نص السؤال

ادعاء أن إبراهيم - عليه السلام - تزوج من سارة، وهي أخته

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

ادعاء أن إبراهيم - عليه السلام - تزوج من سارة، وهي أخته(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المتوهمين أن سيدنا إبراهيم - عليه السلام - تزوج سارة وهي أخته، حيث يذكر الكتاب المقدس أنها كانت أختا غير شقيقة لإبراهيم عليه السلام، ويتساءلون: ألا يعد ذلك ارتكابا لمحرم شرعا؟ هادفين من ذلك إلى الطعن في عصمة سيدنا إبراهيم عليه السلام.

وجها إبطال الشبهة:

1)  الكتاب المقدس ثبت أنه محرف؛ فما ورد فيه ليس بحجة.

2) الثابت في الأحاديث الصحيحة أن سارة لم تكن أخت إبراهيم - عليه السلام - من النسب، وإنما المراد الأخوة الإيمانية، وهذا هو مقصود إبراهيم - عليه السلام - من التعريض بأنها أخته، حين دخوله مصر حفاظا عليها من الملك المتجبر.

التفصيل:

أولا. الكتاب المقدس ثبت أنه محرف؛ فما ورد فيه ليس بحجة:

يقول جراهام سكروغي من معهد مودي في مدينة شيكاغو، وهو عالم مسيحي مشهور في كتابه "الكتاب المقدس كلام الله": إنه من وضع البشر إلا أنه سماوي. ويقول أيضا: نعم إن الكتاب المقدس من وضع البشر، ولو أن الكثيرين ينكرون ذلك لشدة تعصبهم، لقد مرت هذه الأسفار في عقول البشر وكتبت بلغة البشر ودبجت بأقلامهم وبأساليبهم[1].

ويقول عالم مسيحي آخر مشهور وهو كنث كراغمطران القدس الإنجليكاني في كتابه "نداء المئذنة"، يقول عن الكتاب المقدس: "إنه نتاج ملخص مكثف مختار منسوخ، وكما جاء في أسفار العهد الجديد: إن هذه الأسفار خلاصة تجربة وتاريخ".

وفي مقال بمجلة "استيقظوا" وهي مجلة طائفة مسيحية تدعى"شهود يهوه" تصدر في بروكلين، نيويورك، في عددها الصادر في 8 أيلول 1957م، تحت عنوان "50 ألف خطأ في الكتاب المقدس" يقول المقال: استيقظوا... حانت الآن الساعة، لنستيقظ من النوم، 50 ألف خطأ في الكتاب المقدس[2]؟‍‍

فكيف تكون المعلومات الواردة بهذا الكتاب حجة، وهذه هي شهادات أهل الكتاب أنفسهم؟‍ وهناك كثير غيرها في كتبهم لكن المجال لا يتسع، والمشكلة الأعظم التي تظهر للعيان ناصعة لا تحتاج إلى برهان هي: أننا إذا تصفحنا الكتاب المقدس تبين لنا من نصوصه ما يؤكد على تحريفه وتغييره، فإن اليهود قد اختلقوا كثيرا من الأكاذيب التي لا تليق بالأشخاص العاديين ولصقوها - زورا وبهتانا - بالأنبياء؛ حيث يصورون الأنبياء بأقبح الأوصاف، فهم لصوص وزناة وقتلة وسفاكون للدماء يرتكبون الجرائم البشعة التي يترفع عنها البشر العاديون، فضلا عن الأنبياء خير خلق الله تعالى، فكيف يحتجون بالمعلومات التي جاءت في هذا الكتاب بشأن إبراهيمعليه السلام؟

إن الأعظم جرما من ذلك، هو وصفهم القبيح لله تعالى؛ فقد صوروه - عزوجل - وكأنه إنسان يغفل، ويسهو، وينام، ويجهد، فيستريح، ويعقوب - عليه السلام - يصارعه، ويغلبه، ولا يفكه حتى يباركه: "لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل، لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت". (التكوين 32: 28)، ومن ذلك أن الله تعالى ندم على خلق الإنسان: "فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه". (التكوين 6: 6)، والله - عزوجل - استراح بعد أن خلق السماوات والأرض: "في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض، وفي اليوم السابع استراح وتنفس". (الخروج 31: 17) [3].

وبهذا يتبين لنا حقيقة كتابهم المقدس وأنه من صنع البشر الذين حرفوه حسب أهوائهم الفاسدة فلا يصح أن تؤخذ منه أخبار أو معلومات لعدم الوثوق به؛ وعليه يبطل زعمهم واستدلالهم.

ثانيا. الثابت في الأحاديث الصحيحة والتاريخ أن سارة لم تكن أخت إبراهيم - عليه السلام - من النسب، وإنما المراد الأخوة الإيمانية:

 إننا لو وقفنا على نسب سيدنا إبراهيم - عليه السلام - لعلمنا أنه أبو الأنبياء إبراهيم بن تارح ابن ناصور بن سروج بن رعو بن فالج بن عابر بن شالخ بن ارفكشاد بن سام بن نوح عليه السلام، أما السيدة سارة فقد ذكر ابن كثير في تاريخه عن نسبها أنها ابنة ملك حران والمشهور أنها ابنة عمه هاران.

فهذا النسب يغاير نسب السيدة سارة؛ فبطل قولهم بأنها أخته من النسب، وإلا فما الدليل على قولهم؟

ولقد روي في الصحيح أنه قد عم القحط وشمل الجدب بلاد الشام وفلسطين كلها، فرحل إبراهيم - عليه السلام - إلى مصر، تصحبه زوجته سارة وكانت ذات جمال باهر، فوشى بها أحد بطانة السوء إلى الملك وكان رجلا جبارا، وهو أحد ملوك العرب العماليق واسمه سنان بن علوان، وكان من عادة هذا الطاغية أنه لا يسمع برجل عنده امرأة جميلة إلا وأخذها منه اغتصابا، فلما نزل إبراهيم - عليه السلام - أرض مصر أراد هذا الفاجر أن يعتدي على سارة زوج إبراهيم ويستأثر بها لنفسه فدعاه وسأله عما يربطها به من قرابة، فقال له إبراهيم: هي أختي وقصد بذلك أخوة الدين )إنما المؤمنون إخوة( (الحجرات: 10)، فأمر به فأخرج.

فأتى سارة فقال لها: «إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك، فإن سألك فأخبريه أنك أختي؛ فإنك أختي في الإسلام، ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، فأرسل إليها الملك الجبار فأتى بها، فلما دخلت عليه فتن بجمالها، فسألها عن إبراهيم عليه السلام، فأخبرته أنها أخته، ولكن الفاجر أراد بها السوء، فمد يده إليها يريد أن يجذبها نحوه، فيبست يده[4] فلم يعد يستطيع حراكها، واضطربت حتى كاد يصعق من شدة الهول والفزع، فقال لها: ادعي لي ولا أضرك، فدعت الله فأطلقه، فلما عاد إلى حالته الأولى حدثته نفسه بالغدر بها مرة ثانية، فأخذ مثل الأولى أو أشد، فطلب منها أن تدعو الله له على أن يطلق سراحها ولا يمسها بسوء، فدعت الله فعاد كما كان، فدعا بعض حجبته فقال:

إنك لم تأتني بإنسان إنما أتيتني بشيطان، فأمر بها أن تطلق، وأخدمها جارية من جواريه تسمى هاجر، وكان إبراهيم - عليه السلام - من وقت ذهابها إلى الملك قام يصلي لله - عزوجل - ويسأله أن يدفع عن أهله السوء، فلما أقبلت أومأ إليها إبراهيم - عليه السلام - بيده يسألها، فقالت: رد الله كيد الكافر في نحره وأخدمني هاجر، قال أبو هريرة رضي الله عنه: فتلك أمكم يابني ماء السماء»[5]، فعصمها الله وصانها إكراما لإبراهيم عليه السلام [6].

فالمراد كما في هذا الحديث الصحيح: أنها أخته في الإسلام والدين الحق الذي كان عليه، لا أخوة النسب؛ لأن الأخوة تطلق أصلا على المشاركة في النسب، وتطلق على المشاركة في الصفات مجازا أو استعارة، وهي هنا من هذا القبيل، فقد أطلقت على المشاركة في الدين الحق،

قال تعالى:

(إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون)

(الحجرات:10)

 وفي الحديث: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه»([7]).

ويدل أيضا على أنها أخوة الدين ما ورد في القرآن الكريم من أن زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - هن أمهات المؤمنين رغم أنهن لسن أمهات المؤمنين حقيقة

قال تعالى:

(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا)

(الأحزاب:6)

ويدل على ذلك أيضا

قول إبراهيم - عليه السلام - لسارة: كما في الحديث الصحيح:

«ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك»[8]

 فثبت أنها أخته في الإسلام وأنها ليست أخته من النسب[9].

مما سبق ينتفى أن تكون السيدة سارة أخت سيدنا إبراهيم عليه السلام، والصحيح أن إبراهيم - عليه السلام - لم يتزوج أخته من النسب بل إن كلمة الأخوة هنا تعني أخوة الدين لا النسب[10].

الخلاصة:

·   لا يصح أن نجعل من الكتاب المقدس حجة ومرجعية؛ لأن الثابت - حتى في الدراسات التي قام بها كثير من علماء اليهود والنصارى - أن هذا الكتاب المقدس قد أعيدت كتابته، وأصابه التحريف حذفا أو زيادة.. كما أن ترجماته قد أدخلت عليه كثيرا من التغييرات؛ فلا يمكن الوثوق بما ورد فيه.

·   من خلال نسب إبراهيم - عليه السلام - والسيدة سارة يتضح أنها ليست أخته، إنما المراد بقوله: أنها أخته التعريض حفاظا عليها من الملك الجبار، أي أنها أخته في الإسلام، قال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون (10)( (الحجرات). ولقول إبراهيم - عليه السلام - للسيدة سارة: "ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك".

المراجع

  1. (*) قناة الحياة، زكريا بطرس، الحلقة 17.
  2.  أضواء على المسيحية: دراسة تحليلية للكتاب المقدس، أحمد ديدات، ترجمة: د. عادل جلول، دار القارئ، بيروت، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص86. 
  3.  أضواء على المسيحية: دراسة تحليلية للكتاب المقدس، أحمد ديدات، ترجمة: د. عادل جلول، دار القارئ، بيروت، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص98. 
  4.  أضواء على المسيحية: دراسة تحليلية للكتاب المقدس، أحمد ديدات، ترجمة: د. عادل جلول، دار القارئ، بيروت، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص20، 21. 
  5.  يبست يده: شلت. 
  6.  أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قول الله سبحانه وتعالى: ) واتخذ الله إبراهيم خليلا ( (3179)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل (6294). 
  7.  النبوة والأنبياء، محمد علي الصابوني، دار الصابوني، مكة المكرمة، 1390هـ، ص158، 159. 
  8. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه (2310)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والأداب، باب تحريم الظلم (6743).
  9. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه (2104)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل عليه السلام (6294). 
  10.  قصص الأنبياء، عبد الوهاب النجار، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط1، 1985م، ص111. 
  11. النبوة والأنبياء، محمد علي الصابوني، دار الصابوني، مكة المكرمة، 1390هـ، ص158.