نص السؤال
اعترَفَ عثمانُ بنُ عفَّانَ بوقوعِ اللحنِ في القرآن؛ وهذا يدُلُّ على وقوعِ التحريفِ فيه. |
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
لغةُ القرآن.
اللحنُ في القرآن.
حفظُ اللهِ لكتابِه.
الجواب التفصيلي
لا يُمكِنُ الاستدلالُ بالرواياتِ الآحاديَّةِ على القرآنِ المتواتِرِ القطعيِّ؛ فكيف إذا كانت رواياتٍ ضعيفةً، وبالإمكانِ تجليةُ هذا الإشكالِ مِن خلالِ النقاطِ التالية: أوَّلًا: أن المتأمِّلَ للرواياتِ التي يعتمِدُ عليها السؤالُ أعلاه، يجدُها رواياتٍ منقطِعةَ السنَدِ، بالإضافةِ إلى اضطرابِ متنِها. ولنعلِّقْ على تلك الروايات: فمثلًا: جاء في روايةٍ: أن عثمانَ رضيَ اللهُ عنه عندما عُرِضَ عليه المصحَفُ، قال: «أحسَنْتم، وأجمَلْتُم! إنَّ فيه لَحْنًا ستُقِيمُهُ العرَبُ بألسِنَتِها»؛ رواه ابنُ أبي داودَ في «المصاحف» (ص 120، 122). وقد ردَّ جماعةٌ مِن العلماءِ هذه الروايةَ، وقالوا عنها: بأنها ضعيفةُ الإسنادِ، ومنقطِعةٌ، وكذلك هي مضطرِبةُ المتن. وبالإضافةِ إلى ضعفِها، نجدُ أنه مِن غيرِ المنطقيِّ والمعقولِ: أن يمتدِحَ عثمانُ رضيَ اللهُ عنه عملًا كان مِن نتيجتِهِ حدوثُ لَحْنٍ في القرآنِ الكريم، مع عِلمِنا بمدى حرصِ الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم - ومنهم عثمانُ - على العنايةِ بكتابِ اللهِ بكلِّ وسيلةٍ ممكِنة، وكيف يُرسِلُ هذه المصاحفَ ويُنفِذُها إلى الأمصارِ والنواحي، وهي مشتمِلةٌ على هذا اللحن؟! وجاء في الروايةِ الثانيةِ: عن عِكرِمةَ، قال: «لما كُتِبَتِ المصاحفُ، عُرِضَتْ على عثمانَ؛ فوجَدَ فيها حروفًا مِن اللحنِ، فقال: «لا تغيِّرُوها؛ فإن العرَبَ ستغيِّرُها - أو قال: ستُعْرِبُها - بألسنتِها، لو كان الكاتبُ مِن ثَقِيفٍ، والمُمْلي مِن هُذَيلٍ، لم تُوجَدْ فيه هذه الحروفُ»؛ رواه أبو عُبَيدٍ في «فضائلِ القرآن» (ص 287، 341)، وابنُ أبي داودَ في «المصاحف» (ص 127). وهي روايةٌ ضعيفةٌ كذلك؛ لأن روايةَ عِكرِمةَ عن عثمانَ بنِ عفَّانَ مرسَلةٌ، كما هي عن أبي بكرٍ، وعليِّ بنِ أبي طالبٍ، وأزواجِ النبيِّ ^؛ كما في «جامعِ التحصيل» (ص239). ثانيًا: أن عدمَ اعتراضِ أحدٍ على قولِ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه - سواءٌ مِن الصحابةِ، أو مِن مُعارضي عثمانَ أنفُسِهم - على جمعِ المصحَفِ -: يَقدَحُ في ثبوتِ هذه الروايات. وسبَقَ أن أشَرْنا إلى أنه مِن غيرِ المعقولِ: أن يَمتدِحَ عثمانُ رضيَ اللهُ عنه وجودَ لحنٍ في القرآنِ الكريم، ويُرسِلَ به إلى الأمصارِ كذلك. كذلك لا يُمكِنُ بأيِّ حالٍ مِن الأحوالِ أن نصدِّقَ أن الصحابةَ الكرامَ رضي اللهُ عنهم سَمِعوا قولَ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه، ومع ذلك لم يَنبِسْ أحدُهم ببِنْتِ شَفَةٍ. فنحنُ نَعرِفُ أن عبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ - مثَلًا - كان له موقفٌ مِن «مصحفِ عثمانَ»؛ فهل كان سيسكُتُ في موقفٍ كهذا لو كان حدَثَ فِعلًا؟! لقد مدَحَ الصحابةُ، وأقَرُّوا فِعلَ عثمانَ في جمعِهِ للقرآنِ، وإحراقِهِ لبقيَّةِ المصاحفِ، ولو أنهم عَلِموا أن هناك أيَّ لحنٍ في جمعِ القرآن، لكان لهم موقفٌ مغايِرٌ تمامًا. واتِّفاقُ مصاحفِ الصحابةِ جميعِها على هذه الآياتِ - التي زعَموا أن فيها لحنًا - واتِّفاقُ المسلِمين على القراءةِ بها خلَفًا عن سلف -: دليلٌ على عدَمِ وقوعِ اللحنِ مِن الكاتب، بل يدُلُّ على أنها هكذا سُمِعَتْ مِن النبيِّ ^، وأنه يَتعذَّرُ وجودُ خطأٍ أو لحنٍ في جمعِ القرآنِ الكريمِ، ثم لا يُصلِحُها أحدٌ بعدَهم إلى يومِنا هذا، ولا حتى يتكلَّمَ عليها. ولا يُوجَدُ في القرآنِ العظيمِ حرفٌ واحدٌ، إلا وله وجهٌ صحيحٌ في العربيَّة؛ فالقرآنُ محفوظٌ مِن اللحنِ والزيادةِ والنقصان؛ قال تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فُصِّلت: 42]. وإذا افترَضْنا - جدلًا - صحَّةَ الروايتَيْنِ، فإن معرفتَنا بدقَّةِ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه في حفظِ القرآنِ الكريمِ، تَجعَلُنا نميلُ إلى التأويلِ القائلِ بأن قولَهُ: «لَحْنٌ»، محمولٌ على معناهُ اللغويِّ، أي: أن في رسمِ القرآنِ وكتابتِهِ في المصاحفِ وجهًا في القراءةِ، لا تَلِينُ به ألسِنةُ العرَبِ جميعًا، ولكنها لا تَلبَثُ أن تَلِينَ به ألسِنتُهم بالمِرَانِ، وكثرةِ تلاوةِ القرآن. وأخيرًا: فمِن أجمعِ ذلك ما أجاب به ابنُ تيميَّةَ؛ قال: «ومما يبيِّنُ كذبَ ذلك: أن عثمانَ لو قُدِّرَ ذلك فيه، فإنما رأى ذلك في نسخةٍ واحدةٍ، فإما أن تكونَ جميعُ المصاحفِ اتَّفقتْ على الغلطِ، وعثمانُ قد رآه في جميعِها، وسكَتَ؛ فهذا ممتنِعٌ - عادةً وشرعًا - مِن الذين كتَبوا، ومِن عثمانَ، ثم مِن المسلِمين الذين وصَلتْ إليهم المصاحفُ، ورأَوْا ما فيها، وهم يَحفَظون القرآنَ، ويَعلَمون أن فيه لحنًا لا يجوزُ في اللغةِ، فضلًا عن التلاوةِ، وكلُّهم يُقِرُّ هذا المنكَرَ لا يغيِّرُهُ أحدٌ؛ فهذا مما يُعلَمُ بطلانُهُ عادةً، ويُعلَمُ مِن دِينِ القومِ الذين لا يَجْتمِعون على ضلالةٍ، بل يأمُرونَ بكلِّ معروفٍ، ويَنهَوْنَ عن كلِّ منكَرٍ: أن يَدَعوا في كتابِ اللهِ منكَرًا لا يغيِّرُهُ أحدٌ منهم، مع أنهم لا غرَضَ لأحدٍ منهم في ذلك، ولو قيل لعثمانَ: «مُرِ الكاتبَ أن يغيِّرَهُ»، لكان تغييرُهُ مِن أسهلِ الأشياءِ عليه؛ فهذا ونحوُهُ مما يُوجِبُ القطعَ بخطأِ مَن زعَمَ أن في المصحفِ لحنًا أو غلَطًا،، وإن نُقِلَ ذلك عن بعضِ الناسِ ممن ليس قولُهُ حجَّةً، فالخطأُ جائزٌ عليه فيما قاله؛ بخلافِ الذين نقَلوا ما في المصحفِ، وكتَبوهُ، وقرَؤوهُ، فإن الغلَطَ ممتنِعٌ عليهم في ذلك ... وحينئذٍ: فقد عُلِمَ أن الصحابةَ إنما قرَؤوا كما علَّمهم الرسولُ، وكما هو لغةٌ للعرَبِ، ثم لغةُ قريشٍ». «مجموعُ الفتاوى» (15/253- 256). وينظر: «شرحُ شذورِ الذهَب» (ص 50). والحاصلُ: أن القرآنَ الكريمَ محفوظٌ مِن كلِّ نقصٍ أو تبديلٍ أو تحريفٍ أو لحنٍ، ووصولُهُ إلينا بتواتُرٍ منقطِعِ النظيرِ، لا يُمكِنُ رَفْعُهُ برواياتِ آحادٍ حتى وإن ثبَتَتْ؛ فكيف وهي رواياتٌ ضعيفةٌ لا تثبُت، مع مخالَفتِها للعقلِ والتاريخ؟! |
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
حول مدى صحَّةِ ما نُسِبَ إلى عثمانَ رضيَ اللهُ عنه مِن أن في القرآنِ لَحْنًا.
مختصَرُ الإجابة:
ما نُسِبَ إلى عثمانَ رضيَ اللهُ عنه مِن وقوعِ لحنٍ في القرآن، ليس صحيحًا، وكلُّها رواياتٌ ضعيفةٌ لا تثبُتُ، ثم إن الصحابةَ كانوا شهودًا على ما قاله وفعَلهُ عثمان، ولا يُمكِنُ أن يسكُتوا، ولا يعترِضوا عليه؛ لو أن ما ورَدَ في السؤالِ حدَثَ حقًّا؛ فإن هذا ممتنِعٌ عادةً وشرعًا؛ مِن الذين كتَبوا، ومِن عثمانَ رضي الله عنه؛ هذا مع وجودِ معارِضين لعثمانَ، ولم يذكُرُوا شيئًا مِن ذلك.
وقد عُلِمَ أن الصحابةَ إنما قرَؤوا كما علَّمهم الرسولُ ^، وكما هو لغةٌ للعرَبِ، ثم لغةُ قريشٍ.
والحاصلُ: أن القرآنَ محفوظٌ مِن اللحنِ والزيادةِ والنقصان، وقد وصَلَ إلينا بتواتُرٍ منقطِعِ النظيرِ، لا يُمكِنُ رَفْعُهُ برواياتِ آحادٍ حتى وإن ثبَتَتْ؛ فكيف وهي رواياتٌ ضعيفةٌ لا تثبُتُ، مع مخالَفتِها للعقلِ والتاريخ،
ولقولِ اللهِ تعالى:
{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}
[فُصِّلت: 42]؟!
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
حول مدى صحَّةِ ما نُسِبَ إلى عثمانَ رضيَ اللهُ عنه مِن أن في القرآنِ لَحْنًا.
مختصَرُ الإجابة:
ما نُسِبَ إلى عثمانَ رضيَ اللهُ عنه مِن وقوعِ لحنٍ في القرآن، ليس صحيحًا، وكلُّها رواياتٌ ضعيفةٌ لا تثبُتُ، ثم إن الصحابةَ كانوا شهودًا على ما قاله وفعَلهُ عثمان، ولا يُمكِنُ أن يسكُتوا، ولا يعترِضوا عليه؛ لو أن ما ورَدَ في السؤالِ حدَثَ حقًّا؛ فإن هذا ممتنِعٌ عادةً وشرعًا؛ مِن الذين كتَبوا، ومِن عثمانَ رضي الله عنه؛ هذا مع وجودِ معارِضين لعثمانَ، ولم يذكُرُوا شيئًا مِن ذلك.
وقد عُلِمَ أن الصحابةَ إنما قرَؤوا كما علَّمهم الرسولُ ^، وكما هو لغةٌ للعرَبِ، ثم لغةُ قريشٍ.
والحاصلُ: أن القرآنَ محفوظٌ مِن اللحنِ والزيادةِ والنقصان، وقد وصَلَ إلينا بتواتُرٍ منقطِعِ النظيرِ، لا يُمكِنُ رَفْعُهُ برواياتِ آحادٍ حتى وإن ثبَتَتْ؛ فكيف وهي رواياتٌ ضعيفةٌ لا تثبُتُ، مع مخالَفتِها للعقلِ والتاريخ،
ولقولِ اللهِ تعالى:
{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}
[فُصِّلت: 42]؟!
الجواب التفصيلي
لا يُمكِنُ الاستدلالُ بالرواياتِ الآحاديَّةِ على القرآنِ المتواتِرِ القطعيِّ؛ فكيف إذا كانت رواياتٍ ضعيفةً، وبالإمكانِ تجليةُ هذا الإشكالِ مِن خلالِ النقاطِ التالية: أوَّلًا: أن المتأمِّلَ للرواياتِ التي يعتمِدُ عليها السؤالُ أعلاه، يجدُها رواياتٍ منقطِعةَ السنَدِ، بالإضافةِ إلى اضطرابِ متنِها. ولنعلِّقْ على تلك الروايات: فمثلًا: جاء في روايةٍ: أن عثمانَ رضيَ اللهُ عنه عندما عُرِضَ عليه المصحَفُ، قال: «أحسَنْتم، وأجمَلْتُم! إنَّ فيه لَحْنًا ستُقِيمُهُ العرَبُ بألسِنَتِها»؛ رواه ابنُ أبي داودَ في «المصاحف» (ص 120، 122). وقد ردَّ جماعةٌ مِن العلماءِ هذه الروايةَ، وقالوا عنها: بأنها ضعيفةُ الإسنادِ، ومنقطِعةٌ، وكذلك هي مضطرِبةُ المتن. وبالإضافةِ إلى ضعفِها، نجدُ أنه مِن غيرِ المنطقيِّ والمعقولِ: أن يمتدِحَ عثمانُ رضيَ اللهُ عنه عملًا كان مِن نتيجتِهِ حدوثُ لَحْنٍ في القرآنِ الكريم، مع عِلمِنا بمدى حرصِ الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم - ومنهم عثمانُ - على العنايةِ بكتابِ اللهِ بكلِّ وسيلةٍ ممكِنة، وكيف يُرسِلُ هذه المصاحفَ ويُنفِذُها إلى الأمصارِ والنواحي، وهي مشتمِلةٌ على هذا اللحن؟! وجاء في الروايةِ الثانيةِ: عن عِكرِمةَ، قال: «لما كُتِبَتِ المصاحفُ، عُرِضَتْ على عثمانَ؛ فوجَدَ فيها حروفًا مِن اللحنِ، فقال: «لا تغيِّرُوها؛ فإن العرَبَ ستغيِّرُها - أو قال: ستُعْرِبُها - بألسنتِها، لو كان الكاتبُ مِن ثَقِيفٍ، والمُمْلي مِن هُذَيلٍ، لم تُوجَدْ فيه هذه الحروفُ»؛ رواه أبو عُبَيدٍ في «فضائلِ القرآن» (ص 287، 341)، وابنُ أبي داودَ في «المصاحف» (ص 127). وهي روايةٌ ضعيفةٌ كذلك؛ لأن روايةَ عِكرِمةَ عن عثمانَ بنِ عفَّانَ مرسَلةٌ، كما هي عن أبي بكرٍ، وعليِّ بنِ أبي طالبٍ، وأزواجِ النبيِّ ^؛ كما في «جامعِ التحصيل» (ص239). ثانيًا: أن عدمَ اعتراضِ أحدٍ على قولِ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه - سواءٌ مِن الصحابةِ، أو مِن مُعارضي عثمانَ أنفُسِهم - على جمعِ المصحَفِ -: يَقدَحُ في ثبوتِ هذه الروايات. وسبَقَ أن أشَرْنا إلى أنه مِن غيرِ المعقولِ: أن يَمتدِحَ عثمانُ رضيَ اللهُ عنه وجودَ لحنٍ في القرآنِ الكريم، ويُرسِلَ به إلى الأمصارِ كذلك. كذلك لا يُمكِنُ بأيِّ حالٍ مِن الأحوالِ أن نصدِّقَ أن الصحابةَ الكرامَ رضي اللهُ عنهم سَمِعوا قولَ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه، ومع ذلك لم يَنبِسْ أحدُهم ببِنْتِ شَفَةٍ. فنحنُ نَعرِفُ أن عبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ - مثَلًا - كان له موقفٌ مِن «مصحفِ عثمانَ»؛ فهل كان سيسكُتُ في موقفٍ كهذا لو كان حدَثَ فِعلًا؟! لقد مدَحَ الصحابةُ، وأقَرُّوا فِعلَ عثمانَ في جمعِهِ للقرآنِ، وإحراقِهِ لبقيَّةِ المصاحفِ، ولو أنهم عَلِموا أن هناك أيَّ لحنٍ في جمعِ القرآن، لكان لهم موقفٌ مغايِرٌ تمامًا. واتِّفاقُ مصاحفِ الصحابةِ جميعِها على هذه الآياتِ - التي زعَموا أن فيها لحنًا - واتِّفاقُ المسلِمين على القراءةِ بها خلَفًا عن سلف -: دليلٌ على عدَمِ وقوعِ اللحنِ مِن الكاتب، بل يدُلُّ على أنها هكذا سُمِعَتْ مِن النبيِّ ^، وأنه يَتعذَّرُ وجودُ خطأٍ أو لحنٍ في جمعِ القرآنِ الكريمِ، ثم لا يُصلِحُها أحدٌ بعدَهم إلى يومِنا هذا، ولا حتى يتكلَّمَ عليها. ولا يُوجَدُ في القرآنِ العظيمِ حرفٌ واحدٌ، إلا وله وجهٌ صحيحٌ في العربيَّة؛ فالقرآنُ محفوظٌ مِن اللحنِ والزيادةِ والنقصان؛ قال تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فُصِّلت: 42]. وإذا افترَضْنا - جدلًا - صحَّةَ الروايتَيْنِ، فإن معرفتَنا بدقَّةِ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه في حفظِ القرآنِ الكريمِ، تَجعَلُنا نميلُ إلى التأويلِ القائلِ بأن قولَهُ: «لَحْنٌ»، محمولٌ على معناهُ اللغويِّ، أي: أن في رسمِ القرآنِ وكتابتِهِ في المصاحفِ وجهًا في القراءةِ، لا تَلِينُ به ألسِنةُ العرَبِ جميعًا، ولكنها لا تَلبَثُ أن تَلِينَ به ألسِنتُهم بالمِرَانِ، وكثرةِ تلاوةِ القرآن. وأخيرًا: فمِن أجمعِ ذلك ما أجاب به ابنُ تيميَّةَ؛ قال: «ومما يبيِّنُ كذبَ ذلك: أن عثمانَ لو قُدِّرَ ذلك فيه، فإنما رأى ذلك في نسخةٍ واحدةٍ، فإما أن تكونَ جميعُ المصاحفِ اتَّفقتْ على الغلطِ، وعثمانُ قد رآه في جميعِها، وسكَتَ؛ فهذا ممتنِعٌ - عادةً وشرعًا - مِن الذين كتَبوا، ومِن عثمانَ، ثم مِن المسلِمين الذين وصَلتْ إليهم المصاحفُ، ورأَوْا ما فيها، وهم يَحفَظون القرآنَ، ويَعلَمون أن فيه لحنًا لا يجوزُ في اللغةِ، فضلًا عن التلاوةِ، وكلُّهم يُقِرُّ هذا المنكَرَ لا يغيِّرُهُ أحدٌ؛ فهذا مما يُعلَمُ بطلانُهُ عادةً، ويُعلَمُ مِن دِينِ القومِ الذين لا يَجْتمِعون على ضلالةٍ، بل يأمُرونَ بكلِّ معروفٍ، ويَنهَوْنَ عن كلِّ منكَرٍ: أن يَدَعوا في كتابِ اللهِ منكَرًا لا يغيِّرُهُ أحدٌ منهم، مع أنهم لا غرَضَ لأحدٍ منهم في ذلك، ولو قيل لعثمانَ: «مُرِ الكاتبَ أن يغيِّرَهُ»، لكان تغييرُهُ مِن أسهلِ الأشياءِ عليه؛ فهذا ونحوُهُ مما يُوجِبُ القطعَ بخطأِ مَن زعَمَ أن في المصحفِ لحنًا أو غلَطًا،، وإن نُقِلَ ذلك عن بعضِ الناسِ ممن ليس قولُهُ حجَّةً، فالخطأُ جائزٌ عليه فيما قاله؛ بخلافِ الذين نقَلوا ما في المصحفِ، وكتَبوهُ، وقرَؤوهُ، فإن الغلَطَ ممتنِعٌ عليهم في ذلك ... وحينئذٍ: فقد عُلِمَ أن الصحابةَ إنما قرَؤوا كما علَّمهم الرسولُ، وكما هو لغةٌ للعرَبِ، ثم لغةُ قريشٍ». «مجموعُ الفتاوى» (15/253- 256). وينظر: «شرحُ شذورِ الذهَب» (ص 50). والحاصلُ: أن القرآنَ الكريمَ محفوظٌ مِن كلِّ نقصٍ أو تبديلٍ أو تحريفٍ أو لحنٍ، ووصولُهُ إلينا بتواتُرٍ منقطِعِ النظيرِ، لا يُمكِنُ رَفْعُهُ برواياتِ آحادٍ حتى وإن ثبَتَتْ؛ فكيف وهي رواياتٌ ضعيفةٌ لا تثبُت، مع مخالَفتِها للعقلِ والتاريخ؟! |