نص السؤال

دعوى أن القرآن لو كان خيرًا ما سبق إلى الإيمان به العبيد والإماء والمستضعفون

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

دعوى أن القرآن لو كان خيرا ما سبق إلى الإيمان به العبيد والإماء والمستضعفون(*)

مضمون الشبهة:

ادعى الكافرون أن القرآن ليس هو الحق؛ إذ لو كان هذا القرآن خيرا حقا ما سبقهم إلى الإيمان به المستضعفون من العبيد والإماء وأشباههم: يعنون بذلك خبابا وبلالا وصهيبا وعمارا رضي الله عنهم، لأن هؤلاء المشركين - عند أنفسهم - يعتقدون أن لهم وجاهة عند الله وله بهم عناية، فكيف إذا يهتدي هؤلاء المستضعفون دون أهل الوجاهة والشرف؟ وكيف يستوون معا؟

قال سبحانه وتعالى:

(وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه)

(الأحقاف: ١١).

وجوه إبطال الشبهة:

1)  الله يمن على من يشاء امتحانا منه للناس بعضهم ببعض.

2)  ليس عيبا في الدعوة أن يسبق إليها الضعفاء، بل إن لله في ذلك حكمة.

3)  هذه الشبهة هي مقولة كثير من المكذبين السابقين.

4)  هذه المقولة منشؤها الغرور والاستكبار.

5)  الرزق في الدنيا مترتب على أسباب قدرها الله.

6)  ليس كل من كثر ماله كان دينه حقا.

التفصيل:

أولا. الله يمن على من يشاء اختبارا:

إذا كان مشركو مكة وقريش يرون لأنفسهم الوجاهة والرياسة والشرف، وأن لهم عند الله مزيد عناية واهتمام، وبناء على ذلك يعتقدون أن هذا القرآن - وما يدعو إليه محمد صلى الله عليه وسلم - لو كان خيرا ما سبقهم إليه هؤلاء العبيد والمستضعفون، إذا كان الأمر كذلك، فإن القرآن يبين لهم أنهم قد غلطوا في ذلك الفهم غلطا شديدا، وأخطأوا في معتقدهم هذا خطأ بينا، فإن الله - عز وجل - يمن على من يشاء من عباده، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء،

قال سبحانه وتعالى:

(وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين)

(الأنعام:53)

ثانيا. الضعفاء لا يعيبون الدعوة:

ليس عيبا في دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يسبق إليها ويهتدي إليها المستضعفون أمثال بلال، وصهيب، وخباب، وعمار، وسمية، وإنما الله - عز وجل - قد جعل ذلك فتنة للناس بعضهم ببعض، والله أعلم بالشاكر منهم والمهتدي والموفق، وهو المطلع على أقوالهم وأفعالهم وضمائرهم وأحوالهم فيهديهم إلى طريق مستقيم؛ فهو ضمان لإيمان بلا غرض دنيوي أو مادي من وراء الإيمان برسالة الرسل، فلا وجه إذا لعجب المشركين وسخريتهم بضعفاء الناس من الرجال والنساء والعبيد والإماء.

ثالثا. طبيعة الأمم المعوجة:

فهذه الشبهة أثارها كثير من الأمم المكذبة لرسلهم، فقوم نوح

يقولون:

(قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون)

(الشعراء:111)

(وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل)

(هود: ٢٧)

وكذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتبعه من أشراف الناس إلا قليل وآمن به كثير من الضعفاء، ولذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان - قبل إسلامه - عن بعض المسائل وقال له: فأشراف الناس يتبعونه - أي الرسول صلى الله عليه وسلم - أم ضعفاؤهم؟، فقال: بل ضعفاؤهم، فقال هرقل: هم أتباع الرسل.

رابعا. الغرور والاستكبار من أهم أسباب الضلال:

هذه الشبهة في حد ذاتها خطأ من أخطاء هؤلاء المشركين وحجة من حججهم الداحضة الباطلة، وهذا الخطأ منشؤه الإعجاب بالنفس والغرور بالذات، فكيف يستدلون على أن لا خير في الإسلام والقرآن بأن الذين ابتدروا الأخذ به ضعفاء القوم، وهم يعدونهم منحطين عنهم في الدرجة والمقام؟! ولذا أبان الله أن مزاعمهم هذه كلها ناشئة عن الكفر والاستكبار؛

ولذا قال:

(وقال الذين كفروا)

(الأحقاف: ١١)

وقال:

(واستكبرتم)

(الأحقاف:١٠)

وقال:

(وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم)

(الأحقاف:11)

أي: إذا لم تحصل هدايتهم بالقرآن فسيستمرون على قولهم إنه إفك قديم، فلا مطمع في إقلاعهم عن ضلالهم في المستقبل نظرا لاستكبارهم وعنادهم وضلالهم وكبريائهم.

خامسا. أسباب الرزق مقدرة ولا علاقة لها بالكفر والإيمان:

وقوله - عز وجل - عقب هذه الشبهة: )أليس الله بأعلم بالشاكرين (53)( (الأنعام) رد على هذه الشبهة التي خلطت بين شيئين متفارقين في الأسباب، فاشتبه على هؤلاء المشركين الجزاء على الإيمان وما أعد الله لأهله من النعيم الخالد في الآخرة، المترتب عليه ترتب المسبب على السبب المجعول عن حكمة الله عز وجل، بالرزق في الدنيا المترتب على أسباب دنيوية؛ كالتجارة والغزو والإرث والهبات، فالرزق الدنيوي لا تسبب بينه وبين الأحوال القلبية، ولكنه من مسببات الأحوال المادية، فالله أعلم بشكر الشاكرين، وقد أعد لهم جزاء شكرهم، وأعلم بأسباب رزق المرزوقين، فالتخليط بين المقامين من ضعف الفكر الناشئ عن سوء النظر وترك التأمل في الحقائق والعلل ومعلولاتها.

سادسا. كثرة المال لا تدل على رضا الرب:

ويبطل الله هذه الشبهة في مواضع أخرى، فيبين للمشركين أن هذه الحجة ليست بشيء، فليس كل من كثر ماله كان دينه حقا، ولا من كان أقل نفرا كان دينه باطلا، وكأن هؤلاء لم يروا في الكفار فقيرا ولا في المؤمنين غنيا، فإن كثيرا من القرون الخوالى من أهل الكفر كانوا أحسن أثاثا وأرفع منازل وأجمل صورا ومناظر وأرغد عيشا، فأهلكهم الله وأفنى أموالهم وصورهم،

قال سبحانه وتعالى:

(وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا (73) وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا (74)

(مريم)

ثم قال - سبحانه وتعالى - لهم:

(قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا)

(مريم:75)

فهذا جواب قولهم السابق، فلقن الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - كشف مغالطتهم وشبهتهم، فأعلمهم بأن ما هم فيه من نعمة الدنيا إنما هو إمهال من الله لهم؛ لأن ملاذ الكافر استدراج[1].

الخلاصة:

·ليس عيبا في الدعوة أن يسبق إليها الضعفاء، ولكن الله يمن على من يشاء من عباده؛ امتحانا منه لعباده بعضهم لبعض، والإيمان من أكبر عطايا الله للعبد.

·هذا الاعتقاد منشؤه الغرور والاستكبار والخطأ العقيم، فهؤلاء المتقولون يرون أنفسهم طبقة مميزة عن غيرهم، وليس هذا فحسب، بل حكموا على القرآن من هذا المنطلق، فجاء حكمهم خطا كبيرا.

·إذا كان هؤلاء يفتخرون بالمال وكثرة العرض، فما كان المال أو العرض مقياسا لقبول العمل أو للإيمان بديانة دون غيرها، وإنما المقياس هو التقوى والعمل الصالح.

المراجع

  1. (*) الآيتان اللتان وردت فيهما الشبهة: (الأحقاف/ 11، الأنعام/ 53). الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (مريم/ 74، الأنعام/ 53، الأحقاف/ 11). 
  2. للمزيد انظر: التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج8، ج16، ص153: 155بتصرف. 
  3. تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ج7، ص433. 
  4. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج2، ص1102، ج6، ص3258.