نص السؤال

ادعاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُذُن يصدق كل ما يقال له

المصدر: شبهات المشككين في الإسلام

الجواب التفصيلي

ادعاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن يصدق كل ما يقال له (*)

مضمون الشبهة:                

يدعي المنافقون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن، أي: كل من قال له شيئا صدقه، وكل من حدثه صدقه، فإذا ما جاءوه وحلفوا له صدقهم دون تمييز بين الصدق والكذب،

قال تعالى:

(ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن)

(التوبة: 61).

وجها إبطال الشبهة:

1) كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعامل المنافقين بأحكام الشريعة وآدابها التي يعامل بها عامة المسلمين، كما أمره ربه بمعاملة الناس على ما يظهر منهم.

2) كونه - صلى الله عليه وسلم - أذن خير أي: يؤمن بما يوحى إليه ربه من أخبار المنافقين وغيرهم، ويصدق ما يقوله المؤمنون الصادقون، ولا يفضح أمر المنافقين الكاذبين.

التفصيل:

أولا. معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - للمنافقين كانت على ظاهر أحوالهم:

هذا ضرب من دلائل نفاق أولئك المنافقين وآثاره، وهو إيذاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالطعن في أخلاقه العظيمة وشمائله الكريمة. وهم هنا يقولون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه أذن، أي: من حدثه شيئا صدقه، وقولهم "أذن" هو من تسمية الشخص باسم الجارحة للمبالغة في وصفها بوظيفتها، وهو كثرة السمع لما يقال وتصديقه كأنه كله أذن سامعة؛ كقولهم للجاسوس: عين، ويطلق على لازمه وهو عدم الدقة في التمييز بين ما يسمع، وتصديق ما يعقل وما لا يعقل، فيراد به الذم، وهو من أكبر عيوب الملوك والأمراء والرءوساء؛ لما يترتب عليه من قبول الغش والكذب والنميمة، وتقريب المنافقين وإبعاد الناصحين.

قال أبو السعود: "إنما قالوه - أي قولهم هذا - لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يواجههم بسوء ما صنعوا، ويصفح عنهم حلما وكرما، فحملوه على سلامة القلب، وقالوا ما قالوا، ولقد كان - صلى الله عليه وسلم - يعامل المنافقين بأحكام الشريعة وآدابها التي يعامل بها عامة المسلمين، كما أمره الله - عز وجل - ببناء المعاملة على الظواهر، فظن أولئك أنه يصدق كل ما يقال له.

ولقد لقن الله - سبحانه وتعالى - نبيه الرد عليهم،

فقال:

(قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم)

(التوبة: 61)

أي: نعم هو أذن، ولكنه نعم الأذن؛ لأنه أذن خير، لا كما تزعمون، فهو لا يقبل مما يسمعه إلا الحق وما وافق الشرع، وما فيه المصلحة، والخير للخلق، وليس بأذن في غير ذلك كسماع الباطل، والكذب والغيبة والنميمة والجدل والمراء، فهو لا يلقي سمعه لشيء من ذلك، وإذا سمعه من غير أن يستمع إليه لا يقبله، ولا يصدق ما لا يجوز تصديقه شرعا أو عقلا، كما هو شأن من يوصفون بهذا الوصف من الملوك والزعماء فيستعين المتملقون وأصحاب الأهواء به على السعاية والوشاية عنهم لإبعاد الناصحين المخلصين عنهم، وحملهم على من يبغون إيذاءه[1].

وفي قوله: (أذن خير لكم) دليل على أن خيرية الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد شملت الجميع، فلم يقل: أذن خير للمؤمنين، فقد تعدت هذه الخيرية المؤمنين إلى المنافقين وإلى الكفار، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضح منافقا، إلا إذا فضح الله المنافق بقرآن نزل من السماء.

وعلى سبيل المثال: كان المنافقون يأتون إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويعتذرون عن الجهاد في سبيل الله، ويطلبون الإذن بالقعود، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيهم الإذن، وحين كان المنافقون يأتون إلى الرسول الكريم ويحلفون له كذبا، كان يصدقهم، أو على الأرجح لا يفضح كذبهم أمام الناس.

وهكذا فرق الحق - سبحانه وتعالى - بين ما يريدونه، وبين ما يقصده الله عز وجل، فهم قصدوا وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه أذن سماعة لكل ما يقال، والله يقول: إنها أذن خير[2].

ورد القرآن هنا من باب أسلوب الحكيم، فهو في أوله يوافقهم على قولهم هو أذن، ثم يتبعه ما ينقضه عليهم حتى ينقض على رءوسهم، ولا شيء أبلغ من الرد عليهم بهذا الوجه؛ لأنه في الأول إطماع لهم بالموافقة، ثم كر على طمعهم بالحسم وأعقبهم في تنقصه باليأس منه، ولا شيء أقطع من الإطماع ثم اليأس يتلوه ويعقبه[3].

ثانيا. بيان معنى كونه - صلى الله عليه وسلم - أذن خير:

لقد فسر الله - عز وجل - المراد من "أذن الخير" بأفضل الخير وأعلاه،

فقال سبحانه وتعالى:

(يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين)

(التوبة: ٦١)

فهو يصدق بالله عز وجل، وما يوحيه إليه من خبركم وخبر غيركم، ويؤمن للمؤمنين الصادقين، وهذا يتضمن أنه لا يؤمن لهؤلاء المنافقين إيمان تسليم وائتمان، ولا يصدقهم في أخبارهم وإن أكدوها بالأيمان الغليظة،

كما ظن من قال منهم:

(هو أذن)

(التوبة: 61)

اغترارا بلطفه - صلى الله عليه وسلم - وأدبه؛ إذ كان لا يواجه أحدا بما يكره، وبمعاملته إياهم كما يعامل أمثالهم من عامة أصحابه.

وأما كونه أذن خير لهم مع هذا، فهو معاملته لهم بالحلم وما يقتضيه حكم الشرع من العمل بالظواهر، ومنها قبول المعاذير، ولو كان يعاملهم بمقتضى ما يسمع عنهم - كما يقتضيه استعمال كلمة أذن - لما سلموا من عقابه؛ لأن أخبار السوء عنهم كثيرة بكثرة أعمالهم السوء فيهم، لو كان يقبل أخبار الشر لقبلها من المؤمنين الصادقين فيهم ولعاقبهم عليها.

ومعنى قول الله - عز وجل - بعده:

(ورحمة للذين آمنوا منكم)

(التوبة: ٦١)

أي: دون غيرهم ممن أظهر الإسلام وأبطن الكفر من المنافقين، وبين الله - سبحانه وتعالى - لهم أيضا أن إيذاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقول أو الفعل يتنافى مع الإيمان؛ ولذا فإن جزاءه العذاب الأليم،

قال سبحانه وتعالى:

(والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) [4].

(التوبة: ٦١)

الخلاصة:

·لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعامل المنافقين بأحكام الشريعة وآدابها التي يعامل بها عامة المسلمين، كما أمره الله - عز وجل - ببناء المعاملة على ظاهر أحوالهم، فلم يكن أذنا - كما زعموا - يصدق كل ما يقال له دون تمييز بين حق وباطل.

·كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن خير، لا يقبل مما يسمعه إلا الحق وما وافق الشرع، وما فيه الخير والمصلحة للحق، فلم يلق سمعه لشيء من الغيبة والنميمة والجدل والمراء.

 

المراجع

  1. (*) الآية التي وردت فيها الشبهة: (التوبة/ 61). الآية التي ورد فيها الرد على الشبهة: (التوبة/ 61). 
  2.  تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، مج10، ص516: 518 بتصرف يسير.
  3.  تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1991م، ج9، ص5248، 5249 بتصرف. 
  4.  التفسير الوسيط، د. محمد سيد طنطاوي، مطبعة الرسالة، القاهرة، ط3، 1987م، ج6، ص210.
  5.  تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ج10، ص518، 519 بتصرف يسير.


الجواب التفصيلي

ادعاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن يصدق كل ما يقال له (*)

مضمون الشبهة:                

يدعي المنافقون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن، أي: كل من قال له شيئا صدقه، وكل من حدثه صدقه، فإذا ما جاءوه وحلفوا له صدقهم دون تمييز بين الصدق والكذب،

قال تعالى:

(ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن)

(التوبة: 61).

وجها إبطال الشبهة:

1) كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعامل المنافقين بأحكام الشريعة وآدابها التي يعامل بها عامة المسلمين، كما أمره ربه بمعاملة الناس على ما يظهر منهم.

2) كونه - صلى الله عليه وسلم - أذن خير أي: يؤمن بما يوحى إليه ربه من أخبار المنافقين وغيرهم، ويصدق ما يقوله المؤمنون الصادقون، ولا يفضح أمر المنافقين الكاذبين.

التفصيل:

أولا. معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - للمنافقين كانت على ظاهر أحوالهم:

هذا ضرب من دلائل نفاق أولئك المنافقين وآثاره، وهو إيذاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالطعن في أخلاقه العظيمة وشمائله الكريمة. وهم هنا يقولون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه أذن، أي: من حدثه شيئا صدقه، وقولهم "أذن" هو من تسمية الشخص باسم الجارحة للمبالغة في وصفها بوظيفتها، وهو كثرة السمع لما يقال وتصديقه كأنه كله أذن سامعة؛ كقولهم للجاسوس: عين، ويطلق على لازمه وهو عدم الدقة في التمييز بين ما يسمع، وتصديق ما يعقل وما لا يعقل، فيراد به الذم، وهو من أكبر عيوب الملوك والأمراء والرءوساء؛ لما يترتب عليه من قبول الغش والكذب والنميمة، وتقريب المنافقين وإبعاد الناصحين.

قال أبو السعود: "إنما قالوه - أي قولهم هذا - لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يواجههم بسوء ما صنعوا، ويصفح عنهم حلما وكرما، فحملوه على سلامة القلب، وقالوا ما قالوا، ولقد كان - صلى الله عليه وسلم - يعامل المنافقين بأحكام الشريعة وآدابها التي يعامل بها عامة المسلمين، كما أمره الله - عز وجل - ببناء المعاملة على الظواهر، فظن أولئك أنه يصدق كل ما يقال له.

ولقد لقن الله - سبحانه وتعالى - نبيه الرد عليهم،

فقال:

(قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم)

(التوبة: 61)

أي: نعم هو أذن، ولكنه نعم الأذن؛ لأنه أذن خير، لا كما تزعمون، فهو لا يقبل مما يسمعه إلا الحق وما وافق الشرع، وما فيه المصلحة، والخير للخلق، وليس بأذن في غير ذلك كسماع الباطل، والكذب والغيبة والنميمة والجدل والمراء، فهو لا يلقي سمعه لشيء من ذلك، وإذا سمعه من غير أن يستمع إليه لا يقبله، ولا يصدق ما لا يجوز تصديقه شرعا أو عقلا، كما هو شأن من يوصفون بهذا الوصف من الملوك والزعماء فيستعين المتملقون وأصحاب الأهواء به على السعاية والوشاية عنهم لإبعاد الناصحين المخلصين عنهم، وحملهم على من يبغون إيذاءه[1].

وفي قوله: (أذن خير لكم) دليل على أن خيرية الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد شملت الجميع، فلم يقل: أذن خير للمؤمنين، فقد تعدت هذه الخيرية المؤمنين إلى المنافقين وإلى الكفار، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضح منافقا، إلا إذا فضح الله المنافق بقرآن نزل من السماء.

وعلى سبيل المثال: كان المنافقون يأتون إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويعتذرون عن الجهاد في سبيل الله، ويطلبون الإذن بالقعود، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيهم الإذن، وحين كان المنافقون يأتون إلى الرسول الكريم ويحلفون له كذبا، كان يصدقهم، أو على الأرجح لا يفضح كذبهم أمام الناس.

وهكذا فرق الحق - سبحانه وتعالى - بين ما يريدونه، وبين ما يقصده الله عز وجل، فهم قصدوا وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه أذن سماعة لكل ما يقال، والله يقول: إنها أذن خير[2].

ورد القرآن هنا من باب أسلوب الحكيم، فهو في أوله يوافقهم على قولهم هو أذن، ثم يتبعه ما ينقضه عليهم حتى ينقض على رءوسهم، ولا شيء أبلغ من الرد عليهم بهذا الوجه؛ لأنه في الأول إطماع لهم بالموافقة، ثم كر على طمعهم بالحسم وأعقبهم في تنقصه باليأس منه، ولا شيء أقطع من الإطماع ثم اليأس يتلوه ويعقبه[3].

ثانيا. بيان معنى كونه - صلى الله عليه وسلم - أذن خير:

لقد فسر الله - عز وجل - المراد من "أذن الخير" بأفضل الخير وأعلاه،

فقال سبحانه وتعالى:

(يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين)

(التوبة: ٦١)

فهو يصدق بالله عز وجل، وما يوحيه إليه من خبركم وخبر غيركم، ويؤمن للمؤمنين الصادقين، وهذا يتضمن أنه لا يؤمن لهؤلاء المنافقين إيمان تسليم وائتمان، ولا يصدقهم في أخبارهم وإن أكدوها بالأيمان الغليظة،

كما ظن من قال منهم:

(هو أذن)

(التوبة: 61)

اغترارا بلطفه - صلى الله عليه وسلم - وأدبه؛ إذ كان لا يواجه أحدا بما يكره، وبمعاملته إياهم كما يعامل أمثالهم من عامة أصحابه.

وأما كونه أذن خير لهم مع هذا، فهو معاملته لهم بالحلم وما يقتضيه حكم الشرع من العمل بالظواهر، ومنها قبول المعاذير، ولو كان يعاملهم بمقتضى ما يسمع عنهم - كما يقتضيه استعمال كلمة أذن - لما سلموا من عقابه؛ لأن أخبار السوء عنهم كثيرة بكثرة أعمالهم السوء فيهم، لو كان يقبل أخبار الشر لقبلها من المؤمنين الصادقين فيهم ولعاقبهم عليها.

ومعنى قول الله - عز وجل - بعده:

(ورحمة للذين آمنوا منكم)

(التوبة: ٦١)

أي: دون غيرهم ممن أظهر الإسلام وأبطن الكفر من المنافقين، وبين الله - سبحانه وتعالى - لهم أيضا أن إيذاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقول أو الفعل يتنافى مع الإيمان؛ ولذا فإن جزاءه العذاب الأليم،

قال سبحانه وتعالى:

(والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) [4].

(التوبة: ٦١)

الخلاصة:

·لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعامل المنافقين بأحكام الشريعة وآدابها التي يعامل بها عامة المسلمين، كما أمره الله - عز وجل - ببناء المعاملة على ظاهر أحوالهم، فلم يكن أذنا - كما زعموا - يصدق كل ما يقال له دون تمييز بين حق وباطل.

·كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن خير، لا يقبل مما يسمعه إلا الحق وما وافق الشرع، وما فيه الخير والمصلحة للحق، فلم يلق سمعه لشيء من الغيبة والنميمة والجدل والمراء.

 

المراجع

  1. (*) الآية التي وردت فيها الشبهة: (التوبة/ 61). الآية التي ورد فيها الرد على الشبهة: (التوبة/ 61). 
  2.  تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، مج10، ص516: 518 بتصرف يسير.
  3.  تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1991م، ج9، ص5248، 5249 بتصرف. 
  4.  التفسير الوسيط، د. محمد سيد طنطاوي، مطبعة الرسالة، القاهرة، ط3، 1987م، ج6، ص210.
  5.  تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ج10، ص518، 519 بتصرف يسير.