نص السؤال
المصدر: شبهات المشككين في الإسلام
الجواب التفصيلي
ادعاء أن موسى - عليه السلام - اعتذر عن حمل الرسالة، وطلب من الله أن يكلف بها هارون عليه السلام (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المتوهمين أن موسى - عليه السلام - قد كلفه الله بدعوة فرعون وقومه إلى عبادته سبحانه وحده، فاعتذر موسى - عليه السلام - عن حمل الرسالة، وطلب من الله أن يكلف بها هارون، ويستدلون على ذلك
بقوله سبحانه وتعالى:
(وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين (10) قــوم فرعــون ألا يتقــون (11) قال رب إني أخاف أن يكذبون (12) ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون (13) ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون (14)
(الشعراء).
وجه إبطال الشبهة:
موسى - عليه السلام - لم يطلب إعفاءه من الرسالة، وتوجيهها إلى هارون عليه السلام، وإنما طلب من ربه أن يرسل معه أخاه هارون؛ ليكون معه رسولا. وكان طلبه هذا مقبولا لأمرين:
· أن فرعون ربما كذبه، والتكذيب سبب لضيق الصدر، وضيق الصدر سبب لتعسر الكلام على من يكون في لسانه حبسة[1]، أما هارون - عليه السلام - فهو أفصح لسانا.
· أن لفرعون وقومه عند موسى - عليه السلام - ذنبا، فخاف أن يبادروا إلى قتله، وحينئذ لا يحصل المقصود من البعثة، أما هارون - عليه السلام - فليس كذلك فيحصل المقصود من البعثة.
التفصيل:
هل طلب موسى - عليه السلام - إعفاءه من الرسالة وإعطاءها لهارون عليه السلام؟!
يوضح د. محمد أبو النور الحديدي القول على هذا التساؤل قائلا: إن موسى - عليه السلام - لم يطلب إعفاءه من الرسالة، وتوجيهها إلى هارون عليه السلام، وإنما طلب من ربه أن يرسل معه أخاه هارون فيكون كل منهما رسولا يتعاونان في دعوة فرعون وقومه إلى الله، وإصلاح حال بني إسرائيل؛ وذلك لأن موسى كان في لسانه لثغة [2]. قال سفيان: كان ذلك من أثر الجمرة التي وضعها في فمه وهو صغير، وكان مع هذا يفقه قوله[3]، وليس كما قال فرعون - لعنه الله - فيما حكاه عنه القرآن:
(أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين)
(الزخرف:52)
أي: ولا يكاد يفصح عن كلامه، فهو عي[4]حصر؛ لأنه سأل الله تعالى أن يحل عقدة لسانه ليفقه الناس
قوله:
(واحلل عقدة من لساني (27) يفقهوا قولي (28)
(طه).
فاستجاب الله له ذلك
فقال:
(قال قد أوتيت سؤلك يا موسى)
(طه)
فموسى - عليه السلام - تحقق له طلبه فتيسر له الإبلاغ والإفهام، ولا يعقل أن يرسل الله رسولا لا يستطيع إفهام غيره. ومن ثم كان طلب موسى الإعانة بأخيه هارون - عليهما السلام - طلبا مقبولا لثلاثة أمور:
الأول والثاني: لأن فرعون ربما كذبه، والتكذيب سبب لضيق القلب، وضيق القلب سبب لتعسر الكلام على من يكون في لسانه حبسة، فقد كان في لسان موسى - عليه السلام - لثغة لا يكاد يفصح عن كلامه، فسأل الله تعالى أن يحل عقدة لسانه، ليفقه الناس:
(قال رب إني أخاف أن يكذبون (12) ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون (13) ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون (14)
(الشعراء).
فاستجاب الله له
(قال قد أوتيت سؤلك يا موسى)
(طه:36)
فتيسر له - عليه السلام - الإبلاغ و الإفهام، ولكن هارون - عليه السلام - كان أفصح من موسى عليه السلام، والأفصح يكون أكثر إبلاغا وإفهاما، ثم إن هارون - عليه السلام - بإرساله يكون معينا مقويا لأمر موسى - عليه السلام - ومصدقا له فيما يقوله، ويخبر به عن الله تعالى، لأن خبر الاثنين أوقع في النفس من خبر الواحد،
قال سبحانه وتعالى:
(قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون)
(القصص:35)[5]
والقول إجابة من الله لدعاء موسى عليه السلام.
الثالث: لأن القوم لهم عند موسى ذنب، فخاف أن يبادروا إلى قتله، وحينئذ لا يحصل المقصود من البعثة، حيث إن موسى - عليه السلام - قد قتل من قوم فرعون نفسا، وهو الذي وكزه فقضى عليه، ويخشى أن يقتلوه به، فلا يتحقق المقصود من بعثته:
(يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون)
(الشعراء:35)
أما هارون - عليه السلام - فليس كذلك فيحصل المقصود من البعثة.
ومما يدل صراحة على عدم استعفاء موسى - عليه السلام - من الرسالة - وإنما طلب مشاركة هارون - عليه السلام - له في مهمته الصعبة - قوله الذي حكاه عنه القرآن الكريم:
(واجعل لي وزيرا من أهلي (29) هارون أخي (30) اشدد به أزري (31) وأشركه في أمري (32) كي نسبحك كثيرا (33) ونذكرك كثيرا (34) إنك كنت بنـا بصيـرا (35) قـال قـد أوتيــت سـؤلك يـا موسـى (36)
(طه) [6][7].
وقد ذلل[8] الله له العقبة الأولى إذ أيده بالآيات الحسية الدالة على صدقه في دعوة النبوة والرسالة: (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات) (الإسراء).
فقال له الله:
(وما تلك بيمينك يا موسى (17) قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى (18) قال ألقها يا موسى (19) فألقاها فإذا هي حية تسعى (20)
(طه)[9]
وهي في سرعتها وخفة حركتها كأنها جان:
(فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب)
(القصص: ٣١)
فناداه الحق سبحانه وتعالى:
(يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون)
(النمل: ١٠)
فرجع موسى آمنا نحو العصا
فقال له الله:
(قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى)
(طه:21)
فوضع موسى - عليه السلام - يده بين أنيابها فعادت خشبة جامدة، ثم أعطاه الله آية أخرى وهي اليد البيضاء النقية من غير برص:
(واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى)
(طه:22)
(اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين)
(القصص: ٣٢)
(وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء)
(النمل:١٢).
وهاتان الآيتان من المعجزات الخارقة للعادة التي أيد الله بها موسى - عليه السلام - إذا ما كذبه فرعون وقومه.
وكان موسى - عليه السلام - قد دعا ربه لتذليل العقبة الثانية:
(قال رب اشرح لي صدري (25) ويسر لي أمري (26) واحلل عقدة من لساني (27) يفقهوا قولي (28) واجعل لي وزيرا من أهلي (29) هارون أخي (30) اشدد به أزري (31) وأشركه في أمري (32) كي نسبحك كثيرا (33) ونذكرك كثيرا (34) إنك كنت بنا بصيرا (35)
(طه)
وقد طلب موسى من الله أن يحل عقدة لسانه، وأن يرسل أخاه هارون معه نبيا؛ لما يتمتع به من فصاحة في اللسان:
(وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون)
(القصص:34) [10].
وأما العقبة الثالثة فقد ذللها رب العالمين إذ أنزل السكينة على قلب موسى، ووعده بأن قوم فرعون لن يصلوا إليه، ولن يتمكنوا من قتله وأن الله سينصره عليهم:
(قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون)
(القصص:35).
ومضى موسى إلى هارون - عليهما السلام - ليبلغه أمر الله، ويبشره بإرساله وزيرا مصدقا فصيح اللسان، يحمل معه الكتاب المستبين وفيه قول الله:
(اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري (42) اذهبا إلى فرعون إنه طغى (43) فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى (44)
(طه)[11].
وقد كان التكليف شاقا، إذ طغى فرعون وبغى، وتجبر وعلا، ونسي الجبار الأعلى. ولا بد للطاغية من رسول يبلغه كلمات الله، ليهز طغيانه بالكلمة المؤثرة الهادئة، ويواجه جبروته بالحق واللين، وقد علم الله موسى وهارون - عليهما السلام - أسلوب الدعوة والتبليغ، المتمثل في القول اللين، وبين لهما أن مهمتهما التذكير بنعم الله وزرع الخشية من الله في قلب الطاغية وأعوانه[12].
الخلاصة:
موسى - عليه السلام - لم يطلب إعفاءه من الرسالة، وتوجيهها إلى هارون - عليه السلام - وإنما طلب من ربه أن يرسل معه أخاه هارون ليكون معه رسولا. وكان طلبه هذا لأمرين:
الأول: لأن فرعون ربما كذبه، والتكذيب سبب لضيق القلب، وضيق القلب سبب لتعسر الكلام على من يكون في لسانه حبسة. وكان هارون - عليه السلام - أفصح من موسى - عليه السلام - والأفصح يكون أكثر إبلاغا وإفهاما.
الثاني: لأن القوم لهم عند موسى - عليه السلام - ذنب، وهو قتل نفس، فخشي أن يقتلوه به، فلا يتحقق المقصود من بعثته، أما هارون - عليه السلام - فليس كذلك؛ فيتحقق المقصود من البعثة.
المراجع
- (*)عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م.
- الحبسة: ثقل في اللسان يمنع من الإبانة.
- اللثغة: تحول اللسان من النطق بحرف إلى النطق بحرف آخر؛ كنطق السين ثاءا.
- يفقه قوله: يفهم.
- عى: العجز عن التعبير اللفظي بما يفيد المعنى المقصود.
- سنشد عضدك: سنقويك ونعينك.
- أشدد به أزري: قو به ظهري.
- عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص345، 346.
- ذلل: أخضع وسهل.
- أتوكأ: اعتمد عليها في المشي وحين التعب.
- ردءا: عونا لي.
- لا تنيا: لا تقصرا.
- مدرسة الأنبياء: عبر وأضواء، محمد بسام الزين، دار الفكر، بيروت، ط2، 1419هـ/ 1999م، ص196، 197.
الجواب التفصيلي
ادعاء أن موسى - عليه السلام - اعتذر عن حمل الرسالة، وطلب من الله أن يكلف بها هارون عليه السلام (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المتوهمين أن موسى - عليه السلام - قد كلفه الله بدعوة فرعون وقومه إلى عبادته سبحانه وحده، فاعتذر موسى - عليه السلام - عن حمل الرسالة، وطلب من الله أن يكلف بها هارون، ويستدلون على ذلك
بقوله سبحانه وتعالى:
(وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين (10) قــوم فرعــون ألا يتقــون (11) قال رب إني أخاف أن يكذبون (12) ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون (13) ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون (14)
(الشعراء).
وجه إبطال الشبهة:
موسى - عليه السلام - لم يطلب إعفاءه من الرسالة، وتوجيهها إلى هارون عليه السلام، وإنما طلب من ربه أن يرسل معه أخاه هارون؛ ليكون معه رسولا. وكان طلبه هذا مقبولا لأمرين:
· أن فرعون ربما كذبه، والتكذيب سبب لضيق الصدر، وضيق الصدر سبب لتعسر الكلام على من يكون في لسانه حبسة[1]، أما هارون - عليه السلام - فهو أفصح لسانا.
· أن لفرعون وقومه عند موسى - عليه السلام - ذنبا، فخاف أن يبادروا إلى قتله، وحينئذ لا يحصل المقصود من البعثة، أما هارون - عليه السلام - فليس كذلك فيحصل المقصود من البعثة.
التفصيل:
هل طلب موسى - عليه السلام - إعفاءه من الرسالة وإعطاءها لهارون عليه السلام؟!
يوضح د. محمد أبو النور الحديدي القول على هذا التساؤل قائلا: إن موسى - عليه السلام - لم يطلب إعفاءه من الرسالة، وتوجيهها إلى هارون عليه السلام، وإنما طلب من ربه أن يرسل معه أخاه هارون فيكون كل منهما رسولا يتعاونان في دعوة فرعون وقومه إلى الله، وإصلاح حال بني إسرائيل؛ وذلك لأن موسى كان في لسانه لثغة [2]. قال سفيان: كان ذلك من أثر الجمرة التي وضعها في فمه وهو صغير، وكان مع هذا يفقه قوله[3]، وليس كما قال فرعون - لعنه الله - فيما حكاه عنه القرآن:
(أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين)
(الزخرف:52)
أي: ولا يكاد يفصح عن كلامه، فهو عي[4]حصر؛ لأنه سأل الله تعالى أن يحل عقدة لسانه ليفقه الناس
قوله:
(واحلل عقدة من لساني (27) يفقهوا قولي (28)
(طه).
فاستجاب الله له ذلك
فقال:
(قال قد أوتيت سؤلك يا موسى)
(طه)
فموسى - عليه السلام - تحقق له طلبه فتيسر له الإبلاغ والإفهام، ولا يعقل أن يرسل الله رسولا لا يستطيع إفهام غيره. ومن ثم كان طلب موسى الإعانة بأخيه هارون - عليهما السلام - طلبا مقبولا لثلاثة أمور:
الأول والثاني: لأن فرعون ربما كذبه، والتكذيب سبب لضيق القلب، وضيق القلب سبب لتعسر الكلام على من يكون في لسانه حبسة، فقد كان في لسان موسى - عليه السلام - لثغة لا يكاد يفصح عن كلامه، فسأل الله تعالى أن يحل عقدة لسانه، ليفقه الناس:
(قال رب إني أخاف أن يكذبون (12) ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون (13) ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون (14)
(الشعراء).
فاستجاب الله له
(قال قد أوتيت سؤلك يا موسى)
(طه:36)
فتيسر له - عليه السلام - الإبلاغ و الإفهام، ولكن هارون - عليه السلام - كان أفصح من موسى عليه السلام، والأفصح يكون أكثر إبلاغا وإفهاما، ثم إن هارون - عليه السلام - بإرساله يكون معينا مقويا لأمر موسى - عليه السلام - ومصدقا له فيما يقوله، ويخبر به عن الله تعالى، لأن خبر الاثنين أوقع في النفس من خبر الواحد،
قال سبحانه وتعالى:
(قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون)
(القصص:35)[5]
والقول إجابة من الله لدعاء موسى عليه السلام.
الثالث: لأن القوم لهم عند موسى ذنب، فخاف أن يبادروا إلى قتله، وحينئذ لا يحصل المقصود من البعثة، حيث إن موسى - عليه السلام - قد قتل من قوم فرعون نفسا، وهو الذي وكزه فقضى عليه، ويخشى أن يقتلوه به، فلا يتحقق المقصود من بعثته:
(يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون)
(الشعراء:35)
أما هارون - عليه السلام - فليس كذلك فيحصل المقصود من البعثة.
ومما يدل صراحة على عدم استعفاء موسى - عليه السلام - من الرسالة - وإنما طلب مشاركة هارون - عليه السلام - له في مهمته الصعبة - قوله الذي حكاه عنه القرآن الكريم:
(واجعل لي وزيرا من أهلي (29) هارون أخي (30) اشدد به أزري (31) وأشركه في أمري (32) كي نسبحك كثيرا (33) ونذكرك كثيرا (34) إنك كنت بنـا بصيـرا (35) قـال قـد أوتيــت سـؤلك يـا موسـى (36)
(طه) [6][7].
وقد ذلل[8] الله له العقبة الأولى إذ أيده بالآيات الحسية الدالة على صدقه في دعوة النبوة والرسالة: (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات) (الإسراء).
فقال له الله:
(وما تلك بيمينك يا موسى (17) قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى (18) قال ألقها يا موسى (19) فألقاها فإذا هي حية تسعى (20)
(طه)[9]
وهي في سرعتها وخفة حركتها كأنها جان:
(فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب)
(القصص: ٣١)
فناداه الحق سبحانه وتعالى:
(يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون)
(النمل: ١٠)
فرجع موسى آمنا نحو العصا
فقال له الله:
(قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى)
(طه:21)
فوضع موسى - عليه السلام - يده بين أنيابها فعادت خشبة جامدة، ثم أعطاه الله آية أخرى وهي اليد البيضاء النقية من غير برص:
(واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى)
(طه:22)
(اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين)
(القصص: ٣٢)
(وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء)
(النمل:١٢).
وهاتان الآيتان من المعجزات الخارقة للعادة التي أيد الله بها موسى - عليه السلام - إذا ما كذبه فرعون وقومه.
وكان موسى - عليه السلام - قد دعا ربه لتذليل العقبة الثانية:
(قال رب اشرح لي صدري (25) ويسر لي أمري (26) واحلل عقدة من لساني (27) يفقهوا قولي (28) واجعل لي وزيرا من أهلي (29) هارون أخي (30) اشدد به أزري (31) وأشركه في أمري (32) كي نسبحك كثيرا (33) ونذكرك كثيرا (34) إنك كنت بنا بصيرا (35)
(طه)
وقد طلب موسى من الله أن يحل عقدة لسانه، وأن يرسل أخاه هارون معه نبيا؛ لما يتمتع به من فصاحة في اللسان:
(وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون)
(القصص:34) [10].
وأما العقبة الثالثة فقد ذللها رب العالمين إذ أنزل السكينة على قلب موسى، ووعده بأن قوم فرعون لن يصلوا إليه، ولن يتمكنوا من قتله وأن الله سينصره عليهم:
(قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون)
(القصص:35).
ومضى موسى إلى هارون - عليهما السلام - ليبلغه أمر الله، ويبشره بإرساله وزيرا مصدقا فصيح اللسان، يحمل معه الكتاب المستبين وفيه قول الله:
(اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري (42) اذهبا إلى فرعون إنه طغى (43) فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى (44)
(طه)[11].
وقد كان التكليف شاقا، إذ طغى فرعون وبغى، وتجبر وعلا، ونسي الجبار الأعلى. ولا بد للطاغية من رسول يبلغه كلمات الله، ليهز طغيانه بالكلمة المؤثرة الهادئة، ويواجه جبروته بالحق واللين، وقد علم الله موسى وهارون - عليهما السلام - أسلوب الدعوة والتبليغ، المتمثل في القول اللين، وبين لهما أن مهمتهما التذكير بنعم الله وزرع الخشية من الله في قلب الطاغية وأعوانه[12].
الخلاصة:
موسى - عليه السلام - لم يطلب إعفاءه من الرسالة، وتوجيهها إلى هارون - عليه السلام - وإنما طلب من ربه أن يرسل معه أخاه هارون ليكون معه رسولا. وكان طلبه هذا لأمرين:
الأول: لأن فرعون ربما كذبه، والتكذيب سبب لضيق القلب، وضيق القلب سبب لتعسر الكلام على من يكون في لسانه حبسة. وكان هارون - عليه السلام - أفصح من موسى - عليه السلام - والأفصح يكون أكثر إبلاغا وإفهاما.
الثاني: لأن القوم لهم عند موسى - عليه السلام - ذنب، وهو قتل نفس، فخشي أن يقتلوه به، فلا يتحقق المقصود من بعثته، أما هارون - عليه السلام - فليس كذلك؛ فيتحقق المقصود من البعثة.
المراجع
- (*)عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م.
- الحبسة: ثقل في اللسان يمنع من الإبانة.
- اللثغة: تحول اللسان من النطق بحرف إلى النطق بحرف آخر؛ كنطق السين ثاءا.
- يفقه قوله: يفهم.
- عى: العجز عن التعبير اللفظي بما يفيد المعنى المقصود.
- سنشد عضدك: سنقويك ونعينك.
- أشدد به أزري: قو به ظهري.
- عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص345، 346.
- ذلل: أخضع وسهل.
- أتوكأ: اعتمد عليها في المشي وحين التعب.
- ردءا: عونا لي.
- لا تنيا: لا تقصرا.
- مدرسة الأنبياء: عبر وأضواء، محمد بسام الزين، دار الفكر، بيروت، ط2، 1419هـ/ 1999م، ص196، 197.