نص السؤال

إنكار ذهاب إبراهيم - عليه السلام - إلى الجزيرة العربية، وبنائه الكعبة

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

إنكار ذهاب إبراهيم - عليه السلام - إلى الجزيرة العربية، وبنائه الكعبة(*)

مضمون الشبهة:

ينكر بعض المشككين ذهاب إبراهيم إلى الجزيرة العربية، وبناءه الكعبة، قائلين إن البيت الحرام كان لعبادة الأوثان. مستدلين على ذلك بعدم ذكر الذهاب إلى الجزيرة العربية في الكتاب المقدس. ويتساءلون: لماذا يقرر الإسلام ذهابه إلى الجزيرة العربية وبناءه الكعبة وهذا مخالف لحقائق الكتاب المقدس؟!

وجوه إبطال الشبهة:

1)  الحق ما ورد في القرآن الكريم؛ لأنه الكتاب السماوي الوحيد المعصوم من التحريف.

2) ذهاب إبراهيم - عليه السلام - إلى بطن الجزيرة العربية ثابت تاريخيا، وما ثبت بالتاريخ ثبتت صحته كالمتواتر، هذا فضلا عن ذكر التوراة هذا الذهاب.

3) بناء إبراهيم - عليه السلام - الكعبة من أجل عبادة الله وحده ثابت تاريخيا وإن حدث بعد ذلك ما يخالف هذا الأصل.

التفصيل:

أولا. الحق ما ورد في القرآن الكريم؛ لأنه الكتاب السماوي الوحيد المعصوم من التحريف:

الكتاب المقدس كتاب محرف؛ فلا يدل ورود الخبر فيه على ثبوته، كما لا يدل عدم ذكر الشيء به على نفيه، فإن المعول عليه[1] في إثبات أخبار الأنبياء وغيرهم هو القرآن الكريم دون غيره من المصادر الأخرى؛ فهو الذي ثبت بالأدلة القطعية حفظه من التحريف والتبديل.

  وأوثق ما عرف عن إبراهيم - عليه السلام - وأصدقه، هو ما جاء في كتاب الله الحكيم - القرآن الكريم - ومن أصدق من الله حديثا؟

  وقد ذكر القرآن أن إبراهيم - عليه السلام - ذهب إلى مكة، ومن الثابت في القرآن أنه التقى بولده إسماعيل، وأخبره أمر الله له ببناء الكعبة؛ فبناها إبراهيم وإسماعيل معا،

فقال تعالى:

(وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)

(البقرة)

ثانيا. ذهاب إبراهيم إلى مكة ثابت تاريخيا، وقد ذكر في التوراة:

قبل نزول القرآن الكريم، كان معلوما بناء إبراهيم - عليه السلام - للكعبة، حتى إن قريشا - التي كانت تعبد الأصنام في الكعبة - كانت تقر ببناء إبراهيم - عليه السلام - لها، وتعلم ذلك علم اليقين، ولو لم تكن تعلم ذلك، أو حتى لو كان لديها أدنى ذرة من الشك، يمكن لها من خلالها تكذيب محمد - صلى الله عليه وسلم - لما تباطأت في إظهار ذلك التشكيك.

  وما دام لم يظهر شيء من هذا القبيل؛ فإن ذلك أدل الأدلة على كون إبراهيم - عليه السلام - ذهب إلى مكة، وبني الكعبة.

ومع ثبوت ذهاب إبراهيم - عليه السلام - إلى مكة، بالقرآن والتاريخ، وذلك كاف، فإن التوراة قد أشارت إلى أن إبراهيم - عليه السلام - ذهب إلى مكة؛ فقد جاء في سفر التكوين بعد أن حكت قصة انتقاله من موطنه إلى أرض كنعان: "ثم ارتحل أبرام ارتحالا متواليا نحو الجنوب". (التكوين 12: 9).

  والجنوب بالنسبة لفلسطين - أرض كنعان - هو الجزيرة العربية، ويلاحظ أن التوراة تؤكد على ارتحاله، وأن هذا الارتحال تم في أماكن بعيدة إلى الجنوب، وما ذلك إلا دخوله بطن الجزيرة العربية.

  وإن كانت هذه العبارة سبقت الحديث عن رحلته إلى مصر، فإن ذلك لا يمنع أن تكون رحلاته إلى الجنوب من أرض كنعان جاءت بعد عودته من الرحلة إلى مصر، واضطراب التوراة أمر معهود لكل من يقرؤها.

ثالثا. بناء إبراهيم - عليه السلام - الكعبة ثابت تاريخيا. وكان البناء لعبادة الله وليس لعبادة الأوثان:

  إن نفي بناء إبراهيم - عليه السلام - للكعبة لا دليل عليه، كما أن ادعاء بنائها لعبادة الأصنام، ما هو إلا هراء[2] لا دليل عليه.

  فنسبتها إلى إبراهيم - عليه السلام - أمر معلوم بالتواتر بين الأجيال؛ فأصبح بذلك قطعي الثبوت، مثل كل ما ثبت بالتواتر من البلاد، والأحداث. والثابت تاريخيا أن الأصنام، وعبادتها أمر دخيل على الكعبة، والبلد الحرام؛ فأول من أدخلها عمرو الخزاعي، ناقلا لها من بلاد الشام إثر[3]عودته منها.

وقد جاء إبراهيم - عليه السلام - بالتوحيد الخالص:

(إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين (120) شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم (121)

(النحل).

وتوارث أبناؤه من بعده ملته ومنهاجه الذي بعث به من توحيد لله وعبادته والوقوف عند حدوده وتقديس حرماته، وفي مقدمة ذلك: تعظيم البيت الحرام وتقديسه واحترام شعائره والذود عنه [4]، فلما امتدت بهم القرون وطال عليهم الأمد أخذوا يخلطون الحق الذي توارثوه بكثير من الباطل الذي تسلل إليهم شأن سائر الأمم عندما يغشاها[5] الجهل ويبعد بها العهد ويندس[6] بين صفوفها المشعوذون [7] والمبطلون فدخل فيهم الشرك واعتادوا عبادة الأصنام.

وكان أول من أدخلها فيهم وحملهم عليها[8] هو عمرو بن لحي الخزاعي الذي ذهب إلى الشام فرآهم يعبدون الأصنام فقال: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدونها قالوا له: هذه أصنام نعبدها نستمطرها [9] فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهم: أفلا تعطونني صنما فأسير به إلى أرض العرب فيعبدوه، فأعطوه صنما يقال له: هبل فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته.

 وهكذا انتشرت عبادة الأوثان فيهم واستبدلوها بدين إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام ـ[10].

فهل يقال بعد هذا: إن الكعبة بنيت لعبادة الأصنام؟! وإذا كانت بنيت لعبادة الأصنام فمن الذي بناها لأصل هذا الغرض؟!

لقد كانت قريش تعبد الأصنام في البيت تقربا إلى الله

قال تعالى:

(ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار)

(الزمر:3)

، فهذا الاعتراف من الكفار أنفسهم، بأن عبادة الأصنام ما هي إلا قربى لله عزوجل.

وجاء الإسلام فطهر البيت الحرام من عبادة الأصنام، وكانت نهاية عبادتها بفتح مكة؛ إذ «دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - البيت الحرام وبيده قضيب[11] يشير إلى الإطاحة بها[12] وهو يقول: جاء الحق وزهق[13] الباطل»[14].

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع:

«إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا..»[15]

ومن ثم فالكعبة بيت الله، بناه إبراهيم - عليه السلام - لعبادة الله لا لعبادة الأصنام كما ادعى هؤلاء المبطلون.

الخلاصة:

·   الكعبة بناء قائم على مر العصور، والأجيال تواترت على نسبة بنائها إلى إبراهيم - عليه السلام - ولم تختلف الأجيال والأمم المتلاحقة على ذلك - على الرغم من اختلافها في أشياء كثيرة - وهذا التواتر[16] القطعي يفيد اليقين الذي يفيده وجود الكعبة نفسها على أرض الواقع.

·   النص القرآني أثبت أن إبراهيم - عليه السلام - ذهب إلى الجزيرة العربية، وبنى الكعبة، كما جاء ذلك أيضا في التوراة (التكوين 12: 1ـ 9)، كذلك كان بناء الكعبة والبيت الحرام لعبادة الله - عزوجل - وحده، ولم تعرف عبادة الأوثان فيهما إلا مؤخرا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، والذي أدخل عبادتها إلى الجزيرة العربية هو عمرو الخزاعي عند عودته من بلاد الشام.