نص السؤال
زعم اليهود والنصارى أنهم أبناء الله - عز وجل - وأحباؤه
عبارات مشابهة للسؤال
الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.
الجواب التفصيلي
زعم اليهود والنصارى أنهم أبناء الله - عز وجل - وأحباؤه(*)
مضمون الشبهة:
يزعم اليهود والنصارى أنهم أبناء الله وأحباؤه؛ لأنهم منتسبون إلى أنبيائه وهم بنوه، وله بهم عناية، وهو يحبهم، ويستدل اليهود على زعمهم بما نقلوا عن كتابهم أن الله - عز وجل - قال لعبده إسرائيل: أنت ابني بكري، وينقل النصارى أيضا عن كتابهم أن عيسى قال لهم: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم.
قال سبحانه وتعالى:
(وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه)
(المائدة: ١٨).
وجوه إبطال الشبهة:
1) رد عقلاء اليهود الذين أسلموا على تأويلهم الفاسد المحرف.
2) ادعاء التميز والخصوصية على خلق الله لا دليل عليه.
3) لم يعذبكم الله بذنوبكم إن كنتم أبناءه وأحباءه حقا؟!
4) اليهود والنصارى بشر كسائر البشر لا فضل لهم على أحد من خلق الله إنما العبرة بالإيمان والعمل الصالح.
التفصيل:
أولا. رد عقلاء اليهود والنصارى هذا التأويل الفاسد:
هذه شبهة لا دليل عليها، وافتراء لا أساس له من أقوال هؤلاء المتبجحين من اليهود والنصارى، حيث يدعون أنهم أبناء الله وأحباؤه، فهم منتسبون إلى أنبيائه وهم بنوه وله بهم عناية، ونقل اليهود عن كتابهم أن الله - عز وجل - قال لعبده إسرائيل: "أنت بكري". (التكوين 49: 3)، ونقل النصارى عن كتابهم أن عيسى - عليه السلام - قال لهم: "إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم". (يوحنا 20: 17)، فحملوا هذا على غير تأويله وحرفوه، وقد رد عليهم غير واحد من عقلائهم، وقالوا: هذا يطلق - عندهم - على التشريف والإكرام.
وبهذا المعنى كان يستخدم اليهود - مخاطبي عيسى - لفظة "ابن الله" التي لم تكن غريبة عليهم، بل شائعة ومستخدمة لديهم بالمعنى الذي ذكرناه، ولذلك نجد مثلا أن أحد علماء اليهود واسمه نثنائيل لما سمع من صديقه فيلبس عن نبي خرج من مدينة الناصرة استنكر ذلك في البداية، لكنه لما ذهب ليرى عيسى بنفسه عرفه عيسى: "فيلبس وجد نثنائيل وقال له: وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء، يسوع بن يوسف الذي من الناصرة. فقال له نثنائيل: أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟ قال له فيلبس: تعال وانظر. ورأى يسوع نثنائيل مقبلا إليه، فقال عنه: «هوذا إسرائيلي حقا لا غش فيه». قال له نثنائيل: من أين تعرفني؟ أجاب يسوع وقال له: «قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التينة، رأيتك». أجاب نثنائيل وقال له: يا معلم، أنت ابن الله، أنت ملك إسرائيل". (يوحنا1: 45 - 49).
ومما لا شك فيه أن مقصد نثنائيل - كإسرائيلي يهودي موحد، عالم بالكتاب المقدس - من عبارة "ابن الله" هذه لن يكن: أنت ابن الله المولود منه والمتجسد! ولم يكن قصده: أنت أقنوم الابن المتجسد من الذات الإلهية!! لأن هذه الأفكار كلها لم تكن معروفة في ذلك الوقت، ولم يتحدث عيسى نفسه عنها، لأن هذه الحادثة حدثت في اليوم الثاني لبعثة عيسى فقط، بل من الواضح المقطوع به أن مقصد نثنائيل من عبارته "أنت ابن الله": أنت مختار الله ومجتباه، أو أنت حبيب الله أو من عند الله، أو أنت النبي الصالح البار المقدس، ونحو ذلك.
هذا، ومما يؤكد ذلك أن لقب "ابن الله" جاء بعينه في الإنجيل، في حق كل بار صالح غير عيسى عليه السلام، كما استعمل "ابن إبليس" في حق الإنسان الفاسد الطالح[1].
ثانيا. لا دليل للفريقين على دعواهم:
هؤلاء اليهود يعتقدون أنهم شعب الله المختار ميزهم لذاتهم على جميع البشر، فلا يمكن أن يساويهم شعب آخر عنده، وإن كان أصح منهم إيمانا وأصلح عملا، وأنهم لا يكونون تابعين لغيرهم في الدين، فلا يصح أن يتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عربي لا إسرائيلي، والفاضل لا يتبع المفضول بزعمهم، ولا يمكن أن يؤاخذهم الله على الكفر به؛ لأنهم شعبه الخاص المحبوب، وهو لا يعاملهم إلا معاملة الوالد لأبنائه الأعزاء والمحب لمحبوبه الخاص، وأما النصارى فيدعون أن المسيح فداهم بنفسه وأنهم أبناء الله، بولادة الروح، والمسيح ابنه الحقيقي، ويخاطبون الله - عز وجل - بلقب الأب دائما، ويرون أنهم غير محتاجين إلى إصلاح في دينهم ودنياهم، ولهذا رفضوا ما دعاهم إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من التوحيد الخالص والعمل الصالح[2].
وهذا الزعم من اليهود والنصارى لا يستند إلى دليل من وحي أو علم أنزله في كتاب بل الموجود في كتبهم البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم، والمعلوم عنهم أنهم يحرفون العلم عن مواضعه وأنهم يفترون على الله الكذب وهم يعلمون
قال سبحانه وتعالى:
(ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا (49) انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا (50)
(النساء).
ثالثا. الله - عز وجل - لا يعذب أحباءه:
لقد رد الله عليهم بقوله: (قل فلم يعذبكم بذنوبكم( (المائدة: ١٨)؛ أي: إذا كان الأمر كما زعمتم وادعيتم أنكم أبناء الله وأحباؤه فلم يعذبكم الله - عز وجل - في الدنيا كما تعلمون من تاريخكم الماضي، وكما مسخكم قردة وخنازير، وعذب من قبلكم من اليهود والنصارى بألوان العذاب، أو كما ترون في تاريخكم الحاضر، ومن هذا العذاب تخريب الوثنيين لمسجد اليهود الأكبر، وإزالة ملكهم في الأرض[3]، واضطهاد الأمم للنصارى والتنكيل ببعضهم، أوالمعنى: فلم أعد لكم نار جهنم على كفركم وكذبكم وافترائكم؟ وقد أقر اليهود بذلك، واعترفوا بأنهم سيعذبون في النار أياما معدودة، كما حكى الله عنهم ذلك
في قوله:
(وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة)
(البقرة: ٨٠).
ومعلوم أن المحب لا يعذب حبيبه، والأب لا يعذب ابنه، فلستم إذا أبناء الله ولا أحباءه، وهذا دليل كذبكم وافترائكم، وهذا هو المسمى عند الجدليين ببرهان الخلف.
رابعا. التفضيل عند الله للبشر بالإيمان والعمل الصالح:
ولهذا بين الله لهم أنهم بشر من جملة البشر من خلق الله عز وجل، وهو - سبحانه وتعالى - الحكم العدل لا يحابي أحدا على حساب أحد من خلقه، وإنه ليس لكم ولا لغيركم من طوائف البشر امتياز ذاتي خاص، ولا نسبة ذاتية إليه عز وجل؛ لأن جميع خلقه بالنسبة إليه سواء، وهو سبحانه يغفر لمن يعلم أنه يستحق للمغفرة، ويعذب من يعلم أنه مستحق للعذاب، فهو يجزيكم بأعمالكم كما يجزي سائر البشر أمثالكم، فارجعوا عن غروركم بأنفسكم، فإنما العبرة بالإيمان الصحيح والعمل الصالح،
قال سبحانه وتعالى:
(بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير)
(المائدة:18)
وقال سبحانه وتعالى:
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)
(الحجرات:13)[4].
الخلاصة:
·اعتقاد اليهود والنصارى التميز والخصوصية لذاتهم على خلق الله اعتقاد باطل، لا دليل عليه، فالأصل في التميز والتفاضل - عند الله - هو التقوى والعمل الصالح.
·إذا سلمنا جدلا أن اليهود والنصارى أبناء الله وأحباؤه، أفيعذب والد أولاده ويهلكهم بذنوبهم وخطاياهم، وهو لهم محب وبهم رحيم؟!
·ما استدل به اليهود والنصارى من كتبهم - المحرفة - استدلال خاطيء وتأول فاسد بين المراد منه عقلاء هؤلاء وهؤلاء.
المراجع
- (*) الآية التي وردت فيها الشبهة: (المائدة/ 18). الآية التي ورد فيها الرد على الشبهة: (المائدة/ 18).
- المناظرة الكبرى، علاء أبو بكر، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1426 هـ/ 2005م، ص177، 178.
- تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ج6، ص316.
- تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ص315.
- تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ص317.