نص السؤال

اتهام النسائي ببغض معاوية رضي الله عنه

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

اتهام النسائي ببغض معاوية رضي الله عنه (*)

مضمون الشبهة:

يتهم بعض المغالطين الإمام النسائي ببغض معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - ويستدلون على ذلك بأنه ألف كتابا في فضائل علي دون معاوية، كما أنه لما سئل عنه في دمشق قال: "ألا يرضى معاوية رأسا برأس حتى يفضل" ويرون أن هذا يعد طعنا منه في معاوية رضي الله عنه.

رامين من وراء ذلك إلى الطعن في عدالة أئمة الحديث عامة والإمام النسائي خاصة.

وجه إبطال الشبهة:

·  لقد نص النسائي على فضل معاوية - رضي الله عنه - وصحبته، وروى عنه أحاديث عديدة في سننه، ولم يثبت عنه ما يدل على بغضه له، وما قاله في دمشق ليس ذما فيه إنما هو كف عن التحدث عنه، وأما تأليفه كتابا في فضائل علي - رضي الله عنه - فكان رجاء منه أن يهدي الله به كثرة من رآهم ينحرفون عن علي في دمشق.

التفصيل:

هل كان النسائي يبغض معاوية؟!

لم يثبت عن النسائي ما يدل على بغضه معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - أما سبب هذا الاتهام فإنه عندما سئل في دمشق عن معاوية بن أبي سفيان، قال: ألا يرضى معاوية رأسا برأس حتى يفضل؟

"قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: وهذه الحكاية لا تدل على سوء اعتقاد أبي عبد الرحمن في معاوية بن أبي سفيان، وإنما تدل على الكف عن ذكره بكل حال.

ثم روى بإسناده عن أبي الحسن علي بن محمد القابسي، قال: سمعت أبا علي الحسن بن أبي هلال يقول: سئل أبو عبد الرحمن النسائي عن معاوية بن أبي سفيان صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب إنما يريد دخول الدار، قال: فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة"[1].

فهل من يبغض معاوية يقول مثل ذلك؟! وكيف يبغضه وقد روى عنه كثيرا في سننه؛ منها ما رواه عن مجمع بن يحيى الأنصاري قال: «كنت جالسا عند أبي أمامة بن سهل بن حنيف فأذن المؤذن، فقال: الله أكبر. الله أكبر فكبر اثنتين، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله فتشهد اثنتين، فقال: أشهد أن محمدا رسول الله فتشهد اثنتين، ثم قال: حدثني هكذا معاوية بن أبي سفيان عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم»[2].

وروى عن معاوية بن أبي سفيان:

«أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الرجل ليسألني الشيء فأمنعه حتى تشفعوا فيه فتؤجروا، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: اشفعوا تؤجروا»

[3]

وروى عن سعيد المقبري قال:

«رأيت معاوية بن أبي سفيان على المنبر ومعه في يده كبه من كبب النساء من شعر، فقال: ما بال المسلمات يصنعن مثل هذا. إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أيما امرأة زادت في رأسها شعرا ليس منه فإنه زور تزيد فيه»

[4]

وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي رواها عنه، أليست روايته عنه دليلا على محبته له واعترافه بصحبته وفضله العظيم؟!

وكيف يبغضه النسائي وفضائله - رضي الله عنه - كثيرة ومعروفة وكانت على مرأى ومسمع من الصحابة ولم ينكرها أحد منهم، وقد ذكر العلماء له فضائل كثيرة والنسائي من أعلم الناس بها؛ منها:

·  أنه اشترك في غزوة حنين، وقد قال - سبحانه وتعالى - فيها:

(ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين)

التوبة: [26]

فكان - رضي الله عنه - من المؤمنين الذين أنزل الله سكينته عليهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أنه ممن وعدهم الله الحسنى؛ قال سبحانه وتعالى: 

(لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير)

الحديد: [10]

·  دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاوية - رضي الله عنه - ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: 

«اللهم اجعله هاديا، مهديا، واهد به»

[5]

وقال صلى الله عليه وسلم: 

«اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب»

[6]

وعليه، فإن فضائل معاوية بن أبي سفيان كثيرة، ولا يستطيع أن ينكرها أحد؛ لأنها ثابتة بأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم.

وأما تأليف الإمام النسائي لكتاب "خصائص علي" فقد أفصح هو عن سبب تأليفه له فقال: "دخلت إلى دمشق والمنحرف عن علي بها كثير، فصنفت كتاب "الخصائص" رجاء أن يهديهم الله - عز وجل - بهذا الكتاب"[7].

ومن هنا يتبين لنا كيف أنهم حملوا عليه واتهموه ببغض معاوية - رضي الله عنه - فالتمسوا ذلك من اختصاص علي بكتاب جمع فيه فضائله دون معاوية أو غيره، ولا حجة لهم في ذلك؛ لأنه أبان عن السبب في ذلك"، ثم صنف بعد ذلك فضائل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرأها على الناس"[8].

ولك أن تعلم أن النسائي - رحمه الله - "كان من بحور العلم، مع الفهم، والإتقان، والبصر، ونقد الرجال، وحسن التأليف، جال في طلب العلم في خراسان، والحجاز، ومصر، والعراق، والجزيرة، والشام، والثغور، ثم استوطن مصر، ورحل الحفاظ إليه، ولم يبق له نظير في هذا الشأن[9].

وقال محمد بن المظفر الحافظ: "سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار، وأنه خرج إلى الغزو مع أمير مصر فوصف من شهامته وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين، واحترازه عن مجالس السلطان الذي خرج معه والانبساط في المأكل، وأنه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد بدمشق من جهة الخوارج"[10].

وهذا مما يؤكد براءته - رحمه الله - مما اتهم به؛ إذ إنه كف عن الحديث عن سيدنا معاوية - رضي الله عنه - امتثالا لقوله تعالى:

(تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون)

البقرة: [141].

فقتله الخوارج.

قال الدارقطني عنه: "خرج حاجا فامتحن بدمشق وأدرك الشهادة، فقال: احملوني إلى مكة، فحمل، وتوفي بها، وهو مدفون بين الصفا والمروة... وهو أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث والرجال"[11]، وعليه يتبين أنه لا دليل على بغض النسائي لمعاوية - رضي الله عنه - بل الدليل الثابت هو العكس، فقد مدحه وأثنى عليه، بالإضافة إلى روايته عنه في سننه.

الخلاصة:

·  إن بغض الصحابة من كبائر الذنوب التي يفسق فاعلها؛ فلا يجوز الطعن فيهم لما ثبت من تعديل الله تعالى وتعديل رسوله لهم، وإن إماما كالنسائي له من العلم والدين والصلاح ما قد علمت، فلا يمكن أن يطعن في صحابي كمعاوية وإن كانت الحقيقة تدل على غير ما ذهب إليه هؤلاء، فقد ثبت عن النسائي أنه قال لما سئل عن معاوية: "إنما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب إنما يريد دخول الدار، قال: فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة".

فهل يعقل أن يكون هذا كلام مبغض؟! وكيف يبغضه وقد روى عنه العديد من الأحاديث في سننه؟!

·  إن قوله في معاوية: " ألا يرضى معاوية رأسا برأس حتى يفضل" ليس فيه ذم لمعاوية وبغضه وإنما تدل على الكف عن ذكره بكل حال، وكان سبب تأليفه لكتاب في فضائل علي دون معاوية - رضي الله عنهما - أنه لما دخل دمشق وجد المنحرف عن علي والمبغض له فيها كثير، فقال: رجوت أن يهديهم الله به.

 

(*) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، محمد بن إبراهيم الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م.

[1]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (1/340).

[2]. صحيح: أخرجه النسائي في سننه، كتاب: الأذان، باب: القول مثل ما يتشهد المؤذن، (2/ 24)، رقم (675). وصححه الألباني في سنن النسائي بأحكام الألباني.

[3]. صحيح: أخرجه النسائي في سننه، كتاب: الزكاة، باب: الشفاعة في الصدقة، (5/ 78)، رقم (2557). وصححه الألباني في سنن النسائي بأحكام الألباني.

[4] . صحيح: أخرجه النسائي في سننه، كتاب: الزينة، باب: وصل الشعر بالخرق، (8/ 144)، رقم (5093). وصححه الألباني في سنن النسائي بأحكام الألباني

[5]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: المناقب، باب: مناقب معاوية بن أبي سفيان (10/ 230)، رقم (4095). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (3842).

[6]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الشاميين، مسند العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم، رقم (17192)، وحسنه الأرنؤوط في تعليقه على المسند، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (3227).

[7]. العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، محمد بن إبراهيم الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م، (1/625).

[8]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (1/338).

[9]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م،(14/127).

[10]. تذكرة الحفاظ، الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (2/700).

[11]. تذكرة الحفاظ، الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت،(2/701).