نص السؤال

شدَّد الإسلامُ جِدًّا في عقوباتِ الحدود؛ وهذا يتنافى مع الرحمةِ والعفو. 

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

الإسلامُ يقلِّلُ مِن قِيمةِ الإنسان.

وحشيَّةُ الحدود.

الإسلامُ لا يدعو للتسامُح.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

أولًا: الحدودُ صيانةٌ للضروراتِ الخمسِ التي جاءت الشرائعُ بحفظِها:

إذا تأمَّلْنا قضيَّةَ الحدودِ، نجدُ أنها قد تعلَّقت بأمورٍ عظامٍ متعلقةٍ بحقِّ اللِه، أو حقِّ المخلوقين: «اعتداءٌ على الدِّينِ بالردَّة»، أو «اعتداءٌ على النَّفْسِ بالقتلِ، أو إتلافِ بعضِ الأعضاء»، أو «اعتداءٌ على الأعراضِ بالزِّنى، واللِّواطِ، والقَذْف»، أو «اعتداءٌ على الأموالِ بالسَّرِقة»، أو «اعتداءٌ على العقلِ بتغييبِهِ بالخمر».

وهذه تُسمَّى: «الضروراتِ الخمسَ»؛ وهي: «حفظُ الدِّينِ، والنَّفْسِ، والنَّسْلِ، والعقلِ، والمال»، وهذه قد اتَّفقَت الشرائعُ والمِلَلُ على حفظِها؛ لأن بها صلاحَ الدنيا والآخِرة.

فنجدُ أن الإسلامَ قد شرَعَ هذه الحدودَ؛ لإغلاقِ بابِ الرذائلِ وما يُفسِدُ الدِّينَ أو الدنيا، وحتى يَجعَلَ المجتمَعَ صالحًا آمنًا يأمَنُ فيه الإنسانُ على دِينِه، ونفسِهِ، وعِرضِهِ، ومالِه.

ثانيًا: الحدودُ للتهذيبْ، وليست للتعذيبْ:

وتشديدُ العقوبةِ ليس للتعذيب، وإنما للتهذيبِ وصيانةِ الدينِ والدنيا؛ فالحَدُّ ليس غايةً ولا مقصودًا لذاتِه، وإنما هو وسيلةٌ لمنعِ الفواحشِ والرذائل، فبعضُ النفوسِ لا تَرْعوي إلا بالعقوباتِ الشديدة، وهذا نراهُ مِن الناسِ حتى في القوانينِ المشدَّدة.

فالحدُّ في اللغةِ: الحاجزُ بين الشيئَيْن، ويُقالُ للبوَّابِ: «حدَّادٌ»؛ لمنعِهِ الناسَ مِن الدخول، ومنه سُمِّيَتِ «الحدودُ»؛ لأنها تَمنَعُ صاحبَها مِن المعاوَدة، وتَمنَعُ غيرَهُ مِن أن يسلُكَ مَسلَكَه؛ وهذان مِن حِكَمِ إقامةِ الحدود؛ كما يأتي.

ثالثًا: لم ينفرِدِ الإسلامُ بهذه العقوباتِ الشديدة:

وهذا التشديدُ ليس مختصًّا بالإسلام:

فمثَلًا: «حدُّ الزِّنى» كان في التوراة، ولم يخالِفِ الإنجيلُ ذلك.

و«حدُّ القتلِ» كان في شريعةِ مُوسى عليه السلامُ؛

قال اللهُ تعالى:

{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}

[المائدة: 32]،

ولم يخالِفِ الإنجيلُ التوراةَ في ذلك.

وكذلك «حدُّ الرجمِ للزاني المحصَنِ»؛

فعن البَرَاءِ بنِ عازِبٍ، قال:

«مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ ^ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُودًا، فَدَعَاهُمْ ^، فَقَالَ: «هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟!»، قَالُوا: نَعَمْ، فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ: «أَنْشُدُكَ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى؛ أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟!»، قَالَ: لَا، وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدتَّنِي بِهَذَا، لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُهُ الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا، فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ، تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ، أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، قُلْنَا: تَعَالَوْا؛ فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ؛ فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ، وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ^: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ»، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ»

؛ رواه مسلم (1700)

.

ومع ذلك نجدُ أن الإسلامَ قد وضَعَ شروطًا محكَمةً لإقامةِ الحدود؛ وذلك صيانةً للأنفُسِ والأعراض؛ فلا تُقامُ بالظنِّ، ولا بالشبهةِ، بل باليقينِ أو الإقرارِ (الاعتراف).

رابعًا: الحدودُ جَوابرُ وزَواجرُ:

وهذه الحدودُ لو تأمَّلْنا الحكمةَ منها، لوجَدْناها: «جوابرَ، وزواجرَ»؛ تجبُرُ نقصَ الإيمانِ الذي حصَلَ للمعتدي حالَ وقوعِهِ فيما يستوجِبُ الحدَّ؛

فعن أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النبيُّ ^:

«لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ»

؛ رواه البخاري (2475)، ومسلم (57).

وتكونُ سببًا في زجرِ ضعافِ الإيمانِ الذين هم عُرْضةٌ للوقوعِ في الذنبِ إذا أُتِيحَ لهم؛ وهذا هو المقصودُ مِن قولِ اللهِ تعالى عن حدِّ الزِّنى:

{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}

[النور: 2].

ولذلك نجدُ في أوقاتِ قُوَّةِ الإسلامِ، وتطبيقِ الحدودِ، لم تُطبَّقِ الحدودُ إلا في نطاقٍ محدودٍ جِدًّا.

خامسًا: إقامةُ الحدودِ تَضمَنُ الأمنَ لكلِّ طوائفِ المجتمَع:

لولا الحدودُ، لطَمِعَ الغنيُّ في الفقير، والقويُّ في الضعيف؛ لكنَّ الحدودَ تَضمَنُ الأمنَ والعدلَ لكلِّ طوائفِ المجتمَع؛ فإنه يُقامُ على القويِّ والضعيف، والغنيِّ والفقير؛ فلا يعتدي أحدٌ على أحدٍ لضعفِهِ أو فقرِه؛ فتنقطِعُ الأطماع، وينقطِعُ العدوان؛ فإن الحدودَ لا تُحابي أحدًا؛ ولذلك لمَّا سَرَقتِ المرأةُ المخزوميَّةُ، وأراد أسامةُ بنُ زيدٍ أن يَشفَعَ لها،

قال له النبيُّ ^:

«أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟!»، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ: أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ، تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا»؛

رواه البخاري (3475)، ومسلم (1688)

.

وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (221).

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

صاحبُ هذا السؤالِ يَرَى أن الإسلامَ قد شدَّد في العقوباتِ والحدود؛ وهذا يتنافى مع التسامُحِ والعَفْو، ويؤسِّسُ لإزهاقِ النفوسِ وإتلافِ الأعضاء، ويتعارَضُ مع حرِّيَّةِ الإنسانِ فيما يَصنَعُ ويعتقِد.

مختصَرُ الإجابة:

إن هذا تصوُّرٌ خاطئٌ عن الحدودِ وتشديدِ العقوباتِ فيها؛ فإننا إذا تأمَّلْنا قضيَّةَ الحدودِ، نجدُ أنها قد تعلَّقت بأمورٍ عظامٍ متعلِّقةٍ بحقِّ اللهِ، أو حقِّ المخلوقِين: «اعتداءٌ على الدِّينِ بالردَّة»، أو «اعتداءٌ على النَّفْسِ بالقتلِ، أو إتلافِ بعضِ الأعضاء»، أو «اعتداءٌ على الأعراضِ بالزِّنى، واللِّواطِ، والقَذْف»، أو «اعتداءٌ على الأموالِ بالسَّرِقة»، أو «اعتداءٌ على العقلِ بتغييبِهِ بالخمر».

وهذه تُسمَّى: «الضروراتِ الخمسَ»؛ وهي: «حفظُ الدِّينِ، والنَّفْسِ، والنَّسْلِ، والعقلِ، والمال»، وهذه قد اتَّفقَت الشرائعُ والمِلَلُ على حفظِها؛ لأن بها صلاحَ الدنيا والآخِرة.

وتشديدُ العقوبةِ ليس للتعذيبِ، وإنما للتهذيبِ، وصيانةِ الدِّينِ، والأنفُسِ، والأعراضِ، والعقولِ، والأموالِ؛ فالحدودُ وسيلةٌ لمنعِ الفواحشِ والجرائم، وليست غايةً؛ فبعضُ النفوسِ لا تَرْعوي إلا بالعقوباتِ الشديدة، وهذا نراهُ مِن الناسِ حتى في القوانينِ المشدَّدة.

كما أن هذا التشديدَ ليس مختصًّا بالإسلام؛ فمثلًا حَدُّ الزِّنى كان في التوراةِ، ولم يخالِفِ الإنجيلُ ذلك. وأيضًا: فإن هذه الحدودَ لو تأمَّلْنا الحكمةَ منها، لوجَدْناها «جوابرَ، وزواجرَ»؛ تجبُرُ نقصَ الإيمانِ الذي حصَلَ للمعتدي حالَ وقوعِهِ فيما يستوجِبُ الحدَّ، وتكونُ سببًا في زجرِ ضعافِ الإيمانِ الذين هم عُرْضةٌ للوقوعِ في الذنبِ إذا أُتِيحَ لهم.

وكذلك: فإن الحدودَ تَضمَنُ الأمنَ والعدلَ لكلِّ طوائفِ المجتمَع؛ فإنه يُقامُ على القويِّ والضعيف، والغنيِّ والفقير؛ فلا يعتدي أحدٌ على أحدٍ لضعفِهِ أو فقرِه.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

صاحبُ هذا السؤالِ يَرَى أن الإسلامَ قد شدَّد في العقوباتِ والحدود؛ وهذا يتنافى مع التسامُحِ والعَفْو، ويؤسِّسُ لإزهاقِ النفوسِ وإتلافِ الأعضاء، ويتعارَضُ مع حرِّيَّةِ الإنسانِ فيما يَصنَعُ ويعتقِد.

مختصَرُ الإجابة:

إن هذا تصوُّرٌ خاطئٌ عن الحدودِ وتشديدِ العقوباتِ فيها؛ فإننا إذا تأمَّلْنا قضيَّةَ الحدودِ، نجدُ أنها قد تعلَّقت بأمورٍ عظامٍ متعلِّقةٍ بحقِّ اللهِ، أو حقِّ المخلوقِين: «اعتداءٌ على الدِّينِ بالردَّة»، أو «اعتداءٌ على النَّفْسِ بالقتلِ، أو إتلافِ بعضِ الأعضاء»، أو «اعتداءٌ على الأعراضِ بالزِّنى، واللِّواطِ، والقَذْف»، أو «اعتداءٌ على الأموالِ بالسَّرِقة»، أو «اعتداءٌ على العقلِ بتغييبِهِ بالخمر».

وهذه تُسمَّى: «الضروراتِ الخمسَ»؛ وهي: «حفظُ الدِّينِ، والنَّفْسِ، والنَّسْلِ، والعقلِ، والمال»، وهذه قد اتَّفقَت الشرائعُ والمِلَلُ على حفظِها؛ لأن بها صلاحَ الدنيا والآخِرة.

وتشديدُ العقوبةِ ليس للتعذيبِ، وإنما للتهذيبِ، وصيانةِ الدِّينِ، والأنفُسِ، والأعراضِ، والعقولِ، والأموالِ؛ فالحدودُ وسيلةٌ لمنعِ الفواحشِ والجرائم، وليست غايةً؛ فبعضُ النفوسِ لا تَرْعوي إلا بالعقوباتِ الشديدة، وهذا نراهُ مِن الناسِ حتى في القوانينِ المشدَّدة.

كما أن هذا التشديدَ ليس مختصًّا بالإسلام؛ فمثلًا حَدُّ الزِّنى كان في التوراةِ، ولم يخالِفِ الإنجيلُ ذلك. وأيضًا: فإن هذه الحدودَ لو تأمَّلْنا الحكمةَ منها، لوجَدْناها «جوابرَ، وزواجرَ»؛ تجبُرُ نقصَ الإيمانِ الذي حصَلَ للمعتدي حالَ وقوعِهِ فيما يستوجِبُ الحدَّ، وتكونُ سببًا في زجرِ ضعافِ الإيمانِ الذين هم عُرْضةٌ للوقوعِ في الذنبِ إذا أُتِيحَ لهم.

وكذلك: فإن الحدودَ تَضمَنُ الأمنَ والعدلَ لكلِّ طوائفِ المجتمَع؛ فإنه يُقامُ على القويِّ والضعيف، والغنيِّ والفقير؛ فلا يعتدي أحدٌ على أحدٍ لضعفِهِ أو فقرِه.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

أولًا: الحدودُ صيانةٌ للضروراتِ الخمسِ التي جاءت الشرائعُ بحفظِها:

إذا تأمَّلْنا قضيَّةَ الحدودِ، نجدُ أنها قد تعلَّقت بأمورٍ عظامٍ متعلقةٍ بحقِّ اللِه، أو حقِّ المخلوقين: «اعتداءٌ على الدِّينِ بالردَّة»، أو «اعتداءٌ على النَّفْسِ بالقتلِ، أو إتلافِ بعضِ الأعضاء»، أو «اعتداءٌ على الأعراضِ بالزِّنى، واللِّواطِ، والقَذْف»، أو «اعتداءٌ على الأموالِ بالسَّرِقة»، أو «اعتداءٌ على العقلِ بتغييبِهِ بالخمر».

وهذه تُسمَّى: «الضروراتِ الخمسَ»؛ وهي: «حفظُ الدِّينِ، والنَّفْسِ، والنَّسْلِ، والعقلِ، والمال»، وهذه قد اتَّفقَت الشرائعُ والمِلَلُ على حفظِها؛ لأن بها صلاحَ الدنيا والآخِرة.

فنجدُ أن الإسلامَ قد شرَعَ هذه الحدودَ؛ لإغلاقِ بابِ الرذائلِ وما يُفسِدُ الدِّينَ أو الدنيا، وحتى يَجعَلَ المجتمَعَ صالحًا آمنًا يأمَنُ فيه الإنسانُ على دِينِه، ونفسِهِ، وعِرضِهِ، ومالِه.

ثانيًا: الحدودُ للتهذيبْ، وليست للتعذيبْ:

وتشديدُ العقوبةِ ليس للتعذيب، وإنما للتهذيبِ وصيانةِ الدينِ والدنيا؛ فالحَدُّ ليس غايةً ولا مقصودًا لذاتِه، وإنما هو وسيلةٌ لمنعِ الفواحشِ والرذائل، فبعضُ النفوسِ لا تَرْعوي إلا بالعقوباتِ الشديدة، وهذا نراهُ مِن الناسِ حتى في القوانينِ المشدَّدة.

فالحدُّ في اللغةِ: الحاجزُ بين الشيئَيْن، ويُقالُ للبوَّابِ: «حدَّادٌ»؛ لمنعِهِ الناسَ مِن الدخول، ومنه سُمِّيَتِ «الحدودُ»؛ لأنها تَمنَعُ صاحبَها مِن المعاوَدة، وتَمنَعُ غيرَهُ مِن أن يسلُكَ مَسلَكَه؛ وهذان مِن حِكَمِ إقامةِ الحدود؛ كما يأتي.

ثالثًا: لم ينفرِدِ الإسلامُ بهذه العقوباتِ الشديدة:

وهذا التشديدُ ليس مختصًّا بالإسلام:

فمثَلًا: «حدُّ الزِّنى» كان في التوراة، ولم يخالِفِ الإنجيلُ ذلك.

و«حدُّ القتلِ» كان في شريعةِ مُوسى عليه السلامُ؛

قال اللهُ تعالى:

{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}

[المائدة: 32]،

ولم يخالِفِ الإنجيلُ التوراةَ في ذلك.

وكذلك «حدُّ الرجمِ للزاني المحصَنِ»؛

فعن البَرَاءِ بنِ عازِبٍ، قال:

«مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ ^ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُودًا، فَدَعَاهُمْ ^، فَقَالَ: «هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟!»، قَالُوا: نَعَمْ، فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ: «أَنْشُدُكَ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى؛ أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟!»، قَالَ: لَا، وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدتَّنِي بِهَذَا، لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُهُ الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا، فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ، تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ، أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، قُلْنَا: تَعَالَوْا؛ فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ؛ فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ، وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ^: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ»، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ»

؛ رواه مسلم (1700)

.

ومع ذلك نجدُ أن الإسلامَ قد وضَعَ شروطًا محكَمةً لإقامةِ الحدود؛ وذلك صيانةً للأنفُسِ والأعراض؛ فلا تُقامُ بالظنِّ، ولا بالشبهةِ، بل باليقينِ أو الإقرارِ (الاعتراف).

رابعًا: الحدودُ جَوابرُ وزَواجرُ:

وهذه الحدودُ لو تأمَّلْنا الحكمةَ منها، لوجَدْناها: «جوابرَ، وزواجرَ»؛ تجبُرُ نقصَ الإيمانِ الذي حصَلَ للمعتدي حالَ وقوعِهِ فيما يستوجِبُ الحدَّ؛

فعن أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النبيُّ ^:

«لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ»

؛ رواه البخاري (2475)، ومسلم (57).

وتكونُ سببًا في زجرِ ضعافِ الإيمانِ الذين هم عُرْضةٌ للوقوعِ في الذنبِ إذا أُتِيحَ لهم؛ وهذا هو المقصودُ مِن قولِ اللهِ تعالى عن حدِّ الزِّنى:

{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}

[النور: 2].

ولذلك نجدُ في أوقاتِ قُوَّةِ الإسلامِ، وتطبيقِ الحدودِ، لم تُطبَّقِ الحدودُ إلا في نطاقٍ محدودٍ جِدًّا.

خامسًا: إقامةُ الحدودِ تَضمَنُ الأمنَ لكلِّ طوائفِ المجتمَع:

لولا الحدودُ، لطَمِعَ الغنيُّ في الفقير، والقويُّ في الضعيف؛ لكنَّ الحدودَ تَضمَنُ الأمنَ والعدلَ لكلِّ طوائفِ المجتمَع؛ فإنه يُقامُ على القويِّ والضعيف، والغنيِّ والفقير؛ فلا يعتدي أحدٌ على أحدٍ لضعفِهِ أو فقرِه؛ فتنقطِعُ الأطماع، وينقطِعُ العدوان؛ فإن الحدودَ لا تُحابي أحدًا؛ ولذلك لمَّا سَرَقتِ المرأةُ المخزوميَّةُ، وأراد أسامةُ بنُ زيدٍ أن يَشفَعَ لها،

قال له النبيُّ ^:

«أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟!»، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ: أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ، تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا»؛

رواه البخاري (3475)، ومسلم (1688)

.

وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (221).