نص السؤال

ادعاء أن البخاري كان جَبْرِيًّا

المصدر: شبهات المشككين في الإسلام

الجواب التفصيلي

ادعاء أن البخاري كان جبريا(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض الطاعنين أن الإمام البخاري كان جبريا[1].

ويستدلون على هذا بما أورده في صحيحه "الجامع" من تفسير قوله تعالى: 

(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)

الذاريات:[56].

حيث قال: "ما خلقت أهل السعادة إلا ليوحدوني". زاعمين أن هذا القول يدل على الجبر، والجبر يستلزم الكفر.

ويرمون من وراء ذلك إلى الطعن في عقيدة الإمام البخاري.

وجه إبطال الشبهة:

إن عقيدة أهل السنة والجماعة تقوم على نفي الجبر، وما قرره الإمام البخاري في صحيحه عند تفسير هذه الآية، هو ما قرره المفسرون من أهل السنة والجماعة في كتبهم، وهو نفي الجبر عن أفعال العباد، وتقرير مبدأ أهل السنة في ذلك، كابن كثير، والقرطبي، والبغوي، وغيرهم من المفسرين.

التفصيل:

عقيدة أهل السنة والجماعة في مسألة الجبر والاختيار:

إن موقف البخاري في مسألة الجبر والاختيار هو موقف أهل السنة والجماعة وهو موقف معروف، فقد سئل جعفر بن محمد الصادق رحمه الله: "العباد مجبورون؟ فقال: الله - عز وجل - أعدل من أن يجبر عبده على معصيته ثم يعذبه عليها. فقال له السائل: فهل أمرهم مفوض إليهم؟ فقال: الله أعز من أن يجوز في ملكه ما لا يريد. فقال له السائل: فكيف ذاك إذا؟ قال: أمر بين الأمرين، لا جبر ولا تفويض".

فأهل السنة والجماعة متفقون على "أن الله - عز وجل - عالم بكل ما هو كائن قبل كونه، ثم خلق الإنسان فجعل له عقلا يرشده، وقدرة يصح بها تكليفه، ثم طوى علمه السابق عن خلقه، وأمرهم ونهاهم، وأوجب عليهم الحجة من جهة الأمر والنهي الواقعين عليهم، لا من جهة علمه السابق فيهم، فهم يتصرفون بين مطيع وعاص وكلهم لا يعدو علمه السابق فيهم، وليست الأمور في علم الله إجبار على ما توهمه المجبرون، ولا تتم الاستطاعة على ما يهم به من الأمور إلا بأن يعينه الله عليه، فإن عصمه مما يهم به في المعصية كان فضلا، وإن وكله إلى نفسه كان عدلا، فإذا اعتبرت حال العبد من جهة الإضافة إلى علم الله السابق فيه، وجدته في صور المجبر، وإذا اعتبرت حاله من جهة الإضافة إلى الاستطاعة المخلوقة له، والأمر والنهي الواقعين عليه، وجدته في صورة المفوض، وليس هناك إجبار مطلق، ولا تفويض مطلق، إنما هو أمر بين أمرين وهذا ما أشار إليه أهل السنة في قولهم: إن العبد لا موثق ولا مطلق؛ ولأجل هذا الإشكال والدقة رأى المشيخة من أهل السنة وجلة العلماء الإمساك عن الكلام في ذلك وترك الخوض فيه"[2].

ومما يؤكد هذا الموقف أننا وجدنا معظم المحدثين ونقاد الحديث يؤكدون ذلك ويؤكدون على وجوب الإيمان بالقدر لذلك.

يقول الوزير اليماني: "رمي المحدثين بالجبر إغراب عظيم من مذهبهم أو تحامل شديد عليهم، فإن أهل الحديث فرقة غير الأشعرية... وممن نص على إثبات القدر ونفي الجبر: الخطابي في "معالم السنن" والثوري في شرح مسلم، وأبو السعادات ابن الأثير في "جامع الأصول" وغيرهم[3].

وقد أفرد الإمام البخاري لتلك المسألة كتابا سماه "القدر"، وكذلك الإمام مسلم وغيرهما من أئمة الحديث، يقول الإمام النووي عند شرحه أحاديث باب القدر: "وفي هذه الأحاديث كلها دلالات ظاهرة لمذهب أهل السنة في إثبات القدر، وأن جميع الواقعات بقضاء الله تعالى وقدره، خيرها وشرها، نفعها وضرها؛

قال تعالى:

(لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)

الأنبياء: [23].

فهو ملك لله تعالى، يفعل ما يشاء، ولا اعتراض على المالك في ملكه، ولأن الله تعالى لا علة لأفعاله...

وفي هذه الأحاديث أيضا: النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكل ميسر لما خلق له، لا يقدر على غيره، ومن كان من أهل السعادة يسره الله لعمل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة يسره الله لعملهم،

كما قال:

(فسنيسره لليسرى)

الليل: [7].

وقوله:

(فسنيسره للعسرى)

الليل: [10].

وكما صرحت بعض هذه الأحاديث" [4].

ويقول صاحب كتاب عون المعبود: "الإيمان بالقدر فرض لازم، وهو أن يعتقد أن الله تعالى خلق أعمال العباد خيرها وشرها، وكتبها في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم، والكل بقضائه وقدره وإرادته ومشيئته، غير أنه يرضى الإيمان والطاعة ووعد عليهما الثواب، ولا يرضى الكفر والمعصية وأوعد عليهما العقاب، والقدر سر من أسرار الله تعالى، لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، ولا يجوز الخوض فيه والبحث عنه بطريق العقل، بل يجب أن يعتقد أن الله تعالى خلق الخلق فجعلهم فرقتين، فرقة خلقهم للنعيم فضلا، وفرقة خلقهم للجحيم عدلا"[5]؛ لذلك روى ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:


«القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم»

[6].

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن ظن أن القدر حجة لأهل الذنوب فهو من جنس المشركين الذين  قال الله رادا عليهم:

(كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون، قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين)

الأنعام: [148-149].

ولو كان القدر حجة لأحد لم يعذب الله المكذبين للرسل كقوم نوح وعاد وثمود، والمؤتفكات، وقوم فرعون، ولم يأمر بإقامة الحدود على المعتدين ولا يحتج أحد بالقدر إلا إذا كان متبعا لهواه بغير هدى من الله، ومن رأى القدر حجة لأهل الذنوب يرفع عنهم الذم والعقاب، فعليه ألا يذم أحدا ولا يعاقبه إذا اعتدى عليه؛ بل يستوي عنده ما يوجب اللذة وما يوجب الألم، فلا يفرق بين من يفعل معه خيرا وبين من يفعل معه شرا، وهذا ممتنع طبعا وعقلا وشرعا" [7].

وقال ابن القيم: "وكذلك ما قدره حق قدره من قال: إنه يعاقب عبده على ما لا يفعله العبد ولا له عليه قدرة، ولا تأثير له فيه ألبتة، بل هو نفس فعل الرب جل جلاله، فيعاقب عبده على فعله هو سبحانه الذي جبر العبد عليه، وجبره على الفعل أعظم من إكراه المخلوق للمخلوق، وإذا كان من المستقر في الفطر والعقول أن السيد لو أكره عبده على فعل، أو ألجأه إليه، ثم عاقبه عليه لكان قبيحا، فأعدل العادلين، وأرحم الراحمين كيف يجبر العبد على فعل لا صنيع له فيه ولا تأثير، ولا هو واقع بإرادته، بل ولا هو فعله ألبتة، ثم يعاقبه عليه عقوبة الأبد؟! تعالى عن ذلك علوا كبيرا، وقول هؤلاء شر من أقوال المجوس، والطائفتان ما قدروا الله حق قدره"[8]؛ لذلك أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغ عن ربه:

«.... ياعبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه»

[9].

وبهذا يتبين لنا أن عقيدة أهل السنة هي ما قررناه من التوسط بين الجبر والاختيار، فالله تبارك وتعالى قدر منذ الأزل ما كتبه على ابن آدم، ثم أعطاه عقلا يختار به الطريق المستقيم إليه عن طريق الأوامر التي أمره بها والنواهي التي نهاه عنها، ولا شك أن البخاري، كان من أئمة أهل السنة والجماعة، وناقل سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وصاحب أصدق كتاب بعد كتاب الله عز وجل.

تأويل البخاري للآية هو ما اتفق عليه أهل السنة:

لقد نحا الإمام البخاري منحى أهل السنة والجماعة في مسألة الجبر، فقال في تفسير قوله تعالى:

(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)

الذاريات: [56].

"ما خلقت أهل السعادة من أهل الفريقين إلا ليوحدون، وقال بعضهم: خلقهم ليفعلوا، ففعل بعض وترك بعض، وليس فيه حجة لأهل القدر"[10].

يقول ابن حجر تعليقا على هذا التفسير: "ما خلقت أهل السعادة من أهل الفريقين إلا ليوحدون، هو قول الفراء، ونصر بن قتيبة في "مشكل القرآن" له، وسبب الحمل على التخصيص وجود من لا يعبده، فلو حمل على ظاهره لوقع التنافي بين العلة والمعلول، وقوله: "وقال بعضهم: خلقهم ليفعلوا، ففعل بعض وترك بعض، وليس فيه حجة لأهل القدر"، هو كلام الفراء أيضا، وحاصل التأويلين أن الأول محمول على أن اللفظ عام مراد به الخصوص، وأن المراد: أهل السعادة من الجن والإنس، والثاني باق في عمومه لكن بمعنى الاستعداد، أي: خلقهم معدين لذلك، لكن منهم من أطاع ومنهم من عصى، وهو كقولهم: الإبل مخلوقة للحرث، أي: قابلة لذلك؛ لأنه قد يكون فيها ما لا يحرث، وأما قوله: "وليس فيه حجة لأهل القدر" فيريد المعتزلة؛ لأن محصل الجواب أن المراد بالخلق خلق التكليف لا خلق الجبلة، فمن وفقه عمل لما خلق له، ومن خذله خالف... ويحتمل أن يكون مراده بقوله: "وليس فيه حجة لأهل القدر" أنهم يحتجون بها على أن أفعال الله لا بد وأن تكون معلولة فقال: لا يلزم من وقوع التعليل في موضع وجوب التعليل في كل موضع، ونحن نقول بجواز التعليل لا بوجوبه، أو لأنهم احتجوا بها على أن أفعال العباد مخلوقة لهم لإسناد العبادة إليهم، فقال: لا حجة لهم في ذلك؛ لأن الإسناد من جهة الكسب" [11].

ويؤيد ذلك أنه أفرد كتابا كاملا في القدر نذكر منه ما رواه عن سيدنا علي - رضي الله عنه - قال: 

«كنا جلوسا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه عود ينكت به في الأرض فنكس وقال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار أو من الجنة. فقال رجل من القوم: ألا نتكل يارسول الله؟ قال: لا، اعملوا فكل ميسر، ثم قرأ: )فأما من أعطى واتقى (5)( (الليل)»

[12].

فهذا الحديث يدل دلالة قاطعة على مدى إيمان الإمام البخاري بالقدر، وأنه على مذهب أهل السنة والجماعة في مسائل الاعتقاد، وكيف لا وهو إمامهم في الحديث والفقه.

يقول الوزير اليماني: " إن القدرية الخلص عند المحدثين هم الذين يقولون: "إن الله تعالى لا يعلم الغيب " على ما ذكره النووي في شرح مسلم، والخطابي، وغيرهما؛ لأنهم فسروا القدر بعلم الله السابق من غير إجبار، وفسروا القدرية بمنكري ذلك، فصرحوا بذلك كله. فالبخاري رد على هؤلاء الذين يقولون إن الله لا يعلم الغيب وسماهم أهل القدر" [13].

ويقول ابن حجر في شرحه للحديث: "وهذا الحديث أصل لأهل السنة في أن السعادة والشقاء بتقدير الله القديم، وفيه رد على الجبرية؛ لأن التيسير ضد الجبر، ولأن الجبر لا يكون إلا عن كره، ولا يأتي الإنسان الشيء بطريق التيسير إلا وهو غير كاره له...

ووجه الانفصال على شبهة القدرية أن الله أمرنا بالعمل فوجب علينا الامتثال، وغيب عنا المقادير لقيام الحجة، ونصب الأعمال علامة على ما سبق في مشيئته، فمن عدل عنه ضل وتاه؛ لأن القدر سر من أسرار الله لا يطلع عليه إلا هو، فإذا أدخل أهل الجنة الجنة كشف لهم عنه حينئذ. وفي أحاديث هذا الباب أن أفعال العباد وإن صدرت عنهم، لكنها قد سبق علم الله بوقوعها بتقديره، ففيها بطلان قول القدرية صريحا"[14].

ومما يؤكد ما ذهب إليه البخاري ما ذكره القرطبي في تفسيره للآية بقوله: "قيل: إن هذا خاص فيمن سبق في علم الله أنه يعبده، فجاء بلفظ العموم ومعناه الخصوص، والمعنى: وما خلقت أهل السعادة من الجن والإنس إلا ليوحدون. قال القشيري: والآية دخلها التخصيص على القطع؛ لأن المجانين والصبيان ما أمروا بالعبادة حتى يقال: أراد منهم العبادة، وقد قال الله تعالى: 

(ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس)

الأعراف: [179].

ومن خلق لجهنم لا يكون ممن خلق للعبادة، فالآية محمولة على المؤمنين منهم... وقال علي رضي الله عنه: "وما خلقت الجن والإنس إلا لآمرهم بالعبادة"، واعتمد الزجاج على هذا القول، وقيل: (إلا ليعبدون)، أي: إلا ليقروا لي بالعبادة طوعا أو كرها. وقال مجاهد: إلا ليعرفوني [15].

ويقول الطاهر ابن عاشور: "وهذا يغني عن احتمالات في تأويل التعليل من قوله: (ليعبدون) من جعل عموم الجن والإنس مخصوصا بالمؤمنين منهم، أو تقدير محذوف في الكلام، أي: إلا لآمرهم بعبادتي، أو حمل العبادة بمعنى التذلل والتضرع الذي لا يخلو منه الجميع في أحوال الحاجة إلى التذلل والتضرع كالمرض والقحط... ويرد على جميع تلك الاحتمالات أن كثيرا من الإنس غير عابد بدليل المشاهدة، وأن الله حكى عن بعض الجن أنهم غير عابدين"[16].

وبهذا يتبين لنا أن تفسير البخاري للآية ليس قوله وحده، وإنما هو قول جمهور المفسرين أهل السنة جميعا.

الخلاصة:

·     لقد كان موقف أهل السنة في مسألة الجبر والاختيار وسطا، فالإنسان عندهم لا موثق ولا مطلق، فالله - تبارك وتعالى - قد سبق علمه ما في السماوات والأرض، وقد ترك للإنسان حرية اختياره، وبين له الصراط المستقيم، فأمره ونهاه، وبعث إليه الرسل؛ ليكونوا حجة عليه إذا خالف ما أمره الله به أو نهاه عنه.

·     إن قول الجبرية مردود عقلا؛ إذ كيف يجبر الله تعالى عبده على الأعمال، ثم يحاسبهم عليها ويعذبهم بها، في حين أنهم مجبرون على فعلها، فهذا لا يصح عقلا إذا حدث من إنسان لأخيه الإنسان، فكيف يصح في حق الخالق الحكيم سبحانه وتعالى؟!

·     لا يدل تأويل الإمام البخاري للآية على الجبر، ولكنه في الحقيقة يرد على هؤلاء القدرية بما قرره في صحيحه، إذ يقول: "وليس فيه حجة لأهل القدر".

·     لقد خصص الإمام البخاري كتابا كاملا في صحيحه بعنوان " القدر "، روى فيه أحاديث تفيد إيمانه بالقدر، كغيره من أهل السنة، ولو أنه ليس على منهج أهل السنة ما روى هذه الأحاديث ولتغاضى عنها وأهملها.

·     لم يكن البخاري وحده هو الذي قال بهذا التفسير، ولكن معظم المفسرين قالوا بذلك، منهم الإمام القرطبي، وابن جرير الطبري، وابن كثير، والفراء، والقشيري وغيرهم من أئمة التفسير.

·     لقد كان الإمام البخاري إماما من أئمة أهل السنة الذين نقلت عن طريقهم السنة النبوية الصحيحة وهو صاحب أصح كتاب بعد كتاب الله - عز وجل - فكيف يكون إمام أهل السنة ويقر بالجبر في حين أن أهل السنة ينفون ذلك؟!

 المراجع:


(*) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م.

[1]. الجبر: أن يكون الإنسان مجبرا على جميع أفعاله، ملجأ إليها، مضطرا إلى فعلها، وأنه لا فعل له أصلا.

[2] . العواصم والقواصم، الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م، (3/93،92).

[3]. العواصم والقواصم، الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م، (2/286).

[4]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/3766).

[5] . عون المعبود شرح سنن أبي داود، شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، (12/ 295).

[6]. حسن: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: السنة، باب: في القدر، (12/295)، رقم(4677). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4691).

[7]. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ/ 2005م، (11/257).

[8]. الداء والدواء، ابن القيم، تحقيق: د. محمد جميل غازي، مكتبة المدني، القاهرة، د. ت، ص209.

[9]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم، (9/3705)، رقم (6450).

[10] . صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: سورة والذاريات، (8/463) معلقا.

[11]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (8/466،465).

[12]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: القدر، باب: وكان أمر الله قدرا مقدورا، (11/503)، رقم (6605).

[13]. العواصم والقواصم، الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م، (2/268).

[14]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (11/507،506).

[15]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (17/55).

[16]. التحرير والتنوير، ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (27/26).

الجواب التفصيلي

ادعاء أن البخاري كان جبريا(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض الطاعنين أن الإمام البخاري كان جبريا[1].

ويستدلون على هذا بما أورده في صحيحه "الجامع" من تفسير قوله تعالى: 

(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)

الذاريات:[56].

حيث قال: "ما خلقت أهل السعادة إلا ليوحدوني". زاعمين أن هذا القول يدل على الجبر، والجبر يستلزم الكفر.

ويرمون من وراء ذلك إلى الطعن في عقيدة الإمام البخاري.

وجه إبطال الشبهة:

إن عقيدة أهل السنة والجماعة تقوم على نفي الجبر، وما قرره الإمام البخاري في صحيحه عند تفسير هذه الآية، هو ما قرره المفسرون من أهل السنة والجماعة في كتبهم، وهو نفي الجبر عن أفعال العباد، وتقرير مبدأ أهل السنة في ذلك، كابن كثير، والقرطبي، والبغوي، وغيرهم من المفسرين.

التفصيل:

عقيدة أهل السنة والجماعة في مسألة الجبر والاختيار:

إن موقف البخاري في مسألة الجبر والاختيار هو موقف أهل السنة والجماعة وهو موقف معروف، فقد سئل جعفر بن محمد الصادق رحمه الله: "العباد مجبورون؟ فقال: الله - عز وجل - أعدل من أن يجبر عبده على معصيته ثم يعذبه عليها. فقال له السائل: فهل أمرهم مفوض إليهم؟ فقال: الله أعز من أن يجوز في ملكه ما لا يريد. فقال له السائل: فكيف ذاك إذا؟ قال: أمر بين الأمرين، لا جبر ولا تفويض".

فأهل السنة والجماعة متفقون على "أن الله - عز وجل - عالم بكل ما هو كائن قبل كونه، ثم خلق الإنسان فجعل له عقلا يرشده، وقدرة يصح بها تكليفه، ثم طوى علمه السابق عن خلقه، وأمرهم ونهاهم، وأوجب عليهم الحجة من جهة الأمر والنهي الواقعين عليهم، لا من جهة علمه السابق فيهم، فهم يتصرفون بين مطيع وعاص وكلهم لا يعدو علمه السابق فيهم، وليست الأمور في علم الله إجبار على ما توهمه المجبرون، ولا تتم الاستطاعة على ما يهم به من الأمور إلا بأن يعينه الله عليه، فإن عصمه مما يهم به في المعصية كان فضلا، وإن وكله إلى نفسه كان عدلا، فإذا اعتبرت حال العبد من جهة الإضافة إلى علم الله السابق فيه، وجدته في صور المجبر، وإذا اعتبرت حاله من جهة الإضافة إلى الاستطاعة المخلوقة له، والأمر والنهي الواقعين عليه، وجدته في صورة المفوض، وليس هناك إجبار مطلق، ولا تفويض مطلق، إنما هو أمر بين أمرين وهذا ما أشار إليه أهل السنة في قولهم: إن العبد لا موثق ولا مطلق؛ ولأجل هذا الإشكال والدقة رأى المشيخة من أهل السنة وجلة العلماء الإمساك عن الكلام في ذلك وترك الخوض فيه"[2].

ومما يؤكد هذا الموقف أننا وجدنا معظم المحدثين ونقاد الحديث يؤكدون ذلك ويؤكدون على وجوب الإيمان بالقدر لذلك.

يقول الوزير اليماني: "رمي المحدثين بالجبر إغراب عظيم من مذهبهم أو تحامل شديد عليهم، فإن أهل الحديث فرقة غير الأشعرية... وممن نص على إثبات القدر ونفي الجبر: الخطابي في "معالم السنن" والثوري في شرح مسلم، وأبو السعادات ابن الأثير في "جامع الأصول" وغيرهم[3].

وقد أفرد الإمام البخاري لتلك المسألة كتابا سماه "القدر"، وكذلك الإمام مسلم وغيرهما من أئمة الحديث، يقول الإمام النووي عند شرحه أحاديث باب القدر: "وفي هذه الأحاديث كلها دلالات ظاهرة لمذهب أهل السنة في إثبات القدر، وأن جميع الواقعات بقضاء الله تعالى وقدره، خيرها وشرها، نفعها وضرها؛

قال تعالى:

(لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)

الأنبياء: [23].

فهو ملك لله تعالى، يفعل ما يشاء، ولا اعتراض على المالك في ملكه، ولأن الله تعالى لا علة لأفعاله...

وفي هذه الأحاديث أيضا: النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكل ميسر لما خلق له، لا يقدر على غيره، ومن كان من أهل السعادة يسره الله لعمل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة يسره الله لعملهم،

كما قال:

(فسنيسره لليسرى)

الليل: [7].

وقوله:

(فسنيسره للعسرى)

الليل: [10].

وكما صرحت بعض هذه الأحاديث" [4].

ويقول صاحب كتاب عون المعبود: "الإيمان بالقدر فرض لازم، وهو أن يعتقد أن الله تعالى خلق أعمال العباد خيرها وشرها، وكتبها في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم، والكل بقضائه وقدره وإرادته ومشيئته، غير أنه يرضى الإيمان والطاعة ووعد عليهما الثواب، ولا يرضى الكفر والمعصية وأوعد عليهما العقاب، والقدر سر من أسرار الله تعالى، لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، ولا يجوز الخوض فيه والبحث عنه بطريق العقل، بل يجب أن يعتقد أن الله تعالى خلق الخلق فجعلهم فرقتين، فرقة خلقهم للنعيم فضلا، وفرقة خلقهم للجحيم عدلا"[5]؛ لذلك روى ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:


«القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم»

[6].

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن ظن أن القدر حجة لأهل الذنوب فهو من جنس المشركين الذين  قال الله رادا عليهم:

(كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون، قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين)

الأنعام: [148-149].

ولو كان القدر حجة لأحد لم يعذب الله المكذبين للرسل كقوم نوح وعاد وثمود، والمؤتفكات، وقوم فرعون، ولم يأمر بإقامة الحدود على المعتدين ولا يحتج أحد بالقدر إلا إذا كان متبعا لهواه بغير هدى من الله، ومن رأى القدر حجة لأهل الذنوب يرفع عنهم الذم والعقاب، فعليه ألا يذم أحدا ولا يعاقبه إذا اعتدى عليه؛ بل يستوي عنده ما يوجب اللذة وما يوجب الألم، فلا يفرق بين من يفعل معه خيرا وبين من يفعل معه شرا، وهذا ممتنع طبعا وعقلا وشرعا" [7].

وقال ابن القيم: "وكذلك ما قدره حق قدره من قال: إنه يعاقب عبده على ما لا يفعله العبد ولا له عليه قدرة، ولا تأثير له فيه ألبتة، بل هو نفس فعل الرب جل جلاله، فيعاقب عبده على فعله هو سبحانه الذي جبر العبد عليه، وجبره على الفعل أعظم من إكراه المخلوق للمخلوق، وإذا كان من المستقر في الفطر والعقول أن السيد لو أكره عبده على فعل، أو ألجأه إليه، ثم عاقبه عليه لكان قبيحا، فأعدل العادلين، وأرحم الراحمين كيف يجبر العبد على فعل لا صنيع له فيه ولا تأثير، ولا هو واقع بإرادته، بل ولا هو فعله ألبتة، ثم يعاقبه عليه عقوبة الأبد؟! تعالى عن ذلك علوا كبيرا، وقول هؤلاء شر من أقوال المجوس، والطائفتان ما قدروا الله حق قدره"[8]؛ لذلك أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغ عن ربه:

«.... ياعبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه»

[9].

وبهذا يتبين لنا أن عقيدة أهل السنة هي ما قررناه من التوسط بين الجبر والاختيار، فالله تبارك وتعالى قدر منذ الأزل ما كتبه على ابن آدم، ثم أعطاه عقلا يختار به الطريق المستقيم إليه عن طريق الأوامر التي أمره بها والنواهي التي نهاه عنها، ولا شك أن البخاري، كان من أئمة أهل السنة والجماعة، وناقل سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وصاحب أصدق كتاب بعد كتاب الله عز وجل.

تأويل البخاري للآية هو ما اتفق عليه أهل السنة:

لقد نحا الإمام البخاري منحى أهل السنة والجماعة في مسألة الجبر، فقال في تفسير قوله تعالى:

(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)

الذاريات: [56].

"ما خلقت أهل السعادة من أهل الفريقين إلا ليوحدون، وقال بعضهم: خلقهم ليفعلوا، ففعل بعض وترك بعض، وليس فيه حجة لأهل القدر"[10].

يقول ابن حجر تعليقا على هذا التفسير: "ما خلقت أهل السعادة من أهل الفريقين إلا ليوحدون، هو قول الفراء، ونصر بن قتيبة في "مشكل القرآن" له، وسبب الحمل على التخصيص وجود من لا يعبده، فلو حمل على ظاهره لوقع التنافي بين العلة والمعلول، وقوله: "وقال بعضهم: خلقهم ليفعلوا، ففعل بعض وترك بعض، وليس فيه حجة لأهل القدر"، هو كلام الفراء أيضا، وحاصل التأويلين أن الأول محمول على أن اللفظ عام مراد به الخصوص، وأن المراد: أهل السعادة من الجن والإنس، والثاني باق في عمومه لكن بمعنى الاستعداد، أي: خلقهم معدين لذلك، لكن منهم من أطاع ومنهم من عصى، وهو كقولهم: الإبل مخلوقة للحرث، أي: قابلة لذلك؛ لأنه قد يكون فيها ما لا يحرث، وأما قوله: "وليس فيه حجة لأهل القدر" فيريد المعتزلة؛ لأن محصل الجواب أن المراد بالخلق خلق التكليف لا خلق الجبلة، فمن وفقه عمل لما خلق له، ومن خذله خالف... ويحتمل أن يكون مراده بقوله: "وليس فيه حجة لأهل القدر" أنهم يحتجون بها على أن أفعال الله لا بد وأن تكون معلولة فقال: لا يلزم من وقوع التعليل في موضع وجوب التعليل في كل موضع، ونحن نقول بجواز التعليل لا بوجوبه، أو لأنهم احتجوا بها على أن أفعال العباد مخلوقة لهم لإسناد العبادة إليهم، فقال: لا حجة لهم في ذلك؛ لأن الإسناد من جهة الكسب" [11].

ويؤيد ذلك أنه أفرد كتابا كاملا في القدر نذكر منه ما رواه عن سيدنا علي - رضي الله عنه - قال: 

«كنا جلوسا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه عود ينكت به في الأرض فنكس وقال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار أو من الجنة. فقال رجل من القوم: ألا نتكل يارسول الله؟ قال: لا، اعملوا فكل ميسر، ثم قرأ: )فأما من أعطى واتقى (5)( (الليل)»

[12].

فهذا الحديث يدل دلالة قاطعة على مدى إيمان الإمام البخاري بالقدر، وأنه على مذهب أهل السنة والجماعة في مسائل الاعتقاد، وكيف لا وهو إمامهم في الحديث والفقه.

يقول الوزير اليماني: " إن القدرية الخلص عند المحدثين هم الذين يقولون: "إن الله تعالى لا يعلم الغيب " على ما ذكره النووي في شرح مسلم، والخطابي، وغيرهما؛ لأنهم فسروا القدر بعلم الله السابق من غير إجبار، وفسروا القدرية بمنكري ذلك، فصرحوا بذلك كله. فالبخاري رد على هؤلاء الذين يقولون إن الله لا يعلم الغيب وسماهم أهل القدر" [13].

ويقول ابن حجر في شرحه للحديث: "وهذا الحديث أصل لأهل السنة في أن السعادة والشقاء بتقدير الله القديم، وفيه رد على الجبرية؛ لأن التيسير ضد الجبر، ولأن الجبر لا يكون إلا عن كره، ولا يأتي الإنسان الشيء بطريق التيسير إلا وهو غير كاره له...

ووجه الانفصال على شبهة القدرية أن الله أمرنا بالعمل فوجب علينا الامتثال، وغيب عنا المقادير لقيام الحجة، ونصب الأعمال علامة على ما سبق في مشيئته، فمن عدل عنه ضل وتاه؛ لأن القدر سر من أسرار الله لا يطلع عليه إلا هو، فإذا أدخل أهل الجنة الجنة كشف لهم عنه حينئذ. وفي أحاديث هذا الباب أن أفعال العباد وإن صدرت عنهم، لكنها قد سبق علم الله بوقوعها بتقديره، ففيها بطلان قول القدرية صريحا"[14].

ومما يؤكد ما ذهب إليه البخاري ما ذكره القرطبي في تفسيره للآية بقوله: "قيل: إن هذا خاص فيمن سبق في علم الله أنه يعبده، فجاء بلفظ العموم ومعناه الخصوص، والمعنى: وما خلقت أهل السعادة من الجن والإنس إلا ليوحدون. قال القشيري: والآية دخلها التخصيص على القطع؛ لأن المجانين والصبيان ما أمروا بالعبادة حتى يقال: أراد منهم العبادة، وقد قال الله تعالى: 

(ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس)

الأعراف: [179].

ومن خلق لجهنم لا يكون ممن خلق للعبادة، فالآية محمولة على المؤمنين منهم... وقال علي رضي الله عنه: "وما خلقت الجن والإنس إلا لآمرهم بالعبادة"، واعتمد الزجاج على هذا القول، وقيل: (إلا ليعبدون)، أي: إلا ليقروا لي بالعبادة طوعا أو كرها. وقال مجاهد: إلا ليعرفوني [15].

ويقول الطاهر ابن عاشور: "وهذا يغني عن احتمالات في تأويل التعليل من قوله: (ليعبدون) من جعل عموم الجن والإنس مخصوصا بالمؤمنين منهم، أو تقدير محذوف في الكلام، أي: إلا لآمرهم بعبادتي، أو حمل العبادة بمعنى التذلل والتضرع الذي لا يخلو منه الجميع في أحوال الحاجة إلى التذلل والتضرع كالمرض والقحط... ويرد على جميع تلك الاحتمالات أن كثيرا من الإنس غير عابد بدليل المشاهدة، وأن الله حكى عن بعض الجن أنهم غير عابدين"[16].

وبهذا يتبين لنا أن تفسير البخاري للآية ليس قوله وحده، وإنما هو قول جمهور المفسرين أهل السنة جميعا.

الخلاصة:

·     لقد كان موقف أهل السنة في مسألة الجبر والاختيار وسطا، فالإنسان عندهم لا موثق ولا مطلق، فالله - تبارك وتعالى - قد سبق علمه ما في السماوات والأرض، وقد ترك للإنسان حرية اختياره، وبين له الصراط المستقيم، فأمره ونهاه، وبعث إليه الرسل؛ ليكونوا حجة عليه إذا خالف ما أمره الله به أو نهاه عنه.

·     إن قول الجبرية مردود عقلا؛ إذ كيف يجبر الله تعالى عبده على الأعمال، ثم يحاسبهم عليها ويعذبهم بها، في حين أنهم مجبرون على فعلها، فهذا لا يصح عقلا إذا حدث من إنسان لأخيه الإنسان، فكيف يصح في حق الخالق الحكيم سبحانه وتعالى؟!

·     لا يدل تأويل الإمام البخاري للآية على الجبر، ولكنه في الحقيقة يرد على هؤلاء القدرية بما قرره في صحيحه، إذ يقول: "وليس فيه حجة لأهل القدر".

·     لقد خصص الإمام البخاري كتابا كاملا في صحيحه بعنوان " القدر "، روى فيه أحاديث تفيد إيمانه بالقدر، كغيره من أهل السنة، ولو أنه ليس على منهج أهل السنة ما روى هذه الأحاديث ولتغاضى عنها وأهملها.

·     لم يكن البخاري وحده هو الذي قال بهذا التفسير، ولكن معظم المفسرين قالوا بذلك، منهم الإمام القرطبي، وابن جرير الطبري، وابن كثير، والفراء، والقشيري وغيرهم من أئمة التفسير.

·     لقد كان الإمام البخاري إماما من أئمة أهل السنة الذين نقلت عن طريقهم السنة النبوية الصحيحة وهو صاحب أصح كتاب بعد كتاب الله - عز وجل - فكيف يكون إمام أهل السنة ويقر بالجبر في حين أن أهل السنة ينفون ذلك؟!

 المراجع:


(*) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م.

[1]. الجبر: أن يكون الإنسان مجبرا على جميع أفعاله، ملجأ إليها، مضطرا إلى فعلها، وأنه لا فعل له أصلا.

[2] . العواصم والقواصم، الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م، (3/93،92).

[3]. العواصم والقواصم، الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م، (2/286).

[4]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/3766).

[5] . عون المعبود شرح سنن أبي داود، شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، (12/ 295).

[6]. حسن: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: السنة، باب: في القدر، (12/295)، رقم(4677). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4691).

[7]. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ/ 2005م، (11/257).

[8]. الداء والدواء، ابن القيم، تحقيق: د. محمد جميل غازي، مكتبة المدني، القاهرة، د. ت، ص209.

[9]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم، (9/3705)، رقم (6450).

[10] . صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: سورة والذاريات، (8/463) معلقا.

[11]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (8/466،465).

[12]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: القدر، باب: وكان أمر الله قدرا مقدورا، (11/503)، رقم (6605).

[13]. العواصم والقواصم، الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م، (2/268).

[14]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (11/507،506).

[15]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (17/55).

[16]. التحرير والتنوير، ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (27/26).