نص السؤال

الزعم أن القرآن خالف التوراة في عدد ألواح موسى عليه السلام

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

الزعم أن القرآن خالف التوراة في عدد ألواح موسى عليه السلام (*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المتوهمين أن القرآن خالف التوراة في ألواح موسى - عليه السلام - فيقولون: إن موسى - عليه السلام - كتب الشريعة على لوحين لا على ألواح، وعلى اللوحين كتب الوصايا العشر فقط وليس تفصيلا لكل شيء، وهذا يتناقض مع

قوله سبحانه وتعالى:

(وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين)

(الأعراف:145)

وجها إبطال الشبهة:

1) لفظ "الألواح" يستعمل في اللغة العربية للدلالة على الاثنين فأكثر من باب أن أقل الجمع اثنان، ومن ثم اختلف المفسرون في عدد هذه الألواح وهيئتها.

2) نصوص التوراة - المحرفة - التي بين أيدينا الآن تثبت أن الأحكام والشرائع والوصايا التي تلقاها موسى - عليه السلام - من ربه، كتبت على أكثر من لوحين، فضلا عن أنها أشارت إلى كل شيء في شريعة موسى - عليه السلام - جملة، وما يحتاج لتفصيل فصلته.

التفصيل:

أولا. تستخدم لفظة الألواح في اللغة العربية للدلالة على الاثنين فأكثر من باب أن أقل الجمع اثنان، ومن ثم اختلف المفسرون في عددها وهيئتها:

الألواح جمع لوح، وهو قطعة مربعة من الخشب، وتسمية الألواح التي أعطاها الله موسى ألواحا من بابا المجاز؛ لأن الألواح التي أعطيها موسى - عليه السلام - كانت من الحجارة، كما في التوراة: "قال الرب لموسى: اصعد إلى الجبل، وكن هناك، فأعطيك لوحي الحجارة والشريعة والوصية التي كتبتها لتعليمهم". (الخروج 24: 12)، فتسميتها بالألواح، لأنها على صورة الألواح، والذي بالإصحاح الرابع والثلاثين أن اللوحين كتبت فيهما الوصايا العشر التي ابتدأت بها شريعة موسى، وكانا لوحين، كما في التوراة، أما إطلاق الجمع عليها في سورة الأعراف فهو: إما من باب إطلاق صيغة الجمع على المثنى؛ بناء على أن أقل الجمع اثنان، وإما لأنهما كانا مكتوبين على كلا وجهيهما، كما يقصه سفر الخروج: "لوحان مكتوبان على جانبيهما من هنا ومن هنا كانا مكتوبين". (الخروج 32: 15)، فكانا بمنزلة أربعة ألواح، وأسندت الكتابة إلى الله تعالى؛ لأنها كانت مكتوبة نقشا في الحجر من غير فعل إنسان، بل بمحض قدرة الله تعالى كما يفهم من سفر الخروج: "واللوحان هما صنعة الله، والكتابة كتابة الله منقوشة على اللوحين". (الخروج 32: 16) ([1]).

وللمفسرين آراء في عدد وهيئة هذه الألواح، قال بعضهم: إنها كانت عشرة ألواح. وقيل: سبعة، وقيل: تسعة وإنها كانت من زمرد([2]) جاء بها جبريلعليه السلام، وقيل: من زبرجدة خضراء وياقوته حمراء، وقال الحسن: كانت من خشب نزلت من السماء، وقال وهب: كانت من صخرة صماء لينها الله لموسىعليه السلام، وأما كيفية الكتابة، فقال ابن جريج: كتبها جبريل بالقلم الذي كتب به الذكر واستمد من نهر النور. ذكر ابن كثير: "وكانت الألواح من جوهر نفيس ففي الصحيح: أن الله كتب له التوراة بيده وفيها مواعظ من الآثام وتفصيل ما يحتاجون إليه من الحلال والحرام، وأمره أن يأخذها بعزم ونية صادقة وقوية، وأن يأمر قومه أن يضعوها على أحسن وجوهها وأجمل محاملها والخارج عنها له عاقبة سيئة

قال سبحانه وتعالى:

(وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين)

(الأعراف:145) ([3]).

ثانيا. نصوص التوراة التي بين أيدينا تثبت أن الشرائع والوصايا التي تلقاها موسى من ربه كتبت على أكثر من لوح وكانت متضمنة لكل شيء يخص رسالة موسى عليه السلام:

يذكر الشيخ الطاهر ابن عاشور أن ما كتب لموسى - عليه السلام - في الألواح هو أصول وكليات هامة للشريعة التي أوحى الله بها إلى موسى - عليه السلام - ومن ذلك خطاب الله لموسى - عليه السلام - قائلا: "أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية، لا يكن لك آلهة أخرى أمامي، لا تصنع لك تمثالا منحوتا، ولا صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهن ولا تعبدهن، لأني أنا الرب إلهك إله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي، وأصنع إحسانا إلى ألوف من محبي وحافظي وصاياي، لا تنطق باسم الرب إلهك باطلا، لأن الرب لا يبرئ من نطق باسمه باطلا، اذكر يوم السبت لتقدسه، ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك، وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك، لا تصنع عملا ما أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك ونزيلك الذي داخل أبوابك، لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها، واستراح في اليوم السابع؛ لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه. أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك، لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد على قريبك شهادة زور. لا تشته بيت قريبك". (الخروج 20: 3 - 17).

واشتهرت عند بني إسرائيل بالوصايا العشر، وبالكلمات العشر أي الجمل العشر، وقد فصلت في الإصحاح العشرين إلى نهاية الحادي والثلاثين من سفر الخروج، ومن جملتها الوصايا العشر التي كلم الله بها موسى في جبل سيناء، وجاء في الإصحاح الرابع والثلاثين أن الألواح لم تكتب فيها إلا الكلمات العشر التي بالفقرات السبع عشرة منه([4]).

يتضح لنا مما سبق أن التوراة تنص في الإصحاح الرابع والثلاثين على أنه لم يكتب في الألواح سوى الوصايا العشر، بيد أننا ونحن نتصفح كتابهم اتضحت لنا عدة أمور منها:

الأمر الأول: في الإصحاح الرابع والعشرين من سفر الخروج جاء ما نصه: "وقال الرب لموسى اصعد إلى الجبل، وكن هناك. فأعطيك لوحي الحجارة والشريعة والوصية التي كتبتها لتعليمهم". (الخروج 24: 13)، أخبرني بربك أيها العاقل، ماذا تفهم من صريح هذا الكلام، ألست تفهم معي - ويشاركنا فيه كل العقلاء المنصفين - أن موسى - عليه السلام - تلقى من ربه ألواحا مكونة من:

·       لوحين للعهد "لوحي الحجارة" للعمل بالتوراة.

·       عدة ألواح مكتوب عليها كل أحكام التوراة.

إن المنطق والعقل يقضيان بأن أحكام التوارة - الشريعة والوصية - لا يمكن كتابتهما على لوح أو لوحين، بل عدة ألواح، يؤيد ذلك قول التوراة: "فجاء موسى وحدث الشعب بجميع أقوال الرب وجميع الأحكام، فأجاب جميع الشعب بصوت واحد وقالوا: كل الأقوال التي تكلم بها الرب نفعل". (الخروج 24: 3).

الأمر الثاني: أن الله - سبحانه وتعالى - أخبر موسى - عليه السلام - بعبادة قومه للعجل، فنزل موسى - عليه السلام - من الجبل وكسر لوحي العهد: "فقال الرب لموسى: "اذهب انزل؛ لأنه قد فسد شعبك الذي أصعدته من أرض مصر، زاغوا سريعا عن الطريق الذي أوصيتهم به، صنعوا لهم عجلا مسبوكا، وسجدوا له وذبحوا له وقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر" وقال الرب لموسى: "رأيت هذا الشعب وإذا هو شعب صلب الرقبة، فالآن اتركني ليحمى غضبي عليهم وأفنيهم، فأصيرك شعبا عظيما" فتضرع موسى أمام الرب إلهه، وقال: "لماذا يا رب يحمى غضبك على شعبك الذي أخرجته من أرض مصر بقوة عظيمة ويد شديدة؟ لماذا يتكلم المصريون قائلين: أخرجهم بخبث ليقتلهم في الجبال، ويفنيهم عن وجه الأرض؟ ارجع عن حمو غضبك، واندم على الشر بشعبك، اذكر إبراهيم وإسحاق وإسرائيل عبيدك الذين حلفت لهم بنفسك وقلت لهم: أكثر نسلكم كنجوم السماء، وأعطى نسلكم كل هذه الأرض التي تكلمت عنها فيملكونها إلى الأبد" فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه، فانصرف موسى ونزل من الجبل ولوحا الشهادة في يده: لوحان مكتوبان على جانبيهما من هنا ومن هنا كانا مكتوبين واللوحان هما صنعة الله، والكتابة كتابة الله منقوشة على اللوحي وسمع يشوع صوت الشعب في هتافه فقال لموسى: "صوت قتال في المحلة". فقال: "ليس صوت صياح النصرة ولا صوت صياح الكسرة، بل صوت غناء أنا سامع" وكان عندما اقترب إلى المحلة أنه أبصر العجل والرقص، فحمي غضب موسى، وطرح اللوحين من يديه وكسرهما في أسفل الجبل". (الخروج 32: 7 - 19).

ويتبين لنا من النص السابق أن الألواح لم تكن كما يدعي هؤلاء لوحين فقط، بل أربعة.

الأمر الثالث: أن الله أمر موسى - عليه السلام - بإنشاء لوحين جديدين: "ثم قال الرب لموسى: انحت لك لوحين من حجر مثل الأولين، فأكتب أنا على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين الأولين اللذين كسرتهما". (الخروج 34: 1).

وجاء في سفر التثنية أن موسى كسر لوحين كان عليهما كل أحكام الشريعة: "وأعطاني الرب لوحي الحجر المكتوبين بأصبع الله، وعليهما مثل جميع الكلمات التي كلمكم بها الرب في الجبل من وسط النار في يوم الاجتماع". (التثنية 9: 10).

ومن خلال النصين نستنتج أن لوحي العهد لا يمكن أن يحملا كل أحكام الشريعة التي نزلت يوم الاجتماع، بل المناسب لها ألواح بالجمع ومنها لوحي العهد.

وتأسيسا على ما سبق فإنه من السخف والجهل القول بأن شريعة موسى - عليه السلام - اقتصرت كتابتها على لوحين فقط، وليس هذا حكما خاليا من الأدلة، بل الأدلة من كلام القوم وبلسان القوم.

يبقى بعد ذلك شيء أخير وهو ادعاء القوم أن ما كتب هو الوصايا العشر فقط - وقد ألمحنا لذلك في الوجه الأول - وباقي الأحكام والشرائع لم تكتب، وفي سبيل توضيح هذا الأمر والرد عليه نقول: من خلال قراءة النصوص السابقة التي أوردناها في الوجه الثاني يتضح أن الألواح كتب فيها كل شيء من أحكام الشريعة.

ومن ثم فلا مجال للحكم بخطأ القرآن حين قال: )وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء( (الأعراف: 145)، ويعلق صاحب "المنار" على هذه الآية قائلا: أي إننا أعطيناه ألواحا كتبنا له فيها من كل نوع من أنواع الهداية موعظة من شأنها أن تؤثر في القلوب ترغيبا وترهيبا وتفصيلا لكل نوع من أصول التشريع، وهي أصول العقائد والآداب وأحكام الحلال والحرام، وتفصيلها، ذكرها معدودة مفصولا بعضها عن بعض([5]).

غير أن صاحب "التحرير والتنوير" يلفت النظر إلي شيء جميل ولمحة رائعة عند تفسيره لهذه الآية، فيذكر أن التفصيل هنا التبيين للمجملات، ولعل الموعظة هي الكلمات العشر، والتفصيل ما ذكر بعدها من الأحكام في الإصحاحات([6]).

بناء على ما سبق نستطيع القول بأن القرآن الحكيم جاء صادقا في حديثه عن ألواح موسى - عليه السلام - وما سجل عليها، غير أن الخلط في عقول هؤلاء وفي كتاباتهم جعلهم يتصورون الخطأ فيه، تعالى الله أن يكون في كلامه خلط أو خطأ.

الخلاصة:

·   لفظ الألواح يستعمل في لغة العرب للدلالة على اثنين من باب أن أقل الجمع اثنان؛ ومن ثم فلا خطأ ولا إشكال فيما أورده القرآن عنها، فضلا عن اعتراف التوراة بأن لوحي العهد كانا ذا وجهين. وهذا اعتراف بصحة القرآن.

·   أشارت نصوص التوراة التي بين أيدينا أن موسى - عليه السلام - تلقى من ربه نوعين من الألواح هما: لوحى العهد، وعدة ألواح كتب عليها أحكام الشريعة والوصية.

·       كما أشارت التوراة أيضا أن موسى - عليه السلام - كسر لوحين كانا عليهما جميع كلام الرب، وأمره الرب بكتابة لوحين آخرين بدلا منهما وهذا يفسر بأن ما كتب على الألواح ليس فقط كما زعم القوم بما يسمونه بالوصايا العشر، بل كل شيء وهذا ما أشار إليه القرآن في قوله سبحانه وتعالى: )وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين (145)( (الأعراف).

المراجع

  1. (*) موقع الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة www.kjee.net [1]. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج 5، ج9، ص96. 
  2.  الزمرد: حجر كريم أخضر اللون شفاف. 
  3.  قصص الأنبياء، ابن كثير، تحقيق: محمد عبد الملك الزغبي، دار المنار، القاهرة، ط1، 1421هـ/ 2001م، ص281. 
  4.  التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج5، ج9، ص97، 98. 
  5.  تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ج9، ص188. 
  6.  التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج5، ج9، ص98.