نص السؤال
كيف عرَفَتِ الملائكةُ أن الإنسانَ سيُفسِدُ في الأرضِ، ويَسفِكُ الدماءَ، قبل أن يُخلَقَ؟
عبارات مشابهة للسؤال
الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.
الجواب التفصيلي
خلَقَ اللهُ سبحانه وتعالى الملائكةَ قبل خلقِ الإنسان؛ وهذا واضحٌ مِن قولِهِ تعالى:
{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ} [ص:71]
وغيرِها مِن الآياتِ التي تدُلُّ على ذلك.
أما كيفيَّةُ معرفتِهم بأن بني آدمَ سيُفسِدون في الأرضِ ويَسفِكون الدماءَ، المذكورةِ في قولِهِ تعالى:
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30]
فعلى الاحتمالاتِ التالية:
الأوَّلُ: إعلامُ اللهِ لهم بذلك
وإن لم يُذكَرْ في سياقِ الآيات، لكنه قد يُفهَمُ مِن قولِهِ تعالى بعدها:
{قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة:32]
وفي هذا دلالة على أن الله قد كان أعلَمهم أن بني آدم سيُفسدون في الأرض، وإلا فكيف كانوا يقولون ما لا يعلمون، والله تعالى يقول وقوله الحق
{لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 27]
والملائكة لا تقولُ ولا تعملُ إلا بما تؤمَر به لا غيرُ، قال الله تعالى:
{وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50]
الثاني: أنهم قاسُوا ذلك على أحوالِ مَن كان قبل آدمَ على الأرض
وهم الجِنُّ؛ فقد سبَقوا الإنسانَ في الأرضِ، وكانوا يُفسِدون فيها، ويَسفِكون الدماءَ؛ فعَلِمَت الملائكةُ أن البشَرَ سيكونون على حالِ مَن سبَقَهم.
الثالثُ: أنهم فَهِموا ذلك مِن الطبيعةِ البشَريَّة؛
قال الطاهرُ بنُ عاشورٍ: «وإنما ظنُّوا هذا الظنَّ بهذا المخلوقِ مِن جهةِ ما استشعَرُوهُ مِن صفاتِ هذا المخلوقِ المستخلَفِ، بإدراكِهم النُّورانيِّ لهيئةِ تكوينِهِ الجسَديَّةِ والعقليَّةِ والنُّطْقيَّةِ، إما بوصفِ اللهِ لهم هذا الخليفةَ، أو برؤيتهم صورةَ تركيبه قبلَ نفخِ الروح فيه وبعده، والأظهرُ أنهم رأوه بعدَ نفخ الروحِ فيه، فعلِموا أنه تركيبٌ يستطيع صاحبُه أن يخرُجَ عن الجِبِلَّة إلى الاكتساب، وعن الامتثال الى العصيان ...، ومجرَّد مشاهدةِ الملائكةِ لهذا المخلوقِ العجيبِ المرادِ جَعْلُهُ خليفةً في الأرضِ كافٍ في إحاطتِهم بما يشتمِلُ عليه مِن عجائبِ الصفات ...». [«التحريرُ والتنوير» (1/230)].
الرابع: أنهم فَهِموا مِن قولِهِ تعالى:
{جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، فالخليفةُ هو الذي يَفصِلُ بين الناسِ ما يقَعُ بينهم مِن المظالِم، ويَردَعُهم عن الفساد. والمعنى: أنه إذا كان هناك خليفةٌ يحكُمُ بين الناسِ في المظالِمِ، فإنه يَلزَمُ مِن ذلك أن هؤلاءِ الناسَ يقَعُ منهم الإفسادُ وسفكُ الدماء، وإلا لَمَا احتاجوا لخليفةٍ يحكُمُ.
وهذه الاحتمالاتُ ذكَرَها العلماءُ رحمهم اللهُ استنباطًا مِن الآياتِ القرآنيَّة، ولا يُوجَدُ دليلٌ مؤكَّدٌ على كيفيَّةِ عِلمِهم بذلك، لكنْ على كلِّ الاحتمالاتِ: فإن أصلَ ذلك مِن تعليمِ اللهِ تعالى لهم، والواجبُ على المسلِمِ: أخذُ العِبْرةِ والعِظةِ مِن القصَّة، والتفكُّرُ في تكريمِ اللهِ للإنسان، والعملُ بمقتضى ذلك مِن الطاعةِ، والعملِ الصالح.
مراجع :
- «كيف عرَفَتِ الملائكةُ أن البشَرَ سيُفسِدون في الأرض»: https://cutt.us/pHnMu
- «تعليلُ سؤالِ الملائكةِ: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}: https://articles.islamweb.net/...