نص السؤال

 كيف نَقبَلُ حديثَ:

«لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»،

وقد وُجِدتْ دُوَلٌ كثيرةٌ تولَّت رياستَها نساءٌ، ونجَحَتْ تلك الدُّوَلُ نجاحاتٍ باهرةً تحت رياسةِ النساء؛ مثلُ: رياسةِ (أَنْدِيرا غانْدي) للهِند، ورياسةِ (مارْغْرِيت تاتْشَر) لبريطانيا، وغيرُهما الكثيرُ في القديمِ والحديث؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

دعوى ردِّ الأحاديثِ الدالَّةِ على إبعادِ المرأةِ عن الحياةِ السياسيَّة


الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:
حقيقةُ هذه الشبهةِ الطعنُ في موقِفِ الإسلامِ مِن المرأة؛ مِن جِهةِ بعضِ التيَّاراتِ العَلْمانيَّة.
ويُمكِنُ إزالةُ الإشكالِ الواردِ في السؤالِ مِن خلالِ النِّقاطِ التالية:
أوَّلًا: نَوَدُّ أن نقرِّرَ ابتداءً: أن الأدلَّةَ الشرعيَّةَ الدالَّةَ على عدمِ مشروعيَّةِ تولِّي المرأةِ الوِلايةَ العامَّةَ، لا تنحصِرُ في هذا الحديث، بل الوِلايةُ العامَّةُ إنما تكونُ لمَن جعَلَ اللهُ الرسالةَ فيهم، وهم الرجالُ الذين جعَلَهمُ اللهُ قوَّامين على النساء، وجعَلَ لهم عليهنَّ درَجةً.
كما دَلَّ على منعِ وِلايةِ المرأةِ الوِلايةَ العامَّةَ: انعقادُ الإجماع؛ حيثُ لم يُوَلِّ النبيُّ ﷺ، ولا أحدٌ مِن خلفائِه، ولا مَن بعدَهُمُ امرأةً؛ قضاءً ولا وِلايةَ بلدٍ، ولو جاز ذلك، لم يَخْلُ منه جميعُ الزمانِ غالبًا؛ كما يقولُ أهلُ العلم. 
وليس مقصودُنا هنا تقريرَ الأدلَّةِ على تحريمِ وِلايةِ المرأةِ الوِلاياتِ العامَّةَ؛ فلذلك موضعُهُ، وإنما المقصودُ: أن الاعتراضَ على هذا الحديثِ بدعوى مخالَفتِهِ للواقع، يَلزَمُ منه الاعتراضُ على سائرِ النصوصِ والأدلَّةِ الواردةِ في ذلك؛ فهو ليس ردًّا لخبَرِ آحادٍ، أو مجرَّدَ ردٍّ لحديثٍ في «الصحيحَيْن»، وإنما هو اعتراضٌ على منظومةِ تعامُلِ الإسلامِ مع المرأةِ التي دلَّت عليها نصوصٌ متضافِرةٌ.
ثانيًا: قد جاءت الشريعةُ بتفضيلِ الرجالِ على النساءِ في الميراثِ، والشهادةِ، والعِتْقِ، والعَقيقةِ، والدِّيَةِ؛ حيثُ جعَلتِ المرأةَ على النصفِ مِن الرجُلِ في هذه الخَمْسِ في بعضِ صُوَرِها؛ لعِلَلٍ ومقاصدَ ومصالحَ يَعلَمُها اللهُ تعالى، والجاهلُ بمقاصدِ التشريعِ ينفُخُ في كِيرِ الأقوالِ الشاذَّة، بدعوى المساواة، وإن خالَفَ الحكمةَ والعدلَ.
كما أن الشريعةَ جاءت باحتجابِ النساءِ عن الرجال، ومنعِ الاختلاطِ بين الرجالِ والنساء، ومعلومٌ أن وِلايةَ المرأةِ لا تتأتَّى إلا مع الاختلاط، وقد جاءت الشريعةُ بمنعِه، وفي كونِ النساءِ يحتجِبْنَ عن الرجالِ دَلالةٌ على أنهنَّ لَسْنَ أهلًا للوِلايةِ العامَّة، ولا ما دُونَها مِن الوِلاياتِ التي يكُنَّ فيها مَرجِعًا للرجال.
أَضِفْ إلى ذلك: أن الشريعةَ جاءت بتحريمِ سَفَرِ المرأةِ إلا مع ذي مَحْرَم؛ وهذا يدُلُّ على أن المرأةَ ليست مِن أهلِ الوِلايةِ العامَّة، ولا ما دُونَها مِن الوِلاياتِ على الرجال.
ثالثًا: أما الأمثلةُ التي تُذكَرُ لنجاحِ دُوَلٍ معاصِرةٍ رأَسَتْها نساءٌ، فيُجابُ عنها مِن وجهَيْن: 
الوجهُ الأوَّلُ: أن الفلاحَ المنفيَّ في الحديثِ فلاحٌ عامٌّ، يَشمَلُ الفلاحَ الدنيويَّ والأخرويَّ: 
فإذا سلَّمْنا بحصولِ الفلاحِ الدنيويِّ - بسببِ أولئك النساءِ اللاتي ترَأَّسْنَ دُوَلًا - فأين فلاحُهُنَّ وفلاحُ أُمَمهِنَّ في الآخِرة؟! إذِ الفلاحُ في لسانِ الشرعِ هو تحصيلُ خيرِ الدنيا والآخِرة، ولا يَلزَمُ مِن ازدهارِ المُلْكِ في الدنيا أن يكونَ القومُ في مَرْضاةِ الله، ومَن لم يكن في طاعةِ الله، فليس مِن المفلِحين، ولو كان في أحسنِ حالٍ فيما يَبْدو مِن أمرِ دُنْياه.
ومِن أوضحِ ما يتبيَّنُ به نفيُ الفلاحِ الأخرويِّ في وِلايةِ المرأةِ: أنها لا يُمكِنُها الإلزامُ - ولا الالتزامُ - بتنفيذِ أحكامِ الشرعِ المتعلِّقةِ بالنساءِ؛ مِن القرارِ في البيوتِ، وتركِ التبرُّجِ، ومنعِ الاختلاطِ بالرجالِ والخَلْوةِ بهم، وسَفَرِهِنَّ بدونِ مَحْرَمٍ، وغيرِ ذلك؛ لأن فاقِدَ الشيءِ لا يُعْطيه.
الوجهُ الثاني: النادِرُ لا حُكْمَ له:
فلو سُلِّمَ ذلك النجاحُ، فإن ذلك مِن الأمورِ النادِرةِ، والنادرُ لا حُكْمَ له، وإنما الحُكمُ للغالب؛ وعلى هذا: فالواجبُ اتِّهامُ العقول، واحترامُ النقولِ وتعظيمُها.
ومثلُ هذا العمومِ في الحديثِ: العمومُ في قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ:

{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}

[الزخرف: 43]

قال المفسِّرون: «لأن الأُنْثى غالبًا لا تَقدِرُ على القيامِ بحُجَّتِها، ولا الدفاعِ عن نفسِها»؛ فهو حكمٌ أغلبيٌّ؛ إذ قد تُوجَدُ النوادِرُ مِن النساءِ ممن يَغلِبْنَ بالحُجَّةِ ويَقُمْنَ بها. 
والواجبُ فَهْمُ النصوصِ وَفْقًا لِما فَهِمَهُ السلَفُ، لا أن تُفهَمَ النصوصُ فهومًا خاطئةً مخالِفةً لفهمِ السلف، ثم يُقدَحَ فيها بناءً على ذلك.
رابعًا: عدمُ وِلايةِ المرأةِ الوِلاياتِ العامَّةَ لا يدُلُّ على أن الشارعَ يَرَى فيها نقصَ ذكائِها وفِطْنتِها:
ومِن المُهِمِّ: أن نُشيرَ أيضًا إلى أن منعَ تولِّي المرأةِ الوِلاياتِ العامَّةَ مِن الإمامةِ، والقضاءِ، وغيرِها، يَرجِعُ إلى طبيعتِها الأُنْثويَّةِ، لا إلى نقصِ ذكائِها وفِطْنتِها، فالحُكمُ المستفادُ مِن هذا الحديثِ - وهو منعُ المرأةِ مِن الوِلايةِ العامَّةِ - ليس حكمًا تعبُّديًا يُقصَدُ مجرَّدُ امتثالِهِ، دون أن تُعلَمَ حِكمتُهُ، وإنما هو مِن الأحكامِ المعلَّلةِ بالحِكَمِ والمصالحِ؛ كسائرِ أحكامِ الشريعة؛ فهو حُكْمٌ له معانٍ واعتباراتٌ لا يَجهَلُها الواقِفون على الفروقِ الطبيعيَّةِ بين نوعَيِ الإنسانِ: «الرجُلِ، والمرأةِ».
ذلك أن هذا الحُكمَ لم يُنَطْ - أي: لم يُعلَّقْ ويرتبِطْ - بشيءٍ غيرِ (الأُنوثةِ، ومقتضَياتِها) التي جاءت كلمةُ (امرأةٍ) في الحديثِ عنوانًا لها؛ فـ (الأنوثةُ) وحدها هي العِلَّةُ فيه.
وواضحٌ أن (الأنوثةَ) ليس مِن مقتضاها الطبيعيِّ عدمُ العِلمِ والمَعرِفة، ولا عدمُ الذكاءِ والفِطْنة، حتى يكونَ شيءٌ مِن ذلك هو العلَّةَ؛ لأن الواقعَ يدُلُّ على أن للمرأةِ عِلمًا وقدرةً على أن تَعلَمَ كالرجُلِ، وعلى أن لها ذكاءً وفِطْنةً كالرجُلِ، بل قد تفوقُ الرجُلَ في العِلمِ والذكاءِ والفهم.
فالموجِبُ لهذا الحُكمِ شيءٌ وراءَ ذلك كلِّه؛ وهو أن المرأةَ - بمقتضى الخَلْقِ والتكوينِ - مطبوعةٌ على غرائزَ تناسِبُ المُهِمَّةَ التي خُلِقَتْ لأجلِها، وهي مُهِمَّةُ الأمومةِ، وحَضَانةِ النَّشْءِ وتربيتِه، وهذه قد جعَلَتْها ذاتَ تأثُّرٍ خاصٍّ بدواعي العاطفة؛ ولا تُعوِزُنا الأمثلةُ الواقعيَّةُ التي تدُلُّ على أن شدَّةَ الانفعالِ، والميلَ مع العاطفةِ، والإحجامَ عن تقحُّمِ القراراتِ الخَطِرةِ -: مِن خصائصِ المرأةِ في جميعِ أطوارِها وعصورِها.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (135)، (143)، (146)، (147)، (205)، (211)، (213)، (214)، (227)، (233)، (246).

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:
ورَدَ في «صحيحِ البخاريِّ» (4425) حديثُ:

«لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»،

وصاحبُ السؤالِ يرى أن هذا الحديثَ مخالِفٌ للواقعِ والحقائقِ الثابتةِ في نجاحِ وفلاحِ أُمَمٍ، مع تولِّي نساءٍ لأمورِهِنَّ. 
مختصَرُ الإجابة:
الأدلَّةُ الشرعيَّةُ الدالَّةُ على عدمِ مشروعيَّةِ تولِّي المرأةِ الوِلايةَ العامَّةَ، لا تنحصِرُ في هذا الحديث، بل الوِلايةُ العامَّةُ إنما تكونُ لمَن جعَلَ اللهُ الرسالةَ فيهم، وهم الرجالُ الذين جعَلَهمُ اللهُ قوَّامين على النساء، وجعَلَ لهم عليهنَّ درَجةً.
والنجاحُ الذي تحقِّقُهُ النساءُ اللواتي رأَسْنَ دُوَلًا غربيَّةً أو شرقيَّةً، نجاحٌ لَحْظيٌّ دُنْيويٌّ محدودٌ، والنجاحُ المنفيُّ في الحديثِ نجاحٌ شاملٌ، يَشمَلُ النجاحَيْنِ الدُّنْيويَّ والأُخْرويَّ؛ وهذا هو الفلاحُ المقصودُ في لسانِ الشرع.
ولا يُمكِنُ أن تَلِيَ امرأةٌ وِلايةً عامَّةً في دولةٍ إسلاميَّةٍ، وتحقِّقُ الفلاحَ المقصودَ والمطلوبَ مِن الإمامةِ الشرعيَّة؛ لأنها لا يُمكِنُها الإلزامُ - ولا الالتزامُ - بتنفيذِ أحكامِ الشرعِ المتعلِّقةِ بالنساءِ؛ مِن الاحتجابِ والقرارِ في البيوتِ، وتركِ التبرُّجِ، ومنعِ الاختلاطِ بالرجالِ والخَلْوةِ بهم، وسَفَرِهِنَّ بدونِ مَحرَمٍ، وغيرِ ذلك؛ فستكونُ فاقدةً لأخلاقيَّاتِ المسلِمةِ في ذلك؛ فتكونُ قُدْوةً سيِّئةً، وفاقِدُ الشيءِ لا يُعْطيه.
وهذا على التسليمِ بأن النساءَ المذكوراتِ في السؤالِ حَصَّلْنَ نجاحاتٍ؛ فذلك مِن النوادر، والنادرُ لا حُكمَ له.
على أن منعَ تولِّي المرأةِ الوِلاياتِ العامَّةَ مِن الإمامةِ، والقضاءِ، وغيرِها، يَرجِعُ عند الشارعِ إلى طبيعتِها الأُنْثويَّةِ، لا إلى نقصِ ذكائِها وفِطْنتِها؛ فالحُكمُ المستفادُ مِن هذا الحديثِ - وهو منعُ المرأةِ مِن الوِلايةِ العامَّةِ - هو مِن الأحكامِ الشرعيَّةِ المعلَّلةِ بالحِكَمِ والمصالحِ؛ كسائرِ أحكامِ الشريعة؛ فهو حُكْمٌ له معانٍ واعتباراتٌ لا يَجهَلُها الواقِفون على الفروقِ الطبيعيَّةِ بين نوعَيِ الإنسانِ: «الرجُلِ، والمرأةِ»؛ وذلك أن هذا الحُكمَ لم يُعلَّقْ بشيءٍ غيرِ (الأُنوثةِ، ومقتضَياتِها) التي جاءت كلمةُ (امرأةٍ) في الحديثِ عنوانًا لها؛ فـ (الأنوثةُ) وحدها هي العِلَّةُ فيه. 

خاتمة الجواب

.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:
ورَدَ في «صحيحِ البخاريِّ» (4425) حديثُ:

«لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»،

وصاحبُ السؤالِ يرى أن هذا الحديثَ مخالِفٌ للواقعِ والحقائقِ الثابتةِ في نجاحِ وفلاحِ أُمَمٍ، مع تولِّي نساءٍ لأمورِهِنَّ. 
مختصَرُ الإجابة:
الأدلَّةُ الشرعيَّةُ الدالَّةُ على عدمِ مشروعيَّةِ تولِّي المرأةِ الوِلايةَ العامَّةَ، لا تنحصِرُ في هذا الحديث، بل الوِلايةُ العامَّةُ إنما تكونُ لمَن جعَلَ اللهُ الرسالةَ فيهم، وهم الرجالُ الذين جعَلَهمُ اللهُ قوَّامين على النساء، وجعَلَ لهم عليهنَّ درَجةً.
والنجاحُ الذي تحقِّقُهُ النساءُ اللواتي رأَسْنَ دُوَلًا غربيَّةً أو شرقيَّةً، نجاحٌ لَحْظيٌّ دُنْيويٌّ محدودٌ، والنجاحُ المنفيُّ في الحديثِ نجاحٌ شاملٌ، يَشمَلُ النجاحَيْنِ الدُّنْيويَّ والأُخْرويَّ؛ وهذا هو الفلاحُ المقصودُ في لسانِ الشرع.
ولا يُمكِنُ أن تَلِيَ امرأةٌ وِلايةً عامَّةً في دولةٍ إسلاميَّةٍ، وتحقِّقُ الفلاحَ المقصودَ والمطلوبَ مِن الإمامةِ الشرعيَّة؛ لأنها لا يُمكِنُها الإلزامُ - ولا الالتزامُ - بتنفيذِ أحكامِ الشرعِ المتعلِّقةِ بالنساءِ؛ مِن الاحتجابِ والقرارِ في البيوتِ، وتركِ التبرُّجِ، ومنعِ الاختلاطِ بالرجالِ والخَلْوةِ بهم، وسَفَرِهِنَّ بدونِ مَحرَمٍ، وغيرِ ذلك؛ فستكونُ فاقدةً لأخلاقيَّاتِ المسلِمةِ في ذلك؛ فتكونُ قُدْوةً سيِّئةً، وفاقِدُ الشيءِ لا يُعْطيه.
وهذا على التسليمِ بأن النساءَ المذكوراتِ في السؤالِ حَصَّلْنَ نجاحاتٍ؛ فذلك مِن النوادر، والنادرُ لا حُكمَ له.
على أن منعَ تولِّي المرأةِ الوِلاياتِ العامَّةَ مِن الإمامةِ، والقضاءِ، وغيرِها، يَرجِعُ عند الشارعِ إلى طبيعتِها الأُنْثويَّةِ، لا إلى نقصِ ذكائِها وفِطْنتِها؛ فالحُكمُ المستفادُ مِن هذا الحديثِ - وهو منعُ المرأةِ مِن الوِلايةِ العامَّةِ - هو مِن الأحكامِ الشرعيَّةِ المعلَّلةِ بالحِكَمِ والمصالحِ؛ كسائرِ أحكامِ الشريعة؛ فهو حُكْمٌ له معانٍ واعتباراتٌ لا يَجهَلُها الواقِفون على الفروقِ الطبيعيَّةِ بين نوعَيِ الإنسانِ: «الرجُلِ، والمرأةِ»؛ وذلك أن هذا الحُكمَ لم يُعلَّقْ بشيءٍ غيرِ (الأُنوثةِ، ومقتضَياتِها) التي جاءت كلمةُ (امرأةٍ) في الحديثِ عنوانًا لها؛ فـ (الأنوثةُ) وحدها هي العِلَّةُ فيه. 

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:
حقيقةُ هذه الشبهةِ الطعنُ في موقِفِ الإسلامِ مِن المرأة؛ مِن جِهةِ بعضِ التيَّاراتِ العَلْمانيَّة.
ويُمكِنُ إزالةُ الإشكالِ الواردِ في السؤالِ مِن خلالِ النِّقاطِ التالية:
أوَّلًا: نَوَدُّ أن نقرِّرَ ابتداءً: أن الأدلَّةَ الشرعيَّةَ الدالَّةَ على عدمِ مشروعيَّةِ تولِّي المرأةِ الوِلايةَ العامَّةَ، لا تنحصِرُ في هذا الحديث، بل الوِلايةُ العامَّةُ إنما تكونُ لمَن جعَلَ اللهُ الرسالةَ فيهم، وهم الرجالُ الذين جعَلَهمُ اللهُ قوَّامين على النساء، وجعَلَ لهم عليهنَّ درَجةً.
كما دَلَّ على منعِ وِلايةِ المرأةِ الوِلايةَ العامَّةَ: انعقادُ الإجماع؛ حيثُ لم يُوَلِّ النبيُّ ﷺ، ولا أحدٌ مِن خلفائِه، ولا مَن بعدَهُمُ امرأةً؛ قضاءً ولا وِلايةَ بلدٍ، ولو جاز ذلك، لم يَخْلُ منه جميعُ الزمانِ غالبًا؛ كما يقولُ أهلُ العلم. 
وليس مقصودُنا هنا تقريرَ الأدلَّةِ على تحريمِ وِلايةِ المرأةِ الوِلاياتِ العامَّةَ؛ فلذلك موضعُهُ، وإنما المقصودُ: أن الاعتراضَ على هذا الحديثِ بدعوى مخالَفتِهِ للواقع، يَلزَمُ منه الاعتراضُ على سائرِ النصوصِ والأدلَّةِ الواردةِ في ذلك؛ فهو ليس ردًّا لخبَرِ آحادٍ، أو مجرَّدَ ردٍّ لحديثٍ في «الصحيحَيْن»، وإنما هو اعتراضٌ على منظومةِ تعامُلِ الإسلامِ مع المرأةِ التي دلَّت عليها نصوصٌ متضافِرةٌ.
ثانيًا: قد جاءت الشريعةُ بتفضيلِ الرجالِ على النساءِ في الميراثِ، والشهادةِ، والعِتْقِ، والعَقيقةِ، والدِّيَةِ؛ حيثُ جعَلتِ المرأةَ على النصفِ مِن الرجُلِ في هذه الخَمْسِ في بعضِ صُوَرِها؛ لعِلَلٍ ومقاصدَ ومصالحَ يَعلَمُها اللهُ تعالى، والجاهلُ بمقاصدِ التشريعِ ينفُخُ في كِيرِ الأقوالِ الشاذَّة، بدعوى المساواة، وإن خالَفَ الحكمةَ والعدلَ.
كما أن الشريعةَ جاءت باحتجابِ النساءِ عن الرجال، ومنعِ الاختلاطِ بين الرجالِ والنساء، ومعلومٌ أن وِلايةَ المرأةِ لا تتأتَّى إلا مع الاختلاط، وقد جاءت الشريعةُ بمنعِه، وفي كونِ النساءِ يحتجِبْنَ عن الرجالِ دَلالةٌ على أنهنَّ لَسْنَ أهلًا للوِلايةِ العامَّة، ولا ما دُونَها مِن الوِلاياتِ التي يكُنَّ فيها مَرجِعًا للرجال.
أَضِفْ إلى ذلك: أن الشريعةَ جاءت بتحريمِ سَفَرِ المرأةِ إلا مع ذي مَحْرَم؛ وهذا يدُلُّ على أن المرأةَ ليست مِن أهلِ الوِلايةِ العامَّة، ولا ما دُونَها مِن الوِلاياتِ على الرجال.
ثالثًا: أما الأمثلةُ التي تُذكَرُ لنجاحِ دُوَلٍ معاصِرةٍ رأَسَتْها نساءٌ، فيُجابُ عنها مِن وجهَيْن: 
الوجهُ الأوَّلُ: أن الفلاحَ المنفيَّ في الحديثِ فلاحٌ عامٌّ، يَشمَلُ الفلاحَ الدنيويَّ والأخرويَّ: 
فإذا سلَّمْنا بحصولِ الفلاحِ الدنيويِّ - بسببِ أولئك النساءِ اللاتي ترَأَّسْنَ دُوَلًا - فأين فلاحُهُنَّ وفلاحُ أُمَمهِنَّ في الآخِرة؟! إذِ الفلاحُ في لسانِ الشرعِ هو تحصيلُ خيرِ الدنيا والآخِرة، ولا يَلزَمُ مِن ازدهارِ المُلْكِ في الدنيا أن يكونَ القومُ في مَرْضاةِ الله، ومَن لم يكن في طاعةِ الله، فليس مِن المفلِحين، ولو كان في أحسنِ حالٍ فيما يَبْدو مِن أمرِ دُنْياه.
ومِن أوضحِ ما يتبيَّنُ به نفيُ الفلاحِ الأخرويِّ في وِلايةِ المرأةِ: أنها لا يُمكِنُها الإلزامُ - ولا الالتزامُ - بتنفيذِ أحكامِ الشرعِ المتعلِّقةِ بالنساءِ؛ مِن القرارِ في البيوتِ، وتركِ التبرُّجِ، ومنعِ الاختلاطِ بالرجالِ والخَلْوةِ بهم، وسَفَرِهِنَّ بدونِ مَحْرَمٍ، وغيرِ ذلك؛ لأن فاقِدَ الشيءِ لا يُعْطيه.
الوجهُ الثاني: النادِرُ لا حُكْمَ له:
فلو سُلِّمَ ذلك النجاحُ، فإن ذلك مِن الأمورِ النادِرةِ، والنادرُ لا حُكْمَ له، وإنما الحُكمُ للغالب؛ وعلى هذا: فالواجبُ اتِّهامُ العقول، واحترامُ النقولِ وتعظيمُها.
ومثلُ هذا العمومِ في الحديثِ: العمومُ في قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ:

{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}

[الزخرف: 43]

قال المفسِّرون: «لأن الأُنْثى غالبًا لا تَقدِرُ على القيامِ بحُجَّتِها، ولا الدفاعِ عن نفسِها»؛ فهو حكمٌ أغلبيٌّ؛ إذ قد تُوجَدُ النوادِرُ مِن النساءِ ممن يَغلِبْنَ بالحُجَّةِ ويَقُمْنَ بها. 
والواجبُ فَهْمُ النصوصِ وَفْقًا لِما فَهِمَهُ السلَفُ، لا أن تُفهَمَ النصوصُ فهومًا خاطئةً مخالِفةً لفهمِ السلف، ثم يُقدَحَ فيها بناءً على ذلك.
رابعًا: عدمُ وِلايةِ المرأةِ الوِلاياتِ العامَّةَ لا يدُلُّ على أن الشارعَ يَرَى فيها نقصَ ذكائِها وفِطْنتِها:
ومِن المُهِمِّ: أن نُشيرَ أيضًا إلى أن منعَ تولِّي المرأةِ الوِلاياتِ العامَّةَ مِن الإمامةِ، والقضاءِ، وغيرِها، يَرجِعُ إلى طبيعتِها الأُنْثويَّةِ، لا إلى نقصِ ذكائِها وفِطْنتِها، فالحُكمُ المستفادُ مِن هذا الحديثِ - وهو منعُ المرأةِ مِن الوِلايةِ العامَّةِ - ليس حكمًا تعبُّديًا يُقصَدُ مجرَّدُ امتثالِهِ، دون أن تُعلَمَ حِكمتُهُ، وإنما هو مِن الأحكامِ المعلَّلةِ بالحِكَمِ والمصالحِ؛ كسائرِ أحكامِ الشريعة؛ فهو حُكْمٌ له معانٍ واعتباراتٌ لا يَجهَلُها الواقِفون على الفروقِ الطبيعيَّةِ بين نوعَيِ الإنسانِ: «الرجُلِ، والمرأةِ».
ذلك أن هذا الحُكمَ لم يُنَطْ - أي: لم يُعلَّقْ ويرتبِطْ - بشيءٍ غيرِ (الأُنوثةِ، ومقتضَياتِها) التي جاءت كلمةُ (امرأةٍ) في الحديثِ عنوانًا لها؛ فـ (الأنوثةُ) وحدها هي العِلَّةُ فيه.
وواضحٌ أن (الأنوثةَ) ليس مِن مقتضاها الطبيعيِّ عدمُ العِلمِ والمَعرِفة، ولا عدمُ الذكاءِ والفِطْنة، حتى يكونَ شيءٌ مِن ذلك هو العلَّةَ؛ لأن الواقعَ يدُلُّ على أن للمرأةِ عِلمًا وقدرةً على أن تَعلَمَ كالرجُلِ، وعلى أن لها ذكاءً وفِطْنةً كالرجُلِ، بل قد تفوقُ الرجُلَ في العِلمِ والذكاءِ والفهم.
فالموجِبُ لهذا الحُكمِ شيءٌ وراءَ ذلك كلِّه؛ وهو أن المرأةَ - بمقتضى الخَلْقِ والتكوينِ - مطبوعةٌ على غرائزَ تناسِبُ المُهِمَّةَ التي خُلِقَتْ لأجلِها، وهي مُهِمَّةُ الأمومةِ، وحَضَانةِ النَّشْءِ وتربيتِه، وهذه قد جعَلَتْها ذاتَ تأثُّرٍ خاصٍّ بدواعي العاطفة؛ ولا تُعوِزُنا الأمثلةُ الواقعيَّةُ التي تدُلُّ على أن شدَّةَ الانفعالِ، والميلَ مع العاطفةِ، والإحجامَ عن تقحُّمِ القراراتِ الخَطِرةِ -: مِن خصائصِ المرأةِ في جميعِ أطوارِها وعصورِها.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (135)، (143)، (146)، (147)، (205)، (211)، (213)، (214)، (227)، (233)، (246).

خاتمة الجواب

.