نص السؤال

دعوى تعليق الإيمان بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى ينزل آيات من السماء

المصدر: شبهات المشككين في الإسلام

الجواب التفصيلي

      دعوى تعليق الإيمان بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى ينزل آيات من السماء(*)

مضمون الشبهة:

يعلق المشركون واليهود إيمانهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يأتيهم بالآيات والمعجزات التي تؤكد صدق دعوته؛ ومنها: إنزال كتاب من السماء يشهد بصحة ما يقوله، أو إنزال كنز من السماء، أو الإتيان بالملائكة

قال سبحانه وتعالى:

(يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا)

(النساء:153)

وقوله عز وجل:

(وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا (7) أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا (8)

(الفرقان)

بل يقسم المشركون بالأيمان المغلظة المؤكدة أنهم إن جاءتهم آية ومعجزة خارقة فسوف يؤمنون بها،

قال تعالى:

(وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون)

(الأنعام:109)

وجوه إبطال الشبهة:

1) المولى - عز وجل - وحده القادر على الآيات والمعجزات، والمتصرف فيها، يعطيها من يشاء ويمنعها من يشاء بحكمته ولا دخل لنبي أو رسول في ذلك، أما تعليق الإيمان على ذلك فهذا شأن المكذبين وأهل الضلال في كل وقت وزمان.

2)  منع الإتيان بالآيات سببه تكذيب الأولين بها عنادا واستكبارا كما أن المشركين لا تقنعهم الآيات الحسية.

3) طلب المشركين واليهود من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينزل عليهم كتابا من السماء لم يكن بقصد طلب الحجة لأجل الاقتناع، ولكن كان على سبيل التعنت والتعجيز.

4) عدم استجابة الله للمشركين فيما طلبوه من آيات هو رحمة بهم؛ لأن من سنة الله في الأمم إهلاك من يكذب بالآيات بعد نزولها.

5) لو أنزل الله ملكا من السماء على البشر لزهقت أرواحهم من هول ما يشاهدونه، ولو جعله الله في صورة بشر لزعموا أنه بشر، فكان من رحمة الله أن أرسل إلى البشر رسلا منهم.

التفصيل:

أولا. الآيات والمعجزات عطاء الله لمن يشاء ولا دخل لنبي في ذلك، وتعليق الإيمان عليها شأن المكذبين دائما:

هذه شبهة طالما أثارتها كثير من الأمم الضالة والمكذبة لرسلها، فقوم عاد قالوا لنبي الله هود عليه السلام:

(يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين)

(هود:53)

والذين كفروا قالوا لرسلهم:

(فأتونا بسلطان مبين)

(إبراهيم:10)

أي بخارق ومعجزة نقترحها عليكم، وقوم ثمود قالوا لنبي الله صالح عليه السلام:

(فأت بآية إن كنت من الصادقين)

(الشعراء:154)

وفرعون قال لموسى عليه السلام:

(قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين)

(الأعراف:106)

أي: لست بمصدقك فيما قلت، ولا بمطيعك فيما طلبت، فإن كان معك حجة أو آية فأظهرها لنراها إن كنت صادقا فيما ادعيت، وأما المشركون والكفار فقد سألوا رسول الله مثل ذلك، فمن ذلك ما حكاه عنهم القرآن،

كما في قوله سبحانه وتعالى:

(وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها)

(الأنعام: 109)

وقوله سبحانه وتعالى:

(وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله)

(الأنعام: ١٢٤)

كما طالبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكثير من الآيات التي لا يستطيعها بشر،

قال سبحانه وتعالى:

(وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا (90) أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا (91) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا (92) أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه)

(الإسراء).

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك، قال: "وتفعلون"، قالوا: نعم، قال: فدعا فأتاه جبريل - عليه السلام - فقال: "إن ربك - عز وجل - يقرأ عليك السلام، ويقول: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبا، فمن كفر بعد ذلك منهم عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة"، قال: بل باب التوبة والرحمة»([1]).

ثانيا. تكذيب الأولين بالآيات عنادا واستكبارا هو سبب منع الإتيان بها:

وقد رد القرآن على هؤلاء المعاندين في كل عصر بالردود التالية:

1.أعلم الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن الآيات عند الله، فهو وحده القادر عليها والمتصرف فيها، يعطيها من يشاء ويمنعها من يشاء بحكمته، فإن شاء جاءكم بها وإن شاء ترككم، فمرد الآيات إلى الله،

قال سبحانه وتعالى:

(قل إنما الآيات عند الله)

(الأنعام: 109)

وليس لرسول الله أن يأتي قومه بخارق إلا إذا أذن له فيه، فليس ذلك إليه بل هو إلى الله - عز وجل - يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد،

قال سبحانه وتعالى:

(وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب)

(الرعد:38)

فكمال الأدب معه - عز وجل - أن يفوض إليه الأمر في ذلك، كما قال الرسل لقومهم:

(وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله)

(إبراهيم: 11).

2.بين الله - عز وجل - أن هؤلاء المعاندين من المشركين مهما أتتهم الآيات الواضحات، والبينات الظاهرات فلن يؤمنوا، وذلك لاستكبارهم وعنادهم، وكم سبقهم من أناس في التكذيب والتضليل جاءتهم رسلهم بالبينات، فما زادهم ذلك إلا عنادا فوق عنادهم،

قال سبحانه وتعالى:

(وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون)

(الأنعام:109)

أي فما يدريكم بصدقهم في هذه الأيمان التي يقسمون بها، وأن هذه الآيات إذا جاءتهم لا يؤمنون بها،

وقال - سبحانه وتعالى - أيضا:

(إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون (96) ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم (97)

(يونس)

وقال أيضا:

(وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون)

(الإسراء: 59)

وقال سبحانه وتعالى:

(ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون (14) لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون (15)

(الحجر)

وقال أيضا:

(ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب)

(إبراهيم:9)

وكأن القرآن يريد أن يقرر لهؤلاء أنه إذا لم تقنعهم آيات القرآن وما اشتمل عليه من أدلة نقلية وعقلية وعلمية، فلن يقنعهم ما يرونه من الآيات الحسية، بل قد يدعون أن أعينهم أصابتها آفة وخدع وتخييل، فلا ترى إلا صورا خيالية أو تحسب ذلك سحرا صناعيا، فهم دائما معاندون معارضون،

قال سبحانه وتعالى:

(وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين)

(الأنعام:4)

وقال أيضا:

(وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين)

(الشعراء:5)

3.ومن ردود القرآن عليهم أمر الله لنبيه أن يقول لهم: (سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا)(الإسراء:93)، أي: ما أنا إلا بشر رسول أرسلت إليكم أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم، وليس لي من أمر في الإتيان بهذه الآيات، فمردها إلى الله - عز وجل - إن شاء جاءكم بها، وإن شاء لم يجبكم، فأمركم فيما سألتم إلى الله عز وجل.

ثالثا. طلب اليهود وكذلك المشركين من بعدهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - إنزال كتاب من السماء لم يكن بقصد الحجة لأجل الاقتناع ولكن على سبيل التعنت والتعجيز:

سؤال اليهود - وكذلك المشركون من بعدهم - هذا هو من قبيل تعنتهم وتعجيزهم وجهلهم بحقيقة الدين، وهذه عادتهم، وذلك شأنهم في كثير من مواقفهم مع موسى عليه السلام، ثم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اليهود المعاصرين له، وهم هنا يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينزل عليهم كتابا مكتوبا من السماء كالألواح التي أنزلت على موسى - عليه السلام - أو أنهم أرادوا كتابا خاصا بهم، أو أنهم كانوا يريدون لكل واحد منهم كتابا مستقلا،

كما قال سبحانه وتعالى:

(بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة)

(المدثر:52)

فقد كان كل واحد من المشركين يريد أن ينزل عليه كتاب كما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم.

وهؤلاء اليهود يطلبون ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا بقصد طلب الحجة لأجل الاقتناع، ولكن على سبيل التعنت والتعجيز.

ومن رد القرآن عليهم أيضا في هذا الشأن أن بين أن هؤلاء اليهود وأمثالهم من المشركين لن يقفوا عند حد في مطالبهم التعجيزية، والدليل على ذلك أنهم سألوا موسى أكبر من سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينزل عليهم كتابا من السماء؛ إذ سألوه أن يروا الله علانية، وكلا السؤالين يدل على جهلهم وعنادهم، أما سؤال إنزال الكتاب فهو يدل على أحد أمرين: إما أنهم لا يفهمون معنى النبوة والرسالة على كثرة ما ظهر فيهم من الأنبياء والرسل، ولا يميزون بين الآيات الصحيحة التي يؤيد الله بها رسله، وبين سائر الأمور المستغربة كحيل السحر والشعوذة لمخالفتها للعادة، وقد بينت لهم كتبهم أنهم يقوم فيهم أنبياء مدعون كذبة، وأن النبي يعرف بدعوته إلى التوحيد والحق والخير لا بمجرد آية أو أعجوبة يعملها، وإما أنهم معاندون يقترحون ما يقترحون تعجيزا ومراوغة، وأيا ما قصدوا من هذين الأمرين فلا فائدة في إجابتهم إلى ما سألوا.

ثم بين القرآن عقب ذلك أن هؤلاء جاءتهم البينات والآيات الواضحات من موسى - عليه السلام - كاليد والعصا وفلق البحر والحجر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى، وإنجائهم من عدوهم والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، ورفع الطور فوقهم وبعثهم بعد موتهم وإنزال الألواح والتوراة، ورغم كل ذلك فقد اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم هذه الآيات،

قال سبحانه وتعالى:

(ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات)

(النساء: 153)

فهؤلاء يطلبون منك لا على سبيل الاقتناع وإنما تعنتا وعنادا وتعجيزا؛ ولذا لن يجابوا إلى طلبهم فهم مفترون كذابون مطبوع على قلوبهم فلا يؤمنون. 

المراجع

  1. (*) الآيات التي وردت فيها الشبهة: (النساء/ 153، الأنعام / 8، 37، 109، 124، يونس/ 20، هود/ 22، 32، الرعد/ 7، 27، إبراهيم/ 10، الحجر/ 7، الإسراء/ 90: 93، طه/ 133، الأنبياء/ 5، المؤمنون/ 24، الفرقان/ 7، 8، العنكبوت/ 50، 51، الشعراء/ 154، فصلت/ 14، الزخرف/ 53، المدثر/ 52). الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (آل عمران/ 164، النساء/ 153، 154، الأنعام/ 4، 6، 7، 8، 24، 37، 109: 111، 124، يونس/ 96، 97، هود/ 12، الرعد/ 7، 27، إبراهيم/ 9، 11، الحجر/ 5، 8، 14، 15، الإسراء/ 59، 93، 95، 96، الفرقان/ 10، 11، 22، الجمعة/ 2، المدثر/ 53).
  2.  إسناده صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، من مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (2166)، والحاكم في مستدركه، كتاب الإيمان (174)، وصحح إسناده الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
  3.  إسناده صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، من مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (2166)، والحاكم في مستدركه، كتاب الإيمان (174)، وصحح إسناده الأرنؤوط في تعليقه على المسند.


الجواب التفصيلي

      دعوى تعليق الإيمان بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى ينزل آيات من السماء(*)

مضمون الشبهة:

يعلق المشركون واليهود إيمانهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يأتيهم بالآيات والمعجزات التي تؤكد صدق دعوته؛ ومنها: إنزال كتاب من السماء يشهد بصحة ما يقوله، أو إنزال كنز من السماء، أو الإتيان بالملائكة

قال سبحانه وتعالى:

(يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا)

(النساء:153)

وقوله عز وجل:

(وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا (7) أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا (8)

(الفرقان)

بل يقسم المشركون بالأيمان المغلظة المؤكدة أنهم إن جاءتهم آية ومعجزة خارقة فسوف يؤمنون بها،

قال تعالى:

(وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون)

(الأنعام:109)

وجوه إبطال الشبهة:

1) المولى - عز وجل - وحده القادر على الآيات والمعجزات، والمتصرف فيها، يعطيها من يشاء ويمنعها من يشاء بحكمته ولا دخل لنبي أو رسول في ذلك، أما تعليق الإيمان على ذلك فهذا شأن المكذبين وأهل الضلال في كل وقت وزمان.

2)  منع الإتيان بالآيات سببه تكذيب الأولين بها عنادا واستكبارا كما أن المشركين لا تقنعهم الآيات الحسية.

3) طلب المشركين واليهود من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينزل عليهم كتابا من السماء لم يكن بقصد طلب الحجة لأجل الاقتناع، ولكن كان على سبيل التعنت والتعجيز.

4) عدم استجابة الله للمشركين فيما طلبوه من آيات هو رحمة بهم؛ لأن من سنة الله في الأمم إهلاك من يكذب بالآيات بعد نزولها.

5) لو أنزل الله ملكا من السماء على البشر لزهقت أرواحهم من هول ما يشاهدونه، ولو جعله الله في صورة بشر لزعموا أنه بشر، فكان من رحمة الله أن أرسل إلى البشر رسلا منهم.

التفصيل:

أولا. الآيات والمعجزات عطاء الله لمن يشاء ولا دخل لنبي في ذلك، وتعليق الإيمان عليها شأن المكذبين دائما:

هذه شبهة طالما أثارتها كثير من الأمم الضالة والمكذبة لرسلها، فقوم عاد قالوا لنبي الله هود عليه السلام:

(يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين)

(هود:53)

والذين كفروا قالوا لرسلهم:

(فأتونا بسلطان مبين)

(إبراهيم:10)

أي بخارق ومعجزة نقترحها عليكم، وقوم ثمود قالوا لنبي الله صالح عليه السلام:

(فأت بآية إن كنت من الصادقين)

(الشعراء:154)

وفرعون قال لموسى عليه السلام:

(قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين)

(الأعراف:106)

أي: لست بمصدقك فيما قلت، ولا بمطيعك فيما طلبت، فإن كان معك حجة أو آية فأظهرها لنراها إن كنت صادقا فيما ادعيت، وأما المشركون والكفار فقد سألوا رسول الله مثل ذلك، فمن ذلك ما حكاه عنهم القرآن،

كما في قوله سبحانه وتعالى:

(وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها)

(الأنعام: 109)

وقوله سبحانه وتعالى:

(وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله)

(الأنعام: ١٢٤)

كما طالبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكثير من الآيات التي لا يستطيعها بشر،

قال سبحانه وتعالى:

(وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا (90) أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا (91) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا (92) أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه)

(الإسراء).

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك، قال: "وتفعلون"، قالوا: نعم، قال: فدعا فأتاه جبريل - عليه السلام - فقال: "إن ربك - عز وجل - يقرأ عليك السلام، ويقول: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبا، فمن كفر بعد ذلك منهم عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة"، قال: بل باب التوبة والرحمة»([1]).

ثانيا. تكذيب الأولين بالآيات عنادا واستكبارا هو سبب منع الإتيان بها:

وقد رد القرآن على هؤلاء المعاندين في كل عصر بالردود التالية:

1.أعلم الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن الآيات عند الله، فهو وحده القادر عليها والمتصرف فيها، يعطيها من يشاء ويمنعها من يشاء بحكمته، فإن شاء جاءكم بها وإن شاء ترككم، فمرد الآيات إلى الله،

قال سبحانه وتعالى:

(قل إنما الآيات عند الله)

(الأنعام: 109)

وليس لرسول الله أن يأتي قومه بخارق إلا إذا أذن له فيه، فليس ذلك إليه بل هو إلى الله - عز وجل - يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد،

قال سبحانه وتعالى:

(وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب)

(الرعد:38)

فكمال الأدب معه - عز وجل - أن يفوض إليه الأمر في ذلك، كما قال الرسل لقومهم:

(وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله)

(إبراهيم: 11).

2.بين الله - عز وجل - أن هؤلاء المعاندين من المشركين مهما أتتهم الآيات الواضحات، والبينات الظاهرات فلن يؤمنوا، وذلك لاستكبارهم وعنادهم، وكم سبقهم من أناس في التكذيب والتضليل جاءتهم رسلهم بالبينات، فما زادهم ذلك إلا عنادا فوق عنادهم،

قال سبحانه وتعالى:

(وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون)

(الأنعام:109)

أي فما يدريكم بصدقهم في هذه الأيمان التي يقسمون بها، وأن هذه الآيات إذا جاءتهم لا يؤمنون بها،

وقال - سبحانه وتعالى - أيضا:

(إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون (96) ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم (97)

(يونس)

وقال أيضا:

(وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون)

(الإسراء: 59)

وقال سبحانه وتعالى:

(ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون (14) لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون (15)

(الحجر)

وقال أيضا:

(ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب)

(إبراهيم:9)

وكأن القرآن يريد أن يقرر لهؤلاء أنه إذا لم تقنعهم آيات القرآن وما اشتمل عليه من أدلة نقلية وعقلية وعلمية، فلن يقنعهم ما يرونه من الآيات الحسية، بل قد يدعون أن أعينهم أصابتها آفة وخدع وتخييل، فلا ترى إلا صورا خيالية أو تحسب ذلك سحرا صناعيا، فهم دائما معاندون معارضون،

قال سبحانه وتعالى:

(وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين)

(الأنعام:4)

وقال أيضا:

(وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين)

(الشعراء:5)

3.ومن ردود القرآن عليهم أمر الله لنبيه أن يقول لهم: (سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا)(الإسراء:93)، أي: ما أنا إلا بشر رسول أرسلت إليكم أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم، وليس لي من أمر في الإتيان بهذه الآيات، فمردها إلى الله - عز وجل - إن شاء جاءكم بها، وإن شاء لم يجبكم، فأمركم فيما سألتم إلى الله عز وجل.

ثالثا. طلب اليهود وكذلك المشركين من بعدهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - إنزال كتاب من السماء لم يكن بقصد الحجة لأجل الاقتناع ولكن على سبيل التعنت والتعجيز:

سؤال اليهود - وكذلك المشركون من بعدهم - هذا هو من قبيل تعنتهم وتعجيزهم وجهلهم بحقيقة الدين، وهذه عادتهم، وذلك شأنهم في كثير من مواقفهم مع موسى عليه السلام، ثم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اليهود المعاصرين له، وهم هنا يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينزل عليهم كتابا مكتوبا من السماء كالألواح التي أنزلت على موسى - عليه السلام - أو أنهم أرادوا كتابا خاصا بهم، أو أنهم كانوا يريدون لكل واحد منهم كتابا مستقلا،

كما قال سبحانه وتعالى:

(بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة)

(المدثر:52)

فقد كان كل واحد من المشركين يريد أن ينزل عليه كتاب كما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم.

وهؤلاء اليهود يطلبون ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا بقصد طلب الحجة لأجل الاقتناع، ولكن على سبيل التعنت والتعجيز.

ومن رد القرآن عليهم أيضا في هذا الشأن أن بين أن هؤلاء اليهود وأمثالهم من المشركين لن يقفوا عند حد في مطالبهم التعجيزية، والدليل على ذلك أنهم سألوا موسى أكبر من سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينزل عليهم كتابا من السماء؛ إذ سألوه أن يروا الله علانية، وكلا السؤالين يدل على جهلهم وعنادهم، أما سؤال إنزال الكتاب فهو يدل على أحد أمرين: إما أنهم لا يفهمون معنى النبوة والرسالة على كثرة ما ظهر فيهم من الأنبياء والرسل، ولا يميزون بين الآيات الصحيحة التي يؤيد الله بها رسله، وبين سائر الأمور المستغربة كحيل السحر والشعوذة لمخالفتها للعادة، وقد بينت لهم كتبهم أنهم يقوم فيهم أنبياء مدعون كذبة، وأن النبي يعرف بدعوته إلى التوحيد والحق والخير لا بمجرد آية أو أعجوبة يعملها، وإما أنهم معاندون يقترحون ما يقترحون تعجيزا ومراوغة، وأيا ما قصدوا من هذين الأمرين فلا فائدة في إجابتهم إلى ما سألوا.

ثم بين القرآن عقب ذلك أن هؤلاء جاءتهم البينات والآيات الواضحات من موسى - عليه السلام - كاليد والعصا وفلق البحر والحجر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى، وإنجائهم من عدوهم والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، ورفع الطور فوقهم وبعثهم بعد موتهم وإنزال الألواح والتوراة، ورغم كل ذلك فقد اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم هذه الآيات،

قال سبحانه وتعالى:

(ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات)

(النساء: 153)

فهؤلاء يطلبون منك لا على سبيل الاقتناع وإنما تعنتا وعنادا وتعجيزا؛ ولذا لن يجابوا إلى طلبهم فهم مفترون كذابون مطبوع على قلوبهم فلا يؤمنون. 

المراجع

  1. (*) الآيات التي وردت فيها الشبهة: (النساء/ 153، الأنعام / 8، 37، 109، 124، يونس/ 20، هود/ 22، 32، الرعد/ 7، 27، إبراهيم/ 10، الحجر/ 7، الإسراء/ 90: 93، طه/ 133، الأنبياء/ 5، المؤمنون/ 24، الفرقان/ 7، 8، العنكبوت/ 50، 51، الشعراء/ 154، فصلت/ 14، الزخرف/ 53، المدثر/ 52). الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (آل عمران/ 164، النساء/ 153، 154، الأنعام/ 4، 6، 7، 8، 24، 37، 109: 111، 124، يونس/ 96، 97، هود/ 12، الرعد/ 7، 27، إبراهيم/ 9، 11، الحجر/ 5، 8، 14، 15، الإسراء/ 59، 93، 95، 96، الفرقان/ 10، 11، 22، الجمعة/ 2، المدثر/ 53).
  2.  إسناده صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، من مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (2166)، والحاكم في مستدركه، كتاب الإيمان (174)، وصحح إسناده الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
  3.  إسناده صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، من مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (2166)، والحاكم في مستدركه، كتاب الإيمان (174)، وصحح إسناده الأرنؤوط في تعليقه على المسند.