نص السؤال

دعوى تعليق الإيمان على رؤية الله علانية

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

دعوى تعليق الإيمان على رؤية الله علانية(*)

مضمون الشبهة:

ادعى بنو إسرائيل أن إيمانهم معلق على رؤيتهم الله - عز وجل - علانية، وسألوا موسى - عليه السلام - ذلك معلنين أنهم لن يؤمنوا إلا إذا تحقق لهم مرادهم

قال تعالى:

(وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون)

(البقرة:55).

وجها إبطال الشبهة:

1) إن تعليق هؤلاء الإيمان بالله على رؤيته علانية محض تعنت؛ مرده عنادهم واستكبارهم؛ ذلك أن الناس لن ترى الله - عز وجل - في الدنيا، وعلى زعمهم هذا لن يؤمن الناس إلا بعد موتهم في الدار الآخرة، وهذا ما لم يقل به عاقل.

2)  رد المولى - عز وجل - على تعنتهم في مطالبهم بأخذهم بالصاعقة وهم يشاهدونها بأعينهم.

التفصيل:

أولا. تعليق الإيمان على رؤية الله علانية، وذلك للاستكبار والعناد:

تدل مقولة بني إسرائيل هذه على عنادهم وتعنتهم، وهو من سماتهم الواضحة التي توضحها أحوالهم مع نبي الله موسى - عليه السلام - وهم هنا يقولون له: لن نصدق بما جئت به تصديق إذعان واتباع حتى نرى الله عيانا جهرة فيأمرنا بالإيمان لك، وهذا من ضعف إيمانهم ومن أدلة جهلهم وكفرهم بالله عز وجل؛ لأنهم ظنوا أنه جسم محدود تدركه الأبصار وتحيط به أشعة الأحداق، فشبهوا ربهم بأنفسهم، ورفعوا أنفسهم إلى ما فوق مرتبتها وقدرها، ولم يقدروا الله حق قدره، وكان ينبغي عليهم أن يؤمنوا بما جاء به نبيهم لاسيما بعد الكثير من الآيات والمعجزات التي ظهرت على يديه.

والظاهر أن هذا القول وقع منهم بعد العفو عن عبادتهم العجل كما هو ظاهر ترتيب الآيات، روى ذلك البغوي عن السدي، وقيل: إن ذلك سألوه عند مناجاته، وأن السائلين هم السبعون الذين اختارهم موسى - عليه السلام - للميقات وهم المعبر عنهم في التوراة بالكهنة وبشيوخ بني إسرائيل، وقيل: سأل ذلك جمع من عامة بني إسرائيل نحو العشرة آلاف، وهذان القولان حكاهما في "الكشاف" وليس في التوراة ما هو صريح لترجيح أحد القولين، ولا ما هو صريح في وقوع هذا السؤال، ولكن ظاهر ما في سفر التثنية منها ما يشير إلى أن هذا الاقتراح قد صدر وأنه وقع بعد كلام الله تعالى الأول لموسى؛ لأنها لما حكت تذكير موسى في مخاطبة بني إسرائيل ذكرت ما يغاير كيفية المناجاة الأولى، إذ قال: فلما سمعتم الصوت من وسط الظلام والجبل يشتعل بالنار تقدم إلى جميع رؤساء أسباطكم وشيوخكم وقلتم هو ذا الرب إلهنا قد أرانا مجده وعظمته وسمعنا صوته من وسط النار... إننا عندما نسمع صوت الرب إلهنا أيضا نموت... تقدم أنت واسمع كل ما يقول لك الرب إلهنا وكلمنا بكل ما يكلمك به الرب إلخ. فهذا يؤذن أن هنالك ترقبا كان منهم لرؤية الله تعالى وأنهم أصابهم ما بلغ بهم مبلغ الموت، وبعد فالقرآن حجة على غيره مصدق لما بين يديه ومهيمن عليه. والظاهر أن ذلك كان في الشهر الثالث بعد خروجهم من مصر.

ثانيا. رد المولى - عز وجل - على تعنت اليهود في مطالبهم بإرسال الصاعقة عليهم وهم ينظرونها:

وقد رد الله عليهم ردا عمليا بأن أخذتهم الصاعقة وهم ينظرون ذلك بأعينهم،

قال سبحانه وتعالى:

(فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون)

(البقرة:55).

وقوله تعالى: (فأخذتكم الصاعقة) إشارة إلى أن العقوبة قد فاجأتهم بعد وقت قصير من مطالبهم المتعنتة، لأن الفاء تفيد التعقيب.

وجملة (وأنتم تنظرون) تفيد أن العقوبة نزلت عليهم وهم يشاهدونها، وفي مشاهدتها رعب وخوف أخذ بمجامع قلوبهم، قبل أن يأخذ العذاب أجسادهم، وأن أصابتهم بهذه العقوبة كان في حالة إساءتهم وتمردهم وطمعهم في أن ينالوا ما ليس من حقهم.

والآية الكريمة تفيد أن بني إسرائيل طلبوا من نبيهم رؤية الله جهرة في الدنيا، وأنهم علقوا إيمانهم عليها، ولم يأبهوا للآيات الدالة على صدق موسى - عليه السلام - فكان ذلك محض تعنت وعناد منهم، فأخذتهم الصاعقة عقوبة لهم على ذلك، وليس على مجرد سؤالهم رؤية الله عز وجل، ومن هنا يتبين أن الآية لا تدل على استحالة الرؤية كما يقول المعتزلة.

وجملة

(ثم بعثناكم من بعد موتكم)

(البقرة: ٥٦)

هي محل النعمة والمنة، وهي معطوفة على قوله:

(فأخذتكم الصاعقة)

(البقرة: 55)

ودل العطف بـ (ثم) على أن بين أخذ الصاعقة والبعث زمانا تتصور فيه المهلة والتأخير. والمراد ببعثهم: إحياؤهم من بعد موتهم، وهو معجزة لموسى - عليه السلام - استجابة لدعائه.

وقد اشتملت الآيتان الكريمتان على تحذير اليهود المعاصرين للعهد النبوي من محاربة الدعوة الإسلامية، حتى لا يصابوا بما أصيب به أسلافهم من الصواعق وغيرها؛ وفيهما أيضا تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - عما لاقاه من اليهود، لأن ما فعلوه معه قد فعل ما يشبهه آباؤهم مع أنبيائهم، وفيها كذلك لون جديد من نعم الله عليهم ما أجدرهم بشكرها لو كانوا يعقلون[1].

هذا وقد اختلف العلماء في بيان السبب الحامل لهم على سؤالهم رؤية الله - عز وجل - فقد ذكر بعض العلماء أنهم أرادوا أن يتأكدوا أن الذي يكلمهم هو الله سبحانه وتعالى، لكن لا دليل من كتاب ولا سنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوضح ذلك.

وهذا السؤال من بني إسرائيل أمر عظيم وشيء كبير،

قال:

(فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة)

(النساء: 153)

والله - عز وجل - لا تدركه الأبصار،

قال سبحانه وتعالى:

(لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)

(الأنعام:103)

ولن يرى الناس ربهم - عز وجل - في الدنيا، وقد قال الله - عز وجل - لنبيه موسى - عليه السلام - لما سأله الرؤية: (لن تراني) (الأعراف: 143)،

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:

"لن يرى أحد منكم ربه - عز وجل - حتى يموت"[2].

وقد عد الله - عز وجل - من سأل رؤيته - عز وجل في الدنيا - عده مستكبرا عاتيا عتوا كبيرا،

قال سبحانه وتعالى:

(وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا)

(الفرقان:21)

الخلاصة:

·تعنت بنو إسرائيل في طلبهم من نبيهم موسى عليه السلام؛ حيث قالوا له بجفاء وغلظة: لن نؤمن لك، ولن نقر بما جئتنا به حتى نرى الله عيانا وعلانية، فيأمرنا بالإيمان بك، وبما جئت به، فأخذتهم العقوبة التي صعقتهم - بسبب جهالتهم وتطاولهم - وهم يشاهدونها بعيونهم، ثم من الله - عز وجل - عليهم بلطفه ورحمته فأحياهم لعلهم يشكرونه على نعمه.

·حذرت الآيات اليهود المعاصرين للعهد النبوي من محاربة الدعوة حتى لا يصابوا بما أصيب به أسلافهم من الصواعق وغيرها.

المراجع

  1. (*) الآيتان اللتان وردت فيهما الشبهة: (البقرة/ 55، النساء/ 153). الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (البقرة/ 55، الأنعام/ 103، الأعراف/ 143، 155، الفرقان/ 21). 
  2.  التفسير الوسيط، د. محمد سيد طنطاوي، مطبعة الرسالة، القاهرة، ط3، 1987م، ج1، ص174، 173.
  3.  أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صياد (7540).