نص السؤال

ادعاء أن فارسية البخاري أعاقت تمكنه في الحديث

المصدر: شبهات المشككين في الإسلام

الجواب التفصيلي

ادعاء أن فارسية البخاري أعاقت تمكنه في الحديث(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المشككين أن الإمام البخاري لم يكن متمكنا من علم الحديث والأثر؛ وذلك لأن العلماء اشترطوا في المشتغل بهما أن يكون عالما باللغة العربية وأساليبها وما تحيل إليه ألفاظها ولم يكن هو كذلك.

مستدلين على ذلك بأنه كان فارسيا وليس عربيا، وأن اسمه بردزبه[1] وليس البخاري، وفارسيته هذه قد أعاقته كثيرا عن طلب الحديث.

رامين من وراء ذلك إلى الطعن في الإمام البخاري والتقليل من مكانته العلمية الرفيعة، تمهيدا للطعن في جامعه الصحيح.

وجها إبطال الشبهة:

1) الإمام البخاري ليس فارسي الأصل، وإنما هو من بلاد بخارى على نهر جيحون، تعلم العربية وأتقن فروعها، وقد اشترط في المحدث الكامل أن يكون متقنا للكتابة واللغة والصرف والنحو؛ فكيف يشترط في المحدث شروطا ليست متوافرة فيه؟! ثم إنه لا مشاحة في أن يكون حملة العلم في الإسلام أكثرهم من العجم.

2) لقد ألهم الإمام البخاري حفظ الحديث منذ صباه، ثم رحل في طلبه إلى جميع الأمصار، حتى حاز قصب السبق، وتبوأ - عن جدارة - مركز الصدارة في علم الحديث والأثر، فكان إمام هذا الشأن والمقتدى به فيه والمعول على كتابه بين أهل الإسلام، وقد شهد بذلك شيوخه وأقرانه ومن جاء بعده.

التفصيل:

أولا.جنسية "الإمام البخاري" لا تمنع إتقانه:

إن الإمام البخاري هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي مولاهم، ولكنه عرف واشتهر بنسبته إلى بلده " بخارى "، وتردد ذكره بهذه النسبة أكثر من ألف عام، والأمة كلها - شرقا وغربا - تعرفه بهذه النسبة.

وعليه، فإن كل إنسان له رأيه فيما يعرف به ويشتهر، فهذا يحب أن يشتهر باسمه، وآخر يحب أن يشتهر بلقب كذا، وثالث يحب أن يعرف بكنية كذا، ورابع يحب أن يشتهر بنسبة كذا، والإمام البخاري قد عرف واشتهر بنسبته إلى بلده، ولم ينسب إلى جده "بردزبه" كما يزعمون.

وأعتقد أنه لو نسب إلى جده "بردزبه" لاستشكلوا أيضا، وقالوا: هذه كلمة غير عربية، وقالوا... وقالوا...، وهم في ذلك كما قال القائل:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

ولكن عين السخط تبدي المساويا

وبعد، فأي شبهة في نسبة البخاري إلى بلده؟ وما سر حرصهم على تسميته بـ "بردزبه"؟

لا نرى إلا أنهم يريدون إهمال نسبته التي اشتهر بها، والتي صارت فخرا لبلده، وعلما على أصح الكتب بعد كتاب الله - عز وجل - وهو"صحيح البخاري". إنهم يريدون طمس الحقائق بتغيير اسم البخاري الذي اشتهر به وذاع، حتى صارت كلمة البخاري أشهر من اسمه "محمد بن إسماعيل" وفرق كبير بين ما لو قلنا: هذا الحديث أخرجه محمد بن إسماعيل، وقلنا: أخرجه البخاري، فالثاني له كل الثقة في نفسية كل المسلمين، أما الأول فلا يعرفه إلا القلة من المسلمين.

ونضيف إلى ما سبق أن " البخاري " اسمه وأسماء آبائه لها دلالتها الطيبة، فقد كانت أسماؤهم بلغتهم، فلما أسلموا أصبحت أسماؤهم عربية إسلامية، فجده "بردزبه" آخر الأسماء التي بلغة بخارى وكان على دين قومه، ثم أسلم ولده المغيرة على يد اليمان الجعفي وأتى بخارى فنسب إليه نسبة ولاء. ثم " المغيرة " اسم عربي، ثم إبراهيم، ثم إسماعيل، ثم محمد. وهكذا تحولت التسمية من لغة بلدهم بخارى إلى اللغة العربية، بل إلى أسماء إسلامية، مما يدل على حبهم للإسلام واعتزازهم به [2]. فهل يحق لمدع أن يزعم أن البخاري اسمه "بردزبه"؟!

إن الإمام البخاري ليس فارسيا كما يزعمون، وإنما هو من بلاد بخارى على نهر جيحون من بلاد ما وراء النهر، وبخارى الآن من بلاد جمهورية أوزبكستان في آسيا الوسطي، وقد دخل أهل بخارى الإسلام في أول خلافة يزيد بن معاوية (61هـ)، فتحها سلم بن زياد مع مدن أخرى حولها، وأحب أهلها الإسلام، وبذلوا الكثير في نصرته، وشاع العلم وذاع في هذه البلاد، ونبغ فيها كثير من أئمة الإسلام، تعلموا وعلموا[3].

ولا شك أن العربية انتشرت سريعا في هذه البلاد المفتوحة بسبب كثرة العرب الذين استقروا بها بعد فتحها، وحاجة أصحاب هذه البلاد إلى معرفة العربية لغة دينهم الجديد، فالعربية لغة وليست عروقا، فكل من نطق بالعربية فهو عربي، والبخاري من مجتمع يتكلم العربية ويعتنق الإسلام[4]، وكان من البارعين فيها العالمين بمداخلها ومخارجها.

 واختلاف الجنسية أو اللغة لا يعوق عن تعلم اللغة العربية، فإن العربية قد برع فيها كثير من غير أهلها، وكذلك الإنجليزية والفرنسية، وعندنا سيبويه الذي يعد أول من ألف في النحو العربي وقعد له فارسي الأصل، وليس عربيا، فقد تعلم العربية وأجاد فيها، فما الإشكال في إجادة البخاري للعربية؟!

وقد ثبت أن البخاري كان له باع طويل في اللغة العربية أتقنها وأحسن فيها، وهذا ما ساعده على حفظ الحديث منذ صغر سنه، ولم يدخل في هذا العلم إلا بعد إتقان اللغة وفروعها، ومما يدل على ذلك ما روي عنه أنه قال لرجل سأله أن يعلمه الحديث: "يابني لا تدخل في أمر إلا بعد معرفة حدوده والوقوف على مقاديره، فقال له: عرفني حدود ما قصدت له ومقادير ما سألتك عنه، قال: اعلم أن الرجل لا يصير محدثا كاملا في حديثه إلا بعد أن يتيقن من معرفة الكتابة واللغة والصرف والنحو"[5].

أيعقل أن يحدد هذا الرجل شروط العلم بالحديث بتلك الصورة التي ذكرها، ولا يكون عالما بها؟!

وكيف يوصف البخاري بأنه لم يتمكن من الحديث وقد كان والده من المحدثين، وهذا يتضح من قول ابن حبان في كتابه "الثقات": "إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي، أبو الحسن، يروي عن مالك وحماد بن زيد، روى عنه العراقيون"[6].

 وذكره البخاري في التاريخ الكبير فقال: "إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي أبو الحسن، رأى حماد بن زيد، وصافح ابن المبارك بكلتا يديه، وسمع مالكا"[7].

وقال ابن حجر: "روى عن حماد بن زيد وابن المبارك، وروى عنه يحيى بن جعفر البيكندي وغيره، ذكر ولده عنه ما يدل على أنه كان من الصالحين" [8].

فإذا كان والده أحد المحدثين والرواة، فكيف يكون حاله؟! لابد أنه تربى ونشأ في هذه الأسرة الدينية التي اهتمت بحفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بد لحافظ السنة أن يكون ملما بالعربية وأصولها.

لقد أتاح الإسلام لكل المجتمعات التي دخلها أن يتغلغل أصحابها داخل الدولة الإسلامية، ويغترفوا من بحار علومها؛ لذلك وجدنا علماء من بلاد شتى نبغوا وبرعوا في علوم مختلفة كابن فارس، والزجاج، والمبرد، وأبي حنيفة، والترمذي، والزمخشري، وسيبويه وغيرهم.

إن العبرة ليست بالأصل العربي أو الأعجمي، ولكن العبرة بالاجتهاد والعمل.

وبالنظر إلى ما سبق يتضح لنا أن الإمام البخاري لم يكن عربيا، إنما كان أعجميا - كما هو الحال في أكثر حملة العلم في الإسلام[9]، ولكنه مع ذلك قد ألم بالعربية وعلومها حتى بلغ فيها مبلغا عظيما، استطاع من خلاله أن يبحر في علم الحديث حتى كان إمام أهله وأمير المؤمنين فيه بلا منازع، وقد اتضح ذلك من إجماع الأمة على مكانته العالية في الحديث.

ثم إنه لا مشاحة في أن يكون حملة العلم في الإسلام أكثرهم من العجم، وفي ذلك يقول حاجي خليفة في "كشف الظنون": "وذلك من الغريب الواقع، لأن علماء الملة الإسلامية في العلوم الشرعية والعقلية أكثرهم من العجم إلا في القليل النادر، وإن كان منهم العربي في نسبته فهو أعجمي في لغته، والسبب في ذلك أن الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة لمقتضى أحوال البداوة، وإنما أحكام الشريعة كان الرجال ينقلونها في صدورهم، وقد عرفوا مأخذها من الكتاب والسنة بما تلقوه من صاحب الشرع وأصحابه، والقوم يومئذ عرب لم يعرفوا أمر التعليم والتدوين، ولا دعتهم إليه حاجة إلى آخر عصر التابعين، وكان يسمون المختصين بحمل ذلك ونقله القراء، فهم قراء لكتاب الله - سبحانه وتعالى - والسنة المأثورة التي هي في غالب موارده تفسير له وشرح.

فلما بعد النقل من لدن دولة الرشيد احتيج إلى وضع التفاسير القرآنية، وتقييد الحديث مخافة ضياعه، ثم احتيج إلى معرفة الأسانيد وتعديل الرواة، ثم كثر استخراج أحكام الواقعات من الكتاب والسنة، وفسد مع ذلك اللسان، فاحتيج إلى وضع القوانين النحوية، وصارت العلوم الشرعية كلها ملكات في الاستنباط والتنظير والقياس، واحتاجت إلى علوم أخرى هي وسائل لها؛ كقوانين العربية وقوانين الاستنباط والقياس، والذب عن العقائد بالأدلة، فصارت هذه الأمور كلها علوما محتاجة إلى التعليم، فاندرجت في جملة الصنائع، والعرب أبعد الناس عنها. فصارت العلوم لذلك حضرية والحضر هم العجم أو من في معناهم؛ لأن أهل الحواضر تبع للعجم في الحضارة وأحوالها من الصنائع والحرف؛ لأنهم أقوم على ذلك للحضارة الراسخة فيهم منذ دولة الفرس.

فكان صاحب صناعة النحو سيبويه، والفارسي، والزجاج كلهم عجم في أنسابهم، اكتسبوا اللسان العربي بمخالطة العرب وصيروه قوانين لمن بعدهم، وكذلك حملة الحديث وحفاظه أكثرهم عجم أو مستعجمون باللغة. وكان علماء أصول الفقه كلهم عجما، وكذلك حملة أهل الكلام وأكثر المفسرين، ولم يقم بحفظ العلم وتدوينه إلا الأعاجم.

وأما العرب الذين أدركوا هذه الحضارة وخرجوا إليها عن البداوة فشغلتهم الرياسة في الدولة العباسية، وما دفعوا إليه من القيام بالملك عن القيام بالعلم، مع ما يلحقهم من الأنفة عن انتحال العلم لكونه من جملة الصنائع، والرؤساء يستنكفون عن الصنائع، وأما العلوم العقلية فلم تظهر في الملة إلا بعد أن تميز حملة العلم ومؤلفوه، واستقر العلم كله صناعة فاختصت بالعجم وتركها العرب فلم يحملها إلا المستعربون من العجم"[10].

فلا عيب إذن أن يكون البخاري أعجميا أو فارسيا؛ إذ قد تفوق على أقرانه من العرب وغيرهم، ولا مشاحة أن يكون أمير المؤمنين في الحديث.

ثانيا. اهتمام البخاري بطلب العلم ومكانته بين العلماء:

لقد ابتدأ الإمام البخاري طلبه للعلم وهو في سن مبكرة جدا، وكانت همته في ذلك عالية.

ومما يؤكد هذا ما جاء عن أبي حاتم الوراق النحوي؛ حيث قال: "قلت لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: كيف كان بدء أمرك في طلب الحديث؟

قال: ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب، قال: وكم أتى عليك إذ ذاك؟

قال: عشر سنين أو أقل، ثم خرجت من الكتاب بعد العشر، فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره، وقال يوما فيما كان يقرأ للناس: سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم. فقلت: يا أبا فلان؛ إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم، فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك، فدخل ونظر فيه، ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ فقلت: هو الزبير بن عدي عن إبراهيم، فأخذ القلم مني وأحكم كتابه، فقال: صدقت، فقال له بعض أصحابه: ابن كم كنت إذ رددت عليه؟ قال: ابن إحدى عشرة، فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع وعرفت كلام هؤلاء، ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة، فلما حججت، رجع أخي وتخلفت بها في طلب الحديث، فلما طعنت في ثماني عشرة جعلت أصنف فضائل الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وذلك أيام عبيد الله بن موسى، وصنفت كتاب "التاريخ " إذ ذاك عند قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الليالي المقمرة، وقال: قل اسم في "التاريخ " إلا وله عندي قصة إلا أني كرهت تطويل الكتاب"[11].

يقول عبد السلام المباركفوري: "وكما أن البخاري ألهم حفظ الأحاديث منذ العاشرة من عمره، وما زالت هذه الرغبة تنمو وتزداد منه، كذلك كان حريصا على تمييز الأحاديث الصحيحة من غيرها، ومعرفة علل الحديث، والاطلاع على أحوال رواة الحديث، ومعرفة عدالتهم، وضبطهم، وأمانتهم، وصدقهم، ومعيشتهم، ومسكنهم، ومولدهم، ووفياتهم، ولقائهم فيما بينهم، ومقارنة الأسانيد بعضها ببعض، ومعرفة اتصالها وانقطاعها، والبلوغ بالفنون الحديثية إلى أسمى مكانتها، واستنباط المسائل من الأحاديث، وجمعها ومقارنتها بالآيات القرآنية.

 وخلاصة القول أن البخاري كان مغرما بهذه الأمور منذ البداية، ومع مرور الأيام كانت هذه الأفكار تترسخ في قلبه وتقوى[12].

ولم يقف طلب العلم عند الإمام البخاري على الكتاب، بل لقد رحل في طلب الحديث إلى سائر محدثي الأمصار، وكتب بخراسان والجبال، ومدن العراق كلها، وبالحجاز، والشام، ومصر"[13].

وعليه، فإن تبكير الإمام البخاري في طلب العلم والحديث كانت له أسبابه وعوامله التي أعانت عليه، من ذلك طيب أصله، وأصالة معدنه؛ حيث كان أبوه من كبار المحدثين، وأمه من العابدات الصالحات.

 وقبل هذا كله توفيق الله - عز وجل - له وحفظه ورعايته[14].

وليس هذا فحسب، بل لقد وهب الله - عز وجل - الإمام البخاري قوة في الحافظة، ونباهة في الخاطر، وسيلانا في الذهن، جعلت منه - بفضل الله تعالى - أعلم أهل الأرض بالحديث وأحفظهم له.

قال محمد بن خميرويه: "سمعت البخاري يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح، وقال ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري"[15].

ويؤكد هذا ما رواه أبو أحمد بن عدي قائلا: "سمعت عدة مشايخ يقولون: إن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وأرادوا امتحان حفظه، فعمدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس، لكل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، فحضر المجلس من الغرباء من أهل خراسان وغيرها ومن البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب رجل من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه، فما زال يلقي عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه، فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض، ويقولون: فهم الرجل، ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم، ثم انتدب رجل آخر فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه، فلم يزل يلق عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه، ثم انتدب له الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه، فلما علم البخاري أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فهو كذا وصوابه كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها، فأقر الناس له بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل"[16].

فهذا أكبر دليل على تمكن البخاري من الحديث، وأن أصله الأعجمي لم يقف قط أمام إبحاره في هذا العلم كما يدعي هؤلاء.

قال ابن حجر: "هنا يخضع للبخاري، فما العجب من رده الخطأ إلى الصواب، فإنه كان حافظا، بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه من مرة واحدة[17].

ولأجل هذا وذاك أثنى العلماء - قديما وحديثا - على الإمام البخاري ثناء قلما يبلغه أحد مثله، ونبدأ بثناء شيوخه عليه؛ لأن رأى الشيخ في تلميذه يكون أصح من غيره، فهو كثيرا ما يجد فرصا لاختبار ذكائه وفهمه وحفظه.

وكان سليمان بن حرب - وهو من شيوخ البخاري - يقول له: " بين لنا غلط شعبة"[18].

ولم يقف الثناء على الإمام البخاري عند شيوخه وأقرانه ومعاصريه، بل امتد الثناء عليه إلى المتأخرين عنه، فقد قال الحافظ ابن حجر: "لو فتحت باب ثناء الأئمة عليه - أي: البخاري - ممن تأخر عن عصره، لفني القرطاس، ونفدت الأنفاس، ذاك بحر لا ساحل له"[19].

ويقول عبد السلام المباركفوري: "والحق أن الاستدلال على تبحر إمام المحدثين في العلم وذكائه وقوة اجتهاده وسيلان ذهنه بأقوال المتأخرين، كرفع السراج أمام الشمس.

قال السبكي:

علا عن المدح حتى ما يزان به

كأنما المدح من مقداره يضع"[20]

وعن صحيحه قال الذهبي: "وأما جامع البخاري الصحيح فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى، قال: وهو أعلى في وقتنا هذا إسنادا للناس، ومن ثلاثين سنة يفرحون بعلو سماعه فكيف اليوم؟ فلو رحل الشخص لسماعه من ألف فرسخ لما ضاعت رحلته"[21].

وقال الحافظ ابن كثير: "وكتابه الصحيح يستسقى بقراءته الغمام، وأجمع على قبوله وصحة ما فيه أهل الإسلام"[22].

وقال أبو حامد الأعمش: "سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل فقبل بين عينيه، وقال: دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله".

وقال أبو جعفر العقيلي: "لما صنف البخاري كتاب الصحيح، عرضه على ابن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا أربعة أحاديث".

قال العقيلي: "والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة".

وقال الحاكم أبو أحمد: "رحم الله محمد بن إسماعيل الإمام، فإنه الذي ألف الأصول وبين للناس، وكل من عمل بعده فإنما أخذه من كتابه"[23].

وروى الخطيب البغدادي بإسناده أن علي بن حجر قال: "أخرجت خراسان ثلاثة: أبا زرعة الرازي بالري، ومحمد بن إسماعيل ببخارى، وعبد الله بن عبد الرحمن بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم"[24].

ويقول المباركفوري: "لا يوجد مكان على وجه الأرض وصل إليه الإسلام إلا ونجد " صحيح البخاري " فيه، وهذا الكتاب المبارك من أهم وأبرز الأمور التي دعت الأمة الإسلامية إلى تلقيب الإمام البخاري بإمام المحدثين وأمير المؤمنين في الحديث، ولم يحصل قط وعلى امتداد التاريخ الإسلامي أن نال أي مصنف لأي محدث أو أي مؤلف لأي إمام ولا فقيه من المتقدمين أو المتأخرين ما ناله هذا الكتاب من الفضل والقبول لدى الأمة"[25].

 

والحاصل هنا أن هذه الدرجة الرفيعة التي وصل إليها البخاري في الحديث، وهذه الشهادات التي شهد بها القاصي والداني، والقديم والحديث من العلماء الثقات، أكبر دليل على أن كونه غير عربي لم يؤثر ألبتة في تمكنه من هذا العلم، وذلك بعد إتقانه التام للغة القرآن والحديث.

فهل بعد هذا يحق لأحد أن يقول: إن عجمة الإمام البخاري أثرت في طلبه للحديث وتمكنه فيه؟!

الخلاصة:

·   الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - كان أعجميا لكنه لم يكن فارسيا، وهذا خطأ في النسبة من هؤلاء المشككين وهو يدل على عدم علمهم بالحقائق التاريخية؛ إذ كان من بخارى؛ من بلاد ما وراء النهر، ومع هذه العجمة فإنه تعلم العربية وأتقنها، حتى كأنه من أهلها، فلا يضيره كونه أعجميا.

·   إن مما يدل على إتقان البخاري للعربية أنه اشترط في المحدث الكامل أن يتقن الكتابة واللغة والصرف والنحو، فكيف يشترط شروطا ليست متوافرة فيه، وهو إمام الحديث وأمير المؤمنين فيه؟!

·   لقد ألهم الله - عز وجل - الإمام البخاري حفظ الحديث في سن مبكرة فتتلمذ على سائر محدثي الأمصار، ثم رحل إلى مكة لقضاء فريضة الحج، وظل بها حتى أتقن علم الحديث والتاريخ، وكان الإمام البخاري مغرما بعلم الحديث وعلله وأسانيده منذ صباه، فحدث عن ألف وثمانين شيخا من شيوخ الحديث.

·   تربى الإمام البخاري في أسرة ترعى العلم؛ فأبوه كان من كبار المحدثين، وقد ذكره البخاري في "التاريخ الكبير"، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وذكره ابن حجر في "تهذيب التهذيب"، وأمه كانت من العابدات الصالحات.

·   لقد شهد شيوخ البخاري وأقرانه ومعاصروه ومن جاء بعده بتفرده وإمامته في الحديث، وما يتعلق به، وأثنوا عليه ثناء قلما يبلغ أحد مثله.

·   كان أكثر حملة العلم في الإسلام من العجم، فلم تؤثر أعجميتهم في تقدمهم في مجالات مختلفة في النحو والبلاغة والأدب والفقه والحديث، بل إنهم قعدوا لهذه العلوم.

إذن، فليس البخاري بدعا في ذلك بل كان كغيره من غير العرب الذين أبدعوا في هذا الفن من فنون العلم، وأجاد فيه حتى أصبح علما شامخا، وإماما متبعا.

 المراجع:


(*) دفع الشبهات عن السنة النبوية، د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1421هـ/2001م.

[1]. "بردزبه": جد البخاري، ومعناها: الزراع.

[2] . دفع الشبهات عن السنة النبوية، د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1421هـ/2001م، ص240،239 بتصرف.

[3] . دفع الشبهات عن السنة النبوية، د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1421هـ/2001م، ص237.

[4]. دفع الشبهات عن السنة النبوية، د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1421هـ/2001م، ص238 بتصرف.

[5]. تهذيب الكمال، المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (24/462، 463) بتصرف.

[6]. الثقات، ابن حبان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند، ط1، 1393هـ/ 1973م، (8/98).

[7]. التاريخ الكبير، البخاري، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، د. ت، (1/343،342).

[8]. تهذيب التهذيب، ابن حجر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (1/240).

[9]. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/1990، (1/40:38) بتصرف.

[10]. كشف الظنون، حاجي خليفة، (1/40).

[11]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (24/440،439).

[12]. سيرة الإمام البخاري، عبد السلام المباركفوري، إدارة البحوث الإسلامية، الهند، ص47.

[13]. تهذيب الكمال، المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (24/431).

[14]. الإمام البخاري وصحيحه الجامع، أحمد فريد،دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/2006م، ص21.

[15]. تذكرة الحفاظ، الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (2/556).

[16]. تهذيب الكمال، الحافظ المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (24/ 452، 454).

[17]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص511.

[18]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (12/ 419).

[19]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، ص510.

[20]. سيرة الإمام البخاري، عبد السلام المباركفوري، إدارة البحوث الإسلامية، الهند، د. ت، ص122.

[21]. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، الذهبي، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1407هـ/ 1987م، (19/242).

[22]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (6/82).

[23]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص 513،514 بتصرف .

[24]. تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (2/28).

[25] . سيرة الإمام البخاري، عبد السلام المباركفوري، إدارة البحوث الإسلامية، الهند، د. ت، ص159.

الجواب التفصيلي

ادعاء أن فارسية البخاري أعاقت تمكنه في الحديث(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المشككين أن الإمام البخاري لم يكن متمكنا من علم الحديث والأثر؛ وذلك لأن العلماء اشترطوا في المشتغل بهما أن يكون عالما باللغة العربية وأساليبها وما تحيل إليه ألفاظها ولم يكن هو كذلك.

مستدلين على ذلك بأنه كان فارسيا وليس عربيا، وأن اسمه بردزبه[1] وليس البخاري، وفارسيته هذه قد أعاقته كثيرا عن طلب الحديث.

رامين من وراء ذلك إلى الطعن في الإمام البخاري والتقليل من مكانته العلمية الرفيعة، تمهيدا للطعن في جامعه الصحيح.

وجها إبطال الشبهة:

1) الإمام البخاري ليس فارسي الأصل، وإنما هو من بلاد بخارى على نهر جيحون، تعلم العربية وأتقن فروعها، وقد اشترط في المحدث الكامل أن يكون متقنا للكتابة واللغة والصرف والنحو؛ فكيف يشترط في المحدث شروطا ليست متوافرة فيه؟! ثم إنه لا مشاحة في أن يكون حملة العلم في الإسلام أكثرهم من العجم.

2) لقد ألهم الإمام البخاري حفظ الحديث منذ صباه، ثم رحل في طلبه إلى جميع الأمصار، حتى حاز قصب السبق، وتبوأ - عن جدارة - مركز الصدارة في علم الحديث والأثر، فكان إمام هذا الشأن والمقتدى به فيه والمعول على كتابه بين أهل الإسلام، وقد شهد بذلك شيوخه وأقرانه ومن جاء بعده.

التفصيل:

أولا.جنسية "الإمام البخاري" لا تمنع إتقانه:

إن الإمام البخاري هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي مولاهم، ولكنه عرف واشتهر بنسبته إلى بلده " بخارى "، وتردد ذكره بهذه النسبة أكثر من ألف عام، والأمة كلها - شرقا وغربا - تعرفه بهذه النسبة.

وعليه، فإن كل إنسان له رأيه فيما يعرف به ويشتهر، فهذا يحب أن يشتهر باسمه، وآخر يحب أن يشتهر بلقب كذا، وثالث يحب أن يعرف بكنية كذا، ورابع يحب أن يشتهر بنسبة كذا، والإمام البخاري قد عرف واشتهر بنسبته إلى بلده، ولم ينسب إلى جده "بردزبه" كما يزعمون.

وأعتقد أنه لو نسب إلى جده "بردزبه" لاستشكلوا أيضا، وقالوا: هذه كلمة غير عربية، وقالوا... وقالوا...، وهم في ذلك كما قال القائل:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

ولكن عين السخط تبدي المساويا

وبعد، فأي شبهة في نسبة البخاري إلى بلده؟ وما سر حرصهم على تسميته بـ "بردزبه"؟

لا نرى إلا أنهم يريدون إهمال نسبته التي اشتهر بها، والتي صارت فخرا لبلده، وعلما على أصح الكتب بعد كتاب الله - عز وجل - وهو"صحيح البخاري". إنهم يريدون طمس الحقائق بتغيير اسم البخاري الذي اشتهر به وذاع، حتى صارت كلمة البخاري أشهر من اسمه "محمد بن إسماعيل" وفرق كبير بين ما لو قلنا: هذا الحديث أخرجه محمد بن إسماعيل، وقلنا: أخرجه البخاري، فالثاني له كل الثقة في نفسية كل المسلمين، أما الأول فلا يعرفه إلا القلة من المسلمين.

ونضيف إلى ما سبق أن " البخاري " اسمه وأسماء آبائه لها دلالتها الطيبة، فقد كانت أسماؤهم بلغتهم، فلما أسلموا أصبحت أسماؤهم عربية إسلامية، فجده "بردزبه" آخر الأسماء التي بلغة بخارى وكان على دين قومه، ثم أسلم ولده المغيرة على يد اليمان الجعفي وأتى بخارى فنسب إليه نسبة ولاء. ثم " المغيرة " اسم عربي، ثم إبراهيم، ثم إسماعيل، ثم محمد. وهكذا تحولت التسمية من لغة بلدهم بخارى إلى اللغة العربية، بل إلى أسماء إسلامية، مما يدل على حبهم للإسلام واعتزازهم به [2]. فهل يحق لمدع أن يزعم أن البخاري اسمه "بردزبه"؟!

إن الإمام البخاري ليس فارسيا كما يزعمون، وإنما هو من بلاد بخارى على نهر جيحون من بلاد ما وراء النهر، وبخارى الآن من بلاد جمهورية أوزبكستان في آسيا الوسطي، وقد دخل أهل بخارى الإسلام في أول خلافة يزيد بن معاوية (61هـ)، فتحها سلم بن زياد مع مدن أخرى حولها، وأحب أهلها الإسلام، وبذلوا الكثير في نصرته، وشاع العلم وذاع في هذه البلاد، ونبغ فيها كثير من أئمة الإسلام، تعلموا وعلموا[3].

ولا شك أن العربية انتشرت سريعا في هذه البلاد المفتوحة بسبب كثرة العرب الذين استقروا بها بعد فتحها، وحاجة أصحاب هذه البلاد إلى معرفة العربية لغة دينهم الجديد، فالعربية لغة وليست عروقا، فكل من نطق بالعربية فهو عربي، والبخاري من مجتمع يتكلم العربية ويعتنق الإسلام[4]، وكان من البارعين فيها العالمين بمداخلها ومخارجها.

 واختلاف الجنسية أو اللغة لا يعوق عن تعلم اللغة العربية، فإن العربية قد برع فيها كثير من غير أهلها، وكذلك الإنجليزية والفرنسية، وعندنا سيبويه الذي يعد أول من ألف في النحو العربي وقعد له فارسي الأصل، وليس عربيا، فقد تعلم العربية وأجاد فيها، فما الإشكال في إجادة البخاري للعربية؟!

وقد ثبت أن البخاري كان له باع طويل في اللغة العربية أتقنها وأحسن فيها، وهذا ما ساعده على حفظ الحديث منذ صغر سنه، ولم يدخل في هذا العلم إلا بعد إتقان اللغة وفروعها، ومما يدل على ذلك ما روي عنه أنه قال لرجل سأله أن يعلمه الحديث: "يابني لا تدخل في أمر إلا بعد معرفة حدوده والوقوف على مقاديره، فقال له: عرفني حدود ما قصدت له ومقادير ما سألتك عنه، قال: اعلم أن الرجل لا يصير محدثا كاملا في حديثه إلا بعد أن يتيقن من معرفة الكتابة واللغة والصرف والنحو"[5].

أيعقل أن يحدد هذا الرجل شروط العلم بالحديث بتلك الصورة التي ذكرها، ولا يكون عالما بها؟!

وكيف يوصف البخاري بأنه لم يتمكن من الحديث وقد كان والده من المحدثين، وهذا يتضح من قول ابن حبان في كتابه "الثقات": "إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي، أبو الحسن، يروي عن مالك وحماد بن زيد، روى عنه العراقيون"[6].

 وذكره البخاري في التاريخ الكبير فقال: "إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي أبو الحسن، رأى حماد بن زيد، وصافح ابن المبارك بكلتا يديه، وسمع مالكا"[7].

وقال ابن حجر: "روى عن حماد بن زيد وابن المبارك، وروى عنه يحيى بن جعفر البيكندي وغيره، ذكر ولده عنه ما يدل على أنه كان من الصالحين" [8].

فإذا كان والده أحد المحدثين والرواة، فكيف يكون حاله؟! لابد أنه تربى ونشأ في هذه الأسرة الدينية التي اهتمت بحفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بد لحافظ السنة أن يكون ملما بالعربية وأصولها.

لقد أتاح الإسلام لكل المجتمعات التي دخلها أن يتغلغل أصحابها داخل الدولة الإسلامية، ويغترفوا من بحار علومها؛ لذلك وجدنا علماء من بلاد شتى نبغوا وبرعوا في علوم مختلفة كابن فارس، والزجاج، والمبرد، وأبي حنيفة، والترمذي، والزمخشري، وسيبويه وغيرهم.

إن العبرة ليست بالأصل العربي أو الأعجمي، ولكن العبرة بالاجتهاد والعمل.

وبالنظر إلى ما سبق يتضح لنا أن الإمام البخاري لم يكن عربيا، إنما كان أعجميا - كما هو الحال في أكثر حملة العلم في الإسلام[9]، ولكنه مع ذلك قد ألم بالعربية وعلومها حتى بلغ فيها مبلغا عظيما، استطاع من خلاله أن يبحر في علم الحديث حتى كان إمام أهله وأمير المؤمنين فيه بلا منازع، وقد اتضح ذلك من إجماع الأمة على مكانته العالية في الحديث.

ثم إنه لا مشاحة في أن يكون حملة العلم في الإسلام أكثرهم من العجم، وفي ذلك يقول حاجي خليفة في "كشف الظنون": "وذلك من الغريب الواقع، لأن علماء الملة الإسلامية في العلوم الشرعية والعقلية أكثرهم من العجم إلا في القليل النادر، وإن كان منهم العربي في نسبته فهو أعجمي في لغته، والسبب في ذلك أن الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة لمقتضى أحوال البداوة، وإنما أحكام الشريعة كان الرجال ينقلونها في صدورهم، وقد عرفوا مأخذها من الكتاب والسنة بما تلقوه من صاحب الشرع وأصحابه، والقوم يومئذ عرب لم يعرفوا أمر التعليم والتدوين، ولا دعتهم إليه حاجة إلى آخر عصر التابعين، وكان يسمون المختصين بحمل ذلك ونقله القراء، فهم قراء لكتاب الله - سبحانه وتعالى - والسنة المأثورة التي هي في غالب موارده تفسير له وشرح.

فلما بعد النقل من لدن دولة الرشيد احتيج إلى وضع التفاسير القرآنية، وتقييد الحديث مخافة ضياعه، ثم احتيج إلى معرفة الأسانيد وتعديل الرواة، ثم كثر استخراج أحكام الواقعات من الكتاب والسنة، وفسد مع ذلك اللسان، فاحتيج إلى وضع القوانين النحوية، وصارت العلوم الشرعية كلها ملكات في الاستنباط والتنظير والقياس، واحتاجت إلى علوم أخرى هي وسائل لها؛ كقوانين العربية وقوانين الاستنباط والقياس، والذب عن العقائد بالأدلة، فصارت هذه الأمور كلها علوما محتاجة إلى التعليم، فاندرجت في جملة الصنائع، والعرب أبعد الناس عنها. فصارت العلوم لذلك حضرية والحضر هم العجم أو من في معناهم؛ لأن أهل الحواضر تبع للعجم في الحضارة وأحوالها من الصنائع والحرف؛ لأنهم أقوم على ذلك للحضارة الراسخة فيهم منذ دولة الفرس.

فكان صاحب صناعة النحو سيبويه، والفارسي، والزجاج كلهم عجم في أنسابهم، اكتسبوا اللسان العربي بمخالطة العرب وصيروه قوانين لمن بعدهم، وكذلك حملة الحديث وحفاظه أكثرهم عجم أو مستعجمون باللغة. وكان علماء أصول الفقه كلهم عجما، وكذلك حملة أهل الكلام وأكثر المفسرين، ولم يقم بحفظ العلم وتدوينه إلا الأعاجم.

وأما العرب الذين أدركوا هذه الحضارة وخرجوا إليها عن البداوة فشغلتهم الرياسة في الدولة العباسية، وما دفعوا إليه من القيام بالملك عن القيام بالعلم، مع ما يلحقهم من الأنفة عن انتحال العلم لكونه من جملة الصنائع، والرؤساء يستنكفون عن الصنائع، وأما العلوم العقلية فلم تظهر في الملة إلا بعد أن تميز حملة العلم ومؤلفوه، واستقر العلم كله صناعة فاختصت بالعجم وتركها العرب فلم يحملها إلا المستعربون من العجم"[10].

فلا عيب إذن أن يكون البخاري أعجميا أو فارسيا؛ إذ قد تفوق على أقرانه من العرب وغيرهم، ولا مشاحة أن يكون أمير المؤمنين في الحديث.

ثانيا. اهتمام البخاري بطلب العلم ومكانته بين العلماء:

لقد ابتدأ الإمام البخاري طلبه للعلم وهو في سن مبكرة جدا، وكانت همته في ذلك عالية.

ومما يؤكد هذا ما جاء عن أبي حاتم الوراق النحوي؛ حيث قال: "قلت لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: كيف كان بدء أمرك في طلب الحديث؟

قال: ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب، قال: وكم أتى عليك إذ ذاك؟

قال: عشر سنين أو أقل، ثم خرجت من الكتاب بعد العشر، فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره، وقال يوما فيما كان يقرأ للناس: سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم. فقلت: يا أبا فلان؛ إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم، فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك، فدخل ونظر فيه، ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ فقلت: هو الزبير بن عدي عن إبراهيم، فأخذ القلم مني وأحكم كتابه، فقال: صدقت، فقال له بعض أصحابه: ابن كم كنت إذ رددت عليه؟ قال: ابن إحدى عشرة، فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع وعرفت كلام هؤلاء، ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة، فلما حججت، رجع أخي وتخلفت بها في طلب الحديث، فلما طعنت في ثماني عشرة جعلت أصنف فضائل الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وذلك أيام عبيد الله بن موسى، وصنفت كتاب "التاريخ " إذ ذاك عند قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الليالي المقمرة، وقال: قل اسم في "التاريخ " إلا وله عندي قصة إلا أني كرهت تطويل الكتاب"[11].

يقول عبد السلام المباركفوري: "وكما أن البخاري ألهم حفظ الأحاديث منذ العاشرة من عمره، وما زالت هذه الرغبة تنمو وتزداد منه، كذلك كان حريصا على تمييز الأحاديث الصحيحة من غيرها، ومعرفة علل الحديث، والاطلاع على أحوال رواة الحديث، ومعرفة عدالتهم، وضبطهم، وأمانتهم، وصدقهم، ومعيشتهم، ومسكنهم، ومولدهم، ووفياتهم، ولقائهم فيما بينهم، ومقارنة الأسانيد بعضها ببعض، ومعرفة اتصالها وانقطاعها، والبلوغ بالفنون الحديثية إلى أسمى مكانتها، واستنباط المسائل من الأحاديث، وجمعها ومقارنتها بالآيات القرآنية.

 وخلاصة القول أن البخاري كان مغرما بهذه الأمور منذ البداية، ومع مرور الأيام كانت هذه الأفكار تترسخ في قلبه وتقوى[12].

ولم يقف طلب العلم عند الإمام البخاري على الكتاب، بل لقد رحل في طلب الحديث إلى سائر محدثي الأمصار، وكتب بخراسان والجبال، ومدن العراق كلها، وبالحجاز، والشام، ومصر"[13].

وعليه، فإن تبكير الإمام البخاري في طلب العلم والحديث كانت له أسبابه وعوامله التي أعانت عليه، من ذلك طيب أصله، وأصالة معدنه؛ حيث كان أبوه من كبار المحدثين، وأمه من العابدات الصالحات.

 وقبل هذا كله توفيق الله - عز وجل - له وحفظه ورعايته[14].

وليس هذا فحسب، بل لقد وهب الله - عز وجل - الإمام البخاري قوة في الحافظة، ونباهة في الخاطر، وسيلانا في الذهن، جعلت منه - بفضل الله تعالى - أعلم أهل الأرض بالحديث وأحفظهم له.

قال محمد بن خميرويه: "سمعت البخاري يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح، وقال ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري"[15].

ويؤكد هذا ما رواه أبو أحمد بن عدي قائلا: "سمعت عدة مشايخ يقولون: إن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وأرادوا امتحان حفظه، فعمدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس، لكل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، فحضر المجلس من الغرباء من أهل خراسان وغيرها ومن البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب رجل من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه، فما زال يلقي عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه، فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض، ويقولون: فهم الرجل، ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم، ثم انتدب رجل آخر فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه، فلم يزل يلق عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه، ثم انتدب له الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه، فلما علم البخاري أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فهو كذا وصوابه كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها، فأقر الناس له بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل"[16].

فهذا أكبر دليل على تمكن البخاري من الحديث، وأن أصله الأعجمي لم يقف قط أمام إبحاره في هذا العلم كما يدعي هؤلاء.

قال ابن حجر: "هنا يخضع للبخاري، فما العجب من رده الخطأ إلى الصواب، فإنه كان حافظا، بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه من مرة واحدة[17].

ولأجل هذا وذاك أثنى العلماء - قديما وحديثا - على الإمام البخاري ثناء قلما يبلغه أحد مثله، ونبدأ بثناء شيوخه عليه؛ لأن رأى الشيخ في تلميذه يكون أصح من غيره، فهو كثيرا ما يجد فرصا لاختبار ذكائه وفهمه وحفظه.

وكان سليمان بن حرب - وهو من شيوخ البخاري - يقول له: " بين لنا غلط شعبة"[18].

ولم يقف الثناء على الإمام البخاري عند شيوخه وأقرانه ومعاصريه، بل امتد الثناء عليه إلى المتأخرين عنه، فقد قال الحافظ ابن حجر: "لو فتحت باب ثناء الأئمة عليه - أي: البخاري - ممن تأخر عن عصره، لفني القرطاس، ونفدت الأنفاس، ذاك بحر لا ساحل له"[19].

ويقول عبد السلام المباركفوري: "والحق أن الاستدلال على تبحر إمام المحدثين في العلم وذكائه وقوة اجتهاده وسيلان ذهنه بأقوال المتأخرين، كرفع السراج أمام الشمس.

قال السبكي:

علا عن المدح حتى ما يزان به

كأنما المدح من مقداره يضع"[20]

وعن صحيحه قال الذهبي: "وأما جامع البخاري الصحيح فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى، قال: وهو أعلى في وقتنا هذا إسنادا للناس، ومن ثلاثين سنة يفرحون بعلو سماعه فكيف اليوم؟ فلو رحل الشخص لسماعه من ألف فرسخ لما ضاعت رحلته"[21].

وقال الحافظ ابن كثير: "وكتابه الصحيح يستسقى بقراءته الغمام، وأجمع على قبوله وصحة ما فيه أهل الإسلام"[22].

وقال أبو حامد الأعمش: "سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل فقبل بين عينيه، وقال: دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله".

وقال أبو جعفر العقيلي: "لما صنف البخاري كتاب الصحيح، عرضه على ابن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا أربعة أحاديث".

قال العقيلي: "والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة".

وقال الحاكم أبو أحمد: "رحم الله محمد بن إسماعيل الإمام، فإنه الذي ألف الأصول وبين للناس، وكل من عمل بعده فإنما أخذه من كتابه"[23].

وروى الخطيب البغدادي بإسناده أن علي بن حجر قال: "أخرجت خراسان ثلاثة: أبا زرعة الرازي بالري، ومحمد بن إسماعيل ببخارى، وعبد الله بن عبد الرحمن بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم"[24].

ويقول المباركفوري: "لا يوجد مكان على وجه الأرض وصل إليه الإسلام إلا ونجد " صحيح البخاري " فيه، وهذا الكتاب المبارك من أهم وأبرز الأمور التي دعت الأمة الإسلامية إلى تلقيب الإمام البخاري بإمام المحدثين وأمير المؤمنين في الحديث، ولم يحصل قط وعلى امتداد التاريخ الإسلامي أن نال أي مصنف لأي محدث أو أي مؤلف لأي إمام ولا فقيه من المتقدمين أو المتأخرين ما ناله هذا الكتاب من الفضل والقبول لدى الأمة"[25].

 

والحاصل هنا أن هذه الدرجة الرفيعة التي وصل إليها البخاري في الحديث، وهذه الشهادات التي شهد بها القاصي والداني، والقديم والحديث من العلماء الثقات، أكبر دليل على أن كونه غير عربي لم يؤثر ألبتة في تمكنه من هذا العلم، وذلك بعد إتقانه التام للغة القرآن والحديث.

فهل بعد هذا يحق لأحد أن يقول: إن عجمة الإمام البخاري أثرت في طلبه للحديث وتمكنه فيه؟!

الخلاصة:

·   الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - كان أعجميا لكنه لم يكن فارسيا، وهذا خطأ في النسبة من هؤلاء المشككين وهو يدل على عدم علمهم بالحقائق التاريخية؛ إذ كان من بخارى؛ من بلاد ما وراء النهر، ومع هذه العجمة فإنه تعلم العربية وأتقنها، حتى كأنه من أهلها، فلا يضيره كونه أعجميا.

·   إن مما يدل على إتقان البخاري للعربية أنه اشترط في المحدث الكامل أن يتقن الكتابة واللغة والصرف والنحو، فكيف يشترط شروطا ليست متوافرة فيه، وهو إمام الحديث وأمير المؤمنين فيه؟!

·   لقد ألهم الله - عز وجل - الإمام البخاري حفظ الحديث في سن مبكرة فتتلمذ على سائر محدثي الأمصار، ثم رحل إلى مكة لقضاء فريضة الحج، وظل بها حتى أتقن علم الحديث والتاريخ، وكان الإمام البخاري مغرما بعلم الحديث وعلله وأسانيده منذ صباه، فحدث عن ألف وثمانين شيخا من شيوخ الحديث.

·   تربى الإمام البخاري في أسرة ترعى العلم؛ فأبوه كان من كبار المحدثين، وقد ذكره البخاري في "التاريخ الكبير"، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وذكره ابن حجر في "تهذيب التهذيب"، وأمه كانت من العابدات الصالحات.

·   لقد شهد شيوخ البخاري وأقرانه ومعاصروه ومن جاء بعده بتفرده وإمامته في الحديث، وما يتعلق به، وأثنوا عليه ثناء قلما يبلغ أحد مثله.

·   كان أكثر حملة العلم في الإسلام من العجم، فلم تؤثر أعجميتهم في تقدمهم في مجالات مختلفة في النحو والبلاغة والأدب والفقه والحديث، بل إنهم قعدوا لهذه العلوم.

إذن، فليس البخاري بدعا في ذلك بل كان كغيره من غير العرب الذين أبدعوا في هذا الفن من فنون العلم، وأجاد فيه حتى أصبح علما شامخا، وإماما متبعا.

 المراجع:


(*) دفع الشبهات عن السنة النبوية، د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1421هـ/2001م.

[1]. "بردزبه": جد البخاري، ومعناها: الزراع.

[2] . دفع الشبهات عن السنة النبوية، د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1421هـ/2001م، ص240،239 بتصرف.

[3] . دفع الشبهات عن السنة النبوية، د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1421هـ/2001م، ص237.

[4]. دفع الشبهات عن السنة النبوية، د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1421هـ/2001م، ص238 بتصرف.

[5]. تهذيب الكمال، المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (24/462، 463) بتصرف.

[6]. الثقات، ابن حبان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند، ط1، 1393هـ/ 1973م، (8/98).

[7]. التاريخ الكبير، البخاري، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، د. ت، (1/343،342).

[8]. تهذيب التهذيب، ابن حجر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (1/240).

[9]. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/1990، (1/40:38) بتصرف.

[10]. كشف الظنون، حاجي خليفة، (1/40).

[11]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (24/440،439).

[12]. سيرة الإمام البخاري، عبد السلام المباركفوري، إدارة البحوث الإسلامية، الهند، ص47.

[13]. تهذيب الكمال، المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (24/431).

[14]. الإمام البخاري وصحيحه الجامع، أحمد فريد،دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/2006م، ص21.

[15]. تذكرة الحفاظ، الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (2/556).

[16]. تهذيب الكمال، الحافظ المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (24/ 452، 454).

[17]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص511.

[18]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (12/ 419).

[19]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، ص510.

[20]. سيرة الإمام البخاري، عبد السلام المباركفوري، إدارة البحوث الإسلامية، الهند، د. ت، ص122.

[21]. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، الذهبي، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1407هـ/ 1987م، (19/242).

[22]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (6/82).

[23]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص 513،514 بتصرف .

[24]. تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (2/28).

[25] . سيرة الإمام البخاري، عبد السلام المباركفوري، إدارة البحوث الإسلامية، الهند، د. ت، ص159.