نص السؤال

إنكار الاحتجاج بآراء الألباني الحديثية

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

إنكار الاحتجاج بآراء الألباني الحديثية (*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المتوهمين عدم الاحتجاج بآراء الألباني الحديثية، ويستدلون على ذلك بأنه تعدى على الصحيحين، عندما تكلم في بعض أحاديثهما، وهو بذلك قد ضرب بإجماع الأمة على صحتهما عرض الحائط. كما أنه متهم بالخيانة العلمية؛ لأنه عندما تحدث عن بشير بن المهاجر في قصة رجم ماعز بن مالك، قال عنه: "لين الحديث" كما قال ابن حجر، وعند الرجوع للتقريب نجد الحافظ يقول عنه: "إنه صدوق لين الحديث"، فهو بذلك قد نقل من كلام ابن حجر ما يدل على التجريح، وترك ما يدل على الإنصاف، ليصل إلى غرضه، وهذه خيانة للأمانة العلمية، مضيفين أنه لا يحسن اللغة العربية، وأنه جاهل بها؛ لأنه غير عربي، ويستدلون على ذلك بما ذكره الشيخ الأعظمي عنه في كتابه "الألباني شذوذه وأخطاؤه".

رامين من وراء ذلك إلى التقليل من جهود الشيخ الألباني في الحديث من خلال الطعن فيه وعدم الاحتجاج بآرائه.

وجوه إبطال الشبهة:

1) إن ثناء العلماء المعاصرين على الشيخ الألباني، وكذلك رجوعهم إليه في دقائق الأمور الحديثية، واعتماد الهيئات والمجامع العلمية والإسلامية عليه، يدلنا على أن الشيخ الألباني ملك أدوات علم الحديث جيدا، ولو كان غير ذلك لكان هؤلاء جميعا أول من يعلم بحاله، وأبعد الناس عن اعتماده.

2) إن ما فعله الشيخ الألباني مع الصحيحين لا يسمى تعديا، وإنما هو من قبيل اجتهاد العلماء الذي أقره علماء الأمة؛ ولهذا وجدنا الشيخ الألباني يدافع بشدة عن الصحيحين وأحاديثهما التي توجه إليها المطاعن من جانب بعض المتقدمين والمتأخرين، ولم يكن نقده بدعا، فقد سبقه خيرة النقاد الأفذاذ إلى ذلك.

3) إن اختصار الشيخ الألباني لكلام الحافظ ابن حجر في التقريب لا يدل على خطئه؛ لأن الحافظ حينما قال: "صدوق" فإنما أراد العدالة، وعندما قال: "لين الحديث" أراد درجة الحفظ، وهذا ما كان يحتاجه الألباني في الحكم عليه، وهو ما يدل على مدى تخصصه وعلمه بمصطلح الحديث.

4) لقد كان الألباني متقنا للغة العربية وليس أدل على ذلك من مؤلفاته وكتاباته في الحديث والفقه واللغة، فضلا عن تعلمه على أيدي مشايخ دمشق، والأصل العربي ليس شرطا في إجادة العربية وامتلاك ناصيتها، وهل كان سيبويه والبخاري والترمذي وغيرهم عربا؟!

أولا. مكانة الشيخ الألباني العلمية:

لقد كانت ساحة علماء الحديث والسنة النبوية قد أجدبت، وضعف نبتها، وجفت أغصانها وتساقطت أوراقها، وانقطع ثمرها، والناس من فوقها ينظرون يمنة ويسرة، علهم يرون فيها رجلا يخلف الأولين الغابرين، ممن أعلى الله بهم منار السنة النبوية، فتعود أبصارهم إليهم كليلة حسيرة، ليجدوا أمامهم ما خلف أولئك من كتب مسطورة لمن وراءهم، بذلوا فيها جهدا ضخما في جمع الآثار والسنن والأحاديث وترتيبها ترتيبا حسنا، يسهل على القارئ النظر فيها، والرجوع إليها عند الحاجة، على ما في بعض هذه الكتب من صعوبة في استخراج الآثار والأحاديث منها، وهذا الأمر لا يجهله طالب العلم، فضلا عن العالم الباحث، والناظر المدقق.

إن كتب السنة؛ من صحاح، وسنن، ومسانيد، وجوامع، ومصنفات، وأجزاء، على كثرتها وغزارة الجهد الذي بذل في تأليفها، وتصنيفها، وجمعها، وتحقيقها، والاستدراك عليها، والزيادة على أصولها على مر العصور والأجيال، قد ظلت بحاجة إلى تحقيق دقيق، وإحاطة أشمل وأوسع بأسانيد الآثار والسنن والأحاديث التي حشدت فيها، كي تصير إلى حال من الصحة، يطمئن إليها الباحث أكثر وأكثر.

ولا ريب أن مثل هذا العلم ينوء بالعصبة أولي القوة والجلادة من أهل العلم، فأن يقيض الله له رجلا واحدا كالشيخ الألباني يجمع الله في شخصه فنون علم السنة لنعمة جليلة، ليس على الشيخ الألباني فقط، بل على الأمة كلها، فهنيئا لأمة أنبت الله فيها هذا الشيخ الذي ألان الله له الحديث كما ألان لداود الحديد.

ولو أن شهادات أهل العصر من شيوخ السنة وأعلام الحديث والأثر اجتمعت، فصيغت منها شهادة واحدة، وأجمعت في شخص واحد، ثم وضعت على منضدة تاريخ العلماء، فإننا نحسب أن تكون شهادة صادقة في علم الحديث الأوحد، أستاذ العلماء، وشيخ الفقهاء وكبير المجتهدين في هذا الزمان، الشيخ محمد ناصر الدين الألباني.

وحسب طالب العلم أن يلم بأي كتاب من كتب الشيخ الألباني؛ ليرى رسوخ قدمه، وطول باعه، وسعة اطلاعه، وكثرة استدراكه، ودقة استقصائه، وحسن ترتيبه ونظمه، وتلاحق حججه، وعلو برهانه، وحضور ذهنه، وقوة عارضته، ونفاذ بصيرته، وشدة تمكنه، ولكن كما يقال: المعاصرة حرمان، غير أنها كلمة إن صدقت في غير الشرع فهي قد نبت عنه ونأت، فأي حرمان هذا الذي أراده له الشانئون الجاهلون، ومدرسته قد امتدت أروقتها، حتى شملت آفاق الأرض، وصارت كتبه في صمت مهيب، تحرر العقول من الخرافة والأساطير[1].

لذا فإن مكانة الشيخ الألباني في علم الحديث واضحة وضوح الشمس لدى الأمة، وإن ذلك ليتضح من خلال نقاط ثلاث:

1.  ثناء العلماء والفضلاء على الشيخ الألباني:

يقول العلامة محب الدين الخطيب عن الشيخ الألباني: "إنه من دعاة السنة الذين وقفوا حياتهم علي العمل لإحيائها"[2].

ويقول العلامة عبد العزيز بن باز عن الشيخ الألباني: "لست أشك في علمه وفضله وسعة اطلاعه وعنايته بالسنة، زاده الله علما وتوفيقا"[3].

وقال مرة أخرى: "ما رأيت تحت أديم السماء عالما بالحديث في العصر الحديث مثل العلامة محمد بن ناصر الألباني"[4].

وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين عنه: "قد عرفت عنه أنه ذو علم جم في الحديث رواية ودراية، وأن الله تعالى قد نفع بما كتبه كثيرا من الناس، من حيث العلم، ومن حيث المنهاج والاتجاه إلى علم الحديث، وهذه ثمرة كبيرة للمسلمين ولله الحمد"[5].

ويقول الشيخ مقبل بن هادي الوادعي:"إن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله تعالى - لا يوجد له نظير في علم الحديث، والذي أعتقده وأدين لله به أن الشيخ من المجددين الذين يصدق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها»[6].

2.  اعتماد أهل العلم عليه ورجوعهم إليه:

 لقد كان الألباني ولا يزال مرجعا لكثير من أهل العلم، فكانوا يلتقون به، ويسمعون منه، ويحضرون مجالسه، ويراسلونه، ويستفيدون منه في علوم الحديث وغيره.

 فقد رغب الشيخ العلامة "راغب الطباخ" - رحمه الله - مؤرخ حلب المشهور في لقاء الشيخ الألباني، والألباني يومئذ شاب في مقتبل العمر، وقد أظهر الشيخ راغب الطباخ إعجابه بالشيخ لما سمع من نشاطه في الدعوة إلي الكتاب والسنة، واشتغاله في علوم الحديث، ورغب في إجازته بمروياته، وكان له ذلك، وقدم إليه كتابه "الأنوار الجلية في مختصر الأثبات الحلبية" ختمه بإجازات مشايخه له"[7].

 والتقى بالشيخ عبد الصمد شرف الدين المحقق المعروف، أحد كبار علماء الديار الهندية الكبار، وقد كتب مرة يقول: "هذا وقد وصل إلى الشيخ عبيد الله الرحماني شيخ الجامعة الإسلامية (يعني: الجامعة السلفية في بنارس - الهند) استفسار من دار الإفتاء بالرياض من المملكة العربية السعودية عن حديث غريب في لفظه، عجيب في معناه، له صلة قريبة بزمننا هذا، فاتفق رأى من حضرهاهنا من العلماء على مراجعة أكبر عالم بالأحاديث النبوية في هذا العصر ألا وهو الشيخ الألباني"[8].

كما التقى بالدكتور مصطفى الأعظمي الذي طلب منه بوساطة صاحب المكتب الإسلامي في بيروت - زهير الشاويش - مراجعة تعليقاته وتخريجاته على كتاب "صحيح ابن خزيمة" وإضافة وتعديل ما يراه مناسبا في ذلك.

يقول الدكتور مصطفى الأعظمي: "وفضيلة الشيخ المحدث الكبير ناصر الدين الألباني له مني وافر الشكر، فقد قبل القيام بمراجعة الطبع وكتابة التعليقات اللازمة التي رفعت من قيمة الكتاب المعنوية، ويسر سبل الاستفادة منه"[9].

وغير هؤلاء كثيرون من أهل العلم والفضل الذين شهدوا للشيخ الألباني بالتفرد في علم الحديث، "وعليه، فالسعي في الطعن فيمن هذه صفته، واتهامه بما يتبرأ منه عوام الناس؛ فضلا عن خواصهم، سعي في الطعن في شهادة هؤلاء الأفاضل، واتهامهم بالمحاباة والمجاملة على حساب الحق، أو بالسذاجة والغباوة، وقد برأهم الله من ذلك كله.

وهذا سعي - أيضا - إلى تجرئة من في قلوبهم مرض؛ من حقد أوحسد على أن يطلقوا ألسنتهم في حق علماء الأمة، وحاملي راية الكتاب والسنة، تحت شعار: تنبيه المسلمين ونصح الغافلين والمغفلين"[10].

3.  اعتماد الهيئات الإسلامية والمجامع العلمية على الشيخ الألباني:

كذلك كان الشيخ الألباني مرجعا مهما جدا لبعض الهيئات الإسلامية والمجامع العلمية؛ "فقد عرف قدره المشرفون على المراكز العلمية، مما دفع المشرفين على الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة حين تأسيسها أن يقع اختيارهم على الشيخ ليتولى تدريس الحديث وعلومه وفقهه في الجامعة"[11].

 "واختارته كلية الشريعة في جامعة دمشق؛ ليقوم بتخريج أحاديث البيوع الخاصة بموسوعة الفقه الإسلامي التي عزمت الجامعة على إصدارها نحو عام 1955.

 كذلك كلفه مكتب التربية العربي لدول الخليج بتحقيق كتب السنن الأربعة: سنن أبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، وتمييز صحيحها من ضعيفها، فقام الشيخ بهذا العمل الجليل، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا"[12].

 وفيما يلي أخبار تدل على مكانته وذيع صيته:

1) اختير عضوا في لجنة الحديث التي شكلت في عهد الوحدة بين مصر وسوريا؛ للإشراف على نشر كتب السنة وتحقيقها.

2)  طلبت منه الجامعة السلفية في بنارس (الهند) أن يتولى مشيخة الحديث فيها فاعتذر عن ذلك.

3) طلب منه وزير المعارف في المملكة العربية السعودية الشيخ حسن عبد الله آل الشيخ سنة 1388هـ أن يتولى الإشراف على قسم الدراسات العليا للحديث في جامعة مكة المكرمة، وقد حالت بعض الظروف دون تحقيق ذلك.

4) وقع عليه اختيار الملك خالد بن عبد العزيز - رحمه الله - ملك المملكة العربية السعودية الراحل؛ ليكون عضوا في المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة من عام 1395هـ، حتى عام 1398هـ.

5)  خصصت له إدارة المكتبة الظاهرية بدمشق غرفة؛ ليتفرغ للبحث والتحقيق ولم يقع ذلك لأحد من قبله"[13].

وأخيرا، فإن هذه هي الحقيقة التي نريد أن نجليها قبل الشروع في مناقشة هؤلاء المشككين.

فهل يعقل أن هؤلاء الأفاضل، وكل هذه المؤسسات الإسلامية والهيئات العلمية خفي عليها حال الشيخ الألباني، حتى جاء هؤلاء فعلموا ما لم يعلمه هؤلاء وعرفوا ما لم يعرفوه من حال الشيخ؟!

 أم الواقع أنهم هم المتعدون الجانون على الشيخ، وعلى هؤلاء الأفاضل؟

ثانيا. حقيقة ما فعله الشيخ الألباني في الصحيحين:

"لقد اتهم المشككون - سامحهم الله - الشيخ الألباني بمخالفة إجماع الأمة والتعدي على الصحيحين، لمجرد أنه تكلم في بعض أحاديثهما أو أسانيدهما بما سبقه إليه أئمة هذا الشأن، أو بما أداه إليه اجتهاده ونظره.

ولو سلمنا جدلا بأن الشيخ أخطأ في هذه المواضع، هل يقال: إنه تعدى؟! إذن فكل الأئمة متعدون؛ لأنه ما من إنسان إلا ويصيب ويخطئ، إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما لا يخفى على العقلاء، فهل كل الأئمة متعدون عند هؤلاء المشككين؟!

إن أغلب الأحاديث التي تكلم فيها الشيخ قد سبقه إلى الكلام فيها أئمة أجلاء، فلو أن الدارقطني، وأبا علي الغساني، والذهبي، والنووي، وابن الصلاح، وابن حجر، وابن تيمية، وابن القيم، وغيرهؤلاء ممن لا يحصون عددا كانوا متعدين على الصحيحين إذا لضاع العلم، ولأغلق الباب، وانقطع الخطاب، واستولت الزنادقة على المنابر، وضاع أصحاب الآثار والمحابر.

والمنصفون العارفون لحق الشيخ الألباني، والمقدرون له، يعرفون عنه خلاف ما ادعاه هؤلاء.

فقد رأيناه من المدافعين عن السنة، وعن مصادرها، لا سيما "الصحيحين" اللذين هما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى، بلا خلاف بين أهل العلم نعلمه.

وما سمعنا له كلمة، وما قرأنا له مصنفا - على كثرة ما صنف - إلا ونجد ذلك ونلمسه، ومن أنكر ذلك فليتهم نفسه وقلبه قبل أن يتهم الأبرياء"[14].

 فإنه لما تعرض للكلام ولبيان الحق في بعض أحاديث "صحيح البخاري" التي تكلم فيها بعض الأئمة، قال بصدد بحثه الذي توصل فيه إلى صحة الحديث في الصحيحة: " إن حديثا يخرجه الإمام البخاري في "المسند الصحيح" ليس من السهل الطعن في صحته لمجرد ضعف في إسناده؛ لاحتمال أن يكون له شواهد تأخذ بعضده وتقويه "[15].

لقد كان الشيخ يشدد النكير ويحمل حملة شعواء على كل من تسول له نفسه أن يتعدى على حديث واحد من أحاديث "الصحيحين" أو أحدهما؛ فمن هؤلاء أبو الفضل الصديق الغماري، فإنه قد ضعف حديثين، أحدهما في "الصحيحين"، والآخر في "صحيح مسلم"، فقام الشيخ مبينا ضعف قوله وشذوذه في الحكم على هذين الحديثين بالضعف، فقال في آداب الزفاف: هذا الشيخ، قد عثرت له على حديثين ضعفهما من أحاديث البخاري ومسلم؛ الأول: حديث عروة، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر»[16].

الثاني: حديث ابن عباس: «إن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - على المسافر ركعتين، وعلى المقيم أربعا، وفي الخوف ركعة»[17].

ويقول في "السلسلة الصحيحة"، بصدد حديث أخرجه مسلم: "واستدركه الحاكم وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي، قلت: فوهم مرتين: استدراكه على مسلم وقد أخرجه، وصححه تصحيحا مطلقا غير مقيد بكونه على شرط مسلم، ولعل هذا الوهم هو منشأ تقصير السيوطي في "الجامع الصغير" في عزوه الحديث للحاكم فقط، وانطلى ذلك على المناوي فلم يستدرك عليه خلافا لغالب عادته، والغريب أنه قد عزاه في "الجامع الكبير" لمسلم أيضا، فأصاب"[18].

 ويقول في كتابه " نقد نصوص حديثية "، منكرا على صاحبه: عزا أحاديث إلى بعض السنن الأربعة، بينما جاءت في الصحيحين أو في أحدهما موصولة لا معلقة؛ وهذا لا يجوز؛ لأن العزو للسنن لا يفيد الصحة، بخلاف العزو للصحيحين أو أحدهما، ففي ترك العزو إليهما إلى العزو إلى غيرهما ما يوهم عدم إخراجهما إياه، فضلا عن تشكيك الطلاب في صحة الحديث؛ لأن السنن فيها الصحيح والضعيف كما هو معلوم [19] [20].

ومما يهدم اتهامه بالتعدي على الصحيحين أننا وجدنا الشيخ - رحمه الله - قد دافع عن أحاديث كثيرة من أحاديث " الصحيحين " أو أحدهما، مما توجه إليهما الطعن من بعض المتقدمين أو المتأخرين، فقام الشيخ وشمر عن ساعديه، وأخذ في الدفاع عن الأحاديث بكل ما أوتي من علم وحجة وبرهان.

فمن هذه الأحاديث:

·  حديث:

«من عادى لي وليا...»

[21].

فهذا الحديث تكلم فيه الذهبي والإمام ابن رجب الحنبلي، ودافع عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني ثم جاء الشيخ الألباني فذكر أدلة الحافظ ابن حجر في الصحيحة، ثم زادها بيانا وبرهانا حتى توصل إلى صحة الحديث، وهو يقول بعد أن ساق أدلة الحافظ ابن حجر:

 "هذا كله كلام الحافظ، وقد أطال النفس فيه، وحق له ذلك، فإن حديثا يخرجه الإمام البخاري " في المسند الصحيح " ليس من السهل الطعن في صحته لمجرد ضعف في إسناده، لاحتمال أن يكون له شواهد تأخذ بعضده وتقويه"[22].

·   حديث:

«إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا»

[23]

وهذا الحديث ضعفه الإمام الداراقطني، فجاء الشيخ الألباني في "الإرواء" فصححه بشواهد أربعة، ثم قال: "وفي الباب أحاديث أخرى، وفيما ذكرته كفاية".

وانتهى ببحثه إلى تصحيح الحديث [24].

·   حديث "عائشة في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" [25].

 وهذا الحديث أخرجه مسلم من طريق أبي الجوزاء، وضعفه جمع من الأئمة بالانقطاع بين أبي الجوزاء وعائشة، فجاء الشيخ الألباني، فصحح الحديث في "الإرواء" وذكر أقوال المضعفين، ثم قال: "لكن الحديث صحيح إن شاء الله تعالى، فإن للجملة الأولى منه طريقا أخرى عند البيهقي، ولسائره شواهد كثيرة في أحاديث متعددة يطول الكلام بإيرادها، وقد ذكرتها في "صحيح سنن أبي داود" رقم (752)"[26].

وغير ذلك من الأحاديث التي قام الشيخ بتصحيحها بعد أن ضعفها غيره [27].

وليس الأمر كما يظن هؤلاء؛ لأنه كما أوضحنا - آنفا - أن كتب السنة من صحاح، وسنن، ومسانيد، وجوامع، ومصنفات، وأجزاء، على كثرتها وغزارة الجهد الذي بذل في تأليفها وتصنيفها وجمعها وتحقيقها والاستدراك عليها، والزيادة على مر العصور والأجيال فقد ظلت بحاجة إلى تحقيق دقيق، وإحاطة أشمل وأوسع بأسانيد الآثار والسنن، والأحاديث التي حشدت فيها كي تصير إلى حال من الصحة، يطمئن إليها الباحث وطالب العلم أكثر وأكثر.

ونحن نقول لهؤلاء وغيرهم جميعا: إن في عمل الشيخ الألباني في كتابه "مختصر صحيح البخاري" ما يكفي للرد على مقالتكم وسؤالكم، ولو كان لكم أن تتفرغوا ولو لقراءة عمل واحد من أعمال الشيخ؛ لتحكموا بعد ذلك في عدل وإنصاف؛ لقلنا لكم قولوا ما شئتم. ولكن ماذا كان يراد بهذا العلم العظيم - علم السنة - لو أنه ظل أمانة عند هؤلاء - وما أضيعها إذن من أمانة - ولم يجد في عقل الشيخ الألباني، وقلبه، وقوة نفسه، وثبات صبره، واحتمال مثابرته ما وجد؟! [28].

وإن الذي لابد أن نعلمه جميعا أن الإجماع على صحة أحاديث البخاري ومسلم حاصل في المتون فقط، فلا يشتمل صحة الأسانيد أيضا. وهذا ما صرح به بعض العلماء؛ يقول أبو إسحاق الإسفرائيني: "أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بها عن صاحب الشرع، وإن حصل الخلاف في بعضها فذلك خلاف في طرقها ورواتها" [29].

فهذا نص من ذلك الإمام في أن أسانيد "الصحيحين" قد وقع الخلاف في صحتها، ولم يحصل على صحتها الإجماع كما حصل على المتون.

وقد أشار إلى ذلك الإمام مسلم نفسه - رحمه الله - فقال: "إنما أدخلت من حديث أسباط بن نصر، وقطن، وأحمد ما قد رواه الثقات عن شيوخهم، إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع، ويكون عندي من رواية من هو أوثق منهم؛ فاقتصر على ذلك، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات"[30].

فقول الإمام مسلم هذا يدل على أن في صحيحه رواية بعض الضعفاء إلا أن المتون ثابتة صحيحة من أوجه أخرى.

ويدل على ذلك صنيع الأئمة قديما وحديثا؛ فإنهم قد يتكلمون في بعض أسانيد "الصحيحين" مع تسليم بصحة المتون؛ وذلك لأنهم يعلمون - كما قلنا - أنها ثابتة صحيحة من أوجه أخرى[31].

 وفصل الخطاب أن الشيخ الألباني في حكمه على أي حديث سواء كان في الصحيحين أو في غير الصحيحين لم يحكم عقله أو رأيه، كما يفعل أهل الأهواء قديما وحديثا، وإنما تمسك بما قاله العلماء في هذا الراوي أو ذاك وما تقتضيه قواعدهم في هذا العلم الشريف.

 وأخيرا نقول: إن هذا الشيخ بشر يطرأ عليه ما يطرأ على البشر من الخطأ والنسيان؛ لذا نجده يقول: "ولما كان من طبيعة البشر التي خلقهم الله عليها العجز العلمي المشار إليه في قوله تعالى:

(ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء)

البقرة: [255].

كان بدهيا جدا ألا يجمد الباحث عند رأي أو اجتهاد له قديم، إذا ما بدا له أن الصواب في غيره من جديد، ولذلك نجد في كتب العلماء أقوالا متعارضة عن الإمام الواحد في الحديث وتراجم رواته، خاصة الإمام أحمد، وعليه لا يستغربن القارئ الكريم تراجعي عن بعض الآراء والأحكام على بعض الأحاديث أو الرواة، فإن لنا في ذلك بالسلف أسوة حسنة"[32].

ثالثا. اختصار الشيخ الألباني لكلام الحافظ ابن حجر:

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في ترجمة "بشير بن المهاجر": "صدوق لين الحديث" [33].

ونقل الألباني هذه الكلمة مختصرة عند الكلام على بشير بن المهاجر في بعض كتبه، فقال عند الكلام على زيادة الحفر في قصة رجم ماعز بن مالك:

"ذكر الحفر في هذا الحديث شاذ، تفرد به بشير بن المهاجر، وهو لين الحديث، كما في "التقريب" للحافظ ابن حجر.

فحذف الشيخ قوله: "صدوق"؛ لعلمه أنها لا تفيد الراوي هنا؛ لأنها قرنت بما يدل على الضعف، وهو قوله: "لين الحديث"، فدل ذلك على أن الحافظ - رحمه الله تعالى - لا يريد من قوله "صدوق" أكثر من إثبات العدالة والصدق في اللهجة، وهذا لا ينازع فيه الشيخ الألباني؛ ولذا لم ير فائدة في ذكره، واكتفى بما يدل على درجته من حيث الضبط.

لكن المشككين أرادوا أن يستغلوا هذا للتشنيع على الشيخ الألباني، فاتهموه بأنه اقتصر على الشطر الأخير الذي يدل على التجريح، ولم يذكر قول الحافظ "صدوق".

ونحن نقول لهم: على رسلكم هونوا على أنفسكم ألا تعوا ما تقولون؟! أما علمتم أن قولكم هذا يجركم إلى نسبة التناقض إلى الحافظ ابن حجر نفسه؟! إذ كيف يستقيم أن تكون كلمة الحافظ دالة على التوثيق والتضعيف في آن واحد؟!

 نعم لا يكون هذا إلا إذا حمل أحد شطري الكلمة على معنى غير المعنى المتبادر، ويكون هذا مستخدما على لسان المحدثين خاصة الحافظ بن حجر الذي نطق بهذه الكلمة.

 والمتتبع لأقوال الحافظ ابن حجر في الرجال يعلم أنه كثيرا ما يطلق لفظ "صدوق" لا يريد به أكثر من إثبات العدالة، ويظهر ذلك إذا قرن هذه اللفظة بما لا يدل إلا على الضعف. وتظهر صحة هذا المسلك بكونه معروفا عند المتقدمين، وبكون ثبوت العدالة في الراوي لا ينافي كونه ضعيفا في حفظه وضبطه، كما لا يخفى.

 فالحافظ ابن حجر حينما قال: "صدوق" لم يقيده بـ "الحديث"، فدل على أنه يريد العدالة، بينما قيد الأخرى فقال: "لين الحديث"، فدل على أن درجته عنده من حيث الضبط هي " لين الحديث " فمن اكتفى بذلك القدر من كلام الحافظ ابن حجر، إذا كان باحثا عن ضبط الراوي، لا يقال: اختصر الكلام؛ لأن باقي الكلام لا يقدم ولا يؤخر في معرفة ضبطه، وإلا ففي الترجمة أقوال أخرى لم لم تلوموا عدم ذكرها، ففيه أنه "رمي بالإرجاء" مع أن هذا يعد جرحا عند بعضهم.

ومن نظر في "التقريب" للحافظ ابن حجر، وجد مصداق ما قلنا:

فقد قال في إبراهيم بن مهاجر "صدوق، لين الحفظ" [34].

وهذا صريح في أن الحكم المتعلق بالحفظ هو "لين" لا "صدوق".

وأكثر صراحة من ذلك: قوله في فرقد بن يعقوب السبخي: "صدوق عابد، لكنه لين الحديث، كثيرالخطأ"[35].

 فهذا صريح في أن قوله "صدوق" متعلق بالديانة، وأن "لين" متعلق بالحفظ واجتماعهما صحيح، إذا كان على هذا المحمل.

 وكثيرا ما يقول الحافظ في التقريب: "صدوق كثير الخطأ" أو "صدوق سيئ الحفظ".

 وكثرة الخطأ وسوء الحفظ كيف يجتمعان مع الصدق إلا إذا حمل على العدالة فقط دون الضبط؟!

 والحاصل أن لفظ "صدوق" إذا قرنه الحافظ ابن حجر بما يدل على الضعف، لم يكن معناه عنده هو المراد به عند الإطلاق، وإنما لا يريد الحافظ به حينئذ إلا إثبات العدالة ونفي تعمد الكذب،وأنت إذا كنت باحثا عن مرتبة الراوي من حيث الحفظ والضبط، لا غضاضة عليك إذا اكتفيت بما يدل على ذلك، ولم تذكر لفظ: "صدوق"؛ إذ هي لا تفيد في بحثك، فذكرها وعدم ذكرها سواء، وهذا ما فعله الشيخ الألباني - رحمه الله - وما إلى ذلك من فقهه وفهمه لاصطلاحات الأئمة.

 وأما أنتم أيها المشككون، فقد جركم اتهامكم هذا إلى أن نسبتم التناقض للحافظ ابن حجر نفسه، بجهل أو بتجاهل نسأل الله السلامة[36].

رابعا. براعة الألباني وتمكنه في اللغة العربية:

لقد كان الشيخ الألباني - رحمه الله - متمكنا في اللغة العربية وليس أدل على ذلك من تعلمه على أيدي مشايخ دمشق، فقد درس في البداية على يد والده؛ حيث وضع له برنامجا مركزا قام من خلاله بتعليمه القرآن والتجويد والصرف، ومعهما مذهبه الحنفي.

كما شارك في تعليمه بعض العلوم الدينية والعربية على الشيوخ من أصدقاء والده مثل: الشيخ سعيد البرهاني؛ إذ قرأ عليه كتاب "مراقي الفلاح"، وبعض الكتب الحديثة في علوم البلاغة.

ونال إجازة في الحديث من الشيخ راغب الطباخ علامة حلب في زمانه، وذلك تقديرا له، واعترافا منه لإقباله على هذا العلم وبراعته فيه [37].

يقول الشيخ عندما تحدث عن مهنة إصلاح الساعات: "لقد يسرت لي تعلم العربية، ولو ظللنا في ألبانيا لما توقعت أن أتعلم منها حرفا. ولا سبيل إلى كتاب الله وسنة رسوله إلا عن طريق العربية"[38].

إذن، فهذا اعتراف منه بأنه تعلم العربية وتمكن منها، ساعده على ذلك مهنته التي كان يعمل بها طلبا للرزق وهي تصليح الساعات، ثم يعترف بأنه لا سبيل إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلا عن طريق تعلم العربية وإجادتها.

ويقول الشيخ عن بداية ولعه بالقراءة في أول حياته: "أول ما ولعت بمطالعته من الكتب القصص العربية، كالظاهر بيبرس، وعنترة، والملك سيف، وما إليها".

وهكذا وجدنا أن الشيخ بدأ حياته بقراءة القصص العربية المشهورة التي زادت من تعلمه اللغة وتمكنه فيها.

ثم يقول الشيخ موضحا بداية عمله في علوم الحديث، واستخدامه لكتاب "غريب الحديث" لابن الأثير، والقاموس عندما تستغلق عليه كلمة في فهم حديث: "أثناء عملي بالأحاديث تمر بي بعض منها لا أفقه بعض ألفاظها، وبالتالي أتبين المعنى المراد من الحديث كله، فقلت: لماذا لا أشرح كل هذه الألفاظ في الهامش، وتكون لي مذكرة ومساعدة على فهم الحديث. وبعد أن وصلت إلى نصف المجلد - من كتاب المغني - ألقيته ورجعت أنسخه من جديد على هذه الخاطرة الجديدة، وكلما مررت بحديث فيه كلمة مغلقة علي أستعين بغريب الحديث لابن الأثير وبالقاموس، وأكتب المعنى في الهامش حتى توسع الأمر، وصار التعليق أكثر من المتن، وهكذا حتى انتهى الكتاب"[39].

أفمن كان ذلك حاله من الرجوع إلى المعاجم والقواميس وغريب ألفاظ الحديث يكون جاهلا باللغة العربية وأسرارها؟!

وليس أدل على تمكنه في العربية وإجادته لها إجادة تامة من مؤلفاته المختلفة في الحديث، والفقه، واللغة، وكلها تشهد بقدرته الفائقة على فهم اللغة ومعرفة أسرارها، وهذا يظهر واضحا جليا في شرحه للأحاديث والتعليق عليها، ومن مؤلفاته التي تشهد بذلك:

·       صحيح الترغيب والترهيب.

·       اللحية في نظر الدين.

·       صلاة العيدين في المصلى هي السنة.

·       فهرس مسند الإمام أحمد بن حنبل في مقدمة المسند.

·       نقد نصوص حديثية في الثقافة العامة.

·       الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام.

·       منزلة السنة في الإسلام.

·       سلسلة الأحاديث الضعيفة وأثرها السيئ في الأمة.

·       حجاب المرأة المسلمة.

·       دفاع عن الحديث النبوي والسيرة.

·       التوسل: أحكامه وأنواعه.

·       وجوب الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة.

·       أحكام الجنائز.

·       آداب الزفاف في السنة المطهرة.

فهل كان يكتب هذه الكتب وهو لا يجيد اللغة العربية؟! وكيف كان يكتبها؟ ولماذا لم يؤخذ عليه ذلك من قبل العلماء المتخصصين في علوم اللغة؟!

 "وقد ذكر رجل أمام الأستاذ محمد إبراهيم شقرة أن الألباني رجل لا يحسن العربية، فرد عليه الأستاذ قائلا: خذ مقدمة من مقدمات كتبه وحاول أن تكتب مثلها، ثم نقارن ما كتبت بما كتب الشيخ، فسكت الرجل ولم يرد بشيء.

أما زعمهم أنه غير عربي، فهل كان ابن فارس، والزجاجي، والمبرد، والبخاري، وأبو حنيفة، والترمذي، والزمخشري، وسيبويه، وغيرهم كل هؤلاء وغيرهم كثير، هل كانوا عربا؟! [40].

 لقد كان معظمهم أقطاب العلم الذين نقل عنهم في كل العلوم الإسلامية، من نحو، وحديث، وفقه، ولغة، وبلاغة، وتفسير، وأدب، فهل عاب كل هذه العلوم أن كان كل أقطابها من غير العرب؟!

 ثم إن هؤلاء جميعا درسوا اللغة وتمكنوا منها، ونحن بدورنا أخذنا عنهم القواعد التي أرسوها في كل تخصصاتهم.

 إذن فلماذا يعيبون على الألباني أنه غير عربي؟! هل كان الألباني بدعا في ذلك؟!

الخلاصة:

·   يعد الشيخ الألباني من أئمة الجرح والتعديل في العصر الحديث، فقد وقف حياته على العمل لإحياء السنة النبوية بالنظر في كتب السلف الصالح وتوجيهها التوجيه السليم.

·   لقد كان الشيخ الألباني مرجعا لكثير من أهل العلم الذين أرادوا دراسة الحديث وأصوله، فكانوا يلتقون به ويسمعون منه، ويحضرون مجالسه، ويراسلونه، حيث إنه استطاع بفضل الله أن ينقي السنة النبوية ويميز صحيح الحديث من موضوعه.

·   مما يدل على مكانة هذا الشيخ ونبوغه في هذا الميدان، أنه أصبح مرجعا أساسيا لبعض الهيئات والمجامع والجامعات الإسلامية في كل مكان.

·   لم يخالف الشيخ الألباني إجماع الأمة على صحة "الصحيحين" ولم يتعد عليهما كما يدعي هؤلاء، ولكنه تكلم على بعض أسانيدها، كما تكلم غيره من سلف الأمة، أما المتون فإن الإجماع عام على صحتها، وهذا ما أداه إليه اجتهاده ونظره، والمجتهد قد يخطئ أو يصيب. ثم إننا لو سلمنا جدلا أنه أخطأ فهل يعد هذا تعديا منه على الصحيحين؟! إن هذه العصمة من الخطأ مطلقا لا تكون إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

·   ومما يبطل هذا الاتهام أن الشيخ كان ينكر على من يعزو أحاديث الصحيحين إلى غيرهما من كتب السنة؛ لأنه يعلم مدى صحة ما في الصحيحين، كذلك فإنه ينكر على من يعزو حديثا إليهما وليس الحديث فيهما.

·   لقد دافع الشيخ عن أحاديث الصحيحين مما وجه إلى بعضها من طعون من قبل بعض المتقدمين أو المتأخرين، فقام الشيخ - رحمه الله - وشمر عن ساعديه، وأخذ في الدفاع عن هذه الأحاديث بكل ما أوتي من علم وحجة.

·   أما عن حذف الشيخ لقول الحافظ ابن حجر: "صدوق"، فهذا يدل على تمكنه وحذقه لهذا العلم؛ حيث إنها لاتفيد الراوي هنا؛ لأنها تثبت عدالته وصدقه والتزامه الديني، أما ما يدل على ضعفه في الحديث فقوله: "لين الحديث"، ولذا لم ير الشيخ فائدة في ذكر هذه الكلمة "صدوق"، فاكتفى بما يدل على درجته من حيث الضبط وهو ما كان يريده في بحثه، فهل بعد هذا يتهمونه - رحمه الله - بالتعدي على الصحيحين أو بالخيانة العلمية؟!

·   لقد كان الشيخ - رحمه الله - من الدعاة إلى التمسك بالسنة مهما كلفه ذلك من جهد؛ ولذلك أحيا الله على يديه كثيرا من السنن التي تركتها الأمة، فهو بحق إمام هذه الأمة في عصرنا في علم الحديث وعلومه.

·   لقد كان الألباني - رحمه الله - بارعا في العربية، فهو القائل: إن علم الحديث يتطلب إجادة اللغة العربية إجادة تامة، ومعرفة خفاياها وأسرارها، كما يدل على ذلك أنه تتلمذ على أيدي مشايخ دمشق، وأخذ إجازة الحديث على يد أحدهم، فهل كان يقبل أحدهم أن يعطيه الإجازة، وهو لا يدري عن اللغة شيئا؟!

·   إن مما يدل على إجادته للعربية، تلك المؤلفات التي كتبها باللغة العربية. والتي وجدت رواجا بين القراء والمتخصصين في أنحاء العالم الإسلامي، ولم نسمع عن أحد أنه نقد مؤلفاته، بسبب ضعف في اللغة أو قصور فيها.

·   عاش الألباني حياته كلها في دمشق منذ طفولته، فتعلم في مدارسها على أيادي مشايخها، فكيف يتهم بأنه غير عربي؟! وهل كل علماء الأمة جميعا كانوا عربا؟! ألم يكن سيبويه غير عربي، وهو إمام اللغة والنحو؟ وأمثاله كثير، كالبخاري صاحب أصح كتاب من كتب السنة، والترمذي صاحب السنن، والزمخشري وغيرهم كثير.

 المراجع:


(*) ردع الجاني المتعدي على الألباني، طارق بن عوض الله بن محمد، مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، ط2، 1425هـ/2005م. حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، محمد بن إبراهيم الشيباني، مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط2، 1425هـ/2004م.

[1]. حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، محمد بن إبراهيم الشيباني، مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط2، 1425هـ/2004م، ( 2/ 549 : 552) بتصرف.

[2]. حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، محمد بن إبراهيم الشيباني، مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط2، 1425هـ/2004م، (2/541).

[3]. ثلاث رسائل في الصلاة، عبد العزيز بن باز، نقلا عن : ردع الجاني المتعدي على الألباني، مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، ط2، 1425هـ/2005م، ص19

[4]. حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، محمد بن إبراهيم الشيباني، مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط2، 1425هـ/2004م، (1/66،65) بتصرف

[5]. حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، محمد بن إبراهيم الشيباني، مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط2، 1425هـ/2004م، (2/543).

[6] . صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الملاحم، باب: ما يذكر في قرن المائة، (11/ 259)، رقم (4282)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4391).

.[7] حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، محمد بن إبراهيم الشيباني، مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط2، 1425هـ/2004م، (1/65).

[8]. حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، محمد بن إبراهيم الشيباني، مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط2، 1425هـ/2004م، (1/67).

[9]. مقدمة صحيح ابن خزيمة، تحقيق: مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1390هـ/ 1970م، (1/6).

[10]. ردع الجاني المتعدي على الألباني، طارق عوض الله، مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، ط2، 1425هـ/2005م، ص12.

.[11] حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، محمد بن إبراهيم الشيباني، مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط2، 1425هـ/2004م، ( 1/59،58).

[12]. حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، محمد بن إبراهيم الشيباني، مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط2، 1425هـ/2004م، (1/74) بتصرف.

[13]. حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، محمد بن إبراهيم الشيباني، مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط2، 1425هـ/2004م، (1/75،74).

[14]. ردع الجاني المتعدي على الألباني، طارق عوض الله، مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، ط2، 1425هـ/2005م، ص42،41.

.[15] سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1399هـ/ 1979م، (4/185).

[16] . صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة المسافرين وقصرها، (3/1271)، رقم (1542) .

[17]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة المسافرين وقصرها، (3/1272)، رقم (1547).

 [18]. سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1399هـ/ 1979م، (4/216).

[19]. نقد نصوص حديثية، الألباني، ص 8، نقلا عن: ردع الجاني المتعدي على الألباني، طارق عوض الله، مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، ط2، 1425هـ/2005م، ص50.

[20]. انظر: ردع الجاني المتعدي على الألباني، طارق عوض الله، مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، ط2، 1425هـ/2005م، ص44 : 50.

[21]. صحيح البخاري ( بشرح فتح الباري)، كتاب: الرقاق، باب: التواضع، (11/348)، رقم (6502).

[22]. سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1399هـ/ 1979م، (4/185).

[23]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب : الجهاد والسير، باب: يكتب للمسافر مثلما كان يعمل في الإقامة، (6/158)، رقم(2996).

[24]. انظر: إرواء الغليل، الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/1985م، (2/21).

[25]. صحيح مسلم ( بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختتم به وصفة الركوع، (3/1063)، رقم (1090) .

[26]. إرواء الغليل، الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/1985م، (2/21).

[27]. انظر: ردع الجاني المتعدي على الألباني، طارق عوض الله، مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، ط2، 1425هـ/2005م، ص52 : 61.

[28]. حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، محمد بن إبراهيم الشيباني، مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط2، 1425هـ/2004م، (2/545: 548) بتصرف .

[29]. النكت على كتاب ابن الصلاح، ابن حجر، تحقيق: ربيع بن هادي عمير، دار الراية، الرياض، ط4، 1417هـ، (2/ 377).

[30]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (1/ 131).

[31]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (1/65، 66) .

[32]. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط2، 1420هـ / 2000م، (1/4،3).

[33]. تقريب التهذيب، ابن حجر، تحقيق: أبي الأشبال صغير أحمد شاغف، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1416هـ، ص173.

[34] . تقريب التهذيب، ابن حجر، تحقيق: أبي الأشبال صغير أحمد شاغف، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1416هـ، ص116.

[35] . تقريب التهذيب، ابن حجر، تحقيق: أبي الأشبال صغير أحمد شاغف، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1416هـ، ص780.

[36]. انظر: ردع الجاني المتعدي على الألباني، طارق عوض الله، مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، ط2، 1425هـ/2005م، ص415 : 420.

[37]. حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، محمد بن إبراهيم الشيباني، مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط2، 1425هـ/2004م، (2/509) بتصرف .

[38]. حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، محمد بن إبراهيم الشيباني، مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط2، 1425هـ/2004م، (1/48) بتصرف.

[39]. حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، محمد بن إبراهيم الشيباني، مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط2، 1425هـ/2004م، (1/50) بتصرف.

[40]. حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، محمد بن إبراهيم الشيباني، مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط2، 1425هـ/2004م، (2/507).