نص السؤال

ذكَرَ بعضُهم أن حديثَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، فَاقْتُلُوهُ» ضعيفٌ؛ لاتِّهامِ أحدِ رواتِه؛ فلماذا يُحكَمُ بقتلِ المرتدّ؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

عقوبةُ المرتدِّ في الإسلام، حَدُّ الردَّة، الحدود.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

أحدُ الممارَساتِ المتكرِّرةِ: أن يعتقِدَ الإنسانُ شيئًا، ثم يَسْعى أن يستدِلَّ له، مع أن الواجبَ أن الاعتقادَ يَتبَعُ الأدلَّةَ.

وعقوبةُ المرتدِّ لا تتوافَقُ مع عددٍ مِن الثقافاتِ المعاصِرة؛ وهذا أسهَمَ في ظهورِ كثيرٍ مِن المقالاتِ التي تَرَى معارَضتَهُ ولو بوجوهٍ ضعيفة.

ومنها: تضعيفُ القولِ بعقوبةِ المرتدِّ؛ بناءً على دعوى القولِ بضعفِ أحدِ أدلَّتِهِ المشهورة، وهو هذا الحديثُ؛ وذلك أنه مِن روايةِ عِكرِمةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ، وعِكرِمةُ في ظنِّه مِن الخوارج، والخوارجُ يستبيحون دماءَ المسلِمين قبل غيرِهم؛ فهو حديثٌ يوافِقُ تلك البدعةَ، لا سيَّما وأن الخوارجَ يَرَوْنَ أن المسلِمين قد بدَّلوا دينَهم؛ وعلى هذا: فالحديثُ سيكونُ حُجَّةً للخوارجِ في استباحةِ دماءِ المسلِمين. فبناءً على مقدِّمةِ كونِهِ مِن الخوارجِ: خرَجَ بنتيجةِ ضعفِ الحديث، ومنها بنتيجةِ عدمِ القولِ 

بعقوبةِ المرتدِّ، مع أن كلًّا مِن المقدِّمةِ والنتيجتَيْنِ، خطأٌ.

والجوابُ تفصيلًا مِن وجوه:

1- نشيرُ إلى أنه جاءت الإشارةُ إلى تشديدِ العقوبةِ على المرتدِّ في القرآنِ الكريم، وهي وإن لم تصرِّحْ باسمِ القتلِ، فلا تخالِفُهُ، بل هي ممهِّدةٌ له؛ وبالتالي: فالأحاديثُ هي التي فصَّلَتْ أحكامَ ذلك، كما أن القرآنَ أجمَلَ في بعضِ أحكامِ الصلاةِ والزكاةِ وغيرِها، وفصَّلَتْها الأحاديث:

قال تعالى:

{وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلَاّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}

[التوبة: 74]

فأخبَرَ عن العذابِ الأليمِ في الدنيا، وفُسِّرَتْ أيضًا بالقتل.

وكذلك قولُهُ تعالى: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 66]؛ فذكَرَ التعذيبَ.

وقد استدَلَّ بعضُ أهلِ العلمِ: بعمومِ الآياتِ الواردةِ في القرآنِ الكريمِ الآمِرةِ بقتلِ المشرِكين، على قتلِ المرتدّ.

2- لو افترَضْنا أن هذا الحديثَ المذكورَ لم يثبُتْ عن النبيِّ ^، فإن عقوبةَ المرتَدِّ ثابتةٌ بأدلَّةٍ أخرى:

كحديثِ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه حين ذكَرَ ما يُبيحُ دمَ المسلِمِ، فقال:

«وَكُفْرٌ بَعْدَ إِيمَانٍ»

رواه أحمد (3/ 20 رقم 1402)، والدارمي (3/ 1477 رقم 2343).

وكحديثِ مُعاذٍ، وأبي موسى؛ رضيَ اللهُ عنهما، وغيرِهم: في قتلِ اليهوديِّ الذي أسلَمَ ثم ارتدَّ، وإخبارِ أن ذلك هو مقتضى الشريعة؛ رواه البخاري (4341، 4342، 4344).

وقد قاتَلَ أبو بكرٍ الصِّدَّيقُ رضيَ اللهُ عنه المرتدِّين، وثبَتَتْ وقائعُ في قتلِ المرتدِّين في أزمنةِ الخلفاءِ الراشِدين جميعًا؛ فالمسألةُ إجماعيَّة. والمدلولُ إذا تعدَّدتْ أدلَّتُهُ، فلا يسقُطُ بسقوطِ دليلٍ واحدٍ، وإنما يسقُطُ بسقوطِها جميعًا، فلو سلَّمنا بضعفِ حديثِ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، فَاقْتُلُوهُ»، فإن ذلك لا يُوهِنُ الأساسَ الشرعيَّ لعقوبةِ المرتدِّ؛ لأن ثَمَّةَ نصوصًا وأحاديثَ عدَّةً في الموضوع؛ فكيف والحديثُ في «صحيحِ البخاريِّ»، ولا مَطعَنَ صحيحٌ فيه؟! وهو متَّسِقٌ مع كتابِ اللهِ تعالى، ومع سائرِ الأحاديث.

3- مَن تكلَّم في عِكْرِمةَ مِن الأئمَّةِ، تكلَّم لغرَضٍ معيَّنٍ، ولا يَلزَمُ في ذلك اطِّراحُ حديثِهِ كلِّه، ولا يَلزَمُ مِن ذلك مخالَفتُهُ فيما رواه.

وعلى سبيلِ المثالِ: فمِن أشهرِ مَن ذكَروا عنه الطعنَ في عِكرِمةَ: الإمامُ مالكٌ، مع أن مالكًا لم يثبُتْ أنه طعَنَ في أصلِ دِينِهِ أو حفظِه، ولا أنه رَدَّ حديثَه، بل إن مالكًا روى عنه في كتابِهِ «الموطَّأِ»، في أكثرَ مِن موضعٍ؛ ففرقٌ بين إنكارِهِ عليه شيئًا يراهُ خطأً؛ ككونِهِ يَقبَلُ جوائزَ السلاطينِ، أو يَرَى بعضَ الآراءِ، وبين أن يرُدَّ حديثَه.

بل إن مالكًا يقولُ بهذا الحُكْمِ، ويَرْوي الحديثَ نفسَهُ في «موطَّئِهِ» (15)، عن زيدِ بنِ أسلَمَ، بلفظِ: «مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ»، ويحتجُّ به.

أما رميُ عِكرِمةَ بالكذبِ، وبأنه مِن الخوارجِ: فقد صنَّف بعضُ الأئمَّةِ في ردِّ هذَيْنِ الطعنَيْنِ في عِكرِمةَ - رحمه اللهُ تعالى - المذكورَيْنِ في السؤال، منهم: أبو جَعفَرِ ابنُ جَريرٍ الطبَريُّ، ومحمَّدُ بنُ نصرٍ المَروَزيُّ، وأبو عبدِ اللهِ ابنُ مَنْدَهْ، وأبو حاتمِ ابنُ حِبَّانَ، وأبو عُمَرَ ابنُ عبدِ البَرِّ، وغيرُهم.

وبهذا يتبيَّنُ: أن الطعنَ في عقوبةِ المرتَدِّ استنادًا للطعنِ في عِكرِمةَ، هي - في حقيقتِها - إهمالٌ لطريقةِ أهلِ العِلمِ في جمعِ النصوصِ الواردةِ في البابِ الواحد، وإهمالٌ لطريقتِهم في جمعِ طرُقِ الحديث، والتعامُلِ مع الرواةِ جرحًا وتعديلًا.

4- عقوبةُ المرتدِّ لا تخالِفُ أصولَ الشرعِ؛ فلها نظائرُ في بعضِ عقوباتِ أهلِ الجرائمِ، ولو كانت مجرَّدَ رأيٍ أو اختيارٍ شخصيٍّ؛ كعقوبةِ القاذفِ، والزاني، وكذلك هي لا تخالِفُ العقلَ، وبعضُهم يستدِلُّ لها بشواهدَ مِن أحكامِ الأُمَمِ والدُّوَل، ولكنها على كلِّ حالٍ إنما ثبَتَتْ بالشرع. ولهذا قد لا تَكْفي الحُجَجُ الشرعيَّةُ والعقليَّةُ في إثباتِها؛ ما لم يكن هناك اطمئنانٌ في النفسِ لقَبولِ أحكامِ الشرعِ أيًّا كانت، عُلِمَتْ حكمتُها أو لم تُعلَمْ.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال: 

  يشكِّكُ السائلُ في الأساسِ الشرعيِّ لمسألةِ قتلِ المرتَدِّ؛ فيستدِلُّ لذلك بضعفِ حديثِ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، فَاقْتُلُوهُ»؛ نظَرًا لاتِّهامِ أحدِ رواتِه. 

مختصَرُ الإجابة:

عقوبةُ المرتدِّ مَحَلُّ إجماع، وقد دَلَّ على قتلِ المرتَدِّ أدلَّةٌ كثيرةٌ، ووقائعُ عديدةٌ في تاريخِ الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم ومَن بعدَهم؛ كقتالِ أبي بكرٍ رضيَ اللهُ عنه للمرتدِّين.

ومنها حديثُ:

«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، فَاقْتُلُوهُ»

رواه البخاريُّ (3017).

ولو سلَّمْنا بضعفِهِ، فإن ذلك لا يُسقِطُ عقوبةَ المرتَدِّ؛ لأن القولَ إذا تعدَّدت أدلَّتُهُ، فلا يسقُطُ بسقوطِ واحدٍ مِن هذه الأدلَّة، وإنما يسقُطُ بسقوطِها جميعًا.

كما أن هذا الحديثَ متَّسِقٌ مع كتابِ اللهِ تعالى، ومع سائرِ الأحاديث:

فيَشهَدُ له ما جاء في القرآنِ مِن الإشارةِ إلى تشديدِ العقوبةِ على المرتدِّ؛ كما في قولِهِ تعالى:

{فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}

[التوبة: 74]

 وقولِهِ تعالى:

{لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}

[التوبة: 66]

وقد استدَلَّ بعضُ أهلِ العلمِ: بعمومِ الآياتِ الواردةِ في القرآنِ الآمِرةِ بقتلِ المشرِكين، على قتلِ المرتدّ. ومِن الأحاديثِ: حديثُ عثمانَ حين ذكَرَ ما يُبيحُ دمَ المسلِمِ، فقال: «وَكُفْرٌ بَعْدَ إِيمَانٍ»، وحديثُ مُعاذٍ، وأبي موسى: في قتلِ اليهوديِّ الذي أسلَمَ ثم ارتَدَّ.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:

عقوبةُ المرتدِّ مسألةٌ شرعيَّةٌ ثابتةٌ، وكونُها تتوقَّفُ في بعضِ الأحوالِ؛ نظرًا للعجزِ عن ذلك، أو لعدمِ استكمالِ مستلزَماتِ صحَّتِها أو مَصلَحتِها، أو لتفريطِ القادرِ فيها -: فكلُّ ذلك لا يَمنَعُ مِن بقاءِ الحكمِ الشرعيّ. ومع ذلك: فليست المسألةُ مِن أصولِ الدعوةِ التي يُدْعى لها ابتداءً، بل هو حكمٌ جزئيٌّ، وإنما يُعْنَى بتعليمِ أولويَّاتِ الشريعةِ وتعليمِها.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال: 

  يشكِّكُ السائلُ في الأساسِ الشرعيِّ لمسألةِ قتلِ المرتَدِّ؛ فيستدِلُّ لذلك بضعفِ حديثِ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، فَاقْتُلُوهُ»؛ نظَرًا لاتِّهامِ أحدِ رواتِه. 

مختصَرُ الإجابة:

عقوبةُ المرتدِّ مَحَلُّ إجماع، وقد دَلَّ على قتلِ المرتَدِّ أدلَّةٌ كثيرةٌ، ووقائعُ عديدةٌ في تاريخِ الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم ومَن بعدَهم؛ كقتالِ أبي بكرٍ رضيَ اللهُ عنه للمرتدِّين.

ومنها حديثُ:

«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، فَاقْتُلُوهُ»

رواه البخاريُّ (3017).

ولو سلَّمْنا بضعفِهِ، فإن ذلك لا يُسقِطُ عقوبةَ المرتَدِّ؛ لأن القولَ إذا تعدَّدت أدلَّتُهُ، فلا يسقُطُ بسقوطِ واحدٍ مِن هذه الأدلَّة، وإنما يسقُطُ بسقوطِها جميعًا.

كما أن هذا الحديثَ متَّسِقٌ مع كتابِ اللهِ تعالى، ومع سائرِ الأحاديث:

فيَشهَدُ له ما جاء في القرآنِ مِن الإشارةِ إلى تشديدِ العقوبةِ على المرتدِّ؛ كما في قولِهِ تعالى:

{فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}

[التوبة: 74]

 وقولِهِ تعالى:

{لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}

[التوبة: 66]

وقد استدَلَّ بعضُ أهلِ العلمِ: بعمومِ الآياتِ الواردةِ في القرآنِ الآمِرةِ بقتلِ المشرِكين، على قتلِ المرتدّ. ومِن الأحاديثِ: حديثُ عثمانَ حين ذكَرَ ما يُبيحُ دمَ المسلِمِ، فقال: «وَكُفْرٌ بَعْدَ إِيمَانٍ»، وحديثُ مُعاذٍ، وأبي موسى: في قتلِ اليهوديِّ الذي أسلَمَ ثم ارتَدَّ.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

أحدُ الممارَساتِ المتكرِّرةِ: أن يعتقِدَ الإنسانُ شيئًا، ثم يَسْعى أن يستدِلَّ له، مع أن الواجبَ أن الاعتقادَ يَتبَعُ الأدلَّةَ.

وعقوبةُ المرتدِّ لا تتوافَقُ مع عددٍ مِن الثقافاتِ المعاصِرة؛ وهذا أسهَمَ في ظهورِ كثيرٍ مِن المقالاتِ التي تَرَى معارَضتَهُ ولو بوجوهٍ ضعيفة.

ومنها: تضعيفُ القولِ بعقوبةِ المرتدِّ؛ بناءً على دعوى القولِ بضعفِ أحدِ أدلَّتِهِ المشهورة، وهو هذا الحديثُ؛ وذلك أنه مِن روايةِ عِكرِمةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ، وعِكرِمةُ في ظنِّه مِن الخوارج، والخوارجُ يستبيحون دماءَ المسلِمين قبل غيرِهم؛ فهو حديثٌ يوافِقُ تلك البدعةَ، لا سيَّما وأن الخوارجَ يَرَوْنَ أن المسلِمين قد بدَّلوا دينَهم؛ وعلى هذا: فالحديثُ سيكونُ حُجَّةً للخوارجِ في استباحةِ دماءِ المسلِمين. فبناءً على مقدِّمةِ كونِهِ مِن الخوارجِ: خرَجَ بنتيجةِ ضعفِ الحديث، ومنها بنتيجةِ عدمِ القولِ 

بعقوبةِ المرتدِّ، مع أن كلًّا مِن المقدِّمةِ والنتيجتَيْنِ، خطأٌ.

والجوابُ تفصيلًا مِن وجوه:

1- نشيرُ إلى أنه جاءت الإشارةُ إلى تشديدِ العقوبةِ على المرتدِّ في القرآنِ الكريم، وهي وإن لم تصرِّحْ باسمِ القتلِ، فلا تخالِفُهُ، بل هي ممهِّدةٌ له؛ وبالتالي: فالأحاديثُ هي التي فصَّلَتْ أحكامَ ذلك، كما أن القرآنَ أجمَلَ في بعضِ أحكامِ الصلاةِ والزكاةِ وغيرِها، وفصَّلَتْها الأحاديث:

قال تعالى:

{وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلَاّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}

[التوبة: 74]

فأخبَرَ عن العذابِ الأليمِ في الدنيا، وفُسِّرَتْ أيضًا بالقتل.

وكذلك قولُهُ تعالى: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 66]؛ فذكَرَ التعذيبَ.

وقد استدَلَّ بعضُ أهلِ العلمِ: بعمومِ الآياتِ الواردةِ في القرآنِ الكريمِ الآمِرةِ بقتلِ المشرِكين، على قتلِ المرتدّ.

2- لو افترَضْنا أن هذا الحديثَ المذكورَ لم يثبُتْ عن النبيِّ ^، فإن عقوبةَ المرتَدِّ ثابتةٌ بأدلَّةٍ أخرى:

كحديثِ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه حين ذكَرَ ما يُبيحُ دمَ المسلِمِ، فقال:

«وَكُفْرٌ بَعْدَ إِيمَانٍ»

رواه أحمد (3/ 20 رقم 1402)، والدارمي (3/ 1477 رقم 2343).

وكحديثِ مُعاذٍ، وأبي موسى؛ رضيَ اللهُ عنهما، وغيرِهم: في قتلِ اليهوديِّ الذي أسلَمَ ثم ارتدَّ، وإخبارِ أن ذلك هو مقتضى الشريعة؛ رواه البخاري (4341، 4342، 4344).

وقد قاتَلَ أبو بكرٍ الصِّدَّيقُ رضيَ اللهُ عنه المرتدِّين، وثبَتَتْ وقائعُ في قتلِ المرتدِّين في أزمنةِ الخلفاءِ الراشِدين جميعًا؛ فالمسألةُ إجماعيَّة. والمدلولُ إذا تعدَّدتْ أدلَّتُهُ، فلا يسقُطُ بسقوطِ دليلٍ واحدٍ، وإنما يسقُطُ بسقوطِها جميعًا، فلو سلَّمنا بضعفِ حديثِ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، فَاقْتُلُوهُ»، فإن ذلك لا يُوهِنُ الأساسَ الشرعيَّ لعقوبةِ المرتدِّ؛ لأن ثَمَّةَ نصوصًا وأحاديثَ عدَّةً في الموضوع؛ فكيف والحديثُ في «صحيحِ البخاريِّ»، ولا مَطعَنَ صحيحٌ فيه؟! وهو متَّسِقٌ مع كتابِ اللهِ تعالى، ومع سائرِ الأحاديث.

3- مَن تكلَّم في عِكْرِمةَ مِن الأئمَّةِ، تكلَّم لغرَضٍ معيَّنٍ، ولا يَلزَمُ في ذلك اطِّراحُ حديثِهِ كلِّه، ولا يَلزَمُ مِن ذلك مخالَفتُهُ فيما رواه.

وعلى سبيلِ المثالِ: فمِن أشهرِ مَن ذكَروا عنه الطعنَ في عِكرِمةَ: الإمامُ مالكٌ، مع أن مالكًا لم يثبُتْ أنه طعَنَ في أصلِ دِينِهِ أو حفظِه، ولا أنه رَدَّ حديثَه، بل إن مالكًا روى عنه في كتابِهِ «الموطَّأِ»، في أكثرَ مِن موضعٍ؛ ففرقٌ بين إنكارِهِ عليه شيئًا يراهُ خطأً؛ ككونِهِ يَقبَلُ جوائزَ السلاطينِ، أو يَرَى بعضَ الآراءِ، وبين أن يرُدَّ حديثَه.

بل إن مالكًا يقولُ بهذا الحُكْمِ، ويَرْوي الحديثَ نفسَهُ في «موطَّئِهِ» (15)، عن زيدِ بنِ أسلَمَ، بلفظِ: «مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ»، ويحتجُّ به.

أما رميُ عِكرِمةَ بالكذبِ، وبأنه مِن الخوارجِ: فقد صنَّف بعضُ الأئمَّةِ في ردِّ هذَيْنِ الطعنَيْنِ في عِكرِمةَ - رحمه اللهُ تعالى - المذكورَيْنِ في السؤال، منهم: أبو جَعفَرِ ابنُ جَريرٍ الطبَريُّ، ومحمَّدُ بنُ نصرٍ المَروَزيُّ، وأبو عبدِ اللهِ ابنُ مَنْدَهْ، وأبو حاتمِ ابنُ حِبَّانَ، وأبو عُمَرَ ابنُ عبدِ البَرِّ، وغيرُهم.

وبهذا يتبيَّنُ: أن الطعنَ في عقوبةِ المرتَدِّ استنادًا للطعنِ في عِكرِمةَ، هي - في حقيقتِها - إهمالٌ لطريقةِ أهلِ العِلمِ في جمعِ النصوصِ الواردةِ في البابِ الواحد، وإهمالٌ لطريقتِهم في جمعِ طرُقِ الحديث، والتعامُلِ مع الرواةِ جرحًا وتعديلًا.

4- عقوبةُ المرتدِّ لا تخالِفُ أصولَ الشرعِ؛ فلها نظائرُ في بعضِ عقوباتِ أهلِ الجرائمِ، ولو كانت مجرَّدَ رأيٍ أو اختيارٍ شخصيٍّ؛ كعقوبةِ القاذفِ، والزاني، وكذلك هي لا تخالِفُ العقلَ، وبعضُهم يستدِلُّ لها بشواهدَ مِن أحكامِ الأُمَمِ والدُّوَل، ولكنها على كلِّ حالٍ إنما ثبَتَتْ بالشرع. ولهذا قد لا تَكْفي الحُجَجُ الشرعيَّةُ والعقليَّةُ في إثباتِها؛ ما لم يكن هناك اطمئنانٌ في النفسِ لقَبولِ أحكامِ الشرعِ أيًّا كانت، عُلِمَتْ حكمتُها أو لم تُعلَمْ.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:

عقوبةُ المرتدِّ مسألةٌ شرعيَّةٌ ثابتةٌ، وكونُها تتوقَّفُ في بعضِ الأحوالِ؛ نظرًا للعجزِ عن ذلك، أو لعدمِ استكمالِ مستلزَماتِ صحَّتِها أو مَصلَحتِها، أو لتفريطِ القادرِ فيها -: فكلُّ ذلك لا يَمنَعُ مِن بقاءِ الحكمِ الشرعيّ. ومع ذلك: فليست المسألةُ مِن أصولِ الدعوةِ التي يُدْعى لها ابتداءً، بل هو حكمٌ جزئيٌّ، وإنما يُعْنَى بتعليمِ أولويَّاتِ الشريعةِ وتعليمِها.