نص السؤال

الزعم أن زياد بن عبد الله البكائي كان كذَّابًا

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

الزعم أن زياد بن عبد الله البكائي كان كذابا(*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المشككين أن زياد بن عبد الله البكائي كان كذابا، ويستدلون على ذلك بما قاله وكيع فيه: من أنه كان يكذب في الحديث مع شرفه.

رامين من وراء ذلك إلى الطعن في أئمة الحديث واحدا تلو الآخر.

وجه إبطال الشبهة

إن ما نقل عن وكيع من تكذيبه للبكائي يعد من تحريف الكلم عن مواضعه؛ لأن ما قيل عنه على النقيض من ذلك؛ إذ قال عنه: "هو - أي زياد - أشرف من أن يكذب" وليس كما زعموا[1]، وقصارى ما قيل فيه أنه ليس قويا في الحديث.

التفصيل:

حقيقة قول وكيع:

إن القول بأن وكيع قال عن زياد بن عبد الله البكائي: "إنه كان يكذب في الحديث مع شرفه"ـ إنما هو قول زور وبهتان لم يتفوه به وكيع قط، وهو لا يتعدى تحريف الكلم عن مواضعه، قصده المغرضون ليتخذوا منه دليلا على الطعن في أحد رواة الحديث، واتهامه بباطل لم يثبت عنه.

وحتى يتضح لنا الأمر ويفتضح أمرهم، فإن ما قاله وكيع عن زياد يختلف تماما عما زعمه هؤلاء؛ إذ إن ما قاله وكيع قد أورده الإمام البخاري في كتابه"التاريخ الكبير" عن ابن عقبة السدوسي عن وكيع: "هو أشرف من أن يكذب"[2].

فهذه أصل عبارة وكيع، إذ العبارة يتضح منها أن وكيعا ينفي الكذب مطلقا عن زياد في الحديث، وأنه أشرف من أن يكذب، بل وينفي ابن حجر عنه ذلك تماما، فيقول في "تقريب التهذيب" عنه: "صدوق ثبت في المغازي وفي حديثه عن غير ابن إسحاق، لين، ولم يثبت أن وكيعا كذبه"[3].

ويقول أيضا في كتابه "فتح الباري": "قال عثمان الدارمي وغيره عن ابن معين: قال وكيع: هو مع شرفه لا يكذب"[4].

وهذا علم من أعلام رجال الحديث، الذين هم أعلم بالرواة من غيرهم.

أقوال أئمة الجرح والتعديل في البكائي:

 ولعل ما ذكره أئمة الحديث عن هذا الرجل يذب عنه هذه التهمة.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: "ليس به بأس، حديثه حديث أهل الصدق"[5]. وقال أبو داود، عن أحمد بن حنبل: "ما أرى كان به بأس، كان ابن إدريس حسن الرأي فيه"، وسئل عنه مرة أخرى، فقال: "كان صدوقا"[6]. وقال أبو داود: سمعت يحيى بن معين يقول: "زياد البكائي في ابن إسحاق ثقة"، كأنه يضعفه في غيره[7]. وقال أبو زرعة: صدوق، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به[8]، ويقول النسائي عن حديثه بأنه: ضعيف وليس بالقوي[9]. وقال محمد بن سعد: "هو من بني عامر بن صعصعة، سمع "الفرائض" من محمد بن سالم، وسمع "المغازي" من محمد بن إسحاق، وقدم بغداد فحدثهم بها وبالفرائض وغير ذلك، ثم رجع إلى الكوفة، فمات بها سنة ثلاث وثمانين ومائة في خلافة هارون، وكان عندهم ضعيفا، وقد حدثوا عنه".[10] وقال يحيى بن آدم، عن عبدالله بن إدريس: "ما أحد أثبت في ابن إسحاق من زياد البكائي؛ لأنه أملى عليه إملاء مرتين، أرادوا رجلا أن يكتب لرجل من قريش فجاء زياد حتى أملى عليه لذلك الرجل"[11]. وقال أبو أحمد بن عدي: "ولزياد بن عبد الله أحاديث صالحة، وقد روى عنه الثقات من الناس، وما أرى برواياته بأسا"[12].

وقد روى له البخاري حديثا واحدا مقرونا بغيره، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه[13].

ويقول ابن حجر عنه: "صدوق ثبت في المغازي، وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين"[14].

جاء في كتاب "الرفع والتكميل": "كثيرا ما تجد في (ميزان الاعتدال) وغيره في حق الرواة نقلا عن يحيى بن معين: "أنه ليس بشيء" فلا تغتر به، ولا تظنن أن ذلك الراوي مجروح بجرح قوي؛ فقد قال الحافظ ابن حجر في مقدمة "فتح الباري" في ترجمة عبد العزيز بن المختار البصري: ذكر ابن القطان الفاسي أن مراد ابن معين من قوله: (ليس بشيء) يعني أن أحاديثه قليلة جدا، وقال السخاوي: "قال ابن القطان: إن ابن معين إذا قال في الراوي: ليس بشيء، إنما يريد أنه لم يرو حديثا كثيرا"[15].

ومن هذا نخلص إلى أن وكيعا لم يطعن في زياد بن عبد الله البكائي، وزياد صدوق، ولا بأس بحديثه.

الخلاصة:

·   إن ما نقله هؤلاء المغرضون من قول وكيع عن زياد بن عبد الله البكائي تحريف للكلم عن مواضعه، استعمله المغرضون في الطعن على أئمة الحديث، وهذا ليس بجديد عليهم.

·   إن أصل العبارة التي طعنوا بها كما وردت في كتب عديدة "أنه كان أشرف من أن يكذب" فهذا ينفي الكذب عنه مطلقا لا في الحديث فحسب، وهذا عكس ما قالوه.

·   إن ما ادعاه هؤلاء المغرضون في زياد يدحضه قول الأئمة عنه، فلم يذكروا أنه كذاب، بل قصارى ما ذكروه أن حديثه ليس بالقوي، وهذا من ناحية ضبطه وحفظه، ولا يمس عدالته وصدقه فيما يرويه في شيء.

·   إن أقوال أئمة الجرح والتعديل في زياد تراوحت بين صدوق، وليس بالقوي، ولين، وليس بشيء التي قصد بها ابن معين أن أحاديثه قليلة جدا، وهو على أقل الأحوال حسن الحديث؛ حيث قال ابن عدي بعد أن ساق الأحاديث الضعيفة التي جاءت من طريقه، قال: ما أرى برواياته بأسا.

 المراجع:


(*) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م. قصة الهجوم على السنة، د. علي أحمد السالوس، دار السلام، القاهرة، ط1، 1408هـ/1987م .

[1]. هذه الشبهة نادى بها أحد المستشرقين، وقام بهذا التحريف ابتغاء الطعن في رواة الحديث واحدا تلو الآخر؛ وصولا إلى تشكيك المسلمين في الأحاديث التي رواها هؤلاء الأئمة، وهذا من أكبر الأدلة على عدم أمانتهم في النقل، وحقدهم الدفين على الإسلام وأهله .

[2]. التاريخ الكبير، البخاري، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، د. ت، (3/360).

[3]. تقريب التهذيب، ابن حجر، تحقيق: أبي الأشبال صغير أحمد شاغف، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1416هـ، ص 346.

[4]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص423.

[5]. الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم الرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، (3/538).

[6]. تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (8/477).

[7]. تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (8/477).

[8]. الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم الرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، (3/538).

[9]. تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (8/478).

[10]. الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: د. علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (8/518).                     

[11]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (9/489).

[12]. الكامل في ضعفاء الرجال، ابن عدي، دار الفكر، بيروت، ط3، 1405هـ/ 1985م، (3/192).

[13]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (9/490 ).

[14]. تقريب التهذيب، ابن حجر، تحقيق: أبي الأشبال صغير أحمد شاغف، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1416هـ، ص 346.

[15]. الرفع والتكميل في الجرح والتعديل، أبو الحسنات عبد الحي اللكنوي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، سوريا، ط3، 1407هـ، ص 212، 213.