: "أما كتاب الله فيغني عن الاستشهاد عليه، ويكفي من ذلك

قول الله تعالى:

(اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم)

(الأعراف: 3)

وكذلك السنة يكفي فيها

قوله تعالى:

(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)

(النساء: 59)

وقوله:

(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)

(الحشر: 7)

وأما الإجماع فمأخوذ من

قول الله تعالى:

(ويتبع غير سبيل المؤمنين)

(النساء: 115)

لأن الاختلاف لايصح معه هذا الظاهر.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم:

«إن الله لا يجمع أمتي - أو قال: أمة محمد - على ضلالة»([10])

وعندي أن إجماع الصحابة لايجوز خلافهم؛ لأنه لا يجوز على جميعهم جهل التأويل"([11]).

ولقد دافع الإمام أبو حنيفة - والذي ادعي أنه كان يفتي في المسائل برأيه - عن نفسه, ورد على ادعاءات خصومه القدماء ردودا مفحمة, سجلتها الرواية الأمينة بكل إخلاص وصدق.

قال الإمام رحمه الله: "إنا نأخذ أولا بكتاب الله, ثم السنة, ثم بأقضية الصحابة, ونعمل بما اتفقوا عليه, فإن اختلفوا قسنا حكما على حكم, بجامع العلة بين المسألتين, حتى يتضح المعنى"([12]).

فالذي يفهم من كلام الإمام أبي حنيفة أن أحكام الحلال والحرام كانت مؤسسة على اجتهاد مؤسس على الحديث, وليس كما زعم المشككون من أنها كانت مؤسسة على مجرد الاجتهاد، فهذا لم يحدث أصلا, وكيف يستساغ قول هؤلاء الطاعنين إذا علم أن من قواعد أئمتنا المشهورة المسلمة لهم جميعا أن الاجتهاد في مقابلة النص لا يجوز.

إذن القول بأن الأحكام كانت مؤسسة على مجرد الاجتهاد ثم وضعت على هيئة أحاديث عندما دعت الحاجة إلى صبغها بصبغة دينية - زعم باطل لا أساس له من الصحة ولا دليل يؤيده, وكتبنا الإسلامية حافلة بما ينقضه, ومن ادعى ذلك فقد افترى الكذب بغير علم على أصول الأئمة المجتهدين.

فالحق الذي لا مراء فيه أن جل الأحكام التي يدور عليها الفقه في شتى المذاهب المعتبرة قد ثبتت بالسنة، ومن طالع كتب الفقه تبين له ذلك بكل جلاء؛ ولو حذفنا السنن, وما تفرع عليها واستنبط منها من تراثنا الفقهي, ما بقي عندنا فقه يذكر([13]).

وبناء على هذا الأساس, فإنه لا يتصور أن يكون هناك مذهب فقهي, أو إمام مجتهد يتعمد في فقهه ترك حديث صحيح الثبوت, صريح الدلالة على الحكم، لا معارض له، والمراد صحته عنده هو، وصراحة الدلالة على الحكم عنده لا عند غيره.

وهذا ما عني ببيانه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الوجيز القيم "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" الذي دافع فيه عن أئمة الفقه أمام بعض الحرفيين أو المتعجلين الذين اتهموهم بمخالفة الحديث وترك السنة, فقال: "وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة

ـ المقبولين عند الأمة قبولا عاما - يتعمد مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء من سنته, دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباع الرسول وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه, فلا بد له من عذر في تركه, وجميع الأعذار ثلاثة أصناف:

أحدها: عدم اعتقاده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله.

الثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول.

الثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ, وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة:

منها: ألا يكون الحديث قد بلغه؛ لأن الإحاطة بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم تكن لأحد من الأئمة.

ومنها: أن يكون الحديث قد بلغه لكنه لم يثبت عنده؛ لأن راويه قد يكون مجهولا عنده.

ومنها: عدم معرفته بدلالة الحديث..." إلى آخر ما ذكره([14]).

ونستطيع أن نؤكد هنا جازمين: أن جميع فقهاء المسلمين, من مختلف المدارس, وشتى الأمصار, ممن له مذهب باق أو منقوض, متبوع أو غير متبوع, كانوا يرون الأخذ بالسنة, والاحتكام إليها, والرجوع إلى حكمها إذا تبينت لهم، جزءا من دين الله, ولا يسعهم الخلاف عن أمرها, يستوي في ذلك المنتمي إلى مدرسة الرأي والمنتمي إلى مدرسة الحديث([15]).

وهذا مما يؤكد أن الزعم بأن الاجتهاد لم يكن مؤسسا على الحديث لا أصل له من الصحة على الإطلاق.

ولو افترضنا جدلا أنه وجد اجتهاد غير مؤسس على النص الموجود في مقابلة اجتهاد آخر مؤسس على النص الموجود، وكلاهما في حكم واحد، فالطبيعي حينئذ أن نأخذ بالاجتهاد المؤسس على النص؛ وذلك لأن الاجتهاد في مقابلة النص الصريح لا يجوز على الإطلاق.

وعليه فإن القول بأن أحكام الحلال والحرام مؤسسة على مجرد الاجتهاد مع وجود النص قول باطل وفاسد لا يصح بأي حال من الأحوال أن يكون دليلا على إثبات الوضع في الحديث.

ثالثا. الدين قد اكتمل وبلغ غاية الكمال, ولكنه لا يرفض الأخذ من الثقافات الأخرى مادامت لا تصادم نصوص الشرع ومقاصده:

إن دين الإسلام دين معرفة واسعة, ومعارفه ليست مقصورة على ما يدور في فلك المسلمين وحدهم من تشريعات خاصة, ووقائع تتصل بتاريخ حياتهم وجهادهم الطويل, وإنما تمتد معارفه إلى معارف أمم سالفة, وديانات سابقة تأخذ منها الحق لتؤيد به حقها, وتلفظ منها الباطل الذي لا يتفق وهديها([16]).

وأهل السنة لا يرفضون الأخذ بالحكمة والموعظة الحسنة لمجرد أنها لم ترد في القرآن والسنة, ما دامت لا تصادم نصوص الشريعة, ولا روحها, ولا غايتها السامية, ولا آدابها المطلوبة، فلا نعلم إماما من الأئمة رفض الأخذ بها لمجرد أنها لم ترد في الكتاب والسنة([17]).

ومن المأثور أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها.

ونحن إذا نظرنا في القرآن الكريم, وجدنا في آياته البينات ما يدعو نبي الإسلام وجماعة المسلمين إلى أن يرجعوا إلى علماء أهل الكتاب من اليهود والنصارى ليسألوهم عن بعض الحقائق التي جاءت في كتبهم, وجاء بها الإسلام فأنكروها, أو أغفلوها, ليقيم عليهم الحجة ولعلهم يهتدون.

ومن هذه الآيات الدالة على إباحة رجوع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن تبع دينه من المسلمين إلى أهل الكتاب ليسألوهم عن بعض ما عندهم من الحقائق,

قوله عز وجل:

(فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين)

(يونس:94)

وقص علينا القرآن الكريم كثيرا من أخبار بني إسرائيل وغيرهم من الأمم السابقة, ومن ذلك قصة قتيل بني إسرائيل الواردة في قوله عز وجل:

(وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة)

(البقرة: 67)

إلى قوله عز وجل:

(فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون)

(البقرة:73)

وقصة أمر موسى - عليه السلام - لقومه أن يدخلوا الأرض المقدسة, وما كان من هلعهم وجبنهم, ثم دخولهم أرض التيه, وقصة ابني آدم هابيل وقابيل, وقصة المائدة، وقصة أصحاب الأخدود... إلخ([18]).

وكذلك فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقص علينا كثيرا من أخبار بني إسرائيل، ومن ذلك: حديث الأبرص والأعمى والأقرع عند البخاري،

فعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

«إن ثلاثة من بني إسرائيل: أبرص, وأعمى، وأقرع, بدا لله - عز وجل - أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا...» إلي آخر الحديث([19]).

ومن ذلك أيضا قصة جريج العابد التي رواها البخاري

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:

«لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى, وكان في بني إسرائيل رجل يقال له: جريج، كان يصلي, جاءته أمه فدعته, فقال: أجيبها أو أصلي؟ فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات...»([20]).

ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«بلغوا عني ولو آية, وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»([21]).

قال الحافظ ابن حجر: "أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم؛ لأنه كان تقدم منه - صلى الله عليه وسلم - الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم، ثم حصل التوسع في ذلك, وكان النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية والقواعد الدينية خشية الفتنة, ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك، لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار... وقال مالك: المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن, أما ما علم كذبه فلا"([22]).

ومن هنا جاءت القاعدة الأصولية: "شرع من قبلنا شرع لنا إذا قصه الله أو رسوله علينا من غير نكير".

ولقد ثبت أن بعض الصحابة كأبي هريرة وابن عباس كانوا يرجعون إلى بعض من أسلم من أهل الكتاب يسألونهم عما في كتبهم.

وأبو هريرة وابن عباس وغيرهم ممن كانوا يرجعون إلى بعض من أسلم من أهل الكتاب كان لهم منهج سديد, ومعيار دقيق في قبول ما يلقى إليهم من الإسرائيليات, فما وافق شرعنا صدقوه, وما خالفه كذبوه([23]).

فإذا ثبت أن بعض الصحابة قد أكثر من الأخذ عن كعب الأحبار, ووهب بن منبه حتى فاضت كتب التفسير بالإسرائيليات, كما فاضت كتب الصوفية والأخلاق بالحكم المنقولة عن الأمم الأخرى - إذا ثبت هذا كله, فكيف يصح الزعم أن المسلمين رفضوا الحكمة والموعظة الحسنة, إذا كانت من أصل غير إسلامي؟! فهذا ادعاء باطل ولا أساس له من الصحة على الإطلاق([24]).

الخلاصة:

·   لقد اعتنى المحدثون والعلماء بالسنة النبوية أيما اعتناء؛ وذلك حفاظا عليها وصيانة لها من التحريف والتغيير والوضع الذي ظهر بعد الفتنة الكبرى، فقد تتبعوا أحوال الرواة وكشفوا عن صدقهم أو كذبهم، واشترطوا الإسناد وجعلوه من الدين، ولم يخشوا في الله لومة لائم، حتى وإن كان الكاذب أخا أو ابنا أو غيره. فهل كل هذه الجهود كانت سببا في الوضع أو سببا في نفي الوضع عن السنة؟!

·   إن جل الأحكام التي يدور عليها الفقه في شتى المذاهب المعتبرة قد ثبت بالسنة, ومن طالع كتب الفقه تبين له ذلك بكل جلاء؛ ولو حذفنا السنن, وما تفرع عليها وما استنبط منها من تراثنا الفقهي ما بقي لنا فقه يذكر.

·   لا يتصور أن يكون هناك مذهب فقهي، أو إمام مجتهد يتعمد في فقهه ترك حديث صحيح الثبوت, صحيح الدلالة على الحكم، لا معارض له.

·   إذا وجد لإمام من أئمتنا قول قد جاء حديث صحيح بخلافه, فلا بد له من عذر في تركه؛ لأنه لا يتخيل أن يكون الحديث قد بلغه ويعمل بخلافه, أو يجتهد في مقابله.

·   إن الاجتهاد غير المؤسس على الحديث الموجود بين يدي المجتهد لم يوجد أصلا في تاريخ المذاهب الفقهية؛ وذلك لأن القاعدة تقول: "الاجتهاد في مقابلة النص لا يجوز"، وأما إذا لم يوجد النص فلا بأس بالاجتهاد.

·   على الرغم من أن الدين الإسلامي قد اكتمل، وبلغ غاية الكمال في كل شيء, فإنه لا يرفض الأخذ بالحكمة والموعظة الحسنة، مادامت لا تصادم نصوص الشريعة ولا غايتها السامية.

 

المراجع

  1. (*) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي, د. مصطفى السباعي, دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م. حجية السنة ورد الشبهات التي أثيرت حولها, الجامعة الدولية بأمريكا اللاتينية, د.ت.
  2. [1]. السنة النبوية وعلومها، د. أحمد عمر هاشم، مكتبة غريب، القاهرة، ط2،د. ت، ص92 بتصرف.
  3. [2]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، المقدمة، باب: بيان أن الإسناد من الدين... (1/ 173).
  4. [3]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، المقدمة، باب: بيان أن الإسناد من الدين... (1/ 173).
  5. [4]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، المقدمة، باب: بيان أن الإسناد من الدين... (1/ 173).
  6. [5]. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، الخطيب البغدادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1414هـ/ 1994م، (2/ 283، 284) بتصرف.
  7. [6]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، المقدمة, باب: بيان أن الإسناد من الدين, (1/ 181).
  8. [7]. السنة النبوية وعلومها، د. أحمد عمر هاشم، مكتبة غريب، القاهرة، ط2،د. ت، ص92: 95 بتصرف.
  9. [8]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي , د. مصطفى السباعي, دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م, ص240، 241 بتصرف.
  10. [9]. جامع بيان العلم وفضله, ابن عبد البر، مكتبة التوعية، القاهرة، 1428هـ/ 2007م، (1/ 759).
  11. [10]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الفتن، باب: لزوم الجماعة, (6/ 322)، رقم (2255). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (2167).
  12. [11]. جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر, مكتبة التوعية، القاهرة، 1428هـ/ 2007م، ص759، 760.
  13. [12]. الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية: عرض ونقض, د. عبد العظيم إبراهيم المطعني, مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1420هـ/ 1999م, ص83.
  14. [13]. المدخل لدراسة السنة النبوية, د. يوسف القرضاوي, مكتبة وهبة, القاهرة, ط5، 1425هـ/ 2004م, ص45 بتصرف.
  15. [14]. رفع الملام عن الأئمة الأعلام, ابن تيمية, مكتبة السنة، القاهرة، ط1، 1418هـ/ 1998م، ص11، 12.
  16. [15]. المدخل لدراسة السنة النبوية, د. يوسف القرضاوي, مكتبة وهبة, القاهرة, ط5، 1425هـ/ 2004م, ص51.
  17. [16]. الإسرائيليات في التفسير والحديث, محمد حسين الذهبي, مكتبة وهبة, القاهرة, ط5, 1425هـ/ 2004م, ص45 بتصرف.
  18. [17]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي, د. مصطفى السباعي, دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م, ص241 بتصرف.
  19. [18]. انظر: الإسرائيليات في التفسير والحديث, محمد حسين الذهبي, مكتبة وهبة, القاهرة, ط5, 1425هـ/ 2004م,ص45: 47.
  20. [19]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري), كتاب: أحاديث الأنبياء, باب: حديث أبرص وأعمى وأقرع في بني إسرائيل، (6/ 578)، رقم (3464).
  21. [20]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: في قول الله عز وجل: ) واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها (، (6/ 549)، رقم (3436).
  22. [21]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل، (6/ 572)، رقم (3461).
  23. [22]. فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (6/ 575).
  24. [23]. الإسرائيليات في التفسير والحديث, محمد حسين الذهبي, مكتبة وهبة, القاهرة, ط5, 1425هـ/ 2004م, ص51 بتصرف.
  25. [24]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي, د. مصطفى السباعي, دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م, ص242 بتصرف.

الجواب التفصيلي

الزعم أن التمسك الشديد بالسنة كان من دواعي الوضع (*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المشككين أن التمسك الشديد بالسنة أدى إلى ظهور الوضع في الحديث. ويستدلون على ذلك بأن الناس تغالوا في أنهم لا يقبلون من العلم إلا ما اتصل بالكتاب والسنة اتصالا وثيقا, ولما كانت هناك أحكام للحلال والحرام مؤسسة على مجرد الرأي فإنها لم تحظ عند العلماء بالقبول؛ لأنها مؤسسة على غير الحديث, بل إن كثيرا من العلماء في ذلك العصر كان يرفضها ولا يمنحها أية قيمة, وربما شنع بعضهم على من ينحو هذا النحو.

ويستدلون كذلك بأن الحكمة والموعظة الحسنة إذا كانت من أصل هندي, أو يوناني, أو فارسي,أو من شروح التوراة والإنجيل لم يؤبه لها؛ فحمل ذلك كثيرا من الناس أن يصبغوا هذه الأشياء كلها بصبغة دينية حتى يأخذ بها الناس ويقبلوا عليها, فوجدوا الحديث هو الباب الوحيد المفتوح على مصراعيه فوضعوا الأحاديث لتأييد ذلك، فكان من أثر ذلك أن نرى الحكم الفقهي المصنوع، والحكمة الهندية، والفلسفة الزرادشتية، والموعظة الإسرائيلية والنصرانية مدعومة بمرويات من الحديث.

وجوه إبطال الشبهة:

1) التمسك بالسنة والتشدد في قبول الأخبار والأحاديث أدى إلى تمحيصها، وتمييز صحيحها من سقيمها والاهتمام بها، والحفاظ عليها، وليس الوضع فيها كما يزعم المغرضون.

2) من المأثور أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها, فما الداعي لرفضها ما دامت لا تصادم نصوص الشريعة، ولا روحها، ولا غايتها السامية، ولا آدابها المطلوبة، وما الداعي إذن لوضع الأحاديث، أو صبغ الحكمة بصبغة دينية؟!

3) القرآن الكريم والسنة النبوية هما مصدر التشريع الإسلامي, ولا يجوز لأحد أن يحكم في القضاء الإسلامي بخلاف ما جاء فيهما, ولا يجوز للمجتهد أن يجتهد في مسألة بغير الرجوع إليهما, ولم يثبت أن أحدا من أتباع المذاهب الفقهية قد اجتهد في مقابلة النص.

التفصيل:

أولا. التشدد في قبول الرواية أدى إلى صيانتها وحفظها، وليس إلى الوضع فيها:

لقد بذل العلماء جهدا عظيما لمقاومة الوضع في الحديث، وقد أدى هذا الاهتمام والتشدد في قبول الأحاديث، ورد ما خالف الصحيح منها، والاعتناء بالإسناد وجعله من الدين كل ذلك أدى إلى الحفاظ على السنة وتمحصيها ببيان صحيحها من سقيمها، فقد قيض الله - سبحانه وتعالى - لسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - رجالا أمناء صدقوا في إخلاصهم لله ولرسوله، ونصبوا أنفسهم للذب عن السنة الشريفة فأفنوا أعمارهم في التمييز بين الصحيح والباطل صيانة للسنة النبوية وحفاظا على الإسلام من الدس والتحريف، وفي سبيل تنقيح السنة، وتنقيتها من الوضع بذل علماء الأمة من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم جهودا مخلصة، فوضعوا قواعد الجرح والتعديل، وكان من ثمرة أعمالهم "علم مصطلح الحديث" وهو يشتمل على أدق الطرق العلمية للتحقيق والتوثيق وأقومها في التمحيص والنقد ([1]).

ولقد اتخذ المحدثون والعلماء طرقا عدة للحفاظ على السنة وصيانتها من كل دخيل عليها، ومما لا يليق نسبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكان من أهم ما اتخذوه للذود عن السنة وصيانتها ما يلي:

1.  علم الإسناد:

ولقد أشاد علماء الأمة به وأبانوا عن أهميته، وأنه لم يكن مثله لأمة من الأمم، قال محمد بن سيرين: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم"، وقال أيضا: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة، فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع، فلا يؤخذ حديثهم»([2])، وقال عبد الله بن المبارك: «الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء»([3])، وقال أيضا: «بيننا وبين القوم القوائم، يعني الإسناد»([4]).

2.  التثبت من الأحاديث:

وفي سبيل التثبت كانوا يتذاكرون الأحاديث فيما بينهم لمعرفة ما يأخذون منها، وترك ما ينكرونه، كما كانوا على جانب كبير من الوعي والحيطة بحيث يحفظون الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة، خشية أن تختلط عليهم، وحتى يستطيعوا التمييز بين الصحيح وغيره بدقة فائقة وحيطة بالغة، وروى أبو بكر بن الأثرم: أن أحمد بن حنبل رأى يحيى بن معين بصنعاء في زاوية وهو يكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، فإذا طلع عليه إنسان كتمه، فقال له أحمد بن حنبل: تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، وتعلم أنها موضوعة، فلو قال لك قائل: إنك تتكلم في أبان، ثم تكتب حديثه على الوجه؟ فقال: رحمك الله يا أبا عبد الله، أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق عن معمر على الوجه فأحفظها كلها، وأعلم أنها موضوعة حتى لا يجيء بعده إنسان فيجعل بدل أبان ثابتا، ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس بن مالك، فأقول له: كذبت، إنما هي عن معمر عن أبان لا عن ثابت.

وقال الثوري: إني لأكتب الحديث على ثلاثة وجوه: فمنه ما أتدين به، ومنه ما أعتبر به، ومنه ما أكتبه لأعرفه([5]).

3.  نقد الرواة ودراسة حياتهم وتاريخهم وبيان أحوالهم من صدق أو كذب:

وقد وصلوا عن طريق هذه الدراسة إلى تمييز الصحيح من المكذوب، وكانت لديهم قواعد اتبعوها وساروا عليها من الأخذ من الرواة أو عدم الأخذ منهم، فحصروا المتروكين الذين يكذبون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذين يكذبون في أحاديثهم العامة، وإن لم يكذبوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحاب البدع والأهواء والزنادقة، والذين لا يفهمون ما يحدثون به، ومن لا تتوافر فيهم صفات الضبط والعدالة والفهم، وقد كانوا في حكمهم لا يخافون في الحق لومة لائم، ولا تأخذهم عاطفة ولو كان الراوي أخا لأحدهم، يقول زيد بن أبي أنيسة: «لا تأخذوا عن أخي»([6]). وقد ألفت المصنفات الكبيرة في الرواة، وألفت كتب خاصة بالضعفاء فصار من السهل التمييز بين المحق والمبطل على أساس من القواعد الدقيقة حتى اكتمل هذا العلم منذ القرن الثالث الهجري على أيدي الأئمة الأعلام الذين أخذوا على عاتقهم حفظ السنة الشريفة، والذود عن حياضها، فألفوا الكتب الكثيرة في الجرح والتعديل.

4.  وضع قواعد عامة لتقسيم الحديث وتمييز الصحيح من غيره:

لم يكتف العلماء بالتزام الإسناد، والتثبت من الأحاديث بالرحلة، ومراجعة الأحاديث، ودراسة الأسانيد والطرق، وإنما ضموا مع هذا تقسيم الحديث إلى درجات: صحيح وضعيف، وذلك لمعرفة القوي من الضعيف وما يقبل وما يرد.

وقد وضع العلماء قواعد يعرفون بها الحديث الموضوع، وبينوا العلامات الدالة على وضعه، منها ما هو في السند، ومنها ما هو في المتن([7]).

ونخلص مما سبق إلى أن تشدد العلماء والمحدثين في قبول الرواية أدى إلى صيانتها وحفظها من الموضوع الذي ليس من كلامه - صلى الله عليه وسلم - ولكنه نسب إليه عن طريق بعض الرواة الكذابين الذين افتضح أمرهم فلم يقبل أحد الأخذ عنهم، ولم يكن الوضع أبدا من أسباب التشدد في قبول الرواية كما يزعمون، ولكن كانت له أسبابه ودواعيه المعروفة والمشهورة، التي أفاض العلماء في بيانها.

ثانيا. لم يثبت أن أحدا من أتباع المذاهب الفقهية قد اجتهد في مقابلة النص الصريح:

لقد اتفق المسلمون سلفا وخلفا - إلا من لا يعتد بخلافهم من أصحاب البدع والأهواء - على أن الكتاب والسنة أصلان من أصول التشريع الإسلامي,لا يجوز لأحد أن يحكم في القضاء الإسلامي بخلاف ما جاء فيهما, ولا يجوز لمجتهد أن يجتهد في مسألة بغير الرجوع إليهما, ثم انقسموا قسمين:

·قسم يرى الأخذ بظواهر النصوص من غير تعليل ولا توسع في القياس، وهم الظاهرية، وأكثر أهل الحديث.

·وقسم يرى إعمال الفكر في استنباط الأحكام من النصوص، فعملوا بالقياس مع الكتاب والسنة, وبحثوا عن العلة وخصصوا العام, وقيدوا المطلق, وبينوا الناسخ من المنسوخ حين تقوم القرينة على ذلك كله, وهؤلاء هم جمهور المجتهدين وحملة العلم منذ عصر الصحابة حتى يومنا هذا.

نعم, كان هناك تفاوت بينهم في الأخذ بالقياس والتعليل, وفي الإحاطة بالسنة وشروط صحتها والعمل بها, ومن هنا كان الخلاف بين مدرسة الرأي ومدرسة الحديث، ولكنهم متفقون جميعا على أنه لا يصح الاجتهاد في الفقه مجردا غير منظور به إلى الحديث, بل أوجبوا على المجتهد أن يحيط بأحاديث الأحكام كلها لا يألو في ذلك جهدا.

والمجمع عليه لدى الأئمة المجتهدين, أن المجتهد ينظر أولا في كتاب الله - عز وجل - ثم في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفي أقوال الصحابة - رضي الله عنهم - ثم لا يتحول إلى الاستنباط والقياس إن لم يكن هناك إجماع([8]).

أخرج الحافظ ابن عبد البر في كتابه "جامع بيان العلم" عن الشافعي رحمه الله أنه قال: "ليس لأحد أن يقول في شيء: حلال أو حرام إلا من جهة العلم, وجهة العلم ما نص في الكتاب أو في السنة أو في الإجماع، فإن لم يوجد في ذلك فالقياس على هذه الأصول ما كان في معناها"([9]).

وهكذا كانت أصول الأئمة المجتهدين, فهم يأخذون بكتاب الله - عز وجل - فإن لم يجدوا في كتاب الله, فبسنة رسول اللهـ صلى الله عليه وسلم - فإن لم يجدوا في السنة فبالإجماع, فإن لم يجدوا, فبالقياس والاستنباط المؤسسين على الكتاب والسنة، ولم يثبت عن أحد منهم أنه اجتهد من هوى نفسه,وإنما كانت له أصول يسير عليها في اجتهاده.

قال الحافظ ابن عبد البر: "أما كتاب الله فيغني عن الاستشهاد عليه، ويكفي من ذلك

قول الله تعالى:

(اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم)

(الأعراف: 3)

وكذلك السنة يكفي فيها

قوله تعالى:

(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)

(النساء: 59)

وقوله:

(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)

(الحشر: 7)

وأما الإجماع فمأخوذ من

قول الله تعالى:

(ويتبع غير سبيل المؤمنين)

(النساء: 115)

لأن الاختلاف لايصح معه هذا الظاهر.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم:

«إن الله لا يجمع أمتي - أو قال: أمة محمد - على ضلالة»([10])

وعندي أن إجماع الصحابة لايجوز خلافهم؛ لأنه لا يجوز على جميعهم جهل التأويل"([11]).

ولقد دافع الإمام أبو حنيفة - والذي ادعي أنه كان يفتي في المسائل برأيه - عن نفسه, ورد على ادعاءات خصومه القدماء ردودا مفحمة, سجلتها الرواية الأمينة بكل إخلاص وصدق.

قال الإمام رحمه الله: "إنا نأخذ أولا بكتاب الله, ثم السنة, ثم بأقضية الصحابة, ونعمل بما اتفقوا عليه, فإن اختلفوا قسنا حكما على حكم, بجامع العلة بين المسألتين, حتى يتضح المعنى"([12]).

فالذي يفهم من كلام الإمام أبي حنيفة أن أحكام الحلال والحرام كانت مؤسسة على اجتهاد مؤسس على الحديث, وليس كما زعم المشككون من أنها كانت مؤسسة على مجرد الاجتهاد، فهذا لم يحدث أصلا, وكيف يستساغ قول هؤلاء الطاعنين إذا علم أن من قواعد أئمتنا المشهورة المسلمة لهم جميعا أن الاجتهاد في مقابلة النص لا يجوز.

إذن القول بأن الأحكام كانت مؤسسة على مجرد الاجتهاد ثم وضعت على هيئة أحاديث عندما دعت الحاجة إلى صبغها بصبغة دينية - زعم باطل لا أساس له من الصحة ولا دليل يؤيده, وكتبنا الإسلامية حافلة بما ينقضه, ومن ادعى ذلك فقد افترى الكذب بغير علم على أصول الأئمة المجتهدين.

فالحق الذي لا مراء فيه أن جل الأحكام التي يدور عليها الفقه في شتى المذاهب المعتبرة قد ثبتت بالسنة، ومن طالع كتب الفقه تبين له ذلك بكل جلاء؛ ولو حذفنا السنن, وما تفرع عليها واستنبط منها من تراثنا الفقهي, ما بقي عندنا فقه يذكر([13]).

وبناء على هذا الأساس, فإنه لا يتصور أن يكون هناك مذهب فقهي, أو إمام مجتهد يتعمد في فقهه ترك حديث صحيح الثبوت, صريح الدلالة على الحكم، لا معارض له، والمراد صحته عنده هو، وصراحة الدلالة على الحكم عنده لا عند غيره.

وهذا ما عني ببيانه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الوجيز القيم "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" الذي دافع فيه عن أئمة الفقه أمام بعض الحرفيين أو المتعجلين الذين اتهموهم بمخالفة الحديث وترك السنة, فقال: "وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة

ـ المقبولين عند الأمة قبولا عاما - يتعمد مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء من سنته, دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباع الرسول وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه, فلا بد له من عذر في تركه, وجميع الأعذار ثلاثة أصناف:

أحدها: عدم اعتقاده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله.

الثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول.

الثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ, وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة:

منها: ألا يكون الحديث قد بلغه؛ لأن الإحاطة بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم تكن لأحد من الأئمة.

ومنها: أن يكون الحديث قد بلغه لكنه لم يثبت عنده؛ لأن راويه قد يكون مجهولا عنده.

ومنها: عدم معرفته بدلالة الحديث..." إلى آخر ما ذكره([14]).

ونستطيع أن نؤكد هنا جازمين: أن جميع فقهاء المسلمين, من مختلف المدارس, وشتى الأمصار, ممن له مذهب باق أو منقوض, متبوع أو غير متبوع, كانوا يرون الأخذ بالسنة, والاحتكام إليها, والرجوع إلى حكمها إذا تبينت لهم، جزءا من دين الله, ولا يسعهم الخلاف عن أمرها, يستوي في ذلك المنتمي إلى مدرسة الرأي والمنتمي إلى مدرسة الحديث([15]).

وهذا مما يؤكد أن الزعم بأن الاجتهاد لم يكن مؤسسا على الحديث لا أصل له من الصحة على الإطلاق.

ولو افترضنا جدلا أنه وجد اجتهاد غير مؤسس على النص الموجود في مقابلة اجتهاد آخر مؤسس على النص الموجود، وكلاهما في حكم واحد، فالطبيعي حينئذ أن نأخذ بالاجتهاد المؤسس على النص؛ وذلك لأن الاجتهاد في مقابلة النص الصريح لا يجوز على الإطلاق.

وعليه فإن القول بأن أحكام الحلال والحرام مؤسسة على مجرد الاجتهاد مع وجود النص قول باطل وفاسد لا يصح بأي حال من الأحوال أن يكون دليلا على إثبات الوضع في الحديث.

ثالثا. الدين قد اكتمل وبلغ غاية الكمال, ولكنه لا يرفض الأخذ من الثقافات الأخرى مادامت لا تصادم نصوص الشرع ومقاصده:

إن دين الإسلام دين معرفة واسعة, ومعارفه ليست مقصورة على ما يدور في فلك المسلمين وحدهم من تشريعات خاصة, ووقائع تتصل بتاريخ حياتهم وجهادهم الطويل, وإنما تمتد معارفه إلى معارف أمم سالفة, وديانات سابقة تأخذ منها الحق لتؤيد به حقها, وتلفظ منها الباطل الذي لا يتفق وهديها([16]).

وأهل السنة لا يرفضون الأخذ بالحكمة والموعظة الحسنة لمجرد أنها لم ترد في القرآن والسنة, ما دامت لا تصادم نصوص الشريعة, ولا روحها, ولا غايتها السامية, ولا آدابها المطلوبة، فلا نعلم إماما من الأئمة رفض الأخذ بها لمجرد أنها لم ترد في الكتاب والسنة([17]).

ومن المأثور أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها.

ونحن إذا نظرنا في القرآن الكريم, وجدنا في آياته البينات ما يدعو نبي الإسلام وجماعة المسلمين إلى أن يرجعوا إلى علماء أهل الكتاب من اليهود والنصارى ليسألوهم عن بعض الحقائق التي جاءت في كتبهم, وجاء بها الإسلام فأنكروها, أو أغفلوها, ليقيم عليهم الحجة ولعلهم يهتدون.

ومن هذه الآيات الدالة على إباحة رجوع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن تبع دينه من المسلمين إلى أهل الكتاب ليسألوهم عن بعض ما عندهم من الحقائق,

قوله عز وجل:

(فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين)

(يونس:94)

وقص علينا القرآن الكريم كثيرا من أخبار بني إسرائيل وغيرهم من الأمم السابقة, ومن ذلك قصة قتيل بني إسرائيل الواردة في قوله عز وجل:

(وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة)

(البقرة: 67)

إلى قوله عز وجل:

(فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون)

(البقرة:73)

وقصة أمر موسى - عليه السلام - لقومه أن يدخلوا الأرض المقدسة, وما كان من هلعهم وجبنهم, ثم دخولهم أرض التيه, وقصة ابني آدم هابيل وقابيل, وقصة المائدة، وقصة أصحاب الأخدود... إلخ([18]).

وكذلك فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقص علينا كثيرا من أخبار بني إسرائيل، ومن ذلك: حديث الأبرص والأعمى والأقرع عند البخاري،

فعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

«إن ثلاثة من بني إسرائيل: أبرص, وأعمى، وأقرع, بدا لله - عز وجل - أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا...» إلي آخر الحديث([19]).

ومن ذلك أيضا قصة جريج العابد التي رواها البخاري

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:

«لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى, وكان في بني إسرائيل رجل يقال له: جريج، كان يصلي, جاءته أمه فدعته, فقال: أجيبها أو أصلي؟ فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات...»([20]).

ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«بلغوا عني ولو آية, وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»([21]).

قال الحافظ ابن حجر: "أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم؛ لأنه كان تقدم منه - صلى الله عليه وسلم - الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم، ثم حصل التوسع في ذلك, وكان النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية والقواعد الدينية خشية الفتنة, ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك، لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار... وقال مالك: المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن, أما ما علم كذبه فلا"([22]).

ومن هنا جاءت القاعدة الأصولية: "شرع من قبلنا شرع لنا إذا قصه الله أو رسوله علينا من غير نكير".

ولقد ثبت أن بعض الصحابة كأبي هريرة وابن عباس كانوا يرجعون إلى بعض من أسلم من أهل الكتاب يسألونهم عما في كتبهم.

وأبو هريرة وابن عباس وغيرهم ممن كانوا يرجعون إلى بعض من أسلم من أهل الكتاب كان لهم منهج سديد, ومعيار دقيق في قبول ما يلقى إليهم من الإسرائيليات, فما وافق شرعنا صدقوه, وما خالفه كذبوه([23]).

فإذا ثبت أن بعض الصحابة قد أكثر من الأخذ عن كعب الأحبار, ووهب بن منبه حتى فاضت كتب التفسير بالإسرائيليات, كما فاضت كتب الصوفية والأخلاق بالحكم المنقولة عن الأمم الأخرى - إذا ثبت هذا كله, فكيف يصح الزعم أن المسلمين رفضوا الحكمة والموعظة الحسنة, إذا كانت من أصل غير إسلامي؟! فهذا ادعاء باطل ولا أساس له من الصحة على الإطلاق([24]).

الخلاصة:

·   لقد اعتنى المحدثون والعلماء بالسنة النبوية أيما اعتناء؛ وذلك حفاظا عليها وصيانة لها من التحريف والتغيير والوضع الذي ظهر بعد الفتنة الكبرى، فقد تتبعوا أحوال الرواة وكشفوا عن صدقهم أو كذبهم، واشترطوا الإسناد وجعلوه من الدين، ولم يخشوا في الله لومة لائم، حتى وإن كان الكاذب أخا أو ابنا أو غيره. فهل كل هذه الجهود كانت سببا في الوضع أو سببا في نفي الوضع عن السنة؟!

·   إن جل الأحكام التي يدور عليها الفقه في شتى المذاهب المعتبرة قد ثبت بالسنة, ومن طالع كتب الفقه تبين له ذلك بكل جلاء؛ ولو حذفنا السنن, وما تفرع عليها وما استنبط منها من تراثنا الفقهي ما بقي لنا فقه يذكر.

·   لا يتصور أن يكون هناك مذهب فقهي، أو إمام مجتهد يتعمد في فقهه ترك حديث صحيح الثبوت, صحيح الدلالة على الحكم، لا معارض له.

·   إذا وجد لإمام من أئمتنا قول قد جاء حديث صحيح بخلافه, فلا بد له من عذر في تركه؛ لأنه لا يتخيل أن يكون الحديث قد بلغه ويعمل بخلافه, أو يجتهد في مقابله.

·   إن الاجتهاد غير المؤسس على الحديث الموجود بين يدي المجتهد لم يوجد أصلا في تاريخ المذاهب الفقهية؛ وذلك لأن القاعدة تقول: "الاجتهاد في مقابلة النص لا يجوز"، وأما إذا لم يوجد النص فلا بأس بالاجتهاد.

·   على الرغم من أن الدين الإسلامي قد اكتمل، وبلغ غاية الكمال في كل شيء, فإنه لا يرفض الأخذ بالحكمة والموعظة الحسنة، مادامت لا تصادم نصوص الشريعة ولا غايتها السامية.

 

المراجع

  1. (*) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي, د. مصطفى السباعي, دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م. حجية السنة ورد الشبهات التي أثيرت حولها, الجامعة الدولية بأمريكا اللاتينية, د.ت.
  2. [1]. السنة النبوية وعلومها، د. أحمد عمر هاشم، مكتبة غريب، القاهرة، ط2،د. ت، ص92 بتصرف.
  3. [2]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، المقدمة، باب: بيان أن الإسناد من الدين... (1/ 173).
  4. [3]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، المقدمة، باب: بيان أن الإسناد من الدين... (1/ 173).
  5. [4]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، المقدمة، باب: بيان أن الإسناد من الدين... (1/ 173).
  6. [5]. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، الخطيب البغدادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1414هـ/ 1994م، (2/ 283، 284) بتصرف.
  7. [6]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، المقدمة, باب: بيان أن الإسناد من الدين, (1/ 181).
  8. [7]. السنة النبوية وعلومها، د. أحمد عمر هاشم، مكتبة غريب، القاهرة، ط2،د. ت، ص92: 95 بتصرف.
  9. [8]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي , د. مصطفى السباعي, دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م, ص240، 241 بتصرف.
  10. [9]. جامع بيان العلم وفضله, ابن عبد البر، مكتبة التوعية، القاهرة، 1428هـ/ 2007م، (1/ 759).
  11. [10]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الفتن، باب: لزوم الجماعة, (6/ 322)، رقم (2255). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (2167).
  12. [11]. جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر, مكتبة التوعية، القاهرة، 1428هـ/ 2007م، ص759، 760.
  13. [12]. الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية: عرض ونقض, د. عبد العظيم إبراهيم المطعني, مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1420هـ/ 1999م, ص83.
  14. [13]. المدخل لدراسة السنة النبوية, د. يوسف القرضاوي, مكتبة وهبة, القاهرة, ط5، 1425هـ/ 2004م, ص45 بتصرف.
  15. [14]. رفع الملام عن الأئمة الأعلام, ابن تيمية, مكتبة السنة، القاهرة، ط1، 1418هـ/ 1998م، ص11، 12.
  16. [15]. المدخل لدراسة السنة النبوية, د. يوسف القرضاوي, مكتبة وهبة, القاهرة, ط5، 1425هـ/ 2004م, ص51.
  17. [16]. الإسرائيليات في التفسير والحديث, محمد حسين الذهبي, مكتبة وهبة, القاهرة, ط5, 1425هـ/ 2004م, ص45 بتصرف.
  18. [17]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي, د. مصطفى السباعي, دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م, ص241 بتصرف.
  19. [18]. انظر: الإسرائيليات في التفسير والحديث, محمد حسين الذهبي, مكتبة وهبة, القاهرة, ط5, 1425هـ/ 2004م,ص45: 47.
  20. [19]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري), كتاب: أحاديث الأنبياء, باب: حديث أبرص وأعمى وأقرع في بني إسرائيل، (6/ 578)، رقم (3464).
  21. [20]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: في قول الله عز وجل: ) واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها (، (6/ 549)، رقم (3436).
  22. [21]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل، (6/ 572)، رقم (3461).
  23. [22]. فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (6/ 575).
  24. [23]. الإسرائيليات في التفسير والحديث, محمد حسين الذهبي, مكتبة وهبة, القاهرة, ط5, 1425هـ/ 2004م, ص51 بتصرف.
  25. [24]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي, د. مصطفى السباعي, دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م, ص242 بتصرف.