نص السؤال

الزعم أن الإسلام دين مقتبس من الحنيفية واليهودية والنصرانية ومحرف عنها

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

الزعم أن الإسلام دين مقتبس من الحنيفية واليهودية والنصرانية ومحرف عنها (*)


مضمون الشبهة: 


يدعي بعض المشككين أن الإسلام دين مقتبس من الحنيفية واليهودية والمسيحية، ويزعمون أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - استوعب جميع الديانات السابقة ليبدع هذا الدين ويؤلف القرآن من عند نفسه، متصنعا ما يسميه الوحي، وما هو إلا عرض من أعراض الهيستيريا والصرع اللذين كان مريضا بهما. 


وجوه إبطال الشبهة: 


1) بشارة الكتب السماوية السابقة بسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ثابتة، وإن كان أهل هذه الديانات ينكرونها تعاميا وتعصبا. 
2) بقايا الحنيفية قبل الإسلام ظلال باهتة لا تصلح أساسا لهذا الصرح الكامل، وكثير من الأحناف صدقوا بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. 
3) الإسلام ليس نسخة من اليهودية أو النصرانية أو من كلتيهما، ومقارنة جوهر هذه الديانات من خلال كتبها المقدسة يثبت ذلك. 
4) المصروع لا يملي - بعد إفاقته مباشرة - كلاما واضحا يتضمن أحكاما دقيقة وآدابا جمة، وما في القرآن من وجوه الإعجاز ينفي أن يكون من صنع محمد - صلى الله عليه وسلم - وتأليفه.


التفصيل: 


قبل تناول هذه الشبهات بالمناقشة والتفنيد، ربما يلزم أن نذكر بما هو ثابت ومعروف وشائع من أن الكتب السماوية السابقة اعترفت وشهدت وبشرت - خاصة قبل تحريفها - بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - الصادقة ورسالته الخاتمة.

 
أولا. بشارة الكتب السماوية السابقة بمحمد صلى الله عليه وسلم: 


في أسلوب حواري رشيق يتحدث عن هذا الموضوع الداعية الإسلامي الكبير أحمد ديدات - رحمه الله - تحت عنوان "ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد صلى الله عليه وسلم" فيقول: "يدافع المسيحي بالحجة عن النبوءات المذكورة في الكتاب المقدس، ويقول: إن الكتاب المقدس تنبأ بقيام روسيا السوفيتية واليوم الآخر وعن قيام البابا، وإنه هو الوحش 666 المذكور في سفر الرؤيا - آخر أسفار العهد الجديد - وإنه وكيل عيسى على الأرض. وآخر تصريح في تفسير هذه النبوءات أن الوحش 666 هو هنري كيسنجر، كما أن بعض هذه النبوءات يذكر - بحسب تفسيرهم - قيام إسرائيل وتشكيل دولة الصهاينة العنصرية الباغية المغتصبة!!


إننا نسأل المسيحي: إذا كانت هذه النبوءات قد تحدثت عن قيام روسيا السوفيتية وعن البابا وهنري كيسنجر وتأسيس دولة البغي إسرائيل، فلا بد لهذه النبوءات إذا أن تذكر شيئا عن النبي صلى الله عليه وسلم. إننا نسأل: ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد؟ يجيب المسيحي: لا شيء. نعود لنقول له: إن هذا الرجل - محمدا - الذي يؤمن به وبرسالته ملايين وملايين الناس، والذين يؤمنون: 
•     بولادة عيسى المعجزة. 
•     بأن عيسى هو المسيح. 
•  وبأن عيسى - عليه السلام - أحيا الموتى وشفى الأعمى والأكمه والأبرص بإذن الله، لا بد لهذا الكتاب المقدس أن يذكر شيئا عن هذا الرجل العظيم الذي تكلم كلاما حسنا عن عيسى وأمه مريم. يجيب المسيحي قائلا: لا يوجد أي ذكر أو أية نبوءة في الكتاب المقدس عن محمد!


يدعي المسيحي أن هناك مئات بل آلاف النبوءات عن قدوم عيسى المسيح في أسفار العهد القديم (التوراة). إننا لن نتساءل عن هذه النبوءات؛ لأن العالم الإسلامي بأسره قبل بعيسى المسيح دون العودة إلى نبوءات الكتاب المقدس، ونحن نعترف، ونقبل عيسى المسيح بشهادة سيدنا محمد وحده. وهنالك الآن في العالم أكثر من مليار مسلم ممن يحبون ويحترمون ويقدرون نبي الله العظيم ورسوله عيسى المسيح - عليه السلام - دون الحاجة إلى أن يقنعهم المسيحي بجدله الإنجيلي الديالكتيكي. 


ولكننا نسأل الآن العالم المسيحي بملايينه أن يذكر لنا نبوءة واحدة من هذه الآلاف التي تذكر عيسى بالاسم؟ إن كلمة (مسيح) ليست اسما بل لقبا، هل توجد نبوءة واحدة تقول بأن اسم المسيح سيكون عيسى؟ وأن اسم أمه سيكون مريم؟ و(والده) المفترض يوسف النجار؟ وأنه سيولد في عهد هيردوس الملك؟ لا. لا توجد هذه التفاصيل. إذا كيف توصل المسيحي إلى أن آلاف هذه النبوءات تشير إلى عيسى؟ 


يجيبك قائلا: النبوءة هي حدث سيحصل في المستقبل، وعندما يحل هذا الحدث فإننا نتحقق من وقوع ما تم التنبؤ به في الماضي. 
إذا إننا نقول لك بأنك تستدل، تستنتج، تستنبط بالمنطق، تجمع (1+1)، (2+2). تعال معنا إذا أيها الأخ المسيحي نطبق هذه القاعدة لنفتش عن النبوءات التي تشير إلى سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - في كتابك المقدس: "أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به ". (التثنية 18: 18). 


يجيب المسيحي: تشير هذه النبوءة إلى عيسى المسيح. نقول: ولكن لماذا عيسى؟ فاسمه لم يذكر هنا، يرد قائلا: يصف هذا النص المسيح تماما. انظر كلمة (مثلك) أي مثل موسى، وعيسى مثل موسى، فموسى كان يهوديا وعيسى يهودي. موسى كان نبيا وعيسى نبيا، لذا فعيسى مثل موسى، وهذا ما قاله الله لموسى، نقول: هل يمكنك أن تجد أوصافا أخرى يتوافق فيها موسى وعيسى؟
يجيب المسيحي: لا، لا أعتقد أنه يوجد أكثر من ذلك. 


نقول: إذا كان هذا هو المعيار الذي تعتمد عليه في قولك بأن هذه النبوءة: "أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به" تشير إلى عيسى، فإن هذا المعيار ينطبق أيضا على كل الشخصيات التي ذكرها الكتاب المقدس والتي أتت بعد موسى: سليمان، أشعيا، حزقيال، دانيال، هوشع، يوئيل، ملاخي، يوحنا المعمدان؛ لأن هؤلاء كانوا يهودا وأنبياء. 


إننا نقول: إن عيسى ليس مثل موسى، وسنبرهن لك على ذلك بالعقل والمنطق، فالمثل هو الشبه أو النظير بأدق الصفات والمميزات: 
•     عيسى ليس مثل موسى؛ لأن المسيحي يقول: إن عيسى هو الله، بينما موسى ليس هو الله. 
•     يقول المسيحي: إن عيسى مات لأجل خطايا البشرية، بينما لم يمت موسى لأجل خطايا البشرية. 
•     يقول المسيحي: إن عيسى ذهب إلى الجحيم ثلاثة أيام، بينما لم يذهب موسى إلى الجحيم، ولو ليوم واحد. 
إذا عيسى ليس مثل موسى، ونقول: إن ما ذكرناه إلى الآن هي مسائل إيمانية، وليست حقائق، قد نختلف عليها، تعال إذا نتكلم منطقيا وعقلانيا. 


1. كان لموسى أم وأب، كما كان لمحمد أم وأب. بينما كان لعيسى أم فقط وبدون أب. وهذا يعني أن عيسى ليس مثل موسى، بل إن محمدا هو مثل موسى. 


2. ولد كل من موسى ومحمد ولادة طبيعية - أي بثمرة علاقة رجل مع امرأة - بينما خلق عيسى بمعجزة. يقول لنا إنجيل القديس متى: "أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا: لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف، قبل أن يجتمعا، وجدت حبلى من الروح القدس". (متى 1: 18). 
كما يخبرنا القديس لوقا عندما أخبرت مريم عن ابنها المقدس: "فقالت مريم للملاك: «كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا»؟ فأجاب الملاك وقال لها: «الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله»". (لوقا 1: 34، 35). 
إذا كانت ولادة عيسى بمعجزة بينما كانت ولادة كل من موسى ومحمد ولادة طبيعية، لذا فإن عيسى ليس مثل موسى، بل محمد مثل موسى. 
3. تزوج كل من موسى ومحمد وأنجبا أولادا، بينما لم يتزوج عيسى وبقى عزبا طوال حياته، إذا: عيسى ليس مثل موسى، بل محمد مثل موسى. 


4. اعتنق اليهود ديانة موسى في حياته، كما اعتنق العرب الإسلام في حياة محمد، ولقد عانى موسى من شعبه كثيرا، ولكنهم في النهاية قبلوه نبيا أرسل إليهم، كما عانى محمد من العرب واضطر إلى الهجرة للمدينة المنورة بعد ثلاث عشرة سنة من الإقامة في مكة، واعتنق العرب الإسلام قبل وفاته وقبلوه نبيا أرسل إليهم، بينما يقول الكتاب المقدس عن المسيح: "إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله". (يوحنا 11: 1). 
وحتى هذا اليوم وبعد ألفي عام، فإن شعبه أو خاصته - اليهود - لم تقبله. إذا عيسى ليس مثل موسى، بل محمد مثل موسى. 


5. كان موسى ومحمد نبيين ورئيسي دولة - ملكين - والمعنى بكلمة نبي شخص يتنزل عليه وحي سماوي لإرشاد البشرية، والوحي الذي يتنزل عليه ينقله إلى البشر دون إضافة أو نقصان، ورئيس الدولة أو الملك شخص لديه القرار بالحكم بالموت أو الحياة على أتباعه، ولا يهم إذا وضع رئيس الدولة أو الملك تاجا على رأسه أو اكتسى لباس الملك، أو لباس رئيس الدولة، فإن تمتع بالقدرة على إنزال العقوبة القصوى فهو ملك. 


امتلك موسى هذه القدرة، ففي قصة الإسرائيلي الذي كان يجمع الحطب يوم السبت، أمر برجمه حتى الموت: "فأخرجه كل الجماعة إلى خارج المحلة ورجموه بحجارة، فمات كما أمر الرب موسى". (العدد 15: 36). 
وهنالك جرائم أخرى مذكورة في الكتاب المقدس أمر موسى فيها بالعقوبة القصوى على اليهود، وتمتع محمد أيضا بالقرار لإصدار الأحكام بالموت على أتباعه. 
وهنالك نبوءات في الكتاب المقدس عن أنبياء لم يتمكنوا من تنفيذ الوحي السماوي على البشر، وقد فشل هؤلاء القديسون في إقناع الناس بدعواتهم، كلوط ويونان ودانيال وعزرا ويوحنا المعمدان، لقد بلغوا الرسالة فقط ولم يتمكنوا من تطبيقها، وللأسف فإن سيدنا عيسى ينتمي إلى هذه المجموعة، والكتاب المقدس يؤكد هذه الحقيقة.

 
عندما أحضر عيسى أمام الحاكم الروماني بيلاطس متهما بقذف الدولة، دفع التهمة الباطلة عنه بحجة مقنعة قائلا: "أجاب يسوع: «مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم، لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا»". (يوحنا 18: 36). 
أقنعت هذه الحجة بيلاطس الوثني بأن عيسى لا يتملك قواه الفعلية، ولا يشكل خطرا على حكمه، لقد ادعى عيسى مملكة سماوية فقط، أي بعبارة أخرى ادعى أنه نبي فقط. إذا عيسى ليس مثل موسى، بل محمد مثل موسى. 


6. لقد أدخل كل من موسى ومحمد تعاليم وقوانين جديدة لأتباعهما وشعبيهما، ولم تقتصر دعوة موسى بوضع الوصايا العشر للإسرائيليين، بل اشتملت أيضا على طقوس وقوانين شاملة لرشاد شعبه، ولقد ظهر محمد في وقت كان العرب فيه في جهل وبربرية عمياء. كان العربي في ذلك الزمن يتزوج زوجة أبيه ويئد [1] بناته أحياء، وكان يتعاطى الخمر ويمارس الزنا، وكانت عبادة الأصنام والمقامرة شغله الشاغل. 


ويصف جيبون العرب قبل الإسلام في كتابه "سقوط وتدهور الإمبراطورية الرومانية" قائلا: "يصعب تمييز الصفات الإنسانية عن الصفات البهيمية الحيوانية، يصعب التمييز فيها بين الإنسان والحيوان، لقد كان الإنسان في تلك الفترة بهيمة في صورة إنسان". 
ومما لا شك فيه أن محمدا قد انتشل [2] العرب من هذه البربرية الوضعية، كما يقول توماس كارليل، وجعلهم حملة مشعل النور والمعرفة: "لقد كان ذلك بالنسبة للعرب ولادة من ظلام إلى نور، ولقد ولد بسببه شعب رعاة تائه في صحرائه منذ بدء الخليقة، ترى المنسي ملء سمع العالم، والصغير كبيرا، وأصبحت الجزيرة العربية خلال قرن واحد من الزمان في غرناطة من جهة ودلهي من جهة أخرى - تضيء شجاعة وبهاء، ونور العبقرية يشع على الجزيرة العربية وعلى أجزاء كبيرة من العالم، لقد أعطى محمد شعبه قانونا ونظاما لم يعرفه من قبل. 


شك اليهود في أن عيسى قد يكون أفاكا يريد إفساد تعاليمهم، ولقد حاول عيسى جاهدا أن يؤكد لهم بأنه لم يأتهم بدين جديد - لا قوانين جديدة ولا تعاليم جديدة - وهي هي أقواله: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل". (متى 5: 17، 18). 


وبعبارة أخرى، فإنه لم يأت بقوانين جديدة أو تعاليم جديدة، بل أتى لإنجاز الناموس القديم. هذا ما أراد عيسى أن يفهمه لليهود، إلا إذا كان يخدعهم ليقبلوه نبيا - محاولا فرض دين جديد عليهم، ولكن لا يلجأ هذا النبي العظيم إلى هذه الوسيلة لتخريب دين الله. هو نفسه قد أنجز الناموس وأتمه، وتقيد بالوصايا، واحترم السبت، فلم يتهمه أي يهودي يوما ما قائلا: لماذا لم تصم، أو لماذا لم تغسل يديك قبل تناول الخبز، صحيح أن التهم ألصقت بتلاميذه، لكنه هو نفسه لم يرم بأية تهمة مطلقا، ولو لمرة واحدة، وذلك لأنه كيهودي مؤمن احترم تعاليم الأنبياء الذين سبقوه، وبإيجاز فإنه لم يأت بدين جديد ولا تعاليم جديدة كما فعل موسى ومحمد. إذا: عيسى ليس مثل موسى، بل موسى مثل محمد. 


7. دفن موسى ومحمد في التراب في هذه الأرض، بينما يقول النصارى إن عيسى في السماء، إذا عيسى ليس مثل موسى، بل محمد مثل موسى. 
لقد حاولنا حتى الآن التركيز على زاوية واحدة فقط من هذه النبوءة، أي "أقيم لهم نبيا مثلك"، مثلك أنت؛ أي: مثل موسى، ولكن النبوءة تقول أكثر من هذه العبارة: "أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك". 


سنركز الآن على العبارة: "من وسط إخوتهم" يخاطب الله اليهود هنا، موسى وشعبه كمجموعة عرقية، لذا فإخوتهم هم حتما العرب، يخبرنا الكتاب المقدس أن إبراهيم خليل الله كان له زوجتان: سارة وهاجر. وولدت هاجر لإبراهيم ولدا - البكر - يذكر الكتاب المقدس أن اسم إبراهيم كان إبرام، ثم غيره الله إلى إبراهيم: "فولدت هاجر لأبرام ابنا. ودعا أبرام اسم ابنه الذي ولدته هاجر إسماعيل". (التكوين 16: 15). 


"فأخذ إبراهيم إسماعيل ابنه، وجميع ولدان بيته، وجميع المبتاعين بفضته، كل ذكر من أهل بيت إبراهيم، وختن لحم غرلتهم في ذلك اليوم عينه كما كلمه الله... وكان إسماعيل ابنه ابن ثلاث عشرة سنة حين ختن في لحم غرلته". (التكوين 17: 23ـ 25). 


كان إسماعيل الابن الوحيد لإبراهيم وذرية إبراهيم عندما جدد الله العهد مع إبراهيم. أعطى الله إبراهيم ولدا آخر من سارة، وكان اسمه إسحاق، وكان أصغر من أخيه إسماعيل. إسماعيل وإسحاق هما ابنا الأب الواحد إبراهيم، فهما أخوان. إذا فأولاد الأخ هم إخوة أبناء الأخ الآخر. أولاد إسحاق هم اليهود، وأولاد إسماعيل هم العرب، فهم إذا إخوة، يؤكد الكتاب المقدس فيقول: "وإنه يكون إنسانا وحشيا، يده على كل واحد، ويد كل واحد عليه، وأمام جميع إخوته يسكن". (التكوين 16: 12). "وسكنوا من حويلة إلى شور التي أمام مصر حينما تجيء نحو أشور. أمام جميع إخوته نزل". (التكوين 25: 18). أولاد إسحاق هم إخوة أولاد إسماعيل، ومحمد من أولاد إسماعيل إخوة بني يعقوب - الإسرائيليين - هذا ما تقوله هذه النبوءة: "أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك... ". (التثنية 18: 18)، تحدد النبوءة بوضوح أن هذا النبي الذي يكون مثل موسى لن يكون من الإسرائيليين، بل من إخوتهم، وكان محمد من إخوتهم. إذا كانت النبوءة تتحدث عن محمد. 


ونتابع النبوءة فنقول: "... وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به". (التثنية 18: 18). فما هو المقصود بهذه العبارة عندما تقول: "اجعل كلامي في فمه"؟ إذا طلبنا إليك أيها القارئ العزيز أن تردد من بعدنا عبارة، فإننا نكون قد جعلنا كلامنا في فمك، أو إذا أردنا أن نعلمك لغة أجنبية، وقلنا لك: ردد من بعدنا، فإننا نضع الكلمات في فمك. وهكذا فإن القرآن الكريم يصدق هذه النبوءة من خلال الوحي الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه السلام، وسنرى فيما يلي كيف جعل الله كلامه في فمه. 


يخبرنا التاريخ أن محمدا كان في الأربعين من عمره في كهف على بعد ثلاثة أميال من مكة يدعى "غار حراء"، وفي الليلة السابعة والعشرين من شهر رمضان نزل الملاك جبريل - عليه السلام على محمد فقال له: "اقرأ"، فأجابه محمد: "ما أنا بقارئ"، يعني: أنه لا يعرف القراءة، فطلب إليه جبريل للمرة الثانية، وسمع منه نفس الجواب، وفي المرة الثالثة قال له جبريل: (اقرأ باسم ربك الذي خلق (1)) (العلق)، تأكد عندئذ لمحمد أن عليه أن يردد ما قاله جبريل، فردد الكلمات التي وضعت في فمه:

(اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5))

(العلق)،

هذه هي الآيات الخمس الأولى التي أنزلها الله على محمد، وهي أولى الآيات في سورة العلق. 
عاد محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى منزله من الغار، بعد أن تركه الملاك جبريل يرتعد خوفا، وطلب إلى زوجته خديجة أن تضع عليه غطاء، وبعد أن استراح وهدأت نفسه شرح لزوجه ما سمعه ورآه، فشجعته وشدت من عزيمته، قائلة له: لا يريد الله بك شرا. هل هذه اعترافات أفاك أو محتال؟ هل يعترف الأفاك عندما يقابل ملاكا أرسله الله، يخاف يرتعد، يتعرق، ويجري مسرعا إلى منزله؟ لا يمكن لأي إنسان مهما كان متحيزا إلا أن يقر ويعترف بأن هذه الانفعالات والاعترافات لا تصدر إلا عن إنسان صادق أمين. 


وخلال الثلاث والعشرين سنة من نبوة محمد "وضعت في فمه" آثار راسخة لا تمحى من قلبه وعقله، ومع استمرار نزول القرآن الكريم وحيا عليه كانت هذه الكلمات التي وضعت في فمه تسجل على جلد الحيوان، وعلى قلوب صحابته، وقد رتبت هذه السور قبل وفاته وجمعت ووضعت على الشكل الذي نرى عليه القرآن الكريم اليوم. كلمات الله - الوحي - وضعت في فمه، كما تقول النبوءة: "... وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به". 


إن تجربة محمد في الغار في الجبل الذي أطلق عليه اسم "جبل النور"، وتجاوبه مع أولى كلمات الوحي - ينطبق أيضا على نبوءة أخرى في سفر إشعياء، والتي تقول: "أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له: «اقرأ هذا». فيقول: «لا أعرف الكتابة». (النبي الأمي) لقد أجاب محمد جبريل بقوله: "ما أنا بقارئ"، وتقول النبوءة: "يدفع الكتاب لمن لا يعرف القراءة ويقال له: «اقرأ»، فيقول: «لا أعرف القراءة»". (إشعياء 29: 12). 


لم يكن يوجد كتاب مقدس في اللغة العربية في القرن السادس الميلادي في الفترة التي ظهر فيها محمد، إضافة إلى أن محمدا كان أميا لا يعرف القراءة أو الكتابة، لم يتعلم من أي إنسان حرفا، بل علمه خالقه شديد القوى كل شيء:

(وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4) علمه شديد القوى (5))  

(النجم).


وقد يجيب المسيحي قائلا: لا بأس بكل ما تقدم من أدلة وبراهين، ولكني كمسيحي أؤمن بأن عيسى المسيح هو الله، وقد خلصنا من الخطيئة. والجواب على هذا بأن الله - عز وجل - لا يقبل هذا الكلام؛ لأنه أمر بتسجيل تحذيره. يعلم الله بأنه سيأتي زمن يترك فيه الناس كلامه ويفسرونه كما يشاءون ويرغبون، لذا فإنه أتبع هذه الفقرة من التثنية: "وأجعل كلامي في فمه". (التثنية 18: 18)، وحذر الناس قائلا: "ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه". (التثنية 19: 18). 


ألا يخيفك هذا التهديد والوعيد يا أخانا المسيحي؟ معجزة المعجزات! ففي التثنية دليل آخر على تحقيق النبوءة التي تشير إلى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي سيتكلم كلاما باسم الله: "لكلامي الذي يتكلم به باسمي"، فويل للإنسان الذي لا يسمع ويطيع كلامه - كلام الله - فالله سيطالبه وسيحاسبه. 
نسألك أيها الأخ: من قبل محمد تكلم باسمه تعالى؟


وأنت ترى وتسمع الكلام الذي أنزل على محمد - القرآن الكريم - تبدأ كل سورة فيه بالآية الكريمة (بسم الله الرحمن الرحيم)حتى صارت هذه الآية شعار المسلم عند قيامه بأي عمل، فكيف تقبل أيها المسيحي أن تخالف الأمر الذي نزل في كتابك المقدس، وأن تنحرف عن مقولة "باسم الله" لتبدلها بشعار "باسم الآب والابن والروح القدس"؟!
أضف إلى ما سبق أن مجلة "التايم" الأمريكية - الصادرة في 15 تموز 1974 - نقلت أراء مؤرخين وكتبة وقادة عسكريين ورجال أعمال عن الموضوع: من هم أعظم رجال التاريخ؟
قال البعض: هتلر، وقال آخرون: غاندي، بوذا، لنكولن، ومن شابههم. 


وضع جول ماسر مان - وهو عالم نفساني أميركي مشهور - معيارا للحكم، وقال: إن على القائد أن ينجز ثلاث وظائف: 
•         أن يؤمن الخير للذين يقودهم. 
•         أن يؤمن نظاما اجتماعيا يوفر الأمان لأتباعه. 
•         أن يقدم لهم مجموعة معينة من العقائد. 


سلط هذا البرفيسور هذا المعيار على التاريخ وحلل شخصياته: الإسكندر، بوذا، هتلر، باستور، سالك، قيصر، موسى، عيسى، كونفوشيوس، وغيرهم، ووصل في الختام إلى هذه النتيجة: 
•         أنجز باستور وسالك الوظيفة الأولى. 
•         أنجز عيسى وبوذا الوظيفة الثانية. 
•         أنجز محمد أعظم القادة في كل الأزمنة الوظائف الثلاث مجتمعة، وشاركه موسى بهذا الإنجاز ولو بدرجة أقل.

 
غابت صورتا عيسى وبوذا من لوحة رجال الإنسانية العظام حسب هذا المعيار الموضوعي الذي وضعه هذا البروفيسور الكبير في جامعة شيكاغو، وكانت النتيجة - وبمحض الصدفة - انتماء موسى ومحمد إلى نفس المجموعة من الرجال العظام، مما أضاف دليلا آخر على الأدلة والبراهين التي سبق الإتيان بها وشرحها وتفصيلها على أن: عيسى ليس مثل موسى، بل محمد مثل موسى: "أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به" [3].
ولو سلم أهل الأديان السابقة بهذه النبوءة الصادقة الواردة في أصولهم - خاصة قبل التحريف - لانحلت المشكلة وآمنوا بالإسلام دينا سماويا ووحيا صحيحا نزل على نبي صادق، لكن إنكارهم ألجأهم مع من تابعهم في مزاعمهم إلى تلك الافتراءات المذكورة سلفا في حق الإسلام ونبيه، وأنه استوحاه من كتبهم وأبدعه من تلقاء نفسه بعد نوبات هيستيريا وصرع كانت تنتابه - كما يزعمون -. 

المراجع

  1. (*) الإسلام والغرب، روم لاندو، ترجمة: منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، 1962م. [1]. يئد: يدفن بنته حية. 
  2.  [2]. انتشل: أخرج. 
  3.  [3]. أضواء على المسيحية، أحمد ديدات، ترجمة: د. عادل جلول، دار القارئ، بيروت، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص155: 169 بتصرف. المسلمون في إنجيل متى، د. ممدوح جاد، مكتبة النافذة، القاهرة، ط1، 2006م، ص211. آلام المسيح: رؤية نقدية إسلامية، ياسر أنور، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 2004م، ص74.