نص السؤال

ادعاء أن موسى وهارون - عليهما السلام - لم يكونا مؤمنين، وأن موسى - عليه السلام - وصى قومه بسرقة المصريين

المصدر: شبهات المشككين في الإسلام

الجواب التفصيلي

ادعاء أن موسى وهارون - عليهما السلام - لم يكونا مؤمنين، وأن موسى - عليه السلام - وصى قومه بسرقة المصريين (*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المتوهمين أن موسى وهارون - عليهما السلام - لم يكونا مؤمنين بالله، بدليل أن الله تعالى قال في التوراة لموسى عليه السلام: "إنكما لم تؤمنا بي ولم تقدساني على عيون بني إسرائيل؛ لذلك لا تدخلان أنتما وهؤلاء الجماعة الأرض التي أعطيها لهم"، لذا وصى قومه أن يسرقوا من المصريين حليهم وأمتعتهم[1]عند خروجه من مصر اعتمادا على ما ورد في سفر الخروج.

وجها إبطال الشبهة:

1)  دعوة الأنبياء قوامها الإيمان بالله - عز وجل - وتوحيده، ولا يعقل أن يدعو إلى الإيمان من لم يؤمن.

2) لم يثبت عن موسى - عليه السلام - أنه وصى قومه بالسرقة، وهذا التحريف واقع من اليهود؛ لإضفاء الشرعية على جرائمهم ضد غير اليهود.

التفصيل:

أولا. دعوة الأنبياء قائمة على الإيمان بالله تعالى وتوحيده، فكيف يصبح نبيا دون أن يؤمن بالله؟! وكيف يدعو إلى ما لم يؤمن به ويعتقده؟!

من المعلوم أن وظيفة الأنبياء هي دعوة البشرية إلى الإيمان بالله وحده، لا شريك له، وتخليص العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. ويظهر هذا جليا في دعوة موسى وهارون - عليهما السلام - لفرعون إلى عبادة رب العالمين، فحينما سأل فرعون موسىعليه السلام: من ربك؟ من رب العالمين؟ قال موسى: ربنا الذي خلقنا وهدانا وجعل لنا الأرض ممهدة لنتخذ فيها مسالك وطرقا، وأنزل من السماء ماء، فأخرج به أزواجا من نبات شتى، ربنا رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم مؤمنين، واستمر موسى - عليه السلام - في تعريف فرعون والحاضرين حقيقة الألوهية، ومن هو الله الذي تجب عبادته فقال: رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون[2].

فالله - سبحانه وتعالى - أرسل موسى وهارون - عليهما السلام - لفرعون وملئه ليدعواه إلى عبادة الله وحده عبادة رب العالمين، فكيف يرسلهما الله لهذه المهمة، وهما غير مؤمنين به؟! وكيف يدعوان إلى ما لم يؤمنا به، ويعتقدا صحته؟!

ونتساءل: كيف ينكر هؤلاء إيمان موسى - عليه السلام - وقد صرحت التوراة به؟!

فقد جاء في سفر الخروج ما نصه: "والآن هوذا صراخ بني إسرائيل قد أتى إلى، ورأيت أيضا الضيقة التي يضايقهم بها المصريون، فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون، وتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر"، فقال موسى لله: "من أنا حتى أذهب إلى فرعون، وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر؟" فقال: "إني أكون معك، وهذه تكون لك العلامة أني أرسلتك: حينما تخرج الشعب من مصر، تعبدون الله على هذا الجبل" فقال موسى لله: "ها أنا آتي إلى بني إسرائيل وأقول لهم: إله آبائكم أرسلني إليكم. فإذا قالوا لي: ما اسمه؟ فماذا أقول لهم؟" فقال الله لموسي: "أهيه الذي أهيه" وقال: هكذا تقول لبني إسرائيل: أهيه أرسلني إليكم". (الخروج 3: 9ـ 14).

فهذا نص صريح على أن موسى - عليه السلام - دعا بني إسرائيل إلى الإيمان بالله رب العالمين، وكان ذلك هو السبب في اضطهاد فرعون له ولمن آمن معه، وتعذيبه لهم على النحو الذي صرح به القرآن الكريم في غير موضع، ومن تلك المواضع التي جمعت دعوة موسى - عليه السلام - لفرعون إلى الإيمان بالله وحده ووعيد فرعون لموسى - عليه السلام - لئن اتخذ إلها غيره ليسجننه، ثم وعيده لمن اتبع موسى ليقطعن أيديهم وأرجلهم من خلاف وليصلبنهم من تلك المواضع سورة الشعراء،

قال الله تعالى حاكيا ما حدث:

(قال فرعون وما رب العالمين (23) قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين (24) قـال لمـن حولـه ألا تستمعـون (25) قـال ربكـم ورب آبائكــم الأوليـــن (26) قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون (27) قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون (28) قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين (29) قال أولو جئتك بشيء مبين (30) قال فأت به إن كنت من الصادقين (31) فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين (32) ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين (33) قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم (34) يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون (35) قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين (36) يأتـوك بكـل سحـار عليــم (37) فجمع السحرة لميقات يوم معلوم (38) وقيل للناس هل أنتم مجتمعون (39) لعلنـا نتبـع السحـرة إن كانـوا هـم الغالبيـن (40) فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين (41) قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين (42) قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون (43) فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون (44) فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون (45) فألقي السحرة ساجدين (46) قالوا آمنا برب العالمين (47) رب موسى وهارون (48) قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين (49) قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون (50)

(الشعراء)

فهل يأتي أحد بعد ذلك وينكر إيمان موسى عليه السلام، ولو لم يكن موسى - عليه السلام - مؤمنا فلماذا عاداه فرعون وملؤه؟

ثانيا. لم يثبت عن موسى - عليه السلام - أنه وصى قومه بالسرق؛ فكيف يأمر بالسرقة وهو صاحب الرسالة الربانية التي تأمر بالعدل والإحسان، وتنهى عن الفحشاء والمنكر؟!

إن هذا الزعم - توصية موسى - عليه السلام - بالسرقة - أمر لا دليل عليه - نقلا أو عقلا - فهو لا يتفق مع مقام النبوة ومنزلة كليم الله وواحد من أولي العزم من الرسل.. إنه - عليه السلام - خرج بقومه من مصر مستخفين أحرص ما يكون على سرية هذا الخروج. فعندما أراد الله - عز وجل - إنقاذ بني إسرائيل من شر فرعون وقومه، أوحى إلى موسى - عليه السلام - بقوله:

(ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى)

(طه:77) [3].

اتفق - عليه السلام - موسى مع بني إسرائيل على الخروج من مصر، والذهاب إلى الأرض المقدسة "فلسطين" التي كتبها الله لهم، وأعد عدته معهم، ثم سار بهم ليلا من أرض مصر مستخفين حريصين أن يكون خروجهم هذا سريا؛ حتي لا يشعر به فرعون وقومه، فتصيبهم ألوان من العذاب. فكيف يكون خروجهم بهذه الطريقة، ثم يأمر موسى - عليه السلام - قومه بسرقة أمتعة المصريين وحليهم، أليس هذا مخالفا للعقل؟!

لقد كتب الله في الألواح التي أعطاها له ولقومه هذه الوصايا العشر وهي معظم التوراة، وعليها مدار كل شريعة، وهي الأخلاق التي دعا الله إليها موسى وهارون - عليهما السلام - وبني إسرائيل، وهي:

"بسم الله؛ هذا كتاب من عند الله الملك العزيز القهار ورسوله موسى بن عمران، أن سبحني وقدسني، لا إله إلا أنا فاعبدني، ولا تشرك بي شيئا، واشكر لي ولوالديك إلي المصير؛ أحييك حياة طيبة، ولا تقتل النفس التي حرم الله عليك؛ فأضيق عليك السماء بأقطارها، والأرض برحبها، ولا تحلف باسمي كاذبا؛ فإني لا أطهر ولا أزكى من لا يعظم اسمي، ولا تشهد بما لا يعي سمعك ولا تنظر عينك ولا يقف عليه قلبك؛ فإني أوقف أهل الشهادات على شهاداتهم يوم القيامة وأسألهم عنها، ولا تحسد الناس على ما آتيتهم من فضلي ورزقي؛ فإن الحاسد عدو نعمتي ساخط لقسمتي، ولا تزن ولا تسرق؛ فأحجب عنك وجهي وأغلق دون دعوتك أبواب السماوات، ولا تذبح لغيري فإنه لا يصعد إلى من قربان أهل الأرض إلا ما ذكر عليه اسمي، ولا تفجر بحليلة جارك فإنه أكبر مقتا عندي، وأحب للناس ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكرهه لنفسك".

فقد نهى الله موسى - عليه السلام - في تلك الوصايا عن السرقة، وتلك الوصايا العشر، أو الأخلاق العشر، التي أعطاها الله لنبيه موسى - عليه السلام - قد أعطاها جميعها لنبيه وحبيبه العظيم محمد - صلى الله عليه وسلم - في ثلاث آيات من سورة الأنعام:

(قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفـس التي حـرم الله إلا بالحـق ذلكـم وصاكـم به لعلكـم تعقلـون (151) ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون (152) وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون (153)

(الأنعام)

وقد فصلها الله تبارك وتعالى في آيات أخر[4].

أبعد هذا كله يحق لهؤلاء أن يتهموا الأنبياء بهذه التهم الشنيعة التي لا يرضاها العقل والمنطق، فضلا عن أصحاب العقائد السليمة والفطر القويمة؟!

الخلاصة:

·   موسى وهارون - عليهما السلام - نبيان من عند الله - سبحانه وتعالى - ووظيفة النبي هي الدعوة إلى الإيمان بالله وحده لا شريك له، وتوحيده - عز وجل - وقبل أن يدعو النبي إلى ذلك - لا بد أن يؤمن هو أولا بذلك ويقتنع به؛ لأنه لا يعقل أن يدعو أحد إلى شيء لا يؤمن به.

·   توصية موسى - عليه السلام - قومه بسرقة المصريين زعم لا دليل عليه، ولا تتفق مع مقام النبوة، ومنزلة كليم الله، وواحد من أولي العزم من الرسل. فضلا عن أنه خرج من مصر بقومه مستخفيا، هاربا من فرعون وقومه، فكيف يأمر بما يثير القوم، ويهيجهم؟!

·   جاء في الوصايا العشر لموسى - عليه السلام - من الله - عز وجل - ألا يسرق؛ فإن السرقة تحجب عن العبد وجه ربه، وتغلق دون دعواته أبواب السماء فلا ترفع.

المراجع

  1. (*) الوحي القرآني في المنظور الاستشراقي ونقده، د. محمود ماضي، دار الدعوة، مصر، 1996م. 
  2.  الأمتعة: كل ما ينتفع به ويرغب في اقتنائه؛ كالطعام وأثاث المنزل. 
  3.  حياة وأخلاق الأنبياء، د. أحمد الصباحي عوض الله، مكتبة مدبولي، القاهرة، دار اقرأ، بيروت، ط1، 1403هـ/ 1983م، ص187. 
  4. حياة وأخلاق الأنبياء، د. أحمد الصباحي عوض الله، مكتبة مدبولي، القاهرة، دار اقرأ، بيروت، ط1، 1403هـ/ 1983م، ص197.
  5. حياة وأخلاق الأنبياء، د. أحمد الصباحي عوض الله، مكتبة مدبولي، القاهرة، دار اقرأ، بيروت، ط1، 1403هـ/ 1983م، ص203، 204.

الجواب التفصيلي

ادعاء أن موسى وهارون - عليهما السلام - لم يكونا مؤمنين، وأن موسى - عليه السلام - وصى قومه بسرقة المصريين (*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المتوهمين أن موسى وهارون - عليهما السلام - لم يكونا مؤمنين بالله، بدليل أن الله تعالى قال في التوراة لموسى عليه السلام: "إنكما لم تؤمنا بي ولم تقدساني على عيون بني إسرائيل؛ لذلك لا تدخلان أنتما وهؤلاء الجماعة الأرض التي أعطيها لهم"، لذا وصى قومه أن يسرقوا من المصريين حليهم وأمتعتهم[1]عند خروجه من مصر اعتمادا على ما ورد في سفر الخروج.

وجها إبطال الشبهة:

1)  دعوة الأنبياء قوامها الإيمان بالله - عز وجل - وتوحيده، ولا يعقل أن يدعو إلى الإيمان من لم يؤمن.

2) لم يثبت عن موسى - عليه السلام - أنه وصى قومه بالسرقة، وهذا التحريف واقع من اليهود؛ لإضفاء الشرعية على جرائمهم ضد غير اليهود.

التفصيل:

أولا. دعوة الأنبياء قائمة على الإيمان بالله تعالى وتوحيده، فكيف يصبح نبيا دون أن يؤمن بالله؟! وكيف يدعو إلى ما لم يؤمن به ويعتقده؟!

من المعلوم أن وظيفة الأنبياء هي دعوة البشرية إلى الإيمان بالله وحده، لا شريك له، وتخليص العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. ويظهر هذا جليا في دعوة موسى وهارون - عليهما السلام - لفرعون إلى عبادة رب العالمين، فحينما سأل فرعون موسىعليه السلام: من ربك؟ من رب العالمين؟ قال موسى: ربنا الذي خلقنا وهدانا وجعل لنا الأرض ممهدة لنتخذ فيها مسالك وطرقا، وأنزل من السماء ماء، فأخرج به أزواجا من نبات شتى، ربنا رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم مؤمنين، واستمر موسى - عليه السلام - في تعريف فرعون والحاضرين حقيقة الألوهية، ومن هو الله الذي تجب عبادته فقال: رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون[2].

فالله - سبحانه وتعالى - أرسل موسى وهارون - عليهما السلام - لفرعون وملئه ليدعواه إلى عبادة الله وحده عبادة رب العالمين، فكيف يرسلهما الله لهذه المهمة، وهما غير مؤمنين به؟! وكيف يدعوان إلى ما لم يؤمنا به، ويعتقدا صحته؟!

ونتساءل: كيف ينكر هؤلاء إيمان موسى - عليه السلام - وقد صرحت التوراة به؟!

فقد جاء في سفر الخروج ما نصه: "والآن هوذا صراخ بني إسرائيل قد أتى إلى، ورأيت أيضا الضيقة التي يضايقهم بها المصريون، فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون، وتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر"، فقال موسى لله: "من أنا حتى أذهب إلى فرعون، وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر؟" فقال: "إني أكون معك، وهذه تكون لك العلامة أني أرسلتك: حينما تخرج الشعب من مصر، تعبدون الله على هذا الجبل" فقال موسى لله: "ها أنا آتي إلى بني إسرائيل وأقول لهم: إله آبائكم أرسلني إليكم. فإذا قالوا لي: ما اسمه؟ فماذا أقول لهم؟" فقال الله لموسي: "أهيه الذي أهيه" وقال: هكذا تقول لبني إسرائيل: أهيه أرسلني إليكم". (الخروج 3: 9ـ 14).

فهذا نص صريح على أن موسى - عليه السلام - دعا بني إسرائيل إلى الإيمان بالله رب العالمين، وكان ذلك هو السبب في اضطهاد فرعون له ولمن آمن معه، وتعذيبه لهم على النحو الذي صرح به القرآن الكريم في غير موضع، ومن تلك المواضع التي جمعت دعوة موسى - عليه السلام - لفرعون إلى الإيمان بالله وحده ووعيد فرعون لموسى - عليه السلام - لئن اتخذ إلها غيره ليسجننه، ثم وعيده لمن اتبع موسى ليقطعن أيديهم وأرجلهم من خلاف وليصلبنهم من تلك المواضع سورة الشعراء،

قال الله تعالى حاكيا ما حدث:

(قال فرعون وما رب العالمين (23) قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين (24) قـال لمـن حولـه ألا تستمعـون (25) قـال ربكـم ورب آبائكــم الأوليـــن (26) قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون (27) قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون (28) قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين (29) قال أولو جئتك بشيء مبين (30) قال فأت به إن كنت من الصادقين (31) فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين (32) ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين (33) قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم (34) يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون (35) قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين (36) يأتـوك بكـل سحـار عليــم (37) فجمع السحرة لميقات يوم معلوم (38) وقيل للناس هل أنتم مجتمعون (39) لعلنـا نتبـع السحـرة إن كانـوا هـم الغالبيـن (40) فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين (41) قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين (42) قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون (43) فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون (44) فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون (45) فألقي السحرة ساجدين (46) قالوا آمنا برب العالمين (47) رب موسى وهارون (48) قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين (49) قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون (50)

(الشعراء)

فهل يأتي أحد بعد ذلك وينكر إيمان موسى عليه السلام، ولو لم يكن موسى - عليه السلام - مؤمنا فلماذا عاداه فرعون وملؤه؟

ثانيا. لم يثبت عن موسى - عليه السلام - أنه وصى قومه بالسرق؛ فكيف يأمر بالسرقة وهو صاحب الرسالة الربانية التي تأمر بالعدل والإحسان، وتنهى عن الفحشاء والمنكر؟!

إن هذا الزعم - توصية موسى - عليه السلام - بالسرقة - أمر لا دليل عليه - نقلا أو عقلا - فهو لا يتفق مع مقام النبوة ومنزلة كليم الله وواحد من أولي العزم من الرسل.. إنه - عليه السلام - خرج بقومه من مصر مستخفين أحرص ما يكون على سرية هذا الخروج. فعندما أراد الله - عز وجل - إنقاذ بني إسرائيل من شر فرعون وقومه، أوحى إلى موسى - عليه السلام - بقوله:

(ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى)

(طه:77) [3].

اتفق - عليه السلام - موسى مع بني إسرائيل على الخروج من مصر، والذهاب إلى الأرض المقدسة "فلسطين" التي كتبها الله لهم، وأعد عدته معهم، ثم سار بهم ليلا من أرض مصر مستخفين حريصين أن يكون خروجهم هذا سريا؛ حتي لا يشعر به فرعون وقومه، فتصيبهم ألوان من العذاب. فكيف يكون خروجهم بهذه الطريقة، ثم يأمر موسى - عليه السلام - قومه بسرقة أمتعة المصريين وحليهم، أليس هذا مخالفا للعقل؟!

لقد كتب الله في الألواح التي أعطاها له ولقومه هذه الوصايا العشر وهي معظم التوراة، وعليها مدار كل شريعة، وهي الأخلاق التي دعا الله إليها موسى وهارون - عليهما السلام - وبني إسرائيل، وهي:

"بسم الله؛ هذا كتاب من عند الله الملك العزيز القهار ورسوله موسى بن عمران، أن سبحني وقدسني، لا إله إلا أنا فاعبدني، ولا تشرك بي شيئا، واشكر لي ولوالديك إلي المصير؛ أحييك حياة طيبة، ولا تقتل النفس التي حرم الله عليك؛ فأضيق عليك السماء بأقطارها، والأرض برحبها، ولا تحلف باسمي كاذبا؛ فإني لا أطهر ولا أزكى من لا يعظم اسمي، ولا تشهد بما لا يعي سمعك ولا تنظر عينك ولا يقف عليه قلبك؛ فإني أوقف أهل الشهادات على شهاداتهم يوم القيامة وأسألهم عنها، ولا تحسد الناس على ما آتيتهم من فضلي ورزقي؛ فإن الحاسد عدو نعمتي ساخط لقسمتي، ولا تزن ولا تسرق؛ فأحجب عنك وجهي وأغلق دون دعوتك أبواب السماوات، ولا تذبح لغيري فإنه لا يصعد إلى من قربان أهل الأرض إلا ما ذكر عليه اسمي، ولا تفجر بحليلة جارك فإنه أكبر مقتا عندي، وأحب للناس ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكرهه لنفسك".

فقد نهى الله موسى - عليه السلام - في تلك الوصايا عن السرقة، وتلك الوصايا العشر، أو الأخلاق العشر، التي أعطاها الله لنبيه موسى - عليه السلام - قد أعطاها جميعها لنبيه وحبيبه العظيم محمد - صلى الله عليه وسلم - في ثلاث آيات من سورة الأنعام:

(قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفـس التي حـرم الله إلا بالحـق ذلكـم وصاكـم به لعلكـم تعقلـون (151) ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون (152) وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون (153)

(الأنعام)

وقد فصلها الله تبارك وتعالى في آيات أخر[4].

أبعد هذا كله يحق لهؤلاء أن يتهموا الأنبياء بهذه التهم الشنيعة التي لا يرضاها العقل والمنطق، فضلا عن أصحاب العقائد السليمة والفطر القويمة؟!

الخلاصة:

·   موسى وهارون - عليهما السلام - نبيان من عند الله - سبحانه وتعالى - ووظيفة النبي هي الدعوة إلى الإيمان بالله وحده لا شريك له، وتوحيده - عز وجل - وقبل أن يدعو النبي إلى ذلك - لا بد أن يؤمن هو أولا بذلك ويقتنع به؛ لأنه لا يعقل أن يدعو أحد إلى شيء لا يؤمن به.

·   توصية موسى - عليه السلام - قومه بسرقة المصريين زعم لا دليل عليه، ولا تتفق مع مقام النبوة، ومنزلة كليم الله، وواحد من أولي العزم من الرسل. فضلا عن أنه خرج من مصر بقومه مستخفيا، هاربا من فرعون وقومه، فكيف يأمر بما يثير القوم، ويهيجهم؟!

·   جاء في الوصايا العشر لموسى - عليه السلام - من الله - عز وجل - ألا يسرق؛ فإن السرقة تحجب عن العبد وجه ربه، وتغلق دون دعواته أبواب السماء فلا ترفع.

المراجع

  1. (*) الوحي القرآني في المنظور الاستشراقي ونقده، د. محمود ماضي، دار الدعوة، مصر، 1996م. 
  2.  الأمتعة: كل ما ينتفع به ويرغب في اقتنائه؛ كالطعام وأثاث المنزل. 
  3.  حياة وأخلاق الأنبياء، د. أحمد الصباحي عوض الله، مكتبة مدبولي، القاهرة، دار اقرأ، بيروت، ط1، 1403هـ/ 1983م، ص187. 
  4. حياة وأخلاق الأنبياء، د. أحمد الصباحي عوض الله، مكتبة مدبولي، القاهرة، دار اقرأ، بيروت، ط1، 1403هـ/ 1983م، ص197.
  5. حياة وأخلاق الأنبياء، د. أحمد الصباحي عوض الله، مكتبة مدبولي، القاهرة، دار اقرأ، بيروت، ط1، 1403هـ/ 1983م، ص203، 204.