نص السؤال

إنكم تدَّعون أنكم تتَّبِعون السلفَ الصالحَ، مع أن قولَكم في الصفاتِ يدُلُّ على إثباتِ حلولِ الحوادثِ في اللهِ تعالى، وأنتم تصرِّحون بذلك حين تقولون: «إن الصفاتِ الفعليَّةَ قديمةُ النوع، حادثةُ الآحاد».

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

الوهَّابيَّةُ يقولون: بحلولِ الحوادثِ في اللهِ تعالى.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

إننا أمام مَقولةٍ كلاميَّةٍ يحتاجُ الجوابُ عنها إلى بيانِ مذهبِ أهلِ السنَّةِ في الصفاتِ الاختياريَّة، وبيانِ الأصلِ الذي تمسَّك به مخالِفُوهم؛ فأدَّى لمخالَفتِهم في هذه المسألة:

1- إثباتُ الصفاتِ الاختياريَّةِ للهِ تعالى - وهي الصفاتُ الفعليَّةُ - دلَّت عليه النصوصُ مِن الكتابِ والسنَّة:

فالوحيُ مِن كتابٍ وسُنَّةٍ مملوءٌ بذكرِ الصفاتِ الاختياريَّة، فيه ذِكرُ أن اللهَ تعالى يَنزِلُ، ويجيءُ، ويأتي، ويَرْضى، ويحبُّ، ويُبغِضُ، ويُقبِلُ، ويُعرِضُ، ويتوبُ، ويَرحَمُ، ويَسخَطُ، ويتكلَّمُ، واستوى على العرش.

فهذه كلُّها صفاتٌ تتعلَّقُ بمشيئةِ اللهِ تعالى وقدرتِه.

وتسميةُ إثباتِ هذه الصفاتِ بإثباتِ حلولِ الحوادثِ في الذاتِ العليَّةِ، لا يَمنَعُ مِن إثباتِها.

ويُقالُ لمَن يقولُ: «إن اللهَ تعالى لا تقومُ به الحوادث»: «ما مرادُكَ بالحوادث؟»؛ فإن هذا لفظٌ مجمَلٌ يحتمِلُ حقًّا وباطلًا:

فإن أجاب: بأن الحوادثَ المرادُ بها: المرَضُ، والسهوُ، والعَجْزُ، وغيرُ ذلك مما هو مِن النقصِ المستحيلِ على اللهِ تعالى عقلًا ونقلًا -: فحينئذٍ نقولُ: إن هذه المعانيَ بلا ريبٍ منفيَّةٌ عن اللهِ تعالى.

وإن أجاب: بأنه يعني قيامَ الصفاتِ الفعليَّةِ، وهي المتعلِّقةُ بمشيئةِ اللهِ تعالى وقدرتِهِ؛ كالصفاتِ التي تقدَّم ذِكرُها -: فذلك مردودٌ؛ لأن تلك الصفاتِ ثابتةٌ في الكتابِ والسنَّة، وأهلُ السنَّةِ يُثبِتون للهِ تعالى ما أثبَتهُ لنفسِهِ في الكتابِ والسنَّةِ مِن غيرِ تحريفٍ ولا تعطيل، ومِن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيل.

فيكفي المسلِمَ في صحَّةِ عقيدتِهِ: أن يُثبِتَ للهِ تعالى ما أثبَتهُ لنفسِهِ، فيُثبِتَ أنه يأتي، ويجيءُ، ويَنزِلُ، ويحبُّ، ويُبغِضُ، ويَكرَهُ، ويَرْضى، ويَغضَبُ، ويتكلَّمُ متى شاء بما شاء، أما الخوضُ في تعبيراتِ أهلِ الكلامِ مِن قِدَمٍ وحدوثٍ، فهو غيرُ واجبٍ عليه ابتداءً.

والعقلُ أيضًا يدُلُّ على إثباتِ الصفاتِ الفعليَّةِ الاختياريَّةِ للهِ تعالى؛ فهي مِن كمالِهِ تعالى؛ فإن مَنْ يَفعَلُ أكمَلُ ممَّن لا يَفعَلُ، ومَن يَفعَلُ بمشيئتِهِ وقدرتِهِ أكمَلُ ممَّن يَفعَلُ بغيرِ بمشيئتِهِ وقدرتِه.

وأيضًا: فإن العقلَ يدُلُّ على أن إثباتَ الحوادثِ بذاتِ اللهِ تعالى - التي جنسُها متسلسِلٌ لا إلى أوَّلٍ، دون مفتتَحٍ - لا يدُلُّ على حدوثِ مَن قامت به، بل يدُلُّ على قِدَمِهِ وأزليَّتِهِ سبحانه وتعالى.

2- الفِرَقُ الكلاميَّةُ التي جعَلتْ إثباتَ الحوادثِ ملازِمًا للتجسيمِ، وأن الأجسامَ متماثِلةٌ، فكلُّ جسمٍ عندهم حادثٌ -: بَنَت ذلك على دليلٍ باطل:

أما بناؤُها على دليلٍ باطلٍ، فهو دليلُ حدوثِ الأجسام؛ فأصلُ هذه المسألةِ: أن أئمَّةَ المتكلِّمينَ لمَّا ناظَروا الفلاسفةَ في مسألةِ قِدَمِ العالَمِ وحدوثِه، بنَوْا إثباتَهم لحدوثِ العالَمِ على مقدِّمتَيْن:

الأُولى: أن العالَمَ لا يخلو مِن الحوادث.

والثانيةُ: أن ما لا يَخْلو مِن الحوادثِ، فهو حادثٌ.

فينتُجُ أن العالَمَ حادثٌ.

أما المقدِّمةُ الأُولى، فاحتاجوا لإثباتِها أولًا أن يُثبِتوا الأعراضَ - الحرَكةَ أو السكونَ؛ كما هي طريقةُ الغَزَاليِّ، والرازيِّ، وغيرِهما - ثم يُثبِتوا استحالةَ خُلُوِّ الأجسامِ عنها، ثم يُثبِتوا حدوثَ الأجسامِ، وأن الأجسامَ متماثِلةٌ.

والمقدِّمة الثانيةُ - وهي التي تُهِمُّنا هنا - فاعتمَدوا في إثباتِها على استحالةِ حوادثَ لا أوَّلَ لها؛ ذلك أن ما لا يَخْلو مِن الحوادثِ، له حالتان:

- أن تكونَ الحوادثُ متناهِيةً؛ وهذا لا شكَّ أنه حادثٌ باتِّفاقِ العقلاء.

- أو ألا تكونَ الحوادثُ متناهِيةً، أي: ألا يكونَ لها أوَّلٌ؛ فهذا يَمنَعون حدوثَهُ بناءً على منعِ حوادثَ لا أوَّلَ لها، ويحتجُّون له بـ «برهانِ التطبيق».

فالمقصودُ: أنهم بناءً على قولِهم هذا، صاروا إلى فريقَيْن:

منهم: مَن منَعَ اتِّصافَ الربِّ بصفاتٍ أو أفعالٍ تقومُ به؛ لأن هذا يَلزَمُ منه حدوثُهُ؛ بناءً على أن الصفاتِ أعراضٌ، وقد أثبَتوا حدوثَها، وأثبَتوا أن ما لا يخلو مِن الحوادثِ، فهو حادثٌ؛ فيَلزَمُ مِن هذا حدوثُ الربِّ جلَّ وعلا، أو بطلانُ دليلِهم على حدوثِ العالَم.

وهؤلاءِ هم الجهميَّةُ والمعتزِلة.

ومنهم: مَن وصَفَ الربَّ ببعضِ الصفات، ولمَّا أُورِدَ عليهم أنها أعراضٌ، وأن ذلك يقتضي نقضَ دليلِهم على حدوثِ العالَمِ، فرَّقوا بين الصفةِ وبين العَرَضِ: بأن العَرَضَ لا يَبْقى زمانَيْنِ، لكنهم أثبَتوا قيامَ تلك الصفاتِ بالربِّ على أنها باقيةٌ دائمًا، فهم منَعوا أن يقومَ بالربِّ أفعالٌ يَفعَلُها جلَّ وعلا بمشيئتِهِ واختيارِه.

وهؤلاءِ هم بعضُ المتكلِّمةِ مِن غيرِهم.

وقد أقَرَّ بعضُ أئمَّةِ المتكلِّمينَ؛ كالفخرِ الرازيِّ: بأن حلولَ الحوادثِ يَلزَمُ الأشعريَّةَ وسائرَ الطوائف، ولم يحصُرِ القائلِينَ بها في طائفةِ الكراميَّةِ، الذين هم عند الأشعريَّةِ وغيرِهم مِن طوائفِ المجسِّمة.

وبهذا يتبيَّنُ لك قولُ أهلِ السنَّةِ: لمَّا رأَوْا آياتِ ربِّهم، وكلامَ نبيِّهم، وتقريراتِ سلَفِهم، مليئةً بإثباتِ أفعالٍ للهِ تعالى -: أثبَتوها كما جاءت؛ فقال المحقِّقون: إن قيامَ الأفعالِ بالربِّ جلَّ وعلا لا يَلزَمُ منه حدوثُهُ تعالى؛ لأننا:

 - إنما نُثبِتُ ما أثبَتهُ اللهُ تعالى لنفسِه، وأثبَتهُ له رسولُهُ ^.

ونحنُ لا نُثبِتُ حدوثَ حوادثَ متناهيةٍ بالربِّ تعالى، بل نُثبِتُ قيامَ أفعالٍ لا متناهيةٍ بالربِّ جلَّ وعلا؛ كما قال أئمَّةُ السلَفِ: «لم يزَلْ متكلِّمًا إذا شاء»، ولك أن تسمِّيَ عدمَ التناهي هذا، أو الحدوثَ شيئًا بعد شيءٍ: قِدَمًا نَوْعيًّا، فتقولُ: «أفعالُ اللهِ تعالى قديمةُ النوعِ»؛ بهذا الاعتبار.

وباعتبارِ أن كلَّ فردٍ فردٍ مِن أفرادِ هذه الأفعالِ سبَقهُ عدمُ نفسِهِ، فلك أن تسمِّيَها: «حادثةَ الآحادِ»؛ كما قال تعالى:

{مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}

[الأنبياء: 2].

وهذا معنى قولِهم: «كلامُهُ تعالى قديمُ النَّوْع، حادثُ الآحاد».

ولا يَلزَمُ استعمالُ هذه الألفاظِ؛ إذ القصدُ بها بيانُ المعنى. فينبغي أن يُعلَمَ أصلُ المسألةِ ومعناها؛ حتى يكونَ نظرُنا الأوَّلُ في الحقائقِ والمعاني، دون الألفاظِ والمباني، واللهُ أعلم.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

يريدُ السائلُ أن يقولَ: إن العقيدةَ التي يتَّبِعها مَن يدَّعون اتِّباعَ السلفِ - مِن وجهةِ نظرِهِ - عقيدةٌ فاسدةٌ؛ لأن حقيقتَها القولُ بحلولِ الحوادثِ في اللهِ تعالى مِن وجهةِ نظرِه.

مختصَرُ الإجابة:

إن أهلَ السنَّةِ يُثبِتون للهِ تعالى ما أثبَتهُ لنفسِهِ مِن صفات؛ مِن غيرِ تكييفٍ ولا تعطيل، ومِن غيرِ تشبيهٍ ولا تمثيل، ومِن ذلك الصفاتُ الفعليَّةُ الاختياريَّةُ؛ مِن الاستواءِ، والنزولِ، والمَجيءِ، والإتيانِ، والرِّضا، والغضَبِ، وغيرِ ذلك، وتسميةُ وقوعِ آحادِ ذلك بحلولِ الحوادثِ في ذاتِ اللهِ تعالى، هي تسميةٌ مِن أصحابِها، ولا يجوزُ أن تكونَ التسميةُ مِن بعضِ الناسِ سببًا لإبطالِ الحقِّ؛ لأن العِبْرةَ بالحقائق.

ومخالِفُوهم: تمسَّكوا في نفيِ تلك الحقائقِ بأدلَّةٍ مبتدَعةٍ في الشرع، فاسدةٍ في العقل؛ مثلُ دليلِ حدوثِ الأجسامِ، وأن الأجسامَ متماثِلةٌ، وليس معهم في ذلك نصٌّ ولا إجماعٌ، وقد صرَّح أئمَّتُهم بأن القولَ بحلولِ الحوادثِ بذاتِ اللهِ تعالى يَلزَمُهم أيضًا، بل يَلزَمُ جميعَ الطوائف.

ويُقالُ لمَن يقولُ: «إن اللهَ تعالى لا تقومُ به الحوادث»: «ما مرادُكَ بالحوادث؟»؛ فإن هذا لفظٌ مجمَلٌ يحتمِلُ حقًّا وباطلًا:

فإن أجاب: بأن الحوادثَ المرادُ بها: المرَضُ، والسَّهْوُ، والعَجْزُ، وغيرُ ذلك مما هو مِن النقصِ المستحيلِ على اللهِ تعالى عقلًا ونقلًا -: فحينئذٍ نقولُ: إن هذه المعانيَ بلا ريبٍ منفيَّةٌ عن اللهِ تعالى.

وإن أجاب: بأنه يعني قيامَ الصفاتِ الفعليَّةِ، وهي المتعلِّقةُ بمشيئةِ اللهِ تعالى وقدرتِهِ؛ كالصفاتِ التي تقدَّم ذِكرُها -: فذلك مردودٌ؛ لأن تلك الصفاتِ ثابتةٌ في الكتابِ والسنَّة، وأهلُ السنَّةِ يُثبِتون للهِ تعالى ما أثبَتهُ لنفسِهِ في الكتابِ والسنَّةِ مِن غيرِ تحريفٍ ولا تعطيل، ومِن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيل. فيكفي المسلِمَ في صحَّةِ عقيدتِهِ: أن يُثبِتَ للهِ تعالى ما أثبَتهُ لنفسِهِ، فيُثبِتَ أنه يأتي، ويجيءُ، 

ويَنزِلُ، ويحبُّ، ويُبغِضُ، ويَكرَهُ، ويَرْضى، ويَغضَبُ، ويتكلَّمُ متى شاء بما شاء، أما الخوضُ في تعبيراتِ أهلِ الكلامِ مِن قِدَمٍ وحدوثٍ، فهو غيرُ واجبٍ عليه ابتداءً.

والعقلُ أيضًا يدُلُّ على إثباتِ الصفاتِ الفعليَّةِ الاختياريَّةِ للهِ تعالى؛ فهي مِن كمالِهِ تعالى؛ فإن مَنْ يَفعَلُ أكمَلُ ممَّن لا يَفعَلُ، ومَن يَفعَلُ بمشيئتِهِ وقدرتِهِ أكمَلُ ممَّن يَفعَلُ بغيرِ بمشيئتِهِ وقدرتِه. وأيضًا: فإن العقلَ يدُلُّ على أن إثباتَ الحوادثِ بذاتِ اللهِ تعالى - التي جنسُها متسلسِلٌ لا إلى أوَّلٍ، دون مفتتَحٍ - لا يدُلُّ على حدوثِ مَن قامت به، بل يدُلُّ على قِدَمِهِ وأزليَّتِهِ سبحانه وتعالى.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

يريدُ السائلُ أن يقولَ: إن العقيدةَ التي يتَّبِعها مَن يدَّعون اتِّباعَ السلفِ - مِن وجهةِ نظرِهِ - عقيدةٌ فاسدةٌ؛ لأن حقيقتَها القولُ بحلولِ الحوادثِ في اللهِ تعالى مِن وجهةِ نظرِه.

مختصَرُ الإجابة:

إن أهلَ السنَّةِ يُثبِتون للهِ تعالى ما أثبَتهُ لنفسِهِ مِن صفات؛ مِن غيرِ تكييفٍ ولا تعطيل، ومِن غيرِ تشبيهٍ ولا تمثيل، ومِن ذلك الصفاتُ الفعليَّةُ الاختياريَّةُ؛ مِن الاستواءِ، والنزولِ، والمَجيءِ، والإتيانِ، والرِّضا، والغضَبِ، وغيرِ ذلك، وتسميةُ وقوعِ آحادِ ذلك بحلولِ الحوادثِ في ذاتِ اللهِ تعالى، هي تسميةٌ مِن أصحابِها، ولا يجوزُ أن تكونَ التسميةُ مِن بعضِ الناسِ سببًا لإبطالِ الحقِّ؛ لأن العِبْرةَ بالحقائق.

ومخالِفُوهم: تمسَّكوا في نفيِ تلك الحقائقِ بأدلَّةٍ مبتدَعةٍ في الشرع، فاسدةٍ في العقل؛ مثلُ دليلِ حدوثِ الأجسامِ، وأن الأجسامَ متماثِلةٌ، وليس معهم في ذلك نصٌّ ولا إجماعٌ، وقد صرَّح أئمَّتُهم بأن القولَ بحلولِ الحوادثِ بذاتِ اللهِ تعالى يَلزَمُهم أيضًا، بل يَلزَمُ جميعَ الطوائف.

ويُقالُ لمَن يقولُ: «إن اللهَ تعالى لا تقومُ به الحوادث»: «ما مرادُكَ بالحوادث؟»؛ فإن هذا لفظٌ مجمَلٌ يحتمِلُ حقًّا وباطلًا:

فإن أجاب: بأن الحوادثَ المرادُ بها: المرَضُ، والسَّهْوُ، والعَجْزُ، وغيرُ ذلك مما هو مِن النقصِ المستحيلِ على اللهِ تعالى عقلًا ونقلًا -: فحينئذٍ نقولُ: إن هذه المعانيَ بلا ريبٍ منفيَّةٌ عن اللهِ تعالى.

وإن أجاب: بأنه يعني قيامَ الصفاتِ الفعليَّةِ، وهي المتعلِّقةُ بمشيئةِ اللهِ تعالى وقدرتِهِ؛ كالصفاتِ التي تقدَّم ذِكرُها -: فذلك مردودٌ؛ لأن تلك الصفاتِ ثابتةٌ في الكتابِ والسنَّة، وأهلُ السنَّةِ يُثبِتون للهِ تعالى ما أثبَتهُ لنفسِهِ في الكتابِ والسنَّةِ مِن غيرِ تحريفٍ ولا تعطيل، ومِن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيل. فيكفي المسلِمَ في صحَّةِ عقيدتِهِ: أن يُثبِتَ للهِ تعالى ما أثبَتهُ لنفسِهِ، فيُثبِتَ أنه يأتي، ويجيءُ، 

ويَنزِلُ، ويحبُّ، ويُبغِضُ، ويَكرَهُ، ويَرْضى، ويَغضَبُ، ويتكلَّمُ متى شاء بما شاء، أما الخوضُ في تعبيراتِ أهلِ الكلامِ مِن قِدَمٍ وحدوثٍ، فهو غيرُ واجبٍ عليه ابتداءً.

والعقلُ أيضًا يدُلُّ على إثباتِ الصفاتِ الفعليَّةِ الاختياريَّةِ للهِ تعالى؛ فهي مِن كمالِهِ تعالى؛ فإن مَنْ يَفعَلُ أكمَلُ ممَّن لا يَفعَلُ، ومَن يَفعَلُ بمشيئتِهِ وقدرتِهِ أكمَلُ ممَّن يَفعَلُ بغيرِ بمشيئتِهِ وقدرتِه. وأيضًا: فإن العقلَ يدُلُّ على أن إثباتَ الحوادثِ بذاتِ اللهِ تعالى - التي جنسُها متسلسِلٌ لا إلى أوَّلٍ، دون مفتتَحٍ - لا يدُلُّ على حدوثِ مَن قامت به، بل يدُلُّ على قِدَمِهِ وأزليَّتِهِ سبحانه وتعالى.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

إننا أمام مَقولةٍ كلاميَّةٍ يحتاجُ الجوابُ عنها إلى بيانِ مذهبِ أهلِ السنَّةِ في الصفاتِ الاختياريَّة، وبيانِ الأصلِ الذي تمسَّك به مخالِفُوهم؛ فأدَّى لمخالَفتِهم في هذه المسألة:

1- إثباتُ الصفاتِ الاختياريَّةِ للهِ تعالى - وهي الصفاتُ الفعليَّةُ - دلَّت عليه النصوصُ مِن الكتابِ والسنَّة:

فالوحيُ مِن كتابٍ وسُنَّةٍ مملوءٌ بذكرِ الصفاتِ الاختياريَّة، فيه ذِكرُ أن اللهَ تعالى يَنزِلُ، ويجيءُ، ويأتي، ويَرْضى، ويحبُّ، ويُبغِضُ، ويُقبِلُ، ويُعرِضُ، ويتوبُ، ويَرحَمُ، ويَسخَطُ، ويتكلَّمُ، واستوى على العرش.

فهذه كلُّها صفاتٌ تتعلَّقُ بمشيئةِ اللهِ تعالى وقدرتِه.

وتسميةُ إثباتِ هذه الصفاتِ بإثباتِ حلولِ الحوادثِ في الذاتِ العليَّةِ، لا يَمنَعُ مِن إثباتِها.

ويُقالُ لمَن يقولُ: «إن اللهَ تعالى لا تقومُ به الحوادث»: «ما مرادُكَ بالحوادث؟»؛ فإن هذا لفظٌ مجمَلٌ يحتمِلُ حقًّا وباطلًا:

فإن أجاب: بأن الحوادثَ المرادُ بها: المرَضُ، والسهوُ، والعَجْزُ، وغيرُ ذلك مما هو مِن النقصِ المستحيلِ على اللهِ تعالى عقلًا ونقلًا -: فحينئذٍ نقولُ: إن هذه المعانيَ بلا ريبٍ منفيَّةٌ عن اللهِ تعالى.

وإن أجاب: بأنه يعني قيامَ الصفاتِ الفعليَّةِ، وهي المتعلِّقةُ بمشيئةِ اللهِ تعالى وقدرتِهِ؛ كالصفاتِ التي تقدَّم ذِكرُها -: فذلك مردودٌ؛ لأن تلك الصفاتِ ثابتةٌ في الكتابِ والسنَّة، وأهلُ السنَّةِ يُثبِتون للهِ تعالى ما أثبَتهُ لنفسِهِ في الكتابِ والسنَّةِ مِن غيرِ تحريفٍ ولا تعطيل، ومِن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيل.

فيكفي المسلِمَ في صحَّةِ عقيدتِهِ: أن يُثبِتَ للهِ تعالى ما أثبَتهُ لنفسِهِ، فيُثبِتَ أنه يأتي، ويجيءُ، ويَنزِلُ، ويحبُّ، ويُبغِضُ، ويَكرَهُ، ويَرْضى، ويَغضَبُ، ويتكلَّمُ متى شاء بما شاء، أما الخوضُ في تعبيراتِ أهلِ الكلامِ مِن قِدَمٍ وحدوثٍ، فهو غيرُ واجبٍ عليه ابتداءً.

والعقلُ أيضًا يدُلُّ على إثباتِ الصفاتِ الفعليَّةِ الاختياريَّةِ للهِ تعالى؛ فهي مِن كمالِهِ تعالى؛ فإن مَنْ يَفعَلُ أكمَلُ ممَّن لا يَفعَلُ، ومَن يَفعَلُ بمشيئتِهِ وقدرتِهِ أكمَلُ ممَّن يَفعَلُ بغيرِ بمشيئتِهِ وقدرتِه.

وأيضًا: فإن العقلَ يدُلُّ على أن إثباتَ الحوادثِ بذاتِ اللهِ تعالى - التي جنسُها متسلسِلٌ لا إلى أوَّلٍ، دون مفتتَحٍ - لا يدُلُّ على حدوثِ مَن قامت به، بل يدُلُّ على قِدَمِهِ وأزليَّتِهِ سبحانه وتعالى.

2- الفِرَقُ الكلاميَّةُ التي جعَلتْ إثباتَ الحوادثِ ملازِمًا للتجسيمِ، وأن الأجسامَ متماثِلةٌ، فكلُّ جسمٍ عندهم حادثٌ -: بَنَت ذلك على دليلٍ باطل:

أما بناؤُها على دليلٍ باطلٍ، فهو دليلُ حدوثِ الأجسام؛ فأصلُ هذه المسألةِ: أن أئمَّةَ المتكلِّمينَ لمَّا ناظَروا الفلاسفةَ في مسألةِ قِدَمِ العالَمِ وحدوثِه، بنَوْا إثباتَهم لحدوثِ العالَمِ على مقدِّمتَيْن:

الأُولى: أن العالَمَ لا يخلو مِن الحوادث.

والثانيةُ: أن ما لا يَخْلو مِن الحوادثِ، فهو حادثٌ.

فينتُجُ أن العالَمَ حادثٌ.

أما المقدِّمةُ الأُولى، فاحتاجوا لإثباتِها أولًا أن يُثبِتوا الأعراضَ - الحرَكةَ أو السكونَ؛ كما هي طريقةُ الغَزَاليِّ، والرازيِّ، وغيرِهما - ثم يُثبِتوا استحالةَ خُلُوِّ الأجسامِ عنها، ثم يُثبِتوا حدوثَ الأجسامِ، وأن الأجسامَ متماثِلةٌ.

والمقدِّمة الثانيةُ - وهي التي تُهِمُّنا هنا - فاعتمَدوا في إثباتِها على استحالةِ حوادثَ لا أوَّلَ لها؛ ذلك أن ما لا يَخْلو مِن الحوادثِ، له حالتان:

- أن تكونَ الحوادثُ متناهِيةً؛ وهذا لا شكَّ أنه حادثٌ باتِّفاقِ العقلاء.

- أو ألا تكونَ الحوادثُ متناهِيةً، أي: ألا يكونَ لها أوَّلٌ؛ فهذا يَمنَعون حدوثَهُ بناءً على منعِ حوادثَ لا أوَّلَ لها، ويحتجُّون له بـ «برهانِ التطبيق».

فالمقصودُ: أنهم بناءً على قولِهم هذا، صاروا إلى فريقَيْن:

منهم: مَن منَعَ اتِّصافَ الربِّ بصفاتٍ أو أفعالٍ تقومُ به؛ لأن هذا يَلزَمُ منه حدوثُهُ؛ بناءً على أن الصفاتِ أعراضٌ، وقد أثبَتوا حدوثَها، وأثبَتوا أن ما لا يخلو مِن الحوادثِ، فهو حادثٌ؛ فيَلزَمُ مِن هذا حدوثُ الربِّ جلَّ وعلا، أو بطلانُ دليلِهم على حدوثِ العالَم.

وهؤلاءِ هم الجهميَّةُ والمعتزِلة.

ومنهم: مَن وصَفَ الربَّ ببعضِ الصفات، ولمَّا أُورِدَ عليهم أنها أعراضٌ، وأن ذلك يقتضي نقضَ دليلِهم على حدوثِ العالَمِ، فرَّقوا بين الصفةِ وبين العَرَضِ: بأن العَرَضَ لا يَبْقى زمانَيْنِ، لكنهم أثبَتوا قيامَ تلك الصفاتِ بالربِّ على أنها باقيةٌ دائمًا، فهم منَعوا أن يقومَ بالربِّ أفعالٌ يَفعَلُها جلَّ وعلا بمشيئتِهِ واختيارِه.

وهؤلاءِ هم بعضُ المتكلِّمةِ مِن غيرِهم.

وقد أقَرَّ بعضُ أئمَّةِ المتكلِّمينَ؛ كالفخرِ الرازيِّ: بأن حلولَ الحوادثِ يَلزَمُ الأشعريَّةَ وسائرَ الطوائف، ولم يحصُرِ القائلِينَ بها في طائفةِ الكراميَّةِ، الذين هم عند الأشعريَّةِ وغيرِهم مِن طوائفِ المجسِّمة.

وبهذا يتبيَّنُ لك قولُ أهلِ السنَّةِ: لمَّا رأَوْا آياتِ ربِّهم، وكلامَ نبيِّهم، وتقريراتِ سلَفِهم، مليئةً بإثباتِ أفعالٍ للهِ تعالى -: أثبَتوها كما جاءت؛ فقال المحقِّقون: إن قيامَ الأفعالِ بالربِّ جلَّ وعلا لا يَلزَمُ منه حدوثُهُ تعالى؛ لأننا:

 - إنما نُثبِتُ ما أثبَتهُ اللهُ تعالى لنفسِه، وأثبَتهُ له رسولُهُ ^.

ونحنُ لا نُثبِتُ حدوثَ حوادثَ متناهيةٍ بالربِّ تعالى، بل نُثبِتُ قيامَ أفعالٍ لا متناهيةٍ بالربِّ جلَّ وعلا؛ كما قال أئمَّةُ السلَفِ: «لم يزَلْ متكلِّمًا إذا شاء»، ولك أن تسمِّيَ عدمَ التناهي هذا، أو الحدوثَ شيئًا بعد شيءٍ: قِدَمًا نَوْعيًّا، فتقولُ: «أفعالُ اللهِ تعالى قديمةُ النوعِ»؛ بهذا الاعتبار.

وباعتبارِ أن كلَّ فردٍ فردٍ مِن أفرادِ هذه الأفعالِ سبَقهُ عدمُ نفسِهِ، فلك أن تسمِّيَها: «حادثةَ الآحادِ»؛ كما قال تعالى:

{مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}

[الأنبياء: 2].

وهذا معنى قولِهم: «كلامُهُ تعالى قديمُ النَّوْع، حادثُ الآحاد».

ولا يَلزَمُ استعمالُ هذه الألفاظِ؛ إذ القصدُ بها بيانُ المعنى. فينبغي أن يُعلَمَ أصلُ المسألةِ ومعناها؛ حتى يكونَ نظرُنا الأوَّلُ في الحقائقِ والمعاني، دون الألفاظِ والمباني، واللهُ أعلم.