نص السؤال

كيف تعرف أن هناك حياة بعد الموت؟

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

نحن نعيش في عالم يتطلب المنطق والإثبات ولا يكتفي بالإيمان فقط. قد يتساءل شخص ما كيف يمكن لشخص عملي وعقلاني أن يؤمن بالحياة بعد الموت. يميل الناس إلى افتراض أن أي شخص يؤمن بالآخرة يفعل ذلك على أساس الإيمان الأعمى. ولكن الاعتقاد بالآخرة فعلًا منطقي تمامًا. فهي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها التوفيق بين مظالم هذا العالم وبين خالق عادل وقوي.

نحن نعلم أنه بالإضافة إلى الملذات الجسدية والراحة هناك بعض الظروف المثالية التي يرغب البشر غريزيًا في تحقيقها، مثل الحب والاحترام والأمان والرضا. على الرغم من أن الكثير من الناس قادرون على الحصول على جزء من هذه الأهداف هنا على الأرض، لا يزال هناك هدف لا يمكن تحقيقه إلى حد كبير، ألا وهو العدالة. يعتقد معظم الناس أن الحياة ليست عادلة: فهم غالبًا ما يساء فهمهم أو لا يتم تقديرهم، أو أنهم يتعرضون للأذى أو الغش أو القهر بطريقة أو بأخرى. تكشف نشرات الأخبار اليومية عن قتل وتعذيب وتهجير وتجويع عدد لا يحصى من الأبرياء من قبل الطغاة والأمم القوية، والأرواح التي دمرتها شرور الآخرين أو إهمالهم أو حتى الكوارث الطبيعية، وكذلك الفقراء والضعفاء الذين يتعرضون للسرقة والخداع. نادرًا ما يتم تحقيق العدالة تمامًا. ومع ذلك يرغب كل إنسان في العدالة. حتى لو لم يبحث عن ذلك للآخرين فإنه يريد العدالة لنفسه بالتأكيد.

فلماذا غرس الخالق في الإنسان شوقًا لشيء لا يستطيع الحصول عليه في هذا العالم؟ الجواب هو أن هذه الحياة ليست سوى جزء واحد من وجوده، وأن الاستنتاج المنطقي الذي يستعيد التوازن الموجود في كل الخلق يوجد في الآخرة. هناك سيتم تعويض كل شخص بالكامل وبدقة عن أفعاله الصالحة والشريرة. هذه هي العدالة الكاملة والمطلقة التي وعد الله بها جميع الناس.

الحياة الحالية هي اختبار قبل دخول عالم الوجود القادم. التفسير الذي قدمه القرآن الكريم حول ضرورة وجود حياة بعد الموت هو ما يتطلبه الوعي الأخلاقي للإنسان بالضبط. إذا لم توجد حياة أخرى بعد الموت، فإن الإيمان بالله سيكون بلا معنى، أو سيكون إيمانًا بمعبود مهمل غير مبالٍ لا يهتم بالجنس البشري بعد إنشائه.

بل إن الله عادل عدلًا مطلقًا ولَيعاقبنّ الطغاة الذين قتلوا الآلاف وتسببوا في معاناة أسرهم، والذين أفسدوا المؤسسات والمجتمعات، واستعبدوا الشعوب والأمم، وسرقوا واختلسوا ونهبوا. وماذا عن أولئك الذين تحملوا بصبر الكثير من الظلم والمصاعب، وعانوا من أجل الحق، أو أنقذوا الأرواح أو ضحّوا من أجل مساعدة الكثير من الناس؟ ما التعويضات الأرضية التي يمكن أن تعيد التوازن لهم؟

لا يمكن أن يحدث هذا إلا في الحياة الأبدية، حيث يشهد كل فرد كان قد تأثر ولو أقلّ الأثر بأفعال شخص ما – سواءٌ لصالحه أو ضده – له أو عليه، وحيث سيحاسب المرء على أخفى من الأفكار والنوايا الدفينة بداخله، والتي يعرفها الله تمام المعرفة، حسابًا دقيقًا على أكمل وجه. نظرًا لأن مدة حياة الإنسان في هذا العالم محدودة ولأن تصرفات المرء تؤثر في العديد من الأفراد، فإن إيقاع الثواب والعذاب المناسبين أمر مستحيل في الحياة الحالية. ينص القرآن بشكل قاطع على أن يوم القيامة آتٍ حتمًا، وأن الله سيقرر مصير كل روح وفقًا لسجل أعمالها.

بالإضافة إلى ذلك، ذكر الله في القرآن أن الخلق الحالي في حد ذاته دليل واضح على أنه قادر على الخلق وإعادة الخلق كما يشاء، مهما شاء ومتى شاء، لأن الله ينشأ الخلق ويعيد إنشاءهم بسهولة متساوية. 

تأمل هذه الكلمات التي أوحاها إلى نبيه الأخير:

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ

50:15

"أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ۚ بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ"

36:81

"أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى"

46:33

"أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا"

19:67

"وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ"

56:62

"أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ"

29:19

"وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ"

30:27

"كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ"

21:104

في الواقع، فإن مادة الخلق موجودة بالفعل، والأمر ليس إلا مجرد تطويرها مرة أخرى بأمره. يُشار الآن إلى أدلة ملحوظة على هذه العملية المستمرة من قبل علماء الفلك والمتخصصين في مجالات أخرى من العلوم الحديثة.