نص السؤال

توهم تناقض القرآن بشأن النهي عن الربا والأمر به

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

توهم تناقض القرآن بشأن النهي عن الربا والأمر به

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المغالطين أن هناك تناقضا بين

قوله سبحانه وتعالى:

(وأحل الله البيع وحرم الربا)

(البقرة: ٢٧٥)

، وقوله سبحانــه وتعالـــى:

(حتى يعطوا الجزية عن يد وهــم صاغرون (29))

(التوبة)

؛ لظنهم أن الجزية هي الربا، ويتساءلون: كيف ينهى الله عن الربا في موضع، ثم يأمر به في موضع آخر؟!

وجه إبطال الشبهة:

الربا يختلف معنى وحكما عن الجزية؛ إذ إن:

·       الربا كل زيادة مشروطة مقدما على رأس المال مقابل الأجل وحده، وحكمها التحريم.

·       الجزية هي مال يدفعه أهل الكتاب ومن يلحق بهم إلى المسلمين مقابل حمايتهم.

التفصيل:

الربا يختلف معنى وحكما عن الجزية:

1.  الربا: هو زيادة مشروطة مقدما على رأس المال مقابل الأجل وحده، وهو محرم، ولا يتصور أن يحرم الله على الناس شيئا ويتوعدهم بأشد الوعيد على فعله وهم لا يعلمون ما هو؟! فالربا أمر معروف تعامل العرب به في الجاهلية وتعامل به غيرهم، وعرف به اليهود منذ زمن بعيد، ولو كان هذا الربا غامضا لسأل الصحابة عنه حتى يعرفوه، فقد كانوا أحرص الناس على معرفة دينهم.

وقد حرم الربا بالقرآن والسنة والإجماع؛ حيث

يقول القرآن الكريم:

(وأحل الله البيع وحرم الربا)

(البقرة: ٢٧٥)

،

ويقول:

(يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة)

(آل عمران: ١٣٠)

، وفي السنة النبوية الشريفة؛ عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا[1]بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا[2]بناجز»[3] [4]. وقد أجمع علماء الأمة الإسلامية على تحريم الربا[5].

وحكمة تحريم الربا هي: تحقيق الاشتراك العادل بين المال والعمل، وتحمل المخاطرة ونتائجها بشجاعة ومسئولية، وهو عدل الإسلام، فلم يتحيز إلى العمل ضد رأس المال، ولا إلى رأس المال على العمل.

2.  أما الجزية: فهي مبلغ بسيط يؤخذ من أهل الذمة كل عام مقابل حمايتهم، والمسلمون يدفعون في مقابلها - بل أكثر منها بكثير - زكاة أموالهم، بل ويدفعون دماءهم للدفاع عن البلاد وسكانيها ومنهم أهل الذمة[6].

ومن خصائص الجزية:

1.  الجزية حق واجب، أوجبه الله على أهل الذمة

بنص القـرآن الكريـــم:

(حتـى يعطـوا الجزيــة عـن يد وهـم صاغــرون (29))

(التوبة).

2.    الجزية فيها معنى الصغار لأهل الذمة، والصغار هنا بمعنى: الخضوع لسلطان الدولة الإسلامية.

3.    شرعت الجزية مقابل حقن دم أهل الذمة.

4.    الجزية تضرب على الذكور البالغين القادرين على دفعها، ولا تضرب على النساء والصبيان والمجانين والفقراء الرهبان.

5.    الجزية تؤخذ من الذمي مرة واحدة في العام، وليس لها مقدار محدد، وإنما يرجع في ذلك إلى إمام المسلمين.

وقد أجاز فقهاء المسلمين إسقاط اسم الجزية عن أهل الذمة، وأخذ ما يؤخذ منهم باسم "الزكاة"، أو باسم "الضريبة"، ما داموا يأنفون من كلمة "جزية"، وهذا ما فعله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مع بني تغلب عندما رامهم على الجزية، فقالوا له: لا نؤدي ما يؤدي العجم، ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض - يعنون الصدقة، فقال عمر: لا، هذا فرض المسلمين، فقالوا: فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية، ففعل عمر رضي الله عنه.

أما مقدار الجزية: فيمكن أن تكون بمقدار الزكاة التي يدفعها المسلمون، ولكن الواقع التاريخي يشهد أنها كانت أقل بكثير من ذلك، وهي بدل الخدمة العسكرية، إلا إذا دخلوا في الجيش وأدوا الخدمة المقررة كما يؤديها المسلم، فهنا تحذف الجزية عن أهل الذمة.

الخلاصة:

ليس هناك أي وجه للتناقض بين الآيتين اللتين معنا، فالربا هو كل زيادة مشروطة مقـدمـا على رأس المـال مـقـابـل الأجـل وحـده، وهو محـرم في الإسـلام.

أما الجزية فهي حق واجب على أهل الذمة يؤدونه للدولة الإسلامية نظير حقن دمائهم والدفاع عنهم، وهي واجبة، وتؤخذ من الذمي مرة واحدة في العام.

المراجع

  1. () رد مفتريات على الإسلام، د. عبد الجليل شلبي، دار القلم، الكويت، ط1، 1405هـ/ 1982م. [1]. تشفوا: أي لا تفضلوا، والشف: يطلق على النقصان، فهو من الأضداد.
  2. الغائب: أي المؤجل.
  3. الناجز: الحاضر.
  4. أخرجــه البخــاري في صحيحــه، كتــاب البيــوع، بـاب بيـع الفضـة بالفضــة (2068)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب الربا (4138).
  5. حلول لمشكلة الربا، د. محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، ط1، 1416هـ/ 1996م، ص40: 47 بتصرف.
  6.  الذمة: العهد، وأهل الذمة: اليهود والنصارى.