نص السؤال
إن الدارْوِينيَّةَ يتبنَّاها اليومَ أكابرُ العلماءِ في الغَرْبِ، كما أن عددًا مِن المفكِّرين المسلِمين قالوا بصحَّتِها؛ فما الإشكالُ فيها مِن وجهةِ نظرِ مَن يرفُضُها؟
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
الموقفُ مِن نظريَّةِ دارْوِن.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
يُمكِنُ إزالةُ الإشكالِ الواردِ في السؤالِ مِن خلالِ النِّقاطِ التالية:
الأُولى: مقدِّمةٌ حول نشأةِ نظريَّةِ دارْوِين:
ظهَرتِ الدارْوِينيَّةُ في أجواءٍ علميَّةٍ بدائيَّةٍ، حين كان يُعتقَدُ أن الحياةَ تَنشَأُ مِن اللاحياة، وأن الخليَّةَ مجرَّدُ بالُونٍ مليءٍ بمادَّةٍ هُلاميَّةٍ، وأن الحشَراتِ تَظهَرُ مِن بقايا الطعامِ، والفئرانَ مِن الشعيرِ، والبكتيريا مِن الجمادِ.
لذلك قد لا يُستغرَبُ على مَن انساقَ خلفَ هذه الخُرافةِ آنَذاكَ، واقتنَعَ بإمكانيَّةِ تحوُّلٍ مِن الزِّعْنِفةِ إلى قدَمٍ، أو اليدِ إلى جناحٍ؛ لأنه في ذلك الوقتِ لم تُكتشَفِ الصفاتُ الوراثيَّةُ بعدُ، ولكنَّ اللومَ كلَّ اللومِ يقَعُ على مَن يواصِلُ هذا الإيمانَ رَغْمَ المعرفةِ التي نمتلِكُها الآنَ!
فبينَما كان (ألفريد راسل والاس)، عالِمُ الأحياءِ البريطانيُّ، يتماثَلُ للشفاءِ مِن نَوْبةِ مَلارْيا بجزيرةِ (هالْماهِيرا) الإِنْدُونيسيَّةِ النائية، عنَّت له فكرةٌ كانت سببًا في تغييرِ نظرةِ البشَريَّةِ إلى نفسِها؛ فقد صاغ نظريَّةَ الاصطفاءِ الطبيعيِّ؛ حيثُ دُوِّنَتْ فكرتُهُ خطِّيًّا، ووصَلَتْ إلى دارْوِين الذي قال: «إنه كان يُمعِنُ الفِكرَ لما يَرْبو على عَقْدٍ مِن الزمانِ في نظريَّةٍ مشابِهةٍ عن النشوءِ والارتقاء، بدَأتْ بما يُسمَّى شجَرةَ الحياة!».
وهنا قام (لايل تشارْلِز ليل) بتشجيعِ (دارْوِين) على سرعةِ طرحِ نظريَّتِهِ قبل (والاس)، وهذا ما حدَثَ بالفعلِ، عندما قام (دارْوِين) بطرحِ نظريَّةِ «أصلِ الأنواعِ .. بمعنى الاصطفاءِ الطبيعيِّ».
وتقولُ النظريَّةُ باختصارٍ: «إن كلَّ الكائناتِ الحيَّةِ على وجهِ الأرضِ بدَأتْ مِن خليَّةٍ حيَّةٍ بسيطة، ثم تطوَّرَتْ وتنوَّعَتْ إلى كلِّ ما نَراهُ اليومَ مِن كائناتٍ حيَّةٍ بدَأتْ مِن الماء، ثم انتقَلَتْ إلى اليابسةِ خلالَ ملايينِ السِّنين؛ وذلك عن طريقِ الصفاتِ المكتسَبةِ مِن البيئةِ والاصطفاءِ الطبيعيّ، والذي يُبعِدُ كلَّ الصفاتِ التي لا تناسِبُ الكائنَ، ويحتفِظُ بتلك التي تَسمَحُ له بالبقاءِ في ظِلِّ الصراعِ على الحياة».
الشيءُ الشديدُ التناقُضِ هنا: هو أن دارْوِينَ الذي استطاع اكتشافَ أمرٍ ميتافيزيقيٍّ «غيبيٍّ»، عظيمٍ بحجمِ أن كلَّ الكائناتِ تعودُ لسلفٍ واحدٍ قبل (3.5 مليارِ سنةٍ)، لم يتمكَّنْ مِن اكتشافِ ما يحدُثُ أمام عَيْنَيْهِ، وهو أن الذُّبابَ لا يُخلَقُ مِن اللحمِ، كما كان يُعتقَدُ، بل يَجلِبُ اليَرَقاتِ إليه!
وهكذا وُلِدَتْ نظريَّةُ التطوُّرِ في أجواءٍ إلحاديَّةٍ مناسِبةٍ بعد زوالِ سلطةِ الكنيسةِ؛ حيثُ كانت النفوسُ مستعِدَّةً لتفسيرِ الحياةِ بشكلٍ مادِّيٍّ، ومهيَّأةً لأيِّ طرحٍ يقودُها بعيدًا عن تفسيراتِ الدِّينِ أو الخالق.
وتجدُرُ الإشارةُ إلى أن (دارْوِين) ليس أوَّلَ مَن ذكَرَ أن كائناتِ اليابسةِ سلَفُها خرَجَ مِن البحرِ، ولا أوَّلَ مَن أغرَقَ في التفكيرِ الخياليِّ البعيدِ كلَّ البعدِ عن التفاصيلِ العلميَّةِ لمثلِ هذه التحوُّلاتِ أو التطوُّر؛ فقد عرَفَ التاريخُ أوَّلَ وثَنيٍّ قال بذلك، وهو اليونانيُّ (أناكْسِيمانْدَر) (610- 546 ق. م)، حين أشار إلى أن الحيواناتِ كلَّها عاشت في الماءِ أوَّلًا، وأن حيواناتِ اليابسةِ تولَّدَتْ منها.
حتى إن الرُّومانيَّ (سِينْسُورِينوس) مِن القرنِ الثالثِ الميلاديِّ ذُكِرَ عنه؛ أنه قال بظهورِ البشَرِ لأوَّلِ مرَّةٍ رجالًا ونساءً في جوفِ سمكٍ كبيرٍ؛ كي يَحمِيَها مِن تقلُّباتِ الجوِّ في الأرض.
ويُشيرُ (هِنَري مُورِيس) لهذا الربطِ بقولِهِ في كتابِ «الحربِ الطويلةِ على الله»: «والحقيقةُ هي أن نظريَّةَ (دارْوِين) كانت حافزًا لإحياءِ الوثنيَّةِ القديمة، وقد ظهَرتْ في الوقتِ المناسِبِ مِن التاريخ؛ لتَجلِبَ ثمارَ التمرُّدِ على الله، والذي كان قد زُرِعَ في أُوروبا الغربيَّةِ قبلها بقرنٍ».
كتابُ (دارْوِين) أسهَمَ في إنتاجِ حَمْلةٍ مِن قِبَلِ عالِمِ الأحياءِ الشهيرِ (تومُاس هِنَري هُكْسلي)، وزملائِهِ أعضاءِ نادي إكس العَلْمانيِّ، عن طريقِ المذهبِ العلميِّ الطبيعيِّ، مستغِلًّا نفوذَهُ في المجلسِ الملَكيِّ الخاصِّ بإنجلترا، وقد كان شديدَ التعصُّبِ لنظريَّةِ (دارْوِين)، لدرجةِ أنه لُقِّبَ بـ (كلبِ دارْوِين)، وهو أوَّلُ مَن استخدَمَ مصطلَحَ «اللاأَدْريَّة».
الثانيةُ: أوجُهُ بطلانِ نظريَّةِ دارْوِين:
هذا؛ وتواجِهُ نظريَّةُ التطوُّرِ عددًا مِن الحقائقِ التي تحكُمُ على بنيانِها بالانهيار، يُمكِنُ إجمالُها فيما يأتي:
أوَّلًا: العجزُ عن الإثبات:
فمع عظيمِ المنزلةِ التي جعَلَها المَلاحِدةُ وأتباعُ الدارْوِينيَّةِ لفرضيَّةِ التطوُّر، وكبيرِ المكانةِ التي تتبوَّؤُها لديهم، ومع كثرةِ الجهودِ المضنِيَةِ التي بذَلُوها لإثباتِ صِحَّتِها وصِدْقِها وتدعيمِ سلامتِها، إلا أنها - عند التحقيقِ والتأمُّلِ فيما قدَّموه مِن أدلَّةٍ ومبرِّراتٍ وتوضيحاتٍ - ما زالت في خانةِ الفرضيَّة، وفي درجةِ التأمُّلِ العقليِّ، وما زالت هناك صعوباتٌ كبيرةٌ تعترِضُ طريقَها، وأسئلةٌ عميقةٌ وجوهريَّةٌ تؤكِّدُ عَجْزَها عن القيامِ على ساقَيْها.
يقولُ (جوناثان تتناباوم) المستشارُ العلميُّ لمعهدِ (شيلر) في مقالةٍ بعنوانِ: «نحوَ علمٍ جديدٍ للحياة»: «مِن السهلِ الآنَ اكتشافُ أن الدارْوِينيَّةَ ليست سوى نوعٍ مِن العبادةِ، أنا لا أبالِغُ، النظريَّةُ لا تمتلِكُ أيَّةَ صلاحيَةٍ علميَّةٍ، أدلَّةُ النظريَّةِ مصطنَعةٌ لأسبابٍ سياسيَّةٍ وأَيْدْيُولُوجيَّة».
ويقولُ الكاتبُ الماسونيُّ الإنجليزيُّ (والْتَر لِيزْلي وِيلْمِزْهُورْسْت) في كتابِهِ: «معنى الماسُونيَّة»: «التطوُّرُ مِن إنسانٍ إلى سُوبَرْمان، كان هو الهدَفَ المنشودَ دائمًا، أو التطوُّرَ إلى ما يُشبِهُ: الإلهَ».
ثانيًا: فسادُ منهجِ الاستدلالِ والاستنتاج:
مع حرصِ الدارْوِينيِّين على جمعِ أكبرِ قدرٍ ممكِنٍ مِن الأدلَّةِ على صحَّةِ فرضيَّتهم، إلا أنهم - في أثناءِ استدلالِهم بتلك الأدلَّةِ - وقَعوا في أنواعٍ مِن الانحرافاتِ الاستدلاليَّة، وصنوفٍ مِن الصُّوَرِ الخاطئةِ في الاستدلالِ والإثبات؛ كالمبالَغةِ في الاعتمادِ على الخيالِ والحَدْس، والاعتمادِ على مطلَقِ المشابَهةِ، والمصادَرةِ على المطلوب.
ثالثًا: بطلانُ القواعدِ المركزيَّة:
فمع أن التطوُّرَ فرضيَّةٌ كثيرةُ الفروع، متشعِّبةُ الأطراف، وكثيرةُ التعديلِ والتحوير، ومتعدِّدةُ المدارسِ والتشكُّلات، إلا أنها في حقيقتِها تقومُ على أصولٍ محدَّدة، وقواعدَ مركزيَّةٍ معدودة، تمثِّلُ المرجعيَّةَ الأساسيَّةَ فيها، والقواسمَ المشترَكةَ بين كلِّ تشكُّلاتِها.
وعند التأمُّلِ في منظومةِ فرضيَّةِ التطوُّرِ نجدُ أن أهمَّ تلك القواعدِ تَرجِعُ إلى أصلَيْنِ أساسيَّيْنِ، هما:
الأوَّلُ: الاعتمادُ على القولِ بالصُّدْفة.
الثاني: الاعتمادُ على الانتخابِ الطبيعيِّ طويلِ الأَمَد.
وكلا الأصلَيْنِ باطلٌ، وتفصيلُ ذلك يطولُ.
رابعًا: انتهاكُ فرضيَّةِ التطوُّرِ للامتيازاتِ الإنسانيَّة؛ مما أدَّى إلى إفسادِ حياةِ الإنسان، وإدخالِ الخلَلِ في مبادئِهِ وأخلاقِه، وإبطالِ أصولِ معرفتِه وعِلمِه:
فضلًا عن أن فرضيَّةَ التطوُّرِ مشحونةٌ بالأغلاطِ المنطقيَّةِ والاستدلاليَّة، وعاجزةٌ عن إثباتِ دَعْواها أن كلَّ المظاهرِ البَيُولوجيَّةِ ناتجةٌ عن الانتخابِ الطبيعيِّ القائمِ على الصُّدْفةِ وطولِ الأمَدِ -: فإنها مع ذلك لها آثارٌ عميقةٌ على حياةِ الإنسانِ، وطبيعةِ وجودِه في الحياة.
فحينَ تعامَلَتْ فرضيَّةُ التطوُّرِ مع الإنسانِ على أنه مجرَّدُ كائنٍ حيٍّ، جاء نتيجةَ الصُّدْفةِ العَمْياءِ الصمَّاء، التي لا إرادةَ لها، ولا قصدَ، ولا غايةَ؛ فإنها أنهَتْ بذلك الامتيازَ الإنسانيَّ، وحقَّرَت مِن منزلتِهِ، وأفسَدَتْ حقيقتَهُ وتصوُّراتِه، وأضَرَّتْ بأخلاقِهِ ومبادِئهِ وقوانينِ حياتِه.
فمِن أعمقِ المسالِكِ في محاكَمةِ فرضيَّةِ التطوُّرِ، والنظرِ في الحُكمِ عليها: الكشفُ عن آثارِها المدمِّرةِ لحياةِ الإنسانِ؛ فإن كلَّ نظريَّةٍ تُفسِدُ حياةَ الإنسان، وتُدخِلُ الخلَلَ في مبادئِهِ وأخلاقِه، وتُبطِلُ أصولَ معرفتِه وعِلمِه -: فهي لا مَحَالةَ نظريَّةٌ باطلةٌ لا يُمكِنُ قَبولُها.
خامسًا: تناقُضُ نظريَّةِ التطوُّرِ مع العلومِ التجريبيَّةِ الأخرى:
فمع عدمِ تماسُكِ النظريَّةِ في بُنْيانِها، وعدمِ قيامِها على براهينَ صادقةٍ، فهي - في الوقتِ نفسِهِ - تتصادَمُ مع عددٍ مِن التطوُّراتِ العلميَّةِ في مجالاتٍ مختلِفةٍ.
وقد قام عددٌ مِن الدارِسين برصدِ العلومِ؛ كعلمِ الفِيزْياءِ، والكِيمْياءِ، وغيرِهما، والمجالاتِ التي تتعارَضُ قوانينُها ونتائجُها مع فرضيَّةِ التطوُّر، وكشَفوا عن أوجُهِ التعارُضِ والتصادُمِ بينها ببحوثٍ علميَّةٍ مطوَّلةٍ ومفصَّلة.
وفيما يأتي نذكُرُ بعضَ الأسبابِ العلميَّةِ لسقوطِ الدارْوِينيَّةِ، نقلًا عن الدكتورِ (والْت بْرَاوْن) مركزِ الخَلْقِ العلميِّ:
1- مِن الحقائقِ الثابتةِ علميًّا: أن الحياةَ لا تَنشَأُ مِن موادَّ غيرِ حيَّةٍ (قانونُ التكوينِ البيولوجيBiogenesi).
2- يُعَدُّ أيُّ تطوُّرٍ كيميائيٍّ للحياةِ مستحيلًا؛ فلم يحدُثْ مِن قبلُ أنْ قام عالمٌ بإجراءِ تجرِبةٍ ناجحةٍ في هذا الصدَدِ، وحتى تجرِبةُ (مِيلَر يُورِي) التي لم تزَلْ تذكُرُها بعضُ المراجعِ العلميَّة، فقد ثبَتَ - فيما بعدُ - أنها غيرُ ملائمةٍ.
3- قوانينُ (مِنْدِل) للوراثةِ تحُدُّ مِن التبايُناتِ الوراثيَّةِ داخِلَ النوعِ الواحدِ؛ فوَفْقًا لهذه القوانينِ تؤدِّي التوليفاتُ المختلِفةُ مِن الجِيناتِ إلى ظهورِ صفاتٍ مختلِفةٍ بين أفرادِ النوعِ الواحدِ، لكنَّ الجِيناتِ نفسَها لا تتغيَّرُ مِن فردٍ لآخَرَ داخِلَ النوعِ الواحد، وقد أكَّدتِ التجاربُ والملحوظاتُ العلميَّةُ صحَّةَ هذه الحدودِ الوراثيَّة.
4- الصفاتُ المكتسَبةُ لا تُورَّثُ؛ فمثلًا: عُنُقُ الزَّرَافةِ الطويلُ، لم يتكوَّنْ نتيجةَ قيامِ أسلافِ الزرافةِ بمَدِّ أعناقِهم عاليًا للوصولِ للأغصانِ المرتفِعة، وكذلك الإنسانُ الذي يمارِسُ رياضةَ حملِ الأثقالِ، لن يمرِّرَ عضَلاتِهِ القويَّةَ إلى أبنائِه؛ فلا تُوجَدُ أيَّةُ آليَّةٍ حيويَّةٍ يُمكِنُ للكائنِ الحيِّ مِن خلالِها إحداثُ تغييراتٍ في صفاتِ نَسْلِه، بمجرَّدِ ممارَستِهِ لسلوكٍ معيَّنٍ خلالَ مدَّةِ حياتِه.
5- لم يحدُثْ مِن قبلُ أنْ تسبَّبت الطَّفَراتُ الوراثيَّةُ في جعلِ الكائناتِ الحيَّةِ أكثرَ ملاءَمةً لظروفِها المعيشيَّة؛ فالطَّفَراتُ - في مُجمَلها - مؤذِيَةٌ، وكثيرًا ما تكونُ مُمِيتةً.
ومِن خلالِ سلسلةٍ مِن التجارِبِ العلميَّةِ على ذُبَابةِ الفاكهة، استغرَقتْ (90 عامًا)، وأنتَجتْ (3000 جِيلٍ متعاقِبٍ)، لم نجدْ في النتائجِ ما يَجعَلُنا نعتقِدُ بوجودِ أيَّةِ عمليَّةٍ طبيعيَّةٍ أو صناعيَّةٍ يُمكِنُها زيادةُ تعقيدِ الكائنِ الحيِّ أو قابليَّتِهِ للاستمرار، وبالجملةِ: فإن الحشَراتِ لا تمتلِكُ أيَّ تاريخٍ تطوُّريّ.
6- الطَّفَراتُ لا ينتُجُ عنها أعضاءٌ معقَّدةٌ؛ كالعينَيْنِ، والأذُنِ، والمُخِّ، ناهيك عن التصميمِ المحكَمِ الدقيقِ في الكائناتِ الحيَّةِ الدقيقة؛ فمثلُ هذه الأعضاءِ لا يُمكِنُنا حتى أن نتصوَّرَها في حالةٍ شِبْهِ مكتمِلةٍ، أو نصفِ صالحةٍ.
حيثُ ينطبِقُ على هذه الأعضاءِ صفةُ «التعقيدِ غيرِ القابلِ للاختزال»، أي: أنه يَلزَمُ لأيِّ عضوٍ مِن هذه الأعضاءِ - للقيامِ بالحدِّ الأدنى مِن وظيفتِهِ -: أن يتوافَرَ له نطاقٌ واسعٌ مِن المكوِّناتِ والأجزاءِ المترابِطة، تَعمَلُ معًا في كفاءةٍ، وأيُّ نقصٍ أو عدمِ اكتمالٍ في أيِّ وظيفةٍ عضويَّةٍ مِن هذه الوظائفِ: تَجعَلُ العضوَ عِبْئًا على الكائنِ الحيِّ، لا مِيزةً، وهو ما لا يشجِّعُ على ظهورِهِ وَفْقًا لمبادئِ التطوُّرِ الأساسيَّة.
7- كلُّ الكائناتِ الحيَّةِ يُمكِنُ تصنيفُها إلى مجموعةٍ مِن الأنواعِ، ولو كانت نظريَّةُ التطوُّرِ هي التفسيرَ السليمَ لظهورِ الكائنات، لكُنَّا قد وجَدْنا أعدادًا غفيرةً مِن الكائناتِ الانتقاليَّةِ غيرَ مصنَّفةٍ، لكنَّنا - في الواقعِ - لا نجدُ أيَّ دليلٍ مباشِرٍ على نشوءِ أيَّةِ فصيلةٍ رئيسةٍ مِن الحيواناتِ أو النباتاتِ مِن فصيلةٍ أخرى.
8- اقتصَرَتْ مشاهَداتُنا على انقراضِ بعضِ أنواعِ الكائناتِ الحيَّة، لكننا لم نشاهِدْ أبدًا - على مَرِّ العصورِ - ظهورَ أيِّ نوعٍ جديدٍ مِن الكائناتِ الحيَّة.
9- «شجرةُ التطوُّرِ» المزعومةُ لا جِذْعَ لها؛ ففي الحِقَبِ المبكِّرةِ لسِجِلِّ الأحافير - وبصفةٍ عامَّةٍ في طبقاتِ العهدِ الكامْبْري - نجدُ أن صُوَرَ الحياةِ قد ظهَرَتْ معقَّدةً، ومتنوِّعةً، وكاملةَ التطوُّر، بشكلٍ مفاجئ.
سادسًا: الوقوعُ في التناقُضاتِ العميقة:
مِن أقوى البراهينِ الدالَّةِ على اضطرابِ المواقفِ، وبُعْدِها عن الاتِّساقِ والانضباطِ البِنائيِّ: وقوعُ أتباعِها في التناقُضاتِ المنهجيَّة، وهي - في الأصلِ - تدُلُّ على فسادِ الموقفِ نفسِهِ، وكسادِ بِنْيتِهِ الاستدلاليَّة.
وقد وقَعَ ذلك بشكلٍ ظاهرٍ في أتباعِ نظريَّةِ التطوُّر؛ فإنهم - في تعامُلِهم مع فرضيَّتِهم وتأسيسِهم لها - وقَعوا في حُزْمةٍ مِن التناقُضاتِ المَعِيبة.
وفيما يلي بعضُ التصريحاتِ التي أَدْلى بها العلماءُ على عدمِ إمكانِ الدارْوِينيَّةِ مِن تفسيرٍ لنشوءِ الحياة:
* الدكتورُ (رُوبِرْت أَنْدْرُوز مِيلِيكان)، وهو فيزيائيٌّ أمريكيٌّ، حائزٌ على جائزةِ نُوبِل في الفيزياءِ عام (1923)، مِن أنصارِ التطوُّر؛ قال: «إنه مِن المحزِنِ أن نرى العلماءَ في محاوَلةٍ لإثباتِ التطوُّر، ولا يُمكِنُ لأيِّ عالِم إثباتُها أبدًا».
* (جِيرِي كُوِين)، وهو عالِمُ البيئةِ والتطوُّرِ في جامعةِ شيكاغو؛ قال: «في النهايةِ، وبشكلٍ غيرِ متوقَّعٍ: يجبُ أن نعترِفَ أن هناك القليلَ مِن الأدلَّةِ لدعمِ الدارْوِينيَّةِ الجديدة، الأدلَّةُ النظريَّةُ والتجريبيَّةُ التي تَدعَمُها ما تزالُ ضئيلةً».
* (د. ل. سِتِيرِن)، عالِمُ الحيوان، ومِن أنصارِ التطوُّر؛ قال: «نظريَّةُ دارْوِين في التطوُّرِ لم تجدْ دليلًا واحدًا في الطبيعة؛ فهي ليست نتيجةً للبحوثِ العلميَّة، ولكنْ بكلِّ معنى الكلمةِ: هي وليدةُ أفكارٍ مِن خيالٍ».
كانت هذه آراءَ بعضِ العلماء، الذين ناصَروا الدارْوِينيَّةَ زمَنًا طويلًا.
ونُشيرُ ختامًا: إلى أن «نظريَّةَ التطوُّرِ الموجَّهِ» لم يقتصِرْ تبنِّيها على المفكِّرين الغربيِّين، وإنما تبنَّاها عددٌ مِن المفكِّرين المعاصِرين، ورأَوْا فيها موقفًا راشدًا جامِعًا بين جميعِ الشواهدِ العلميَّة، والنصوصُ الشرعيَّةُ تعارِضُ مقالةَ هؤلاءِ؛ ذلك أن الأدلَّةَ كثيرةٌ ظاهرةٌ قويَّةٌ على أن اللهَ خلَقَ آدَمَ أبا البَشَر، وخلَقَ الإنسانَ خَلْقًا خاصًّا، وأن وجودَهُ في الأرضِ لم يكن نتيجةَ تطوُّرٍ بَيُولوجيٍّ مِن أنواعٍ حيوانيَّةٍ أخرى سابقةٍ عليه.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
صاحبُ السؤالِ يَرَى أن الدارْوِينيَّةَ يتبنَّاها اليومَ أكابرُ العلماءِ في الغَرْبِ، كما أن عددًا مِن المفكِّرين المسلِمين قالوا بصحَّتِها؛ ويريدُ أن يَعرِفَ وجهَ الإشكالِ فيها مِن وجهةِ نظرِ مَن يرفُضُها.
مختصَرُ الإجابة:
إن نظريَّةَ دارْوِين هي نظريَّةٌ تطوَّرتْ وأخَذتْ قضايا مركَّبةً ومختلِطةً، ولها شِقَّان:
الشِّقُّ الأوَّلُ: شِقٌّ فيه معارَضةٌ للثوابتِ الدينيَّةِ؛ فهذا الشِّقُّ:
- مثلُ العشوائيَّةِ في التطوُّرِ، وما فيه مِن مخالَفةٍ لأصلِ العلمِ والمشيئةِ للهِ تعالى وغيرِها.
- ومثلُ موقعِ آدَمَ عليه السلامُ مِن هذه النظريَّةِ؛ فعندَنا نحن المسلِمين: اللهُ تعالى خلَقَ آدَمَ بيدِه، وأسجَدَ له ملائكتَه، وأكرَمهُ سبحانه وتعالى.
فهذا الشِّقُّ لا شكَّ في بطلانِهِ مِن النظريَّةِ؛ لثبوتِ الشرعِ نفسِهِ بأصحِّ وأصرحِ الأدلَّةِ، وثبوتِ ما يُبطِلُهُ في الشرعِ بأصحِّ وأصرحِ الأدلَّةِ أيضًا، ونحن نَقطَعُ أن ما بُنِيَ على ذلك الشِّقِّ مِن الأدلَّةِ، باطلٌ، وأما أهلُ العلمِ الطبيعيِّ، فهم: إما قومٌ يَعلَمون بطلانَهُ الآنَ، أو آخَرون سيَعلَمون ذلك.
والشِّقُّ الثاني: شِقٌّ ليس فيه معارَضةٌ للثوابتِ الدينيَّةِ؛ كتطوُّرِ بعضِ الحيواناتِ وغيرِها.
فهذا الشِّقُّ قابلٌ للنظرِ، وفيه شواهدُ قد تدُلُّ على بعضِ أجزاءِ النظريَّةِ (وليس كلَّها)، ومع ذلك فنقولُ: إن هذه النظريَّةَ لم تأخُذْ صفةَ القطعيَّةِ، كما يروِّجُ لها بعضُهم؛ لا مِن حيثُ سلامةُ الدليلِ، ولا مِن حيثُ سلامةُ الاستدلالِ (حيثُ يُوسَّعُ الاستدلالُ بأكثرَ مِن الدليل)، ولا مِن حيثُ اتفاقُ أهلِ الفنِّ عليها.
وقد ثبَتَ بالتتبُّعِ وجودُ كثيرٍ مِن الثُّغْراتِ العلميَّةِ فيها، بل مخالَفةُ بعضِها لنظريَّاتٍ - وربَّما حقائقَ علميَّةٍ - في علومٍ أخرى؛ مِن الفيزياءِ، والكيمياءِ، وغيرِها.
وكذلك ثبَتَ بطلانُ كثيرٍ مِن أدلَّتِها، بل تزييفُها، والمماحَكةُ لإثباتِها بدون الحجَّة، بل بالقوَّةِ والإرهابِ أحيانًا.
ولمجموعةٍ مِن العواملِ أصبَحتْ هذه النظريَّةُ رمزًا للإلحاد، ليس لقوَّتِها العلميَّةِ، بل لأنهم وجَدوها أقربَ ما لديهم لإيجادِ بديلٍ عن الربِّ الخالقِ سبحانه؛ فأصبَحتْ تُروَّجُ - بل تُفرَضُ أحيانًا - في البيئاتِ التعليميَّةِ والفكريَّةِ معاداةً لأهلِ الأديان، دون النظرِ في أدلَّةِ إثباتِ الخالقِ، وأدلَّةِ بطلانِها.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
صاحبُ السؤالِ يَرَى أن الدارْوِينيَّةَ يتبنَّاها اليومَ أكابرُ العلماءِ في الغَرْبِ، كما أن عددًا مِن المفكِّرين المسلِمين قالوا بصحَّتِها؛ ويريدُ أن يَعرِفَ وجهَ الإشكالِ فيها مِن وجهةِ نظرِ مَن يرفُضُها.
مختصَرُ الإجابة:
إن نظريَّةَ دارْوِين هي نظريَّةٌ تطوَّرتْ وأخَذتْ قضايا مركَّبةً ومختلِطةً، ولها شِقَّان:
الشِّقُّ الأوَّلُ: شِقٌّ فيه معارَضةٌ للثوابتِ الدينيَّةِ؛ فهذا الشِّقُّ:
- مثلُ العشوائيَّةِ في التطوُّرِ، وما فيه مِن مخالَفةٍ لأصلِ العلمِ والمشيئةِ للهِ تعالى وغيرِها.
- ومثلُ موقعِ آدَمَ عليه السلامُ مِن هذه النظريَّةِ؛ فعندَنا نحن المسلِمين: اللهُ تعالى خلَقَ آدَمَ بيدِه، وأسجَدَ له ملائكتَه، وأكرَمهُ سبحانه وتعالى.
فهذا الشِّقُّ لا شكَّ في بطلانِهِ مِن النظريَّةِ؛ لثبوتِ الشرعِ نفسِهِ بأصحِّ وأصرحِ الأدلَّةِ، وثبوتِ ما يُبطِلُهُ في الشرعِ بأصحِّ وأصرحِ الأدلَّةِ أيضًا، ونحن نَقطَعُ أن ما بُنِيَ على ذلك الشِّقِّ مِن الأدلَّةِ، باطلٌ، وأما أهلُ العلمِ الطبيعيِّ، فهم: إما قومٌ يَعلَمون بطلانَهُ الآنَ، أو آخَرون سيَعلَمون ذلك.
والشِّقُّ الثاني: شِقٌّ ليس فيه معارَضةٌ للثوابتِ الدينيَّةِ؛ كتطوُّرِ بعضِ الحيواناتِ وغيرِها.
فهذا الشِّقُّ قابلٌ للنظرِ، وفيه شواهدُ قد تدُلُّ على بعضِ أجزاءِ النظريَّةِ (وليس كلَّها)، ومع ذلك فنقولُ: إن هذه النظريَّةَ لم تأخُذْ صفةَ القطعيَّةِ، كما يروِّجُ لها بعضُهم؛ لا مِن حيثُ سلامةُ الدليلِ، ولا مِن حيثُ سلامةُ الاستدلالِ (حيثُ يُوسَّعُ الاستدلالُ بأكثرَ مِن الدليل)، ولا مِن حيثُ اتفاقُ أهلِ الفنِّ عليها.
وقد ثبَتَ بالتتبُّعِ وجودُ كثيرٍ مِن الثُّغْراتِ العلميَّةِ فيها، بل مخالَفةُ بعضِها لنظريَّاتٍ - وربَّما حقائقَ علميَّةٍ - في علومٍ أخرى؛ مِن الفيزياءِ، والكيمياءِ، وغيرِها.
وكذلك ثبَتَ بطلانُ كثيرٍ مِن أدلَّتِها، بل تزييفُها، والمماحَكةُ لإثباتِها بدون الحجَّة، بل بالقوَّةِ والإرهابِ أحيانًا.
ولمجموعةٍ مِن العواملِ أصبَحتْ هذه النظريَّةُ رمزًا للإلحاد، ليس لقوَّتِها العلميَّةِ، بل لأنهم وجَدوها أقربَ ما لديهم لإيجادِ بديلٍ عن الربِّ الخالقِ سبحانه؛ فأصبَحتْ تُروَّجُ - بل تُفرَضُ أحيانًا - في البيئاتِ التعليميَّةِ والفكريَّةِ معاداةً لأهلِ الأديان، دون النظرِ في أدلَّةِ إثباتِ الخالقِ، وأدلَّةِ بطلانِها.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
يُمكِنُ إزالةُ الإشكالِ الواردِ في السؤالِ مِن خلالِ النِّقاطِ التالية:
الأُولى: مقدِّمةٌ حول نشأةِ نظريَّةِ دارْوِين:
ظهَرتِ الدارْوِينيَّةُ في أجواءٍ علميَّةٍ بدائيَّةٍ، حين كان يُعتقَدُ أن الحياةَ تَنشَأُ مِن اللاحياة، وأن الخليَّةَ مجرَّدُ بالُونٍ مليءٍ بمادَّةٍ هُلاميَّةٍ، وأن الحشَراتِ تَظهَرُ مِن بقايا الطعامِ، والفئرانَ مِن الشعيرِ، والبكتيريا مِن الجمادِ.
لذلك قد لا يُستغرَبُ على مَن انساقَ خلفَ هذه الخُرافةِ آنَذاكَ، واقتنَعَ بإمكانيَّةِ تحوُّلٍ مِن الزِّعْنِفةِ إلى قدَمٍ، أو اليدِ إلى جناحٍ؛ لأنه في ذلك الوقتِ لم تُكتشَفِ الصفاتُ الوراثيَّةُ بعدُ، ولكنَّ اللومَ كلَّ اللومِ يقَعُ على مَن يواصِلُ هذا الإيمانَ رَغْمَ المعرفةِ التي نمتلِكُها الآنَ!
فبينَما كان (ألفريد راسل والاس)، عالِمُ الأحياءِ البريطانيُّ، يتماثَلُ للشفاءِ مِن نَوْبةِ مَلارْيا بجزيرةِ (هالْماهِيرا) الإِنْدُونيسيَّةِ النائية، عنَّت له فكرةٌ كانت سببًا في تغييرِ نظرةِ البشَريَّةِ إلى نفسِها؛ فقد صاغ نظريَّةَ الاصطفاءِ الطبيعيِّ؛ حيثُ دُوِّنَتْ فكرتُهُ خطِّيًّا، ووصَلَتْ إلى دارْوِين الذي قال: «إنه كان يُمعِنُ الفِكرَ لما يَرْبو على عَقْدٍ مِن الزمانِ في نظريَّةٍ مشابِهةٍ عن النشوءِ والارتقاء، بدَأتْ بما يُسمَّى شجَرةَ الحياة!».
وهنا قام (لايل تشارْلِز ليل) بتشجيعِ (دارْوِين) على سرعةِ طرحِ نظريَّتِهِ قبل (والاس)، وهذا ما حدَثَ بالفعلِ، عندما قام (دارْوِين) بطرحِ نظريَّةِ «أصلِ الأنواعِ .. بمعنى الاصطفاءِ الطبيعيِّ».
وتقولُ النظريَّةُ باختصارٍ: «إن كلَّ الكائناتِ الحيَّةِ على وجهِ الأرضِ بدَأتْ مِن خليَّةٍ حيَّةٍ بسيطة، ثم تطوَّرَتْ وتنوَّعَتْ إلى كلِّ ما نَراهُ اليومَ مِن كائناتٍ حيَّةٍ بدَأتْ مِن الماء، ثم انتقَلَتْ إلى اليابسةِ خلالَ ملايينِ السِّنين؛ وذلك عن طريقِ الصفاتِ المكتسَبةِ مِن البيئةِ والاصطفاءِ الطبيعيّ، والذي يُبعِدُ كلَّ الصفاتِ التي لا تناسِبُ الكائنَ، ويحتفِظُ بتلك التي تَسمَحُ له بالبقاءِ في ظِلِّ الصراعِ على الحياة».
الشيءُ الشديدُ التناقُضِ هنا: هو أن دارْوِينَ الذي استطاع اكتشافَ أمرٍ ميتافيزيقيٍّ «غيبيٍّ»، عظيمٍ بحجمِ أن كلَّ الكائناتِ تعودُ لسلفٍ واحدٍ قبل (3.5 مليارِ سنةٍ)، لم يتمكَّنْ مِن اكتشافِ ما يحدُثُ أمام عَيْنَيْهِ، وهو أن الذُّبابَ لا يُخلَقُ مِن اللحمِ، كما كان يُعتقَدُ، بل يَجلِبُ اليَرَقاتِ إليه!
وهكذا وُلِدَتْ نظريَّةُ التطوُّرِ في أجواءٍ إلحاديَّةٍ مناسِبةٍ بعد زوالِ سلطةِ الكنيسةِ؛ حيثُ كانت النفوسُ مستعِدَّةً لتفسيرِ الحياةِ بشكلٍ مادِّيٍّ، ومهيَّأةً لأيِّ طرحٍ يقودُها بعيدًا عن تفسيراتِ الدِّينِ أو الخالق.
وتجدُرُ الإشارةُ إلى أن (دارْوِين) ليس أوَّلَ مَن ذكَرَ أن كائناتِ اليابسةِ سلَفُها خرَجَ مِن البحرِ، ولا أوَّلَ مَن أغرَقَ في التفكيرِ الخياليِّ البعيدِ كلَّ البعدِ عن التفاصيلِ العلميَّةِ لمثلِ هذه التحوُّلاتِ أو التطوُّر؛ فقد عرَفَ التاريخُ أوَّلَ وثَنيٍّ قال بذلك، وهو اليونانيُّ (أناكْسِيمانْدَر) (610- 546 ق. م)، حين أشار إلى أن الحيواناتِ كلَّها عاشت في الماءِ أوَّلًا، وأن حيواناتِ اليابسةِ تولَّدَتْ منها.
حتى إن الرُّومانيَّ (سِينْسُورِينوس) مِن القرنِ الثالثِ الميلاديِّ ذُكِرَ عنه؛ أنه قال بظهورِ البشَرِ لأوَّلِ مرَّةٍ رجالًا ونساءً في جوفِ سمكٍ كبيرٍ؛ كي يَحمِيَها مِن تقلُّباتِ الجوِّ في الأرض.
ويُشيرُ (هِنَري مُورِيس) لهذا الربطِ بقولِهِ في كتابِ «الحربِ الطويلةِ على الله»: «والحقيقةُ هي أن نظريَّةَ (دارْوِين) كانت حافزًا لإحياءِ الوثنيَّةِ القديمة، وقد ظهَرتْ في الوقتِ المناسِبِ مِن التاريخ؛ لتَجلِبَ ثمارَ التمرُّدِ على الله، والذي كان قد زُرِعَ في أُوروبا الغربيَّةِ قبلها بقرنٍ».
كتابُ (دارْوِين) أسهَمَ في إنتاجِ حَمْلةٍ مِن قِبَلِ عالِمِ الأحياءِ الشهيرِ (تومُاس هِنَري هُكْسلي)، وزملائِهِ أعضاءِ نادي إكس العَلْمانيِّ، عن طريقِ المذهبِ العلميِّ الطبيعيِّ، مستغِلًّا نفوذَهُ في المجلسِ الملَكيِّ الخاصِّ بإنجلترا، وقد كان شديدَ التعصُّبِ لنظريَّةِ (دارْوِين)، لدرجةِ أنه لُقِّبَ بـ (كلبِ دارْوِين)، وهو أوَّلُ مَن استخدَمَ مصطلَحَ «اللاأَدْريَّة».
الثانيةُ: أوجُهُ بطلانِ نظريَّةِ دارْوِين:
هذا؛ وتواجِهُ نظريَّةُ التطوُّرِ عددًا مِن الحقائقِ التي تحكُمُ على بنيانِها بالانهيار، يُمكِنُ إجمالُها فيما يأتي:
أوَّلًا: العجزُ عن الإثبات:
فمع عظيمِ المنزلةِ التي جعَلَها المَلاحِدةُ وأتباعُ الدارْوِينيَّةِ لفرضيَّةِ التطوُّر، وكبيرِ المكانةِ التي تتبوَّؤُها لديهم، ومع كثرةِ الجهودِ المضنِيَةِ التي بذَلُوها لإثباتِ صِحَّتِها وصِدْقِها وتدعيمِ سلامتِها، إلا أنها - عند التحقيقِ والتأمُّلِ فيما قدَّموه مِن أدلَّةٍ ومبرِّراتٍ وتوضيحاتٍ - ما زالت في خانةِ الفرضيَّة، وفي درجةِ التأمُّلِ العقليِّ، وما زالت هناك صعوباتٌ كبيرةٌ تعترِضُ طريقَها، وأسئلةٌ عميقةٌ وجوهريَّةٌ تؤكِّدُ عَجْزَها عن القيامِ على ساقَيْها.
يقولُ (جوناثان تتناباوم) المستشارُ العلميُّ لمعهدِ (شيلر) في مقالةٍ بعنوانِ: «نحوَ علمٍ جديدٍ للحياة»: «مِن السهلِ الآنَ اكتشافُ أن الدارْوِينيَّةَ ليست سوى نوعٍ مِن العبادةِ، أنا لا أبالِغُ، النظريَّةُ لا تمتلِكُ أيَّةَ صلاحيَةٍ علميَّةٍ، أدلَّةُ النظريَّةِ مصطنَعةٌ لأسبابٍ سياسيَّةٍ وأَيْدْيُولُوجيَّة».
ويقولُ الكاتبُ الماسونيُّ الإنجليزيُّ (والْتَر لِيزْلي وِيلْمِزْهُورْسْت) في كتابِهِ: «معنى الماسُونيَّة»: «التطوُّرُ مِن إنسانٍ إلى سُوبَرْمان، كان هو الهدَفَ المنشودَ دائمًا، أو التطوُّرَ إلى ما يُشبِهُ: الإلهَ».
ثانيًا: فسادُ منهجِ الاستدلالِ والاستنتاج:
مع حرصِ الدارْوِينيِّين على جمعِ أكبرِ قدرٍ ممكِنٍ مِن الأدلَّةِ على صحَّةِ فرضيَّتهم، إلا أنهم - في أثناءِ استدلالِهم بتلك الأدلَّةِ - وقَعوا في أنواعٍ مِن الانحرافاتِ الاستدلاليَّة، وصنوفٍ مِن الصُّوَرِ الخاطئةِ في الاستدلالِ والإثبات؛ كالمبالَغةِ في الاعتمادِ على الخيالِ والحَدْس، والاعتمادِ على مطلَقِ المشابَهةِ، والمصادَرةِ على المطلوب.
ثالثًا: بطلانُ القواعدِ المركزيَّة:
فمع أن التطوُّرَ فرضيَّةٌ كثيرةُ الفروع، متشعِّبةُ الأطراف، وكثيرةُ التعديلِ والتحوير، ومتعدِّدةُ المدارسِ والتشكُّلات، إلا أنها في حقيقتِها تقومُ على أصولٍ محدَّدة، وقواعدَ مركزيَّةٍ معدودة، تمثِّلُ المرجعيَّةَ الأساسيَّةَ فيها، والقواسمَ المشترَكةَ بين كلِّ تشكُّلاتِها.
وعند التأمُّلِ في منظومةِ فرضيَّةِ التطوُّرِ نجدُ أن أهمَّ تلك القواعدِ تَرجِعُ إلى أصلَيْنِ أساسيَّيْنِ، هما:
الأوَّلُ: الاعتمادُ على القولِ بالصُّدْفة.
الثاني: الاعتمادُ على الانتخابِ الطبيعيِّ طويلِ الأَمَد.
وكلا الأصلَيْنِ باطلٌ، وتفصيلُ ذلك يطولُ.
رابعًا: انتهاكُ فرضيَّةِ التطوُّرِ للامتيازاتِ الإنسانيَّة؛ مما أدَّى إلى إفسادِ حياةِ الإنسان، وإدخالِ الخلَلِ في مبادئِهِ وأخلاقِه، وإبطالِ أصولِ معرفتِه وعِلمِه:
فضلًا عن أن فرضيَّةَ التطوُّرِ مشحونةٌ بالأغلاطِ المنطقيَّةِ والاستدلاليَّة، وعاجزةٌ عن إثباتِ دَعْواها أن كلَّ المظاهرِ البَيُولوجيَّةِ ناتجةٌ عن الانتخابِ الطبيعيِّ القائمِ على الصُّدْفةِ وطولِ الأمَدِ -: فإنها مع ذلك لها آثارٌ عميقةٌ على حياةِ الإنسانِ، وطبيعةِ وجودِه في الحياة.
فحينَ تعامَلَتْ فرضيَّةُ التطوُّرِ مع الإنسانِ على أنه مجرَّدُ كائنٍ حيٍّ، جاء نتيجةَ الصُّدْفةِ العَمْياءِ الصمَّاء، التي لا إرادةَ لها، ولا قصدَ، ولا غايةَ؛ فإنها أنهَتْ بذلك الامتيازَ الإنسانيَّ، وحقَّرَت مِن منزلتِهِ، وأفسَدَتْ حقيقتَهُ وتصوُّراتِه، وأضَرَّتْ بأخلاقِهِ ومبادِئهِ وقوانينِ حياتِه.
فمِن أعمقِ المسالِكِ في محاكَمةِ فرضيَّةِ التطوُّرِ، والنظرِ في الحُكمِ عليها: الكشفُ عن آثارِها المدمِّرةِ لحياةِ الإنسانِ؛ فإن كلَّ نظريَّةٍ تُفسِدُ حياةَ الإنسان، وتُدخِلُ الخلَلَ في مبادئِهِ وأخلاقِه، وتُبطِلُ أصولَ معرفتِه وعِلمِه -: فهي لا مَحَالةَ نظريَّةٌ باطلةٌ لا يُمكِنُ قَبولُها.
خامسًا: تناقُضُ نظريَّةِ التطوُّرِ مع العلومِ التجريبيَّةِ الأخرى:
فمع عدمِ تماسُكِ النظريَّةِ في بُنْيانِها، وعدمِ قيامِها على براهينَ صادقةٍ، فهي - في الوقتِ نفسِهِ - تتصادَمُ مع عددٍ مِن التطوُّراتِ العلميَّةِ في مجالاتٍ مختلِفةٍ.
وقد قام عددٌ مِن الدارِسين برصدِ العلومِ؛ كعلمِ الفِيزْياءِ، والكِيمْياءِ، وغيرِهما، والمجالاتِ التي تتعارَضُ قوانينُها ونتائجُها مع فرضيَّةِ التطوُّر، وكشَفوا عن أوجُهِ التعارُضِ والتصادُمِ بينها ببحوثٍ علميَّةٍ مطوَّلةٍ ومفصَّلة.
وفيما يأتي نذكُرُ بعضَ الأسبابِ العلميَّةِ لسقوطِ الدارْوِينيَّةِ، نقلًا عن الدكتورِ (والْت بْرَاوْن) مركزِ الخَلْقِ العلميِّ:
1- مِن الحقائقِ الثابتةِ علميًّا: أن الحياةَ لا تَنشَأُ مِن موادَّ غيرِ حيَّةٍ (قانونُ التكوينِ البيولوجيBiogenesi).
2- يُعَدُّ أيُّ تطوُّرٍ كيميائيٍّ للحياةِ مستحيلًا؛ فلم يحدُثْ مِن قبلُ أنْ قام عالمٌ بإجراءِ تجرِبةٍ ناجحةٍ في هذا الصدَدِ، وحتى تجرِبةُ (مِيلَر يُورِي) التي لم تزَلْ تذكُرُها بعضُ المراجعِ العلميَّة، فقد ثبَتَ - فيما بعدُ - أنها غيرُ ملائمةٍ.
3- قوانينُ (مِنْدِل) للوراثةِ تحُدُّ مِن التبايُناتِ الوراثيَّةِ داخِلَ النوعِ الواحدِ؛ فوَفْقًا لهذه القوانينِ تؤدِّي التوليفاتُ المختلِفةُ مِن الجِيناتِ إلى ظهورِ صفاتٍ مختلِفةٍ بين أفرادِ النوعِ الواحدِ، لكنَّ الجِيناتِ نفسَها لا تتغيَّرُ مِن فردٍ لآخَرَ داخِلَ النوعِ الواحد، وقد أكَّدتِ التجاربُ والملحوظاتُ العلميَّةُ صحَّةَ هذه الحدودِ الوراثيَّة.
4- الصفاتُ المكتسَبةُ لا تُورَّثُ؛ فمثلًا: عُنُقُ الزَّرَافةِ الطويلُ، لم يتكوَّنْ نتيجةَ قيامِ أسلافِ الزرافةِ بمَدِّ أعناقِهم عاليًا للوصولِ للأغصانِ المرتفِعة، وكذلك الإنسانُ الذي يمارِسُ رياضةَ حملِ الأثقالِ، لن يمرِّرَ عضَلاتِهِ القويَّةَ إلى أبنائِه؛ فلا تُوجَدُ أيَّةُ آليَّةٍ حيويَّةٍ يُمكِنُ للكائنِ الحيِّ مِن خلالِها إحداثُ تغييراتٍ في صفاتِ نَسْلِه، بمجرَّدِ ممارَستِهِ لسلوكٍ معيَّنٍ خلالَ مدَّةِ حياتِه.
5- لم يحدُثْ مِن قبلُ أنْ تسبَّبت الطَّفَراتُ الوراثيَّةُ في جعلِ الكائناتِ الحيَّةِ أكثرَ ملاءَمةً لظروفِها المعيشيَّة؛ فالطَّفَراتُ - في مُجمَلها - مؤذِيَةٌ، وكثيرًا ما تكونُ مُمِيتةً.
ومِن خلالِ سلسلةٍ مِن التجارِبِ العلميَّةِ على ذُبَابةِ الفاكهة، استغرَقتْ (90 عامًا)، وأنتَجتْ (3000 جِيلٍ متعاقِبٍ)، لم نجدْ في النتائجِ ما يَجعَلُنا نعتقِدُ بوجودِ أيَّةِ عمليَّةٍ طبيعيَّةٍ أو صناعيَّةٍ يُمكِنُها زيادةُ تعقيدِ الكائنِ الحيِّ أو قابليَّتِهِ للاستمرار، وبالجملةِ: فإن الحشَراتِ لا تمتلِكُ أيَّ تاريخٍ تطوُّريّ.
6- الطَّفَراتُ لا ينتُجُ عنها أعضاءٌ معقَّدةٌ؛ كالعينَيْنِ، والأذُنِ، والمُخِّ، ناهيك عن التصميمِ المحكَمِ الدقيقِ في الكائناتِ الحيَّةِ الدقيقة؛ فمثلُ هذه الأعضاءِ لا يُمكِنُنا حتى أن نتصوَّرَها في حالةٍ شِبْهِ مكتمِلةٍ، أو نصفِ صالحةٍ.
حيثُ ينطبِقُ على هذه الأعضاءِ صفةُ «التعقيدِ غيرِ القابلِ للاختزال»، أي: أنه يَلزَمُ لأيِّ عضوٍ مِن هذه الأعضاءِ - للقيامِ بالحدِّ الأدنى مِن وظيفتِهِ -: أن يتوافَرَ له نطاقٌ واسعٌ مِن المكوِّناتِ والأجزاءِ المترابِطة، تَعمَلُ معًا في كفاءةٍ، وأيُّ نقصٍ أو عدمِ اكتمالٍ في أيِّ وظيفةٍ عضويَّةٍ مِن هذه الوظائفِ: تَجعَلُ العضوَ عِبْئًا على الكائنِ الحيِّ، لا مِيزةً، وهو ما لا يشجِّعُ على ظهورِهِ وَفْقًا لمبادئِ التطوُّرِ الأساسيَّة.
7- كلُّ الكائناتِ الحيَّةِ يُمكِنُ تصنيفُها إلى مجموعةٍ مِن الأنواعِ، ولو كانت نظريَّةُ التطوُّرِ هي التفسيرَ السليمَ لظهورِ الكائنات، لكُنَّا قد وجَدْنا أعدادًا غفيرةً مِن الكائناتِ الانتقاليَّةِ غيرَ مصنَّفةٍ، لكنَّنا - في الواقعِ - لا نجدُ أيَّ دليلٍ مباشِرٍ على نشوءِ أيَّةِ فصيلةٍ رئيسةٍ مِن الحيواناتِ أو النباتاتِ مِن فصيلةٍ أخرى.
8- اقتصَرَتْ مشاهَداتُنا على انقراضِ بعضِ أنواعِ الكائناتِ الحيَّة، لكننا لم نشاهِدْ أبدًا - على مَرِّ العصورِ - ظهورَ أيِّ نوعٍ جديدٍ مِن الكائناتِ الحيَّة.
9- «شجرةُ التطوُّرِ» المزعومةُ لا جِذْعَ لها؛ ففي الحِقَبِ المبكِّرةِ لسِجِلِّ الأحافير - وبصفةٍ عامَّةٍ في طبقاتِ العهدِ الكامْبْري - نجدُ أن صُوَرَ الحياةِ قد ظهَرَتْ معقَّدةً، ومتنوِّعةً، وكاملةَ التطوُّر، بشكلٍ مفاجئ.
سادسًا: الوقوعُ في التناقُضاتِ العميقة:
مِن أقوى البراهينِ الدالَّةِ على اضطرابِ المواقفِ، وبُعْدِها عن الاتِّساقِ والانضباطِ البِنائيِّ: وقوعُ أتباعِها في التناقُضاتِ المنهجيَّة، وهي - في الأصلِ - تدُلُّ على فسادِ الموقفِ نفسِهِ، وكسادِ بِنْيتِهِ الاستدلاليَّة.
وقد وقَعَ ذلك بشكلٍ ظاهرٍ في أتباعِ نظريَّةِ التطوُّر؛ فإنهم - في تعامُلِهم مع فرضيَّتِهم وتأسيسِهم لها - وقَعوا في حُزْمةٍ مِن التناقُضاتِ المَعِيبة.
وفيما يلي بعضُ التصريحاتِ التي أَدْلى بها العلماءُ على عدمِ إمكانِ الدارْوِينيَّةِ مِن تفسيرٍ لنشوءِ الحياة:
* الدكتورُ (رُوبِرْت أَنْدْرُوز مِيلِيكان)، وهو فيزيائيٌّ أمريكيٌّ، حائزٌ على جائزةِ نُوبِل في الفيزياءِ عام (1923)، مِن أنصارِ التطوُّر؛ قال: «إنه مِن المحزِنِ أن نرى العلماءَ في محاوَلةٍ لإثباتِ التطوُّر، ولا يُمكِنُ لأيِّ عالِم إثباتُها أبدًا».
* (جِيرِي كُوِين)، وهو عالِمُ البيئةِ والتطوُّرِ في جامعةِ شيكاغو؛ قال: «في النهايةِ، وبشكلٍ غيرِ متوقَّعٍ: يجبُ أن نعترِفَ أن هناك القليلَ مِن الأدلَّةِ لدعمِ الدارْوِينيَّةِ الجديدة، الأدلَّةُ النظريَّةُ والتجريبيَّةُ التي تَدعَمُها ما تزالُ ضئيلةً».
* (د. ل. سِتِيرِن)، عالِمُ الحيوان، ومِن أنصارِ التطوُّر؛ قال: «نظريَّةُ دارْوِين في التطوُّرِ لم تجدْ دليلًا واحدًا في الطبيعة؛ فهي ليست نتيجةً للبحوثِ العلميَّة، ولكنْ بكلِّ معنى الكلمةِ: هي وليدةُ أفكارٍ مِن خيالٍ».
كانت هذه آراءَ بعضِ العلماء، الذين ناصَروا الدارْوِينيَّةَ زمَنًا طويلًا.
ونُشيرُ ختامًا: إلى أن «نظريَّةَ التطوُّرِ الموجَّهِ» لم يقتصِرْ تبنِّيها على المفكِّرين الغربيِّين، وإنما تبنَّاها عددٌ مِن المفكِّرين المعاصِرين، ورأَوْا فيها موقفًا راشدًا جامِعًا بين جميعِ الشواهدِ العلميَّة، والنصوصُ الشرعيَّةُ تعارِضُ مقالةَ هؤلاءِ؛ ذلك أن الأدلَّةَ كثيرةٌ ظاهرةٌ قويَّةٌ على أن اللهَ خلَقَ آدَمَ أبا البَشَر، وخلَقَ الإنسانَ خَلْقًا خاصًّا، وأن وجودَهُ في الأرضِ لم يكن نتيجةَ تطوُّرٍ بَيُولوجيٍّ مِن أنواعٍ حيوانيَّةٍ أخرى سابقةٍ عليه.