نص السؤال

جاء في بعضِ الأحاديثِ: أن موسى عليه السلامُ لطَمَ ملَكَ الموتِ، وفقَأَ عَيْنَه؛ فكيف تضمَّنتِ السنَّةُ حديثًا يشيرُ إلى أن موسى عليه السلامُ يحبُّ البقاءَ في الدنيا، ويستخِفُّ بملَكِ الموتِ، ويَلطِمُهُ، ويَفقَأُ عَيْنَه؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

قصَّةُ موسى وملَكِ الموتِ مخالِفةٌ للمَنطِق

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:
هذا الحديثُ مِن الأحاديثِ التي طعَنَ فيها المبتدِعةُ منذُ وقتٍ مبكِّرٍ، وتصدَّى العلماءُ للردِّ عليهم في شبهاتِهم، ومِن أقدمِ مَن ردَّ على الشبهاتِ حوله الإمامُ أحمدُ رحمه الله، كما أورَدَ ابنُ حِبَّانَ (4/115) رحمه الله الحديثَ تحتَ عنوانِ: «ذِكْرُ خبَرٍ شنَّع به على منتحلي سُنَنِ المصطفى ﷺ مَن حُرِمَ التوفيقَ لإدراكِ معناه»، وتكلَّم عنه أيضًا.
ولا يزالُ المبتدِعةُ بأنواعِهم يُثيرون المَطاعِنَ فيه إلى يومِنا هذا.
جاء في «الصحيحَيْنِ»، وغيرِهما، مِن حديثِ أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، قال:

«أُرْسِلَ مَلَكُ المَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَلَمَّا جَاءَهُ، صَكَّهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ المَوْتَ، فَرَدَّ اللهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ، فَقُلْ لَهُ: يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ بِهِ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ، قَالَ: أَيْ رَبِّ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ المَوْتُ، قَالَ: فَالْآنَ، فَسَأَلَ اللهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ»، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ، لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ، إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ الكَثِيبِ الأَحْمَرِ»؛

رواه البخاري (1339)، ومسلم (2372)


وقد ظَنَّ بعضُ الطاعِنين أن في هذا الحديثِ ما يخالِفُ العقلَ والشرعَ، مع أن حقيقةَ هذه الشبهةِ مبنيَّةٌ على قراءةٍ خاطئةٍ لأحدِ الأحاديثِ النبويَّةِ الشريفة، غيرَ أنك إذا نظَرْتَ فيه نظرًا علميًّا منصِفًا بعيدًا عن الأهواء، وجَدتَّ أنه لا يدُلُّ بحالٍ على مَثلَبةٍ لموسى عليه السلامُ، وإنما يدُلُّ على نقيضِ ذلك مِن حِرصِهِ على إقامةِ دِينِ اللهِ تعالى؛ كما أنه لا يخالِفُ العقل.
ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:
1- الملَكُ الذي جاء إلى موسى جاء في غيرِ صورتِهِ الحقيقيَّة:
فقد كان الملائكةُ يأتُون الأنبياءَ في غيرِ صُوَرِهم الحقيقيَّة؛ لحِكْمةٍ وغايةٍ؛ كما وقَعَ مع إبراهيمَ ولُوطٍ عليهما السلامُ في قصَّةِ الضيوف، وكما قيل: إنه وقَعَ مع داودَ عليه السلامُ في قصَّةِ الخَصْمِ الذين تسوَّروا المحرابَ.
بل وقَعَ ذلك مع نبيِّنا محمَّدٍ ﷺ لمَّا جاءه جبريلُ في صورةِ رجُلٍ؛ ليعلِّمَ المسلِمين أمرَ دِينهِم، كما أنه جاء في بعضِ رواياتِ الحديثِ: أن «مَلَكَ الْمَوْتِ كَانَ يَأْتِي النَّاسَ عِيَانًا»؛ كما في «مسندِ الإمامِ أحمد» (10904).
2- موسى عليه السلامُ لم يَعلَمْ أن الشخصَ الذي أتاه هو ملَكُ الموت:
فهو يَعلَمُ عِلمَ اليقينِ أن الأنبياءَ لا تُقبَضُ أرواحُهم حتى يُخيَّروا بين الحياةِ والموتِ، وهذا الشخصُ لم يخيِّرْه، ثم إن ملكَ الموت لمَّا جاءه، لم يَزِدْ على قولِهِ لموسى عليه السلامُ: «أَجِبْ رَبَّكَ»، ولم يُخبِرْهُ أنه ملَكُ الموت ليَعلَمَ ذلك، وهذه العبارةُ قد تصدُرُ ممن يَقصِدُ قتلَهُ وإيذاءَه.
كما أننا بالمقارَنةِ بين رِدَّةِ فعلِ موسى عليه السلامُ مع مجيءِ الملَكِ في المرَّةِ الأُولى، ومع مجيئِهِ في المرَّةِ الثانيةِ؛ نَعلَمُ أنه لم يَعرِفْهُ في الأُولى؛ إذْ لو عرَفهُ، لتصرَّف كما تصرَّف في المرَّةِ الثانية، عند تيقُّنِهِ وعلمِهِ به؛ حيثُ استسلَمَ لأمرِ اللهِ تعالى.
3- فَقْءُ عينِ الشخصِ الذي أتى موسى، لا يُعَدُّ اعتداءً وظلمًا:
فهو بحسَبِ الظاهِرِ لموسى عليه السلامُ رجُلٌ غريبٌ اقتحَمَ عليه بيتَهُ، وقد جرَتْ شرائعُ الأنبياءِ بحفظِ النفوسِ ودفعِ الضَّرَرِ عنها.
وقد أَذِنَتْ شريعتُنا في حالةٍ أخَفَّ مِن هذه الحالةِ بفَقْءِ العين؛ حيثُ أَذِنَتْ بفَقْءِ العينِ بمجرَّدِ النظَرِ في بيتِ الغيرِ بغيرِ إذنٍ؛ كما جاء عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ، قال:

«لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ علَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ»؛

رواه البخاري (6902)، ومسلم (2158).


ومِن الجائزِ: أن تتَّفِقَ شريعتُنا مع شريعةِ موسى عليه السلامُ بإسقاطِ الحرَجِ عمَّن فقَأَ عينَ الداخلِ دارَهُ بغيرِ إذنِه.
بل إن في فَقْءِ موسى عليه السلامُ لعينِ ملَكِ الموتِ انتصارًا لحقِّ اللهِ تعالى أيضًا - كما نبَّه عليه بعضُ أهلِ العلم - لِمَا ظنَّه موسى عليه السلامُ مِن أن هذا الشخصَ يزعُمُ أنه مِن عندِ الله، وأن الحالَ ليس كذلك، وقد كان موسى عليه السلامُ ذا شَهَامةٍ وغَيْرةٍ عظيمةٍ، كما دلَّت على ذلك مواقفُ مِن حياتِهِ التي قصَّها اللهُ تعالى علينا في كتابِهِ الكريم.
4- فَقْءُ عينِ ملَكِ الموتِ - لو كان موسى يَعرِفُهُ - لا يُعَدُّ مِن موسى استخفافًا به:
فقد جاء في القرآنِ إخبارُ اللهِ إيَّانا بما هو نظيرُ ذلك مِن إلقاءِ موسى الألواحَ عند غضَبِه، ولم يعُدَّهُ اللهُ تعالى منه استخفافًا بكتابِه.
5- فَقْءُ عينِ ملَك الموتِ - لو كان موسى يَعرِفُهُ - لا يدُلُّ على محبَّةِ موسى عليه السلامُ للدنيا:
لأن كراهيةَ الموتِ أمرٌ فِطْريٌّ جِبِلِّيٌّ، كما أن رغبةَ موسى للبقاءِ في الدنيا حينئذٍ، تُحمَلُ على أن قصدَهُ مِن ذلك تنفيذُ أوامرِ ربِّه، وإقامةُ دينِه، وجهادُ أعدائِه؛ فكأنه قال لملَكِ الموتِ: «أنتَ عبدٌ مأمور، وأنا عبدٌ مأمور، وأنا في تنفيذِ أوامرِ ربي وإقامةِ دِينِه». 
وهذا على افتراضِ أن موسى عليه السلام فقَأَ عينَ ملَكِ الموتِ وهو يَعرِفُهُ، وإلا فقد تقدَّم أن حقيقةَ الحالِ أنه لم يَعرِفْهُ أصلًا.
6- فَقْءُ عينِ ملَكِ الموتِ، لا يدُلُّ على حصولِ العاهاتِ للملائكة:
فقد تقدَّم أن الملَكَ جاء بصورةٍ غيرِ صورتِهِ الحقيقيَّةِ، وقد قال أهلُ العلمِ: «إن اللَّطْمةَ أتت على فَقْءِ عينِهِ التي في الصورةِ التي يتصوَّرُ بها الملَكُ، لا التي خلَقهُ اللهُ عليها».

مختصر الجواب

مختصَرُ الإجابة:

الحديثُ ثابتٌ، وليس فيه ما يخالِفُ العقلَ، أو عصمةَ الأنبياء.

فموسى عليه السلامُ لم يكن يَعلَمُ أن الشخصَ الذي جاءه هو ملَكُ الموتِ؛ فقد جاءه الملَكُ في غيرِ صورتِهِ الحقيقيَّة، فلم يكن موسى عليه السلامُ مستخِفًّا به، ولم يكن فيما فعَلهُ بحقِّه مِن فَقْءِ عينِهِ معتدِيًا ظالمًا؛ لأنه دخَلَ عليه بلا إذنٍ، وفي الشريعةِ ما يُجيزُ مقابَلةَ مَن ينظُرُ في بيتِ الغيرِ بلا إذنٍ بفَقْءِ عَيْنِه. كما أن فَقْءَ عينِ ملَك الموتِ - لو كان موسى يَعرِفُهُ - لا يدُلُّ على محبَّةِ موسى عليه السلامُ للدنيا، ولا يدُلُّ على حصولِ العاهاتِ للملائكة؛ فإن الملَكَ جاء بصورةٍ غيرِ صورتِهِ الحقيقيَّةِ، وقد قال أهلُ العلمِ: «إن اللَّطْمةَ أتت على فَقْءِ عينِهِ التي في الصورةِ التي يتصوَّرُ بها الملَكُ، لا التي خلَقهُ اللهُ عليها».

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:
وإذا ثبَتَ الحديثُ، ولم يكن هناك مانعٌ عقليٌّ أو شرعيٌّ مِن صحَّتِه، فلماذا يرُدُّهُ العاقلُ أو يَطعَنُ به؟! بل غايةُ ما عليه: أن يَسْألَ أهلَ العلمِ ليَزِيدوهُ علمًا إلى علمِه. 

مختصر الجواب

مختصَرُ الإجابة:

الحديثُ ثابتٌ، وليس فيه ما يخالِفُ العقلَ، أو عصمةَ الأنبياء.

فموسى عليه السلامُ لم يكن يَعلَمُ أن الشخصَ الذي جاءه هو ملَكُ الموتِ؛ فقد جاءه الملَكُ في غيرِ صورتِهِ الحقيقيَّة، فلم يكن موسى عليه السلامُ مستخِفًّا به، ولم يكن فيما فعَلهُ بحقِّه مِن فَقْءِ عينِهِ معتدِيًا ظالمًا؛ لأنه دخَلَ عليه بلا إذنٍ، وفي الشريعةِ ما يُجيزُ مقابَلةَ مَن ينظُرُ في بيتِ الغيرِ بلا إذنٍ بفَقْءِ عَيْنِه. كما أن فَقْءَ عينِ ملَك الموتِ - لو كان موسى يَعرِفُهُ - لا يدُلُّ على محبَّةِ موسى عليه السلامُ للدنيا، ولا يدُلُّ على حصولِ العاهاتِ للملائكة؛ فإن الملَكَ جاء بصورةٍ غيرِ صورتِهِ الحقيقيَّةِ، وقد قال أهلُ العلمِ: «إن اللَّطْمةَ أتت على فَقْءِ عينِهِ التي في الصورةِ التي يتصوَّرُ بها الملَكُ، لا التي خلَقهُ اللهُ عليها».

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:
هذا الحديثُ مِن الأحاديثِ التي طعَنَ فيها المبتدِعةُ منذُ وقتٍ مبكِّرٍ، وتصدَّى العلماءُ للردِّ عليهم في شبهاتِهم، ومِن أقدمِ مَن ردَّ على الشبهاتِ حوله الإمامُ أحمدُ رحمه الله، كما أورَدَ ابنُ حِبَّانَ (4/115) رحمه الله الحديثَ تحتَ عنوانِ: «ذِكْرُ خبَرٍ شنَّع به على منتحلي سُنَنِ المصطفى ﷺ مَن حُرِمَ التوفيقَ لإدراكِ معناه»، وتكلَّم عنه أيضًا.
ولا يزالُ المبتدِعةُ بأنواعِهم يُثيرون المَطاعِنَ فيه إلى يومِنا هذا.
جاء في «الصحيحَيْنِ»، وغيرِهما، مِن حديثِ أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، قال:

«أُرْسِلَ مَلَكُ المَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَلَمَّا جَاءَهُ، صَكَّهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ المَوْتَ، فَرَدَّ اللهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ، فَقُلْ لَهُ: يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ بِهِ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ، قَالَ: أَيْ رَبِّ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ المَوْتُ، قَالَ: فَالْآنَ، فَسَأَلَ اللهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ»، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ، لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ، إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ الكَثِيبِ الأَحْمَرِ»؛

رواه البخاري (1339)، ومسلم (2372)


وقد ظَنَّ بعضُ الطاعِنين أن في هذا الحديثِ ما يخالِفُ العقلَ والشرعَ، مع أن حقيقةَ هذه الشبهةِ مبنيَّةٌ على قراءةٍ خاطئةٍ لأحدِ الأحاديثِ النبويَّةِ الشريفة، غيرَ أنك إذا نظَرْتَ فيه نظرًا علميًّا منصِفًا بعيدًا عن الأهواء، وجَدتَّ أنه لا يدُلُّ بحالٍ على مَثلَبةٍ لموسى عليه السلامُ، وإنما يدُلُّ على نقيضِ ذلك مِن حِرصِهِ على إقامةِ دِينِ اللهِ تعالى؛ كما أنه لا يخالِفُ العقل.
ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:
1- الملَكُ الذي جاء إلى موسى جاء في غيرِ صورتِهِ الحقيقيَّة:
فقد كان الملائكةُ يأتُون الأنبياءَ في غيرِ صُوَرِهم الحقيقيَّة؛ لحِكْمةٍ وغايةٍ؛ كما وقَعَ مع إبراهيمَ ولُوطٍ عليهما السلامُ في قصَّةِ الضيوف، وكما قيل: إنه وقَعَ مع داودَ عليه السلامُ في قصَّةِ الخَصْمِ الذين تسوَّروا المحرابَ.
بل وقَعَ ذلك مع نبيِّنا محمَّدٍ ﷺ لمَّا جاءه جبريلُ في صورةِ رجُلٍ؛ ليعلِّمَ المسلِمين أمرَ دِينهِم، كما أنه جاء في بعضِ رواياتِ الحديثِ: أن «مَلَكَ الْمَوْتِ كَانَ يَأْتِي النَّاسَ عِيَانًا»؛ كما في «مسندِ الإمامِ أحمد» (10904).
2- موسى عليه السلامُ لم يَعلَمْ أن الشخصَ الذي أتاه هو ملَكُ الموت:
فهو يَعلَمُ عِلمَ اليقينِ أن الأنبياءَ لا تُقبَضُ أرواحُهم حتى يُخيَّروا بين الحياةِ والموتِ، وهذا الشخصُ لم يخيِّرْه، ثم إن ملكَ الموت لمَّا جاءه، لم يَزِدْ على قولِهِ لموسى عليه السلامُ: «أَجِبْ رَبَّكَ»، ولم يُخبِرْهُ أنه ملَكُ الموت ليَعلَمَ ذلك، وهذه العبارةُ قد تصدُرُ ممن يَقصِدُ قتلَهُ وإيذاءَه.
كما أننا بالمقارَنةِ بين رِدَّةِ فعلِ موسى عليه السلامُ مع مجيءِ الملَكِ في المرَّةِ الأُولى، ومع مجيئِهِ في المرَّةِ الثانيةِ؛ نَعلَمُ أنه لم يَعرِفْهُ في الأُولى؛ إذْ لو عرَفهُ، لتصرَّف كما تصرَّف في المرَّةِ الثانية، عند تيقُّنِهِ وعلمِهِ به؛ حيثُ استسلَمَ لأمرِ اللهِ تعالى.
3- فَقْءُ عينِ الشخصِ الذي أتى موسى، لا يُعَدُّ اعتداءً وظلمًا:
فهو بحسَبِ الظاهِرِ لموسى عليه السلامُ رجُلٌ غريبٌ اقتحَمَ عليه بيتَهُ، وقد جرَتْ شرائعُ الأنبياءِ بحفظِ النفوسِ ودفعِ الضَّرَرِ عنها.
وقد أَذِنَتْ شريعتُنا في حالةٍ أخَفَّ مِن هذه الحالةِ بفَقْءِ العين؛ حيثُ أَذِنَتْ بفَقْءِ العينِ بمجرَّدِ النظَرِ في بيتِ الغيرِ بغيرِ إذنٍ؛ كما جاء عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ، قال:

«لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ علَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ»؛

رواه البخاري (6902)، ومسلم (2158).


ومِن الجائزِ: أن تتَّفِقَ شريعتُنا مع شريعةِ موسى عليه السلامُ بإسقاطِ الحرَجِ عمَّن فقَأَ عينَ الداخلِ دارَهُ بغيرِ إذنِه.
بل إن في فَقْءِ موسى عليه السلامُ لعينِ ملَكِ الموتِ انتصارًا لحقِّ اللهِ تعالى أيضًا - كما نبَّه عليه بعضُ أهلِ العلم - لِمَا ظنَّه موسى عليه السلامُ مِن أن هذا الشخصَ يزعُمُ أنه مِن عندِ الله، وأن الحالَ ليس كذلك، وقد كان موسى عليه السلامُ ذا شَهَامةٍ وغَيْرةٍ عظيمةٍ، كما دلَّت على ذلك مواقفُ مِن حياتِهِ التي قصَّها اللهُ تعالى علينا في كتابِهِ الكريم.
4- فَقْءُ عينِ ملَكِ الموتِ - لو كان موسى يَعرِفُهُ - لا يُعَدُّ مِن موسى استخفافًا به:
فقد جاء في القرآنِ إخبارُ اللهِ إيَّانا بما هو نظيرُ ذلك مِن إلقاءِ موسى الألواحَ عند غضَبِه، ولم يعُدَّهُ اللهُ تعالى منه استخفافًا بكتابِه.
5- فَقْءُ عينِ ملَك الموتِ - لو كان موسى يَعرِفُهُ - لا يدُلُّ على محبَّةِ موسى عليه السلامُ للدنيا:
لأن كراهيةَ الموتِ أمرٌ فِطْريٌّ جِبِلِّيٌّ، كما أن رغبةَ موسى للبقاءِ في الدنيا حينئذٍ، تُحمَلُ على أن قصدَهُ مِن ذلك تنفيذُ أوامرِ ربِّه، وإقامةُ دينِه، وجهادُ أعدائِه؛ فكأنه قال لملَكِ الموتِ: «أنتَ عبدٌ مأمور، وأنا عبدٌ مأمور، وأنا في تنفيذِ أوامرِ ربي وإقامةِ دِينِه». 
وهذا على افتراضِ أن موسى عليه السلام فقَأَ عينَ ملَكِ الموتِ وهو يَعرِفُهُ، وإلا فقد تقدَّم أن حقيقةَ الحالِ أنه لم يَعرِفْهُ أصلًا.
6- فَقْءُ عينِ ملَكِ الموتِ، لا يدُلُّ على حصولِ العاهاتِ للملائكة:
فقد تقدَّم أن الملَكَ جاء بصورةٍ غيرِ صورتِهِ الحقيقيَّةِ، وقد قال أهلُ العلمِ: «إن اللَّطْمةَ أتت على فَقْءِ عينِهِ التي في الصورةِ التي يتصوَّرُ بها الملَكُ، لا التي خلَقهُ اللهُ عليها».

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:
وإذا ثبَتَ الحديثُ، ولم يكن هناك مانعٌ عقليٌّ أو شرعيٌّ مِن صحَّتِه، فلماذا يرُدُّهُ العاقلُ أو يَطعَنُ به؟! بل غايةُ ما عليه: أن يَسْألَ أهلَ العلمِ ليَزِيدوهُ علمًا إلى علمِه.