نص السؤال

حدُّ الرجمِ للزاني المحصَنِ لم يُذكَرْ في القرآن؛ فإذَنْ: لا يَصِحُّ العملُ به.

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

إنكارُ الرجمِ؛ لعدمِ ذِكْرِهِ في القرآن.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيلي:

يُمكِنُ إزالةُ الإشكالِ الواردِ في السؤالِ مِن خلالِ النِّقاطِ التالية:

أوَّلًا: حدُّ الرجمِ للزاني المحصَنِ - أي: المتزوِّجِ - أمرٌ ثابتٌ في الشريعة، وهو مِن السنَّةِ العمَليَّةِ المتواتِرة:

أي: أن النبيَّ ^ فعَلَها بنفسِه، والسنَّةُ لها حكمُ القرآنِ في التشريع؛ فما أتى في السنَّةِ واجبٌ العملُ به تمامًا كالقرآن، ومَن أنكَرَ شيئًا ثابتًا في السنَّةِ كمَن أنكَرَ شيئًا مِن القرآن، وقد قال تعالى:

{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

[الحشر: 7].

ثانيًا: بيانُ حكمِ الزاني المحصَنِ في الشريعة، ورَدُّ شبهةِ عدمِ وجودِ الرجمِ في الإسلام:

حدُّ الرجمِ للزاني المحصَنِ: ثابتٌ بالكتابِ والسنَّةِ المتواتِرةِ والإجماع؛ وهذا قولُ عامَّةِ أهلِ العلمِ مِن الصحابةِ والتابِعين، ومَن بعدَهم مِن علماءِ الأمصارِ في جميعِ الأعصار.

وقد كان حكمُ مرتكِبِ كبيرةِ الزِّنى في أوَّلِ الأمرِ حَبْسَهُ في البيتِ؛ كما في قولِ ربِّنا سبحانه:

{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}

[النساء: 15].

ثم نُسِخَ حكمُ حبسِ الزاني غيرِ المحصَنِ بالجَلْد، والمُحصَنِ - أي: المتزوِّجِ - بالرجم:

ففي سورةِ النُّورِ، ذكَرَ اللهُ تعالى فيها حَدَّ الزاني: بأنه مئةُ جَلْدةٍ؛ قال تعالى:

{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}

[النور: 2]

والمقصودُ به: الزاني غيرُ المحصَنِ مِن الرجالِ والنساء، وليس فيها تعرُّضٌ للزاني المحصَنِ بذكرٍ أو إشارةٍ.

وقد ذُكِرَ الرجمُ في آيةٍ قرآنيَّةٍ نزَلتْ وتُلِيَتْ، وعَمِلَ بها النبيُّ ﷺ وأصحابُه، ثم نُسِخَت تلاوتُها، وبَقِيَ حكمُها؛ ودليلُ ذلك: قولُ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضي الله عنه؛ حيثُ قال:

«إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا ^ بِالحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ: آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا، وَعَقَلْنَاهَا، وَوَعَيْنَاهَا؛ رَجَمَ رَسُولُ اللهِ ^، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ؛ فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ إِذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الحَبَلُ أَوِ الِاعْتِرَافُ»

رواه البخاري (6830)، ومسلم (1691).

فنُسِخَ حكمُ حبسِ الزاني غيرِ المحصَنِ: بآيةِ النورِ: بالجَلْد، ونُسِخَ حكمُ حبسِ الزاني المحصَنِ: بالآيةِ التي جاءت في كلامِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضي اللهُ عنه: بالرجم، ثم نُسِخَتْ تلاوتُها، ولكنْ بَقِيَ العملُ بها؛ كما جاء في فعلِ النبيِّ ﷺ والخلفاءِ الراشِدين مِن بعدِه.

ثالثًا: ذكَرَ بعضُ العلماءِ في الحكمةِ مِن حدِّ الرجمِ في الإسلامِ على هذا الوجهِ: أنه «شُرِعَ في حقِّ الزاني المحصَنِ القتلُ بالحجارةِ؛ ليَصِلَ الألمُ إلى جميعِ بدَنِهِ؛ حيثُ وصَلتْ إليه اللذَّةُ بالحرام.

ولأن تلك القِتْلةَ أشنعُ القِتْلات، والداعي إلى الزِّنى داعٍ قويٌّ في الطباع؛ فجُعِلَتْ غِلْظةُ هذه العقوبةِ في مقابَلةِ قوَّةِ الداعي.

ولأن في هذه العقوبةِ تذكيرًا لعقوبةِ اللهِ لقومِ لُوطٍ بالرجمِ بالحجارةِ على ارتكابِ الفاحشة».

وأيضًا: فلما كانت هذه الجريمةُ مخرِّبةً للبيوت، مدنِّسةً للفراش، مُفسِدةً للأنساب -: ناسَبَ ذلك وقوعَ أشدِّ العقابِ بأصحابِها؛ رَدْعًا لذوي الأهواء، ونَكَالًا لأصحابِ الفجور، وعَذَابًا للمُفسِدين في الأرض، المخرِّبين للديار، الساعِينَ في الناسِ بالخطيئةِ والفساد.

رابعًا: مَقصِدُ الإسلامِ في تطبيقِ هذا الحدِّ: لغايةِ التطهيرِ، وليس القتلَ؛ وفي ذلك تحقيقٌ لمصلحةِ الردعِ، وتجنُّبِ الشهَواتِ:

شرطُ تطبيقِ حدِّ الرجمِ للزاني المحصَنِ، يكونُ بأحدِ أمرَيْن:

- إما أن يَشهَدَ على الزاني أربعةٌ مِن الرجالِ؛ وهذا متعذِّرُ الحدوثِ جِدًّا.

- أو أن يأتيَ الزاني معترِفًا على نفسِه، راغبًا في التطهُّرِ والتوبة، ويُقِرَّ بين يَدَيِ القاضي، ويَبْقى متمسِّكًا بهذا الإقرارِ حتى إقامةِ الحدِّ عليه.

أما إن زنى أحدُ المسلِمين، وتاب إلى اللهِ في نفسِه، وأقلَعَ عن الزِّنى -: فلا يُطبَّقُ عليه الحدُّ.

وإن اعترَفَ على نفسِهِ، وذهَبَ للقاضي، ورأى القاضي منه الرغبةَ في التوبةِ، فللقاضي أن يطرُدَهُ، ولا يُقيمَ عليه الحدَّ؛ ودليلُ هذا: فِعلُ النبيِّ ﷺ مع المرأةِ الغامديَّةِ التي جاءته معترِفةً على نفسِها، فأمَرَها رسولُ اللهِ ﷺ أن تَرجِعَ حتى تضَعَ ولَدَها، ولعلَّها لا تَرجِعُ إليه؛ رواه مسلم (1695)، ولم يُقِمِ النبيُّ ﷺ الحدَّ على هذه المرأةِ الغامِديَّةِ إلا بعد إصرارِها على التطهُّرِ، فلما عادت إليه، قال لها مرَّةً أُخرى: «اذْهَبِي، فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ»، فما هدأتِ المرأةُ حتى عادت بعد أن بلَغَ ولَدُها مرحلةَ الأكلِ والشربِ، فلما رأى النبيُّ ﷺ هذه الرغبةَ الشديدةَ في التطهُّر، أقام عليها الحدَّ.

وقال أيضًا لماعِزِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه، حين أتاه معترِفًا بالزِّنى:

«وَيْحَكَ، ارْجِعْ؛ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ، وَتُبْ إِلَيْهِ»؛

رواه مسلم (1695).

ولو تاب الزاني، وعاد لبيتِهِ بعد أنْ طرَدهُ القاضي، فليس للقاضي أن يَبحَثَ عنه مرَّةً أخرى؛ وهذا يبيِّنُ أن غايةَ الإسلامِ مِن هذا الحدِّ: التطهيرُ، والحفاظُ على الأنساب.

وهذا الحكمُ جاءت به الشريعةُ؛ تخويفًا للمسلِمين مِن إثمٍ عظيم؛ فهو مِن السبعِ الموبِقات؛ فلا يجترِئُ أحدٌ على فعلِهِ لِمَا فيه مِن الفسادِ العظيم، والانتهاكِ لحُرُماتِ اللهِ تعالى؛ ولذا لم يَرِدْ عن النبيِّ ﷺ أنه رجَمَ إلا في حالَتَيْنِ فقطْ.

مختصر الجواب

مختصَرُ الإجابة:

حدُّ الرجمِ للزاني المحصَنِ - أي: المتزوِّجِ - أمرٌ ثابتٌ في الشريعة، وهو مِن السنَّةِ العمَليَّةِ المتواتِرةِ، أي: أن النبيَّ ^ فعَلَها بنفسِه، والسنَّةُ لها حكمُ القرآنِ في التشريع؛ فما أتى في السنَّةِ واجبٌ العملُ به تمامًا كالقرآن؛ قال تعالى:

{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

[الحشر: 7].

فحدُّ الرجمِ للزاني المحصَنِ: ثابتٌ بالكتابِ والسنَّةِ المتواتِرةِ والإجماع؛ وهو قولُ عامَّةِ أهلِ العلمِ مِن الصحابةِ والتابِعين، ومَن بعدَهم مِن علماءِ الأمصارِ في جميعِ الأعصار.

وقد كان حكمُ مرتكِبِ كبيرةِ الزِّنى في أوَّلِ الأمرِ حَبْسَهُ في البيتِ، ثم نُسِخَ حكمُ حبسِ الزاني غيرِ المحصَنِ: بالجَلْد؛ كما في الآيةِ الثانيةِ مِن سورةِ النور، ونُسِخَ حكمُ حبسِ الزاني المُحصَنِ - أي: المتزوِّجِ -: بالرجمِ؛ كما في آيةِ الرجمِ؛ وهي آيةٌ قرآنيَّةٌ نزَلتْ وتُلِيَتْ، وعَمِلَ بها النبيُّ ﷺ وأصحابُه، ثم نُسِخَت تلاوتُها، ولكنْ بَقِيَ حكمُها والعملُ بها؛ كما جاء في فعلِ النبيِّ ﷺ والخلفاءِ الراشِدين مِن بعدِه، وقد ورَدَ ذلك في حديثِ عُمَرَ رَضي الله عنه، الذي رواه البخاري (6830)، ومسلم (1691).

وقد ذكَرَ العلماءُ: أنه شُرِعَ في حقِّ الزاني المحصَنِ: هذا الحدُّ الرجمُ، وهو القتلُ بالحجارةِ؛ لحِكَمٍ عظيمةٍ منها: أن يَصِلَ الألمُ إلى جميعِ بدَنِهِ؛ حيثُ وصَلتْ إليه اللذَّةُ بالحرام، وأن تتذكَّرَ الأمَّةُ عقوبةَ اللهِ لقومِ لُوطٍ بالرجمِ بالحجارة، وأيضًا: لما كانت هذه الجريمةُ مخرِّبةً للبيوت، مدنِّسةً للفراش، مُفسِدةً للأنساب -: ناسَبَ ذلك وقوعَ أشدِّ العقابِ بأصحابِها؛ رَدْعًا لذوي الأهواء، ونَكَالًا لأصحابِ الفجور، وعَذَابًا للمُفسِدين في الأرض.

وأخيرًا: فإن مَقصِدَ الإسلامِ في تطبيقِ هذا الحدِّ: تطهيرُ الزاني وتهذيبُهُ، وليس قتلَهُ؛ وفي ذلك تحقيقٌ لمصلحةِ الردعِ، وتجنُّبِ الشهَواتِ، كما أن هناك شروطًا لتطبيقِ حدِّ الرجمِ على الزاني المحصَنِ؛ وهي تعودُ إلى درءِ الحدودِ بالشبُهات، وهي:

- أن يَشهَدَ على الزاني أربعةٌ مِن الرجالِ؛ وهذا متعذِّرُ الحدوثِ جِدًّا.

- أو أن يأتيَ الزاني معترِفًا على نفسِه، راغبًا في التطهُّرِ والتوبة، ويُقِرَّ بين يَدَيِ القاضي، ويَبْقى متمسِّكًا بهذا الإقرارِ حتى إقامةِ الحدِّ عليه.

فإن زنى أحدُ المسلِمين، وتاب إلى اللهِ في نفسِه، وأقلَعَ عن الزِّنى -: لا يُطبَّقُ عليه الحدُّ.

وإن اعترَفَ على نفسِهِ، وذهَبَ للقاضي، ورأى القاضي منه الرغبةَ في التوبةِ، فللقاضي أن يطرُدَهُ، ولا يُقيمَ عليه الحدَّ.

ولو تاب الزاني، وعاد لبيتِهِ بعد أنْ طرَدهُ القاضي، فليس للقاضي أن يَبحَثَ عنه مرَّةً أخرى.

وكلُّ هذا يدُلُّ على رحمةِ اللهِ بعبادِهِ العصاةِ، ويبيِّنُ أن الحكمةَ مِن هذا الحدِّ: التهذيبُ والتطهيرُ، والحفاظُ على الأنساب، وليس رَجْمَ العبادِ وقتلَهم أو الانتقامَ منهم.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:

الرجمُ عقوبةٌ، وليس مكافأةً، ومِن شأنِ العقوباتِ: الزَّجْرُ، وقد شرَعَ اللهُ تعالى في القرآنِ عقوبةً زاجرةً رادعةً للذين يحارِبون اللهَ ورسولَهُ، ويَسعَوْنَ في الأرضِ فسادًا، وهي: قطعُ اليدِ والرِّجْلِ مِن خِلاف.

وإن تقديرَ العقوباتِ مِن اللهِ تعالى: أمرٌ تابعٌ لحكمتِهِ وعِلمِه، وحدُّ الرجمِ ليس مِن عندِ أنفُسِنا، وإنما هو ثابتٌ بالطرُقِ الصِّحاحِ عن رسولِ الله ﷺ.

ومِن المفترَضِ أن يقولَ المؤمِنُ: ما أبشَعَ الزِّنى مِن المتزوِّج؛ لأن اللهَ شرَعَ فيه حدَّ الرجمِ؛ فهذا يدُلُّ على عِظَمِ هذا الذنبِ وقُبْحِه. كما أن عقوبةَ الرجمِ شديدةٌ ومؤثِّرةٌ، وربَّما لا تحتمِلُها كثيرٌ مِن النفوس، لكنَّ عدمَ احتمالِها لا يَعْني غلَطَ الحُكْمِ، أو الطعنَ فيه؛ فهي جريمةٌ شنيعةٌ في نظَرِ الشارع، وقد شدَّد في أمرِ ثبوتِها، وإذا أُقيمَت في حالاتٍ نادرةٍ، فلمصلحةٍ عظيمة، والمسلِمُ يسلِّمُ لأمرِ الله.

مختصر الجواب

مختصَرُ الإجابة:

حدُّ الرجمِ للزاني المحصَنِ - أي: المتزوِّجِ - أمرٌ ثابتٌ في الشريعة، وهو مِن السنَّةِ العمَليَّةِ المتواتِرةِ، أي: أن النبيَّ ^ فعَلَها بنفسِه، والسنَّةُ لها حكمُ القرآنِ في التشريع؛ فما أتى في السنَّةِ واجبٌ العملُ به تمامًا كالقرآن؛ قال تعالى:

{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

[الحشر: 7].

فحدُّ الرجمِ للزاني المحصَنِ: ثابتٌ بالكتابِ والسنَّةِ المتواتِرةِ والإجماع؛ وهو قولُ عامَّةِ أهلِ العلمِ مِن الصحابةِ والتابِعين، ومَن بعدَهم مِن علماءِ الأمصارِ في جميعِ الأعصار.

وقد كان حكمُ مرتكِبِ كبيرةِ الزِّنى في أوَّلِ الأمرِ حَبْسَهُ في البيتِ، ثم نُسِخَ حكمُ حبسِ الزاني غيرِ المحصَنِ: بالجَلْد؛ كما في الآيةِ الثانيةِ مِن سورةِ النور، ونُسِخَ حكمُ حبسِ الزاني المُحصَنِ - أي: المتزوِّجِ -: بالرجمِ؛ كما في آيةِ الرجمِ؛ وهي آيةٌ قرآنيَّةٌ نزَلتْ وتُلِيَتْ، وعَمِلَ بها النبيُّ ﷺ وأصحابُه، ثم نُسِخَت تلاوتُها، ولكنْ بَقِيَ حكمُها والعملُ بها؛ كما جاء في فعلِ النبيِّ ﷺ والخلفاءِ الراشِدين مِن بعدِه، وقد ورَدَ ذلك في حديثِ عُمَرَ رَضي الله عنه، الذي رواه البخاري (6830)، ومسلم (1691).

وقد ذكَرَ العلماءُ: أنه شُرِعَ في حقِّ الزاني المحصَنِ: هذا الحدُّ الرجمُ، وهو القتلُ بالحجارةِ؛ لحِكَمٍ عظيمةٍ منها: أن يَصِلَ الألمُ إلى جميعِ بدَنِهِ؛ حيثُ وصَلتْ إليه اللذَّةُ بالحرام، وأن تتذكَّرَ الأمَّةُ عقوبةَ اللهِ لقومِ لُوطٍ بالرجمِ بالحجارة، وأيضًا: لما كانت هذه الجريمةُ مخرِّبةً للبيوت، مدنِّسةً للفراش، مُفسِدةً للأنساب -: ناسَبَ ذلك وقوعَ أشدِّ العقابِ بأصحابِها؛ رَدْعًا لذوي الأهواء، ونَكَالًا لأصحابِ الفجور، وعَذَابًا للمُفسِدين في الأرض.

وأخيرًا: فإن مَقصِدَ الإسلامِ في تطبيقِ هذا الحدِّ: تطهيرُ الزاني وتهذيبُهُ، وليس قتلَهُ؛ وفي ذلك تحقيقٌ لمصلحةِ الردعِ، وتجنُّبِ الشهَواتِ، كما أن هناك شروطًا لتطبيقِ حدِّ الرجمِ على الزاني المحصَنِ؛ وهي تعودُ إلى درءِ الحدودِ بالشبُهات، وهي:

- أن يَشهَدَ على الزاني أربعةٌ مِن الرجالِ؛ وهذا متعذِّرُ الحدوثِ جِدًّا.

- أو أن يأتيَ الزاني معترِفًا على نفسِه، راغبًا في التطهُّرِ والتوبة، ويُقِرَّ بين يَدَيِ القاضي، ويَبْقى متمسِّكًا بهذا الإقرارِ حتى إقامةِ الحدِّ عليه.

فإن زنى أحدُ المسلِمين، وتاب إلى اللهِ في نفسِه، وأقلَعَ عن الزِّنى -: لا يُطبَّقُ عليه الحدُّ.

وإن اعترَفَ على نفسِهِ، وذهَبَ للقاضي، ورأى القاضي منه الرغبةَ في التوبةِ، فللقاضي أن يطرُدَهُ، ولا يُقيمَ عليه الحدَّ.

ولو تاب الزاني، وعاد لبيتِهِ بعد أنْ طرَدهُ القاضي، فليس للقاضي أن يَبحَثَ عنه مرَّةً أخرى.

وكلُّ هذا يدُلُّ على رحمةِ اللهِ بعبادِهِ العصاةِ، ويبيِّنُ أن الحكمةَ مِن هذا الحدِّ: التهذيبُ والتطهيرُ، والحفاظُ على الأنساب، وليس رَجْمَ العبادِ وقتلَهم أو الانتقامَ منهم.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيلي:

يُمكِنُ إزالةُ الإشكالِ الواردِ في السؤالِ مِن خلالِ النِّقاطِ التالية:

أوَّلًا: حدُّ الرجمِ للزاني المحصَنِ - أي: المتزوِّجِ - أمرٌ ثابتٌ في الشريعة، وهو مِن السنَّةِ العمَليَّةِ المتواتِرة:

أي: أن النبيَّ ^ فعَلَها بنفسِه، والسنَّةُ لها حكمُ القرآنِ في التشريع؛ فما أتى في السنَّةِ واجبٌ العملُ به تمامًا كالقرآن، ومَن أنكَرَ شيئًا ثابتًا في السنَّةِ كمَن أنكَرَ شيئًا مِن القرآن، وقد قال تعالى:

{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

[الحشر: 7].

ثانيًا: بيانُ حكمِ الزاني المحصَنِ في الشريعة، ورَدُّ شبهةِ عدمِ وجودِ الرجمِ في الإسلام:

حدُّ الرجمِ للزاني المحصَنِ: ثابتٌ بالكتابِ والسنَّةِ المتواتِرةِ والإجماع؛ وهذا قولُ عامَّةِ أهلِ العلمِ مِن الصحابةِ والتابِعين، ومَن بعدَهم مِن علماءِ الأمصارِ في جميعِ الأعصار.

وقد كان حكمُ مرتكِبِ كبيرةِ الزِّنى في أوَّلِ الأمرِ حَبْسَهُ في البيتِ؛ كما في قولِ ربِّنا سبحانه:

{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}

[النساء: 15].

ثم نُسِخَ حكمُ حبسِ الزاني غيرِ المحصَنِ بالجَلْد، والمُحصَنِ - أي: المتزوِّجِ - بالرجم:

ففي سورةِ النُّورِ، ذكَرَ اللهُ تعالى فيها حَدَّ الزاني: بأنه مئةُ جَلْدةٍ؛ قال تعالى:

{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}

[النور: 2]

والمقصودُ به: الزاني غيرُ المحصَنِ مِن الرجالِ والنساء، وليس فيها تعرُّضٌ للزاني المحصَنِ بذكرٍ أو إشارةٍ.

وقد ذُكِرَ الرجمُ في آيةٍ قرآنيَّةٍ نزَلتْ وتُلِيَتْ، وعَمِلَ بها النبيُّ ﷺ وأصحابُه، ثم نُسِخَت تلاوتُها، وبَقِيَ حكمُها؛ ودليلُ ذلك: قولُ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضي الله عنه؛ حيثُ قال:

«إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا ^ بِالحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ: آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا، وَعَقَلْنَاهَا، وَوَعَيْنَاهَا؛ رَجَمَ رَسُولُ اللهِ ^، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ؛ فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ إِذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الحَبَلُ أَوِ الِاعْتِرَافُ»

رواه البخاري (6830)، ومسلم (1691).

فنُسِخَ حكمُ حبسِ الزاني غيرِ المحصَنِ: بآيةِ النورِ: بالجَلْد، ونُسِخَ حكمُ حبسِ الزاني المحصَنِ: بالآيةِ التي جاءت في كلامِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضي اللهُ عنه: بالرجم، ثم نُسِخَتْ تلاوتُها، ولكنْ بَقِيَ العملُ بها؛ كما جاء في فعلِ النبيِّ ﷺ والخلفاءِ الراشِدين مِن بعدِه.

ثالثًا: ذكَرَ بعضُ العلماءِ في الحكمةِ مِن حدِّ الرجمِ في الإسلامِ على هذا الوجهِ: أنه «شُرِعَ في حقِّ الزاني المحصَنِ القتلُ بالحجارةِ؛ ليَصِلَ الألمُ إلى جميعِ بدَنِهِ؛ حيثُ وصَلتْ إليه اللذَّةُ بالحرام.

ولأن تلك القِتْلةَ أشنعُ القِتْلات، والداعي إلى الزِّنى داعٍ قويٌّ في الطباع؛ فجُعِلَتْ غِلْظةُ هذه العقوبةِ في مقابَلةِ قوَّةِ الداعي.

ولأن في هذه العقوبةِ تذكيرًا لعقوبةِ اللهِ لقومِ لُوطٍ بالرجمِ بالحجارةِ على ارتكابِ الفاحشة».

وأيضًا: فلما كانت هذه الجريمةُ مخرِّبةً للبيوت، مدنِّسةً للفراش، مُفسِدةً للأنساب -: ناسَبَ ذلك وقوعَ أشدِّ العقابِ بأصحابِها؛ رَدْعًا لذوي الأهواء، ونَكَالًا لأصحابِ الفجور، وعَذَابًا للمُفسِدين في الأرض، المخرِّبين للديار، الساعِينَ في الناسِ بالخطيئةِ والفساد.

رابعًا: مَقصِدُ الإسلامِ في تطبيقِ هذا الحدِّ: لغايةِ التطهيرِ، وليس القتلَ؛ وفي ذلك تحقيقٌ لمصلحةِ الردعِ، وتجنُّبِ الشهَواتِ:

شرطُ تطبيقِ حدِّ الرجمِ للزاني المحصَنِ، يكونُ بأحدِ أمرَيْن:

- إما أن يَشهَدَ على الزاني أربعةٌ مِن الرجالِ؛ وهذا متعذِّرُ الحدوثِ جِدًّا.

- أو أن يأتيَ الزاني معترِفًا على نفسِه، راغبًا في التطهُّرِ والتوبة، ويُقِرَّ بين يَدَيِ القاضي، ويَبْقى متمسِّكًا بهذا الإقرارِ حتى إقامةِ الحدِّ عليه.

أما إن زنى أحدُ المسلِمين، وتاب إلى اللهِ في نفسِه، وأقلَعَ عن الزِّنى -: فلا يُطبَّقُ عليه الحدُّ.

وإن اعترَفَ على نفسِهِ، وذهَبَ للقاضي، ورأى القاضي منه الرغبةَ في التوبةِ، فللقاضي أن يطرُدَهُ، ولا يُقيمَ عليه الحدَّ؛ ودليلُ هذا: فِعلُ النبيِّ ﷺ مع المرأةِ الغامديَّةِ التي جاءته معترِفةً على نفسِها، فأمَرَها رسولُ اللهِ ﷺ أن تَرجِعَ حتى تضَعَ ولَدَها، ولعلَّها لا تَرجِعُ إليه؛ رواه مسلم (1695)، ولم يُقِمِ النبيُّ ﷺ الحدَّ على هذه المرأةِ الغامِديَّةِ إلا بعد إصرارِها على التطهُّرِ، فلما عادت إليه، قال لها مرَّةً أُخرى: «اذْهَبِي، فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ»، فما هدأتِ المرأةُ حتى عادت بعد أن بلَغَ ولَدُها مرحلةَ الأكلِ والشربِ، فلما رأى النبيُّ ﷺ هذه الرغبةَ الشديدةَ في التطهُّر، أقام عليها الحدَّ.

وقال أيضًا لماعِزِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه، حين أتاه معترِفًا بالزِّنى:

«وَيْحَكَ، ارْجِعْ؛ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ، وَتُبْ إِلَيْهِ»؛

رواه مسلم (1695).

ولو تاب الزاني، وعاد لبيتِهِ بعد أنْ طرَدهُ القاضي، فليس للقاضي أن يَبحَثَ عنه مرَّةً أخرى؛ وهذا يبيِّنُ أن غايةَ الإسلامِ مِن هذا الحدِّ: التطهيرُ، والحفاظُ على الأنساب.

وهذا الحكمُ جاءت به الشريعةُ؛ تخويفًا للمسلِمين مِن إثمٍ عظيم؛ فهو مِن السبعِ الموبِقات؛ فلا يجترِئُ أحدٌ على فعلِهِ لِمَا فيه مِن الفسادِ العظيم، والانتهاكِ لحُرُماتِ اللهِ تعالى؛ ولذا لم يَرِدْ عن النبيِّ ﷺ أنه رجَمَ إلا في حالَتَيْنِ فقطْ.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:

الرجمُ عقوبةٌ، وليس مكافأةً، ومِن شأنِ العقوباتِ: الزَّجْرُ، وقد شرَعَ اللهُ تعالى في القرآنِ عقوبةً زاجرةً رادعةً للذين يحارِبون اللهَ ورسولَهُ، ويَسعَوْنَ في الأرضِ فسادًا، وهي: قطعُ اليدِ والرِّجْلِ مِن خِلاف.

وإن تقديرَ العقوباتِ مِن اللهِ تعالى: أمرٌ تابعٌ لحكمتِهِ وعِلمِه، وحدُّ الرجمِ ليس مِن عندِ أنفُسِنا، وإنما هو ثابتٌ بالطرُقِ الصِّحاحِ عن رسولِ الله ﷺ.

ومِن المفترَضِ أن يقولَ المؤمِنُ: ما أبشَعَ الزِّنى مِن المتزوِّج؛ لأن اللهَ شرَعَ فيه حدَّ الرجمِ؛ فهذا يدُلُّ على عِظَمِ هذا الذنبِ وقُبْحِه. كما أن عقوبةَ الرجمِ شديدةٌ ومؤثِّرةٌ، وربَّما لا تحتمِلُها كثيرٌ مِن النفوس، لكنَّ عدمَ احتمالِها لا يَعْني غلَطَ الحُكْمِ، أو الطعنَ فيه؛ فهي جريمةٌ شنيعةٌ في نظَرِ الشارع، وقد شدَّد في أمرِ ثبوتِها، وإذا أُقيمَت في حالاتٍ نادرةٍ، فلمصلحةٍ عظيمة، والمسلِمُ يسلِّمُ لأمرِ الله.