نص السؤال

ادعاء أن عكرمة مولى ابن عباس كان كذابًا خارجيًّا

المصدر: شبهات المشككين في الإسلام

الجواب التفصيلي

ادعاء أن عكرمة مولى ابن عباس كان كذابا خارجيا (*)

مضمون الشبهة:

يطعن بعض المتوهمين في عدالة عكرمة مولى ابن عباس - رضي الله عنه - زاعمين أنه متروك لا يحتج بحديثه.

ويستدلون على ذلك بـأنه كان خارجيا يكذب على ابن عباس؛ لما روي أن علي بن عبد الله بن عباس قيد عكرمة على باب الحش لكذبه على أبيه، وكذا ما روي عن ابن عمر أنه قال لنافع: "لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس"، وأقوال أخرى، كما أنه كان إباضيا يرى رأى الخوراج؛ لذا ترك الإمام مالك وغيره حديثه.

ويتخذون من قبوله جوائز السلطان والأمراء طعنا في أمانته وثقته.

رامين من وراء ذلك إلى الطعن في عكرمة مولى ابن عباس - رضي الله عنهماـ وعدم الاحتجاج بمروياته مطلقا.

وجوه إبطال الشبهة:

1) لقد أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة مولى ابن عباس وأخذوا عنه، وتلقي حديثه بالقبول قرنا بعد قرن، إلى زمن الأئمة الذين أخرجوا الصحيح، فلم يمسك أحد عن الرواية عنه، أو ترك حديثه.

2) إن قول ابن عمر، وغيره من الأقوال التي استدلوا بها على كذب عكرمة على ابن عباس لم تثبت؛ فقد نفى عنه ابن عباس هذه الفرية، وأمر الناس أن يصدقوه فيما يرويه عنه، وإن ثبتت هذه الأقوال، فلا تقدح في روايته، وذلك لاحتمالها أوجها كثيرة؛ ولأن إطلاق الكذب عند الحجازيين يأتي بمعنى الخطأ.

3) لم يثبت أن عكرمة مولى ابن عباس كان إباضيا يرى رأي الخوارج، ولا أن مالكا قد ترك حديثه، فقد ذكره في الموطأ، وصرح باسمه، ونص على روايته عن ابن عباس، وعلى فرض صحة هذا الزعم الباطل، فإن هناك شبه إجماع على قبول رواية المبتدع إذا خالفت روايته ما يعتقد.

4) ليس ثمة شيء ألبتة في قبول عكرمة مولى ابن عباس جوائز السلطان والأمراء؛ فقد جوزها جمهور أهل العلم، وقبلها جماعة من خيار الصحابة والتابعين، فلم ينكر عليهم أحد، فلماذا الإنكار على عكرمة وحده ذلك؟!

التفصيل:

أولا. إجماع العلماء على توثيق عكرمة - رضي الله عنه - والاحتجاج بحديثه:

لقد كان عكرمة - رضي الله عنه - من أئمة المفسرين والمحدثين؛ لذلك لم يهتم العلماء بما اتهم به؛ لأنهم يعلمون أن هذه دعاوي لا دليل عليها.

فقد وجدنا علماء الجرح والتعديل قد وثقوه وعدلوه، ولم يقبلوا فيه تجريحا، بل إنهم دافعوا عنه.

ولا يخفى على أحد من أهل العلم ما أثنى به علماء الأمة على علم عكرمة مولى ابن عباس - رضي الله عنهما؛ إذ أثنوا عليه ثناء جما، وأجمعوا على الاحتجاج بحديثه.

قال عمرو بن دينار: "دفع إلي جابر بن زيد مسائل أسأل عنها عكرمة، وجعل يقول: هذا عكرمة، وهذا مولى ابن عباس، هذا البحر فسلوه".

وقال سلام بن مسكين: "كان عكرمة من أعلم الناس بالتفسير"([1]).

وقال عمرو بن دينار: "سمعت أبا الشعثاء يقول: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا أعلم الناس".

وقال الشعبي: "ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة".

وقال قتادة: "كان أعلم التابعين أربعة: كان عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك، وكان سعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير، وكان عكرمة أعلمهم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الحسن أعلمهم بالحلال والحرام".

وقال يحيى بن أيوب: "قال لي ابن جريج: قدم عليكم عكرمة؟ قلت: بلى، قال: فكتبتم عنه؟ قلت: لا، قال: فاتكم ثلثا العلم"([2]).

وقال علي بن المديني: "كان عكرمة من أهل العلم، ولم يكن في موالي ابن عباس أغزر علما منه"([3]).

ولأجل هذا وذاك احتج العلماء بحديثه.

جاء في "تهذيب التهذيب": قال محمد بن نصر المروزي: "أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا، منهم أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، ويحيى بن معين، ولقد سألت إسحاق عن الاحتجاج بحديثه، فقال: عكرمة عندنا إمام أهل الدنيا، وتعجب من سؤالي إياه".

وقال كذلك: "حدثنا غير واحد أنهم شهدوا يحيي بن معين، وسأله بعض الناس عن الاحتجاج بعكرمة، فأظهر التعجب"([4]).

وقال البخاري: "ليس أحد من أصحابنا إلا احتج بعكرمة"([5]).

وقال جعفر الطيالسي عن ابن معين: "إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة، فاتهمه على الإسلام".

وقال عثمان الدارمي: "قلت لابن معين: أيهما أحب إليك عكرمة عن ابن عباس أو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنه؟ قال: كلاهما، ولم يختر، فقلت: فعكرمة أو سعيد بن جبير، قال: ثقة وثقة، ولم يختر"([6]).

وقد وثقه كذلك النسائي، وابن حبان، والعجلي، وغيرهم.

ويقول ابن عدي في " الكامل" - ومن عادته فيه أن يخرج الأحاديث التي أنكرت على الثقة، أو على غير الثقة، فقال فيه بعد أن ذكر كلامهم في عكرمة: "ولم أخرج هنا من حديثه شيئا؛ لأن الثقات إذا رووا عنه، فهو مستقيم، ولم يمتنع الأئمة وأصحاب الصحاح من تخريج حديثه، وهو أشهر من أن أحتاج إلى أن أخرج له شيئا من حديثه"([7]).

ويعقب ابن منده على ما سبق، فيقول: "أما حال عكرمة في نفسه، فقد عدله أمة من التابعين، منهم زيادة على سبعين رجلا من خيار التابعين ورفعائهم، وهذه منزلة لا تكاد توجد منهم لكبير أحد من التابعين، على أن من جرحه من الأئمة لم يمسك عن الرواية عنه، ولم يستغن عن حديثه، وكان حديثه متلقى بالقبول قرنا بعد قرن، إلى زمن الأئمة الذين أخرجوا الصحيح"([8]).

فهل بعد هذا يحق لمدع أن يقول: إن عكرمة مولى ابن عباس متروك الحديث، لا يحتج بحديثه؟!

ولم يقف الأمر عند الشهادة له بالخير والعلم، وأنه كان ثقة فقط، بل حدث عنه جم كبير من أئمة العلم، فقد حدث عنه إبراهيم النخعي، والشعبي، وماتا قبله، وعمرو بن دينار وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وحبيب بن أبي ثابت، وحصين بن عبد الرحمن، والحكم بن عتيبة، وعبد الله بن كثير الداري، وعبد الكريم الجزري، وعبد الكريم أبو أمية البصري، وعلي بن الأقمر، وقتادة، ومطر الوراق، وموسى بن عقبة، وأبو إسحاق الهمداني، وأبو إسحاق الشيباني، وأبو صالح مولى أم هانئ مع تقدمه، وأبو الزبير المكي، وخلق كثير من جلة التابعين، وأيوب السختياني، وأشعث بن سوار، وثور بن زيد الديلي، وغيرهم كثير مما يدل على ثقته عندهم، ويؤكد على هذا المعنى عندنا.

روى حرمي بن عمارة، عن عبد الرحمن بن حسان: "سمعت عكرمة يقول: طلبت العلم أربعين سنة، وكنت أفتي بالباب، وابن عباس في الدار"([9]).

وقال ابن حبان: "أما عكرمة فحمل أهل العلم عنه الحديث والفقه في الأقاليم كلها، وما أعلم أحدا ذمه بشيء، إلا بدعابة كانت فيه".

وقال - أيضا: "وكان عكرمة من علماء الناس في زمانه بالقرآن والفقه، وكان جابر بن زيد يقول: عكرمة من أعلم الناس، ومن زعم أنا كنا نتقي حديث عكرمة، فلم ينصف"([10]).

وقال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي: "وعكرمة قد ثبتت عدالته بصحبة ابن عباس وملازمته إياه، وبأن غير واحد من العلماء قد رووا عنه وعدلوه. قال: وكل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد، حتى يبين ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه"([11]).

وروى ابن أبي حاتم عن يزيد النحوي عن عكرمة قال: "قال ابن عباس: انطلق فأفت الناس وأنا لك عون، قال: قلت: لو كان مع الناس مثلهم أفتيتهم، قال: انطلق فأفت الناس، فمن سألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته؛ فإنك تطرح عنك ثلثي مؤنة الناس"([12]).

فهل بعد شهادة ابن عباس له بالعلم وإجازته له أن يفتي الناس - وهذا لا يكون إلا عن معرفة تامة بدقته وحفظه ووعيه لما يقول - فهل بعد هذا يأتي من يشكك في عدالة هذا الصحابي وثقته؟!

ثانيا. الأقوال التي استدلوا بها على كذب عكرمة على ابن عباس لا تثبت، وإن ثبتت فلا تقدح في روايته:

لم يثبت عن عكرمة مولى ابن عباس - من طريق صحيح - أنه كذب على عبد الله بن عباس، فنسب إليه أحاديث لم يروها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومما يؤكد ذلك ما قاله ابن حبان في "الثقات": "كان جابر بن زيد يقول: عكرمة من أعلم الناس، ومن زعم أنا كنا نتقي حديث عكرمة، فلم ينصف....، ولا يجب على من شم رائحة العلم أن يعرج على قول يزيد بن أبي زياد حيث يقول: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة مقيد على باب الحش قلت: من هذا؟ قال: إن هذا يكذب على أبي، ومن أمحل المحال أن يجرح العدل بكلام المجروح؛ لأن يزيد بن أبي زياد ليس ممن يحتج بنقل حديثه، ولا بشيء"([13]).

إن الأقوال التي جعلوها برهانا ودليلا على كذب عكرمة مولى ابن عباس، ردها علماء الجرح والتعديل - كما رأيت - وتكلموا فيها، ومما قالوه أيضا: إن قول ابن عمر لم يثبت عنه؛ لأنه من رواية أبي خلف الجزار عن يحيى البكاء عن ابن عمر، ويحيى البكاء متروك الحديث.

قال ابن أبي حاتم: "قال عبيدالله القواريري: لم يكن يحيى بن سعيد القطان يرضى يحيى البكاء. قال: وسألت يحيى بن معين عنه فقال: يحيى البكاء ليس بذاك، وحدثنا عبد الرحمن قال: سألت أبي قلت له: يحيى البكاء أحب إليك أو أبو جناب؟ قال: لا هذا ولا هذا، قلت: إذا لم يكن في الباب غيرهما، أيهما أكتب؟ قال: لا تكتب منه شيئا"([14]).

وقال أبو زرعة: "ليس بقوي". وقال النسائي: "متروك الحديث بصري"([15]).

وقال أبوعبيد الآجري: "قلت لأبي داود: قال لي حنبل: سمعت عمي يقول: يحيى البكاء ليس بثقة؟ فقال: هو غير ثقة"([16]).

يقول ابن جرير: "إن ثبت هذا عن ابن عمر، فهو محتمل لأوجه كثيرة، لا يتعين منه القدح في جميع روايته، فقد يمكن أن يكون أنكر عليه مسألة من المسائل كذبه فيها".

قال ابن حجر معقبا: "وهو احتمال صحيح؛ لأنه روي عن ابن عمر أنه أنكر عليه الرواية عن ابن عباس في الصرف"، ثم استدل ابن جرير على أن ذلك لا يوجب قدحا فيه بما رواه الثقات، عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه لما قيل له: إن نافعا مولى ابن عمر حدث عن ابن عمر في مسألة الإتيان في المحل المكروه: كذب العبد على أبي. قال ابن جرير: "ولم يروا ذلك من قول سالم في نافع جرحا، فينبغي ألا يروا ذلك من ابن عمر في عكرمة جرحا".

ويوجه ابن حبان قول ابن عمر توجيها آخر، فيقول: أهل الحجاز يطلقون "كذب" في موضع "أخطأ"، وقد ذكر هذا في ترجمة برد.

ويؤيد ذلك إطلاق عبادة بن الصامت قوله: "كذب أبو محمد"، لما أخبر أنه يقول: الوتر واجب، فإن أبا محمد لم يقله رواية، وإنما قاله اجتهادا، والمجتهد لا يقال: إنه كذب، إنما يقال: إنه أخطأ. وقد ذكر ابن عبد البر لذلك أمثلة كثيرة.

وأما عن قول سعيد بن المسيب في عكرمة، فيقول ابن جرير: "ليس ببعيد أن يكون الذي حكي عنه نظير الذي حكي عن ابن عمر".

وقد أكد ابن حجر على قول ابن جرير، فقال: وهو كما قال، فقد تبين من حكاية عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب، في تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - بميمونة، ولقد ظلم عكرمة في ذلك، فإن هذا مروي عن ابن عباس من طرق كثيرة، أنه كان يقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو محرم([17]).

ومما يؤكد فضل عكرمة وعلمه، أن يحيى بن معين قال: "مات ابن عباس وعكرمة عبد لم يعتقه، فباعه علي بن عبد الله بن عباس، فقيل له: تبيع علم أبيك؟! فاسترده"([18]).

ونضيف إلى ما سبق أن الذين رموا عكرمة مولى ابن عباس بالكذب، قد رموه به من خلفه، ولم يكن أمامه أو بحضوره، وفي هذا ما يدل على ضعف حجتهم، وعجزهم عن المواجهة.

وقد دل على ذلك، ما روي عنه، أنه قال: "أرأيت هؤلاء الذين يكذبوني من خلفي، أفلا يكذبوني في وجهي، فإذا كذبوني في وجهي فقد والله كذبوني"([19]).

وهذا يعني أنهم إذا واجهوه بذلك أمكنه الجواب عنه، والمخرج منه، يدل على ذلك قول سليمان بن حرب: "وجه هذا أنهم إذا رموه بالكذب لم يجدوا عليه حجة"([20]).

ومما يدل على صدق عكرمة ما أخبر به عبيد الله موسى قال: أخبرنا شيبان عن أبي إسحاق قال: "سمعت سعيد بن جبير يقول: إنكم لتحدثون عن عكرمة بأحاديث لو كنت عنده ما حدث بها. قال: فجاء عكرمة فحدثه بتلك الأحاديث كلها، قال: والقوم سكوت، فما تكلم سعيد، قال: ثم قام عكرمة فقالوا: يا أبا عبد الله ما شأنك؟ قال: فعقد ثلاثين وقال: أصاب الحديث".

وقال حبيب بن أبي ثابت: "مر عكرمة بعطاء وسعيد بن جبير، قال: فحدثهما، فلما قام، قلت لهما: تنكران مما حدث شيئا؟ قالا: لا"([21]).

وقد رد ابن جرير الطبري على فرية كذب عكرمة إجمالا، فقال: "ولم يكن أحد يدفع عكرمة عن التقدم في العلم بالفقه والقرآن وتأويله وكثرة الرواية للآثار، وأنه كان عالما بمولاه، وفي تقريظ جلة أصحاب ابن عباس إياه، ووصفهم له بالتقدم في العلم، وأمرهم الناس بالأخذ عنه ما بشهادة بعضهم تثبت عدالة الإنسان، ويستحق جواز الشهادة، ومن ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح، وما تسقط العدالة بالظن، وبقول فلان لمولاه لا تكذب علي، وما أشبهه من القول الذي له وجوه وتصاريف ومعان غير الذي وجهه إليه أهل الغباوة، ومن لا علم له بتصاريف كلام العرب"([22]).

وعليه، فكيف يكذب عكرمة - رضي الله عنه - على ابن عباس، وقد نفى عنه ابن عباس ذلك، بل وأمر الناس أن يصدقوه فيما يرويه عنه، بل وأمره أن يفتي الناس وهو له عون! فقد روى محمد بن فضيل عن عثمان بن حكيم قال: "كنت جالسا مع أمامة بن سهل بن حنيف، إذ جاء عكرمة، فقال: يا أبا أمامة، أذكرك الله، هل سمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم به عني عكرمة فصدقوه، فإنه لم يكذب علي؟، فقال أبو أمامة: نعم"([23]).

ونخلص مما سبق إلى أن الأقوال التي استدلوا بها على كذب عكرمة على ابن عباس - رضي الله عنهما - لا تثبت، وإن ثبتت، فلا تقدح في رواية عكرمة عن ابن عباس؛ لأن الكذب يوضع موضع الخطأ في لغة الحجازيين.

ثالثا. لم يثبت أن عكرمة مولى ابن عباس كان إباضيا يرى رأي الخوارج، ولا أن مالكا قد ترك حديثه:

إن القول بأن عكرمة مولى ابن عباس كان إباضيا يرى رأي الخوارج اتهام لم يثبت عنه من وجه قاطع، وإنما دفعهم إلى القول به أن عكرمة كان يوافق الخوارج في بعض المسائل، فنسبوه إليهم، وقد برأه الإمام أحمد من ذلك، وكذا برأه الإمام العجلي، فقال في كتابه "الثقات": "عكرمة مولى ابن عباس - رضي الله عنهما - مكي، تابعي، ثقة، بريء مما يرميه الناس به من الحرورية".

وقال ابن جرير: "لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه، ما ادعي به، وسقطت عدالته، وبطلت شهادته بذلك، للزم ترك أكثر محدثي الأمصار؛ لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه"([24]).

ومن ثم، فإن ما استدلوا به - على زعمهم - من أن مالكا قد أسقط ذكر عكرمة مولى ابن عباس من الموطأ، ولا أدري ما صحته لأنه قد ذكره في الحج وصرح باسمه، ومال إلى روايته عن ابن عباس، وترك عطاء في تلك المسألة، مع كون عطاء أجل التابعين في علم المناسك([25]).

فقد جاء في "الموطأ" عن مالك بن أنس: «عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: لا أظنه إلا عن عبد الله بن عباس، أنه قال: الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يعتمر ويهدي»([26]).

وعن مالك أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول في ذلك مثل قول عكرمة عن ابن عباس، فقال: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك ([27]).

 ومما يرد على هذه الشبهة أيضا فساد استدلالهم. قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن عكرمة فقال: ثقة، قلت: يحتج بحديثه؟ قال: نعم إذا روى عنه الثقات، والذي أنكر عليه مالك إنما هو بسبب رأيه، على أنه لم يثبت عنه من وجه قاطع أنه كان يرى ذلك"([28]).

وقد روى له الإمام البخاري - رحمه الله - وهو أعلم أهل الحديث بالرجال، وروى له الأئمة جميعا؛ لأنه حتى لو كان رمي بذلك، فإن الجمهور على قبول رواية من اتهم بذلك إذا كان غير داع لبدعته، يقول ابن حجر: يقبل خبر غير الداعية ويرد حديث الداعية. وهذا المذهب هو الأعدل، وصارت إليه طوائف من الأئمة، وادعى ابن حبان إجماع أهل النقل عليه، لكن في دعوى ذلك نظر.

ثم اختلف القائلون بهذا التفصيل، فبعضهم أطلق ذلك، وبعضهم زاده تفصيلا، فقال: إن اشتملت رواية غير الداعية على ما يشيد بدعته ويزينه ويحسنه ظاهرا فلا تقبل، وإن لم تشتمل فتقبل، وقال بعضهم: وإن كان داعية فينطبق عليه ما سبق أيضا([29]).

وعليه، فإن القول بأن عكرمة مولى ابن عباس - رضي الله عنهما - كان إباضيا يرى رأي الخوارج، لم يثبت عليه، وإن ثبت عليه، فلا يضر حديثه؛ لاحتماله أوجها كثيرة كما ذكرنا.

رابعا. قبول عكرمة مولى ابن عباس جوائز السلطان والأمراء لا يقدح في قبول روايته.

كان عكرمة مولى ابن عباس يقبل جوائز الأمراء والسلطان، وهذا لا يقدح في قبول روايته للحديث([30])؛ فقد أجازه جمهور أهل العلم.

يقول نافع مولى عبد الله بن عمر: كان عبد الله بن عمر يقبل الجوائز من الأمراء، وقبل جوائز الأمراء جماعة؛ منهم الشعبي، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وابن شهاب الزهري، ويحيى بن سعيد، ومالك بن أنس، والأوزاعي.

وكان يحيى بن سعيد في ديوان الوليد، وجماعة من العلماء كانوا في ديوان بني أمية، وبني العباس في العطاء.

وقد ذكر الحسن الحلواني أن عمر بن عبد العزيز أمر بمال للحسن ومحمد، فلم يقبل محمد وقبل الحسن.

وقال سفيان الثوري: "جوائز السلطان أحب إلي من صلة الإخوان؛ لأنهم لا يمنون، والإخوان يمنون".

ويقول حبيب بن أبي ثابت: "رأيت هدايا المختار تأتي ابن عباس وابن عمر، فيقبلانها".

وقال الحسن بن علي: "لا يرد عطاياهم إلا أحمق أو مراء".

وعليه، فإن جمهور أهل العلم يستندون في تجويز قبول جوائز السلطان والأمراء إلى حديث سمرة بن جندب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بدا»([31]).

يقول ابن عبد البر: "وهذا الحديث من أثبت ما يروى في هذا الباب، وهو أصل عندهم في سؤال السلطان، وقبول جوائزه".

وعمومه يقتضي كل سلطان لم يخص من السلاطين صفة دون صفة، فما لم يعلم الحرام عندهم بصفته، جاز قبوله.

ذكر الوليد بن هشام لعمر بن عبد العزيز القاسم بن مخيمرة، قال: فأرسل إليه، فلما دخل عليه قال له عمر: سل حاجتك، قال يا أمير المؤمنين: قد علمت ما جاء في المسألة، قال: ليس أنا ذلك، إنما أنا قاسم، فسل حاجتك، قال: يا أمير المؤمنين، أخدمني، قال: قد أمرنا لك بخادم، فخذها من عند الوليد بن هشام.

وعن سفيان عن منصور، قال: "خرج إبراهيم النخعي وتميم بن سلمة إلى عامل حلوان فأعطاهما، قال: ففضل تميما على إبراهيم، فوجد إبراهيم من ذلك في نفسه".

وقال محمد بن عبد العزيز - وكان فاضلا: "سمعت ابن عيينة يقول: من زعم أن سفيان لم يأخذ من السلطان؟! أنا أخذت له منهم".

وقال مالك: "فكل من عمل للسلطان عملا، فله رزقه من بيت المال، قال: فلا بأس بالجائزة يجاز بها الرجل يراه الإمام بجائزته أهلا لعلم أو دين عليه، أو نحو ذلك"([32]).

ويؤكد ذلك الصنعاني بقوله: وأما سؤاله من السلطان فإنه لا مذمة فيه؛ لأنه إنما يسأل مما هو حق له في بيت المال، ولا منة للسلطان على السائل؛ لأنه وكيل، فهو كسؤال الإنسان وكيله أن يعطيه من حقه الذي لديه، وظاهره أنه وإن سأل السلطان تكثرا، فإنه لا بأس فيه ولا إثم، لأنه جعله قيما للأمر الذي لا بد منه([33]). ويؤكد ذلك الإمام السبكي قائلا: "أما عطية السلطان بلا سؤال فيجوز قبولها إن غلب على ماله الحل، وإلا فلا"([34]).

ونخلص مما سبق إلى أن قبول عكرمة مولى ابن عباس لجوائز الأمراء والسلطان لا يقدح في قبول روايته للحديث؛ وذلك لأنه قد ثبت عن جماعة من خيار الصحابة والتابعين قبولهم جوائز السلطان والأمراء، ومع ذلك فلم يطعن أحد في عدالتهم، ولا في روايتهم للحديث؛ إذ اتفق أكثر أهل العلم على جوازه.

الخلاصة:

·   لقد أجمع العلماء على الاحتجاج بحديث عكرمة رضي الله عنه، كما أثنوا على علمه، وأخذوا عنه، فقد حدث عنه إبراهيم النخعي، والشعبي، وعمرو بن دينار، وقتادة، وأبو إسحاق الهمداني، وأبو إسحاق الشيباني، وخلق كثير من جلة التابعين، مما يؤكد على ثقته وزيف ما اتهم به.

·   إن علماء الأمة المشهود لهم قد أجمعوا على عكس ما اتهم به عكرمة في هذه الشبهة، بل تعجبوا من السؤال عن حاله، ودافعوا عنه وبرءوه مما اتهم به، قال محمد بن نصر المروزي: "أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا، منهم أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، ويحيى بن معين، ولقد سألت إسحاق عن الاحتجاج بحديثه، فقال: عكرمة عندنا إمام أهل الدنيا، وتعجب من سؤالي إياه". وقال البخاري: "ليس أحد من أصحابنا إلا احتج بعكرمة".

·   لم يثبت عن عكرمة مولى ابن عباس أنه كذب على عبد الله بن عباس، فنسب إليه أحاديث كذبا، وهذه في الحقيقة اتهامات واهية لا تثبت أمام الحقيقة التي قررها ابن عباس نفسه، فيما رواه محمد بن فضيل عن عثمان بن حكيم: كنت جالسا مع أبي أمامة بن سهل بن حنيف، إذ جاء عكرمة، فقال: يا أبا أمامة أذكرك الله، هل سمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم به عني عكرمة فصدقوه، فإنه لم يكذب علي؟ فقال أبو أمامة: نعم. وهذا إسناد صحيح، وكذلك أمر ابن عباس له بأن يفتي في الناس وهو له معين.

·    إن الروايات التي جاءت عن ابن عمر باتهام عكرمة، ردها علماء الجرح والتعديل، وتكلموا فيها، فقالوا: إن قول ابن عمر لم يثبت عنه، لأنه من رواية أبي خلف الجزار عن يحيى البكاء عن ابن عمر، ويحيى البكاء متروك الحديث، وصدق ابن حبان؛ إذ قال: ومن المحال أن يجرح العدل بكلام المجروح، ثم إنهم كانوا يستعملون كلمة "كذب" بمعنى "أخطأ".

·   إن القول بأن عكرمة كان إباضيا إنما هو اتهام لم يثبت، وإن ثبت، فلا يقدح في رواية عكرمة، قال ابن جرير: لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعي به، وسقطت عدالته، وبطلت شهادته بذلك، للزم ترك أكثر محدثي الأمصار؛ لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه، ورغم ذلك فإن هناك شبه إجماع على قبول رواية المبتدع إذا لم يكن داعية لبدعته، إذا خالفت روايته ما نسب إليه من بدعته.

·   إن مالكا - رحمه الله - لم يترك الرواية عن عكرمة كما ادعوا ذلك؛ فقد ذكره في "الموطأ" في الحج، وصرح باسمه، ومال إلى روايته عن ابن عباس، وترك عطاء في تلك المسألة، مع كون عطاء أجل التابعين في علم المناسك، قال أبو عمر بن عبد البر: "كان عكرمة من جلة العلماء، ولا يقدح فيه كلام من تكلم فيه، لأنه لا حجة مع أحد تكلم فيه".

·   ليس ثمة شيء في قبول عكرمة مولى ابن عباس جوائز السلطان والأمراء، ولا يقدح هذا في روايته؛ إذ قبلها الكثير من أهل العلم من الصحابة والتابعين دون قدح فيهم؛ مثل عبد الله بن عمر، والشعبي، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وابن شهاب الزهري، ويحيى بن سعيد، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وكان يحيى بن سعيد في ديوان الوليد، وجماعة من العلماء كانوا في ديوان بني أمية، وبني العباس في العطاء، بل قال سفيان الثوري: جوائز السلطان أحب إلي من صلة الإخوان؛ لأنهم لا يمنون، والإخوان يمنون. فهل نقدح في عدالة كل هؤلاء الثقات؟!

 المراجع:


(*) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، محمد بن إبراهيم الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1429هـ/2008م.

[1]. انظر: الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: د. علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (7/284،283).

[2]. انظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (20/271: 292).

[3]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص450.

[4]. تهذيب التهذيب، ابن حجر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (7/241).

[5]. التاريخ الكبير، البخاري، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، د. ت، (7/49).

[6]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (41/103).

[7]. الكامل في ضعفاء الرجال، ابن عدي، دار الفكر، بيروت، ط3، 1405هـ/1985م، (5/271، 272).

[8]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص450، 451.

[9]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (5/14، 15).

[10]. الثقات، ابن حبان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند، ط1، 1393هـ/ 1973م، (5/230).

[11]. تهذيب التهذيب، ابن حجر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م،(7/241).

[12]. الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم الرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1، (7/8).

[13]. الثقات، ابن حبان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند، ط1، 1393هـ/ 1973م، (5/230).

[14]. الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم الرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط، (9/186).

[15]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (5/351،350).

[16] . تهذيب الكمال في أسما الرجال، الحافظ المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (31/535).

[17] . هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص448 بتصرف.

[18]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (20/270، 271).

[19]. الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: د. علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (7/284).

[20]. انظر: هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص448، 449.

[21]. الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: د. علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (7/284).

[22]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص451.

[23]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (20/271).

[24]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص449.

[25]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص451 بتصرف.

[26] . أخرجه مالك في موطئه، كتاب: الحج، باب: من أصاب أهله قبل أن يفيض، ص139، رقم (867).

[27]. أخرجه مالك في موطئه، كتاب: الحج، باب: من أصاب أهله قبل أن يفيض، ص139، 140، رقم (868).

[28]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص449.

[29]. انظر: هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص404.

[30]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص449 بتصرف.

[31]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه ( بشرح عون المعبود)، كتاب: الزكاة، باب: ما تجوز فيه المسألة، (5/ 33، 34)، رقم (1636). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (1639).

[32]. انظر: التمهيد، ابن عبد البر، تحقيق: أبي إسحاق إبراهيم الدمياطي ومحمد عبد الكبير البكري، مطبعة فضالة المحمدية، المغرب، 1378هـ/ 1967م، (4/ 114: 119).

[33]. سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام، الصنعاني، تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق، دار ابن الجوزي، السعودية، ط1، 1418هـ/1997م، (4/84).

[34]. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود، محمود خطاب السبكي، تحقيق: د. محمد محمد داود، دار المنار، القاهرة، 1425هـ/2004م، (9/269).

الجواب التفصيلي

ادعاء أن عكرمة مولى ابن عباس كان كذابا خارجيا (*)

مضمون الشبهة:

يطعن بعض المتوهمين في عدالة عكرمة مولى ابن عباس - رضي الله عنه - زاعمين أنه متروك لا يحتج بحديثه.

ويستدلون على ذلك بـأنه كان خارجيا يكذب على ابن عباس؛ لما روي أن علي بن عبد الله بن عباس قيد عكرمة على باب الحش لكذبه على أبيه، وكذا ما روي عن ابن عمر أنه قال لنافع: "لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس"، وأقوال أخرى، كما أنه كان إباضيا يرى رأى الخوراج؛ لذا ترك الإمام مالك وغيره حديثه.

ويتخذون من قبوله جوائز السلطان والأمراء طعنا في أمانته وثقته.

رامين من وراء ذلك إلى الطعن في عكرمة مولى ابن عباس - رضي الله عنهماـ وعدم الاحتجاج بمروياته مطلقا.

وجوه إبطال الشبهة:

1) لقد أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة مولى ابن عباس وأخذوا عنه، وتلقي حديثه بالقبول قرنا بعد قرن، إلى زمن الأئمة الذين أخرجوا الصحيح، فلم يمسك أحد عن الرواية عنه، أو ترك حديثه.

2) إن قول ابن عمر، وغيره من الأقوال التي استدلوا بها على كذب عكرمة على ابن عباس لم تثبت؛ فقد نفى عنه ابن عباس هذه الفرية، وأمر الناس أن يصدقوه فيما يرويه عنه، وإن ثبتت هذه الأقوال، فلا تقدح في روايته، وذلك لاحتمالها أوجها كثيرة؛ ولأن إطلاق الكذب عند الحجازيين يأتي بمعنى الخطأ.

3) لم يثبت أن عكرمة مولى ابن عباس كان إباضيا يرى رأي الخوارج، ولا أن مالكا قد ترك حديثه، فقد ذكره في الموطأ، وصرح باسمه، ونص على روايته عن ابن عباس، وعلى فرض صحة هذا الزعم الباطل، فإن هناك شبه إجماع على قبول رواية المبتدع إذا خالفت روايته ما يعتقد.

4) ليس ثمة شيء ألبتة في قبول عكرمة مولى ابن عباس جوائز السلطان والأمراء؛ فقد جوزها جمهور أهل العلم، وقبلها جماعة من خيار الصحابة والتابعين، فلم ينكر عليهم أحد، فلماذا الإنكار على عكرمة وحده ذلك؟!

التفصيل:

أولا. إجماع العلماء على توثيق عكرمة - رضي الله عنه - والاحتجاج بحديثه:

لقد كان عكرمة - رضي الله عنه - من أئمة المفسرين والمحدثين؛ لذلك لم يهتم العلماء بما اتهم به؛ لأنهم يعلمون أن هذه دعاوي لا دليل عليها.

فقد وجدنا علماء الجرح والتعديل قد وثقوه وعدلوه، ولم يقبلوا فيه تجريحا، بل إنهم دافعوا عنه.

ولا يخفى على أحد من أهل العلم ما أثنى به علماء الأمة على علم عكرمة مولى ابن عباس - رضي الله عنهما؛ إذ أثنوا عليه ثناء جما، وأجمعوا على الاحتجاج بحديثه.

قال عمرو بن دينار: "دفع إلي جابر بن زيد مسائل أسأل عنها عكرمة، وجعل يقول: هذا عكرمة، وهذا مولى ابن عباس، هذا البحر فسلوه".

وقال سلام بن مسكين: "كان عكرمة من أعلم الناس بالتفسير"([1]).

وقال عمرو بن دينار: "سمعت أبا الشعثاء يقول: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا أعلم الناس".

وقال الشعبي: "ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة".

وقال قتادة: "كان أعلم التابعين أربعة: كان عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك، وكان سعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير، وكان عكرمة أعلمهم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الحسن أعلمهم بالحلال والحرام".

وقال يحيى بن أيوب: "قال لي ابن جريج: قدم عليكم عكرمة؟ قلت: بلى، قال: فكتبتم عنه؟ قلت: لا، قال: فاتكم ثلثا العلم"([2]).

وقال علي بن المديني: "كان عكرمة من أهل العلم، ولم يكن في موالي ابن عباس أغزر علما منه"([3]).

ولأجل هذا وذاك احتج العلماء بحديثه.

جاء في "تهذيب التهذيب": قال محمد بن نصر المروزي: "أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا، منهم أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، ويحيى بن معين، ولقد سألت إسحاق عن الاحتجاج بحديثه، فقال: عكرمة عندنا إمام أهل الدنيا، وتعجب من سؤالي إياه".

وقال كذلك: "حدثنا غير واحد أنهم شهدوا يحيي بن معين، وسأله بعض الناس عن الاحتجاج بعكرمة، فأظهر التعجب"([4]).

وقال البخاري: "ليس أحد من أصحابنا إلا احتج بعكرمة"([5]).

وقال جعفر الطيالسي عن ابن معين: "إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة، فاتهمه على الإسلام".

وقال عثمان الدارمي: "قلت لابن معين: أيهما أحب إليك عكرمة عن ابن عباس أو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنه؟ قال: كلاهما، ولم يختر، فقلت: فعكرمة أو سعيد بن جبير، قال: ثقة وثقة، ولم يختر"([6]).

وقد وثقه كذلك النسائي، وابن حبان، والعجلي، وغيرهم.

ويقول ابن عدي في " الكامل" - ومن عادته فيه أن يخرج الأحاديث التي أنكرت على الثقة، أو على غير الثقة، فقال فيه بعد أن ذكر كلامهم في عكرمة: "ولم أخرج هنا من حديثه شيئا؛ لأن الثقات إذا رووا عنه، فهو مستقيم، ولم يمتنع الأئمة وأصحاب الصحاح من تخريج حديثه، وهو أشهر من أن أحتاج إلى أن أخرج له شيئا من حديثه"([7]).

ويعقب ابن منده على ما سبق، فيقول: "أما حال عكرمة في نفسه، فقد عدله أمة من التابعين، منهم زيادة على سبعين رجلا من خيار التابعين ورفعائهم، وهذه منزلة لا تكاد توجد منهم لكبير أحد من التابعين، على أن من جرحه من الأئمة لم يمسك عن الرواية عنه، ولم يستغن عن حديثه، وكان حديثه متلقى بالقبول قرنا بعد قرن، إلى زمن الأئمة الذين أخرجوا الصحيح"([8]).

فهل بعد هذا يحق لمدع أن يقول: إن عكرمة مولى ابن عباس متروك الحديث، لا يحتج بحديثه؟!

ولم يقف الأمر عند الشهادة له بالخير والعلم، وأنه كان ثقة فقط، بل حدث عنه جم كبير من أئمة العلم، فقد حدث عنه إبراهيم النخعي، والشعبي، وماتا قبله، وعمرو بن دينار وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وحبيب بن أبي ثابت، وحصين بن عبد الرحمن، والحكم بن عتيبة، وعبد الله بن كثير الداري، وعبد الكريم الجزري، وعبد الكريم أبو أمية البصري، وعلي بن الأقمر، وقتادة، ومطر الوراق، وموسى بن عقبة، وأبو إسحاق الهمداني، وأبو إسحاق الشيباني، وأبو صالح مولى أم هانئ مع تقدمه، وأبو الزبير المكي، وخلق كثير من جلة التابعين، وأيوب السختياني، وأشعث بن سوار، وثور بن زيد الديلي، وغيرهم كثير مما يدل على ثقته عندهم، ويؤكد على هذا المعنى عندنا.

روى حرمي بن عمارة، عن عبد الرحمن بن حسان: "سمعت عكرمة يقول: طلبت العلم أربعين سنة، وكنت أفتي بالباب، وابن عباس في الدار"([9]).

وقال ابن حبان: "أما عكرمة فحمل أهل العلم عنه الحديث والفقه في الأقاليم كلها، وما أعلم أحدا ذمه بشيء، إلا بدعابة كانت فيه".

وقال - أيضا: "وكان عكرمة من علماء الناس في زمانه بالقرآن والفقه، وكان جابر بن زيد يقول: عكرمة من أعلم الناس، ومن زعم أنا كنا نتقي حديث عكرمة، فلم ينصف"([10]).

وقال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي: "وعكرمة قد ثبتت عدالته بصحبة ابن عباس وملازمته إياه، وبأن غير واحد من العلماء قد رووا عنه وعدلوه. قال: وكل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد، حتى يبين ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه"([11]).

وروى ابن أبي حاتم عن يزيد النحوي عن عكرمة قال: "قال ابن عباس: انطلق فأفت الناس وأنا لك عون، قال: قلت: لو كان مع الناس مثلهم أفتيتهم، قال: انطلق فأفت الناس، فمن سألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته؛ فإنك تطرح عنك ثلثي مؤنة الناس"([12]).

فهل بعد شهادة ابن عباس له بالعلم وإجازته له أن يفتي الناس - وهذا لا يكون إلا عن معرفة تامة بدقته وحفظه ووعيه لما يقول - فهل بعد هذا يأتي من يشكك في عدالة هذا الصحابي وثقته؟!

ثانيا. الأقوال التي استدلوا بها على كذب عكرمة على ابن عباس لا تثبت، وإن ثبتت فلا تقدح في روايته:

لم يثبت عن عكرمة مولى ابن عباس - من طريق صحيح - أنه كذب على عبد الله بن عباس، فنسب إليه أحاديث لم يروها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومما يؤكد ذلك ما قاله ابن حبان في "الثقات": "كان جابر بن زيد يقول: عكرمة من أعلم الناس، ومن زعم أنا كنا نتقي حديث عكرمة، فلم ينصف....، ولا يجب على من شم رائحة العلم أن يعرج على قول يزيد بن أبي زياد حيث يقول: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة مقيد على باب الحش قلت: من هذا؟ قال: إن هذا يكذب على أبي، ومن أمحل المحال أن يجرح العدل بكلام المجروح؛ لأن يزيد بن أبي زياد ليس ممن يحتج بنقل حديثه، ولا بشيء"([13]).

إن الأقوال التي جعلوها برهانا ودليلا على كذب عكرمة مولى ابن عباس، ردها علماء الجرح والتعديل - كما رأيت - وتكلموا فيها، ومما قالوه أيضا: إن قول ابن عمر لم يثبت عنه؛ لأنه من رواية أبي خلف الجزار عن يحيى البكاء عن ابن عمر، ويحيى البكاء متروك الحديث.

قال ابن أبي حاتم: "قال عبيدالله القواريري: لم يكن يحيى بن سعيد القطان يرضى يحيى البكاء. قال: وسألت يحيى بن معين عنه فقال: يحيى البكاء ليس بذاك، وحدثنا عبد الرحمن قال: سألت أبي قلت له: يحيى البكاء أحب إليك أو أبو جناب؟ قال: لا هذا ولا هذا، قلت: إذا لم يكن في الباب غيرهما، أيهما أكتب؟ قال: لا تكتب منه شيئا"([14]).

وقال أبو زرعة: "ليس بقوي". وقال النسائي: "متروك الحديث بصري"([15]).

وقال أبوعبيد الآجري: "قلت لأبي داود: قال لي حنبل: سمعت عمي يقول: يحيى البكاء ليس بثقة؟ فقال: هو غير ثقة"([16]).

يقول ابن جرير: "إن ثبت هذا عن ابن عمر، فهو محتمل لأوجه كثيرة، لا يتعين منه القدح في جميع روايته، فقد يمكن أن يكون أنكر عليه مسألة من المسائل كذبه فيها".

قال ابن حجر معقبا: "وهو احتمال صحيح؛ لأنه روي عن ابن عمر أنه أنكر عليه الرواية عن ابن عباس في الصرف"، ثم استدل ابن جرير على أن ذلك لا يوجب قدحا فيه بما رواه الثقات، عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه لما قيل له: إن نافعا مولى ابن عمر حدث عن ابن عمر في مسألة الإتيان في المحل المكروه: كذب العبد على أبي. قال ابن جرير: "ولم يروا ذلك من قول سالم في نافع جرحا، فينبغي ألا يروا ذلك من ابن عمر في عكرمة جرحا".

ويوجه ابن حبان قول ابن عمر توجيها آخر، فيقول: أهل الحجاز يطلقون "كذب" في موضع "أخطأ"، وقد ذكر هذا في ترجمة برد.

ويؤيد ذلك إطلاق عبادة بن الصامت قوله: "كذب أبو محمد"، لما أخبر أنه يقول: الوتر واجب، فإن أبا محمد لم يقله رواية، وإنما قاله اجتهادا، والمجتهد لا يقال: إنه كذب، إنما يقال: إنه أخطأ. وقد ذكر ابن عبد البر لذلك أمثلة كثيرة.

وأما عن قول سعيد بن المسيب في عكرمة، فيقول ابن جرير: "ليس ببعيد أن يكون الذي حكي عنه نظير الذي حكي عن ابن عمر".

وقد أكد ابن حجر على قول ابن جرير، فقال: وهو كما قال، فقد تبين من حكاية عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب، في تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - بميمونة، ولقد ظلم عكرمة في ذلك، فإن هذا مروي عن ابن عباس من طرق كثيرة، أنه كان يقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو محرم([17]).

ومما يؤكد فضل عكرمة وعلمه، أن يحيى بن معين قال: "مات ابن عباس وعكرمة عبد لم يعتقه، فباعه علي بن عبد الله بن عباس، فقيل له: تبيع علم أبيك؟! فاسترده"([18]).

ونضيف إلى ما سبق أن الذين رموا عكرمة مولى ابن عباس بالكذب، قد رموه به من خلفه، ولم يكن أمامه أو بحضوره، وفي هذا ما يدل على ضعف حجتهم، وعجزهم عن المواجهة.

وقد دل على ذلك، ما روي عنه، أنه قال: "أرأيت هؤلاء الذين يكذبوني من خلفي، أفلا يكذبوني في وجهي، فإذا كذبوني في وجهي فقد والله كذبوني"([19]).

وهذا يعني أنهم إذا واجهوه بذلك أمكنه الجواب عنه، والمخرج منه، يدل على ذلك قول سليمان بن حرب: "وجه هذا أنهم إذا رموه بالكذب لم يجدوا عليه حجة"([20]).

ومما يدل على صدق عكرمة ما أخبر به عبيد الله موسى قال: أخبرنا شيبان عن أبي إسحاق قال: "سمعت سعيد بن جبير يقول: إنكم لتحدثون عن عكرمة بأحاديث لو كنت عنده ما حدث بها. قال: فجاء عكرمة فحدثه بتلك الأحاديث كلها، قال: والقوم سكوت، فما تكلم سعيد، قال: ثم قام عكرمة فقالوا: يا أبا عبد الله ما شأنك؟ قال: فعقد ثلاثين وقال: أصاب الحديث".

وقال حبيب بن أبي ثابت: "مر عكرمة بعطاء وسعيد بن جبير، قال: فحدثهما، فلما قام، قلت لهما: تنكران مما حدث شيئا؟ قالا: لا"([21]).

وقد رد ابن جرير الطبري على فرية كذب عكرمة إجمالا، فقال: "ولم يكن أحد يدفع عكرمة عن التقدم في العلم بالفقه والقرآن وتأويله وكثرة الرواية للآثار، وأنه كان عالما بمولاه، وفي تقريظ جلة أصحاب ابن عباس إياه، ووصفهم له بالتقدم في العلم، وأمرهم الناس بالأخذ عنه ما بشهادة بعضهم تثبت عدالة الإنسان، ويستحق جواز الشهادة، ومن ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح، وما تسقط العدالة بالظن، وبقول فلان لمولاه لا تكذب علي، وما أشبهه من القول الذي له وجوه وتصاريف ومعان غير الذي وجهه إليه أهل الغباوة، ومن لا علم له بتصاريف كلام العرب"([22]).

وعليه، فكيف يكذب عكرمة - رضي الله عنه - على ابن عباس، وقد نفى عنه ابن عباس ذلك، بل وأمر الناس أن يصدقوه فيما يرويه عنه، بل وأمره أن يفتي الناس وهو له عون! فقد روى محمد بن فضيل عن عثمان بن حكيم قال: "كنت جالسا مع أمامة بن سهل بن حنيف، إذ جاء عكرمة، فقال: يا أبا أمامة، أذكرك الله، هل سمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم به عني عكرمة فصدقوه، فإنه لم يكذب علي؟، فقال أبو أمامة: نعم"([23]).

ونخلص مما سبق إلى أن الأقوال التي استدلوا بها على كذب عكرمة على ابن عباس - رضي الله عنهما - لا تثبت، وإن ثبتت، فلا تقدح في رواية عكرمة عن ابن عباس؛ لأن الكذب يوضع موضع الخطأ في لغة الحجازيين.

ثالثا. لم يثبت أن عكرمة مولى ابن عباس كان إباضيا يرى رأي الخوارج، ولا أن مالكا قد ترك حديثه:

إن القول بأن عكرمة مولى ابن عباس كان إباضيا يرى رأي الخوارج اتهام لم يثبت عنه من وجه قاطع، وإنما دفعهم إلى القول به أن عكرمة كان يوافق الخوارج في بعض المسائل، فنسبوه إليهم، وقد برأه الإمام أحمد من ذلك، وكذا برأه الإمام العجلي، فقال في كتابه "الثقات": "عكرمة مولى ابن عباس - رضي الله عنهما - مكي، تابعي، ثقة، بريء مما يرميه الناس به من الحرورية".

وقال ابن جرير: "لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه، ما ادعي به، وسقطت عدالته، وبطلت شهادته بذلك، للزم ترك أكثر محدثي الأمصار؛ لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه"([24]).

ومن ثم، فإن ما استدلوا به - على زعمهم - من أن مالكا قد أسقط ذكر عكرمة مولى ابن عباس من الموطأ، ولا أدري ما صحته لأنه قد ذكره في الحج وصرح باسمه، ومال إلى روايته عن ابن عباس، وترك عطاء في تلك المسألة، مع كون عطاء أجل التابعين في علم المناسك([25]).

فقد جاء في "الموطأ" عن مالك بن أنس: «عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: لا أظنه إلا عن عبد الله بن عباس، أنه قال: الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يعتمر ويهدي»([26]).

وعن مالك أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول في ذلك مثل قول عكرمة عن ابن عباس، فقال: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك ([27]).

 ومما يرد على هذه الشبهة أيضا فساد استدلالهم. قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن عكرمة فقال: ثقة، قلت: يحتج بحديثه؟ قال: نعم إذا روى عنه الثقات، والذي أنكر عليه مالك إنما هو بسبب رأيه، على أنه لم يثبت عنه من وجه قاطع أنه كان يرى ذلك"([28]).

وقد روى له الإمام البخاري - رحمه الله - وهو أعلم أهل الحديث بالرجال، وروى له الأئمة جميعا؛ لأنه حتى لو كان رمي بذلك، فإن الجمهور على قبول رواية من اتهم بذلك إذا كان غير داع لبدعته، يقول ابن حجر: يقبل خبر غير الداعية ويرد حديث الداعية. وهذا المذهب هو الأعدل، وصارت إليه طوائف من الأئمة، وادعى ابن حبان إجماع أهل النقل عليه، لكن في دعوى ذلك نظر.

ثم اختلف القائلون بهذا التفصيل، فبعضهم أطلق ذلك، وبعضهم زاده تفصيلا، فقال: إن اشتملت رواية غير الداعية على ما يشيد بدعته ويزينه ويحسنه ظاهرا فلا تقبل، وإن لم تشتمل فتقبل، وقال بعضهم: وإن كان داعية فينطبق عليه ما سبق أيضا([29]).

وعليه، فإن القول بأن عكرمة مولى ابن عباس - رضي الله عنهما - كان إباضيا يرى رأي الخوارج، لم يثبت عليه، وإن ثبت عليه، فلا يضر حديثه؛ لاحتماله أوجها كثيرة كما ذكرنا.

رابعا. قبول عكرمة مولى ابن عباس جوائز السلطان والأمراء لا يقدح في قبول روايته.

كان عكرمة مولى ابن عباس يقبل جوائز الأمراء والسلطان، وهذا لا يقدح في قبول روايته للحديث([30])؛ فقد أجازه جمهور أهل العلم.

يقول نافع مولى عبد الله بن عمر: كان عبد الله بن عمر يقبل الجوائز من الأمراء، وقبل جوائز الأمراء جماعة؛ منهم الشعبي، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وابن شهاب الزهري، ويحيى بن سعيد، ومالك بن أنس، والأوزاعي.

وكان يحيى بن سعيد في ديوان الوليد، وجماعة من العلماء كانوا في ديوان بني أمية، وبني العباس في العطاء.

وقد ذكر الحسن الحلواني أن عمر بن عبد العزيز أمر بمال للحسن ومحمد، فلم يقبل محمد وقبل الحسن.

وقال سفيان الثوري: "جوائز السلطان أحب إلي من صلة الإخوان؛ لأنهم لا يمنون، والإخوان يمنون".

ويقول حبيب بن أبي ثابت: "رأيت هدايا المختار تأتي ابن عباس وابن عمر، فيقبلانها".

وقال الحسن بن علي: "لا يرد عطاياهم إلا أحمق أو مراء".

وعليه، فإن جمهور أهل العلم يستندون في تجويز قبول جوائز السلطان والأمراء إلى حديث سمرة بن جندب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بدا»([31]).

يقول ابن عبد البر: "وهذا الحديث من أثبت ما يروى في هذا الباب، وهو أصل عندهم في سؤال السلطان، وقبول جوائزه".

وعمومه يقتضي كل سلطان لم يخص من السلاطين صفة دون صفة، فما لم يعلم الحرام عندهم بصفته، جاز قبوله.

ذكر الوليد بن هشام لعمر بن عبد العزيز القاسم بن مخيمرة، قال: فأرسل إليه، فلما دخل عليه قال له عمر: سل حاجتك، قال يا أمير المؤمنين: قد علمت ما جاء في المسألة، قال: ليس أنا ذلك، إنما أنا قاسم، فسل حاجتك، قال: يا أمير المؤمنين، أخدمني، قال: قد أمرنا لك بخادم، فخذها من عند الوليد بن هشام.

وعن سفيان عن منصور، قال: "خرج إبراهيم النخعي وتميم بن سلمة إلى عامل حلوان فأعطاهما، قال: ففضل تميما على إبراهيم، فوجد إبراهيم من ذلك في نفسه".

وقال محمد بن عبد العزيز - وكان فاضلا: "سمعت ابن عيينة يقول: من زعم أن سفيان لم يأخذ من السلطان؟! أنا أخذت له منهم".

وقال مالك: "فكل من عمل للسلطان عملا، فله رزقه من بيت المال، قال: فلا بأس بالجائزة يجاز بها الرجل يراه الإمام بجائزته أهلا لعلم أو دين عليه، أو نحو ذلك"([32]).

ويؤكد ذلك الصنعاني بقوله: وأما سؤاله من السلطان فإنه لا مذمة فيه؛ لأنه إنما يسأل مما هو حق له في بيت المال، ولا منة للسلطان على السائل؛ لأنه وكيل، فهو كسؤال الإنسان وكيله أن يعطيه من حقه الذي لديه، وظاهره أنه وإن سأل السلطان تكثرا، فإنه لا بأس فيه ولا إثم، لأنه جعله قيما للأمر الذي لا بد منه([33]). ويؤكد ذلك الإمام السبكي قائلا: "أما عطية السلطان بلا سؤال فيجوز قبولها إن غلب على ماله الحل، وإلا فلا"([34]).

ونخلص مما سبق إلى أن قبول عكرمة مولى ابن عباس لجوائز الأمراء والسلطان لا يقدح في قبول روايته للحديث؛ وذلك لأنه قد ثبت عن جماعة من خيار الصحابة والتابعين قبولهم جوائز السلطان والأمراء، ومع ذلك فلم يطعن أحد في عدالتهم، ولا في روايتهم للحديث؛ إذ اتفق أكثر أهل العلم على جوازه.

الخلاصة:

·   لقد أجمع العلماء على الاحتجاج بحديث عكرمة رضي الله عنه، كما أثنوا على علمه، وأخذوا عنه، فقد حدث عنه إبراهيم النخعي، والشعبي، وعمرو بن دينار، وقتادة، وأبو إسحاق الهمداني، وأبو إسحاق الشيباني، وخلق كثير من جلة التابعين، مما يؤكد على ثقته وزيف ما اتهم به.

·   إن علماء الأمة المشهود لهم قد أجمعوا على عكس ما اتهم به عكرمة في هذه الشبهة، بل تعجبوا من السؤال عن حاله، ودافعوا عنه وبرءوه مما اتهم به، قال محمد بن نصر المروزي: "أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا، منهم أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، ويحيى بن معين، ولقد سألت إسحاق عن الاحتجاج بحديثه، فقال: عكرمة عندنا إمام أهل الدنيا، وتعجب من سؤالي إياه". وقال البخاري: "ليس أحد من أصحابنا إلا احتج بعكرمة".

·   لم يثبت عن عكرمة مولى ابن عباس أنه كذب على عبد الله بن عباس، فنسب إليه أحاديث كذبا، وهذه في الحقيقة اتهامات واهية لا تثبت أمام الحقيقة التي قررها ابن عباس نفسه، فيما رواه محمد بن فضيل عن عثمان بن حكيم: كنت جالسا مع أبي أمامة بن سهل بن حنيف، إذ جاء عكرمة، فقال: يا أبا أمامة أذكرك الله، هل سمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم به عني عكرمة فصدقوه، فإنه لم يكذب علي؟ فقال أبو أمامة: نعم. وهذا إسناد صحيح، وكذلك أمر ابن عباس له بأن يفتي في الناس وهو له معين.

·    إن الروايات التي جاءت عن ابن عمر باتهام عكرمة، ردها علماء الجرح والتعديل، وتكلموا فيها، فقالوا: إن قول ابن عمر لم يثبت عنه، لأنه من رواية أبي خلف الجزار عن يحيى البكاء عن ابن عمر، ويحيى البكاء متروك الحديث، وصدق ابن حبان؛ إذ قال: ومن المحال أن يجرح العدل بكلام المجروح، ثم إنهم كانوا يستعملون كلمة "كذب" بمعنى "أخطأ".

·   إن القول بأن عكرمة كان إباضيا إنما هو اتهام لم يثبت، وإن ثبت، فلا يقدح في رواية عكرمة، قال ابن جرير: لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعي به، وسقطت عدالته، وبطلت شهادته بذلك، للزم ترك أكثر محدثي الأمصار؛ لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه، ورغم ذلك فإن هناك شبه إجماع على قبول رواية المبتدع إذا لم يكن داعية لبدعته، إذا خالفت روايته ما نسب إليه من بدعته.

·   إن مالكا - رحمه الله - لم يترك الرواية عن عكرمة كما ادعوا ذلك؛ فقد ذكره في "الموطأ" في الحج، وصرح باسمه، ومال إلى روايته عن ابن عباس، وترك عطاء في تلك المسألة، مع كون عطاء أجل التابعين في علم المناسك، قال أبو عمر بن عبد البر: "كان عكرمة من جلة العلماء، ولا يقدح فيه كلام من تكلم فيه، لأنه لا حجة مع أحد تكلم فيه".

·   ليس ثمة شيء في قبول عكرمة مولى ابن عباس جوائز السلطان والأمراء، ولا يقدح هذا في روايته؛ إذ قبلها الكثير من أهل العلم من الصحابة والتابعين دون قدح فيهم؛ مثل عبد الله بن عمر، والشعبي، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وابن شهاب الزهري، ويحيى بن سعيد، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وكان يحيى بن سعيد في ديوان الوليد، وجماعة من العلماء كانوا في ديوان بني أمية، وبني العباس في العطاء، بل قال سفيان الثوري: جوائز السلطان أحب إلي من صلة الإخوان؛ لأنهم لا يمنون، والإخوان يمنون. فهل نقدح في عدالة كل هؤلاء الثقات؟!

 المراجع:


(*) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، محمد بن إبراهيم الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1429هـ/2008م.

[1]. انظر: الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: د. علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (7/284،283).

[2]. انظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (20/271: 292).

[3]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص450.

[4]. تهذيب التهذيب، ابن حجر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (7/241).

[5]. التاريخ الكبير، البخاري، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، د. ت، (7/49).

[6]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (41/103).

[7]. الكامل في ضعفاء الرجال، ابن عدي، دار الفكر، بيروت، ط3، 1405هـ/1985م، (5/271، 272).

[8]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص450، 451.

[9]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (5/14، 15).

[10]. الثقات، ابن حبان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند، ط1، 1393هـ/ 1973م، (5/230).

[11]. تهذيب التهذيب، ابن حجر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م،(7/241).

[12]. الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم الرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1، (7/8).

[13]. الثقات، ابن حبان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند، ط1، 1393هـ/ 1973م، (5/230).

[14]. الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم الرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط، (9/186).

[15]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (5/351،350).

[16] . تهذيب الكمال في أسما الرجال، الحافظ المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (31/535).

[17] . هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص448 بتصرف.

[18]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (20/270، 271).

[19]. الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: د. علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (7/284).

[20]. انظر: هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص448، 449.

[21]. الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: د. علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (7/284).

[22]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص451.

[23]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (20/271).

[24]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص449.

[25]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص451 بتصرف.

[26] . أخرجه مالك في موطئه، كتاب: الحج، باب: من أصاب أهله قبل أن يفيض، ص139، رقم (867).

[27]. أخرجه مالك في موطئه، كتاب: الحج، باب: من أصاب أهله قبل أن يفيض، ص139، 140، رقم (868).

[28]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص449.

[29]. انظر: هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص404.

[30]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص449 بتصرف.

[31]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه ( بشرح عون المعبود)، كتاب: الزكاة، باب: ما تجوز فيه المسألة، (5/ 33، 34)، رقم (1636). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (1639).

[32]. انظر: التمهيد، ابن عبد البر، تحقيق: أبي إسحاق إبراهيم الدمياطي ومحمد عبد الكبير البكري، مطبعة فضالة المحمدية، المغرب، 1378هـ/ 1967م، (4/ 114: 119).

[33]. سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام، الصنعاني، تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق، دار ابن الجوزي، السعودية، ط1، 1418هـ/1997م، (4/84).

[34]. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود، محمود خطاب السبكي، تحقيق: د. محمد محمد داود، دار المنار، القاهرة، 1425هـ/2004م، (9/269).