نص السؤال

دعوى اشتمال صحيح مسلم على أحاديث معلة

المصدر: شبهات المشككين في الإسلام

الجواب التفصيلي

دعوى اشتمال صحيح مسلم على أحاديث معلة(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض الواهمين أن صحيح الإمام مسلم يشتمل على بعض الأحاديث المعلة التي أثبتها الإمام مسلم فيه؛ ليقوم بشرحها وتوضيحها، والتنبيه عليها.

ويستدلون على ذلك بقوله في مقدمة صحيحه: "وسنزيد إن شاء الله تعالى شرحا وإيضاحا في مواضع من الكتاب عند ذكر الأخبار المعللة إذا أتينا عليها في الأماكن التي يليق بها الشرح والإيضاح، إن شاء الله تعالى".

كما يستدلون على ذلك بأن الإمام مسلما قد أورد في صحيحه طريق الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة، ولم يورد طريق الليث التي لم يذكر فيها ابن عباس، ويزعمون أن الأول لا يصح، والثاني محفوظ، ولو كان مسلم يريد المتابعة لأورد الطريق الثانية؛ لأنها سليمة، ولا نزاع في صحتها، ولكنه لم يفعل.

ويرون أن وسيلة الإمام مسلم في بيان هذه العلل، هي ترتيبه للروايات والأحاديث في أبواب صحيحه، بحيث يقدم الصحيح في الأصول والتوابع، ويؤخر المعل في نهاية الباب؛ ليبين علته، ويوضحه ويشرحه وما هذا الترتيب إلا دليل على صحة ما قدم، وضعف ما أخر، ولو جاء المتأخر من وجوه أكثر قوة من المتقدم.

وجوه إبطال الشبهة:

1) إن المقصد الأساسي من العلل في قول الإمام مسلم في مقدمة صحيحه، هو العلل التي لا تقدح أبدا في صحة الحديث، مثل اختلاف الرواة بالزيادة والنقصان في ألفاظ المتون، وهذا الاختلاف من باب العلل غير القادحة في صحة الحديث؛ لأن النقص لا يضر، وزيادة الثقة مقبولة.

2) إن الرواية التي استدل بها الطاعنون على أنها معلة، ليس بها أية علة أو ضعف، وإنما إيراده لها من قبيل زيادة الثقة في الإسناد، وهي مقبولة عند المحققين من علماء الحديث، ثم تدخل ضمنا في باب متابعة الطرق المذكورة قبلها؛ تعضيدا لها.

3) إن منهج الإمام "مسلم" في تقديم الروايات وتأخيرها ليس لبيان علتها، وإنما للتأكيد على صحتها، من خلال جمع طرق الباب في المتابعات والشواهد.

التفصيل:

أولا. العلة التي يقصدها الإمام مسلم في عبارته في مقدمة صحيحه، هي من قبيل العلة التي لا تقدح أبدا في صحة الحديث:

إن الثابت لدينا بشهادة العلماء الثقات أن صحيح الإمام مسلم لا يحتوي بأية صورة من الصور على أحاديث ضعيفة، أو بها علة تقدح في صحتها، ومن الشواهد التي تؤكد هذا قول الحافظ ابن منده: "سمعت أبا علي النيسابوري الحافظ يقول: ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم"([1]).

ومن الأقوال أيضا التي تثبت لنا مدى صحة كتاب الإمام مسلم ونقائه من العلل قول الإمام مسلم نفسه، كما جاء في "سير أعلام النبلاء": "قال مكي بن عبدان: سمعت مسلما يقول: عرضت كتابي هذا "المسند" على أبي زرعة، فكل ما أشار علي في هذا الكتاب أن له علة وسببا تركته، وكل ما قال: إنه صحيح ليس له علة، فهو الذي أخرجت"([2]).

"ومعنى هذا أن الإمام مسلما انتهي به المطاف إلى أن يقدم صحيحه وهو يعتقد أنه خال ونظيف من العلل - هذا ما يعتقده - وإن كان قد بقي عليه فيه ما يؤخذ عليه، وهو نزر يسير لا تخلو من مثله أعمال البشر، غير أن الذي نعتقده أن مسلما لم يقصد أبدا إلى أحاديث يعلم أن فيها عللا فيوردها في صحيحه، ثم يقوم بشرحها وتوضيحها"([3]).

من خلال هذا القول يتبين أن الإمام مسلما قد قصد في كتابه "الصحيح" الاقتصار على الأحاديث الصحيحة فقط، وهذا ما أثبته فعلا فيه، أما الأحاديث التي بها علة، أو ظهر ضعفها، فإنه لم يثبتها - أصلا - في كتابه، فضلا عن قيامه بشرحها وإيضاحها.

ومن ثم، فإن الأمة قد تلقته بالقبول؛ لأنه صنو صحيح البخاري في الصحة، لا لأنه وضع لشرح العلل وبيانها، وإلا لكان له شأن آخر، وللأمة موقف آخر منه، كأن يضعونه في كتب العلل، وقد ألف الحازمي، وابن طاهر في شروط الأئمة الخمسة والستة، ومنها الصحيحان، وأقرتهما الأمة على ذلك، وعلى أساس التزام الصحة وجهت إليه وإلى صحيح البخاري بعض الانتقادات؛ لأنهما أخلا بشرط الصحة في تلك الأحاديث المنتقدة في نظر من يوجه إليهما النقد، كالدارقطني، وأبي مسعود الدمشقي، وأبي علي الغساني، ولو كان مسلم التزم القيام بشرح العلل وبيانها في كتابه لما وجدت شيئا من تلك الانتقادات([4]).

وهكذا، لا يبقى لنا إلا أن نقول: إن مجرد الشك في وجود أحاديث معلة أو ضعيفة في صحيح الإمام مسلم يفتقد إلى حجة قاطعة، أو برهان مبين.

 قال ابن الصلاح: "ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة في ما ليس بقادح من وجوه الخلاف، نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط حتى قال: من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول، كما قال بعضهم: من الصحيح ما هو صحيح شاذ"([5]).

والذي أبهمه ابن الصلاح قد بينه غيره كأبي يعلى الخليلي، وتطلق العلة لديه على وجود سبب غير قادح في صحة الحديث، مثل الحديث الذي وصله ثقة ضابط فأرسله غيره([6]).

فالعلة لديه تشمل الصحيح، فكما يقال: صحيح شاذ، يقال: صحيح معلول([7]).

يقول القاضي عياض رحمه الله عندما يتكلم عن علل مسلم، وأنه أتى بها من ثنايا كتابه: وكذلك علل الحديث التي ذكر، ووعد أنه يأتي بها قد جاء بها في مواضعها من الأبواب من اختلافهم في الأسانيد، كالإرسال، والإسناد، والزيادة، والنقص، وذكر تصاحيف المصحفين، وهذا يدل على استيفائه غرضه في تأليفه، وإدخاله في كتابه كل ما وعد به([8]).

يقول الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي: لقد وعد الإمام مسلم رحمه الله بشرح العلل وتوضيحها، فما مراده بهذه العلل؟

الذي أقطع به أنه يريد بذلك العلل غير القادحة، والدليل على ذلك اتفاق الأمة على صحة كتابه، وتلقيهم إياه بالقبول، ولم يفهم أحد أنه يريد بهذا الشرح شرح العلل القادحة إلا القاضي عياض رحمه الله ويفهم من تصرفاته أن هذه الفكرة كانت غير راسخة في نفسه.

وهذا الشرح الذي هو بيان العلل غير القادحة، والتي هي مجرد اختلاف في العبارات، وفي الزيادة والنقص في ألفاظ المتون، قد وفي مسلم بما وعد به على أكمل الوجوه بطريق لا يضاهيه فيها أحد من المحدثين، وقد بدأ في إنجاز هذا الوعد من أول حديث رواه في كتابه بعد المقدمة.

وهو حديث عمر رضي الله عنه: «بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر...»([9])

وفيه سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام، والإيمان، والإحسان والساعة، فهذا هو الحديث الأول من كتاب الإيمان من صحيح مسلم، أورده من طرق، ثم قال بعد إيراده من الطريق الثانية: وساقوا الحديث بمعنى حديث "كهمس" وإسناده، وفيه بعض زيادة ونقصان أحرف([10])، وقال عقب الطريق الثالثة: "فاقتص الحديث كنحو حديثهم عن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه شيء من زيادة، وقد نقص منه شيئا"([11])، وهذا الاختلاف بين الرواة بالزيادة والنقص يعتبر من العلل عند كثير من المحدثين، ولكنها علل غير قادحة؛ لأن النقص لا يضر، ولأن زيادة الثقة مقبولة([12]).

هكذا يتضح لنا مقصد الإمام مسلم من عبارته، أنه يقصد بالعلل هنا هذه العلل التي لا تقدح بحال من الأحوال في صحة الحديث، فهناك علل قادحة، وأخرى غير قادحة، وذلك ما نجده في قول "ابن الصلاح": ثم اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف، المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل؛ ولذلك نجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب، والغفلة، وسوء الحفظ، ونحو ذلك من أنواع الجرح، وسمى الترمذي النسخ علة من علل الحديث، ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف، نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط؛ حتى قال: من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول، كما قال بعضهم: ومن الصحيح ما هو صحيح شاذ([13]).

ومن خلال كلام "ابن الصلاح" السابق، يتبين لدينا أن من العلة ما يقدح في صحة الحديث، ويبطل العمل به، ومنه ما لا يقدح في صحته، نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط.

ونخلص من ذلك كله إلى أن الإمام مسلما عندما وعد في مقدمة صحيحه بالشرح والإيضاح للأخبار المعللة إنما كان يقصد بها الأخبار التي بها علة لا تقدح في صحة الحديث أبدا، وبهذا يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن صحيح الإمام مسلم كله صحيح، لم يتطرق إليه الضعف مطلقا بأي صورة من صوره، وإنما تمثلت العلة غير القادحة عنده في الاختلاف بين الرواة بالزيادة والنقص في الروايات. وبهذا يكون الإمام مسلم قد أوفى بوعده في كتابه، من خلال هذه الإيضاحات وإيراده الطرق الزائدة والطرق الناقصة؛ لبيان أن كلا الطريقين قد صح بالزيادة تارة والنقص تارة أخرى، وذلك إذا كانت الزيادة من ثقة، وليست فيها مخالفة، وكان في الطرق الناقصة اتصال ليس فيه شبهة انقطاع.

ثانيا. الرواية التي استدل بها على وجود أحاديث معلة في صحيح مسلم، رواية صحيحة، لاعلة فيها ولا ضعف:

لقد ذهب الواهمون إلى أن صحيح مسلم يحوي روايات معلة، وما كان دليلهم على ذلك إلا أن مسلما - رحمه الله - لم يورد هذه الروايات بأسانيدها في الأصول، ولا في التوابع، وإنما أوردها ليبين ما فيها من علة، وكأن كتاب الإمام "مسلم" كتاب علل؛ يترك الروايات الصحيحة المحفوظة المتفق عليها، ويأخذ الروايات الشاذة المعللة المطعون فيها!

ومن هذه الروايات والطرق قولهم: إن الإمام مسلما أورد طريق الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة، ولم يورد طريق الليث التي لم يذكر فيها ابن عباس، والأول لا يصح، والثاني محفوظ، ولو كان مسلم يريد المتابعة لأورد الطريق الثانية؛ لأنها سليمة، ولا نزاع في صحتها، ولم يفعل"([14]).

فإذا كان الإمام مسلم أراد بهذه الطريقة أن يبين العلة في هذه الرواية بمجرد أنه لم يذكرها في الأصول والمتابعات، فهي طريقة لم يقل بها أحد في معرفة العلل، حتى كتب العلل ذاتها لا تفعل مثل هذا؛ فالسبيل القويم لمعرفة العلل عند كافة العلماء، كما قال الخطيب أبو بكر "أن يجمع بين طرقه، وينظر في اختلاف رواته، ويعتبر بمكانهم من الحفظ، ومنزلتهم من الإتقان والضبط"، وروي عن علي بن المديني قال: الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه([15]).

هكذا يكون بيان العلة في الحديث، وذلك بالجمع بين طرق الحديث، والنظر في اختلاف رواته، واعتبار مكانهم من الحفظ، ومنزلتهم من الإتقان والضبط.

وعلى هذا، فلو كان الإمام مسلم يقصد بيان العلل لسلك هذا المسلك، ولساق طرق حديث ميمونة صحيحها ومعلولها في نظره.

والأمر الآخر في الرواية السابقة أنهم ذهبوا إلى أن الإسناد الأول "لا يصح" والثاني "محفوظ"، يعنون به أن الإسناد الذي فيه ذكر ابن عباس عن ميمونة لا يصح، والثاني الذي خلا من ذكر ابن عباس عن ميمونة هو المحفوظ، وهذا كلام غريب ومنطق عجيب.

وفي حقيقة الأمر، نجد أن الرواية الأولى، هي الصحيحة، والثانية التي يقولون عنها محفوظة إنما هي أقل منها في الصحة، وأن مسلما رحمه الله قد اختار الحديث الذي فيه ذكر ابن عباس لأنه هو الأصح في نظره لأسباب:

أولا: أنه لا يشك أحد من المحدثين في رواية ابن عباس عن خالته ميمونة.

ثانيا: الإمام مسلم مجتهد مستقل، وهو يعد من نقاد هذا الفن، فإن ذكر طريقا زائدة، وانتقدها عليه غيره، فإنها تكون قد صحت عنده، ولا يشترط أن تكون قد صحت عند غيره؛ لكونها جاءت عند غيره من طرق لا يعتمد عليها.

ولو أطلنا النظر قليلا في الطريق التي أوردها مسلم، والتي فيها ذكر ابن عباس، والطريق التي لم يوردها مسلم والتي ليس فيها ابن عباس، ثم عقدنا موازنة عادلة بين الطريقين - لوجدنا ما يأتي:

1.   الطريق التي ذكرها مسلم:

حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح جميعا عن الليث بن سعد.

قال قتيبة حدثنا ليث عن نافع عن إبراهيم بن معبد عن ابن عباس أنه قال: «إن امرأة اشتكت شكوى، فقالت: إن شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس، فبرأت، ثم تجهزت تريد الخروج، فجاءت ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تسلم عليها، فأخبرتها ذلك، فقالت: اجلسي فكلي ما صنعت، وصلي في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يقول: صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا مسجد الكعبة»([16]).

2.   الطريق التي لم يذكرها مسلم:

قال البخاري في التاريخ الكبير: وقال لنا أبو عاصم عن ابن جريج عن نافع عن إبراهيم بن معبد عن ميمونة عن النبي صلى الله عليه وسلم([17]).

والملاحظ أن الطريق التي أوردها مسلم والتي فيها ذكر ابن عباس لم ينفرد بها وحده، فقد أوردها النسائي في السنن الكبرى، وذكرها البخاري في التاريخ الكبير من طريقين له، وذكرها الطبراني في المعجم الكبير، وهذا الأمر سنبينه إن شاء الله فيما يأتي:

إذا نظرنا إلى النقد الموجه إلى صحيح مسلم لإخراج صاحبه هذا الحديث من هذه الطريق؛ لوجدناه يتمثل في الإمام البخاري؛ إذ أنكر وجود ابن عباس في السند، حيث قال: "ولا يصح فيه ابن عباس"([18]).

ومن هنا وجب علينا أن نزيد الأمر وضوحا بعض الشيء على النحو الآتي:

هناك طائفة روت الحديث عن الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ميمونة بدون ذكر ابن عباس، وهؤلاء الرواة هم([19]):

o       عبد الله بن صالح     (التاريخ الكبير للبخاري).

o       حجاج بن محمد              (مسند أحمد).

o       قتيبة بن سعيد                (سنن النسائي).

وهناك طائفة تروي الحديث عن الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة.

وهؤلاء الرواة هم:

o       قتيبة بن سعيد                (صحيح مسلم).

o       محمد بن رمح                (صحيح مسلم).

o       عبد الله بن وهب            (مشكل الآثار للطحاوي).

o       شبابة بن سوار               (مصنف ابن أبي شيبة)([20]).

ثم قال الشيخ ربيع المدخلي: وكذلك راجعت "جامع المسانيد" لابن كثير، وقد ذكر فيه رواية حجاج، حدثنا الليث بدون ذكر ابن عباس راويا عنه، وكذا رواه مسلم، والنسائي عن قتيبة، وزاد مسلم "ومحمد بن رمح" عن الليث عن نافع عن إبراهيم عن ميمونة.

وتابع الحافظ ابن كثير كلامه، فقال: "حدثنا عبد الرزاق أن ابن جريج سمع نافعا مولى ابن عمر يقول: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن معبد أن ابن عباس حدث أن ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت:..." الحديث.

وقال أيضا: "وهكذا رواه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع عن إبراهيم عن ابن عباس عن ميمونة.

قال شيخنا (وهو المزي): وهو الصواب كما سيأتي.

ثم ذكر ابن كثير "حديثا آخر رواه مسلم والنسائي من حديث عبد الله بن معبد بن عباس عن ابن عباس عن ميمونة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة في مسجدي...» إلخ، وتقدم عن إبراهيم عنها من غير ذكر ابن عباس".

والحافظ المزي رحمه الله استند في اختياره ذلك على عامة النسخ من صحيح مسلم؛ تذكر "عن ابن عباس عنها" وعلى أن خلفا ذكر في ترجمة ابن عباس روايته عن ميمونة، وأنه وقع في بعض النسخ من كتاب أبي مسعود الدمشقي: "ابن عباس عن ميمونة"، وعلى أن رواية ابن جريج وقع فيها التصريح "أن ابن عباس حدث إبراهيم".

ويلاحظ مما سبق أن الإمام البخاري لم يذكر الاختلاف على الليث بين أصحابه في إثبات "ابن عباس" راويا عن ميمونة، بينما ذكر ذلك الاختلاف على ابن جريج بإيراده الروايتين عن ابن جريج المختلفتين فيه، وذلك في التاريخ الكبير (1/302).

ثم استطرد الشيخ ربيع قائلا: فإن الحافظ (ابن حجر) موافق للمزي على ترجيح أن الحديث من رواية ابن عباس عن ميمونة، لا عن إبراهيم عن ميمونة، ولو كان مخالفا له لما سكت عنه، ولناقشه فيما يراه غلطا.

وأيضا أقر الحافظ ابن حجر الحافظ المزي على أن في جميع نسخ النسائي ذكر ابن عباس.

وأما ما ذكره الحافظ من روايتي الطحاوي: فهو في "شرح معاني الآثار" روى أولا الحديث من طريق أبي بكرة عن أبي عاصم عن ابن جريج عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس عن ميمونة.

ثم رواه عن يونس عن ابن وهب عن الليث عن نافع، ثم قال: فذكر بإسناده مثله.

ورواه في "مشكل الآثار" عن يونس عن ابن وهب عن الليث عن نافع عن إبراهيم عن ابن عباس عن ميمونة.

والتي في "المشكل" وفيها ذكر ابن عباس هي الراجحة، ويؤيدها ما في عامة نسخ صحيح مسلم، وجميع نسخ النسائي، وما في نسخ أطراف خلف، وما في بعض نسخ أبي مسعود، وتقرير الحافظ المزي، والحافظ ابن حجر([21]).

ومن هنا فلا يستبعد أن يكون فات الإمام البخاري حديث ابن عباس من طريق الليث وأصحابه، وهذا وارد حتى على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يفوتهم من حديثه على كثرة ملازمتهم إياه - صلى الله عليه وسلم - وهو المعلم الأوحد لهم، فلا يستغرب أن يكون قد فات الإمام البخاري هذا الإسناد من تلاميذ الليث بن سعد؛ ولذلك كان حكمه على حديث ابن جريج، والذي قال فيه - بعدما ساق طريق ابن جريج عن نافع - ولا يصح فيه ابن عباس.

وإن صح كلام البخاري فحديث مسلم إنما جاء من طريق الليث عن نافع والذي فيه ذكر ابن عباس، لا من طريق ابن جريج عن نافع.

في الوقت الذي جاءت فيه الطريقان - الزائدة والناقصة - عن كلا الإمامين الليث بن سعد وابن جريج.

وعليه، فينبغي أن نعرف أن للمحدثين قواعد وموازين يرجحون ويوازنون بها بين الأقوال والروايات المختلفة، ومنها:

1.   الكثرة في العدد.

2.   كثرة الملازمة للشيوخ مع الحفظ والإتقان.

وبناء على ما سبق نخلص إلى أن الطريق التي أوردها الإمام مسلم في صحيحه لا شك في صحتها، وهي ليست من الطرق المعلة ولا المنتقدة؛ فالحديث أحيانا يرد من طريقين، إحداهما زائدة والأخرى ناقصة، فيكون في إحداهما زيادة راو ليس هو في الطريق الأخرى، فيحكم النقاد على أن الزيادة راجحة بكثرة الراوين لها، أو بضبطهم وإتقانهم، أو غيرها من القرائن، وأحيانا يظهر صواب الطريقين وصحة الوجهين الزائد والناقص على حد سواء، وهذا ما أثبتناه هنا بذكر الطرق، والرواة في كل طريق؛ لنبين أن الطريق المزيدة بذكر ابن عباس سواء من طريق الليث بن سعد أو من طريق ابن جريج صحيحة، وأن الإسناد صحيح بزيادة ابن عباس تارة، وبدون زيادته يستقيم، فإنه يثبت لإبراهيم بن عبد الله بن معبد سماع من ميمونة وإن شكك البعض فيه، أمثال: ابن حبان، ومغلطاي، إلا أن البخاري ذكره في التاريخ الكبير عن ميمونة، ولم ينف سماعه منها.

هذا في الوقت الذي روى فيه تلاميذ الليث الحديث بالزيادة، وهم من الثقات ومن مشاهير تلاميذ الليث، أمثال:

o       قتيبة بن سعيد.

o       محمد بن رمح.

o       عبد الله بن وهب.

o       وشبابة بن سوار.

هذا بالإضافة إلى تلاميذ ابن جريج عنه، وهم ممن رووه بالزيادة، أمثال:

o       أبو عاصم شيخ البخاري، وكلاهما - أي: هو وابنه - في التاريخ الكبير كما ذكرنا سابقا

o       عبد الرزاق بن همام الصنعاني وغيرهم.

 كل هؤلاء يجعلون الطريق الزائدة عن الليث وعن ابن جريج أكثر ثقة وأقوى قبولا للزيادة التي رووها.

ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نختم بكلمة للإمام النووي، قالها تعليقا على هذه الطريق التي ورد بها الحديث؛ وكلامه يعضد وجهة نظرنا.

قال: "وهذا الحديث مما أنكر على مسلم بسبب إسناده"، ثم ساق الانتقادات وقال: قلت: "ويحتمل صحة الروايتين جميعا، كما فعله مسلم، وليس هذا الاختلاف نافعا من ذلك، ومع هذا فالمتن صحيح بلا خلاف"([22]).

وختاما نقول: إن كتب الدنيا كلها لو خالفت ما في صحيح مسلم ونسخه الذي تلقته الأمة بالقبول والحب والعناية والرعاية، لقدمه الخلق عليها، ولهم الحق في ذلك والحق معهم، وهم لا يرجحون عليه إلا صحيح البخاري، وهما في هذا الباب لا يختلفان؛ لأن عناية الله بهما، ثم عناية الأمة بهما تصونهما من الإخلال والغلط، وتحميهما من الإسقاط والسقط، كما قال ابن الصلاح([23]).

ثالثا. منهج الإمام مسلم في تقديم الروايات وتأخيرها لم يكن لبيان علتها، وإنما للتأكيد على صحتها:

ادعى المغرضون - ظلما وزورا - أن الإمام مسلما رحمه الله قد اتبع في منهجه في ذكر الأحاديث والروايات ترتيبا يراعي فيه مواطن الصحة والعلل، بحيث إذا أورد طريق حديث متعدد الطرق في أول الباب، فمعناه أنه أسلم من العيوب وأنقى عنده من غيره، ويجمع تارة طرق الحديث في أول الباب؛ لكونها على مستوى واحد في السلامة من العيوب، ثم يتبعها بطرق أخرى لذلك الحديث، وقد تكون طرقا مستقلة عن الصحابي الذي قدم حديثه من طرق أخر ى غير هذه؛ ومعنى ذلك أنها ليست في مستوى تلك التي قبلها، لكون راويها من أهل القسم الثاني، أو لسبب آخر.

لا نتخيل هذا القول في منهج الإمام مسلم، ولا نتصور وجوده مطلقا في صحيحه، إنها حجة واهية اتكأ عليها المغرضون لإثبات وجود أحاديث معلة في هذا الكتاب العظيم، إن الصحة في هذا الكتاب - كما يدعون - تقتصر على ما قدمه الإمام في الأصول والمتابعات، ثم ما جاء بعد ذلك فهو من باب الأحاديث المعلة، إن هذا القول لم يقل به أحد من العلماء من قبل، وأنى له أن يقول هذا، وقد بين الإمام مسلم نفسه منهجه في ترتيب رواياته في مقدمة صحيحه فقال: "فأما القسم الأول، فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها، وأنقى من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث، وإتقان لما نقلوا، ولم يوجد في روايتهم اختلاف شديد، ولا تخليط فاحش، كما قد عثر فيه على كثير من المحدثين، وبان ذلك في حديثهم، فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس، أتبعناها أخبارا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان، كالصنف المقدم قبلهم، على أنهم وإن كانوا فيما وصفنا - دونهم فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم.

فأما ما كان منها عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون، أو عند الأكثر منهم، فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم"([24]).

قال القاضي عياض رحمه الله: إنك إذا نظرت إلى تقسيم مسلم في كتابة الحديث على ثلاث طبقات من الناس، كما قال ستجد أن القسم الأول حديث الحفاظ، وأنه إذا انقضى هذا أتبعه بأحاديث من لم يوصف بالحذق والإتقان، مع كونهم من أهل الستر والصدق، وتعاطي العلم، ثم أشار إلى ترك حديث من أجمع العلماء أو اتفق الأكثر منهم على تهمته، ونفي من اتهمه بعضهم وصححه بعضهم، فلم يذكره هنا، ووجدته ذكر في أبواب كتابه حديث الطبقتين الأوليين، وأتى بأسانيد الثانية منهما على طريق الاتباع للأولى والاستشهاد، أو حيث لم يجد في الباب الأول شيئا، وذكر أقواما تكلم قوم فيهم، وزكاهم آخرون، وخرج حديثهم ممن ضعف أو اتهم ببدعة.

 فعندي أنه أتى بطبقاته الثلاث في كتابه على ما ذكر، ورتبه في كتابه وبينه في تقسيمه، وطرح الرابعة كما نص عليه، وهو بذلك أراد أن يأتي بأحاديث الطبقتين، فيبدأ بالأولى، ثم يأتي بالثانية على طريق الاستشهاد والاتباع؛ حتى استوفى جميع الأقسام الثلاثة([25]).

هكذا يبدو لنا منهج الإمام مسلم في صحيحه جليا في ترتيب الأحاديث، إنه يبدأ بالأحاديث التي في أعلى درجات الصحة في الإسناد، ثم يتبعها بمن هم أقل من الدرجة الأولى، وهم المستورون، ولا يقدح فيهم أحد، وهذه تمثل التوابع والشواهد لما في أصول الباب، ثم إنه قد أمسك عن الضعفاء، والمتهمين، ولم يذكر عنهم شيئا، ومعنى هذا أنه التزم الصحة في كل أحاديث الباب، ولم يؤخر ما يراه معلا.

ومن ثم، فنحن نقر بأن ترتيب الإمام مسلم للروايات والأحاديث في صحيحه ما كان إلا لإثبات صحة رواياته فقط، فكان هدفه الأساسي هو ثبوت الصحة فيما يرويه، وذلك كما يقول الشيخ "ربيع المدخلي": "إن هدف مسلم الأساسي هو ثبوت الصحة فيما يرويه، ثم لا يبالي بعد ذلك أقدم هذا أو ذاك ما دام قد تحقق هدفه، ثم إنه بعد ذلك بشر لم يخرج عن طبيعة البشر، فقد يورد حديثا يرى أنه صحيح تكاملت فيه شروط الصحة التي التزمها، ويكون في نظر غيره غير صحيح، فيكون هذا النوع - وهو قليل - هدفا للنقد، فقد يكون الناقد على صواب، وذلك نادر، والغالب أن يكون الصواب في جانب الإمام مسلم - رحمه الله - هذا هو واقع مسلم، وهذا ما يعتقده علماء الحديث، وعلماء الأمة منذ ألف مسلم كتابه العظيم إلى يومنا هذا"([26]).

ومن هنا نصل إلى درجة اليقين في أن ترتيب الإمام مسلم للروايات والأحاديث ما كان لبيان صحيحها من معلها، وإلا لما كان لصحيح مسلم الفضل الذي منحه منذ ألف إلى يومنا هذا، وإنما كان هدفه الأول هو إثبات صحة هذه الروايات من خلال تعدد الطرق وتنوع الشواهد، وهو لا يلقي بالا في سبيل ذلك لتقديم الأحاديث وتأخيرها، ولذلك فربما نجده يقدم أسانيد الطبقة الأولى، وأحيانا يقدم أسانيد الطبقة الثانية، وأحيانا لا يورد في الباب إلا أحاديث الطبقة الأولى، وأحيانا لا يورد في الباب إلا أحاديث الطبقة الثانية إذا لم يجد شيئا من أحاديث الطبقة الأولى، وإذا كانت طرق الثانية تصل بالحديث إلى درجة الصحة التي التزمها، وأحيانا لا يورد في الباب إلا حديث صحابي واحد، وهذه الأنواع كثيرة جدا في صحيح مسلم، وليعلم القارئ أن الترتيب ليس هدفا لمسلم، وأن التقديم والتأخير للأحاديث لا دخل لهما في القوة والضعف، والتصحيح والتعليل([27]).

وبهذا يتضح لنا جليا هدف الإمام مسلم في ترتيب أحاديث كتابه الصحيح، فكان الأمر لديه منصبا على إثبات الصحة لهذه الروايات، ومن هنا جاء تقديمه لبعض الروايات، وتأخيره لأخرى، ولم يخطر بباله - أصلا - أن يؤخر حديثا؛ لأنه معل، أو لبيان علته وشرحها، فما كان هذا إلا حديثا مفترى على منهجه، وعلى ترتيب صحيحه.

الخلاصة:

·   إن مقصد الإمام "مسلم" من الأخبار المعلة في عبارته في مقدمة صحيحه، هي الأخبار التي بها علة لا تقدح أبدا في صحتها، فهناك علة قادحة في صحة الحديث، وأخرى غير قادحة، مثل الحديث الذي وصله ثقة ضابط فأرسله غيره، والعلل التي بينها الإمام مسلم في صحيحه، وشرحها ووضحها، كانت من باب الزيادة والنقص في ألفاظ المتون بين الرواة، وهذا الاختلاف بين الرواة بالزيادة والنقص يعد من العلل عند كثير من المحدثين، ولكنها من باب العلل غير القادحة؛ لأن النقص لا يضر، وزيادة الثقة مقبولة.

·   إن الرواية التي استدل بها الطاعنون على أن الإمام مسلما أوردها في صحيحه لبيان ما بها من علة، وهي الرواية التي من طريق الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة رواية صحيحة ليست بها أية علة، وهي من متابعات الباب، وتزداد الطرق بها قوة، فهي رواية سليمة، وليس بها علل، وإيراده لها يعد من قبيل الثقة في الإسناد؛ فهي مقبولة عند المحققين من أهل الحديث.

·   إن منهج الإمام مسلم في ترتيب الأحاديث والروايات في صحيحه جاء للتأكيد على صحة هذه الروايات والأحاديث، وليس لبيان العلة فيها.

·   إن هدف الإمام مسلم الأساسي من صحيحه هو ثبوت الصحة فيما يرويه، وهو لا يبالي في سبيل ذلك بتقديم حديث أو تأخيره، ما دام يحقق هذا الهدف.

 

المراجع

  1. (*) منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح، الشيخ ربيع بن هادى عمير المدخلي، مجالس الهدى، الجزائر، ط1، 1423هـ/ 2002م. الرد المفحم على من اعتدى على صحيح مسلم، ربيع بن هادى عمير المدخلي، دار المنهاج، القاهرة، ط1، 1428هـ/ 2007م.
  2. [1]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (12/ 566).
  3. [2]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (12/ 568).
  4. [3]. الرد المفحم على من اعتدى على صحيح مسلم، ربيع بن هادى عمير المدخلي، دار المنهاج، القاهرة، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص17.
  5. [4]. الرد المفحم على من اعتدى على صحيح مسلم، ربيع بن هادى عمير المدخلي، دار المنهاج، القاهرة، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص 17 بتصرف.
  6. [5]. علوم الحديث، ابن الصلاح، تحقيق: نور الدين عتر، المكتبة العلمية، بيروت، 1401هـ/ 1981م، ص 84.
  7. [6]. انظر: تدريب الراوى، السيوطى، تحقيق: عزت على عطية وموسى محمد علي، دار الكتب الحديثة، القاهرة، 1980م، (1/ 327) بتصرف.
  8. [7]. التأصيل الشرعي لقواعد المحدثين، د. عبد الله شعبان، دار السلام، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص 439.
  9. [8]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (1/ 129).
  10. [9]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان، (1/ 292، 293)، رقم (93).
  11. [10]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م,(1/ 293).
  12. [11]. صحيح مسلم (شرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان (1/ 293)، رقم (95).
  13. [12]. منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح، الشيخ ربيع بن هادى عمير المدخلي، مجالس الهدى، الجزائر، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص79، 80.
  14. [13]. علوم الحديث، ابن الصلاح، تحقيق: نور الدين عتر، المكتبة العلمية، بيروت، 1401هـ/ 1981م، ص84.
  15. [14]. الرد المفحم على من اعتدى على صحيح مسلم، ربيع بن هادى عمير المدخلي، دار المنهاج، القاهرة، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص 21 بتصرف.
  16. [15]. علوم الحديث، ابن الصلاح، تحقيق: نور الدين عتر، المكتبة العلمية، بيروت، 1401هـ/ 1981م، ص82.
  17. [16]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحج، باب: فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة، (5/ 2145)، رقم (3323).
  18. [17]. التاريخ الكبير، البخاري، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، 1407هـ/ 1986م، (1/ 302).
  19. [18]. التاريخ الكبير، البخاري، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، 1407هـ/ 1986م، (1/ 303).
  20. [19]. منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح، الشيخ ربيع بن هادى عمير المدخلي، مجالس الهدى، الجزائر، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص113.
  21. [20]. منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح، الشيخ ربيع بن هادى عمير المدخلي، مجالس الهدى، الجزائر، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص113، 114 بتصرف.
  22. [21]. انظر: منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح، الشيخ ربيع بن هادى عمير المدخلي، مجالس الهدى، الجزائر، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص107: 118.
  23. [22]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (5/ 2146، 2147) بتصرف.
  24. [23]. منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح، الشيخ ربيع بن هادى عمير المدخلي، مجالس الهدى، الجزائر، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص118 بتصرف.
  25. [24]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (1/ 166، 167).
  26. [25]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (1/ 129) بتصرف.
  27. [26]. منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح، الشيخ ربيع بن هادى عمير المدخلي، مجالس الهدى، الجزائر، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص55.
  28. [27]. منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح، الشيخ ربيع بن هادى عمير المدخلي، مجالس الهدى، الجزائر، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص54، 55 بتصرف.

الجواب التفصيلي

دعوى اشتمال صحيح مسلم على أحاديث معلة(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض الواهمين أن صحيح الإمام مسلم يشتمل على بعض الأحاديث المعلة التي أثبتها الإمام مسلم فيه؛ ليقوم بشرحها وتوضيحها، والتنبيه عليها.

ويستدلون على ذلك بقوله في مقدمة صحيحه: "وسنزيد إن شاء الله تعالى شرحا وإيضاحا في مواضع من الكتاب عند ذكر الأخبار المعللة إذا أتينا عليها في الأماكن التي يليق بها الشرح والإيضاح، إن شاء الله تعالى".

كما يستدلون على ذلك بأن الإمام مسلما قد أورد في صحيحه طريق الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة، ولم يورد طريق الليث التي لم يذكر فيها ابن عباس، ويزعمون أن الأول لا يصح، والثاني محفوظ، ولو كان مسلم يريد المتابعة لأورد الطريق الثانية؛ لأنها سليمة، ولا نزاع في صحتها، ولكنه لم يفعل.

ويرون أن وسيلة الإمام مسلم في بيان هذه العلل، هي ترتيبه للروايات والأحاديث في أبواب صحيحه، بحيث يقدم الصحيح في الأصول والتوابع، ويؤخر المعل في نهاية الباب؛ ليبين علته، ويوضحه ويشرحه وما هذا الترتيب إلا دليل على صحة ما قدم، وضعف ما أخر، ولو جاء المتأخر من وجوه أكثر قوة من المتقدم.

وجوه إبطال الشبهة:

1) إن المقصد الأساسي من العلل في قول الإمام مسلم في مقدمة صحيحه، هو العلل التي لا تقدح أبدا في صحة الحديث، مثل اختلاف الرواة بالزيادة والنقصان في ألفاظ المتون، وهذا الاختلاف من باب العلل غير القادحة في صحة الحديث؛ لأن النقص لا يضر، وزيادة الثقة مقبولة.

2) إن الرواية التي استدل بها الطاعنون على أنها معلة، ليس بها أية علة أو ضعف، وإنما إيراده لها من قبيل زيادة الثقة في الإسناد، وهي مقبولة عند المحققين من علماء الحديث، ثم تدخل ضمنا في باب متابعة الطرق المذكورة قبلها؛ تعضيدا لها.

3) إن منهج الإمام "مسلم" في تقديم الروايات وتأخيرها ليس لبيان علتها، وإنما للتأكيد على صحتها، من خلال جمع طرق الباب في المتابعات والشواهد.

التفصيل:

أولا. العلة التي يقصدها الإمام مسلم في عبارته في مقدمة صحيحه، هي من قبيل العلة التي لا تقدح أبدا في صحة الحديث:

إن الثابت لدينا بشهادة العلماء الثقات أن صحيح الإمام مسلم لا يحتوي بأية صورة من الصور على أحاديث ضعيفة، أو بها علة تقدح في صحتها، ومن الشواهد التي تؤكد هذا قول الحافظ ابن منده: "سمعت أبا علي النيسابوري الحافظ يقول: ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم"([1]).

ومن الأقوال أيضا التي تثبت لنا مدى صحة كتاب الإمام مسلم ونقائه من العلل قول الإمام مسلم نفسه، كما جاء في "سير أعلام النبلاء": "قال مكي بن عبدان: سمعت مسلما يقول: عرضت كتابي هذا "المسند" على أبي زرعة، فكل ما أشار علي في هذا الكتاب أن له علة وسببا تركته، وكل ما قال: إنه صحيح ليس له علة، فهو الذي أخرجت"([2]).

"ومعنى هذا أن الإمام مسلما انتهي به المطاف إلى أن يقدم صحيحه وهو يعتقد أنه خال ونظيف من العلل - هذا ما يعتقده - وإن كان قد بقي عليه فيه ما يؤخذ عليه، وهو نزر يسير لا تخلو من مثله أعمال البشر، غير أن الذي نعتقده أن مسلما لم يقصد أبدا إلى أحاديث يعلم أن فيها عللا فيوردها في صحيحه، ثم يقوم بشرحها وتوضيحها"([3]).

من خلال هذا القول يتبين أن الإمام مسلما قد قصد في كتابه "الصحيح" الاقتصار على الأحاديث الصحيحة فقط، وهذا ما أثبته فعلا فيه، أما الأحاديث التي بها علة، أو ظهر ضعفها، فإنه لم يثبتها - أصلا - في كتابه، فضلا عن قيامه بشرحها وإيضاحها.

ومن ثم، فإن الأمة قد تلقته بالقبول؛ لأنه صنو صحيح البخاري في الصحة، لا لأنه وضع لشرح العلل وبيانها، وإلا لكان له شأن آخر، وللأمة موقف آخر منه، كأن يضعونه في كتب العلل، وقد ألف الحازمي، وابن طاهر في شروط الأئمة الخمسة والستة، ومنها الصحيحان، وأقرتهما الأمة على ذلك، وعلى أساس التزام الصحة وجهت إليه وإلى صحيح البخاري بعض الانتقادات؛ لأنهما أخلا بشرط الصحة في تلك الأحاديث المنتقدة في نظر من يوجه إليهما النقد، كالدارقطني، وأبي مسعود الدمشقي، وأبي علي الغساني، ولو كان مسلم التزم القيام بشرح العلل وبيانها في كتابه لما وجدت شيئا من تلك الانتقادات([4]).

وهكذا، لا يبقى لنا إلا أن نقول: إن مجرد الشك في وجود أحاديث معلة أو ضعيفة في صحيح الإمام مسلم يفتقد إلى حجة قاطعة، أو برهان مبين.

 قال ابن الصلاح: "ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة في ما ليس بقادح من وجوه الخلاف، نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط حتى قال: من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول، كما قال بعضهم: من الصحيح ما هو صحيح شاذ"([5]).

والذي أبهمه ابن الصلاح قد بينه غيره كأبي يعلى الخليلي، وتطلق العلة لديه على وجود سبب غير قادح في صحة الحديث، مثل الحديث الذي وصله ثقة ضابط فأرسله غيره([6]).

فالعلة لديه تشمل الصحيح، فكما يقال: صحيح شاذ، يقال: صحيح معلول([7]).

يقول القاضي عياض رحمه الله عندما يتكلم عن علل مسلم، وأنه أتى بها من ثنايا كتابه: وكذلك علل الحديث التي ذكر، ووعد أنه يأتي بها قد جاء بها في مواضعها من الأبواب من اختلافهم في الأسانيد، كالإرسال، والإسناد، والزيادة، والنقص، وذكر تصاحيف المصحفين، وهذا يدل على استيفائه غرضه في تأليفه، وإدخاله في كتابه كل ما وعد به([8]).

يقول الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي: لقد وعد الإمام مسلم رحمه الله بشرح العلل وتوضيحها، فما مراده بهذه العلل؟

الذي أقطع به أنه يريد بذلك العلل غير القادحة، والدليل على ذلك اتفاق الأمة على صحة كتابه، وتلقيهم إياه بالقبول، ولم يفهم أحد أنه يريد بهذا الشرح شرح العلل القادحة إلا القاضي عياض رحمه الله ويفهم من تصرفاته أن هذه الفكرة كانت غير راسخة في نفسه.

وهذا الشرح الذي هو بيان العلل غير القادحة، والتي هي مجرد اختلاف في العبارات، وفي الزيادة والنقص في ألفاظ المتون، قد وفي مسلم بما وعد به على أكمل الوجوه بطريق لا يضاهيه فيها أحد من المحدثين، وقد بدأ في إنجاز هذا الوعد من أول حديث رواه في كتابه بعد المقدمة.

وهو حديث عمر رضي الله عنه: «بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر...»([9])

وفيه سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام، والإيمان، والإحسان والساعة، فهذا هو الحديث الأول من كتاب الإيمان من صحيح مسلم، أورده من طرق، ثم قال بعد إيراده من الطريق الثانية: وساقوا الحديث بمعنى حديث "كهمس" وإسناده، وفيه بعض زيادة ونقصان أحرف([10])، وقال عقب الطريق الثالثة: "فاقتص الحديث كنحو حديثهم عن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه شيء من زيادة، وقد نقص منه شيئا"([11])، وهذا الاختلاف بين الرواة بالزيادة والنقص يعتبر من العلل عند كثير من المحدثين، ولكنها علل غير قادحة؛ لأن النقص لا يضر، ولأن زيادة الثقة مقبولة([12]).

هكذا يتضح لنا مقصد الإمام مسلم من عبارته، أنه يقصد بالعلل هنا هذه العلل التي لا تقدح بحال من الأحوال في صحة الحديث، فهناك علل قادحة، وأخرى غير قادحة، وذلك ما نجده في قول "ابن الصلاح": ثم اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف، المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل؛ ولذلك نجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب، والغفلة، وسوء الحفظ، ونحو ذلك من أنواع الجرح، وسمى الترمذي النسخ علة من علل الحديث، ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف، نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط؛ حتى قال: من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول، كما قال بعضهم: ومن الصحيح ما هو صحيح شاذ([13]).

ومن خلال كلام "ابن الصلاح" السابق، يتبين لدينا أن من العلة ما يقدح في صحة الحديث، ويبطل العمل به، ومنه ما لا يقدح في صحته، نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط.

ونخلص من ذلك كله إلى أن الإمام مسلما عندما وعد في مقدمة صحيحه بالشرح والإيضاح للأخبار المعللة إنما كان يقصد بها الأخبار التي بها علة لا تقدح في صحة الحديث أبدا، وبهذا يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن صحيح الإمام مسلم كله صحيح، لم يتطرق إليه الضعف مطلقا بأي صورة من صوره، وإنما تمثلت العلة غير القادحة عنده في الاختلاف بين الرواة بالزيادة والنقص في الروايات. وبهذا يكون الإمام مسلم قد أوفى بوعده في كتابه، من خلال هذه الإيضاحات وإيراده الطرق الزائدة والطرق الناقصة؛ لبيان أن كلا الطريقين قد صح بالزيادة تارة والنقص تارة أخرى، وذلك إذا كانت الزيادة من ثقة، وليست فيها مخالفة، وكان في الطرق الناقصة اتصال ليس فيه شبهة انقطاع.

ثانيا. الرواية التي استدل بها على وجود أحاديث معلة في صحيح مسلم، رواية صحيحة، لاعلة فيها ولا ضعف:

لقد ذهب الواهمون إلى أن صحيح مسلم يحوي روايات معلة، وما كان دليلهم على ذلك إلا أن مسلما - رحمه الله - لم يورد هذه الروايات بأسانيدها في الأصول، ولا في التوابع، وإنما أوردها ليبين ما فيها من علة، وكأن كتاب الإمام "مسلم" كتاب علل؛ يترك الروايات الصحيحة المحفوظة المتفق عليها، ويأخذ الروايات الشاذة المعللة المطعون فيها!

ومن هذه الروايات والطرق قولهم: إن الإمام مسلما أورد طريق الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة، ولم يورد طريق الليث التي لم يذكر فيها ابن عباس، والأول لا يصح، والثاني محفوظ، ولو كان مسلم يريد المتابعة لأورد الطريق الثانية؛ لأنها سليمة، ولا نزاع في صحتها، ولم يفعل"([14]).

فإذا كان الإمام مسلم أراد بهذه الطريقة أن يبين العلة في هذه الرواية بمجرد أنه لم يذكرها في الأصول والمتابعات، فهي طريقة لم يقل بها أحد في معرفة العلل، حتى كتب العلل ذاتها لا تفعل مثل هذا؛ فالسبيل القويم لمعرفة العلل عند كافة العلماء، كما قال الخطيب أبو بكر "أن يجمع بين طرقه، وينظر في اختلاف رواته، ويعتبر بمكانهم من الحفظ، ومنزلتهم من الإتقان والضبط"، وروي عن علي بن المديني قال: الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه([15]).

هكذا يكون بيان العلة في الحديث، وذلك بالجمع بين طرق الحديث، والنظر في اختلاف رواته، واعتبار مكانهم من الحفظ، ومنزلتهم من الإتقان والضبط.

وعلى هذا، فلو كان الإمام مسلم يقصد بيان العلل لسلك هذا المسلك، ولساق طرق حديث ميمونة صحيحها ومعلولها في نظره.

والأمر الآخر في الرواية السابقة أنهم ذهبوا إلى أن الإسناد الأول "لا يصح" والثاني "محفوظ"، يعنون به أن الإسناد الذي فيه ذكر ابن عباس عن ميمونة لا يصح، والثاني الذي خلا من ذكر ابن عباس عن ميمونة هو المحفوظ، وهذا كلام غريب ومنطق عجيب.

وفي حقيقة الأمر، نجد أن الرواية الأولى، هي الصحيحة، والثانية التي يقولون عنها محفوظة إنما هي أقل منها في الصحة، وأن مسلما رحمه الله قد اختار الحديث الذي فيه ذكر ابن عباس لأنه هو الأصح في نظره لأسباب:

أولا: أنه لا يشك أحد من المحدثين في رواية ابن عباس عن خالته ميمونة.

ثانيا: الإمام مسلم مجتهد مستقل، وهو يعد من نقاد هذا الفن، فإن ذكر طريقا زائدة، وانتقدها عليه غيره، فإنها تكون قد صحت عنده، ولا يشترط أن تكون قد صحت عند غيره؛ لكونها جاءت عند غيره من طرق لا يعتمد عليها.

ولو أطلنا النظر قليلا في الطريق التي أوردها مسلم، والتي فيها ذكر ابن عباس، والطريق التي لم يوردها مسلم والتي ليس فيها ابن عباس، ثم عقدنا موازنة عادلة بين الطريقين - لوجدنا ما يأتي:

1.   الطريق التي ذكرها مسلم:

حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح جميعا عن الليث بن سعد.

قال قتيبة حدثنا ليث عن نافع عن إبراهيم بن معبد عن ابن عباس أنه قال: «إن امرأة اشتكت شكوى، فقالت: إن شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس، فبرأت، ثم تجهزت تريد الخروج، فجاءت ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تسلم عليها، فأخبرتها ذلك، فقالت: اجلسي فكلي ما صنعت، وصلي في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يقول: صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا مسجد الكعبة»([16]).

2.   الطريق التي لم يذكرها مسلم:

قال البخاري في التاريخ الكبير: وقال لنا أبو عاصم عن ابن جريج عن نافع عن إبراهيم بن معبد عن ميمونة عن النبي صلى الله عليه وسلم([17]).

والملاحظ أن الطريق التي أوردها مسلم والتي فيها ذكر ابن عباس لم ينفرد بها وحده، فقد أوردها النسائي في السنن الكبرى، وذكرها البخاري في التاريخ الكبير من طريقين له، وذكرها الطبراني في المعجم الكبير، وهذا الأمر سنبينه إن شاء الله فيما يأتي:

إذا نظرنا إلى النقد الموجه إلى صحيح مسلم لإخراج صاحبه هذا الحديث من هذه الطريق؛ لوجدناه يتمثل في الإمام البخاري؛ إذ أنكر وجود ابن عباس في السند، حيث قال: "ولا يصح فيه ابن عباس"([18]).

ومن هنا وجب علينا أن نزيد الأمر وضوحا بعض الشيء على النحو الآتي:

هناك طائفة روت الحديث عن الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ميمونة بدون ذكر ابن عباس، وهؤلاء الرواة هم([19]):

o       عبد الله بن صالح     (التاريخ الكبير للبخاري).

o       حجاج بن محمد              (مسند أحمد).

o       قتيبة بن سعيد                (سنن النسائي).

وهناك طائفة تروي الحديث عن الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة.

وهؤلاء الرواة هم:

o       قتيبة بن سعيد                (صحيح مسلم).

o       محمد بن رمح                (صحيح مسلم).

o       عبد الله بن وهب            (مشكل الآثار للطحاوي).

o       شبابة بن سوار               (مصنف ابن أبي شيبة)([20]).

ثم قال الشيخ ربيع المدخلي: وكذلك راجعت "جامع المسانيد" لابن كثير، وقد ذكر فيه رواية حجاج، حدثنا الليث بدون ذكر ابن عباس راويا عنه، وكذا رواه مسلم، والنسائي عن قتيبة، وزاد مسلم "ومحمد بن رمح" عن الليث عن نافع عن إبراهيم عن ميمونة.

وتابع الحافظ ابن كثير كلامه، فقال: "حدثنا عبد الرزاق أن ابن جريج سمع نافعا مولى ابن عمر يقول: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن معبد أن ابن عباس حدث أن ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت:..." الحديث.

وقال أيضا: "وهكذا رواه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع عن إبراهيم عن ابن عباس عن ميمونة.

قال شيخنا (وهو المزي): وهو الصواب كما سيأتي.

ثم ذكر ابن كثير "حديثا آخر رواه مسلم والنسائي من حديث عبد الله بن معبد بن عباس عن ابن عباس عن ميمونة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة في مسجدي...» إلخ، وتقدم عن إبراهيم عنها من غير ذكر ابن عباس".

والحافظ المزي رحمه الله استند في اختياره ذلك على عامة النسخ من صحيح مسلم؛ تذكر "عن ابن عباس عنها" وعلى أن خلفا ذكر في ترجمة ابن عباس روايته عن ميمونة، وأنه وقع في بعض النسخ من كتاب أبي مسعود الدمشقي: "ابن عباس عن ميمونة"، وعلى أن رواية ابن جريج وقع فيها التصريح "أن ابن عباس حدث إبراهيم".

ويلاحظ مما سبق أن الإمام البخاري لم يذكر الاختلاف على الليث بين أصحابه في إثبات "ابن عباس" راويا عن ميمونة، بينما ذكر ذلك الاختلاف على ابن جريج بإيراده الروايتين عن ابن جريج المختلفتين فيه، وذلك في التاريخ الكبير (1/302).

ثم استطرد الشيخ ربيع قائلا: فإن الحافظ (ابن حجر) موافق للمزي على ترجيح أن الحديث من رواية ابن عباس عن ميمونة، لا عن إبراهيم عن ميمونة، ولو كان مخالفا له لما سكت عنه، ولناقشه فيما يراه غلطا.

وأيضا أقر الحافظ ابن حجر الحافظ المزي على أن في جميع نسخ النسائي ذكر ابن عباس.

وأما ما ذكره الحافظ من روايتي الطحاوي: فهو في "شرح معاني الآثار" روى أولا الحديث من طريق أبي بكرة عن أبي عاصم عن ابن جريج عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس عن ميمونة.

ثم رواه عن يونس عن ابن وهب عن الليث عن نافع، ثم قال: فذكر بإسناده مثله.

ورواه في "مشكل الآثار" عن يونس عن ابن وهب عن الليث عن نافع عن إبراهيم عن ابن عباس عن ميمونة.

والتي في "المشكل" وفيها ذكر ابن عباس هي الراجحة، ويؤيدها ما في عامة نسخ صحيح مسلم، وجميع نسخ النسائي، وما في نسخ أطراف خلف، وما في بعض نسخ أبي مسعود، وتقرير الحافظ المزي، والحافظ ابن حجر([21]).

ومن هنا فلا يستبعد أن يكون فات الإمام البخاري حديث ابن عباس من طريق الليث وأصحابه، وهذا وارد حتى على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يفوتهم من حديثه على كثرة ملازمتهم إياه - صلى الله عليه وسلم - وهو المعلم الأوحد لهم، فلا يستغرب أن يكون قد فات الإمام البخاري هذا الإسناد من تلاميذ الليث بن سعد؛ ولذلك كان حكمه على حديث ابن جريج، والذي قال فيه - بعدما ساق طريق ابن جريج عن نافع - ولا يصح فيه ابن عباس.

وإن صح كلام البخاري فحديث مسلم إنما جاء من طريق الليث عن نافع والذي فيه ذكر ابن عباس، لا من طريق ابن جريج عن نافع.

في الوقت الذي جاءت فيه الطريقان - الزائدة والناقصة - عن كلا الإمامين الليث بن سعد وابن جريج.

وعليه، فينبغي أن نعرف أن للمحدثين قواعد وموازين يرجحون ويوازنون بها بين الأقوال والروايات المختلفة، ومنها:

1.   الكثرة في العدد.

2.   كثرة الملازمة للشيوخ مع الحفظ والإتقان.

وبناء على ما سبق نخلص إلى أن الطريق التي أوردها الإمام مسلم في صحيحه لا شك في صحتها، وهي ليست من الطرق المعلة ولا المنتقدة؛ فالحديث أحيانا يرد من طريقين، إحداهما زائدة والأخرى ناقصة، فيكون في إحداهما زيادة راو ليس هو في الطريق الأخرى، فيحكم النقاد على أن الزيادة راجحة بكثرة الراوين لها، أو بضبطهم وإتقانهم، أو غيرها من القرائن، وأحيانا يظهر صواب الطريقين وصحة الوجهين الزائد والناقص على حد سواء، وهذا ما أثبتناه هنا بذكر الطرق، والرواة في كل طريق؛ لنبين أن الطريق المزيدة بذكر ابن عباس سواء من طريق الليث بن سعد أو من طريق ابن جريج صحيحة، وأن الإسناد صحيح بزيادة ابن عباس تارة، وبدون زيادته يستقيم، فإنه يثبت لإبراهيم بن عبد الله بن معبد سماع من ميمونة وإن شكك البعض فيه، أمثال: ابن حبان، ومغلطاي، إلا أن البخاري ذكره في التاريخ الكبير عن ميمونة، ولم ينف سماعه منها.

هذا في الوقت الذي روى فيه تلاميذ الليث الحديث بالزيادة، وهم من الثقات ومن مشاهير تلاميذ الليث، أمثال:

o       قتيبة بن سعيد.

o       محمد بن رمح.

o       عبد الله بن وهب.

o       وشبابة بن سوار.

هذا بالإضافة إلى تلاميذ ابن جريج عنه، وهم ممن رووه بالزيادة، أمثال:

o       أبو عاصم شيخ البخاري، وكلاهما - أي: هو وابنه - في التاريخ الكبير كما ذكرنا سابقا

o       عبد الرزاق بن همام الصنعاني وغيرهم.

 كل هؤلاء يجعلون الطريق الزائدة عن الليث وعن ابن جريج أكثر ثقة وأقوى قبولا للزيادة التي رووها.

ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نختم بكلمة للإمام النووي، قالها تعليقا على هذه الطريق التي ورد بها الحديث؛ وكلامه يعضد وجهة نظرنا.

قال: "وهذا الحديث مما أنكر على مسلم بسبب إسناده"، ثم ساق الانتقادات وقال: قلت: "ويحتمل صحة الروايتين جميعا، كما فعله مسلم، وليس هذا الاختلاف نافعا من ذلك، ومع هذا فالمتن صحيح بلا خلاف"([22]).

وختاما نقول: إن كتب الدنيا كلها لو خالفت ما في صحيح مسلم ونسخه الذي تلقته الأمة بالقبول والحب والعناية والرعاية، لقدمه الخلق عليها، ولهم الحق في ذلك والحق معهم، وهم لا يرجحون عليه إلا صحيح البخاري، وهما في هذا الباب لا يختلفان؛ لأن عناية الله بهما، ثم عناية الأمة بهما تصونهما من الإخلال والغلط، وتحميهما من الإسقاط والسقط، كما قال ابن الصلاح([23]).

ثالثا. منهج الإمام مسلم في تقديم الروايات وتأخيرها لم يكن لبيان علتها، وإنما للتأكيد على صحتها:

ادعى المغرضون - ظلما وزورا - أن الإمام مسلما رحمه الله قد اتبع في منهجه في ذكر الأحاديث والروايات ترتيبا يراعي فيه مواطن الصحة والعلل، بحيث إذا أورد طريق حديث متعدد الطرق في أول الباب، فمعناه أنه أسلم من العيوب وأنقى عنده من غيره، ويجمع تارة طرق الحديث في أول الباب؛ لكونها على مستوى واحد في السلامة من العيوب، ثم يتبعها بطرق أخرى لذلك الحديث، وقد تكون طرقا مستقلة عن الصحابي الذي قدم حديثه من طرق أخر ى غير هذه؛ ومعنى ذلك أنها ليست في مستوى تلك التي قبلها، لكون راويها من أهل القسم الثاني، أو لسبب آخر.

لا نتخيل هذا القول في منهج الإمام مسلم، ولا نتصور وجوده مطلقا في صحيحه، إنها حجة واهية اتكأ عليها المغرضون لإثبات وجود أحاديث معلة في هذا الكتاب العظيم، إن الصحة في هذا الكتاب - كما يدعون - تقتصر على ما قدمه الإمام في الأصول والمتابعات، ثم ما جاء بعد ذلك فهو من باب الأحاديث المعلة، إن هذا القول لم يقل به أحد من العلماء من قبل، وأنى له أن يقول هذا، وقد بين الإمام مسلم نفسه منهجه في ترتيب رواياته في مقدمة صحيحه فقال: "فأما القسم الأول، فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها، وأنقى من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث، وإتقان لما نقلوا، ولم يوجد في روايتهم اختلاف شديد، ولا تخليط فاحش، كما قد عثر فيه على كثير من المحدثين، وبان ذلك في حديثهم، فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس، أتبعناها أخبارا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان، كالصنف المقدم قبلهم، على أنهم وإن كانوا فيما وصفنا - دونهم فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم.

فأما ما كان منها عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون، أو عند الأكثر منهم، فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم"([24]).

قال القاضي عياض رحمه الله: إنك إذا نظرت إلى تقسيم مسلم في كتابة الحديث على ثلاث طبقات من الناس، كما قال ستجد أن القسم الأول حديث الحفاظ، وأنه إذا انقضى هذا أتبعه بأحاديث من لم يوصف بالحذق والإتقان، مع كونهم من أهل الستر والصدق، وتعاطي العلم، ثم أشار إلى ترك حديث من أجمع العلماء أو اتفق الأكثر منهم على تهمته، ونفي من اتهمه بعضهم وصححه بعضهم، فلم يذكره هنا، ووجدته ذكر في أبواب كتابه حديث الطبقتين الأوليين، وأتى بأسانيد الثانية منهما على طريق الاتباع للأولى والاستشهاد، أو حيث لم يجد في الباب الأول شيئا، وذكر أقواما تكلم قوم فيهم، وزكاهم آخرون، وخرج حديثهم ممن ضعف أو اتهم ببدعة.

 فعندي أنه أتى بطبقاته الثلاث في كتابه على ما ذكر، ورتبه في كتابه وبينه في تقسيمه، وطرح الرابعة كما نص عليه، وهو بذلك أراد أن يأتي بأحاديث الطبقتين، فيبدأ بالأولى، ثم يأتي بالثانية على طريق الاستشهاد والاتباع؛ حتى استوفى جميع الأقسام الثلاثة([25]).

هكذا يبدو لنا منهج الإمام مسلم في صحيحه جليا في ترتيب الأحاديث، إنه يبدأ بالأحاديث التي في أعلى درجات الصحة في الإسناد، ثم يتبعها بمن هم أقل من الدرجة الأولى، وهم المستورون، ولا يقدح فيهم أحد، وهذه تمثل التوابع والشواهد لما في أصول الباب، ثم إنه قد أمسك عن الضعفاء، والمتهمين، ولم يذكر عنهم شيئا، ومعنى هذا أنه التزم الصحة في كل أحاديث الباب، ولم يؤخر ما يراه معلا.

ومن ثم، فنحن نقر بأن ترتيب الإمام مسلم للروايات والأحاديث في صحيحه ما كان إلا لإثبات صحة رواياته فقط، فكان هدفه الأساسي هو ثبوت الصحة فيما يرويه، وذلك كما يقول الشيخ "ربيع المدخلي": "إن هدف مسلم الأساسي هو ثبوت الصحة فيما يرويه، ثم لا يبالي بعد ذلك أقدم هذا أو ذاك ما دام قد تحقق هدفه، ثم إنه بعد ذلك بشر لم يخرج عن طبيعة البشر، فقد يورد حديثا يرى أنه صحيح تكاملت فيه شروط الصحة التي التزمها، ويكون في نظر غيره غير صحيح، فيكون هذا النوع - وهو قليل - هدفا للنقد، فقد يكون الناقد على صواب، وذلك نادر، والغالب أن يكون الصواب في جانب الإمام مسلم - رحمه الله - هذا هو واقع مسلم، وهذا ما يعتقده علماء الحديث، وعلماء الأمة منذ ألف مسلم كتابه العظيم إلى يومنا هذا"([26]).

ومن هنا نصل إلى درجة اليقين في أن ترتيب الإمام مسلم للروايات والأحاديث ما كان لبيان صحيحها من معلها، وإلا لما كان لصحيح مسلم الفضل الذي منحه منذ ألف إلى يومنا هذا، وإنما كان هدفه الأول هو إثبات صحة هذه الروايات من خلال تعدد الطرق وتنوع الشواهد، وهو لا يلقي بالا في سبيل ذلك لتقديم الأحاديث وتأخيرها، ولذلك فربما نجده يقدم أسانيد الطبقة الأولى، وأحيانا يقدم أسانيد الطبقة الثانية، وأحيانا لا يورد في الباب إلا أحاديث الطبقة الأولى، وأحيانا لا يورد في الباب إلا أحاديث الطبقة الثانية إذا لم يجد شيئا من أحاديث الطبقة الأولى، وإذا كانت طرق الثانية تصل بالحديث إلى درجة الصحة التي التزمها، وأحيانا لا يورد في الباب إلا حديث صحابي واحد، وهذه الأنواع كثيرة جدا في صحيح مسلم، وليعلم القارئ أن الترتيب ليس هدفا لمسلم، وأن التقديم والتأخير للأحاديث لا دخل لهما في القوة والضعف، والتصحيح والتعليل([27]).

وبهذا يتضح لنا جليا هدف الإمام مسلم في ترتيب أحاديث كتابه الصحيح، فكان الأمر لديه منصبا على إثبات الصحة لهذه الروايات، ومن هنا جاء تقديمه لبعض الروايات، وتأخيره لأخرى، ولم يخطر بباله - أصلا - أن يؤخر حديثا؛ لأنه معل، أو لبيان علته وشرحها، فما كان هذا إلا حديثا مفترى على منهجه، وعلى ترتيب صحيحه.

الخلاصة:

·   إن مقصد الإمام "مسلم" من الأخبار المعلة في عبارته في مقدمة صحيحه، هي الأخبار التي بها علة لا تقدح أبدا في صحتها، فهناك علة قادحة في صحة الحديث، وأخرى غير قادحة، مثل الحديث الذي وصله ثقة ضابط فأرسله غيره، والعلل التي بينها الإمام مسلم في صحيحه، وشرحها ووضحها، كانت من باب الزيادة والنقص في ألفاظ المتون بين الرواة، وهذا الاختلاف بين الرواة بالزيادة والنقص يعد من العلل عند كثير من المحدثين، ولكنها من باب العلل غير القادحة؛ لأن النقص لا يضر، وزيادة الثقة مقبولة.

·   إن الرواية التي استدل بها الطاعنون على أن الإمام مسلما أوردها في صحيحه لبيان ما بها من علة، وهي الرواية التي من طريق الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة رواية صحيحة ليست بها أية علة، وهي من متابعات الباب، وتزداد الطرق بها قوة، فهي رواية سليمة، وليس بها علل، وإيراده لها يعد من قبيل الثقة في الإسناد؛ فهي مقبولة عند المحققين من أهل الحديث.

·   إن منهج الإمام مسلم في ترتيب الأحاديث والروايات في صحيحه جاء للتأكيد على صحة هذه الروايات والأحاديث، وليس لبيان العلة فيها.

·   إن هدف الإمام مسلم الأساسي من صحيحه هو ثبوت الصحة فيما يرويه، وهو لا يبالي في سبيل ذلك بتقديم حديث أو تأخيره، ما دام يحقق هذا الهدف.

 

المراجع

  1. (*) منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح، الشيخ ربيع بن هادى عمير المدخلي، مجالس الهدى، الجزائر، ط1، 1423هـ/ 2002م. الرد المفحم على من اعتدى على صحيح مسلم، ربيع بن هادى عمير المدخلي، دار المنهاج، القاهرة، ط1، 1428هـ/ 2007م.
  2. [1]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (12/ 566).
  3. [2]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (12/ 568).
  4. [3]. الرد المفحم على من اعتدى على صحيح مسلم، ربيع بن هادى عمير المدخلي، دار المنهاج، القاهرة، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص17.
  5. [4]. الرد المفحم على من اعتدى على صحيح مسلم، ربيع بن هادى عمير المدخلي، دار المنهاج، القاهرة، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص 17 بتصرف.
  6. [5]. علوم الحديث، ابن الصلاح، تحقيق: نور الدين عتر، المكتبة العلمية، بيروت، 1401هـ/ 1981م، ص 84.
  7. [6]. انظر: تدريب الراوى، السيوطى، تحقيق: عزت على عطية وموسى محمد علي، دار الكتب الحديثة، القاهرة، 1980م، (1/ 327) بتصرف.
  8. [7]. التأصيل الشرعي لقواعد المحدثين، د. عبد الله شعبان، دار السلام، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص 439.
  9. [8]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (1/ 129).
  10. [9]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان، (1/ 292، 293)، رقم (93).
  11. [10]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م,(1/ 293).
  12. [11]. صحيح مسلم (شرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان (1/ 293)، رقم (95).
  13. [12]. منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح، الشيخ ربيع بن هادى عمير المدخلي، مجالس الهدى، الجزائر، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص79، 80.
  14. [13]. علوم الحديث، ابن الصلاح، تحقيق: نور الدين عتر، المكتبة العلمية، بيروت، 1401هـ/ 1981م، ص84.
  15. [14]. الرد المفحم على من اعتدى على صحيح مسلم، ربيع بن هادى عمير المدخلي، دار المنهاج، القاهرة، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص 21 بتصرف.
  16. [15]. علوم الحديث، ابن الصلاح، تحقيق: نور الدين عتر، المكتبة العلمية، بيروت، 1401هـ/ 1981م، ص82.
  17. [16]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحج، باب: فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة، (5/ 2145)، رقم (3323).
  18. [17]. التاريخ الكبير، البخاري، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، 1407هـ/ 1986م، (1/ 302).
  19. [18]. التاريخ الكبير، البخاري، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، 1407هـ/ 1986م، (1/ 303).
  20. [19]. منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح، الشيخ ربيع بن هادى عمير المدخلي، مجالس الهدى، الجزائر، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص113.
  21. [20]. منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح، الشيخ ربيع بن هادى عمير المدخلي، مجالس الهدى، الجزائر، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص113، 114 بتصرف.
  22. [21]. انظر: منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح، الشيخ ربيع بن هادى عمير المدخلي، مجالس الهدى، الجزائر، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص107: 118.
  23. [22]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (5/ 2146، 2147) بتصرف.
  24. [23]. منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح، الشيخ ربيع بن هادى عمير المدخلي، مجالس الهدى، الجزائر، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص118 بتصرف.
  25. [24]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (1/ 166، 167).
  26. [25]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (1/ 129) بتصرف.
  27. [26]. منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح، الشيخ ربيع بن هادى عمير المدخلي، مجالس الهدى، الجزائر، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص55.
  28. [27]. منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح، الشيخ ربيع بن هادى عمير المدخلي، مجالس الهدى، الجزائر، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص54، 55 بتصرف.