نص السؤال

الزعم أن لوطًا - عليه السلام - عرض على قومه إتيان الفاحشة مع بناته

المصدر: شبهات المشككين في الإسلام

الجواب التفصيلي

الزعم أن لوطا - عليه السلام - عرض على قومه إتيان الفاحشة مع بناته(*)

مضمون الشبهة:

يزعم المتوهمون أن نبي الله لوطا - عليه السلام - قد عرض على قومه إتيان الفاحشة مع بناته فداء لأضيافه، ويستدلون على ذلك بقول الله - سبحانه وتعالى - على لسان لوط عليه السلام:

(وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد)

(هود:78) [1].

ويتساءلون: كيف يصح هذا من نبي يوصف بالعصمة؟!

وجها إبطال الشبهة:

1) الغرض من حقيقة عرض لوط - عليه السلام - كما وضحه القرآن الكريم، هو إرشادهم إلى الطهارة والزواج من النساء.

2) الأدلة العقلية والنقلية تثبت أن عرض لوط - عليه السلام - لا يخرج عن احتمالين: الأول: عرض بناته للزواج الشرعي، وليس بالزنا، والثاني: أن بناته هم نساء الأمة وبنات قريته وعرضه للزواج الشرعي منهن أيضا.

التفصيل:

أولا. الغرض من حقيقة عرض لوط - عليه السلام - كما وضحها القرآن الكريم:

لما أتت رسل الله - ملائكته - لوطا - عليه السلام - ورأى هيآتهم وجمالهم حزن؛ لأنه حسبهم إنسا؛ فخاف عليهم خبث قومه، وأن يعجز عن مقاومتهم ودفعهم وضاق من هذا صدره، وقال: هذا يوم شديد شره عظيم بلاؤه.

وجاءه قومه بعد أن علموا أن عند لوط - عليه السلام - أضيافا حسان الوجوه، يسرعون كأنما يدفعون دفعا، ومن قبل مجيئهم إلى لوط - عليه السلام - كانوا يأتون الرجال في أدبارهم.

فقال لهم لوط - عليه السلام - لما جاءوا يراودونه عن ضيفه: هؤلاء بناتي فتزوجوهن فهن أطهر لكم، وأطهر إما بمعنى: أنظف، أو أحل، فعلى معنى أنظف يراد بالطهارة الطهارة الحسية، وهي الطهارة عما في اللواط من الخبث والأذى، وعلى معنى أحل: يراد الطهارة المعنوية، وهي التنزه عن الفحش والإثم، فاتقوا الله، ولا تخزون في ضيقي، أي: ولا تهينوني ولا تفضحوني - من الخزي، أي: ولا تخجلوني من الخزاية، وهي الحياء - في حق ضيوفي، فإنه إذا خزي ضيف الرجل، أو جاره فقد خزى الرجل.

 (أليس منكم رجل رشيد (78)( يهتدي إلى طريق الحق، وفعل الجميل، وترك السوء؛ فيأمر بقية القوم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر.

فأجابوه: لقد علمت ما لنا في بناتك من حاجة؛ لأن إتيان الإناث غير محبب إلينا، وإنما نحب ونبغي إتيان الذكران، وإنك لتعلم هذا.

والمعنى: ليس لنا في بناتك حق؛ لأنك دعوتنا إلى نكاحهن بشرط الإيمان؛ ونحن لا نجيبك إلى ذلك، فلا يكون لنا فيهن حق[2].

ثانيا. الأدلة العقلية والنقلية تثبت أن عرض لوط - عليه السلام - لبناته لا يخرج عن احتمالين: إما أنه يعرض بناته بالتزويج، أو أنه يقصد ببناته نساء الأمة بالتزويج أيضا:

الاحتمال الأول: أن لوطا - عليه السلام - لم يعرض بناته على قومه بالزنا، وإنما بالتزويج وإتيانهن من حيث أمر الله، وإنما لم تصرح الآية بهذا؛ لأنه واضح، لا يحتاج إلى التنصيص عليه، حيث لا يعقل أن ينهى نبي عن منكر ويدعو في نفس الوقت إلى منكر آخر، ومع بناته، والمقام مقام ترجيح النساء على الرجال، لا كما يفعل قومه من ترجيح إتيان الذكران على ما خلق لهم ربهم من أزواجهم،

قال تعالى:

(أتأتون الذكران من العالمين (165) وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون (166)

(الشعراء).

ففي هذا المقام أمر النكاح معلوم، والطهر ليس إلا فيه: )هن أطهر لكم( لا في الزنا، ولا في إتيان الذكران؛ لذا استغنى عن ذكره.

ويدل على أن لوطا - عليه السلام - إنما عرض بناته بالتزويج أمور:

1.  تعليله عرض بناته بقوله: )هن أطهر لكم( ولا طهارة في الزنا، ولا يفهم من أفعل التفضيل أن عمل قوم لوط - عليه السلام - طاهر، وأن إتيان النساء بالتزويج أكثر طهرا منه، لأن أفعل التفضيل ليس على بابه، وإنما هو بمعنى أصل الفعل، فلا يدل على أن إتيان الذكور كان طاهرا.

2.  أنه لا يجمل بمن ينهى عن منكر أن يدعو في نفس الوقت إلى منكر مثله أو أشد، وهنا كيف ينهى لوط - عليه السلام - عن اللواط ويدعو إلى الزنا؟ كل منهما منكر قبيح يجب تركه.

أنه لو كان يدعو قومه إلى الزنا لاحتجوا عليه بقولهم: الزنا واللواط محرمان في شريعتك فكيف تدعونا إلى ترك أحدهما دون الآخر؟! ولكان لهم أن يقولوا له: أنت تدعونا إلى محرم هو الزنا، ونحن ندعو إلى محرم هو اللواط، فقد تساوينا نحن وأنت في هذا الأمر، فليست استجابتنا لك بأولى من استجابتك لنا، ولكن لم يقولوا شيئا من ذلك.

ثم هو - عليه السلام - قال لهم عقيب عرض بناته عليهم: )أليس منكم رجل رشيد (78)(، أي: رجل يهتدي إلى طريق الحق، وفعل الجميل والكف عن السوء، فلو كان لوط - عليه السلام - يدعو قومه إلى الزنا لقالوا له: وأنت الآخر لست رشيدا، حيث تدعونا إلى الفسق، لكنهم لم يقولوا ذلك.

3.  أن لوطا - عليه السلام - أنكر على قومه إتيان الذكران، وترك الزوجات

في قوله:

(أتأتون الذكران من العالمين (165) وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون (166)

(الشعراء)

فهذا صريح في أنه يعيب على قومه أمرين: إتيان الذكران وترك الزوجات، فهو إذن يدعوهم إلى إتيان ما خلق الله لهم من أزواجهم، أي: إتيان نسائهم الحلال وذلك نقيض الإتيان الحرام وهو الزنا[3].

وذكر السيوطي أن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما سمعت الفسقة بأضياف لوط - عليه السلام - جاءت إلى باب لوط، فأغلق لوط - عليه السلام - عليهم الباب دونهم، ثم اطلع عليهم فقال: هؤلاء بناتي فعرض عليهم بناته بالنكاح والتزويج، ولم يعرضهن عليهم بالفاحشة، وكانوا كفارا وبناته مسلمات، فلما رأى البلاء، وخاف الفضيحة عرض عليهم التزويج[4].

 وهنا يرد سؤال هو: كيف يعرض لوط - عليه السلام - على قومه الكفار التزوج ببناته المسلمات، وهل يصح تزوج الكافر بمسلمة؟ والجواب واحد من اثنين:

·   أنه دعاهم إلى التزوج بهن شريطة أن يؤمنوا، وإليه ذهب الزجاج، وهو مبني على أن تزويج المسلمات من الكفار لم يكن جائزا إذ ذاك.

أن تزويج المؤمنات من الكفار كان جائزا في شريعته، وهكذا كان في أول الإسلام؛ فقد زوج النبي - عليه السلام - ابنته زينب لأبي العاص بن الربيع، وابنته رقية لعتبة بن أبي لهب قبل الوحي، وكانا كافرين، إلا أن عتبة لم يدخل برقية، وفارقها بطلب أبيه حين نزلت سورة: )تبت يدا أبي لهب وتب (1)( (المسد)؛ فتزوجها عثمان - رضي الله عنه - وأما أبو العاص فكان قد دخل بزينب، فلما أسر يوم بدر، وفدى نفسه أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - العهد عليه أن يردها إذا عاد، وأرسل - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة - رضي الله عنه - ورجلا من الأنصار في طلبها فجاءا بها، ثم إن أبا العاص أسلم، وأتى المدينة فردها - صلى الله عليه وسلم - إليه.

ولوط - عليه السلام - وهو يعرض بنتيه أو بناته الثلاث بالنكاح فإنما يعرضهن على زعيمين أو ثلاثة مطاعين في قومهم[5].

الاحتمال الثاني من قول لوط عليه السلام: )هؤلاء بناتي هن أطهر لكم( (هود: 78): أن لوطا - عليه السلام - إنما يقصد ببناته نساء الأمة، فهو يعرض على الرجال أن يأتوا أزواجهم، وكأنه يقول لهم: هؤلاء أزواجكم فأتوهن، فهن أطهر لكم من إتيان الذكران. قال الزمحشري: )هؤلاء بناتي( إشارة إلى النساء؛ لأن كل أمة أولاد نبيها: رجالهم بنوه، ونساؤهم بناته، فكأنه قال لهم: هؤلاء بناتي فانكحوهن وخلوا بني فلا تتعرضوا لهم.

والجواب الأول أقوى - عرض الزواج من بناته - وأقرب إلى القبول؛ إذ الإشارة بـ "هؤلاء" تكون للحاضر، ونساء الأمة غير حاضرات؛ ولأنه لو كان المقصود نساء الأمة لقال في هذا الوقت: أزواجكم اللائي خلق لكم ربكم أطهر لكم، كما قال في موضع آخر: )وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون (166)( (الشعراء)؛ ولأنهم ردوا عليه بقولهم: )قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد (79)( (هود) ولو كان المراد نساء الأمة لما قالوا هذا؛ إذ لهم الحق في أزواجهم، ولما لم يستجيبوا له، ولم يقبلوا ما عرض عليهم من أمر بناته قال سبحانه وتعالى: )قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد (80)( (هود)[6]، والمعنى: لو أن لي بدفعكم قوة بالبدن، أو الولد، أو آوي إلى عشيرة كثيرة؛ لأنه كان غريبا عن قومه، شبه العشيرة بركن الجبل في الشدة والمنعة، وجواب "أو" محذوف لدلالة الكلام عليه، أي: لحلت بينكم وبين ما تريدونه من أضيافي[7].

الخلاصة:

·   عرض لوط - عليه السلام - بناته على قومه كما وضحه القرآن الكريم، هو إرشادهم إلى طريق الطهر والعفاف، وهو الزواج من بناته أو نساء بلدته أو أمته، بدلا من هذه العادات السيئة التي وقعوا فيها، وهي "اللواط"، فهو لم يعرض عليهم الزنا - كما يزعم الزاعمون - بل عرض عليهم الزواج، إذ كيف ينهاهم عن المنكر ويدعوهم إلى منكر آخر هو الزنا؟!

الأدلة العقلية والنقلية تثبت أن عرض لوط - عليه السلام - لا يخرج عن احتمالين:

أولهما: هو عرض بناته بالزواج والطهارة وهذا ينافي الزنا.

ثانيهما: أن المقصود ببناته: نساء الأمة، وأهل بلدته، وهذا زواج شرعي بعيد عن الزنا واللواط، ولكن الأقوى والأقرب إلى الصواب، هو أنهن بنات لوط عليه السلام.

المراجع

  1. (*) عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م. 
  2.  يهرعون: يمشي مشيا فيه اضطراب وسرعة. 
  3. عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص295، 296. 
  4. عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص297: 299. 
  5.  الدر المنثور في التفسير بالمأثور، عبد الرحمن جلال الدين السيوطي، دار الفكر، بيروت، ط1، 1983م، ج3، ص343. 
  6.  روح المعاني، الألوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت، ج3، ص589. 
  7.  آوي إلى ركن شديد: ألجأ إلى حماة أشداء أقوياء يحمونني. 
  8. عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص299، 300.

الجواب التفصيلي

الزعم أن لوطا - عليه السلام - عرض على قومه إتيان الفاحشة مع بناته(*)

مضمون الشبهة:

يزعم المتوهمون أن نبي الله لوطا - عليه السلام - قد عرض على قومه إتيان الفاحشة مع بناته فداء لأضيافه، ويستدلون على ذلك بقول الله - سبحانه وتعالى - على لسان لوط عليه السلام:

(وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد)

(هود:78) [1].

ويتساءلون: كيف يصح هذا من نبي يوصف بالعصمة؟!

وجها إبطال الشبهة:

1) الغرض من حقيقة عرض لوط - عليه السلام - كما وضحه القرآن الكريم، هو إرشادهم إلى الطهارة والزواج من النساء.

2) الأدلة العقلية والنقلية تثبت أن عرض لوط - عليه السلام - لا يخرج عن احتمالين: الأول: عرض بناته للزواج الشرعي، وليس بالزنا، والثاني: أن بناته هم نساء الأمة وبنات قريته وعرضه للزواج الشرعي منهن أيضا.

التفصيل:

أولا. الغرض من حقيقة عرض لوط - عليه السلام - كما وضحها القرآن الكريم:

لما أتت رسل الله - ملائكته - لوطا - عليه السلام - ورأى هيآتهم وجمالهم حزن؛ لأنه حسبهم إنسا؛ فخاف عليهم خبث قومه، وأن يعجز عن مقاومتهم ودفعهم وضاق من هذا صدره، وقال: هذا يوم شديد شره عظيم بلاؤه.

وجاءه قومه بعد أن علموا أن عند لوط - عليه السلام - أضيافا حسان الوجوه، يسرعون كأنما يدفعون دفعا، ومن قبل مجيئهم إلى لوط - عليه السلام - كانوا يأتون الرجال في أدبارهم.

فقال لهم لوط - عليه السلام - لما جاءوا يراودونه عن ضيفه: هؤلاء بناتي فتزوجوهن فهن أطهر لكم، وأطهر إما بمعنى: أنظف، أو أحل، فعلى معنى أنظف يراد بالطهارة الطهارة الحسية، وهي الطهارة عما في اللواط من الخبث والأذى، وعلى معنى أحل: يراد الطهارة المعنوية، وهي التنزه عن الفحش والإثم، فاتقوا الله، ولا تخزون في ضيقي، أي: ولا تهينوني ولا تفضحوني - من الخزي، أي: ولا تخجلوني من الخزاية، وهي الحياء - في حق ضيوفي، فإنه إذا خزي ضيف الرجل، أو جاره فقد خزى الرجل.

 (أليس منكم رجل رشيد (78)( يهتدي إلى طريق الحق، وفعل الجميل، وترك السوء؛ فيأمر بقية القوم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر.

فأجابوه: لقد علمت ما لنا في بناتك من حاجة؛ لأن إتيان الإناث غير محبب إلينا، وإنما نحب ونبغي إتيان الذكران، وإنك لتعلم هذا.

والمعنى: ليس لنا في بناتك حق؛ لأنك دعوتنا إلى نكاحهن بشرط الإيمان؛ ونحن لا نجيبك إلى ذلك، فلا يكون لنا فيهن حق[2].

ثانيا. الأدلة العقلية والنقلية تثبت أن عرض لوط - عليه السلام - لبناته لا يخرج عن احتمالين: إما أنه يعرض بناته بالتزويج، أو أنه يقصد ببناته نساء الأمة بالتزويج أيضا:

الاحتمال الأول: أن لوطا - عليه السلام - لم يعرض بناته على قومه بالزنا، وإنما بالتزويج وإتيانهن من حيث أمر الله، وإنما لم تصرح الآية بهذا؛ لأنه واضح، لا يحتاج إلى التنصيص عليه، حيث لا يعقل أن ينهى نبي عن منكر ويدعو في نفس الوقت إلى منكر آخر، ومع بناته، والمقام مقام ترجيح النساء على الرجال، لا كما يفعل قومه من ترجيح إتيان الذكران على ما خلق لهم ربهم من أزواجهم،

قال تعالى:

(أتأتون الذكران من العالمين (165) وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون (166)

(الشعراء).

ففي هذا المقام أمر النكاح معلوم، والطهر ليس إلا فيه: )هن أطهر لكم( لا في الزنا، ولا في إتيان الذكران؛ لذا استغنى عن ذكره.

ويدل على أن لوطا - عليه السلام - إنما عرض بناته بالتزويج أمور:

1.  تعليله عرض بناته بقوله: )هن أطهر لكم( ولا طهارة في الزنا، ولا يفهم من أفعل التفضيل أن عمل قوم لوط - عليه السلام - طاهر، وأن إتيان النساء بالتزويج أكثر طهرا منه، لأن أفعل التفضيل ليس على بابه، وإنما هو بمعنى أصل الفعل، فلا يدل على أن إتيان الذكور كان طاهرا.

2.  أنه لا يجمل بمن ينهى عن منكر أن يدعو في نفس الوقت إلى منكر مثله أو أشد، وهنا كيف ينهى لوط - عليه السلام - عن اللواط ويدعو إلى الزنا؟ كل منهما منكر قبيح يجب تركه.

أنه لو كان يدعو قومه إلى الزنا لاحتجوا عليه بقولهم: الزنا واللواط محرمان في شريعتك فكيف تدعونا إلى ترك أحدهما دون الآخر؟! ولكان لهم أن يقولوا له: أنت تدعونا إلى محرم هو الزنا، ونحن ندعو إلى محرم هو اللواط، فقد تساوينا نحن وأنت في هذا الأمر، فليست استجابتنا لك بأولى من استجابتك لنا، ولكن لم يقولوا شيئا من ذلك.

ثم هو - عليه السلام - قال لهم عقيب عرض بناته عليهم: )أليس منكم رجل رشيد (78)(، أي: رجل يهتدي إلى طريق الحق، وفعل الجميل والكف عن السوء، فلو كان لوط - عليه السلام - يدعو قومه إلى الزنا لقالوا له: وأنت الآخر لست رشيدا، حيث تدعونا إلى الفسق، لكنهم لم يقولوا ذلك.

3.  أن لوطا - عليه السلام - أنكر على قومه إتيان الذكران، وترك الزوجات

في قوله:

(أتأتون الذكران من العالمين (165) وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون (166)

(الشعراء)

فهذا صريح في أنه يعيب على قومه أمرين: إتيان الذكران وترك الزوجات، فهو إذن يدعوهم إلى إتيان ما خلق الله لهم من أزواجهم، أي: إتيان نسائهم الحلال وذلك نقيض الإتيان الحرام وهو الزنا[3].

وذكر السيوطي أن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما سمعت الفسقة بأضياف لوط - عليه السلام - جاءت إلى باب لوط، فأغلق لوط - عليه السلام - عليهم الباب دونهم، ثم اطلع عليهم فقال: هؤلاء بناتي فعرض عليهم بناته بالنكاح والتزويج، ولم يعرضهن عليهم بالفاحشة، وكانوا كفارا وبناته مسلمات، فلما رأى البلاء، وخاف الفضيحة عرض عليهم التزويج[4].

 وهنا يرد سؤال هو: كيف يعرض لوط - عليه السلام - على قومه الكفار التزوج ببناته المسلمات، وهل يصح تزوج الكافر بمسلمة؟ والجواب واحد من اثنين:

·   أنه دعاهم إلى التزوج بهن شريطة أن يؤمنوا، وإليه ذهب الزجاج، وهو مبني على أن تزويج المسلمات من الكفار لم يكن جائزا إذ ذاك.

أن تزويج المؤمنات من الكفار كان جائزا في شريعته، وهكذا كان في أول الإسلام؛ فقد زوج النبي - عليه السلام - ابنته زينب لأبي العاص بن الربيع، وابنته رقية لعتبة بن أبي لهب قبل الوحي، وكانا كافرين، إلا أن عتبة لم يدخل برقية، وفارقها بطلب أبيه حين نزلت سورة: )تبت يدا أبي لهب وتب (1)( (المسد)؛ فتزوجها عثمان - رضي الله عنه - وأما أبو العاص فكان قد دخل بزينب، فلما أسر يوم بدر، وفدى نفسه أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - العهد عليه أن يردها إذا عاد، وأرسل - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة - رضي الله عنه - ورجلا من الأنصار في طلبها فجاءا بها، ثم إن أبا العاص أسلم، وأتى المدينة فردها - صلى الله عليه وسلم - إليه.

ولوط - عليه السلام - وهو يعرض بنتيه أو بناته الثلاث بالنكاح فإنما يعرضهن على زعيمين أو ثلاثة مطاعين في قومهم[5].

الاحتمال الثاني من قول لوط عليه السلام: )هؤلاء بناتي هن أطهر لكم( (هود: 78): أن لوطا - عليه السلام - إنما يقصد ببناته نساء الأمة، فهو يعرض على الرجال أن يأتوا أزواجهم، وكأنه يقول لهم: هؤلاء أزواجكم فأتوهن، فهن أطهر لكم من إتيان الذكران. قال الزمحشري: )هؤلاء بناتي( إشارة إلى النساء؛ لأن كل أمة أولاد نبيها: رجالهم بنوه، ونساؤهم بناته، فكأنه قال لهم: هؤلاء بناتي فانكحوهن وخلوا بني فلا تتعرضوا لهم.

والجواب الأول أقوى - عرض الزواج من بناته - وأقرب إلى القبول؛ إذ الإشارة بـ "هؤلاء" تكون للحاضر، ونساء الأمة غير حاضرات؛ ولأنه لو كان المقصود نساء الأمة لقال في هذا الوقت: أزواجكم اللائي خلق لكم ربكم أطهر لكم، كما قال في موضع آخر: )وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون (166)( (الشعراء)؛ ولأنهم ردوا عليه بقولهم: )قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد (79)( (هود) ولو كان المراد نساء الأمة لما قالوا هذا؛ إذ لهم الحق في أزواجهم، ولما لم يستجيبوا له، ولم يقبلوا ما عرض عليهم من أمر بناته قال سبحانه وتعالى: )قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد (80)( (هود)[6]، والمعنى: لو أن لي بدفعكم قوة بالبدن، أو الولد، أو آوي إلى عشيرة كثيرة؛ لأنه كان غريبا عن قومه، شبه العشيرة بركن الجبل في الشدة والمنعة، وجواب "أو" محذوف لدلالة الكلام عليه، أي: لحلت بينكم وبين ما تريدونه من أضيافي[7].

الخلاصة:

·   عرض لوط - عليه السلام - بناته على قومه كما وضحه القرآن الكريم، هو إرشادهم إلى طريق الطهر والعفاف، وهو الزواج من بناته أو نساء بلدته أو أمته، بدلا من هذه العادات السيئة التي وقعوا فيها، وهي "اللواط"، فهو لم يعرض عليهم الزنا - كما يزعم الزاعمون - بل عرض عليهم الزواج، إذ كيف ينهاهم عن المنكر ويدعوهم إلى منكر آخر هو الزنا؟!

الأدلة العقلية والنقلية تثبت أن عرض لوط - عليه السلام - لا يخرج عن احتمالين:

أولهما: هو عرض بناته بالزواج والطهارة وهذا ينافي الزنا.

ثانيهما: أن المقصود ببناته: نساء الأمة، وأهل بلدته، وهذا زواج شرعي بعيد عن الزنا واللواط، ولكن الأقوى والأقرب إلى الصواب، هو أنهن بنات لوط عليه السلام.

المراجع

  1. (*) عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م. 
  2.  يهرعون: يمشي مشيا فيه اضطراب وسرعة. 
  3. عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص295، 296. 
  4. عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص297: 299. 
  5.  الدر المنثور في التفسير بالمأثور، عبد الرحمن جلال الدين السيوطي، دار الفكر، بيروت، ط1، 1983م، ج3، ص343. 
  6.  روح المعاني، الألوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت، ج3، ص589. 
  7.  آوي إلى ركن شديد: ألجأ إلى حماة أشداء أقوياء يحمونني. 
  8. عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص299، 300.