نص السؤال

الزعم أن نوحًا - عليه السلام - لم يؤمن به أحد من قومه

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

الزعم أن نوحا - عليه السلام - لم يؤمن به أحد من قومه(*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المتوهمين أن نوحا - عليه السلام - لم يؤمن به أحد من قومه مستدلين على ذلك

بقوله تعالى:

(وجعلنا ذريته هم الباقين)

(الصافات:22)

فلو آمن معه أحد من قومه غير أهله لنجا وبقيت له ذرية مثل نوح - عليه السلام - ويستأنسون لذلك بما ورد في العهد القديم من أن نوحا لم يدخل معه في السفينة إلا امرأته وأولاده ونساء أولاده وهم ليسوا سفلة[1] وهذا يتصادم مع

قوله سبحانه وتعالى:

(ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي)

(هود: 27)

الذي يفهم منه أن نوحا - عليه السلام - كان له أتباع من قومه غير أهله، وأنهم كانوا من ضعفاء القوم. ويهدفون من وراء ذلك إلى إنكار حقائق قرآنية وردت عن قصة نوح عليه السلام، كما يرمون إلى ضرب القرآن بعضه ببعض.

وجوه إبطال الشبهة:

1)  أرسل الله - عزوجل - نوحا - عليه السلام - إلى قومه؛ لهدايتهم، فمنهم من آمن به، ومنهم من كفر.

2)  لم يصف القرآن الكريم أتباع نوح - عليه السلام - بأنهم أراذل، ولكن الكافرين هم الذين وصفوهم بذلك.

3) القرآن الكريم هو معيار الصدق والحق؛ لثبوت حجته، فهو حجة على غيره من الكتب المنقطعة الحجة والسند؛ لذا يجب تصديقه فيما أخبر به عن قصة نوح - عليه السلام - مع قومه.

4) قوله سبحانه وتعالى: (وجعلنا ذريته هم الباقين (77)( (الصافات) لا يعني أن نوحا لم يؤمن به أحد من قومه؛ بل معناه أن البركة والتناسل جعلت في ذرية نوح - عليه السلام - فبقوا وغيرهم لم يكن لهم نسل.

التفصيل:

أولا. أرسل الله - عزوجل - نوحا - عليه السلام - إلى قومه؛ لهدايتهم، فمنهم من آمن به، ومنهم من كفر:

أرسل الله - عزوجل - نوحا - عليه السلام - إلى قومه؛ ليدعوهم إلى عبادة الله، فلما بلغ رسالة ربه ونصحهم، أعرضوا عن دعوته، ورفضوا نصيحته، وزعموا أنه لا يستحق أن يكون رسولا إليهم؛ لأنه بشر مثلهم، ولأن متبعيه هم الضعفاء والفقراء:

(فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين)

(هود:27)[2]

وأن الله لو شاء إرسال رسول إليهم؛ لأنزل ملكا من الملائكة، كما زعموا - كذبا - أن الذي دعا نوحا - عليه السلام - إلى هذا هو رغبته في أن يتفضل عليهم، ويكونوا أتباعا له، ولكن نوحا - عليه السلام - لم يثنه[3] تكذيب قومه إياه عن الاستمرار في دعوته، فواصل تأدية الرسالة، ولبث فيهم تسعمائة وخمسين عاما، لا يكل، ولا يمل من دعوتهم، حتى أهلكهم الله بالطوفان، قال سبحانه وتعالى: )ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون (14)( (العنكبوت). ولكن لم يزدهم ذلك إلا فرارا من دعوته، فأوحى الله تعالى إليه أنه لن يؤمن من قومه إلا من آمن - وهم قليل - وعند ذلك أمره - عزوجل - أن يصنع السفينة؛ ليركب فيها؛ فينجو هو ومن آمن، ونهاه أن يطلب منه نجاة أحد من الذين كفروا؛ لأنه قد حكم على كل الكافرين بالغرق([4])؛

قال سبحانه وتعالى:

(واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون)

(هود:37)

ثانيا. القرآن لم يصف المؤمنين أتباع نوح - عليه السلام - بأنهم أراذل وإنما هذا ما رماهم به الكافرون:

أما وصف المؤمنين أتباع نوح - عليه السلام - بأنهم "أراذل" فهو وصف أطلقه المجرمون - من قومه - الذين لم يؤمنوا به حسدا وكيدا لأولئك المؤمنين الذين أنعم الله تعالى عليهم بنعمة الإيمان التي حرم منها هؤلاء الجاحدون المعاندون.

فالحقيقة أن هؤلاء المؤمنين، ليسوا هم الأراذل، بل هم الأصفياء الذين اصطفاهم الله تعالى على غيرهم بأن حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم.

وعليه، فإن كل من ركب في السفينة مع نوح - عليه السلام - هم الأخيار المصطفون، وليسوا الأراذل أو سفلة القوم.

ثالثا. القرآن الكريم كلام الله عزوجل، فهو أصدق من الكتب البشرية المحرفة؛ فيجب تصديقه بما أخبر في كل شيء عن قصة نوح - عليه السلام - مع قومه:

لم ينف القرآن الكريم إيمان ثلة من أهل نوح ومن قومه؛ حيث 

قول سبحانه وتعالى:

(حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل)

(هود:40)

. فالآية تثبت أن من أهل نوح من آمن ومنهم من كفر، ومن الذين لم يؤمنوا من أهله زوجته، فقد ضربها الله مثلا للذين كفروا

قال سبحانه وتعالى:

(ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين)

(التحريم:10)

وكذلك ابنه كان من الكافرين،

قال سبحانه وتعالى:

(وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين)

(هود:42)

وقال سبحانه وتعالى:

قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين)

(هود:43)

 كما آمن به عدد قليل من قومه.

وقول قومه المكذبين له:

(ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين)

(هود:27)

. لا ينفي إيمان بعض قومه وأهله، فالكفار بكبرهم يرون كل من آمن بنوح - عليه السلام - أراذل، "وأن الشرف عندهم والرفعة والرشد في نظرهم هو البقاء على الكفر، ومتى كان قول أهل الباطل حجة على أهل الحق؟!

رابعا. ذرية نوح - عليه السلام - الباقية هم أهل الإيمان ومن تناسل منهم:

قال سبحانه وتعالى:

(وجعلنا ذريته هم الباقين)

(الصافات:77)

يستدل بعض المتوهمين بهذه الآية على أن نوحا - عليه السلام - لم يؤمن به أحد، وهذا خطأ؛ لأن الآية لم تنص على ذلك

ولقوله سبحانه وتعالى:

(حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل)

(هود:40)

 وإنما قيل في تفسير هذه الآية: إن نوحا - عليه السلام - ظل بعد الطوفان زمنا يعلم المؤمنين أمور دينهم، ويزكي نفوسهم بما أوحاه الله إليه من المواعظ والعبر، حتى لقي ربه عزوجل، وقد مات المؤمنون الذين كانوا معه في السفينة واحدا بعد الآخر، ولم يتركوا من بعدهم ذرية تخلفهم في الأرض إلا أولاد نوح عليه السلام، وهم سام وحام ويافث، فإنهم قد تركوا من خلفهم ذرية تفرقوا في الأرض وعمروها، فكان جميع أفراد البشر من نسلهم، فسام أبو العرب والعبرانيين، وحام أبو السودان والحبشة وغيرهم من الأفارقة، ويافث أبو الترك وغيرهم من العجم، وقد حفظ الله لنوح - عليه السلام - ذكراه العطرة في كل أمة من العالمين؛ فكل مؤمن يذكره يسلم عليه تحية له وتعظيما لمكانته؛ فهو الأب الثاني للبشرية وهو أول من دعا إلى الله على بصيرة، وتعرض للأذى من قومه في سبيل دعوته، وهو من أولي العزم، وأصحاب الهمم العالية والأخلاق السامية، وهو المثل الأعلى لغيره من الأنبياء والمرسلين[5].

قال سبحانه وتعالى:

(وجعلنا ذريته هم الباقين (77) وتركنا عليه في الآخرين (78) سلام على نوح في العالمين (79) إنا كذلك نجزي المحسنين (80) إنه من عبادنا المؤمنين (81)( (الصافات)، قال الطاهر ابن عاشور: وظاهر هذا أن من آمن مع نوح - عليه السلام - من غير أبنائه لم يكن لهم نسل، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: لما خرج نوح من السفينة مات من معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءه"، وبذلك يندفع التعارض بين هذه الآية وبين قوله - سبحانه وتعالى - في سورة هود: (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل)

(هود:40) "6"

الخلاصة:

 أرسل الله - عزوجل - نوحا - عليه السلام - إلى قومه؛ لهدايتهم ودعوتهم إلى عبادة الله وحده فآمن به بعضهم وكفر به الأكثرون، وليس كما يدعي بعضهم أنه لم يؤمن به أحد من قومه.

 أثبت القرآن الكريم إيمان بعض قوم نوح - عليه السلام - من أهله ومن غيرهم قال سبحانه وتعالى: (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل) (40).

 القرآن الكريم لم يصف أتباع نوح - عليه السلام - المؤمنين بأنهم أراذل، ولكن القرآن يحكي وصف الكافرين لأتباعه وكيدهم للمؤمنين، فهذا الوصف إنما جاء على لسان هؤلاء المجرمين.

قوله سبحانه وتعالى: (وجعلنا ذريته هم الباقين) (77) لا يعني أنه لم يؤمن بنوح - عليه السلام - أحد من قومه غير أهله ولكن يعني حفظ الله - عزوجل - لنوح - عليه السلام - ذكراه العطرة في كل أمة من العالمين، وكان جميع أفراد البشر من نسله عليه السلام، فهو الأب الثاني للبشرية، وهو أول من دعا إلى الله على بصيرة؛ لذلك فكل مؤمن يذكره يسلم عليه تحية له وتعظيما لمكانته.

المراجع

  1. (*) موقع الكلمة. www.alkalema.net [1]. 
  2. السفلة: الغوغاء وقليلو القدر. 
  3.  الأراذل: السفلة والفقراء والضعفاء. 
  4.  لم يثنه: لم يبعده أو يمنعه. 
  5. عصمة الأنبياء، فخر الدين الرازي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط1، 1406هـ/ 1986م، ص254. 
  6.  التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج11، ج23، ص131.
  7.  التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج11، ج23، ص131.