نص السؤال

أليس اللهُ رحيمًا؟! فكيف يشرِّعُ هذه العقوباتِ الشديدةَ في الحدود، ويعذِّبُ بعضَ العصاةِ بالنارِ المُحرِقة، أو يخلِّدُ الكفَّارَ في النارِ السنينَ الطويلةَ؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

إذا كان الإسلامُ دِينَ رحمةٍ، فلماذا نَرَى إيقاعَ العقوباتِ الصارمةِ؛ كالجَلْدِ، وقَطْعِ الأيدي، والتعزيرِ بالقتلِ في بعضِ الأحيان؟ العقوباتُ في الإسلامِ تتعارَضُ مع الرحمة.

الجواب التفصيلي


الحكمةُ: هي وضعُ كلِّ شيءٍ في موضعِه؛ وهذا يختلِفُ بحسَبِ المصلحةِ في كلِّ موقفٍ؛ ولهذا لا تحسُنُ الرحمةُ في كلِّ شيء، ولا العقوبةُ في كلِّ شيء؛ وهذا يحتاجُ إلى كمالٍ في العلمِ والحكمة، وكمالٍ في القدرة.

وبعضُ مَن لا يستوعِبُ ذلك، استغرَبَ وصفَ اللهِ تعالى بالرحمة، مع ما أعدَّه سبحانه مِن العقوباتِ في الدنيا والآخِرةِ على المخالِفين، مع أن العقلَ السليمَ لا يستنكِرُ ذلك، ويُمكِنُ بيانُ ذلك مِن عدَّةِ أوجُهٍ:

الوجهُ الأوَّلُ: أن اللهَ سبحانه وتعالى مِن أسمائِهِ: الرحمنُ والرحيمُ، والرحمةُ صفةٌ مِن صفاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ فرحمتُهُ وَسِعَتْ كلَّ شيء، وقد كتَبَ اللهُ على نفسِهِ الرحمةَ، ووصَفَ نفسَهُ بأنه أرحَمُ الراحِمين، وأنه خيرُ الراحِمين؛ قال تعالى:

{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}

[الأعراف: 156]

، وقال تعالى:

{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ}

[الكهف: 58]

، وقال تعالى:

{وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}

[المؤمنون: 118].

والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ، وهي دالَّةٌ على أن الرحمةَ صفةٌ مِن صفاتِ اللهِ سبحانه وتعالى.

الوجهُ الثاني: أن اللهَ سبحانه وتعالى له الكمالُ في أسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِه؛ فكما أنه متَّصِفٌ بالرحمة، فهو متَّصِفٌ كذلك بالحكمةِ والعدلِ والقوَّة، ومقتضى ذلك الكمالِ للهِ سبحانه: أن يكونَ رحيمًا عند مقتضى الرحمة، وأن يحصُلَ منه العدلُ والحكمةُ والقوَّةُ عند مقتضى ذلك.

والإنسانُ لو اتَّصَفَ بالرحمةِ دون حَزْمٍ، وبالرِّفْقِ دون قوَّةٍ وعدلٍ، فإنه يَعِيبُهُ ذلك، فإذا كان الكمالُ البشَريُّ يقتضي اتِّصافَ الإنسانِ بصفاتِ الحَزْمِ والقوَّةِ، إلى جانبِ صفاتِ الرحمةِ والرِّفْقِ، فاللهُ عزَّ وجلَّ أَوْلى بذلك الكمال، وله المَثَلُ الأعلى سبحانه؛ ولذلك نَلحَظُ الجمعَ في أدلَّةِ القرآنِ والسنَّةِ بين رحمةِ اللهِ سبحانه وتعالى، وبين عقابِهِ وعذابِه، حتى يعتقِدَ المؤمِنُ كمالَ اللهِ تعالى، ويَبْقى بين رجاءِ رحمةِ الله، والخوفِ مِن عقابِه:

قال تعالى:

{إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}

[الأعراف: 167]

، وقال تعالى:

{اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

[المائدة: 98]

، وقال تعالى:

{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}

[الحجر: 49- 50].

وعن أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه؛ أن رسولَ اللهِ ﷺ قال:

«لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ، مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، مَا قَنِطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ»؛

رواه مسلم (2755).

الوجهُ الثالثُ: أن رحمةَ اللهِ تعالى على نوعَيْن:

- رحمةٍ عامَّةٍ تكونُ في الدنيا.

- ورحمةٍ خاصَّةٍ تكونُ في الآخِرة.

فهو سبحانه يَرحَمُ عبادَهُ في الدنيا كلَّهم، مؤمنَهم وكافرَهم، طائعَهم وعاصيَهم، رحمةً عامَّةً؛ فيرزُقُهم، ويُطعِمُهم ويَسْقيهم، ويَشْفيهم ويعافِيهم، إلى غيرِ ذلك مِن صُوَرِ الرحمةِ التي لا تُحْصى؛ فهذه الرحمةُ العامَّةُ لجميعِ الخَلْق.

أما رحمتُهُ الخاصَّةُ التي تكونُ في الآخِرةِ، فلا تكونُ إلا لعبادِهِ المؤمِنين الذين أطاعوه، وليس للكافِرين فيها نصيبٌ؛ إذْ أخرَجَ الكافرُ نفسَهُ بعنادِهِ واستكبارِهِ مِن التأهُّلِ لهذه الرحمةِ الخاصَّةِ في الدارِ الآخِرة؛ قال تعالى:

{قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}

[الأعراف: 156].

الوجهُ الرابعُ: مِن رحمةِ اللهِ تعالى بالمجتمَعِ المسلِمِ: أنْ شرَعَ فيه إقامةَ الحدودِ، والعقوباتِ الشرعيَّةِ التي تَحفَظُ للمجتمَعِ وللدولةِ المسلِمةِ: الأمنَ والاستقرارَ؛ حيثُ تأتي العقوبةُ كرادعٍ لمَن تسوِّلُ له نفسُهُ ارتكابَ الجرائم، وتهديدَ الأمن، ويَسْعى في الظلمِ والعدوان، واستلابِ حقوقِ الآخَرين؛ فمِن وظيفةِ العقوباتِ والحدودِ: إقامةُ العدلِ، وحمايةُ أفرادِ المجتمَع؛ فهي مَظهَرٌ مِن مظاهرِ الرحمةِ بالمجتمَع المسلِم؛ قال تعالى:

{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}

[البقرة: 179].

الوجهُ الخامسُ: أن إيقاعَ العقوباتِ الشرعيَّةِ والحدودِ على مرتكِبيها لا يتنافى مع رحمةِ الله، بل مِن رحمةِ اللهِ تعالى بهم: أنْ شرَعَ إقامةَ العقوباتِ والحدودِ عليهم؛ لكي يرتدِعوا، وتصلُحَ نفوسُهم وتستقيمَ؛ فلا تعودَ لمواقَعةِ هذه الجرائمِ والشرورِ مِن جديد.

الوجهُ السادسُ: مِن الرحمةِ بمَن وقَعَ في محظورٍ شرعيٍّ يستوجِبُ الحدَّ: أن يَتِمَّ إقامةُ الحدِّ عليه؛ حتى يكونَ ذلك كفَّارةً لذنبِه، ومَطهَرةً له مِن الإثم؛ فالعبدُ إذا أصاب حَدًّا مِن حدودِ اللهِ، وعُوقِبَ به، فإنه يكونُ كفَّارةً له.

ويدُلُّ على ذلك: ما جاء في الحديثِ الصحيحِ، عن عُبَادةَ بنِ الصامتِ رضِيَ اللهُ عنه؛ أن رسولَ الله ﷺ قال - وحولَهُ عِصابةٌ مِن أصحابِهِ -:

«تَعَالَوْا بَايِعُونِي عَلَى أَلَّا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ؛ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ، فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، فَهُوَ لَهُ كَفَّارَةٌ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَسَتَرَهُ اللهُ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ؛ إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ»؛

رواه البخاري (3892).

فعقوبةُ الدنيا على مَن حصَلَ منه الذنبُ والخطيئةُ أهوَنُ وأخَفُّ مِن العقوبةِ في الآخِرة؛ فمِن الرحمةِ بهم أن يختارَ لهُمُ الأهوَنَ.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

السائلُ يَرَى أن هنالك تعارُضًا بين وصفِنا للهِ تعالى الربِّ المعبودِ بالرحمة، وبين ما أعدَّه اللهُ تعالى للكفَّارِ والعصاةِ مِن دخولِ النارِ في الآخِرة، وتعذيبِهم بها.

وكذلك يَرَى أن وَصْفَنا للهِ بالرحمة، ودِينِ الإسلامِ بدِينِ الرحمة، يتعارَضُ مع ما جاء في الشريعةِ الإسلاميَّةِ مِن إقامةِ الحدودِ، والعقوباتِ الشرعيَّة؛ فهذه العقوباتُ والحدودُ - على حدِّ زعمِهِ - تُعَدُّ قَسْوةً تُنافي الرحمةَ.

مختصَرُ الإجابة:

اللهُ سبحانه وتعالى له الكمالُ في أسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِه؛ فهو الرحمنُ الرحيم، المتَّصِفُ بالرحمة، وكذلك المتَّصِفُ بالعدلِ والحكمةِ والقوَّة، ومقتضى ذلك الكمالِ للهِ سبحانه: أن يكونَ رحيمًا عند مقتضى الرحمة، وأن يحصُلَ منه العدلُ والحكمةُ والقوَّةُ عند مقتضى ذلك.

وفي إيقاعِ العقوباتِ الشرعيَّةِ والحدودِ على مرتكِبيها رحمتان:

أما الأولى: فلكي يرتدِعوا عن الجرائمِ والشرور؛ فلا يَعُودوا إليها.

وأما الثانيةُ: فلأنها كفَّارةٌ لذنوبِهم، ومطهِّرةٌ لهم مِن الآثام؛ فتعجيلُ العقوبةِ لهم في الدنيا قبل الآخِرةِ أهوَنُ عليهم وأفضلُ مِن تأخيرِها ليومِ القيامة؛ فلا مقارَنةَ بين عذابِ الدنيا وعذابِ الآخِرة.

وهذا بالإضافةِ إلى رحمةِ اللهِ بالمجتمَعِ المسلِمِ، والدولةِ المسلِمةِ: أنْ شرَعَ فيها إقامةَ الحدودِ، والعقوباتِ الشرعيَّةِ التي تَحفَظُ الأمنَ والاستقرارَ، وتَمنَعُ ارتكابَ الجرائم، وتهديدَ الأمن، والظلمَ والعدوان، واستلابَ حقوقِ الآخَرين؛ فالعقوباتُ والحدودُ: مَظهَرٌ مِن مظاهرِ الرحمةِ بالمجتمَع المسلِم.

خاتمة الجواب

فعلى المسلِمِ أن يعتقِدَ في اللهِ تعالى أنه الكاملُ في ذاتِهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِه، وأن ما شرَعهُ لعبادِهِ مِن شرائعَ وأحكامٍ، هو مقتضى العدلِ والحكمةِ والرحمة.

وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (265).

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

السائلُ يَرَى أن هنالك تعارُضًا بين وصفِنا للهِ تعالى الربِّ المعبودِ بالرحمة، وبين ما أعدَّه اللهُ تعالى للكفَّارِ والعصاةِ مِن دخولِ النارِ في الآخِرة، وتعذيبِهم بها.

وكذلك يَرَى أن وَصْفَنا للهِ بالرحمة، ودِينِ الإسلامِ بدِينِ الرحمة، يتعارَضُ مع ما جاء في الشريعةِ الإسلاميَّةِ مِن إقامةِ الحدودِ، والعقوباتِ الشرعيَّة؛ فهذه العقوباتُ والحدودُ - على حدِّ زعمِهِ - تُعَدُّ قَسْوةً تُنافي الرحمةَ.

مختصَرُ الإجابة:

اللهُ سبحانه وتعالى له الكمالُ في أسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِه؛ فهو الرحمنُ الرحيم، المتَّصِفُ بالرحمة، وكذلك المتَّصِفُ بالعدلِ والحكمةِ والقوَّة، ومقتضى ذلك الكمالِ للهِ سبحانه: أن يكونَ رحيمًا عند مقتضى الرحمة، وأن يحصُلَ منه العدلُ والحكمةُ والقوَّةُ عند مقتضى ذلك.

وفي إيقاعِ العقوباتِ الشرعيَّةِ والحدودِ على مرتكِبيها رحمتان:

أما الأولى: فلكي يرتدِعوا عن الجرائمِ والشرور؛ فلا يَعُودوا إليها.

وأما الثانيةُ: فلأنها كفَّارةٌ لذنوبِهم، ومطهِّرةٌ لهم مِن الآثام؛ فتعجيلُ العقوبةِ لهم في الدنيا قبل الآخِرةِ أهوَنُ عليهم وأفضلُ مِن تأخيرِها ليومِ القيامة؛ فلا مقارَنةَ بين عذابِ الدنيا وعذابِ الآخِرة.

وهذا بالإضافةِ إلى رحمةِ اللهِ بالمجتمَعِ المسلِمِ، والدولةِ المسلِمةِ: أنْ شرَعَ فيها إقامةَ الحدودِ، والعقوباتِ الشرعيَّةِ التي تَحفَظُ الأمنَ والاستقرارَ، وتَمنَعُ ارتكابَ الجرائم، وتهديدَ الأمن، والظلمَ والعدوان، واستلابَ حقوقِ الآخَرين؛ فالعقوباتُ والحدودُ: مَظهَرٌ مِن مظاهرِ الرحمةِ بالمجتمَع المسلِم.

الجواب التفصيلي


الحكمةُ: هي وضعُ كلِّ شيءٍ في موضعِه؛ وهذا يختلِفُ بحسَبِ المصلحةِ في كلِّ موقفٍ؛ ولهذا لا تحسُنُ الرحمةُ في كلِّ شيء، ولا العقوبةُ في كلِّ شيء؛ وهذا يحتاجُ إلى كمالٍ في العلمِ والحكمة، وكمالٍ في القدرة.

وبعضُ مَن لا يستوعِبُ ذلك، استغرَبَ وصفَ اللهِ تعالى بالرحمة، مع ما أعدَّه سبحانه مِن العقوباتِ في الدنيا والآخِرةِ على المخالِفين، مع أن العقلَ السليمَ لا يستنكِرُ ذلك، ويُمكِنُ بيانُ ذلك مِن عدَّةِ أوجُهٍ:

الوجهُ الأوَّلُ: أن اللهَ سبحانه وتعالى مِن أسمائِهِ: الرحمنُ والرحيمُ، والرحمةُ صفةٌ مِن صفاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ فرحمتُهُ وَسِعَتْ كلَّ شيء، وقد كتَبَ اللهُ على نفسِهِ الرحمةَ، ووصَفَ نفسَهُ بأنه أرحَمُ الراحِمين، وأنه خيرُ الراحِمين؛ قال تعالى:

{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}

[الأعراف: 156]

، وقال تعالى:

{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ}

[الكهف: 58]

، وقال تعالى:

{وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}

[المؤمنون: 118].

والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ، وهي دالَّةٌ على أن الرحمةَ صفةٌ مِن صفاتِ اللهِ سبحانه وتعالى.

الوجهُ الثاني: أن اللهَ سبحانه وتعالى له الكمالُ في أسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِه؛ فكما أنه متَّصِفٌ بالرحمة، فهو متَّصِفٌ كذلك بالحكمةِ والعدلِ والقوَّة، ومقتضى ذلك الكمالِ للهِ سبحانه: أن يكونَ رحيمًا عند مقتضى الرحمة، وأن يحصُلَ منه العدلُ والحكمةُ والقوَّةُ عند مقتضى ذلك.

والإنسانُ لو اتَّصَفَ بالرحمةِ دون حَزْمٍ، وبالرِّفْقِ دون قوَّةٍ وعدلٍ، فإنه يَعِيبُهُ ذلك، فإذا كان الكمالُ البشَريُّ يقتضي اتِّصافَ الإنسانِ بصفاتِ الحَزْمِ والقوَّةِ، إلى جانبِ صفاتِ الرحمةِ والرِّفْقِ، فاللهُ عزَّ وجلَّ أَوْلى بذلك الكمال، وله المَثَلُ الأعلى سبحانه؛ ولذلك نَلحَظُ الجمعَ في أدلَّةِ القرآنِ والسنَّةِ بين رحمةِ اللهِ سبحانه وتعالى، وبين عقابِهِ وعذابِه، حتى يعتقِدَ المؤمِنُ كمالَ اللهِ تعالى، ويَبْقى بين رجاءِ رحمةِ الله، والخوفِ مِن عقابِه:

قال تعالى:

{إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}

[الأعراف: 167]

، وقال تعالى:

{اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

[المائدة: 98]

، وقال تعالى:

{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}

[الحجر: 49- 50].

وعن أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه؛ أن رسولَ اللهِ ﷺ قال:

«لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ، مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، مَا قَنِطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ»؛

رواه مسلم (2755).

الوجهُ الثالثُ: أن رحمةَ اللهِ تعالى على نوعَيْن:

- رحمةٍ عامَّةٍ تكونُ في الدنيا.

- ورحمةٍ خاصَّةٍ تكونُ في الآخِرة.

فهو سبحانه يَرحَمُ عبادَهُ في الدنيا كلَّهم، مؤمنَهم وكافرَهم، طائعَهم وعاصيَهم، رحمةً عامَّةً؛ فيرزُقُهم، ويُطعِمُهم ويَسْقيهم، ويَشْفيهم ويعافِيهم، إلى غيرِ ذلك مِن صُوَرِ الرحمةِ التي لا تُحْصى؛ فهذه الرحمةُ العامَّةُ لجميعِ الخَلْق.

أما رحمتُهُ الخاصَّةُ التي تكونُ في الآخِرةِ، فلا تكونُ إلا لعبادِهِ المؤمِنين الذين أطاعوه، وليس للكافِرين فيها نصيبٌ؛ إذْ أخرَجَ الكافرُ نفسَهُ بعنادِهِ واستكبارِهِ مِن التأهُّلِ لهذه الرحمةِ الخاصَّةِ في الدارِ الآخِرة؛ قال تعالى:

{قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}

[الأعراف: 156].

الوجهُ الرابعُ: مِن رحمةِ اللهِ تعالى بالمجتمَعِ المسلِمِ: أنْ شرَعَ فيه إقامةَ الحدودِ، والعقوباتِ الشرعيَّةِ التي تَحفَظُ للمجتمَعِ وللدولةِ المسلِمةِ: الأمنَ والاستقرارَ؛ حيثُ تأتي العقوبةُ كرادعٍ لمَن تسوِّلُ له نفسُهُ ارتكابَ الجرائم، وتهديدَ الأمن، ويَسْعى في الظلمِ والعدوان، واستلابِ حقوقِ الآخَرين؛ فمِن وظيفةِ العقوباتِ والحدودِ: إقامةُ العدلِ، وحمايةُ أفرادِ المجتمَع؛ فهي مَظهَرٌ مِن مظاهرِ الرحمةِ بالمجتمَع المسلِم؛ قال تعالى:

{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}

[البقرة: 179].

الوجهُ الخامسُ: أن إيقاعَ العقوباتِ الشرعيَّةِ والحدودِ على مرتكِبيها لا يتنافى مع رحمةِ الله، بل مِن رحمةِ اللهِ تعالى بهم: أنْ شرَعَ إقامةَ العقوباتِ والحدودِ عليهم؛ لكي يرتدِعوا، وتصلُحَ نفوسُهم وتستقيمَ؛ فلا تعودَ لمواقَعةِ هذه الجرائمِ والشرورِ مِن جديد.

الوجهُ السادسُ: مِن الرحمةِ بمَن وقَعَ في محظورٍ شرعيٍّ يستوجِبُ الحدَّ: أن يَتِمَّ إقامةُ الحدِّ عليه؛ حتى يكونَ ذلك كفَّارةً لذنبِه، ومَطهَرةً له مِن الإثم؛ فالعبدُ إذا أصاب حَدًّا مِن حدودِ اللهِ، وعُوقِبَ به، فإنه يكونُ كفَّارةً له.

ويدُلُّ على ذلك: ما جاء في الحديثِ الصحيحِ، عن عُبَادةَ بنِ الصامتِ رضِيَ اللهُ عنه؛ أن رسولَ الله ﷺ قال - وحولَهُ عِصابةٌ مِن أصحابِهِ -:

«تَعَالَوْا بَايِعُونِي عَلَى أَلَّا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ؛ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ، فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، فَهُوَ لَهُ كَفَّارَةٌ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَسَتَرَهُ اللهُ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ؛ إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ»؛

رواه البخاري (3892).

فعقوبةُ الدنيا على مَن حصَلَ منه الذنبُ والخطيئةُ أهوَنُ وأخَفُّ مِن العقوبةِ في الآخِرة؛ فمِن الرحمةِ بهم أن يختارَ لهُمُ الأهوَنَ.

خاتمة الجواب

فعلى المسلِمِ أن يعتقِدَ في اللهِ تعالى أنه الكاملُ في ذاتِهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِه، وأن ما شرَعهُ لعبادِهِ مِن شرائعَ وأحكامٍ، هو مقتضى العدلِ والحكمةِ والرحمة.

وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (265).