نص السؤال

الزعم أن القراءات القرآنية أشد اختلافا من تعدد الأناجيل

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

الزعم أن القراءات القرآنية أشد اختلافا من تعدد الأناجيل(*)


مضمون الشبهة: 


يدعي بعض الطاعنين أن ما القرآن من قراءات يعد أعمق اختلافا من تعدد الأناجيل الأربعة، ويستدلون بهذا على أن القرآن ليس وحيا من عند الله كما يدعي المسلمون، وإنما طالته يد التحريف واللحن، حتى تجلت فيما هو عليه الآن من قراءات وحروف تطعن في عصمته وفي تواتره. 


وجه إبطال الشبهة: 


تعدد القراءات لا يعني تعدد القرآن - كما هو الشأن في الأناجيل - وذلك للآتي: 
•   القرآن كلام الله قرئ باختلاف يسير ليسهل على الناس، أما الأناجيل فهي مسماة بأسماء مؤلفيها، وهم من كتبوها بأيديهم. 
•   لم يثبت في القرآن الكريم إلا ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه وحي من عند الله عز وجل، أما الأناجيل فقد أثبت فيها كلام الرسل، وكلام البشر، وجعلوه من الكتاب المقدس. 


التفصيل: 


أولا. تعدد القراءات لا يعني تعدد القرآن: 


إن تعدد القراءات القرآنية لايعني تعدد القرآن الكريم، كما هو الشأن في الأناجيل المختلفة؛ وذلك للآتي: 


1.  القرآن كلام الله قرئ باختلاف يسير ليسهل على الناس، أما الأناجيل فإنها مسماة بأسماء مؤلفيها، وهم من كتبوها بأيديهم. 


لقد أنزل الله القرآن على خير رسله - صلى الله عليه وسلم - بلغة قريش، وقبائل العرب مختلفة اللغات في الإمالة والتفخيم، والمد والقصر، والجهر والإخفاء، وإعمال العوامل الناصبة والرافعة والجارة، فلو كلفوا كلهم الحمل على لغة واحدة لشق عليهم ذلك، فسأل - صلى الله عليه وسلم - ربه أن يجعله على سبع لغات (لهجات) ليتسع ويذهب الحرج، وكان بالمؤمنين رءوفا رحيما، فأنزلت القراءات بذلك، فكلها مروية عنه - صلى الله عليه وسلم - متواترة، فنحن على ثقة في جميعها، وفي أنها عن الله - عز وجل - متلقاة عن خير رسله صلى الله عليه وسلم، فليس عندنا أدنى لبس في كتابنا وأنه من عند ربنا، بل نحن على يقين جازم لا يزعزعه شيء بأ ن القرآن وصل إلينا محفوظا بحفظ الله له. 


وأما الأناجيل، فليس فيها رواية العدل عن العدل، وقد صرح مؤلفو أناجيلكم بكلمة واحدة، يقول متى فيها (أو غيره): قال لي المسيح: إن الله أنزل عليه كذا، بل غاية ما في بعضه: قال يسوع المسيح كذا، وهلموا إلى أناجيلكم تحكم بيننا وبينكم، فهي تواريخ وحكايات وأخبار، وبينها أقوال يسيرة معزوة للمسيح - عليه السلام - ولم يصرح فيها بأنها من الإنجيل أو من غيره، وهذا عندكم أشد وأصعب من التوراة، فإن التوراة كتبت في الألواح وتميزت وتعينت، ثم طرأ عليها ما طرأ، وأما الإنجيل فلم يتميز قط، ولم يعرف له صورة، ولا سمعت منه كلمة، غايته أن التلاميذ أملوا هذه الأناجيل بعد رفع المسيح - عليه السلام - بمدة طويلة، ولم يصرحوا بأن هذا منزل ولا غير منزل، فسقطت الثقة من الجميع حتى يتعين المنزل.

 
القرآن يستحيل فيه التضارب والانتكاس، مما يؤيد أنه من الله:

(ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (82))

(النساء)،

فالروايات عندنا يستحيل أن تشمل آية كاملة، فهي ضبط يسير تحتمله قواعد اللغة كأن يغير جمع أو تقرأ كلمة بوجه آخر هو عين معناها، فليست (تثبتوا) بمختلفة عن (تبينوا)، بل هي هي. 
أما إمالة الحرف، وتفخيمه، وإشباعه فليس من التغيير بقدر ما هي مناسبة للقدرة الإنسانية على النطق. 


2.  لم يثبت في القرآن الكريم إلا ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه وحي من عنده عز وجل، أما الأناجيل فقد ثبت فيها كلام الرسل، وكلام البشر، وجعلوه من الكتاب المقدس. 
إن المسلمين لم يجعلوا شيئا من الأحاديث النبوية مع صحتها من الكتاب المنزل، ولا قول أحد من الصحابة، بل متى قال صحابي قولا نسب له فقط، ولا يجوز أن يقال: هذا من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فضلا عن كونه من القرآن، وأنتم أيها المدلسون جعلتم الجميع من الكتاب المنزل، وسميتموه كتاب الله. 


ولا يقول أحد من المسلمين: هذا قرآن ورش، أو حفص، أو قالون، فالقرآن كلام الله قرئ باختلاف يسير ليسهل على الناس، أما عندهم فالأناجيل مسماه بأسماء مؤلفيها، وهم الذين كتبوها بأيديهم فالأمر مختلف، وهم مقتنعون بهذا، ولكن الظالمين يجحدون. 


إن تعدد القراءات لا يعني تعدد القرآن، كما هو الشأن في الأناجيل، وإن العلماء الذين نقلوا روايات القرآن التي قرأ بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعون القراءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. بينما أصحاب الأناجيل، هم الذين كتبوا الأناجيل، استنادا إلى روايات شفهية ممن لم ير المسيح، وهم يصرحون بأنهم كتبوها ولا دليل على أنها وحي، ويقولون: إنها وحي من المسيح لكتاب الأناجيل، والمسيح - عليه السلام - عبد موحى إليه، وليس إلها يوحي إلى غيره. 


والأناجيل مليئة بالاختلافات والمتناقضات التي يستحيل معها أن تكون من عند الله أو من عند المسيح؛ مثل: تناقض الأناجيل في ذكر نسب المسيح، وفي توقيت عشاء المسيح الأخير مع الحواريين، وفي ظهور المسيح بعد قيامته، وفي روايات صعود المسيح... وغيرها [1].


الخلاصة: 


•   تعدد القراءات لا يعني تعدد القرآن؛ فالقرآن الكريم كلام الله قرئ باختلاف يسير، ليسهل على الناس، ويتسع للعرب، ويذهب الحرج، وكلها مروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - متواترة وأما الأناجيل فإنها مسماة بأسماء مؤلفيها، وهم من كتبوها بأيديهم، وليس فيها رواية العدل عن العدل إلى مؤلف، ولم يصرح مؤلفو الأناجيل بكلمة واحدة يقولون فيها: إن الله أنزل على المسيح كذا. 
•   لم يثبت في القرآن الكريم إلا ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه وحي من عند الله عز وجل، ولا يقول أحد: هذا قرآن ورش، أو حفص، أو قالون. أما الأناجيل فأصحابها هم الذين كتبوها استنادا إلى روايات شفهية ممن لم ير المسيح - عليه السلام - فلذلك نجد الأناجيل مليئة بالاختلافات والمتناقضات التي يستحيل معها أن تكون من عند الله. 

المراجع

  1. (*) الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة، القرافي، تحقيق: د. بكر زكي عوض، دار ابن الجوزي، القاهرة، 2004م. [1]. دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة، موريس بوكاي، مرجع سابق، ص108: 121.