نص السؤال
إنكار لقاء إبراهيم - عليه السلام - بالنمروذ
عبارات مشابهة للسؤال
الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.
الجواب التفصيلي
إنكار لقاء إبراهيم - عليه السلام - بالنمروذ (*)
مضمون الشبهة:
ينكر بعض المتوهمين لقاء إبراهيم - عليه السلام - مع النمروذ - الذى قيل: إنه كان ملكا وقت نبوة إبراهيم - عليه السلام - ويدعون أن عهد النمرود سابق على زمن إبراهيم - عليه السلام - بثلاثمائة سنة، فكيف يلتقي به إبراهيم عليه السلام؟! وعلى هذا فهم ينكرون قصة محاجة إبراهيم - عليه السلام - مع النمروذ، وقصة إلقاء النمروذ إبراهيم - عليه السلام - في النار، ويهدفون من وراء ذلك إلى التشكيك فيما أورده القرآن بشأن إبراهيم عليه السلام.
وجوه إبطال الشبهة:
1) القرآن الكريم ذكر المناظرة[1] التي دارت بين إبراهيم - عليه السلام - وأحد ملوك عصره، ولم يذكر اسم هذا الملك.
2) القول أن إبراهيم - عليه السلام - لم يقابل النمروذ ولم يكن معاصرا له، قول يفتقر إلى التوثيق، فهو خال من الأدلة التي تثبت صحته، ومن ثم فلا يصح أن تبنى عليه أية أحكام.
3) لم يخبر القرآن الكريم بأن النمروذ هو الذي ألقى بإبراهيم - عليه السلام - في النار بل أخبر أن الذي فعل ذلك قومه.
التفصيل:
أولا. القرآن الكريم ذكر المناظرة التي دارت بين إبراهيم - عليه السلام - وملك عصره، ولم يذكر اسم هذا الملك:
إن القرآن الكريم في معرض حديثه عن إبراهيم - عليه السلام - أورد نص مناظرة دارت بين إبراهيم - عليه السلام - وأحد الملوك، ولم يحدد اسم الملك الذي حاج إبراهيم في ربه؛ لأن قصد القرآن من القصص هو مضمون المحاجة والعبرة، ومعرفة اسم الملك لا تقدم ولا تؤخر في المضمون.
وكما أن القرآن لم يذكر اسمه، فكذلك سكتت السنة عنه، وما ورد عن اسمه بأنه النمروذ، وبأن الزمن الذي حدثت فيه هذه المناظرة هو زمن وجوده لم يقل به إلا بعض المفسرين في تفسير بعض آيات وقصص القرآن الكريم، وما أورده بعض المفسرين غير ملزم للقرآن الكريم، ومن ثم فهو لا يصح أن يكون مأخذا على القرآن الكريم.
وقد ذكر المؤرخون أن لقب ملوك تلك البلاد التي وجد فيها الخليل إبراهيم - عليه السلام - هو "النمروذ" على اختلاف أسمائهم، كما هو الحال بالنسبة للفراعنة والقياصرة والأكاسرة... إلخ، ومن ثم ربما كان كل ملك يحكم العراق في ذلك الزمان يسمى نمروذا، وهو أمر مقبول عقلا.
ثانيا. إن القول بأن إبراهيم - عليه السلام - لم يقابل النمروذ خال من الأدلة التي تثبت صحته:
إن المنكرين لم يذكروا مصادرهم في توثيق تلك المعلومة التاريخية القديمة، مما يشكك في صحتها.
والقرآن الكريم أورد محاجة إبراهيم - عليه السلام - لملك عصره، باعتبارها حلقة من حلقات جهاد الخليل إبراهيم - عليه السلام - في الوقوف أمام قوى الشرك كلها، ومقاومة الشرك بكل صوره، وليقرر أن إبراهيم - عليه السلام - لم يكن يتهيب في ذلك أحدا، ولم تكن تأخذه في الله لومة لائم.
والمحاجة ثابتة بالتاريخ والقرآن الكريم، وأكبر دليل على ذلك سكوت اليهود، والنصارى - خاصة الأحبار والرهبان منهم - زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الطعن في الآيات التي وردت بشأن الملك الكافر الذي حاجه إبراهيم عليه السلام، ولو كان فيها شيء من الغلط لما سكتوا عنه، ولاتخذوه ذريعة للطعن في القرآن الكريم، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وتلك كانت غاية ما يصبون إليه[2].
ثالثا. القرآن الكريم لم يخبر أن النمروذ هو الذي ألقى بإبراهيم - عليه السلام - في النار، بل أخبر أن الذي فعل ذلك قومه:
لم يرد في القرآن الكريم أن النمروذ هو الذي أحرق إبراهيم - عليه السلام - ولم تذكر الآيات التي تناولت هذا الموضوع شخصا محددا، وإنما نسب الإحراق إلى قومه عبدة الأصنام،
قال تعالى:
(قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين)
(الأنبياء:68)
وقال تعالى:
(قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم)
(الصافات:97)
وسواء أكان الملك الذي ناظره إبراهيم - عليه السلام - هو النمروذ أو غيره فإن القصة ثابتة بخبر القرآن، وخبر القرآن الكريم أصدق من خبرهم؛ لأنه خبر من المولى - عزوجل - والقصص فيه حق وصدق تشهد بذلك التوراة والإنجيل، على ما فيهما من تحريف،
قال سبحانه وتعالى:
(لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون)
(يوسف:111)
وكلام بعض المفسرين الذين يستعينون بالإسرائيليات في التفسير ليس بحجة على القرآن الكريم؛ فالمفسر قد يخطئ وقد يصيب، ولكن كتاب الله لا يقربه الخطأ؛
قال تعالى:
(لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)
(فصلت:42)
وليس لأحد من المسلمين قداسة أو عصمة، كما هو الشأن عند غير المسلمين، ولا عصمة إلا للأنبياء، عليهم السلام.
ومن ثم فقول بعض المفسرين المتشبعين بالإسرائيليات ليس حجة على القرآن؛ لأنهم يعتمدون على القصص التاريخي غير الموثق وغير المحقق.
ويحكي القرآن محاجة إبراهيم - عليه السلام - للملك في سورة البقرة:
(ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين)
(البقرة:258)
والقرآن الكريم لم يسم الملك الذي حاج إبراهيم - عليه السلام - في ربه؛ لأن قصد القرآن من القصص هو مضمون المحاجة، والعبرة منها.. واسم الملك لا يقدم ولا يؤخر في المضمون واستخلاص العبرة، أما تسمية هذا الملك - الذي حاجه إبراهيم عليه السلام - بـ "النمروذ"، والاختلاف في نطق اسمه ومدة ملكه فغير ملزم للقرآن الكريم.
وليس لدينا في التاريخ الموثق والمحقق ما يثبت أو ينفي أن اسم الملك الذي حاج إبراهيم الخليل - عليه السلام - في ربه هو النمروذ، وإنما هو قصص تاريخي يحتاج إلى تحقيق.
وإن كانت "دائرة المعارف الإسلامية" التي كتبها المستشرقون [3] - والتي قد حرر مادة إبراهيم فيها إيزبرغ - قد ذكرت الملك نمروذ في قصة إبراهيم؛ فإنها ذكرته وأشارت إليه دون اعتراض.. وإن كانت تلك الموسوعة المعرفية أيضا قد عزت تلك الإشارة إلى بعض المصادر العبرية التي جاء فيها اسم النمروذ؛ فليس هناك ما يمنع تكرار اسم "نمروذ" لأكثر من ملك في أكثر من عصر وتاريخ، وإذا كانت هناك شبهة فهي خاصة بالتاريخ، ولا علاقة لها بالقرآن الكريم[4].
الخلاصة:
· القرآن الكريم لم يصرح بأن النمروذ هو الذي أحرق إبراهيم عليه السلام، ولم تذكر آية واحدة منه ذلك، بل نسب الإحراق إلى قومه عبدة الأصنام، فقال تعالى: (قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين (68)( (الأنبياء)، وقال تعالى: (قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم (97) (الصافات). والذي يفهم اللغة العربية يعرف أن واو الجماعة تأتي للمجموع وليس للفرد.
· لم يذكر القرآن الكريم أن النمروذ هو الذي حاج إبراهيم - عليه السلام - في ربه، بل ذكر المحاجة فقط للعبرة والعظة.
· كلام بعض المفسرين الذين يستعينون بالإسرائيليات في التفسير ليس بحجة على القرآن؛ لأن قصص التاريخ يحتاج إلى توثيق وتحقيق.
المراجع
- (*) عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م.
- المناظرة: المناقشة والمباراة في المحاجة.
- يصبون إليه: يهدفون إليه.
- المستشرقون: جمع مستشرق، وهو من له اهتمام من الأوربيين بدراسة شئون الشرق وثقافاته ولغاته.
- حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط2، 1425/ 2004م، ص292، 293 بتصرف يسير.