نص السؤال

إنكار إنزال الكتب من السماء، وإنكار الوحي والرسالة

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

إنكار إنزال الكتب من السماء، وإنكار الوحي والرسالة (*)

مضمون الشبهة:

أنكر مشركو قريش إنزال كتاب من السماء على الرسول صلى الله عليه وسلم، وزعموا أن الله لم ينزل على بشر شيئا، وانتهوا من ذلك إلى تكذيب رسل الله وإنكار الوحي والرسالة،

قال سبحانه وتعالى:

(وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء)

(الأنعام: ٩١).

وجها إبطال الشبهة:

1) هؤلاء المشركون لم يقدروا الله حق قدره؛ لأنهم لما أنكروا إنزاله كتبا من السماء، أنكروا شأنا عظيما من شئونه سبحانه وهو هداية الناس وإبلاغهم مراده بواسطة الرسل.

2) إذا كان مشركو قريش واليهود يعترفون بإنزال التوارة من السماء على موسى - عليه السلام - فلم ينكرون نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم؟

التفصيل:

أولا. هؤلاء المشركون لم يقدروا الله حق قدره بإنكارهم إنزاله كتبا من السماء على أحد من البشر:

قائلو هذه المقولة هم مشركو مكة، ذلك أن المشركين لما استشعروا نهوض الحجة عليهم في نزول القرآن بأنه ليس بدعا مما نزل على الرسل، توغلوا في المكابرة والجحود

فقالوا:

(ما أنزل الله على بشر من شيء)

(الأنعام: 91)

وتجاهلوا ما كانوا يقولونه عن إبراهيم عليه السلام، وما يعلمونه من رسالة موسى - عليه السلام - وكتابه[1].

وقيل: نزلت هذه الآية السابقة في طائفة من اليهود، وقيل: في رجل منهم هو "فنحاص" من كبراء اليهود وأحبارهم، ورجح بعض المفسرين كابن جرير الأول؛ لأن الآية مكية، واليهود لا ينكرون إنزال الكتب من السماء، وقريش والعرب قاطبة كانوا ينكرون إرسال محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنه من البشر،

كما قال سبحانه وتعالى:

(أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس)

(يونس: 2)

وكقوله سبحانه وتعالى:

(وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا)

(الإسراء:94)

وها هنا يقولون:

(ما أنزل الله على بشر من شيء)

(الأنعام: 91)

وهم بذلك قد جاءوا إفكا وزورا وأنكروا ما هو معلوم في أجيال البشر بالتواتر.

وقد رد الله عليهم أولا بأن منكري الوحي، وإنزال الكتب على الرسل ما عرفوا الله - عز وجل - حق معرفته، ولا وصفوه بما يجب وصفه به، ولا عظموه حق تعظيمه، ولا عرفوا كنه فضله على البشر، ولا آمنوا بهذا النوع من قدرته، وهو إفاضة ما شاء من علمه بما يصلح به أمر الناس من الهدى والشرع على من شاء من البشر بواسطة الملائكة، أو بتكليمه إياهم بدون واسطة، إذ قالوا: إنه ما أنزل شيئا ما على أحد منهم،

قال سبحانه وتعالى:

(وما قدروا الله حق قدره)

(الأنعام: 91).

وهذا دليل على أن إرسال الرسل وإنزال الكتب من شئونه سبحانه ومتعلق صفاته في النوع البشري، فإنها من مقتضى الحكمة وأجل آثار الرحمة، فمن عرفه - عز وجل - بصفات الكمال، ونظر في الآيات البينات في أنفس البشر والآفاق فعلم منها أنه أحسن كل شيء خلقه، وأتقن كل شيء صنعه، وخلق الإنسان في أحسن تقويم، مستعدا للعروج إلى أعلى عليين، والهبوط إلى أسفل سافلين، من عرف الله بما ذكرنا من الصفات، وعرف البشر بما أجملنا من الأحوال والمميزات، علم علم اليقين أن إرسال الرسل وإنزال الكتب من آثار تلك الصفات التي هي مصادر النظام ومظاهر الكمال[2].

ثانيا. اعتراف مشركي مكة واليهود بإنزال التوارة على موسى - عليه السلام - من السماء:

وقد لقن الله - عز وجل - نبيه - صلى الله عليه وسلم - الرد على منكري الوحي والرسالة

بقوله سبحانه وتعالى:

(وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا)

(الأنعام: 91)

أي: قل يا محمد لهؤلاء المنكرين لإنزال شيء من الكتب من عند الله - عز وجل - في جواب سلبهم العام بإثبات قضية جزئية موجبة: (من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى)، وهو التوراة التي قد علمتم أن الله قد أنزلها على موسى بن عمران نورا وهدى للناس، أي ليستضاء بها في كشف المشكلات ويهتدى بها من ظلم الشبهات، والخطاب هنا إن كان موجها إلى اليهود كما يقول جمهور المفسرين - فلا إشكال، وإن كان موجها إلى مشركي قريش فمعلوم ما كان بين قريش ويهود المدينة من التعارف، وتسليم قريش أنهم أهل كتاب، وأنهم أعلم منهم لأجله، مما يوجب اعترافهم بحقيقة التوارة، وأنها منزلة من لدنه تعالى[3].

وقوله سبحانه وتعالى: (تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا) الخطاب هنا لليهود، والمعنى: أي تجعلون جملتها قراطيس أي: قطعا تكتبونها من الكتاب الأصل الذي بأيديكم وتحرفون منها ما تحرفون وتبدلون وتتأولون وتقولون هذا من عند الله، وكان الحبر من أحبارهم، إذا استفتي في مسألة له هوى في إظهار حكم الله فيها كتب ذلك الحكم في قرطاس، فأظهره للمستفتي ولخصومه، ويخفون كثيرا من أحكام الكتاب وأخباره، إذا كان لهم هوى في إخفائها، وذلك أن الكتاب كان بأيديهم ولم يكن في أيدي العامة من نسخه شيء[4].

وبعد أن أمر الله رسوله أن يسألهم ذلك السؤال الملجم لهم، لقنه الجواب الذي كان يجب أن يجيبوا به لو أنصفوا وأقروا بالحق واعترفوا، والجواب:

(قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون)

(الأنعام:91)

أي: قل يأيها الرسول: الله أنزله - أي كتاب موسى - ثم دعهم بعد بيان الحق مؤيدا بالحجج والدلائل في باطلهم يخوضون ويلعبون، فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب.

الخلاصة:

·هولاء المشركون الذين ينكرون الوحي لم يعرفوا الله حق معرفته، ولم يصفوه بما يجب وصفه به؛ لأنهم ينكرون شأنا من شئونه سبحانه وتعالى، وهو إرسال الرسل، وإنزال الكتب لهداية الناس وإصلاح أمرهم.

·لقد كان مشركو مكة نتيجة تعاملهم مع يهود يثرب يعلمون أن التوارة منزلة من عند الله على موسى - عليه السلام - وعلى الرغم من هذا فإن استكبارهم وعنادهم وتكذيبهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - دفعهم إلى إنكار إنزال أي كتاب من السماء على أحد من البشر، ولقد أثبت القرآن الكريم تناقض أقوالهم وبطلان زعمهم. 

 

المراجع

  1. (*) الآية التي وردت فيها الشبهة: (الأنعام/ 91). الآية التي ورد فيها الرد على الشبهة: (الأنعام/ 91). 
  2.  التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج4، ج7، ص361 بتصرف.
  3.  تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ج7، ص612، 613 بتصرف.
  4.  محاسن التأويل، القاسمي، دار الحديث، القاهرة، ط1، 1424هـ/2003م، ج4، ص434. 
  5.  تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ج 7، ص617 بتصرف يسير.