نص السؤال

ألا تشجع الشريعة الإسلامية على الانتقام؟

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

 غالبًا ما يتهم الإسلام بأن شريعته تشجع على الانتقام بدلًا من العفو. لكن القرآن نفسه يدحض هذا، بقوله:

"فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ"

2: 178

"وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ"

42:40

العدالة هي الروح الحاكمة للشريعة الإسلامية. ومع ذلك، فإن التعريف المتغير للمصطلحات مثل "المتحضر" و "الحرية" و "المساواة" قد أدى إلى انتقاد الشريعة الإسلامية، وصاغ الحجة القائلة بأنه في ضوء هذا العالم المتغير، فإن الشريعة قد عفا عليها الزمن. بالنسبة للمسلم المؤمن هذا إنكار لحكمة الله الذي وضعنا على هذه الأرض وجعل لنا هدفًا في الحياة، ودورًا نحن مسؤولون عن تحقيقه.

لطالما كانت العقوبة جزءًا لا يتجزأ من مفهوم العدالة. يعتبر الإسلام الجريمة عملًا ظالمًا تجاه المجتمع بالإضافة لكونه خطيئة. العقوبة ليست كفارة

عن الذنب لأنه لا يمكن غفران الذنب إلا من خلال التوبة الصادقة. ومع ذلك فالجريمة هي إلحاق الأذى بالآخرين، وهذا لا يمكن مغفرته بالتوبة وحدها.

الهدف من جميع الأنظمة العقابية هو معاقبة الجاني وحماية المجتمع من تكرار الجريمة. ومع ذلك، إذا كانت المجتمعات تعتمد فقط على العقاب، فإنها ستفشل فشلًا ذريعًا. يجب أن تكون البيئة مبنية على قاعدة من الأخلاق والإيمان السليم، حيث يتم تشجيع السلوك الصحيح من قبل الجميع وتعارض المخالفة وتصبح بعيدة عن المنال قدر الإمكان.

العقوبات في الإسلام جزء واحد فقط من كيان متكامل أكبر، ولا يمكن فهمها بشكل صحيح أو تنفيذها بشكل مقبول بمعزل عن غيرها. لقد أمر الله بمجموعة من الحقوق والواجبات المتبادلة، وقد حدّ أيضًا حدودًا معينة يتعين على الجميع مراعاتها للحفاظ على العدالة. إذا أراد الناس والدول تحقيق السلام والأمان على الطرق السريعة للحياة، فيجب عليهم البقاء داخل "حارات المرور" المخصصة لهم واتباع "العلامات المرورية" المقامة على طول طرقهم، وإلا عرضوا أنفسهم والآخرين للخطر وبالتالي تعرضوا للعقوبة؛ ليس بغرض الانتقام، ولكن من أجل تنظيم التعاملات بين الناس في المجتمع.

في العديد من المجتمعات غير المسلمة اليوم هناك نقاشات مستمرة حول عقوبة الإعدام. في الإسلام، تقرر الموضوع من قبل الخالق، الذي قال:

"وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"

2: 179

تلمح الآية إلى أن هذه العقوبات تشكل رادعًا قويًا عن ارتكاب الجرائم؛ فوظيفة العقوبات تنظيم المجتمع ومنع تكرار الجريمة.

هناك ثلاث فئات من العقوبات في الشريعة الإسلامية: أولًا الحد، وهو عقوبات محددة متعلقة بعدد قليل من الجرائم المعينة، وهي عقوبات فرضها الله بصورة معينة. وثانيًا القصاص عقوبة القتل والاعتداء البدني، حيث يكون للضحية أو أسرة المتوفى الحق في الانتقام القانوني أو بدلًا من ذلك قبول تعويضات مالية أو حتى العفو عن الجاني، وفي تلك الحالتين تُتجنَّب عقوبة الإعدام. يدعو القرآن بقوة إلى المغفرة، وقد يأخذ الطرف المصاب ظروفًا بعين الاعتبار أو يتجاهل الاعتداء وينتظر الثواب من الله في الحياة التالية. وثالثًا التعزير، وهي عقوبة تقديرية تقررها المحكمة. هناك شروط صارمة يجب الوفاء بها حتى تُطبق أي من هذه العقوبات، ويجب اتباع إجراءات صارمة قبل إدانة أي شخص ومعاقبته.

هناك وظيفة أخرى مهمة لهذه العقوبات وهي التعليم. الغرض من العقوبات غرس شعور عميق بالنفور في المجتمع من الاعتداء على الآخرين ومخالفة الله.

بمجرد أن يفهم المرء المفاهيم والأهداف والأطر الأساسية للشريعة الإسلامية، لا يسعه إلا أن يستنتج أنها قادرة على جعل أي مجتمع الأكثر إنسانية وعدالة. تنشأ الصعوبات فقط عندما يحاول المنتقدون قياس البحر الهائل الذي هو المعرفة والحكمة والعدالة الإلهية بمعاييرهم وفهمهم الناقص.