نص السؤال

الزعم أن حمارًا أفضل من نبي

المصدر: شبهات المشككين في الإسلام

الجواب التفصيلي

الزعم أن حمارا أفضل من نبي(*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المتوهمين أن الحمار أفضل من النبي، مستدلين على ذلك بأنه كان هناك نبي من الأنبياء أغراه أحد الملوك بالمال، فضل الطريق ولم يسمع لكلام الله، وسمع كلام الملك، فأرسل الله له ملاكا، فلم يره النبي، وكان هناك حمار، فرأى الحمار الملاك ولم يره النبي. ويقول هؤلاء: ما المانع في أن يرى الحمار الملاك بقوة الله، ولم يره النبي؛ لأنه استجاب للشيطان، هادفين من وراء ذلك إلى الحط من قدر الأنبياء ومكانتهم.

وجها إبطال الشبهة:

1)  الأنبياء - عليهم السلام - معصومون ومصطفون من قبل الله - عز وجل - فكيف يضل نبي لدرجة أن يفضله حمار؟!!

2)  لا عجب أن يفضل هؤلاء الجهلة الحمار على النبي، فإرثهم الثقافي من الكتاب المقدس، ومعتقدهم الديني يسمحان لهم بذلك، فقد اتهمت التوراة الأنبياء بأخس الصفات.

التفصيل:

أولا. الأنبياء - عليهم السلام - معصومون ومصطفون من قبل الله - سبحانه وتعالى - فكيف يضل نبي بهذه الدرجة حتى يفضله حمار؟!

إن العجب ليملأ العقول والقلوب والأذهان حينما يدعي هؤلاء القوم هذا الادعاء؛ إذ كيف يضل نبي بسماعه كلام ملك مع علمه بأن الله هو ملك الملوك والملكوت، وكيف يزل هذا النبي وهو معصوم؟! لأن كل الأنبياء معصومون، فلن تجد في حياة أي منهم أي انحراف مقصود؛ لأنهم ليسوا أخيارا فحسب، بل إنهم مصطفون من بين أفضل الأخيار، وهؤلاء لا يقترفون - طوال حياتهم - أي شيء يلقي ظلا على اصطفائهم هذا، وعلى قدسية المهمة التي بعثوا من أجلها.

وكذلك فإن الأنبياء يقومون في الوقت نفسه بوظيفة المرآة التي تعكس الأسرار الصادرة من الذات المقدسة إلينا؛ لذا وجب أن تكون هذه المرايا صافية ونقية؛ لكيلا تكون الحقائق التي تعكسها للقلوب خادعة؛ لذا يجب أن يرى الناس أفضل صورة متجلية للدين عند الأنبياء؛ لكي يتبعوهم ويصلوا إلى سعادة الدنيا والآخرة.

فكيف بعد كل هذا يقول أحد في نبي من الأنبياء هذا الكلام؟ إلا إذا طمست عين هذا المتكلم، وران على قلبه وعقله، فلم يستطع التمييز أو التفكير؛ لأنه لو فكر لحظة؛ لعلم أن الأنبياء هم الصفوة، ولا يجوز في حقهم نقص، فقد توجد بقع على وجه القمر أو كلف على وجه الشمس، ولكنه لا يوجد حتى ظل للإثم في روح النبي،

وصدق الله حيث يقول:

(وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون)

(الأنعام:124)

ثانيا. لا عجب أن يفضل هؤلاء الجهلة الحمار على النبي، فإرثهم الثقافي من الكتاب المقدس، ومعتقدهم الديني يسمح لهم بذلك، فقد اتهمت التوراة الأنبياء بأخس الصفات:

لا عجب أن يفضل هؤلاء الجهلة الحمار على النبي، فإرثهم الثقافي من الكتاب المقدس ومعتقدهم الديني يسمحان لهم بذلك، وبما هو أغرب من ذلك، فقد اتهمت التوراة سيدنا إبراهيم - عليه السلام - بالكذب، ولصقت به - عن قصد أو غير قصد - أخس الصفات وقبيح الفعال، من التحايل والسكوت على الفاحشة وعلى الاغتصاب، ومن الرضا بالمهانة والخوف من السلطان، ثم بالتفريط في العرض، وذلك أيام أن رحل إبراهيم فارا بعقيدته إلى فلسطين، ومعه زوجته سارة، وابن أخيه لوط، وامرأة لوط وحدثت مجاعة وجدب، فانتقل إبراهيم - عليه السلام - إلى مصر مهاجرا ومعه سارة زوجته، وفي الطريق إلى مصر أخبر إبراهيم - عليه السلام - زوجته سارة - كما تقول التوراة - بأنه يخشى عليها وعلى جمالها من المصريين إذا ما وقعت أعينهم عليها، وأنهم لن يتورعوا عن قتل زوجها إذا ما علموا أنها متزوجة، واتفق معها إبراهيم عليه السلام - لأجل أن تسلم حياته - أن توافقه في دعواه بأنها أخته.

ونص ذلك في الكتاب المقدس: "وانتقل إبراهيم من هناك إلى أرض الجنوب، وسكن بين قادش وشور، وتغرب في جرار. وقال إبراهيم عن سارة امرأته: «هي أختي». فأرسل أبيمالك ملك جرار وأخذ سارة. فجاء الله إلى أبيمالك في حلم الليل وقال له: «ها أنت ميت من أجل المرأة التي أخذتها، فإنها متزوجة ببعل». ولكن لم يكن أبيمالك قد اقترب إليها، فقال: «يا سيد، أأمة بارة تقتل؟ ألم يقل هو لي: إنها أختي، وهي أيضا نفسها قالت: هو أخي؟ بسلامة قلبي ونقاوة يدي فعلت هذا». فقال له الله في الحلم: «أنا أيضا علمت أنك بسلامة قلبك فعلت هذا. وأنا أيضا أمسكتك عن أن تخطئ إلى، لذلك لم أدعك تمسها. فالآن رد امرأة الرجل، فإنه نبي، فيصلي لأجلك فتحيا. وإن كنت لست تردها، فاعلم أنك موتا تموت، أنت وكل من لك». فبكر أبيمالك في الغد ودعا جميع عبيده، وتكلم بكل هذا الكلام في مسامعهم، فخاف الرجال جدا. ثم دعا أبيمالك إبراهيم وقال له: «ماذا فعلت بنا؟ وبماذا أخطأت إليك حتى جلبت علي وعلى مملكتي خطية عظيمة؟ أعمالا لا تعمل عملت بي». وقال أبيمالك لإبراهيم: «ماذا رأيت حتى عملت هذا الشيء؟» فقال إبراهيم: «إني قلت: ليس في هذا الموضع خوف الله ألبتة، فيقتلونني لأجل امرأتي. وبالحقيقة أيضا هي أختي ابنة أبي، غير أنها ليست ابنة أمي، فصارت لي زوجة. وحدث لما أتاهني الله من بيت أبي أني قلت لها: هذا معروفك الذي تصنعين إلي: في كل مكان نأتي إليه قولي عني: هو أخي». فأخذ أبيمالك غنما وبقرا وعبيدا وإماء وأعطاها لإبراهيم، ورد إليه سارة امرأته. وقال أبيمالك: «هوذا أرضي قدامك. اسكن في ما حسن في عينيك». وقال لسارة: «إني قد أعطيت أخاك ألفا من الفضة. ها هو لك غطاء عين من جهة كل ما عندك وعند كل واحد، فأنصفت». فصلى إبراهيم إلى الله، فشفى الله أبيمالك وامرأته وجواريه فولدن. لأن الرب كان قد أغلق كل رحم لبيت أبيمالك بسبب سارة امرأة إبراهيم". (التكوين 20: 1 - 17).

ويا ليت الأمر انتهى عند هذا الحد، بل إن التوراة قد ذكرت أنبياء غير إبراهيم - عليه السلام - بأحط الصفات، ومن ذلك أيضا: قصة التوراة عن داود - عليه السلام - قصة كلها زنا وفحش وإثم وتحايل؛ للتخلص من آثار جريمة خلقية، واعتداء على حرمات الآخرين.

تلك هي القصة: "وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأة تستحم. وكانت المرأة جميلة المنظر جدا. فأرسل داود وسأل عن المرأة، فقال واحد: «أليست هذه بثشبع بنت أليعام امرأة أوريا الحثي؟». فأرسل داود رسلا وأخذها، فدخلت إليه، فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها. ثم رجعت إلى بيتها. وحبلت المرأة، فأرسلت وأخبرت داود وقالت: «إني حبلى». فأرسل داود إلى يوآب يقول: «أرسل إلى أوريا الحثي». فأرسل يوآب أوريا إلى داود. فأتى أوريا إليه، فسأل داود عن سلامة يوآب وسلامة الشعب ونجاح الحرب. وقال داود لأوريا: «انزل إلى بيتك واغسل رجليك»... فأقام أوريا في أورشليم ذلك اليوم وغده. ودعاه داود فأكل أمامه وشرب وأسكره. وخرج عند المساء ليضطجع في مضجعه مع عبيد سيده، وإلى بيته لم ينزل. وفي الصباح كتب داود مكتوبا إلى يوآب وأرسله بيد أوريا. وكتب في المكتوب يقول: «اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة، وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت». وكان في محاصرة يوآب المدينة أنه جعل أوريا في الموضع الذي علم أن رجال البأس فيه. فخرج رجال المدينة وحاربوا يوآب، فسقط بعض الشعب من عبيد داود، ومات أوريا الحثي أيضا. فأرسل يوآب وأخبر داود بجميع أمور الحرب. وأوصى الرسول قائلا: «عندما تفرغ من الكلام مع الملك عن جميع أمور الحرب، فإن اشتعل غضب الملك، وقال لك: لماذا دنوتم من المدينة للقتال؟ أما علمتم أنهم يرمون من على السور؟ من قتل أبيمالك بن يربوشث؟ ألم ترمه امرأة بقطعة رحى من على السور فمات في تاباص؟ لماذا دنوتم من السور؟ فقل: قد مات عبدك أوريا الحثي أيضا»... فقال داود للرسول: «هكذا تقول ليوآب: لا يسؤ في عينيك هذا الأمر، لأن السيف يأكل هذا وذاك. شدد قتالك على المدينة وأخربها. وشدده». فلما سمعت امرأة أوريا أنه قد مات أوريا رجلها، ندبت بعلها. ولما مضت المناحة أرسل داود وضمها إلى بيته، وصارت له امرأة وولدت له ابنا. وأما الأمر الذي فعله داود فقبح في عيني الرب". (صموئيل الثاني 11: 2 - 27).

وحاشا للشخص المؤمن - فضلا عن النبي المرسل - أن ينزل إلى هذا الدرك من الغصب والاعتداء. ولكنه كتابهم المقدس ومعتقدهم الديني، الذي سمح لهم أن يدعوا هذا الادعاء على نبي من الأنبياء.

وكذلك فإنه يتهم لوطا بأنه زنى بابنتيه، فقال: "وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل، وابنتاه معه، لأنه خاف أن يسكن في صوغر. فسكن في المغارة هو وابنتاه. وقالت البكر للصغيرة: «أبونا قد شاخ، وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض. هلم نسقي أبانا خمرا ونضطجع معه، فنحيي من أبينا نسلا». فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة، ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها. وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: «إني قد اضطجعت البارحة مع أبي. نسقيه خمرا الليلة أيضا فادخلي اضطجعي معه، فنحيي من أبينا نسلا». فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة أيضا، وقامت الصغيرة واضطجعت معه، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، فحبلت ابنتا لوط من أبيهما. فولدت البكر ابنا ودعت اسمه «موآب»، وهو أبو الموآبيين إلى اليوم. والصغيرة أيضا ولدت ابنا ودعت اسمه «بن عمي»، وهو أبو بني عمون إلى اليوم". (التكوين 19: 30 - 38).

وإذا كان النبي عند مؤلفي الكتاب المقدس يصل إلى هذا الحد، بل إلى درجة الإقرار بالوثنية - كما ينسب الكتاب المقدس لهارون صناعته العجل لليهود ليعبدوه - فلا تستكثر على أصحاب هذه الدعوى أن يجعلوا الحمار يرى الملك، ويحظى بهذا الشرف الذي لا يرقى إليه نبي،

وصدق الله - سبحانه وتعالى - إذ يقول:

(مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين)

(الجمعة:5)[1].

الخلاصة:

·أنبياء الله - عز وجل - ورسله هم المصطفون الأخيار من عباده - سبحانه وتعالى - وهم جميعا معصومون، فمن صفاتهم الصدق والتبليغ والفطنة والأمانة، ويمتنع عليهم أضداد هذه الصفات الأربعة، فيستحيل عليهم الكذب، وكتمان شيء مما أمروا بتبليغه، والغفلة وعدم الفطنة والخيانة، ودليل ذلك الكتاب والسنة والإجماع.

·فأي اتهام لهم أو تطاول عليهم هو اتهام لله - سبحانه وتعالى - لأن الله - سبحانه وتعالى - هو الذي اصطفاهم واختارهم من بين خلقه ليكونوا رسله، فعصمهم من الزلل والخطأ.

·أما ما جاء في الكتاب المقدس من اتهام الأنبياء بأخس الاتهامات، وأقبح الصفات، فإن هذا إنما وضعه أحبارهم ورهبانهم، لخدمة رغباتهم وقضاء شهواتهم، وهذا ما حدث بالفعل، فقد أباحوا لأنفسهم الزنا داخل بيوت العبادة عندهم، وشهد عليهم بذلك صديقهم قبل عدوهم.

المراجع

  1. (*) قناة الحياة الفضائية، زكريا بطرس، الحلقة 88.
  2. الأديان في القرآن، د. محمود بن الشريف، دار المعارف، القاهرة، ط3، د. ت، ص120: 128 بتصرف.

الجواب التفصيلي

الزعم أن حمارا أفضل من نبي(*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المتوهمين أن الحمار أفضل من النبي، مستدلين على ذلك بأنه كان هناك نبي من الأنبياء أغراه أحد الملوك بالمال، فضل الطريق ولم يسمع لكلام الله، وسمع كلام الملك، فأرسل الله له ملاكا، فلم يره النبي، وكان هناك حمار، فرأى الحمار الملاك ولم يره النبي. ويقول هؤلاء: ما المانع في أن يرى الحمار الملاك بقوة الله، ولم يره النبي؛ لأنه استجاب للشيطان، هادفين من وراء ذلك إلى الحط من قدر الأنبياء ومكانتهم.

وجها إبطال الشبهة:

1)  الأنبياء - عليهم السلام - معصومون ومصطفون من قبل الله - عز وجل - فكيف يضل نبي لدرجة أن يفضله حمار؟!!

2)  لا عجب أن يفضل هؤلاء الجهلة الحمار على النبي، فإرثهم الثقافي من الكتاب المقدس، ومعتقدهم الديني يسمحان لهم بذلك، فقد اتهمت التوراة الأنبياء بأخس الصفات.

التفصيل:

أولا. الأنبياء - عليهم السلام - معصومون ومصطفون من قبل الله - سبحانه وتعالى - فكيف يضل نبي بهذه الدرجة حتى يفضله حمار؟!

إن العجب ليملأ العقول والقلوب والأذهان حينما يدعي هؤلاء القوم هذا الادعاء؛ إذ كيف يضل نبي بسماعه كلام ملك مع علمه بأن الله هو ملك الملوك والملكوت، وكيف يزل هذا النبي وهو معصوم؟! لأن كل الأنبياء معصومون، فلن تجد في حياة أي منهم أي انحراف مقصود؛ لأنهم ليسوا أخيارا فحسب، بل إنهم مصطفون من بين أفضل الأخيار، وهؤلاء لا يقترفون - طوال حياتهم - أي شيء يلقي ظلا على اصطفائهم هذا، وعلى قدسية المهمة التي بعثوا من أجلها.

وكذلك فإن الأنبياء يقومون في الوقت نفسه بوظيفة المرآة التي تعكس الأسرار الصادرة من الذات المقدسة إلينا؛ لذا وجب أن تكون هذه المرايا صافية ونقية؛ لكيلا تكون الحقائق التي تعكسها للقلوب خادعة؛ لذا يجب أن يرى الناس أفضل صورة متجلية للدين عند الأنبياء؛ لكي يتبعوهم ويصلوا إلى سعادة الدنيا والآخرة.

فكيف بعد كل هذا يقول أحد في نبي من الأنبياء هذا الكلام؟ إلا إذا طمست عين هذا المتكلم، وران على قلبه وعقله، فلم يستطع التمييز أو التفكير؛ لأنه لو فكر لحظة؛ لعلم أن الأنبياء هم الصفوة، ولا يجوز في حقهم نقص، فقد توجد بقع على وجه القمر أو كلف على وجه الشمس، ولكنه لا يوجد حتى ظل للإثم في روح النبي،

وصدق الله حيث يقول:

(وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون)

(الأنعام:124)

ثانيا. لا عجب أن يفضل هؤلاء الجهلة الحمار على النبي، فإرثهم الثقافي من الكتاب المقدس، ومعتقدهم الديني يسمح لهم بذلك، فقد اتهمت التوراة الأنبياء بأخس الصفات:

لا عجب أن يفضل هؤلاء الجهلة الحمار على النبي، فإرثهم الثقافي من الكتاب المقدس ومعتقدهم الديني يسمحان لهم بذلك، وبما هو أغرب من ذلك، فقد اتهمت التوراة سيدنا إبراهيم - عليه السلام - بالكذب، ولصقت به - عن قصد أو غير قصد - أخس الصفات وقبيح الفعال، من التحايل والسكوت على الفاحشة وعلى الاغتصاب، ومن الرضا بالمهانة والخوف من السلطان، ثم بالتفريط في العرض، وذلك أيام أن رحل إبراهيم فارا بعقيدته إلى فلسطين، ومعه زوجته سارة، وابن أخيه لوط، وامرأة لوط وحدثت مجاعة وجدب، فانتقل إبراهيم - عليه السلام - إلى مصر مهاجرا ومعه سارة زوجته، وفي الطريق إلى مصر أخبر إبراهيم - عليه السلام - زوجته سارة - كما تقول التوراة - بأنه يخشى عليها وعلى جمالها من المصريين إذا ما وقعت أعينهم عليها، وأنهم لن يتورعوا عن قتل زوجها إذا ما علموا أنها متزوجة، واتفق معها إبراهيم عليه السلام - لأجل أن تسلم حياته - أن توافقه في دعواه بأنها أخته.

ونص ذلك في الكتاب المقدس: "وانتقل إبراهيم من هناك إلى أرض الجنوب، وسكن بين قادش وشور، وتغرب في جرار. وقال إبراهيم عن سارة امرأته: «هي أختي». فأرسل أبيمالك ملك جرار وأخذ سارة. فجاء الله إلى أبيمالك في حلم الليل وقال له: «ها أنت ميت من أجل المرأة التي أخذتها، فإنها متزوجة ببعل». ولكن لم يكن أبيمالك قد اقترب إليها، فقال: «يا سيد، أأمة بارة تقتل؟ ألم يقل هو لي: إنها أختي، وهي أيضا نفسها قالت: هو أخي؟ بسلامة قلبي ونقاوة يدي فعلت هذا». فقال له الله في الحلم: «أنا أيضا علمت أنك بسلامة قلبك فعلت هذا. وأنا أيضا أمسكتك عن أن تخطئ إلى، لذلك لم أدعك تمسها. فالآن رد امرأة الرجل، فإنه نبي، فيصلي لأجلك فتحيا. وإن كنت لست تردها، فاعلم أنك موتا تموت، أنت وكل من لك». فبكر أبيمالك في الغد ودعا جميع عبيده، وتكلم بكل هذا الكلام في مسامعهم، فخاف الرجال جدا. ثم دعا أبيمالك إبراهيم وقال له: «ماذا فعلت بنا؟ وبماذا أخطأت إليك حتى جلبت علي وعلى مملكتي خطية عظيمة؟ أعمالا لا تعمل عملت بي». وقال أبيمالك لإبراهيم: «ماذا رأيت حتى عملت هذا الشيء؟» فقال إبراهيم: «إني قلت: ليس في هذا الموضع خوف الله ألبتة، فيقتلونني لأجل امرأتي. وبالحقيقة أيضا هي أختي ابنة أبي، غير أنها ليست ابنة أمي، فصارت لي زوجة. وحدث لما أتاهني الله من بيت أبي أني قلت لها: هذا معروفك الذي تصنعين إلي: في كل مكان نأتي إليه قولي عني: هو أخي». فأخذ أبيمالك غنما وبقرا وعبيدا وإماء وأعطاها لإبراهيم، ورد إليه سارة امرأته. وقال أبيمالك: «هوذا أرضي قدامك. اسكن في ما حسن في عينيك». وقال لسارة: «إني قد أعطيت أخاك ألفا من الفضة. ها هو لك غطاء عين من جهة كل ما عندك وعند كل واحد، فأنصفت». فصلى إبراهيم إلى الله، فشفى الله أبيمالك وامرأته وجواريه فولدن. لأن الرب كان قد أغلق كل رحم لبيت أبيمالك بسبب سارة امرأة إبراهيم". (التكوين 20: 1 - 17).

ويا ليت الأمر انتهى عند هذا الحد، بل إن التوراة قد ذكرت أنبياء غير إبراهيم - عليه السلام - بأحط الصفات، ومن ذلك أيضا: قصة التوراة عن داود - عليه السلام - قصة كلها زنا وفحش وإثم وتحايل؛ للتخلص من آثار جريمة خلقية، واعتداء على حرمات الآخرين.

تلك هي القصة: "وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأة تستحم. وكانت المرأة جميلة المنظر جدا. فأرسل داود وسأل عن المرأة، فقال واحد: «أليست هذه بثشبع بنت أليعام امرأة أوريا الحثي؟». فأرسل داود رسلا وأخذها، فدخلت إليه، فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها. ثم رجعت إلى بيتها. وحبلت المرأة، فأرسلت وأخبرت داود وقالت: «إني حبلى». فأرسل داود إلى يوآب يقول: «أرسل إلى أوريا الحثي». فأرسل يوآب أوريا إلى داود. فأتى أوريا إليه، فسأل داود عن سلامة يوآب وسلامة الشعب ونجاح الحرب. وقال داود لأوريا: «انزل إلى بيتك واغسل رجليك»... فأقام أوريا في أورشليم ذلك اليوم وغده. ودعاه داود فأكل أمامه وشرب وأسكره. وخرج عند المساء ليضطجع في مضجعه مع عبيد سيده، وإلى بيته لم ينزل. وفي الصباح كتب داود مكتوبا إلى يوآب وأرسله بيد أوريا. وكتب في المكتوب يقول: «اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة، وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت». وكان في محاصرة يوآب المدينة أنه جعل أوريا في الموضع الذي علم أن رجال البأس فيه. فخرج رجال المدينة وحاربوا يوآب، فسقط بعض الشعب من عبيد داود، ومات أوريا الحثي أيضا. فأرسل يوآب وأخبر داود بجميع أمور الحرب. وأوصى الرسول قائلا: «عندما تفرغ من الكلام مع الملك عن جميع أمور الحرب، فإن اشتعل غضب الملك، وقال لك: لماذا دنوتم من المدينة للقتال؟ أما علمتم أنهم يرمون من على السور؟ من قتل أبيمالك بن يربوشث؟ ألم ترمه امرأة بقطعة رحى من على السور فمات في تاباص؟ لماذا دنوتم من السور؟ فقل: قد مات عبدك أوريا الحثي أيضا»... فقال داود للرسول: «هكذا تقول ليوآب: لا يسؤ في عينيك هذا الأمر، لأن السيف يأكل هذا وذاك. شدد قتالك على المدينة وأخربها. وشدده». فلما سمعت امرأة أوريا أنه قد مات أوريا رجلها، ندبت بعلها. ولما مضت المناحة أرسل داود وضمها إلى بيته، وصارت له امرأة وولدت له ابنا. وأما الأمر الذي فعله داود فقبح في عيني الرب". (صموئيل الثاني 11: 2 - 27).

وحاشا للشخص المؤمن - فضلا عن النبي المرسل - أن ينزل إلى هذا الدرك من الغصب والاعتداء. ولكنه كتابهم المقدس ومعتقدهم الديني، الذي سمح لهم أن يدعوا هذا الادعاء على نبي من الأنبياء.

وكذلك فإنه يتهم لوطا بأنه زنى بابنتيه، فقال: "وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل، وابنتاه معه، لأنه خاف أن يسكن في صوغر. فسكن في المغارة هو وابنتاه. وقالت البكر للصغيرة: «أبونا قد شاخ، وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض. هلم نسقي أبانا خمرا ونضطجع معه، فنحيي من أبينا نسلا». فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة، ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها. وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: «إني قد اضطجعت البارحة مع أبي. نسقيه خمرا الليلة أيضا فادخلي اضطجعي معه، فنحيي من أبينا نسلا». فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة أيضا، وقامت الصغيرة واضطجعت معه، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، فحبلت ابنتا لوط من أبيهما. فولدت البكر ابنا ودعت اسمه «موآب»، وهو أبو الموآبيين إلى اليوم. والصغيرة أيضا ولدت ابنا ودعت اسمه «بن عمي»، وهو أبو بني عمون إلى اليوم". (التكوين 19: 30 - 38).

وإذا كان النبي عند مؤلفي الكتاب المقدس يصل إلى هذا الحد، بل إلى درجة الإقرار بالوثنية - كما ينسب الكتاب المقدس لهارون صناعته العجل لليهود ليعبدوه - فلا تستكثر على أصحاب هذه الدعوى أن يجعلوا الحمار يرى الملك، ويحظى بهذا الشرف الذي لا يرقى إليه نبي،

وصدق الله - سبحانه وتعالى - إذ يقول:

(مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين)

(الجمعة:5)[1].

الخلاصة:

·أنبياء الله - عز وجل - ورسله هم المصطفون الأخيار من عباده - سبحانه وتعالى - وهم جميعا معصومون، فمن صفاتهم الصدق والتبليغ والفطنة والأمانة، ويمتنع عليهم أضداد هذه الصفات الأربعة، فيستحيل عليهم الكذب، وكتمان شيء مما أمروا بتبليغه، والغفلة وعدم الفطنة والخيانة، ودليل ذلك الكتاب والسنة والإجماع.

·فأي اتهام لهم أو تطاول عليهم هو اتهام لله - سبحانه وتعالى - لأن الله - سبحانه وتعالى - هو الذي اصطفاهم واختارهم من بين خلقه ليكونوا رسله، فعصمهم من الزلل والخطأ.

·أما ما جاء في الكتاب المقدس من اتهام الأنبياء بأخس الاتهامات، وأقبح الصفات، فإن هذا إنما وضعه أحبارهم ورهبانهم، لخدمة رغباتهم وقضاء شهواتهم، وهذا ما حدث بالفعل، فقد أباحوا لأنفسهم الزنا داخل بيوت العبادة عندهم، وشهد عليهم بذلك صديقهم قبل عدوهم.

المراجع

  1. (*) قناة الحياة الفضائية، زكريا بطرس، الحلقة 88.
  2. الأديان في القرآن، د. محمود بن الشريف، دار المعارف، القاهرة، ط3، د. ت، ص120: 128 بتصرف.