نص السؤال
الزعم أن الإسلام يحل ويحرم ما يشاء، والنصرانية ليست كذلك
عبارات مشابهة للسؤال
الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.
الجواب التفصيلي
الزعم أن الإسلام يحل ويحرم ما يشاء، والنصرانية ليست كذلك (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المشككين أن هناك مخالفة ملحوظة بين منهج الإسلام ومنهج النصرانية من حيث التحليل والتحريم؛ فهو في الإسلام حيثما اتفق لا قاعدة له ولا معيار، كتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير، وهو في النصرانية ليس كذلك.
وجوه إبطال الشبهة:
1) الأصل وحدة الدين السماوي التوحيدي وتعدد الشرائع حسب الزمان والمكان حتى جاءت الشريعة الخاتمة الخالدة.
2) شهادات الدارسين والباحثين تؤكد تحريف الأديان السابقة على الإسلام مما أوقعها في أخطاء ومتناقضات لا يقبلها عقل وعليه فلا يعترف إلا بالإسلام عقيدة وشرعا لأنه المصدر الأوحد الذي لم يحرف.
3) مزية الإسلام الجوهرية هي الشمولية لشأن الدنيا والآخرة، الروح والمادة، العبادة والقيادة؛ لذلك كثرت تشريعاته من الحلال والحرام وغيرها بخلاف الأديان الأخرى ذات النظرة الجزئية لا الشاملة كالمسيحية التي اهتمت بالجانب الروحاني فقط.
4) الأساس في التحليل والتحريم في الشريعة الإسلامية هو رعاية المصالح ودرء المفاسد: لقوله سبحانه وتعالى: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) (الأعراف: ١٥٧) وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» [1].
التفصيل:
إن شريعة الإسلام تنزيل من حكيم حميد، والمحرمات منصوص عليها، وما لم ينص على تحريمه فهو مباح، إلا ما ثبت ضرره البين مما لم يكن موجودا في عهد الوحي، انطلاقا من قاعدة "لا ضرر ولا ضرار"،
وقوله سبحانه وتعالى:
(ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) .
(الأعراف: ١٥٧)
وهذا الذي يرمون به الإسلام متحقق بوضوح في النصرانية، فهم الذين يبيحون ويحرمون ما شاءت أهواؤهم:
(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم) (التوبة: 31).
(التوبة: 31).
وقال سبحانه وتعالى:
(أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)
(الشورى: ٢١).
وقد خرجوا على شريعة التوراة، مع أنها جزء من كتابهم المقدس، بسبب تدخلهم في التحليل والتحريم، ومن ذلك أن الخنزير محرم في التوراة، وأباحه النصارى، وأن تعدد الزوجات مباح في التوراة، وحرمه النصارى، وأن الختان مشروع في التوراة، وغير مشروع عند النصارى.
أولا. وحدة الدين الإلهي - الإسلام - في أصله السماوي:
الإسلام دين الرسل جميعا من لدن آدم - عليه السلام - حتى محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم المرسلين. وقد أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة تأكيدا تاما، فذكر على لسان نوح قوله:
(وأمرت أن أكون من المسلمين (72))
(يونس: 72)
، وعلى لسان إبراهيم وإسماعيل:
(ربنا واجعلنا مسلمين لك)
(البقرة: 128)،
وفي وصية يعقوب لأولاده:
(إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون (132))
(البقرة: 132)،
وعن موسى عليه السلام:
(فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين (84))
(يونس).
وفي معرض الحديث عن التوراة:
(يحكم بها النبيون الذين أسلموا)
(المائدة: 44)،
وعن يوسف عليه السلام:
(توفني مسلما وألحقني بالصالحين (101))
(يوسف)،
وعن سحرة فرعون وقد آمنوا بموسى:
(ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين (126))
(الأعراف)،
وعن حواري عيسى:
(آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون (52))
(آل عمران)،
وعن ملكة سبأ وقد آمنت:
(وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين (44))
(النمل)،
وفي دعاء الرجل الصالح:
(وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين (15))
(الأحقاف).
وفي الحديث:
«الأنبياء إخوة أبناء من علات، وأمهاتهم شتى ودينهم واحد»
[2].
قال سبحانه وتعالى:
(شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)
(الشورى: 13) [3].
يؤكد هذه الوحدة القائمة على التوحيد الخالص لله الخالق - عز وجل - الأستاذ أحمد عبد الوهاب بقوله: "إن الإسلام دين التوحيد الخالص، ولهذا فإن المسلم يعترف بصحة كل قول أو حديث يؤكد توحيد الله ويدعو إليه.
ومن أمثلة ذلك ما نجده في الأسفار، ويأتي مصداقا لما يقرره القرآن. ففي الوصية الأولى لموسى ولبني إسرائيل: "أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية. لا يكن لك آلهة أخرى أمامي. لا تصنع لك تمثالا منحوتا، ولا صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن، لأني أنا الرب إلهك إله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي". (الخروج 20: 2 - 5).
وفي الوحي إلى إشعياء: "قبلي لم يصور إله وبعدي لا يكون. أنا أنا الرب، وليس غيري مخلص. أنا أخبرت وخلصت وأعلمت وليس بينكم غريب. وأنتم شهودي، يقول الرب، وأنا الله. أيضا من اليوم أنا هو، ولا منقذ من يدي. أفعل، ومن يرد"؟. (إشعياء 43: 10 - 13).
وفي أقوال المسيح وتعاليمه: "وهذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته". (يوحنا 3: 17). "كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجدا بعضكم من بعض، والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه"؟ (يوحنا 5: 44).
"فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون، فلما رأى أنه أجابهم حسنا، سأله: «أية وصية هي أول الكل؟» فأجابه يسوع: «إن أول كل الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد. وتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك. هذه هي الوصية الأولى. وثانية مثلها هي: تحب قريبك كنفسك. ليس وصية أخرى أعظم من هاتين». فقال له الكاتب: «جيدا يا معلم. بالحق قلت، لأنه الله واحد وليس آخر سواه. ومحبته من كل القلب، ومن كل الفهم، ومن كل النفس، ومن كل القدرة، ومحبة القريب كالنفس، هي أفضل من جميع المحرقات والذبائح». فلما رآه يسوع أنه أجاب بعقل، قال له: «لست بعيدا عن ملكوت الله»". (مرقس 12: 28 - 34).
وفي رسائل تلاميذه: "أنت تؤمن أن الله واحد. حسنا تفعل. والشياطين يؤمنون ويقشعرون! ولكن هل تريد أن تعلم أيها الإنسان الباطل أن الإيمان بدون أعمال ميت"؟ (رسالة يعقوب 2: 19، 20).
وفي القرآن الكريم:
(وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون (25))
(الأنبياء)،
(إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما (98))
(طه)،
(قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا (110))
(الكهف).
والله - عز وجل - ليس كمثله شيء: "ليس مثل الله يا يشورون. يركب السماء في معونتك، والغمام في عظمته". (التثنية 33: 26). "فبمن تشبهون الله، وأي شبه تعادلون به". (إشعياء 40: 18). "الله لم يره أحد قط". (يوحنا 1: 18). "الذي وحده له عدم الموت، ساكنا في نور لا يدني منه، الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه". (رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس 6: 16).
(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (11))
(الشورى)،
(لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير (103))
(الأنعام) [4].
تعدد الشرائع:
لئن اتحد الدين الإلهي في جوهره التوحيدي لرب العالمين، فقد تعددت الشرائع بتعدد الأمم وتنوع الظروف وتغير الأحوال بتغير الزمان والمكان، وقد اختصت الأقوام السابقة كل بدعوة، حتى أرسل الله خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - بخاتمة الرسالات، وفي هذا الشأن. يقول د. شوكت عليان تحت عنوان "الحكمة من تعدد الديانات": "خلق الله تعالى الناس ولم يتركهم وشأنهم، بل اختار لهم نظما، وأحكاما تسعدهم في الدنيا والآخرة؛ وذلك لأن الإنسان عاجز عن إدراك المغيبات، ويتأثر تفكيره بمؤثرات من الزمان والمكان والمجتمع، وهو عاجز عن حمل غيره على طاعته لعدم قدرته على القهر الذي يربي الناس على كمال الطاعة، ولهذا جعل تعالى في كل أمة رسولا لها منها وأيده بالمعجزات، وأمده بتعاليم السماء لينشر الخير، ويعالج الشر ويبلغهم الوعد بالثواب، والوعيد بالعقاب:
(لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما (165))
(النساء).
وقد شرع الله تعالى لخلقه ما يناسب حالهم، ويتلاءم مع ظروف حياتهم وقوة إدراك عقولهم، وقوة احتمالهم، لهذا تعددت شرائعه في عباده على لسان رسله - عليهم السلام - ففرض - عز وجل - من التكاليف على كل أمة ما يتناسب مع هذه الظروف المختلفة، حتى المعجزات التي أيد الله بها الرسل، اختلفت لتكون في كل طور آية لله عند كل فريق يؤمنون بها، ويصدقون على أساسها دعاة التوحيد
قال سبحانه وتعالى:
(لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)
(المائدة: 48).
وقد كانت الرسالات السابقة على الإسلام كلها خاصة بمعنى أن كل رسول كان يختص بدعوته جماعة معينة لا تكلف بها جماعة أخرى، قال ابن عاشور: ولما كان العالم كله مركبا من آحاد الناس، ومملوءا بأفعالهم، وهم يقتربون ويبتعدون من هذه الدرجة بمقدار نفوذ سلطان الدين إلى نفوسهم ومساعيهم، كان إصلاحه غير حاصل إلا بإصلاح أجزائه القابلة للإصلاح، وهو إصلاح نفوس آحاد الناس. ثم يلزم أن يكون صلاح الآحاد متماثلا في أصوله ليمكن التعاشر والتآلف، فإن الاختلاف في أصول الأحوال النفسانية يجر إلى تعذر الائتلاف.
هذه غاية الأديان، وقد سلكت لها مسالك كثيرة، وهي مثل الطرقات العامة، تختلف بالطول والقصر والسعة والضيق، على حسب اختلاف استعداد الأمم ومدى تقبلهم، كي لا يحرج الله تعالى الناس بتحميلهم ما لا قبل لهم بتحمله رحمة منه تعالى. علم - عز وجل - أن في طبع البشر البعد عن إدراك ما لم تتهيأ نفسه لإدراكه، ولو أننا فرضنا استسلامه إلى الأوامر والنواهي فهو لا يلبث أن ينحرف ويحيد عنها بقصد أو غير قصد، فالأديان هي مبدأ إرشاد البشر إلى طريق الصلاح منذ ظهر على الأرض، ولم تزل تسمو به في درج الارتقاء كما يربى الطفل في نشأته.
ثم إن انقسام البشر وتشعبه، وتباعد أقطار إقامته، وصعوبة اختلاط بعضهم ببعض وضعف دواعي تواصلهم، وتعذر أو تعسر أسباب ذلك، وضعف القوى النفسية بسبب العداوة والبغضاء بينهم بتوهم كل فريق أو شخص أن صلاحه بإضرار غيره، وحياته بهلاك غيره، مع ما يضاف إلى ذلك من إغراء الباغين من الزعماء المضللين؛ كل ذلك قد فرق جماعتهم، وباعد بين أخلاقهم وعوائدهم، وبث بينهم العداوة والبغضاء، فحال دون الالتئام والألفة والاتحاد.
فلهذا كانت الأديان السابقة للإسلام تجيء خاصة بعشائر ثم بقبائل، ثم بأمم، والذي نجده منها يناسب حال أمة أو قبيلة، قد لا يناسب حال غيرها. وقد صرحت الأديان السالفة كلها والشرائع السابقة بتخصيص دعوتها بقوم معينين، فموسى - عليه السلام - مثلا، مع اختراقه أمما كثيرة في جهات بني إسرائيل في طرق التيه، قاصدين الأرض المقدسة، لم يدع إلى اتباعه غير قومه السائرين معه، ولما جاء عيسى - عليه السلام - لم يدع إلى اتباع دينه غير بني إسرائيل. وقد تحدث القرآن الكريم عن الأنبياء في إطار الخصوصية لدعواتهم، ف
قال سبحانه وتعالى:
(كذبت قوم نوح المرسلين (105))
(الشعراء)،
وقال سبحانه وتعالى:
(كذبت قوم لوط المرسلين (160))
(الشعراء).
وعدد المرسلين كثير، وقد كفانا الله مؤونة حصرهم،
فقال سبحانه وتعالى:
(ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك)
(غافر: ٧٨).
وسمى الله تعالى منهم في القرآن الكريم خمسة وعشرين أكثرهم في سورة الأنعام،
قال سبحانه وتعالى:
(وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم (83) ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين (84) وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين (85) وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين (86))
(الأنعام).
وهذه الديانات، وإن تعددت في الفروع والتكاليف والأعمال، فهي قد اتحدت في المصدر الذي صدرت عنه، وهو الله تعالى، واتحدت أيضا في الأصل الذي دعت إليه وهو التوحيد، فالقدر المشترك بين الرسالات جميعا هو تصحيح العقيدة أولا، ثم معالجة الأمراض الخلقية والاجتماعية الموجودة في تلك البيئات،
قال سبحانه وتعالى:
(ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)
(النحل: 36)،
وقال:
(وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون (25))
(الأنبياء)،
وقال:
(شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)
(الشورى: 13) [5].
المراجع
- (*) منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب، الشيخ عبد العزيز والشيخ حمد بن ناصر آل معمر، دار ثقيف للنشر والتأليف، الرياض، ط4، 1409هـ/ 1989م. [1]. صحيح: أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الأقضية، باب القضاء في المرفق (2758)، وأحمد في مسنده، ومن مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم (2867)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (250).
- [2]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب فضائل عيسى عليه السلام (6281).
- [3]. الإسلام، سعيد حوى، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1425هـ/ 2004م، ج1، ص3.
- [4]. الإسلام والأديان الأخرى: نقاط الاتفاق والاختلاف، أحمد عبد الوهاب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1419هـ/ 1998م، ص27: 29.
- [5]. الثقافة الإسلامية وتحديات العصر، د. شوكت عليان، دار الشواف، ليبيا، ط2، 1996م، ص116: 118.