نص السؤال
دعوى أن اتباع الأرذلين للرسل يعيق إيمان الناس بهم
عبارات مشابهة للسؤال
الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.
الجواب التفصيلي
دعوى أن اتباع الأرذلين للرسل يعوق إيمان الناس بهم(*)
مضمون الشبهة:
ادعى المشركون أن عدم إيمانهم بالأنبياء والرسل هو أن أتباع الرسل ليسوا من أشراف الناس وسادتهم وكبرائهم من أولي النعمة والثروة والرياسة والرأي، إنما هم من الفقراء، والضعفاء الذين لارأي لهم، فقد اتبعوا الرسل دون ترو ولا فكر.
قال تعالى:
(وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا)
(هود: 27).
وجوه إبطال الشبهة:
1) هذه الشبهة أثارها كثير من الأمم المكذبة لرسلها ليخرجوا عن محل النزاع، وعن لب القضية؛ فالرسول ليس مسئولا عن التنقيب عن أحوال من يدعوهم إنما هو مبعوث لكل الناس فقراء وأغنياء.
2) الواقع يشهد بأن أتباع الرسل في الغالب هم الفقراء، والمعاندون هم الأغنياء غالبا، وليس بعار على الحق ضعف من اتبعه، فإن الحق في نفسه صحيح.
3) إيمان بعض الفقراء وكفر بعض الأشراف اختبار من الله للناس بعضهم ببعض، والله يمن على من يشاء بالإيمان، ويوم القيامة يسأل كل فرد عما كان يعمل في الدنيا.
التفصيل:
أولا. دعوى المشركين تلك خروج عن محل النزاع:
هذه الشبهة الباطلة أثارها كثير من الأمم المكذبة لرسلهم، ومنشأ هذه الشبهة هو الغرور والكبرياء والعناد؛ حيث يبرر المشركون والكفار كفرهم، وعدم إيمانهم بما جاء به الرسل بأن أتباع الرسل هم الضعفاء، والفقراء، وأرذل الناس، فخرجوا بهذه الشبهة الفجة عن محل النزاع في قضية ما جاء به الرسول، وما يدعوا إليه، وهي حجة واهية أثارها كل من أرسل إليهم، فقوم نوح يقولون:
(قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون)
(الشعراء:111)
ويقولون أيضا:
(وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل)
(هود: 27)
وقد أرشد الله الرسل أن يردوا على هؤلاء الأقوام شبهتهم، وأن يبينوا لهم أنه لا يلزم الرسول التنقيب عن أحوال من يدعوهم ولا البحث عن مناصبهم ومنازلهم، إنما عليه أن يقبل منهم تصديقهم وأن يكل أمور باطنهم وسرائرهم إلى الله عز وجل؛ لأن الله بعث الرسول نذيرا فمن أطاعه واتبعه وصدقه كان منه والرسول منه، سواء كان شريفا أو وضيعا، جليلا، أو حقيرا؛ ولذا
قال نوح:
(قال وما علمي بما كانوا يعملون (112) إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون (113)
(الشعراء)
أي: حسابهم وأعمالهم على الله - عز وجل - لو كنتم تشعرون، ولكنكم جاهلون لغروركم وإعجابكم بالباطل الذي أنتم عليه.
ولما سأل هؤلاء الأقوام الرسل أن يبعدوا هؤلاء الفقراء المستضعفين عنهم أبى الرسل ذلك، وقالوا لهم كما قال نوح عليه السلام:
(وما أنا بطارد المؤمنين (114) إن أنا إلا نذير مبين (115)
(الشعراء).
أي: ما أرسلني الله نذيرا لذوي الغنى دون الفقراء، وإنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به، فمن أطاعني فهو السعيد، ولو كان فقيرا.
وكذلك سأل أشراف مكة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يطرد عنه جماعة من الضعفاء والموالي والفقراء من أمثال بلال وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود - رضي الله عنهم - ويجلس معهم مجلسا خاصا على حدة، فأمره الله أن يصبر نفسه مع هؤلاء الضعفاء،
فقال عز وجل:
(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا (28)
(الكهف).
ثانيا. أتباع الحق هم الأشراف ولو كانوا فقراء:
قال تعالى:
(ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين)
(الأنعام:52)
فاعتراض الكافرين على ضعف أتباع الرسل، وفقرهم هو من سوء جهلهم وقلة علمهم ونقص عقولهم؛ فإنه ليس بعار على الحق رذالة من اتبعه، فإن الحق في نفسه صحيح سواء اتبعه الأشراف أو الأراذل، بل إن الحق الذي لا شك فيه أن أتباع الحق هم الأشراف ولو كانوا فقراء، والذين يأبونه هم الأراذل ولو كانوا أغنياء، كما أن الواقع يشهد غالبا أن من يتبع الحق هم ضعفاء الناس والغالب على الأشراف والأغنياء والمترفين، والكبراء فمخالفته،
كما قال عز وجل:
(وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)
(الزخرف:23)
وقال أيضًا:
(وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون)
(سبأ:34)
وقال:
(وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها)
(الإسراء: 16).
ولذا سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له فيما قال: أشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم؟ فقال له: بل ضعفاؤهم، فقال هرقل: هم أتباع الرسل.
ثالثا. الله يمن على من يشاء بالإيمان اختبارا للناس:
يبين الله في موضع آخر أن إيمان بعض الفقراء وكفر بعض الأشراف إن هو إلا فتنة واختبار للناس بعضهم ببعض،
فقال عز وجل:
(وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين)
(الأنعام:53)
فالله يمن على من يشاء وهو أعلم بالشاكرين وضمائرهم وأفعالهم فيهديهم إلى الطريق المستقيم، فليس عيبا في دعوة الرسل أن يهتدي إليها المستضعفون، وإنما منشأ الشبهة عند هؤلاء المعاندين حقا راجع إلى استكبارهم وعنادهم، وغرورهم، وإلا فلا وجه لهم في تبريرهم عدم الإيمان بما جاء به الرسول باتباع أراذل الناس له، فهذا فهم خاطئ، وغلط شديد، وخروج عن محل النزاع وهو حقيقة ما جاء به الرسول هل هو حق أو لا، بصرف النظر عمن اتبعه من الناس أشرافا كانوا أو فقراء مستضعفين، ولذا ختم نوح - عليه السلام - محاورته مع قومه في هذه المسألة
بقوله:
(وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون)
(هود:29)
أي: هؤلاء الذين تسألونني إقصاءهم صائرون إلى الله، وهو سائلهم عما كانوا يعملون في هذه الدنيا، لا عن شرفهم وحسبهم، ولكني أراكم أيها القوم تجهلون الواجب عليكم من حق الله، ومن جهلكم أنكم سألتموني أن أطرد الذين آمنوا بالله، فمن يمنعني من الله وعقابه إن طردتهم، أفلا تتفكرون فيما تقولون فتعلموا خطأه فتنتهوا عنه[1]؟!
الخلاصة:
·الإيمان بالأنبياء والرسل ليس مرتبطا بنوعية أتباعهم، إذ ما العلاقة بين صدق الرسالة ونوعية الأتباع؟ ومن ثم فتعليق الإيمان على نوعية أتباع الرسول خروج بالقضية عن محل النزاع والخلاف.
·كل رسول أرسل إلى أمة أو قوم هو مرسل إلى فقرائهم وأغنيائهم، ومكلف بالتبليغ بما أرسل به للغني والفقير، فمن أطاع رسوله فهو السعيد وإن كان فقيرا، ومن عصا رسوله فهو الشقي وإن كان غنيا.
·لا يذم الحق لضعف أتباعه، طالما أن الحق في نفسه صحيح، ووقائع التاريخ تثبت أن الفقراء هم أكثر أتباع الأنبياء، والمعاندون أكثرهم من الأغنياء.
·الإيمان عطاء ومن من الله على من يشاء، وفي ذات الوقت اختبار للأشراف بإيمان الضعفاء، ويوم القيامة الكل مسئول عما قدمت يداه.
المراجع
- (*) الآيات التي وردت فيها الشبهة: (الشعراء/ 111، هود/ 27، الأعراف/ 75، 76، الإسراء/ 16، الزخرف/ 23، سبأ/ 34، الأنعام/ 53، 123). الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (الشعراء/ 112: 115، هود/ 29، 30، الكهف/ 28).
- للمزيد انظر: التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج6، ج12، ص45: 56.
- في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج4، ص1871: 1874.