نص السؤال
ادعاء أن القرآن الكريم يقرر ألوهية المسيح عليه السلام
عبارات مشابهة للسؤال
الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.
الجواب التفصيلي
ادعاء أن القرآن الكريم يقرر ألوهية المسيح عليه السلام (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المتوهمين أن القرآن الكريم يقرر أن المسيح إله، ويستدلون على ذلك بقوله - سبحانه وتعالى - عن المسيح:
(وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)
(النساء: 171)
وقوله - سبحانه وتعالى - حكاية عن عيسى عليه السلام:
(أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم)
(آل عمران: 49)
فيستدلون بالآية الأولى على أن المسيح ابن الله، والآية الثانية على أنه يشارك الله - سبحانه وتعالى - بصفات منها: صفة الخلق وإحياء الموتى وعلم الغيب، كما يزعم هؤلاء أن المسيح - عليه السلام - قال عن نفسه: أنا ابن الله، وأن الإسلام لا ينكر عقيدة المسيحيين في ألوهية المسيح، مستدلين على ذلك بما جاء في تفسير أبي السعود من قول السدي: إن أم يحيى قابلت أم عيسى، ثم قالت لها: إن ما في بطني - يحيى عليه السلام - يسجد لما في بطنك - عيسى عليه السلام - والسجود لا يكون إلا لإله. وهم بهذا التقول على القرآن الكريم وعلى علماء المسلمين يهدفون إلى إثبات الألوهية للمسيح عيسى ابن مريم عليه السلام.
وجوه إبطال الشبهة:
1) الكلمة في هذه الآية:
(إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)
(النساء: 171)
هي من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، وليست شيئا خارجا عن ذاته، أو قد تكون هي أمر التكوين أي قوله: (كن)، ومن هنا صح إطلاق الكلمة على عيسى - عليه السلام - من باب إطلاق المصدر على المفعول في اللغة العربية.
2) الله - سبحانه وتعالى - هو الذي أوجد المعجزات وأظهرها على يد عيسى - عليه السلام - تأييدا وتصديقا له في نبوته ورسالته.
3) لم يثبت عن المسيح - عليه السلام - أنه قال عن نفسه: إنه ابن الله، بل إن فريقا من النصارى هم الذين زعموا ذلك، ولا يوجد عند النصارى شهادة صريحة على لسان المسيح تؤيد ألوهيته، بل على النقيض من ذلك يوجد الكثير من الدلائل على بشريته.
4) حوار النبي - صلى الله عليه وسلم - مع نصارى نجران، حول طبيعة المسيح أثبت عقلا، ونقلا بشرية المسيح وعدم ألوهيته.
5) ما نسب إلى السدي - على فرض صحة نسبته إليه - ليس حجة على الإسلام؛ لأنه لم يرد في القرآن الكريم، أو السنة المطهرة ما يؤيده، والسجود هنا بمعنى التقدير والاحترام، وليس سجود العبادة كما فهم المتوهمون.
التفصيل:
أولا. الفهم الصحيح لمعنى الكلمة في الآية:
لتفنيد هذه الشبهة لا بد من تفصيل القول في جزأين رئيسين في الآية التي معنا، الجزء الأول قوله سبحانه وتعالى: (وكلمته ألقاها إلى مريم)، والجزء الثاني قوله سبحانه وتعالى: (وروح منه)، ولنبدأ بالجزء الأول، فنقول:
إن "كلمة الله" مركبة من جزأين: مضاف "كلمة"، ومضاف إليه "الله"، وإذا كان الأمر كذلك، فإما أن نقول: إن كل مضاف لله - عز وجل - هو صفة من صفاته، أو نقول: إن كل مضاف لله - عز وجل - ليس صفة من صفاته، وبعبارة أخرى، إما أن نقول: إن كل مضاف لله مخلوق، أو إن كل مضاف لله غير مخلوق، وإذا قلنا: إن كل مضاف لله صفة من صفاته وهو غير مخلوق؛ فإنا سنصطدم بآيات في القرآن، وكذلك بنصوص في الإنجيل، يضاف فيها الشيء إلى الله، وهو ليس صفة من صفاته، بل هو مخلوق من مخلوقاته.
كما في قوله سبحانه وتعالى:
(ناقة الله)
(الأعراف: ٧٣)
وكما نقول: بيت الله، وأرض الله وغير ذلك، وإذا عكسنا القضية، وقلنا: إن كل مضاف لله مخلوق؛ فإننا كذلك سنصطدم بآيات ونصوص أخرى، كما نقول: علم الله، وحياة الله، وقدرة الله. إذن لا بد من التفريق بين ما يضاف إلى الله؛ فإذا كان ما يضاف إلى الله شيئا منفصلا قائما بنفسه، كالناقة، والبيت، والأرض فهو مخلوق، وإذا كان ما يضاف إلى الله شيئا غير منفصل، أي: صفة من صفاته، فيكون من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، ومن البدهي أن يكون هذا غير مخلوق، إذ الصفة تابعة للموصوف ولا تقوم إلا به، فلا تستقل بنفسها بحال.
أما الجزء الثاني، فهو "كلمة الله"، وهي من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، فـ"الكلمة" هي صفة الله تعالى، وليست شيئا خارجا عن ذاته حتى يقال: إن المسيح هو الكلمة، أو يقال: إنه جوهر خلق بنفسه كما يزعم النصارى.
فخلاصة هذا الوجه أن "كلمة الله" صفة من صفاته وكلامه كذلك، وإذا كان الكلام صفة من صفاته فليس شيئا منفصلا عنه، لما تقرر آنفا من أن الصفة لا تقوم بنفسها، بل لا بد لها من موصوف تقوم به، وأيضا فإن "كلمة الله" ليست - بداهة - جوهرا مستقلا، فضلا عن أن تتجسد في صورة المسيح كما يزعم النصارى.
إن أبي المغرضون ما سبق، وقالوا: بل المسيح هو "الكلمة" وهو الرب، وهو خالق وليس بمخلوق، إذ كيف تكون الكلمة مخلوقة؟ فالجواب: إذا سلمنا بأن المسيح هو "الكلمة" وهو الخالق، فكيف يليق بالخالق أن يلقي إلى مخلوق (السيدة مريم)، إن الخالق حقيقة لا يلقيه شيء، بل هو يلقي غيره.
فلو كان خالقا ما ألقي،
ولما قال الله:
(وكلمته ألقاها)
(النساء: ١٧١)
أي: المسيح عيسى، ومن ثم كان لزاما علينا أن نبين المراد بكلمة الله الواردة في الآية موضوع النقاش: )وكلمته ألقاها إلى مريم(، والجواب على ذلك أن نقول: إن المراد من "كلمة الله" يشتمل على معنيين كلاهما صحيح، ولا يعارض أحدهما الآخر:
المعنى الأول: أن قوله: "وكلمته" الكلمة هنا من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، ومعنى الآية على هذا: أن كلمة الله - التي هي صفته - ألقاها إلى مريم - عليها السلام - لتحمل بعيسى - عليه السلام - وهذه الكلمة هي الأمر الكوني الذي يخلق الله به مخلوقاته وهي كلمة "كن"؛
ولهذا قال تعالى في خلق آدم عليه السلام:
(إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون)
(آل عمران:59)
فكما أن آدم خلق بكلمة "كن"، فكذلك خلق عيسى، فـ "الكلمة" التي ألقاها الله إلى مريم هي كلمة "كن"، وعيسى خلق بهذه "الكلمة" وليس هو "الكلمة" نفسها.
المعنى الثاني: أن قوله "كلمته" هو من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، فـ"الكلمة" هنا عيسى - عليه السلام - وهو مخلوق؛ لأنه منفصل، وقد بينا سابقا أن إضافة الشيء القائم بذاته إلى الله، هو من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، فيكون المراد بـ "الكلمة" هنا عيسى وأضافه الله إلى نفسه تشريفا له وتكريما. فإن قلتم: كيف يسمي الله - عز وجل - عيسى "كلمة"، والكلمة صفة الله؟ فالجواب: أنه ليس المراد هنا الصفة، بل هذا من باب إطلاق المصدر، وإرادة المفعول نفسه، كما نقول: هذا خلق الله، ونعني: هذا مخلوق الله؛ لأن خلق الله نفسه فعل من أفعاله، لكن المراد هنا المفعول، أي المخلوق، ومثل قولنا: أتى أمر الله، يعني المأمور به، أي ما أمر الله به، وليس نفس الأمر، فإن الأمر فعل من الله تعالى.
والمعنى الثاني للآية راجع عند التحقيق إلى المعنى الأول؛ فإننا إذا قلنا: إن عيسى "كلمة الله" بمعنى أنه نتيجة "الكلمة"، ومخلوق بـ "الكلمة"، فهذا يدل على "الكلمة" أساسا، وهو فعل الله، ويدل على عيسى - عليه السلام - وهو الذي خلق بـ "الكلمة".
فحاصل هذا الجزء من الآية أن "كلمة الله" تعالى التي ألقاها إلى مريم هي أمر التكوين، أي قوله )كن(، فكان عيسى - عليه السلام - ومن هنا صح إطلاق الكلمة على عيسى - عليه السلام - من باب إطلاق المصدر على المفعول، وكما يسمى المعلوم علما، والمقدور قدرة والمأمور أمرا، فكذلك يسمى المخلوق بالكلمة كلمة.
هذا جواب ما يتعلق بالجزء الأول من الآية، أما الجزء الثاني، وهو قوله سبحانه وتعالى: )وروح منه( فليس فيه أيضا دلالة على ألوهية المسيح أو بنوته لله، فضلا عن أن يكون فيه أي دليل لما يدعيه النصارى عن طبيعة عيسى - عليه السلام - وبيان ذلك فيما يلي:
1. أن قول الله سبحانه وتعالى: )وروح منه( ليس فيه ما يدل على أن عيسى جزء من الله تعالى، أو أن جزءا من الله تعالى قد حل في عيسى، وغاية ما في الأمر هنا أننا أمام احتمالين لا ثالث لهما: فإما أن نقول: إن هذه "الروح" مخلوقة، وإما أن نقول: إنها غير مخلوقة؛ فإذا كانت الروح مخلوقة، فإما أن يكون خلقها الله في ذاته، ثم انفصلت عنه، ولهذا قال عنها: "منه"، أو خلقها الله في الخارج؛ فإذا كانت هذه الروح غير مخلوقة فكيف يصح عقلا أن تنفصل عن الله تعالى لتتجسد في شخص بشري؟ وهل هذا إلا طعن في الربوبية نفسها، لتجويز التجزؤ والتبعض على الخالق - عز وجل - وإذا كانت الروح مخلوقة، وخلقها الله في ذاته، ثم انفصلت عنه، فهذا معناه تجويز إحداث الحوادث المخلوقة المربوبة في ذات الإله سبحانه، وهذا عين الإلحاد والزندقة، أما إذا كانت الروح مخلوقة، وخلقها الله في الخارج، فهذا يدل على أن الله - عز وجل - خلق الروح ونفخها في مريم، ليكون بعد ذلك تمام خلق عيسى - عليه السلام - ومولده.
هذا هو عيسى في التصور الصحيح، أما ما سوى ذلك فهو مجرد ترهات تأباها الفطر السليمة، فضلا عن العقول المستقيمة.
2. ما دمتم تقرون أنه ليس ثمة أحد يحمل صفات الألوهية، أو البنوة لله - عز وجل - إلا المسيح - عليه السلام - وتستدلون على ذلك بقوله سبحانه وتعالى: )وروح منه(، فحينئذ يلزمكم أن تقولوا: إن آدم - عليه السلام - أحق بالبنوة من عيسى، حيث قال الله في آدم: )فإذا سويته ونفخت فيه من روحي( (الحجر: ٢٩)، ولا شك أن القول بهذا حجة عليكم لا لكم، فإذا كان قوله سبحانه وتعالى: )من روحي(في حق آدم معناه الروح المخلوقة، وأن هذه الروح ليست صفة لله - عز وجل - فهي كذلك في حق عيسى؛ إذ اللفظ واحد، بل إن الإعجاز في خلق آدم بلا أب ولا أم أعظم من الإعجاز في خلق عيسى بأم بلا أب، وحسب قولكم يكون آدم حينئذ أحق بالبنوة والألوهية من عيسى، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ولو سلمنا بأن الروح في الآية هو جزء من الإله، فهذا يقتضي أن يكون في الإله أقنومان - حسب اعتقاد النصارى - أقنوم الكلمة، وأقنوم الروح، وفي هذا تناقض في موقف النصارى؛ إذ إنهم لا يقولون إلا بأقنوم "الكلمة"، ولا يقولون بأقنوم "الروح".
3. لو كان معنى "منه" أي: جزء من الله، لكانت السماوات والأرض وكل مخلوق من مخلوقات الله جزءا من الله، ألم يقل الله سبحانه وتعالى: )وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه( (الجاثية: ١٣)، وقال عن آدم: )ونفخت فيه من روحي(،
وقال سبحانه وتعالى:
(وما بكم من نعمة فمن الله)
(النحل: ٥٣)
إن معنى "منه" وفق السياق القرآني، أي: منه إيجادا وخلقا، فـ "من" في الآية لابتداء الغاية، وليس المعنى أن تلك الروح جزء من الله تعالى.
وبعد ما تقدم نقول: إن القرآن الكريم في هذا الموضع وفي غيره، يقرر بشرية المسيح - عليه السلام - وأنه عبد الله ورسوله، وأنه ليس له من صفة الألوهية شيء،
وقد قال الله - عز وجل - في نفس الآية نفسها:
(إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله)
(النساء: 171)
فهو ابن مريم وليس ابن الله، وهو رسول الله وليس هو الله،
وقال سبحانه وتعالى:
(لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم)
(المائدة: 72)
وقال سبحانه وتعالى:
(لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)
(المائدة: 73)[1].
فهل بعد هذا الاستدلال العقلي؛ والبيان القرآني يبقى متمسك بشبهات أوهى من بيت العنكبوت؟ أو يلصق بالقرآن ما ليس منه؟
ثانيا. إن الله - سبحانه وتعالى - هو الذي أوجد المعجزات وأظهرها على يد عيسى - عليه السلام - تأييدا وتصديقا له في نبوته ورسالته:
إن الاستدلال على ألوهية المسيح بالمعجزات التي جسدت على يديه باطل؛ فعيسى - عليه السلام - لم يوجد هذه المعجزات، وإنما الله - عز وجل - هو الذي أوجدها وأظهرها على يديه، وعيسى - عليه السلام - لما نفخ في الأموات، أو ناداهم كما أمره الله، فكان عقب هذا أن أحياهم الله - عز وجل - فنسب الإحياء إلى عيسى على اعتبار أنه باشر أسبابه بأمر الله، وهذه معجزة دلت على صدقه في نبوته ورسالته؛ ولذلك صدر الحديث عن هذه المعجزات بقوله - سبحانه وتعالى - على لسانه:
(أني قد جئتكم بآية من ربكم)
(آل عمران: ٤٩).
وإننا إذ نتحدث عن معجزات عيسى - عليه السلام - يجب أن نلاحظ شيئا مهما، هو أن الله - سبحانه وتعالى - أكد على نسبة الإرادة لله تعالى - بإذن الله - رغم أن عيسى - عليه السلام - رسول مؤيد من الله،
فقال الله سبحانه وتعالى - على لسان عيسى عليه السلام:
(ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين)
(آل عمران:49)
ذلك أن الله - سبحانه وتعالى - قد احتفظ بسر خلقه لنفسه، ولم يعطه لعبد من عباده، ومن هنا كان لزاما أن تأتي كلمة "بإذن الله" بمعنى أن الخلق يتم لا بمعجزة ذاتية ولكن بإذن الله - سبحانه وتعالى - ثم تمضي السورة: (وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله) ذلك أن الشافي هو الله - سبحانه وتعالى - وهو الذي يحيي ويميت، وهكذا كانت هذه المعجزات إعلانا من الله وهو الفاعل لا يشرك أحدا معه في ذلك، وإذا كانت هذه المعجزات قد تمت على يد رسول؛ فإنها تتم بإذن الله، فإنه هو الذي يحيي ويميت، وهو الذي يشفي من المرض.
فعيسى - عليه السلام - من أنبياء الله ورسله الذين أيدهم الله بالمعجزات وإحياء الموتى، والله لم يجر المعجزات على يد عيسى - عليه السلام - وحده، ولكنه أجراها على يد غيره من الأنبياء كذلك، فلو كان ذلك دليلا على ألوهية عيسى؛ لكان - كذلك - دليلا على ألوهية كل من ظهر على يديه إحياء الموتى.
ولقد ظهر إحياء الموتى على يد موسى - عليه السلام - عندما احتكم إليه المختصمون من قومه في شأن القتيل؛
قال سبحانه وتعالى:
(وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها)
(البقرة: ٧٢)
وأحيا الله - عز وجل - على يد إبراهيم - عليه السلام - الطير بعد أن ذبحها وقطعها، وخلطها، وجعل على كل جبل منهن جزءا،
قال سبحانه وتعالى:
(وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم)
(البقرة:260)
فإن قالوا: استدللنا على كون المسيح إلها؛ لأنه أحيا الموتى، ولا يحيي الموتى إلا الله، قلنا لهم: فاجعلوا موسى إلها آخر؛ فقد أحيا بإذن الله السبعين الذين ماتوا من قومه، وأتى من ذلك بشيء لم يأت المسيح بنظيره، ولا ما يقاربه، فقد جعل العصا حيوانا عظيما - ثعبانا - فهذا أبلغ وأعجب من إعادة الحياة إلى جسم كانت فيه أولا.
فإن قلتم - أيها النصارى -: جعلناه إلها للعجائب التي ظهرت على يديه، قلنا: إن عجائب موسى أعجب وأعجب، وهذا إيلياء النبي بارك على دقيق العجوز، ودهنها فلم ينفد ما في جرابها من الدقيق، وما في قارورتها من الدهن سبع سنين.
وإن جعلتموه إلها؛ لكونه أطعم من الأرغفة اليسيرة آلافا من الناس، فهذا موسى قد أطعم أمته أربعين سنة من المن والسلوى، وهذا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - قد أطعم العسكر كله من زاد يسير جدا حتى شبعوا وملئوا، وسقاهم كلهم من ماء يسير لا يملأ اليد حتى ملئوا كل سقاء في العسكر، وهذا منقول عنه بالتواتر، فهل قال المسلمون بأنه إله؟!
وإن قلتم: جعلناه إلها؛ لأنه كان يعلم الغيب؛ إذ كان ينبئ أصحابه بطعامهم وشرابهم الذي يأكلونه أو يدخرونه في بيوتهم،
كما جاء في قوله سبحانه وتعالى:
(وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم)
(آل عمران: ٤٩).
فإننا نقول لكم: إن مصدر علمه بذلك هو الوحي، وقد جرت مثل هذه المعجزة على يدي نبي الله يوسف - عليه السلام -
حيث أخبر صاحبه في السجن:
(قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي)
(يوسف: ٣٧)[2].
كما أن علم عيسى - عليه السلام - لبعض الأمور ليس من ذاته، وليس علما مطلقا بكل غيب، ولكنه بإعلام الله له، وإيحائه إليه، وهو بعض الغيب، وليس كله، فالغيب كله لا يعلمه إلا الله:
(قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله)
(النمل: ٦٥)
والعلم الذاتي لأي معلوم ليس إلا لله سبحانه وتعالى:
(ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء)
(الأعراف:١٨٨)
فالله يعلم رسله من الغيب ما يجعله آية لهم على صدقهم،
كما قال سبحانه وتعالى:
(عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا (26) إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا (27)
(الجن).
ولو كان عيسى - عليه السلام - إلها لعلم الغيب - كل الغيب - بذاته من غير إعلام الله له، ولعلم يوم القيامة، متى يكون؟ وقد أعلن في الإنجيل أنه لا يعلمها، وأن الله وحده هو الذي يعلمها.
جاء في إنجيل مرقس: "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة، فلا يعلم بها أحد، ولا الملائكة الذين في السماء، ولا الابن إلا الآب، انظروا، اسهروا وصلوا؛ لأنكم لا تعلمون متى يكون الوقت". (مرقس 13: 32)[3].
فلو كان عيسى - عليه السلام - إلها لعلم الغيب علما ذاتيا، ولعلم موعد الساعة، فما علم بالذات لا يتخلف، لكنه اعترف بعدم علمها، وأنه لا يعلمها إلا الله عز وجل.
إن معجزات عيسى - عليه السلام - مثلها كمثل معجزات غيره من الأنبياء والرسل كناقة صالح، وعدم إحراق النار لإبراهيم، وكونها بردا وسلاما عليه، وعصا موسى، ومعجزة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخالدة، التي ما زالت تتحدى العالمين، وكل يوم يثبت للعقلاء صدقها وصدق من نقلها، وهي القرآن الكريم.
وخلاصة القول أن غرابة الخوارق التي جرت على يد المسيح لا تجعل منه إلها، بل تجعله آية على قدرة خالقه،
كما في قوله سبحانه وتعالى:
(ولنجعله آية للناس)
(مريم: ٢١).
ثالثا. لم يثبت عن المسيح أنه قال عن نفسه: إنه ابن الله، بل إن فريقا من النصارى هم الذين زعموا ذلك:
إن عقيدة المسلمين في المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - أنه رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وقد أمر المسيح - عليه السلام - أتباعه بعبادة الله وحده، وحذرهم من عاقبة الشرك بالله،
قال سبحانه وتعالى:
(وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار)
(المائدة: ٧٢)
فالمسيح - عليه السلام - لم يقل عن نفسه: إنه ابن الله، بل إن فريقا من النصارى الذين غالوا فيه، ورفعوه عن درجة البشرية إلى درجة الألوهية هم الذين زعموا ذلك،
يقول سبحانه وتعالى:
(وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون)
(التوبة:30)
وقد جاء في إنجيل يوحنا على لسان عيسى: "الحق أقول لكم، من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان". (يوحنا 1: 51)، وكذلك ورد أن عيسى - عليه السلام - يخاطب ربه على أنه الإله الواحد، وأنه رسوله وليس ابن إله ولا إله: "وهذه هي الحياة الأبدية أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته". (يوحنا: 17: 3).
فإن جعلتموه إلها؛ لأنه ادعى ذلك كما تقولون، فإما أن يكون الأمر كما تقولون عنه، أو يكون كما ادعيتم عليه فهو أخو المسيح الدجال، وليس بمؤمن ولا صادق، فضلا عن أن يكون نبيا كريما، وجزاؤه جهنم وبئس المصير،
كما قال سبحانه وتعالى:
(ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم)
(الأنبياء: ٢٩)
وكل من ادعى الألوهية من دون الله، فهو من أعظم أعداء الله كفرعون، والنمرود، وأمثالهما من أعداء الله، فأخرجتم المسيح عن كرامة الله، ونبوته، ورسالته، وجعلتموه من أعظم أعداء الله، ولهذا كنتم أشد الناس عداوة للمسيح في صورة محب موال!
ومن أعظم ما يعرف به كذب المسيح الدجال، أنه يدعي الألوهية، فيبعث الله عبده ورسوله مسيح الهدى ابن مريم فيقتله، ويظهر للخلائق أنه كان كاذبا، هذا فضلا عن أنه لو كان إلها لم يقتل، فضلا عن أن يصلب، ويسمر ويبصق في وجهه كما زعمتم!
ولو كان المسيح قد أقر بأنه عبد، ونبي، ورسول، كما شهدت بهذا الأناجيل كلها ودل عليه العقل، والفطرة، وشهدتم أنتم له بالألوهية - وهذا هو الواقع - فلم لم تأتوا على ألوهيته ببينة؟ وقد ذكرتم عنه في أناجيلكم في مواضع عديدة ما يصرح بعبوديته، وأنه مربوب مخلوق، وأنه ابن البشر، وأنه لم يزد عن كونه نبيا رسولا، وكنتم بهذا مكذبين له ولكتابكم، وصدقتم من كذب على الله وعليه وحرف في كتابكم!
وها هي نقول من الكتاب المقدس تؤكد على لسان المسيح نفي الألوهية عنه منها:
· "أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئا كما أسمع أدين، ودينونتي عادلة؛ لأني لا أطلب مشيئتي، بل مشيئة الآب الذي أرسلني". (يوحنا 5: 30).
· "قال لهم يسوع: متى رفعتم ابن الإنسان، فحينئذ تفهمون أني أنا هو، ولست أفعل شيئا من نفسي، بل أتكلم بهذا كما علمني أبي، والذي أرسلني هو معي، ولم يتركني الآب وحدي؛ لأني في كل حين أفعل ما يرضيه". (يوحنا 8: 28).
· "فأخذ الجميع خوف ومجدوا الله قائلين: قد قام فينا نبي عظيم، وافتقد الله شعبه". (لوقا 7: 16).
· "فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا: إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم". (يوحنا 6: 14).
· "قال لها يسوع:«لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي. ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم:إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم". (يوحنا 20: 17).
· "يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم". (أعمال الرسل 2: 22).
· "ولا تدعوا لكم أبا على الأرض؛ لأن أباكم واحد، الذي في السماوات، ولا تدعوا معلمين؛ لأن معلمكم واحد المسيح". (متى 23: 9، 10).
· "تكلم يسوع بهذا ورفع عينيه نحو السماء وقال:«أيها الآب، قد أتت الساعة. مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضا، إذ أعطيته سلطانا على كل جسد ليعطي حياة أبدية لكل من أعطيته. وهذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته". (يوحنا 17: 1 - 3).
· " إن أول كل الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد. وتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك. هذه هي الوصية الأولى". (مرقس 12: 29، 30).
· "ولما دخل أورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة: من هذا. فقالت الجموع: هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل". (متى 21: 10، 11).
· "الحق الحق أقول لكم: إنه ليس عبد أعظم من سيده، ولا رسول أعظم من مرسله". (يوحنا 13: 16).
· "ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله". (يوحنا 8: 40).
· "الله لم يره أحد قط". (يوحنا 1: 18).
· "أبي أعظم مني". (يوحنا 14: 28).
ومن الواضح أن المقصود بالابن: العبد؛ إذ لو كان المسيح ابن الله، لصار النصارى كلهم أبناء الله، إذ يقول الكتاب المقدس: "إني ذاهب إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم"، أو آلهة كما يزعمون، وهذا ما لم يدعه أحد منهم. وهذه النصوص كما أسلفنا صريحة في نفي الألوهية عن المسيح، وتوقع النصارى في التناقض[4].
رابعا. حوار النبي - صلى الله عليه وسلم - مع نصارى نجران، حول طبيعة المسيح أثبت عقلا ونقلا بشرية المسيح وعدم ألوهيته:
لقد رد القرآن على أهل التثليث، وأوضح في رده عليهم أن عيسى - عليه السلام - إنما أتى بعقيدة التوحيد، كما أنكر عيسى نفسه أن يكون إلها، أو أن توصف أمه بالألوهية، ولكن عبد الله ورسوله، وقد حذر قومه من الشرك بالله - عز وجل - ودعاهم إلى عبادة الله الواحد الأحد، ويدل على ذلك آيات كثيرة من القرآن،
منها قوله سبحانه وتعالى:
(لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار)
(المائدة:72)
وذكر القرآن أن تأليه عيسى - عليه السلام - ليس إلا نوعا من الغلو، والقول على الله بغير حق، ولذلك يجب العدول عنه:
(يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله)
(النساء: 171).
ولم يكتف القرآن بالحديث عن بشرية عيسى - عليه السلام - ورسالته، وعبادته لربه، وتنزيهه لله - عز وجل - عن أن يكون له شريك في الألوهية، بل وصفه بصفات هي من صفات البشر، والله يتنزه عن هذه الحاجة وعما يرتبط بها، من جوع وضعف وهزال، وعما يترتب عليها من هضم وتخلص من بقايا الطعام، فالله - عز وجل - يطعم ولا يطعم، وهو الرازق للعباد وهم لا يرزقونه، ويطعمهم من خيره وهم لا يطعمونه، وهو الغني عن العالمين وهم مفتقرون إليه:
(ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون (57) إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين (58)
(الذاريات).
فإذا كان المسيح - عليه السلام - يأكل الطعام، فإن ذلك دليل حاسم على أنه بشر وليس بإله، وقد جاء في السنة النبوية ما يؤيد حجة القرآن ويفصلها، وذلك في جدال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لنصارى نجران حول طبيعة المسيح - عليه السلام - فقد أثبتوا له الألوهية؛ لأنه ولد من غير أب، وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: من أبوه؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه؟ فقالوا: بلى. قال: ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت، وأن عيسى يأتي عليه الفناء؟ قالوا: بلى. قال: ألستم تعلمون أن ربنا قيوم على كل شيء يكلؤه، ويحفظه ويرزقه؟ قالوا: بلى. قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟ قالوا: بلى. قال: فهل يعلم عيسى من ذلك شيئا إلا ما علم؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام، ولا يشرب الشراب، ولا يحدث الحدث؟ قالوا: بلى. قال: ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثم غذي كما يغذى الصبي، ثم كان يطعم ويشرب الشراب ويحدث الحديث؟ قالوا: بلى. قال: فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ قال: فعرفوا، ثم أبوا إلا جحودا،
فأنزل الله عز وجل:
(الم (1) الله لا إله إلا هو الحي القيوم (2)
(آل عمران)[5].
وقد كان مما جاء في هذه الآيات وصف الله تعالى بأنه الحي القيوم "الحي الذي لا يموت"، وقد مات عيسى وصلب - في قولهم - والقيوم: القائم على مكانه، من سلطانه في خلقه لا يزول، وقد زال عيسى - في قولهم - عن مكانه الذي كان به، وذهب عنه إلى غيره.
وكان مما وصف الله - عز وجل - به نفسه قوله:
(هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء)
(آل عمران: ٦)
أي: قد كان عيسى ممن صورهم الله في الأرحام، ومثيرو هذه الشبهة لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه، فكيف يكون عيسى إلها، وهو بذلك المنزل[6]؟!
خامسا. ما نسب إلى السدي - على فرض صحة نسبته إليه - ليس حجة على الإسلام؛ لأنه لم يرد في القرآن أو السنة المطهرة ما يؤيده، والسجود بمعنى الاحترام والتقدير لا العبادة:
استدل فريق من النصارى على ألوهية المسيح بما جاء في تفسير أبي السعود من قول السدي: إن أم يحيى قابلت أم عيسى ثم قالت لها: إن ما في بطني - يحيى عليه السلام - يسجد لما في بطنك - عيسى عليه السلام - قالوا: السجود لا يكون إلا لإله؟ والحق أننا لا نستطيع أن نجزم بصحة نسبة هذا القول للسدي، ولو صحت نسبته إليه فلا تصح نسبته إلى أم يحيى؛ لأنه من كلام القصاصين.
وعلى فرض صحته، فالمراد بالسجود هنا التقدير والاعتراف بالفضل والنبوة، وليس سجود العبادة. وعلى كل فهذا القول ليس حجة على الإسلام، ما دام لم يرد في القرآن الكريم، ولا في السنة المطهرة، ولا عصمة لأحد بعد الأنبياء - عليهم السلام - وهذا الكلام لا ينهض أمام النصوص القاطعة بأن عيسى - عليه السلام - عبد الله ورسوله، وأن الإله هو الله - عز وجل - وحده دون سواه.
أما الانتقال من هذا الدليل الضعيف إلى الزعم أن علماء المسلمين، ونصوص القرآن تقر بأن المسيح هو الله، فهذا عبث، وكلام مرسل يصطدم بواقع الإسلام وإجماع النصوص من القرآن والسنة. تلك النصوص التي تؤكد دون أدنى شك، أو مواربة أن السيد المسيح إن هو إلا عبد الله ورسوله، وأنه يتبرأ من دعوى تأليه الناس،
قال سبحانه وتعالى:
(لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا)
(المائدة: ١٧).
وقال سبحانه وتعالى:
(لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار (72) لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم (73)
(المائدة)[7].
الخلاصة:
· لم يفهم النصارى القرآن الكريم، وما عرفوا أن الكلمة في قوله سبحانه وتعالى:(وكلمته ألقاها إلى مريم) هي (كن) أي: بكلمة الله كان عيسى - عليه السلام - وهذا واضح في قوله سبحانه وتعالى: (إن الله يبشرك بكلمة منه).
· إن قوله سبحانه وتعالى: (وروح منه) ليس فيه أيضا دلالة على ألوهية المسيح - عليه السلام - أو بنوته لله؛ لأن هذا يؤدي إلى ألوهية آدم وبنوته لله، فقد قال الله في آدم: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي)، وهذا ما لم يقل به أحد.
·المعجزة هي الأمر الخارق للعادة، الذي يجريه الله على يد الأنبياء تصديقا لهم، وما حدث لعيسى - عليه السلام - من معجزات إنما كان بإذن الله ومشيئته، وقد حدث مثلها مع أنبياء الله مثل: إبراهيم، وموسى، ويوسف - عليهم السلام - ولم يزعم أحد أنهم آلهة أو أبناء لله.
· إن الباحث في الكتاب المقدس لا يجد مثل هذا النص الذي يحتج به أهل التثليث على أن المسيح - عليه السلام - قال لهم: إنني أنا الله، فاعبدوني وصلوا لي وصوموا لأجلي؟ بل إن كتابهم المقدس يدل على أنه جاء ليدعوهم إلى عبادة الله، والإيمان برسالته، أي: إنه رسول وليس إله.
·إن ما نسبه أبو السعود في تفسيره للسدي، لا يصح أن يكون دليلا على ألوهية المسيح - عليه السلام - لأننا لا نستطيع أن نجزم بصحة هذا القول للسدي، وإن ثبتت صحته، فلا يعد حجة على الإسلام، ما دام لم يرد في قرآن ولا سنة.
المراجع
- (*) مناظرة بين الإسلام والنصرانية، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، دار الحديث، القاهرة. ط2، 1412هـ. مواجهة صريحة بين الإسلام وخصومه، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة، مصر، 1426هـ/ 2005م.
- هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، ابن القيم، دار ابن القيم، القاهرة، 1979م، ص25 وما بعدها.
- مدرسة الأنبياء: عبر وأضواء، محمد بسام الزين، دار الفكر، بيروت، ط2، 1419هـ/ 1999م، ص327 بتصرف.
- رسالة للرد على رسالة تنصيرية شهيرة تزعم ألوهية المسيح من القرآن، إعداد وترتيب: محمود مهران، د. م، د. ن، د. ت.
- انظر: البهريز في الكلام اللي يغيظ، علاء أبو بكر، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 2006م.
- أخرجه الطبري في تفسيره (6/ 154) برقم (6544).
- أصول العقيدة الإسلامية، د. محمد أبو خليفة، دار الهاني، القاهرة، 1426هـ/ 2005م، ص180.
- الشبكة الإسلامية، الخميس 8/ 9/ 2004م (شبهات حول القرآن وشبهات أخرى).