نص السؤال

توهم خطأ القرآن حين جعل القلب يؤدي وظيفة العقل

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

توهم خطأ القرآن حين جعل القلب يؤدي وظيفة العقل (*) 


مضمون الشبهة: 


يتوهم بعض المشككين أن القلب مجرد "مضخة للدم" وليست له مهمة تعقلية، وأن العقل - بكل مزاياه، ومراكزه الحسية، والفكرية الموجودة في الدماغ هو الذي يقوم بوظيفة التعقل والتدبر والإدراك. ويتساءلون: كيف يقول القرآن بعد ذلك:

(أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها)

(الحج: ٤٦)

، فيجعل القلب محلا للعقل، ويستدلون بذلك علي تناقض القرآن مع الواقع العملي والعلمي، الذي يثبت أن العقل محله الدماغ. 


وجها إبطال الشبهة: 


1)  القرآن الكريم والسنة المطهرة يقرران أن القلب هو مستقر العقل. 
2) أثبت العلم الحديث أن القلب ليس مجرد مضخة للدم فقط، بل اكتشفوا فيه هرمونات عاقلة ترسل إلى بقية أعضاء الجسم. 


التفصيل: 


أولا. القرآن الكريم والسنة المطهرة يقرران أن القلب هو مستقر العقل: 


لقد قرر القرآن الكريم أن العقل في القلب،

قال تعالى:

(أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمــى الأبصــار ولكــن تعمــى القلــوب التــي في الصدور (46))

(الحج)

، فجعل الله تعالى محل العقل في القلب، كما جعل محل السمع في الأذن، فلولا أن مستقر العقل في القلب، ما ذكر الأذن محلا للسمع وذكر عضوا غيرها. 
كما جعل القلب هو مناط التمييز بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، وهذه هي صفات العقلاء أنهم يميزون بين ما يضر وما ينفع، وما هو حق وما هو باطل؛

لذا قال تعالى:

(فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (46))

(الحج)،

وجاء في تفسير القرطبي:

(فتكون لهم قلوب يعقلون بها)

(الحج: ٤٦)

"أضاف العقل إلى القلب لأنه محله، كما أن السمع محله الأذن. وقد قيل: إن العقل محله الدماغ، وجاء عن أبي حنيفة، وما أراها عنه صحيحة" [1].
وفي السنة:

يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

«الإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس»

[2].

وجاء أيضا:

«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»

[3]

. وجاء أيضا:

«ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد، ألا وهي القلب»

[4]. 

وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم:

" يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"

[5].


فزوال القلب فيه زوال العقل،

وفي الحديث:

«إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»

[6]

. فلولا أن مناط التكليف محله في القلب لما ركز الرسول على الإشارة إليه والتعويل عليه، فسلامة القلب فيه سلامة العقل. 

وفي الحديث أيضا:

«تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة [7] سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين على: أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا [8] كالكوز مجخيا [9]، لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه»

[10]. 


فإذا بلغ بالقلب هذا الحال - وهو عدم التمييز بين المعروف والمنكر - وهو معروف لدى عامة الناس أنه مضخة للدم فقط، ثبت أن به العقل الذي يميز بين المنكر والمعروف، والحق والباطل. 


ثانيا. العلم الحديث يشهد بأن العقل في القلب وليس في الدماغ: 


وهذا ما يشهد به الأطباء المختصون بعمليات نقل القلب، ففي الستينيات من القرن الماضي اعتزل طبيب قلب مشهور مهنة الطب بسبب هذا الموضوع، وكان اسمه "برنار". 
وفي مناسبة نجاح عملية نقل قلب لطفل إنجليزي عمره أربعة عشر عاما، قام بها الدكتور المصري مجدي يعقوب في لندن، إلا أن العملية دمرت خلايا المخ لدى الولد، فقام والده برفع دعوى ضد د. مجدي يعقوب يطالبه فيها بتعويض، بهذه المناسبة نشرت إحدى الصحف قصة د. برنار أول طبيب نقل قلبا في الدنيا، وبعدما نقل القلب للمريض، أصبح القلب يعمل بطريقة ميكانيكية جيدة، لكن المريض أخذ يهذي بكلام غير معهود منه، فأرجعوا السبب إلى تأثير المخدر، فلما انقضت مدة المخدر لم يفق المريض من الهذيان. 


فقام نفس الطبيب برنار بعملية نقل قلب لمريض آخر، فأخذ هذا المريض يهذي أيضا بكلام غير معهود منه، فكالعادة أرجعوا السبب إلى المخدر؛ إلا أنه لم يفق من هذا الهذيان حتى بعد انتهاء مدة المخدر. هنا أرسل د. برنار مساعديه ليستقصوا عن صاحب القلب الأصلي، فوجدوا أن المريض الذي نقل إليه القلب الجديد يهذي بوقائع حقيقية لصاحب القلب الأصلي، مع أنه لا رباط بينهما في الواقع. 


فحينئذ أسقط في يد د. برنار، وأعلن في مؤتمر صحفي - بأسى بالغ - اعتزال مهنة الطب؛ لأنه جنى على رجلين، ثم قال: "ما قيمة حياة الإنسان إذا كان يعيش في فلك إنسان آخر، يفكر بتفكيره، ويعيش في أحلامه، ويتخلى عن حياته" [11]. 
ولعل ما بثته قناة الجزيرة القطرية في أحد برامجها عن الذين تم لهم عمليات نقل قلب، وما حدث لهم من تغير في الأحوال والأقوال والسلوكيات والتفكير، لعل هذا يعاضد ويؤيد علميا أن العقل مستقره في القلب، ولولا ذلك ما تغيرت سلوكيات هؤلاء. 


وقال الشيخ الزانداني متعجبا: هل مركز الإيمان والتعقل في الإنسان هو القلب؟ وإذا كان ذلك كذلك فكيف الحال في عمليات نقل القلوب والقلوب الصناعية؟ وهل القلب في القرآن والسنة هو هذا القلب؟
يقول: اليوم فقط فجرا وجدت جوابا جديدا كنت أبحث عنه، فمنذ مدة ونحن نتتبع هذا، فأرسلنا واحدا من إخواننا إلى مركز إجراء العمليات الصناعية إلى أمريكا، قال: لو تسمحون لي أن أقابل المرضى؟ قالوا: لا نسمح لك... لماذا؟ قال: أريد أن أقابلهم وأن أسألهم؛ فانزعجوا انزعاجا شديدا من طلبي وقالوا لي: أي معلومة تريدها نحن سنقدمها لك. قلنا: إن شاء الله ربنا سيكشف لنا وسيجعل من هذا إعجازا علميا نتكلم عنه في الأعوام القادمة والأيام القادمة إن شاء الله. 


وأخذنا نتتبع، فإذا بأستاذ بجامعة الملك عبد العزيز قال لي: أما سمعت الخبر؟
قلت: وما هو؟ قال: نشر في الجريدة منذ ثلاث سنوات ونصف أنهم اكتشفوا أن القلب ليس مضخة للدماء، بل هو مركز عقل وتعقل. 
ومرت الأيام، وسمعنا عن مركز لتبديل القلوب بالأردن، فقلت: هذه بلاد عربية، لعلنا - إن شاء الله - يتيسر لنا معلومة، وأن نرى ذلك بأعيننا. 
 وقال أحد الإخوة المتتبعين لهذا الموضوع: هل سمعت المؤتمر الصحفي لأول شخص بدل قلبه؟ قلت: لا. قال: عقد مؤتمر صحفي، وقالوا: لو أنكم معنا في البيت تشاهدون سلوك هذا ما غبطتموني على هذا.

 
قال الشيخ: اليوم اتصل بي أحد الإخوة من الأطباء السعوديين يشتغل بعملية تغيير القلوب، ويريد أن يعد بحثا عن هذا الموضوع، فأخذت أسأله: أنا أريد أن تركز على التغييرات العقلية والنفسية التي تحدث، والقدرة على الاختيار، ماذا يحدث؟ قال: القلب الجديد لا تكون فيه أي عواطف ولا انفعالات، فقلت كيف هذا الكلام؟ قال: هذا القلب إذا قربت إليه خطرا، بدا وكأنه لا شيء يهدده، بينما الثاني يرعش، وإذا قربت إليه شيئا يحبه، بدا وكأنك لم تقدم إليه شيئا، قلب بارد غير متفاعل مع سائر الجسد. 
وها هم يقولون: اكتشفوا أن في القلب هرمونات عاقلة ترسل رسائل عاقلة إلى الجسم كله، وأن القلب مركز عقل وتعقل، وليس مجرد مضخة للدم [12].


الخلاصة: 


•   الوحي يقرر أن القلب محل العقل ومستقره

لقوله تعالى:

(أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (46))

(الحج)

، فجعل الله تعالى العقل الذي يميز بين الحق والباطل، وبين المعروف والمنكر، وبين الخير والشر، في القلب، كما جعل محل السمع في الأذن. 
•   وفي السنة آثار تدلل على أن القلب هو محل التمييز والإدراك، وأن بصلاحه يصلح سائر البدن، وبفساده يفسد سائر البدن، ولا يكون ذلك إلا لمكانة القلب وما يحتويه من إشارات عاقلة تمد سائر الأعضاء بالقدرة على التصرف إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. 
•   ولقد ثبت علميا بعد عمليات نقل القلب لمرضى أنهم قد تغيرت سلوكياتهم وتفكيرهم وانفعالاتهم، وهذا دليل على أن مركز التفكر والتدبر، إنما هو في القلب، وليس في الرأس، وثبت علميا أيضا أن في القلب هرمونات عاقلة ترسل رسائل عاقلة إلى الجسم كله، فالقلب ليس مجرد مضخة للدم فقط كما كان يعتقد الناس من قبل. 

المراجع

  1. (*) هل القرآن معصوم؟ عبد الله عبد الفادي، موقع إسلاميات. www.islameyat.com [1]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج12، ص77.
  2. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تفسير البر والإثم (6680).
  3.  صحيــح: أخرجـه الترمـذي في سننـه، كتـاب صفـة القيامـة والرقائــق والــورع (2518)، والنسائـي في سننــه، كتاب الأشربــة، باب الحث على تــــرك الشبهات (5711)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3377).
  4. أخرجــه البخـاري في صحيحـه، كتـاب الإيمـان، بـاب فضـل من استبـرأ لدينـه (52)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات (4178).
  5. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ (12128)، والترمذي في سننه، كتاب القدر، باب القلوب بين إصبعي الرحمن (2140)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7987).
  6. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره (6708).
  7. النكتة: النقطة والعلامة والأثر، وأصله من النكت في الأرض، وهو التأثير فيها بعصا أو بغيره.
  8. المرباد: المتغير سواده بكدرة.
  9. المجخي: المائل عن الاستقامة والاعتدال.
  10. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا (386).
  11. محاضرة بعنوان "القلب ملك البدن"، الشيخ أبو إسحاق الحويني.
  12. الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم، والسنة النبوية، د. أحمد مصطفى متولي، دار ابن الجوزي، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص302، 303 بتصرف.