نص السؤال
كيف يُؤمِنُ المسلِمون بمحمَّدٍ ﷺ ويحترِمونه، مع أنه كان كثيرَ الزوجات؛ حيثُ مات ﷺ وله تِسعٌ مِن الزوجات؟
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
ما الحكمةُ مِن كثرةِ زوجاتِ النبيِّ ﷺ؟
هل النبيُّ ﷺ كان كثيرَ الزواج؟
لماذا تزوَّج النبيُّ ﷺ بأكثرَ مِن أربعِ زوجات؟
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
هذه الشبهةُ تعبِّرُ عن تحامُلِ بعضِ الغربيِّين على رسولِ اللهِ ، وحِقْدِهم الأعمى.
إن زهدَ النبيِّ في الدنيا أمرٌ متواتِرٌ لا يُمكِنُ دَفعُه، وهو مما أقَرَّ به بعضُ الغربيِّين؛ كـ «تُومَاس كارلايل» في كتابِهِ: «الأبطال»، والنظرُ المُنصِفُ في كثرةِ أزواجِ النبيِّ ﷺ يُطلِعُكَ على بعضِ أوجُهِ تكميلِ اللهِ تعالى لنبيِّهِ ﷺ خَلْقًا وخُلُقًا، لا على شيءٍ مِن النقصِ بحال.
والاستشكالُ الذي يُورِدُهُ صاحبُ السؤالِ يتضمَّنُ الحاجةَ لبيانِ المَوقِفِ الصحيحِ مِن كثرةِ نساءِ الرسولِ ﷺ.
ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:
1- زواجُ الرجُلِ النساءَ مِن صفاتِ الكمالِ والمدح:
فالنكاحُ مما اتُّفِقَ شرعًا وعادةً على التمدُّحِ به، وليس عيبًا لا عقلًا وشرعًا، ولا ثبَتَ بالطبِّ دَلَالتُهُ على فسادٍ صحِّيٍّ أو نفسيٍّ.
فليس هناك سببٌ مقبولٌ يُوجِبُ القدحَ بكثرتِه، ولم يزَلِ التفاخُرُ بكثرتِهِ عادةً معروفةً، والتمادُحُ به سِيرةً ماضيةً.
ووجهُ ذلك: ما في النكاحِ مِن الدَّلالةِ على صحَّةِ البِنْية، وقوَّةِ الفُحولة، وكمالِ الرُّجولة.
وقد قال بعضُ أهلِ العلمِ: «كلُّ الشهَواتِ تقسِّي القلبَ إلا شهوةَ الجماع؛ فإنها تصفِّيه؛ ولهذا كان الأنبياءُ عليهم السلام يَفعَلونه».
وقال بعضُهم: «الأنبياءُ عليهم السلامُ زِيدوا في النكاحِ بفضلِ نبوَّتِهم؛ فإنه إذا امتلَأَ الصدرُ بالنور، ففاض في العروق، والتَذَّتِ النَّفْسُ والعروق، فأثار الشهوةَ وقوَّاها».
ولذلك قال النبيُّ ﷺ:
«حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ: النِّسَاءُ، وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ»؛
رواه أحمد (12293)، والنَّسائيُّ (3939)
.
وقال أنسُ بنُ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه
«كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ»؛
رواه البخاري (268)
وقال ابنُ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما
«خيرُ هذه الأُمَّةِ أكثَرُها نِساءً»، يعني: النبيَّ ﷺ؛
رواه البخاري (5069)
«أن سليمانَ بنَ داودَ عليهما السلامُ قال: لَأَطُوفَنَّ الليلةَ على مِئةِ امرأةٍ، أو تِسعٍ وتسعِينَ، كُلُّهُنَّ يَأْتي بفارِسٍ يجاهِدُ في سبيلِ اللهِ»
رواه البخاري (2819، 3424) مرفوعًا
وقد جاء أن سليمانَ عليه السلامُ له مِن الزوجاتِ ثلاثُ مِئةٍ، ومِن السراريِّ سبعُ مِئةٍ؛ كما عند الحاكم (2/ 589 رقم 4141)، ولأبيهِ داودَ عليه السلامُ مِئةُ زوجةٍ.
وهذا إذا ذُكِرَ للمبشِّرين مِن النصارى الطاعِنين في النبيِّ ﷺ بسببِ كثرةِ أزواجِه؛ فإنهم يُبهَتون، ولا يَجِدون له جوابًا؛ لأنه يَلزَمُهم حينئذٍ: إما الطعنُ في داودَ وسليمانَ عليهما السلام، وإما الإقرارُ بكمالِ النبيِّ ﷺ لكثرةِ أزواجِه.
2- ما يَفعَلُهُ النبيُّ ﷺ مِن المباحاتِ، لا يُقصَدُ به إلا الاستعانةُ على طاعةِ الله:
فإن لذَّاتِ الدنيا ونعيمَها إنما هي وسيلةٌ ومتاعٌ إلى لذَّاتِ الآخِرة؛ كما قال النبيُّ ﷺ:
«الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»؛
رواه مسلم (1467)
وأزواجُ النبيِّ ﷺ كلُّهُنَّ رضيَ اللهُ عنهُنَّ، نساءٌ صالحاتٌ؛ فكُنَّ خيرَ متاعٍ له ﷺ؛ وذلك مِن جهتَيْنِ:
- مِن جهةِ تنعُّمِهِ وقُرَّةِ عَيْنِهِ بهِنَّ.
- ومِن جهةِ إيصالِهِنَّ له إلى مَرْضاةِ ربِّه عزَّ وجلَّ، وإفضائِهِنَّ إلى لذَّةٍ أكملَ منهُنَّ.
ولذَّاتُ الدنيا تتزايَدُ وتتضاعَفُ بحسَبِ ما عند العبدِ مِن الإقبالِ على الله، وإخلاصِ العملِ له، والرغبةِ في الدارِ الآخِرة، ولنبيِّنا ﷺ مِن ذلك النصيبُ الأَوْفى؛ فإنه ﷺ لا يأتي شيئًا مِن المباحاتِ إلا بقصدِ الاستعانةِ على طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
3- إباحةُ الزيادةِ فوق أربعِ زوجاتٍ مِن خصائصِ النبيِّ ﷺ:
فإن اللهَ تعالى خَصَّ نبيَّه ﷺ بخصائصَ، بأنِ افترَضَ عليه أشياءَ خفَّفها عن خلقِهِ؛ ليَزيدَهُ بها قُرْبةً وكرامةً؛ مثلُ: وجوبِ الضُّحا، والوِتْرِ، والتهجُّدِ، والسِّواكِ، وأباح له أشياءَ حظَرَها على خَلْقِهِ؛ زيادةً في كرامتِه، وتِبْيانًا لفضيلتِه.
وكان في تخفيفِ اللهِ تعالى على نبيِّه ﷺ في شأنِ النساءِ بيانٌ لفضيلتِهِ؛ فإنه لما كان الحُرُّ لفضلِهِ على العبدِ يستبيحُ مِن نكاحِ النساءِ أكثرَ مما يستبيحُهُ العبدُ؛ فلا يجوزُ للعبدِ أن يزيدَ على زوجتَيْنِ، بينما يجوزُ للحُرِّ أن يزيدَ إلى أربعٍ -: وجَبَ أن يكونَ النبيُّ ﷺ - لفضلِهِ على جميعِ الأمَّةِ - يستبيحُ مِن النساءِ أكثرَ مما تستبيحُهُ جميعُ الأمَّة.
4- الحكمةُ في كثرةِ زوجاتِ النبيِّ ﷺ ظاهرةٌ:
فإن زوجاتِ النبيِّ ﷺ كُنَّ أسبابًا في خيرٍ كثيرٍ ونفعٍ عظيم، ونذكُرُ مِن ذلك جملةً مِن الأمور:
أ- لُطْفُ اللهِ تعالى بنبيِّه ﷺ: فقد نقَلْنَ ما لم ينقُلْهُ غيرُهُنَّ، مما رأَيْنَهُ في منامِه، وحالةِ خَلْوَتِهِ ﷺ مِن الآياتِ البيِّناتِ على نبوَّتِهِ ﷺ، ومِن جِدِّهِ واجتهادِهِ في العبادة، ومِن أمورٍ يَشهَدُ كلُّ ذي لُبٍّ أنها لا تكونُ إلا لنبيٍّ، وما كان يشاهِدُها غيرُهُنَّ، فيزولُ عنه ما يَرْميهِ المشرِكون به ﷺ مِن أنه ساحرٌ أو شاعرٌ.
ب- إظهارُ حسنِ خُلُقِهِ ﷺ: فقد تزوَّج أُمَّ حَبِيبةَ بنتَ أبي سُفْيانَ رضيَ اللهُ عنها، وأبوها إذْ ذاك يُعادِيه، وتزوَّج صفيَّةَ بنتَ حُيَيِّ بنِ أخطَبَ رضيَ اللهُ عنها بعد قتلِ أبيها وعمِّها وزَوْجِها، فلو لم يكن أكمَلَ الخَلْقِ في خُلُقِهِ، لَنَفَرْنَ منه، بل الذي وقَعَ أنه كان أحَبَّ إليهِنَّ مِن جميعِ أهلِهنَّ.
جـ- زيادةُ أجرِهِ ﷺ: فإنه لما كانت النساءُ مما حُبِّبَ إليه، كان في كثرتِهِنَّ زيادةُ اختبارٍ وابتلاءٍ له ﷺ؛ فإنه لم يَلتَهِ بهِنَّ - مع محبَّتِهنَّ - عما كُلِّفَ به مِن أداءِ الرسالة؛ فكان ذلك أعظَمَ لأجرِهِ ﷺ؛ فإن الأجرَ يزيدُ مع المشقَّة.
د- نَمُوذجٌ مِن التوكُّلِ على اللهِ تعالى: لكونِهِ ﷺ كان لا يجدُ ما يَشبَعُ به مِن القُوتِ غالبًا، وإن وجَدَ، كان يُؤثِرُ بأكثرِه، ويصومُ كثيرًا، ويواصِلُ، ومع ذلك: فقد كان له تِسعُ نسوةٍ، وربما عال أولادَهُنَّ مِن غيرِه.
هـ- نَقْلُ أحكامِ الشريعة: فإن اللهَ تعالى أراد نقلَ بواطِنِ الشريعةِ وظواهِرِها، وما يُسْتحيا مِن ذِكرِه، وما لا يُسْتحيا منه، وكان رسولُ اللهِ ﷺ أشَدَّ الناسِ حياءً، فجعَلَ اللهُ تعالى له نِسْوةً ينقُلْنَ مِن الشرعِ ما يرَيْنَهُ مِن أفعالِه، ويَسمَعْنَهُ مِن أقوالِه، التي قد يُسْتحيا مِن الإفصاحِ بها بحضرةِ الرجال؛ ليكتمِلَ نقلُ الشريعة، وكَثُرَ عددُ النساءِ ليكثُرَ الناقِلون لهذا النوع، ومنهُنَّ عُرِفَتْ مسائلُ الغُسْلِ، والحَيْضِ، والعِدَّةِ، ونحوِها.
و- تأليفُ قبائلِ العربِ، وكَسْبُ الأعوانِ له ﷺ: حيثُ تشرَّفت قبائلُ العربِ بمصاهَرتِهِ فيهم، وازداد في تألُّفِهم لذلك؛ كما في قصَّةِ زواجِ جُوَيْرِيَةَ بنتِ الحارثِ رضيَ اللهُ عنها؛ كما أن في ذلك تكثيرًا لعشيرتِهِ مِن جهةِ نسائِه، فيزدادُ أعوانُهُ ﷺ على مَن يحارِبُه.
ز- إظهارُ محبَّتِهِ لصحابتِهِ رضيَ اللهُ عنهم: كما في أمرِ عائشةَ وحفصةَ رضيَ اللهُ عنهما؛ فإن النبيَّ ﷺ شَدَّ صِلتَهُ بخلفائِهِ الأربعةِ عن طريقِ المصاهَرةِ، مع ما لبعضِهم مِن القرابةِ الخاصَّةِ؛ فتزوَّج ابنتَيْ أبي بكرٍ وعُمَرَ، وزوَّج بناتِهِ الثلاثَ بعثمانَ وعليٍّ، رضيَ اللهُ عن الجميع.
ح- انتشالُ العقيدةِ الفاسدةِ التي رسَخَتْ في قلوبِ الناسِ: كما في منعِ التزوُّجِ بزوجةِ ابنِ التبنِّي، التي أبطَلَها النبيُّ ﷺ بزواجِهِ مِن زينبَ بنتِ جَحْشٍ رضيَ اللهُ عنها. وبهذه الأوجُهِ وغيرِها: تتبيَّنُ الحكمةُ مِن كثرةِ نساءِ النبيِّ ﷺ.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
الزواجُ بأكثرَ مِنِ امرأةٍ - مِن وجهةِ نظرِ السائلِ - غيرُ مستساغٍ؛ فعنده: أن الرجُلَ كثيرَ الزوجاتِ إنما هو رجلٌ غريبُ الأطوار، أو عارمُ الشهوة، وهذا مِن وجهةِ نظرِ السائلِ: طعنٌ بمحمَّدٍ ﷺ، وبشخصيَّتِه؛ وهو يَمنَعُ مِن الإيمانِ به.
مختصَرُ الإجابة:
العاقلُ لا يفترِضُ مبدأً عقليًّا قبل أن يحاكِمَهُ، بل ربما هو يُجِيزُ مِثلَه.
فكثرةُ زواجِ الرجُلِ بالنساءِ ليس عَيْبًا؛ لا شرعًا، ولا عقلًا، ولا طبيعةً، بل هو مِن صفاتِ الكمالِ والمدح.
وأيضًا: فإن ما يَفعَلُهُ النبيُّ ﷺ مِن المباحاتِ - ككثرةِ زواجِهِ ﷺ - لا يُقصَدُ به إلا الاستعانةُ على طاعةِ الله.
وأيضًا: فإن اللهَ تعالى خَصَّ نبيَّه ﷺ بخصائصَ، بأنِ افترَضَ عليه أشياءَ خفَّفها عن خلقِهِ؛ ليَزيدَهُ بها قُرْبةً وكرامةً؛ مثلُ: وجوبِ الضُّحا، والوِتْرِ، والتهجُّدِ، والسِّواكِ، وأباح له أشياءَ حظَرَها على خَلْقِهِ؛ زيادةً في كرامتِه، وتِبْيانًا لفضيلتِه؛ كتزوُّجِهِ ﷺ بأكثرَ مِن أربعِ زوجات.
والحجَّةُ قائمةٌ على مَن سوَّغ كثرةَ معاشَرةِ النساءِ بغيرِ زواج، أو كان مِن أهلِ الكتاب؛ فقد كان مِن الأنبياءِ عليهم السلامُ مَن هو كثيرُ النساء، ومنهم أنبياءُ بني إسرائيلَ؛ كسليمانَ، وداودَ؛ ولذلك فإن كثرةَ النساءِ لا تُنافي الزهدَ، ولا تقسِّي القلبَ؛ وقد قال بعضُ أهلِ العلمِ: «كلُّ الشهَواتِ تقسِّي القلبَ إلا شهوةَ الجماع؛ فإنها تصفِّيه؛ ولهذا كان الأنبياءُ عليهم السلام يَفعَلونه»، بل ربما كانت الزوجةُ الصالحةُ مما يُعينُ على طاعةِ اللهِ تعالى، وقد كانت زوجاتُ النبيِّ ﷺ - وهُنَّ رضيَ اللهُ عنهنَّ نساءٌ مكرَّماتٌ صالحاتٌ - أسبابًا في خيرٍ كثيرٍ، ونفعٍ عظيم؛ منها: لُطْفُ اللهِ تعالى بنبيِّه ﷺ، وإظهارُ حسنِ خُلُقِه، وزيادةُ أجرِه، وبيانُ توكُّلِهِ على اللهِ تعالى، ونَقْلُ أحكامِ الشريعةِ خاصَّةً ما يُسْتحيا منه؛ كأحكامِ الغُسْلِ، والحَيْضِ، والعِدَّةِ، ونحوِها، وتأليفُ قبائلِ العربِ، وكَسْبُ الأعوانِ له ﷺ، وانتشالُ العقيدةِ الفاسدةِ التي رسَخَتْ في قلوبِ الناسِ؛ كمنعِ التزوُّجِ بزوجةِ ابنِ التبنِّي، وإظهارُ محبَّتِهِ لصحابتِهِ الذين صاهَرَهم؛ رضيَ اللهُ عنهم.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
الزواجُ بأكثرَ مِنِ امرأةٍ - مِن وجهةِ نظرِ السائلِ - غيرُ مستساغٍ؛ فعنده: أن الرجُلَ كثيرَ الزوجاتِ إنما هو رجلٌ غريبُ الأطوار، أو عارمُ الشهوة، وهذا مِن وجهةِ نظرِ السائلِ: طعنٌ بمحمَّدٍ ﷺ، وبشخصيَّتِه؛ وهو يَمنَعُ مِن الإيمانِ به.
مختصَرُ الإجابة:
العاقلُ لا يفترِضُ مبدأً عقليًّا قبل أن يحاكِمَهُ، بل ربما هو يُجِيزُ مِثلَه.
فكثرةُ زواجِ الرجُلِ بالنساءِ ليس عَيْبًا؛ لا شرعًا، ولا عقلًا، ولا طبيعةً، بل هو مِن صفاتِ الكمالِ والمدح.
وأيضًا: فإن ما يَفعَلُهُ النبيُّ ﷺ مِن المباحاتِ - ككثرةِ زواجِهِ ﷺ - لا يُقصَدُ به إلا الاستعانةُ على طاعةِ الله.
وأيضًا: فإن اللهَ تعالى خَصَّ نبيَّه ﷺ بخصائصَ، بأنِ افترَضَ عليه أشياءَ خفَّفها عن خلقِهِ؛ ليَزيدَهُ بها قُرْبةً وكرامةً؛ مثلُ: وجوبِ الضُّحا، والوِتْرِ، والتهجُّدِ، والسِّواكِ، وأباح له أشياءَ حظَرَها على خَلْقِهِ؛ زيادةً في كرامتِه، وتِبْيانًا لفضيلتِه؛ كتزوُّجِهِ ﷺ بأكثرَ مِن أربعِ زوجات.
والحجَّةُ قائمةٌ على مَن سوَّغ كثرةَ معاشَرةِ النساءِ بغيرِ زواج، أو كان مِن أهلِ الكتاب؛ فقد كان مِن الأنبياءِ عليهم السلامُ مَن هو كثيرُ النساء، ومنهم أنبياءُ بني إسرائيلَ؛ كسليمانَ، وداودَ؛ ولذلك فإن كثرةَ النساءِ لا تُنافي الزهدَ، ولا تقسِّي القلبَ؛ وقد قال بعضُ أهلِ العلمِ: «كلُّ الشهَواتِ تقسِّي القلبَ إلا شهوةَ الجماع؛ فإنها تصفِّيه؛ ولهذا كان الأنبياءُ عليهم السلام يَفعَلونه»، بل ربما كانت الزوجةُ الصالحةُ مما يُعينُ على طاعةِ اللهِ تعالى، وقد كانت زوجاتُ النبيِّ ﷺ - وهُنَّ رضيَ اللهُ عنهنَّ نساءٌ مكرَّماتٌ صالحاتٌ - أسبابًا في خيرٍ كثيرٍ، ونفعٍ عظيم؛ منها: لُطْفُ اللهِ تعالى بنبيِّه ﷺ، وإظهارُ حسنِ خُلُقِه، وزيادةُ أجرِه، وبيانُ توكُّلِهِ على اللهِ تعالى، ونَقْلُ أحكامِ الشريعةِ خاصَّةً ما يُسْتحيا منه؛ كأحكامِ الغُسْلِ، والحَيْضِ، والعِدَّةِ، ونحوِها، وتأليفُ قبائلِ العربِ، وكَسْبُ الأعوانِ له ﷺ، وانتشالُ العقيدةِ الفاسدةِ التي رسَخَتْ في قلوبِ الناسِ؛ كمنعِ التزوُّجِ بزوجةِ ابنِ التبنِّي، وإظهارُ محبَّتِهِ لصحابتِهِ الذين صاهَرَهم؛ رضيَ اللهُ عنهم.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
هذه الشبهةُ تعبِّرُ عن تحامُلِ بعضِ الغربيِّين على رسولِ اللهِ ، وحِقْدِهم الأعمى.
إن زهدَ النبيِّ في الدنيا أمرٌ متواتِرٌ لا يُمكِنُ دَفعُه، وهو مما أقَرَّ به بعضُ الغربيِّين؛ كـ «تُومَاس كارلايل» في كتابِهِ: «الأبطال»، والنظرُ المُنصِفُ في كثرةِ أزواجِ النبيِّ ﷺ يُطلِعُكَ على بعضِ أوجُهِ تكميلِ اللهِ تعالى لنبيِّهِ ﷺ خَلْقًا وخُلُقًا، لا على شيءٍ مِن النقصِ بحال.
والاستشكالُ الذي يُورِدُهُ صاحبُ السؤالِ يتضمَّنُ الحاجةَ لبيانِ المَوقِفِ الصحيحِ مِن كثرةِ نساءِ الرسولِ ﷺ.
ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:
1- زواجُ الرجُلِ النساءَ مِن صفاتِ الكمالِ والمدح:
فالنكاحُ مما اتُّفِقَ شرعًا وعادةً على التمدُّحِ به، وليس عيبًا لا عقلًا وشرعًا، ولا ثبَتَ بالطبِّ دَلَالتُهُ على فسادٍ صحِّيٍّ أو نفسيٍّ.
فليس هناك سببٌ مقبولٌ يُوجِبُ القدحَ بكثرتِه، ولم يزَلِ التفاخُرُ بكثرتِهِ عادةً معروفةً، والتمادُحُ به سِيرةً ماضيةً.
ووجهُ ذلك: ما في النكاحِ مِن الدَّلالةِ على صحَّةِ البِنْية، وقوَّةِ الفُحولة، وكمالِ الرُّجولة.
وقد قال بعضُ أهلِ العلمِ: «كلُّ الشهَواتِ تقسِّي القلبَ إلا شهوةَ الجماع؛ فإنها تصفِّيه؛ ولهذا كان الأنبياءُ عليهم السلام يَفعَلونه».
وقال بعضُهم: «الأنبياءُ عليهم السلامُ زِيدوا في النكاحِ بفضلِ نبوَّتِهم؛ فإنه إذا امتلَأَ الصدرُ بالنور، ففاض في العروق، والتَذَّتِ النَّفْسُ والعروق، فأثار الشهوةَ وقوَّاها».
ولذلك قال النبيُّ ﷺ:
«حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ: النِّسَاءُ، وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ»؛
رواه أحمد (12293)، والنَّسائيُّ (3939)
.
وقال أنسُ بنُ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه
«كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ»؛
رواه البخاري (268)
وقال ابنُ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما
«خيرُ هذه الأُمَّةِ أكثَرُها نِساءً»، يعني: النبيَّ ﷺ؛
رواه البخاري (5069)
«أن سليمانَ بنَ داودَ عليهما السلامُ قال: لَأَطُوفَنَّ الليلةَ على مِئةِ امرأةٍ، أو تِسعٍ وتسعِينَ، كُلُّهُنَّ يَأْتي بفارِسٍ يجاهِدُ في سبيلِ اللهِ»
رواه البخاري (2819، 3424) مرفوعًا
وقد جاء أن سليمانَ عليه السلامُ له مِن الزوجاتِ ثلاثُ مِئةٍ، ومِن السراريِّ سبعُ مِئةٍ؛ كما عند الحاكم (2/ 589 رقم 4141)، ولأبيهِ داودَ عليه السلامُ مِئةُ زوجةٍ.
وهذا إذا ذُكِرَ للمبشِّرين مِن النصارى الطاعِنين في النبيِّ ﷺ بسببِ كثرةِ أزواجِه؛ فإنهم يُبهَتون، ولا يَجِدون له جوابًا؛ لأنه يَلزَمُهم حينئذٍ: إما الطعنُ في داودَ وسليمانَ عليهما السلام، وإما الإقرارُ بكمالِ النبيِّ ﷺ لكثرةِ أزواجِه.
2- ما يَفعَلُهُ النبيُّ ﷺ مِن المباحاتِ، لا يُقصَدُ به إلا الاستعانةُ على طاعةِ الله:
فإن لذَّاتِ الدنيا ونعيمَها إنما هي وسيلةٌ ومتاعٌ إلى لذَّاتِ الآخِرة؛ كما قال النبيُّ ﷺ:
«الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»؛
رواه مسلم (1467)
وأزواجُ النبيِّ ﷺ كلُّهُنَّ رضيَ اللهُ عنهُنَّ، نساءٌ صالحاتٌ؛ فكُنَّ خيرَ متاعٍ له ﷺ؛ وذلك مِن جهتَيْنِ:
- مِن جهةِ تنعُّمِهِ وقُرَّةِ عَيْنِهِ بهِنَّ.
- ومِن جهةِ إيصالِهِنَّ له إلى مَرْضاةِ ربِّه عزَّ وجلَّ، وإفضائِهِنَّ إلى لذَّةٍ أكملَ منهُنَّ.
ولذَّاتُ الدنيا تتزايَدُ وتتضاعَفُ بحسَبِ ما عند العبدِ مِن الإقبالِ على الله، وإخلاصِ العملِ له، والرغبةِ في الدارِ الآخِرة، ولنبيِّنا ﷺ مِن ذلك النصيبُ الأَوْفى؛ فإنه ﷺ لا يأتي شيئًا مِن المباحاتِ إلا بقصدِ الاستعانةِ على طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
3- إباحةُ الزيادةِ فوق أربعِ زوجاتٍ مِن خصائصِ النبيِّ ﷺ:
فإن اللهَ تعالى خَصَّ نبيَّه ﷺ بخصائصَ، بأنِ افترَضَ عليه أشياءَ خفَّفها عن خلقِهِ؛ ليَزيدَهُ بها قُرْبةً وكرامةً؛ مثلُ: وجوبِ الضُّحا، والوِتْرِ، والتهجُّدِ، والسِّواكِ، وأباح له أشياءَ حظَرَها على خَلْقِهِ؛ زيادةً في كرامتِه، وتِبْيانًا لفضيلتِه.
وكان في تخفيفِ اللهِ تعالى على نبيِّه ﷺ في شأنِ النساءِ بيانٌ لفضيلتِهِ؛ فإنه لما كان الحُرُّ لفضلِهِ على العبدِ يستبيحُ مِن نكاحِ النساءِ أكثرَ مما يستبيحُهُ العبدُ؛ فلا يجوزُ للعبدِ أن يزيدَ على زوجتَيْنِ، بينما يجوزُ للحُرِّ أن يزيدَ إلى أربعٍ -: وجَبَ أن يكونَ النبيُّ ﷺ - لفضلِهِ على جميعِ الأمَّةِ - يستبيحُ مِن النساءِ أكثرَ مما تستبيحُهُ جميعُ الأمَّة.
4- الحكمةُ في كثرةِ زوجاتِ النبيِّ ﷺ ظاهرةٌ:
فإن زوجاتِ النبيِّ ﷺ كُنَّ أسبابًا في خيرٍ كثيرٍ ونفعٍ عظيم، ونذكُرُ مِن ذلك جملةً مِن الأمور:
أ- لُطْفُ اللهِ تعالى بنبيِّه ﷺ: فقد نقَلْنَ ما لم ينقُلْهُ غيرُهُنَّ، مما رأَيْنَهُ في منامِه، وحالةِ خَلْوَتِهِ ﷺ مِن الآياتِ البيِّناتِ على نبوَّتِهِ ﷺ، ومِن جِدِّهِ واجتهادِهِ في العبادة، ومِن أمورٍ يَشهَدُ كلُّ ذي لُبٍّ أنها لا تكونُ إلا لنبيٍّ، وما كان يشاهِدُها غيرُهُنَّ، فيزولُ عنه ما يَرْميهِ المشرِكون به ﷺ مِن أنه ساحرٌ أو شاعرٌ.
ب- إظهارُ حسنِ خُلُقِهِ ﷺ: فقد تزوَّج أُمَّ حَبِيبةَ بنتَ أبي سُفْيانَ رضيَ اللهُ عنها، وأبوها إذْ ذاك يُعادِيه، وتزوَّج صفيَّةَ بنتَ حُيَيِّ بنِ أخطَبَ رضيَ اللهُ عنها بعد قتلِ أبيها وعمِّها وزَوْجِها، فلو لم يكن أكمَلَ الخَلْقِ في خُلُقِهِ، لَنَفَرْنَ منه، بل الذي وقَعَ أنه كان أحَبَّ إليهِنَّ مِن جميعِ أهلِهنَّ.
جـ- زيادةُ أجرِهِ ﷺ: فإنه لما كانت النساءُ مما حُبِّبَ إليه، كان في كثرتِهِنَّ زيادةُ اختبارٍ وابتلاءٍ له ﷺ؛ فإنه لم يَلتَهِ بهِنَّ - مع محبَّتِهنَّ - عما كُلِّفَ به مِن أداءِ الرسالة؛ فكان ذلك أعظَمَ لأجرِهِ ﷺ؛ فإن الأجرَ يزيدُ مع المشقَّة.
د- نَمُوذجٌ مِن التوكُّلِ على اللهِ تعالى: لكونِهِ ﷺ كان لا يجدُ ما يَشبَعُ به مِن القُوتِ غالبًا، وإن وجَدَ، كان يُؤثِرُ بأكثرِه، ويصومُ كثيرًا، ويواصِلُ، ومع ذلك: فقد كان له تِسعُ نسوةٍ، وربما عال أولادَهُنَّ مِن غيرِه.
هـ- نَقْلُ أحكامِ الشريعة: فإن اللهَ تعالى أراد نقلَ بواطِنِ الشريعةِ وظواهِرِها، وما يُسْتحيا مِن ذِكرِه، وما لا يُسْتحيا منه، وكان رسولُ اللهِ ﷺ أشَدَّ الناسِ حياءً، فجعَلَ اللهُ تعالى له نِسْوةً ينقُلْنَ مِن الشرعِ ما يرَيْنَهُ مِن أفعالِه، ويَسمَعْنَهُ مِن أقوالِه، التي قد يُسْتحيا مِن الإفصاحِ بها بحضرةِ الرجال؛ ليكتمِلَ نقلُ الشريعة، وكَثُرَ عددُ النساءِ ليكثُرَ الناقِلون لهذا النوع، ومنهُنَّ عُرِفَتْ مسائلُ الغُسْلِ، والحَيْضِ، والعِدَّةِ، ونحوِها.
و- تأليفُ قبائلِ العربِ، وكَسْبُ الأعوانِ له ﷺ: حيثُ تشرَّفت قبائلُ العربِ بمصاهَرتِهِ فيهم، وازداد في تألُّفِهم لذلك؛ كما في قصَّةِ زواجِ جُوَيْرِيَةَ بنتِ الحارثِ رضيَ اللهُ عنها؛ كما أن في ذلك تكثيرًا لعشيرتِهِ مِن جهةِ نسائِه، فيزدادُ أعوانُهُ ﷺ على مَن يحارِبُه.
ز- إظهارُ محبَّتِهِ لصحابتِهِ رضيَ اللهُ عنهم: كما في أمرِ عائشةَ وحفصةَ رضيَ اللهُ عنهما؛ فإن النبيَّ ﷺ شَدَّ صِلتَهُ بخلفائِهِ الأربعةِ عن طريقِ المصاهَرةِ، مع ما لبعضِهم مِن القرابةِ الخاصَّةِ؛ فتزوَّج ابنتَيْ أبي بكرٍ وعُمَرَ، وزوَّج بناتِهِ الثلاثَ بعثمانَ وعليٍّ، رضيَ اللهُ عن الجميع.
ح- انتشالُ العقيدةِ الفاسدةِ التي رسَخَتْ في قلوبِ الناسِ: كما في منعِ التزوُّجِ بزوجةِ ابنِ التبنِّي، التي أبطَلَها النبيُّ ﷺ بزواجِهِ مِن زينبَ بنتِ جَحْشٍ رضيَ اللهُ عنها. وبهذه الأوجُهِ وغيرِها: تتبيَّنُ الحكمةُ مِن كثرةِ نساءِ النبيِّ ﷺ.