نص السؤال

دعوى اقتباس القرآن الكريم من التوراة والإنجيل

المؤلف: مجموعة مؤلفي بيان الإسلام

المصدر: موسوعة بيان الإسلام

الجواب التفصيلي

دعوى اقتباس القرآن الكريم من التوراة والإنجيل (*)


مضمون الشبهة: 


يدعي بعض المشككين أن القرآن الكريم ليس وحيا من عند الله تعالى، بل هو من وضع محمد - صلى الله عليه وسلم - استقاه من كتب أهل الكتاب - اليهود والنصارى - التي أخذ منها معظم تشريعاته. 


وجوه إبطال الشبهة:

 
1)  لو كان القرآن الكريم من عند اليهود أو النصارى لقالوا ذلك، ولكنهم لم يفعلوا، وكذلك لم يفعل العرب. 
2) إن التضارب والتناقض اللذين أصابا الكتب التي أوردت هذه الشبهة في حديثها عن إلهية القرآن وبشريته يؤكد زيف دعوى هؤلاء المشككين المغالطين. 
3)  مخالفة القرآن الكريم للكتب السابقة في العقيدة وجل التشريعات تدحض هذا الافتراء. 
4)  شهادات الغربيين التي تؤكد تفرد القرآن عن غيره من الكتب السماوية تشهد بقدسيته وإلهيته. 


التفصيل: 


أولا. هل ادعى اليهود والنصارى في أيام نزول الوحي أن القرآن مستوحى من الكتاب المقدس؟


لقد تكفل الله - عز وجل - بحفظ القرآن وجعله الكتاب الخالد المعجز، ولم يترك هذه المهمة الكبيرة لنبي مرسل أو ملك من الملائكة،

فقال سبحانه وتعالى:

(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9))

(الحجر)

وقال تعالى أيضا:

(قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (88))

(الإسراء)،

فهذه الآيات وغيرها تؤكد أن هذا القرآن من عند الله تعالى، وأنه سبحانه هو الذي تولى حفظ هذا النص من الضياع أو التحريف أو الزيادة أو النقصان. فهذا هو أعظم دليل.


ولو كان هذا القرآن من عند النصارى أو اليهود - كما يدعي هؤلاء - لكانوا أسرع الناس في نسبة هذا النص لأنفسهم منذ بداية ظهوره، ولكن لم يقل أحد من اليهود والنصارى في زمان نزول الوحي وتتابعه بأن هذا النص من كتابه المقدس؛ لأنه يعرف الفرق الواضح بين الكتابين، سواء في التشريعات أو العقائد التي جاء بها، ولم يقل أحد من العرب إن هذا النص من عند محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنهم أصحاب هذه اللغة ويعرفونها معرفة جيدة، ولذلك تحداهم الله تعالى أن يأتوا بسورة من مثله، بل بآية واحدة، وكل ما قاله العرب في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه - حاشا لله - ساحر أو مجنون أو كاهن، أو غير ذلك من الادعاءات الباطلة أيضا. 


ثانيا. تضارب الكتب التي أوردت هذه الشبهة في حديثها عن إلهية القرآن وبشريته: 


 من يقرأ الكتب التي أوردت هذه الشبهة قد يجد في بعضها ردا على هذه الدعوى الباطلة، من تلك الكتب الكتاب الذي ألفه القس جورج بوش الجد تحت عنوان "محمد مؤسس الدين الإسلامي، ومؤسس إمبراطورية المسلمين" ففي هذا الكتاب بعض النصوص التي تؤكد فكرة بشرية القرآن، وفيه نصوص أخرى تشكك في هذه الفكرة، فمن النصوص الأولى: " والاعتقاد الأكثر شيوعا هو أن محمدا تلقى العون الرئيسي - وضع القرآن أو تأليفه - من راهب مسيحي على المذهب النسطوري اسمه "سرجيوس" يفترض أنه نفسه "بحيرا الراهب" الذي تعرف عليه - صلى الله عليه وسلم - في فترة مبكرة من حياته في بصرى في الشام". ( [1]) وقال أيضا: فإن القرآن قد تمت صياغة محتواه - على حد كبير - من مواد العهدين القديم والجديد ( [2]).


فالنصوص السابقة تقرر أن القرآن الكريم - حسب زعم هؤلاء - من وضع محمد - صلى الله عليه وسلم - اعتمادا على نصوص العهدين القديم والجديد. 
 ولكننا نجد في مكان آخر من هذا الكتاب ردا على هذه الدعوى، حين يقول الكاتب: "فمن هو القادر في هذه الفترة الحالكة على وضع نص كهذا". ( [3]) يعني: النص القرآني. وفي موضع آخر: "هذا الوحي المدعى بادعائه استقلاليته - أي القرآن - عن كتبنا المقدسة يضم - رغم هذا - فقرات - آيات - أرقى كثيرا من أية بقايا أدبية تعود للقرن السابع، سواء كانت يهودية أو مسيحية، فهذه الآثار الأدبية - أي اليهودية والمسيحية - أدنى كثيرا - بلا شك - من محتويات ذلك الكتاب المقدس". ( [4]) يعني القرآن. ويقول في موضع ثالث: "وعلى هذا فستظل مسألة حقيقة القرآن مسألة لا حل لها إلى الأبد، فليس لدينا أدلة حاسمة على تاريخ وضع القرآن، ولا نعرف إلى أي مدى كان محمد - صلى الله عليه وسلم - عارفا بالكتب المسيحية المقدسة"، ( [5]) وفي موضع رابع يقول: "وليس من السهل ترجمة القرآن بالنسبة للذين تعرفوا عليه في لغته الأصلية، فهناك اعتراف عالمي بأنه - أي القرآن - يتسم بامتياز لا حد له، لدرجة أنه لا يمكن ترجمته لأية لغة أخرى، إنه - أي القرآن - نموذج يحتذيه اللسان العربي، إنه مكتوب في معظمه بأسلوب أنيق". 


كل هذه النصوص وغيرها يبتغي أعداء الإسلام من ورائها التشويش على معتقدات المسلمين الراسخة في أذهانهم، ولكن هذا لن يكون باعترافهم أنفسهم، فما هي إلا مجرد مكابرة باطلة، وعدم سماع لصوت الحق الذي يخرج من داخلهم عند سماع القرآن الكريم. 


ثالثا. بين القرآن والكتب السابقة عليه:

 
 من يطالع آيات القرآن الكريم ونصوص الكتب السابقة - التوراة والإنجيل - يرى فرقا كبيرا بين المصدرين، ويرى العديد من الأمور التي يتعارض فيها القرآن مع الكتب المقدسة، فكيف يمكن القول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي وضع القرآن واعتمد في وضعه على كتب السابقين؟! أينقل عن مصدر وينص على تحريف هذا المصدر وعدم صحته؟! إن هذا لشيء عجاب. 
لا شك أن القرآن والتوراة والإنجيل وكل الكتب السابقة تتفق في توحيد الله تعالى والدعوة لعبادته من دون المخلوقات جميعا، ولكن الكتب الموجودة الآن - ما عدا القرآن - كتب محرفة، ولا يمكن الاعتماد عليها في نقل العقائد والشرائع، وهذا ما نص القرآن الكريم عليه في العديد من آياته

قال سبحانه وتعالى:

(أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون (75))

(البقرة). 


ومن العقائد التي يخالف فيها القرآن الكتب المقدسة المحرفة عقيدة التوحيد، فالله - عند المسلمين - واحد لا شريك له ولا يعبد أحد سواه، أما عند النصارى فإن الله ليس واحدا، بل هو ثلاثة: الأب والابن وروح القدس، وهو عند أصحاب الكتب السابقة يندم على أفعاله ويرجع فيها وهو يتعب من خلق السماء والأرض فيستريح بعد خلقها، وغير ذلك من العقائد الفاسدة، فكيف نقول إن القرآن أخذ من الكتب السابقة عليه؟!


وفي جانب التشريعات نجد الصلاة عند المسلمين تختلف عن الصلاة عند أصحاب الكتب السابقة، وكذلك الصوم والحج والزكاة، وجانب المعاملات أيضا يختلف كثيرا عن معاملات أهل الكتاب، فالغش والرشوة في الإسلام حرام، أما عند اليهود فيجوز أن تأخذ الرشوة من غير اليهودي، وتحرم من اليهودي، والإسلام يدعو لحسن معاملة أهل الذمة من اليهود والنصارى، أما أهل الذمة فيعتقدون أن المسلمين مجرد عبيد لهم، والإسلام يدعو إلى مجادلة أهل الكتاب بالحسنى،

فقال سبحانه وتعالى:

(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)

(العنكبوت: 46).

والآيات في ذلك كثيرة، أما المخالفون للإسلام فلا يعترفون بأي حوار بين المسلمين وبينهم، فلا يعرفون إلا مبدأ القوة والسلاح. فأين عقائد الإسلام وتشريعاته ومعاملاته من عقائد وتشريعات ومعاملات أصحاب الديانات السابقة؟!


رابعا. شهادات الغربيين بإلهية القرآن: 


 من الممكن أن يتحيز صاحب كل عقيدة إلى عقيدته، فالمسلم يتعصب للإسلام والنصراني يتعصب للمسيحية، واليهودي يتعصب لليهودية، ولكن عندما يعترف صاحب عقيدة بصحة العقيدة المخالفة له فإن هذا أصدق دليل على صحة هذه العقيدة، فكذلك القرآن الكريم وجد من الغربيين من يعترف بعدم بشريته وارتفاع مستواه عن كل البشر وكل المخلوقات، لخصوصيته الظاهرة في آياته ومعجزاته التي يمتلئ بها. ومن هؤلاء الغربيين الذين أكدوا إلهيته ( [6]).


1. بوسوارث سميث قال: القرآن الكريم هو كلام الله المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو معجزة من المعجزات، حقا إنه معجزة. 


2.   البروفيسور كيث إيلي مور: وهو أستاذ علم التشريح بجامعة ترنتو وجامعة يونبيك بكندا، فعندما عرض عليه في أحد المؤتمرات أن القرآن الكريم يصف الجنين وأطواره في

قوله سبحانه وتعالى:

(ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (13) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14))

(المؤمنون).

فقال معقبا على هاتين الآيتين: إن هذه الحقائق حتما جاءت لمحمد - صلى الله عليه وسلم - من عند الله - عز وجل - لأن هذه المعلومات لم تكشف إلا حديثا، وهذا يثبت لي أن محمدا رسول الله. 
3.   البروفيسور تاجات كاجاسون: وهو رئيس قسم التشريح والأجنة، بجامعة شانج ماي بتايلاند، عندما سمع

قوله سبحانه وتعالى:

(إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما (56))

(النساء).

فعكف على البحث في القرآن الكريم لمدة ثلاث سنوات، ثم أعلن في المؤتمر الطبي بالسعودية، وقال: لقد أصبحت مهتما بالقرآن في السنوات الثلاث الأخيرة، وإنني أومن بكل ماجاء في القرآن الكريم؛ وإنه صحيح ويمكن إثباته بالوسائل العلمية، فلم يكن محمد - صلى الله عليه وسلم - يعرف شيئا عن الكتابة إلا كونه رسولا من الله سبحانه وتعالى، ولقد حان الوقت أن أشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. 


4. د. أليسون (إنجلترا): قال معقبا على

قوله سبحانه وتعالى:

(بلى قادرين على أن نسوي بنانه (4))

(القيامة)،

فكل إنسان - رجل أو امرأة - له بصمة خاصة لا مثيل لها، وهذا يدل على أن الله - عز وجل - هو الخلاق العظيم، خالق كل شيء، لا إله إلا هو ولا معبود سواه، من أخبر الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بهذه الحقيقة - والتي لم يكشفها العلم إلا في العصور الحديثة، إنه الله سبحانه وتعالى، وبسبب هذه الآية أعلن أليسون إسلامه.


الخلاصة: 


•  إن القرآن الكريم نزل على رسول الله من قبل الله - عز وجل - ولو كان من عند اليهود أو النصارى لقالوا ذلك، ولكن هذا لم يحدث، وكذلك لم يقل العرب إن هذا القرآن من صنعهم لمعرفتهم مدى بلاغة القرآن الكريم. 
•     الكتب التي أوردت هذه الشبهة تحمل في طياتها ردودا عليها. 
•  من يقرأ القرآن الكريم والكتب السابقة يجد فرقا واضحا في العقائد والتشريعات والمعاملات بين القرآن وتلك الكتب. 
•  لقد شهد الغربيون أن القرآن من قبل الله - عز وجل - ولا يستطيع أي واحد من البشر مهما كان قدره أن يأتي بمثل القرآن، بل إن القرآن كان سببا في إسلام العديد من المخالفين للدعوة الإسلامية. 
•  لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أميا لا يعرف القراءة ولا الكتابة، فقد عمل في طفولته في مهنة الرعي، ولم يثبت أنه جلس إلى معلم قط، فكيف يستطيع أن يصنع نصا كالنص القرآني الذي حوى العديد من الغيبيات والمعجزات، وأمية النبي ثابتة بالنصوص في القرآن،

فقال الله سبحانه وتعالى:

(وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك)

(العنكبوت: 48).

وثابت بالحديث الشريف الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم:

«إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب».

( [7])

ثابتة أيضا بشهادة الغربيين

المراجع

  1. (*) الرد على القس بوش في كتابه "محمد مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس إمبراطورية المسلمين"، د. عبد الرحمن جيرة، دار المحدثين، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2006م. [1]. الرد على كتاب جورج بوش "حياة محمد"، السيد حامد السيد علي، مكتبة الولاء الحديثة، القاهرة، ط1، 2006م، ص80. 
  2.   الرد على كتاب جورج بوش "حياة محمد"، السيد حامد السيد علي، مكتبة الولاء الحديثة، القاهرة، ط1، 2006م، ص80.
  3.  الرد على كتاب جورج بوش "حياة محمد"، السيد حامد السيد علي، مكتبة الولاء الحديثة، القاهرة، ط1، 2006م، ص82.
  4.  الرد على كتاب جورج بوش "حياة محمد"، السيد حامد السيد علي، مكتبة الولاء الحديثة، القاهرة، ط1، 2006م، ص82. 
  5. الرد على كتاب جورج بوش "حياة محمد"، السيد حامد السيد علي، مكتبة الولاء الحديثة، القاهرة، ط1، 2006م، ص82. 
  6.  الرد على كتاب جورج بوش "حياة محمد"، السيد حامد السيد علي، مكتبة الولاء الحديثة، القاهرة، ط1، 2006م، ص92 وما بعدها.
  7.   أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكتب ولا نحسب" (1814)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال (2563).


الجواب التفصيلي

دعوى اقتباس القرآن الكريم من التوراة والإنجيل (*)


مضمون الشبهة: 


يدعي بعض المشككين أن القرآن الكريم ليس وحيا من عند الله تعالى، بل هو من وضع محمد - صلى الله عليه وسلم - استقاه من كتب أهل الكتاب - اليهود والنصارى - التي أخذ منها معظم تشريعاته. 


وجوه إبطال الشبهة:

 
1)  لو كان القرآن الكريم من عند اليهود أو النصارى لقالوا ذلك، ولكنهم لم يفعلوا، وكذلك لم يفعل العرب. 
2) إن التضارب والتناقض اللذين أصابا الكتب التي أوردت هذه الشبهة في حديثها عن إلهية القرآن وبشريته يؤكد زيف دعوى هؤلاء المشككين المغالطين. 
3)  مخالفة القرآن الكريم للكتب السابقة في العقيدة وجل التشريعات تدحض هذا الافتراء. 
4)  شهادات الغربيين التي تؤكد تفرد القرآن عن غيره من الكتب السماوية تشهد بقدسيته وإلهيته. 


التفصيل: 


أولا. هل ادعى اليهود والنصارى في أيام نزول الوحي أن القرآن مستوحى من الكتاب المقدس؟


لقد تكفل الله - عز وجل - بحفظ القرآن وجعله الكتاب الخالد المعجز، ولم يترك هذه المهمة الكبيرة لنبي مرسل أو ملك من الملائكة،

فقال سبحانه وتعالى:

(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9))

(الحجر)

وقال تعالى أيضا:

(قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (88))

(الإسراء)،

فهذه الآيات وغيرها تؤكد أن هذا القرآن من عند الله تعالى، وأنه سبحانه هو الذي تولى حفظ هذا النص من الضياع أو التحريف أو الزيادة أو النقصان. فهذا هو أعظم دليل.


ولو كان هذا القرآن من عند النصارى أو اليهود - كما يدعي هؤلاء - لكانوا أسرع الناس في نسبة هذا النص لأنفسهم منذ بداية ظهوره، ولكن لم يقل أحد من اليهود والنصارى في زمان نزول الوحي وتتابعه بأن هذا النص من كتابه المقدس؛ لأنه يعرف الفرق الواضح بين الكتابين، سواء في التشريعات أو العقائد التي جاء بها، ولم يقل أحد من العرب إن هذا النص من عند محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنهم أصحاب هذه اللغة ويعرفونها معرفة جيدة، ولذلك تحداهم الله تعالى أن يأتوا بسورة من مثله، بل بآية واحدة، وكل ما قاله العرب في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه - حاشا لله - ساحر أو مجنون أو كاهن، أو غير ذلك من الادعاءات الباطلة أيضا. 


ثانيا. تضارب الكتب التي أوردت هذه الشبهة في حديثها عن إلهية القرآن وبشريته: 


 من يقرأ الكتب التي أوردت هذه الشبهة قد يجد في بعضها ردا على هذه الدعوى الباطلة، من تلك الكتب الكتاب الذي ألفه القس جورج بوش الجد تحت عنوان "محمد مؤسس الدين الإسلامي، ومؤسس إمبراطورية المسلمين" ففي هذا الكتاب بعض النصوص التي تؤكد فكرة بشرية القرآن، وفيه نصوص أخرى تشكك في هذه الفكرة، فمن النصوص الأولى: " والاعتقاد الأكثر شيوعا هو أن محمدا تلقى العون الرئيسي - وضع القرآن أو تأليفه - من راهب مسيحي على المذهب النسطوري اسمه "سرجيوس" يفترض أنه نفسه "بحيرا الراهب" الذي تعرف عليه - صلى الله عليه وسلم - في فترة مبكرة من حياته في بصرى في الشام". ( [1]) وقال أيضا: فإن القرآن قد تمت صياغة محتواه - على حد كبير - من مواد العهدين القديم والجديد ( [2]).


فالنصوص السابقة تقرر أن القرآن الكريم - حسب زعم هؤلاء - من وضع محمد - صلى الله عليه وسلم - اعتمادا على نصوص العهدين القديم والجديد. 
 ولكننا نجد في مكان آخر من هذا الكتاب ردا على هذه الدعوى، حين يقول الكاتب: "فمن هو القادر في هذه الفترة الحالكة على وضع نص كهذا". ( [3]) يعني: النص القرآني. وفي موضع آخر: "هذا الوحي المدعى بادعائه استقلاليته - أي القرآن - عن كتبنا المقدسة يضم - رغم هذا - فقرات - آيات - أرقى كثيرا من أية بقايا أدبية تعود للقرن السابع، سواء كانت يهودية أو مسيحية، فهذه الآثار الأدبية - أي اليهودية والمسيحية - أدنى كثيرا - بلا شك - من محتويات ذلك الكتاب المقدس". ( [4]) يعني القرآن. ويقول في موضع ثالث: "وعلى هذا فستظل مسألة حقيقة القرآن مسألة لا حل لها إلى الأبد، فليس لدينا أدلة حاسمة على تاريخ وضع القرآن، ولا نعرف إلى أي مدى كان محمد - صلى الله عليه وسلم - عارفا بالكتب المسيحية المقدسة"، ( [5]) وفي موضع رابع يقول: "وليس من السهل ترجمة القرآن بالنسبة للذين تعرفوا عليه في لغته الأصلية، فهناك اعتراف عالمي بأنه - أي القرآن - يتسم بامتياز لا حد له، لدرجة أنه لا يمكن ترجمته لأية لغة أخرى، إنه - أي القرآن - نموذج يحتذيه اللسان العربي، إنه مكتوب في معظمه بأسلوب أنيق". 


كل هذه النصوص وغيرها يبتغي أعداء الإسلام من ورائها التشويش على معتقدات المسلمين الراسخة في أذهانهم، ولكن هذا لن يكون باعترافهم أنفسهم، فما هي إلا مجرد مكابرة باطلة، وعدم سماع لصوت الحق الذي يخرج من داخلهم عند سماع القرآن الكريم. 


ثالثا. بين القرآن والكتب السابقة عليه:

 
 من يطالع آيات القرآن الكريم ونصوص الكتب السابقة - التوراة والإنجيل - يرى فرقا كبيرا بين المصدرين، ويرى العديد من الأمور التي يتعارض فيها القرآن مع الكتب المقدسة، فكيف يمكن القول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي وضع القرآن واعتمد في وضعه على كتب السابقين؟! أينقل عن مصدر وينص على تحريف هذا المصدر وعدم صحته؟! إن هذا لشيء عجاب. 
لا شك أن القرآن والتوراة والإنجيل وكل الكتب السابقة تتفق في توحيد الله تعالى والدعوة لعبادته من دون المخلوقات جميعا، ولكن الكتب الموجودة الآن - ما عدا القرآن - كتب محرفة، ولا يمكن الاعتماد عليها في نقل العقائد والشرائع، وهذا ما نص القرآن الكريم عليه في العديد من آياته

قال سبحانه وتعالى:

(أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون (75))

(البقرة). 


ومن العقائد التي يخالف فيها القرآن الكتب المقدسة المحرفة عقيدة التوحيد، فالله - عند المسلمين - واحد لا شريك له ولا يعبد أحد سواه، أما عند النصارى فإن الله ليس واحدا، بل هو ثلاثة: الأب والابن وروح القدس، وهو عند أصحاب الكتب السابقة يندم على أفعاله ويرجع فيها وهو يتعب من خلق السماء والأرض فيستريح بعد خلقها، وغير ذلك من العقائد الفاسدة، فكيف نقول إن القرآن أخذ من الكتب السابقة عليه؟!


وفي جانب التشريعات نجد الصلاة عند المسلمين تختلف عن الصلاة عند أصحاب الكتب السابقة، وكذلك الصوم والحج والزكاة، وجانب المعاملات أيضا يختلف كثيرا عن معاملات أهل الكتاب، فالغش والرشوة في الإسلام حرام، أما عند اليهود فيجوز أن تأخذ الرشوة من غير اليهودي، وتحرم من اليهودي، والإسلام يدعو لحسن معاملة أهل الذمة من اليهود والنصارى، أما أهل الذمة فيعتقدون أن المسلمين مجرد عبيد لهم، والإسلام يدعو إلى مجادلة أهل الكتاب بالحسنى،

فقال سبحانه وتعالى:

(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)

(العنكبوت: 46).

والآيات في ذلك كثيرة، أما المخالفون للإسلام فلا يعترفون بأي حوار بين المسلمين وبينهم، فلا يعرفون إلا مبدأ القوة والسلاح. فأين عقائد الإسلام وتشريعاته ومعاملاته من عقائد وتشريعات ومعاملات أصحاب الديانات السابقة؟!


رابعا. شهادات الغربيين بإلهية القرآن: 


 من الممكن أن يتحيز صاحب كل عقيدة إلى عقيدته، فالمسلم يتعصب للإسلام والنصراني يتعصب للمسيحية، واليهودي يتعصب لليهودية، ولكن عندما يعترف صاحب عقيدة بصحة العقيدة المخالفة له فإن هذا أصدق دليل على صحة هذه العقيدة، فكذلك القرآن الكريم وجد من الغربيين من يعترف بعدم بشريته وارتفاع مستواه عن كل البشر وكل المخلوقات، لخصوصيته الظاهرة في آياته ومعجزاته التي يمتلئ بها. ومن هؤلاء الغربيين الذين أكدوا إلهيته ( [6]).


1. بوسوارث سميث قال: القرآن الكريم هو كلام الله المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو معجزة من المعجزات، حقا إنه معجزة. 


2.   البروفيسور كيث إيلي مور: وهو أستاذ علم التشريح بجامعة ترنتو وجامعة يونبيك بكندا، فعندما عرض عليه في أحد المؤتمرات أن القرآن الكريم يصف الجنين وأطواره في

قوله سبحانه وتعالى:

(ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (13) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14))

(المؤمنون).

فقال معقبا على هاتين الآيتين: إن هذه الحقائق حتما جاءت لمحمد - صلى الله عليه وسلم - من عند الله - عز وجل - لأن هذه المعلومات لم تكشف إلا حديثا، وهذا يثبت لي أن محمدا رسول الله. 
3.   البروفيسور تاجات كاجاسون: وهو رئيس قسم التشريح والأجنة، بجامعة شانج ماي بتايلاند، عندما سمع

قوله سبحانه وتعالى:

(إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما (56))

(النساء).

فعكف على البحث في القرآن الكريم لمدة ثلاث سنوات، ثم أعلن في المؤتمر الطبي بالسعودية، وقال: لقد أصبحت مهتما بالقرآن في السنوات الثلاث الأخيرة، وإنني أومن بكل ماجاء في القرآن الكريم؛ وإنه صحيح ويمكن إثباته بالوسائل العلمية، فلم يكن محمد - صلى الله عليه وسلم - يعرف شيئا عن الكتابة إلا كونه رسولا من الله سبحانه وتعالى، ولقد حان الوقت أن أشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. 


4. د. أليسون (إنجلترا): قال معقبا على

قوله سبحانه وتعالى:

(بلى قادرين على أن نسوي بنانه (4))

(القيامة)،

فكل إنسان - رجل أو امرأة - له بصمة خاصة لا مثيل لها، وهذا يدل على أن الله - عز وجل - هو الخلاق العظيم، خالق كل شيء، لا إله إلا هو ولا معبود سواه، من أخبر الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بهذه الحقيقة - والتي لم يكشفها العلم إلا في العصور الحديثة، إنه الله سبحانه وتعالى، وبسبب هذه الآية أعلن أليسون إسلامه.


الخلاصة: 


•  إن القرآن الكريم نزل على رسول الله من قبل الله - عز وجل - ولو كان من عند اليهود أو النصارى لقالوا ذلك، ولكن هذا لم يحدث، وكذلك لم يقل العرب إن هذا القرآن من صنعهم لمعرفتهم مدى بلاغة القرآن الكريم. 
•     الكتب التي أوردت هذه الشبهة تحمل في طياتها ردودا عليها. 
•  من يقرأ القرآن الكريم والكتب السابقة يجد فرقا واضحا في العقائد والتشريعات والمعاملات بين القرآن وتلك الكتب. 
•  لقد شهد الغربيون أن القرآن من قبل الله - عز وجل - ولا يستطيع أي واحد من البشر مهما كان قدره أن يأتي بمثل القرآن، بل إن القرآن كان سببا في إسلام العديد من المخالفين للدعوة الإسلامية. 
•  لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أميا لا يعرف القراءة ولا الكتابة، فقد عمل في طفولته في مهنة الرعي، ولم يثبت أنه جلس إلى معلم قط، فكيف يستطيع أن يصنع نصا كالنص القرآني الذي حوى العديد من الغيبيات والمعجزات، وأمية النبي ثابتة بالنصوص في القرآن،

فقال الله سبحانه وتعالى:

(وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك)

(العنكبوت: 48).

وثابت بالحديث الشريف الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم:

«إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب».

( [7])

ثابتة أيضا بشهادة الغربيين

المراجع

  1. (*) الرد على القس بوش في كتابه "محمد مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس إمبراطورية المسلمين"، د. عبد الرحمن جيرة، دار المحدثين، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2006م. [1]. الرد على كتاب جورج بوش "حياة محمد"، السيد حامد السيد علي، مكتبة الولاء الحديثة، القاهرة، ط1، 2006م، ص80. 
  2.   الرد على كتاب جورج بوش "حياة محمد"، السيد حامد السيد علي، مكتبة الولاء الحديثة، القاهرة، ط1، 2006م، ص80.
  3.  الرد على كتاب جورج بوش "حياة محمد"، السيد حامد السيد علي، مكتبة الولاء الحديثة، القاهرة، ط1، 2006م، ص82.
  4.  الرد على كتاب جورج بوش "حياة محمد"، السيد حامد السيد علي، مكتبة الولاء الحديثة، القاهرة، ط1، 2006م، ص82. 
  5. الرد على كتاب جورج بوش "حياة محمد"، السيد حامد السيد علي، مكتبة الولاء الحديثة، القاهرة، ط1، 2006م، ص82. 
  6.  الرد على كتاب جورج بوش "حياة محمد"، السيد حامد السيد علي، مكتبة الولاء الحديثة، القاهرة، ط1، 2006م، ص92 وما بعدها.
  7.   أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكتب ولا نحسب" (1814)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال (2563).