نص السؤال
إن النبيَّ ﷺ تزوَّج صفيَّةَ رضيَ اللهُ عنها، ولم تَعتَدَّ عِدَّةَ المتوفَّى عنها زوجُها؛ فكيف نَقبَلُ الرواياتِ التي ورَدَتْ في ذلك؟
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
خبَرُ الزواجِ مِن صفيَّةَ رضيَ اللهُ عنها يعارِضُ القرآنَ الكريمَ.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
حقيقةُ هذه الشبهةِ: الطعنُ في السنَّةِ بدعوى معارَضتِها للقرآنِ؛ والمقصودُ قولُهُ تعالى:
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}
[البقرة: 234]
فهذه عِدَّةُ المتوفَّى عنها زوجُها.
ونقولُ ابتداءً: إن الشريعةَ الإسلاميَّةَ راعت مسألةَ حفظِ الأنساب، وعدمِ اختلاطِها، وشرَعتْ لذلك أحكامًا كثيرةً، منها أحكامُ المستبرَأةِ، وإنما أُتِيَ أصحابُ الاعتراضِ على الرواياتِ التي جاءت في زواجِ النبيِّ ﷺ مِن صفيَّةَ، مِن جهةِ عدمِ معرفتِهم بالحكمِ الشرعيِّ في المستبرَأةِ، وبموافَقتِهِ لمقصدِ الشريعةِ في حفظِ الأنساب.
وقد يُقصَدُ مِن هذه الشبهةِ: الطعنُ في النبيِّ ﷺ بدعوى كاذبةٍ، وهي - كما يقولُهُ المفتَرون عليه مِن النصارى - اغتصابُ امرأةٍ بعد قتلِ زوجِها.
والاستشكالُ الواردُ في السؤالِ يتضمَّنُ الحاجةَ إلى كشفٍ عن ملابَساتِ زواجِ النبيِّ ﷺ مِن صفيَّةَ، وتوضيحِ الحكمِ الشرعيِّ في مسألةِ المستبرَأة.
ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:
1- المستبرَأةُ يجبُ طلبُ براءتِها مِن الحمل؛ وذلك يحصُلُ بحَيْضةٍ واحدة:
فالمستبرَأةُ: مستفعَلةٌ مِن الاستبراء؛ وهو أن يشترِيَ الرجلُ جاريةً، فلا يطَأَها حتى تَحيضَ عنده حَيْضةً، ثم تطهُرَ، وكذلك إذا سَبَاها، لم يطَأْها حتى يستبرِئَها بحَيْضةٍ، ومعناه: طلَبُ براءتِها مِن الحمل، فيحرُمُ نكاحُها حتى يستبرِئَها؛ لحديثِ رُوَيْفِعِ بنِ ثابتٍ؛ أن رسولَ اللهِ ﷺ قال يومَ حُنَينٍ:
«لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا»؛
رواه أبو داودَ (2155)، والتِّرمِذيُّ (1131)، وأحمدُ (17033، 17038)؛ واللفظُ لأبي داودَ
فهذا هو الحُكمُ الشرعيُّ في المستبرَأةِ، وهو متسِقٌ مع مقاصدِ الشريعةِ في حفظِ الأنسابِ، وعدمِ اختلاطِها؛ فهل خالَفَ النبيُّ ﷺ هذا الحُكمَ الشرعيَّ؟ هذا ما نوضِّحُهُ في النقطةِ التالية:
2- النبيُّ ﷺ استبرَأَ صفيَّةَ رضيَ اللهُ عنها:
فإن صفيَّةَ بعد توزيعِ السبيِ، كانت مِن نصيبِ دِحْيةَ الكَلْبيِّ، فاشتراها منه النبيُّ ﷺ، ثم استبرَأَها، ثم تزوَّجها:
ففي «صحيحِ البخاريِّ» (2235)،
عن أنَسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه، قال
«قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الحِصْنَ، ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا، وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الرَّوْحَاءِ، حَلَّتْ، فَبَنَى بِهَا»،
ومعنى «حَلَّتْ»: طَهُرَتْ مِن الحَيْض.
وعند مسلمٍ (1365):
«ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ؛ تُصَنِّعُهَا لَهُ، وَتُهَيِّئُهَا، وَتَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا»،
ومعنى «تعتَدُّ»: تستبرِئُ.
وقد جعَلَها النبيُّ ﷺ في مُدَّةِ الاستبراءِ في بيتِ أمِّ سُلَيْم.
فلم يكن النبيُّ ﷺ في زواجِهِ مِن صفيَّةَ قد خالَفَ الحُكمَ الشرعيَّ في الاستبراء.
3- صفيَّةُ رضيَ اللهُ عنها كانت راضيةً بزواجِها مِن رسولِ اللهِ ﷺ، صادقةً في حُبِّها له:
والصحابةُ أدرَكوا - بفطرتِهم النقيَّة - مكانةَ صفيَّة؛ فهي بنتُ سيِّدِ بني قُرَيظةَ، ولا تصلُحُ إلا للرسولِ ﷺ، فقالوا للرسولِ ﷺ لافتِينَ انتباهَهُ إليها، محبِّذينَ له زواجَها:
«إِنَّهَا بِنْتُ حُيَيٍّ سَيِّدِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ؛ مَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ»؛
كما عند مسلم (1365)
فخيَّرها الرسولُ ﷺ بين الإسلامِ؛ فيتزوَّجُها، وبين اليهوديَّةِ؛ فيُعتِقُها، ثم تَلحَقُ بأهلِها؛ فاختارت الإسلامَ، فأعتَقَها وبنى بها.
ونخلُصُ مِن ذلك إلى ما يلي:
1- الصحابةُ هم الذين لفَتُوا نظَرَ الرسولِ ﷺ لصفيَّةَ؛ لِما لها مِن مكانةٍ في قومِها.
2- أنها رضيَ اللهُ عنها لمَّا خيَّرها الرسولُ ﷺ دون إجبارٍ، اختارَتِ الإسلامَ والزواجَ منه على الحرِّيَّةِ واليهوديَّةِ والعودةِ لأهلِها، فلو كان الرسولُ ﷺ قاصدًا اغتصابَها - حاشاهُ - لم يخيِّرْها مِن الأساس.
ونحن نَعلَمُ أن بعضَ النساءِ اللواتي تزوَّجَهُنَّ النبيُّ ﷺ لم يَرْضَيْنَ به، فترَكَهُنَّ؛ كابنةِ الجَوْنِ التي تعوَّذتْ منه ﷺ، فترَكَها النبيُّ ﷺ؛ كما عند البخاري (5254)؛ فلم يكن النبيُّ ﷺ يُجبِرُ واحدةً على الرِّضا به.
أما صفيَّةُ رضيَ اللهُ عنها، فقد كانت راضيةً مسرورةً بذلك الزواج، وفي ذلك يقولُ الواقِديُّ - وهو مِن أعلمِ الناسِ بالمَغَازي -:
«ولم يخرُجِ النبيُّ ﷺ مِن خَيْبَرَ حتى طَهُرَتْ صفيَّةُ مِن حَيْضِها، فحمَلَها وراءَه، فلما صار إلى مَنزِلٍ على سِتَّةِ أميالٍ مِن خَيْبَرَ، مالَ يريدُ أن يعرِّسَ بها، فأبَتْ عليه، فوجَدَ في نفسِهِ، فلما كان بالصَّهْباءِ - وهي على بَرِيدٍ مِن خَيْبَرَ - نزَلَ بها هناك، فمشَطَتْها أُمُّ سُلَيْمٍ، وعَطَّرَتْها، قالت أُمُّ سِنَانٍ الأَسلَميَّةُ: وكانت مِن أَضْوَأِ ما يكونُ مِن النساءِ، فدخَلَ على أهلِهِ، فلما أصبَحَ، سألَتْها عما قال لها، فقالت: قال لي: «ما حمَلَكِ على الامتناعِ مِن النزولِ أوَّلًا؟»، فقلتُ: «خَشِيتُ عليك مِن قُرْبِ اليَهُودِ»؛ فزادها ذلك عنده»؛
«الطبقات الكبرى» لابن سعد (8/ 122) وأخرَجَ ابنُ سعدٍ بسندٍ حسَّنه ابنُ حجَرٍ في «الإصابة» (8/212)
عن زيدِ بنِ أسلَمَ، قال: «اجتمَعَ نِساءُ النبيِّ ﷺ في مَرَضِهِ الذي تُوُفِّيَ فيه، واجتمَعَ إليه نِساؤُه، فقالت صفيَّةُ بنتُ حُيَيٍّ: «إنِّي واللهِ يا نَبِيَّ اللهِ، لَودِدتُّ أنَّ الذي بِكَ بي»، فغَمَزْنَ أزواجُهُ ببَصَرِهِنَّ، فقال النبيُّ ﷺ: مَضْمِضْنَ، فقُلْنَ: مِن أيِّ شيءٍ؟ فقال: مِن تَغَامُزِكُنَّ بها، واللهِ، إنَّها لَصَادِقَةٌ»
«الطبقاتُ الكبرى» (8/ 128)
وكانت تأتي إلى النبيِّ ﷺ في معتكَفِهِ، ويحادِثُها؛ كما في «الصحيحَيْن»: البخاري (6219)، ومسلم (6219).
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (65)، (241)، (264).
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
قال اللهُ تعالى:
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}
[البقرة: 234]
فهذه عِدَّةُ المتوفَّى عنها زوجُها، وزواجُ النبيِّ ﷺ مِن صفيَّةَ دون أن تُتِمَّ العِدَّةَ، دليلٌ على مخالَفةِ الرواياتِ الواردةِ في زواجِ صفيَّةَ للقرآنِ الكريم؛ بحسَبِ وجهةِ نظَرِ السائل.
أو أن السائلَ يريدُ مِن الاعتراضِ على زواجِ النبيِّ ﷺ مِن صفيَّةَ: أن يَقدَحَ في شخصِ النبيِّ ﷺ؛ لأن ما فعَلهُ - مِن وجهةِ نظَرِ السائلِ - يُعَدُّ اغتِصابًا لامرأةٍ متزوِّجةٍ.
مختصَرُ الإجابة:
أخبارُ زواجِ النبيِّ ﷺ مِن صفيَّةَ، لا تعارِضُ القرآنَ؛ فإن النبيَّ ﷺ استبرَأَها، فلما تبيَّنَتْ براءةُ رَحِمِها، تزوَّجها.
أما القولُ بأنها كانت مجبَرةً على ذلك الزواجِ، فهو قولٌ باطلٌ؛ فقد كانت رضيَ اللهُ عنها راضيةً بزواجِها مِن رسولِ اللهِ ﷺ، ولم تكن ساخِطةً على ذلك الزواج، وكانت تحبُّهُ ويحبُّها، صادقةً في حُبِّها له.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
قال اللهُ تعالى:
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}
[البقرة: 234]
فهذه عِدَّةُ المتوفَّى عنها زوجُها، وزواجُ النبيِّ ﷺ مِن صفيَّةَ دون أن تُتِمَّ العِدَّةَ، دليلٌ على مخالَفةِ الرواياتِ الواردةِ في زواجِ صفيَّةَ للقرآنِ الكريم؛ بحسَبِ وجهةِ نظَرِ السائل.
أو أن السائلَ يريدُ مِن الاعتراضِ على زواجِ النبيِّ ﷺ مِن صفيَّةَ: أن يَقدَحَ في شخصِ النبيِّ ﷺ؛ لأن ما فعَلهُ - مِن وجهةِ نظَرِ السائلِ - يُعَدُّ اغتِصابًا لامرأةٍ متزوِّجةٍ.
مختصَرُ الإجابة:
أخبارُ زواجِ النبيِّ ﷺ مِن صفيَّةَ، لا تعارِضُ القرآنَ؛ فإن النبيَّ ﷺ استبرَأَها، فلما تبيَّنَتْ براءةُ رَحِمِها، تزوَّجها.
أما القولُ بأنها كانت مجبَرةً على ذلك الزواجِ، فهو قولٌ باطلٌ؛ فقد كانت رضيَ اللهُ عنها راضيةً بزواجِها مِن رسولِ اللهِ ﷺ، ولم تكن ساخِطةً على ذلك الزواج، وكانت تحبُّهُ ويحبُّها، صادقةً في حُبِّها له.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
حقيقةُ هذه الشبهةِ: الطعنُ في السنَّةِ بدعوى معارَضتِها للقرآنِ؛ والمقصودُ قولُهُ تعالى:
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}
[البقرة: 234]
فهذه عِدَّةُ المتوفَّى عنها زوجُها.
ونقولُ ابتداءً: إن الشريعةَ الإسلاميَّةَ راعت مسألةَ حفظِ الأنساب، وعدمِ اختلاطِها، وشرَعتْ لذلك أحكامًا كثيرةً، منها أحكامُ المستبرَأةِ، وإنما أُتِيَ أصحابُ الاعتراضِ على الرواياتِ التي جاءت في زواجِ النبيِّ ﷺ مِن صفيَّةَ، مِن جهةِ عدمِ معرفتِهم بالحكمِ الشرعيِّ في المستبرَأةِ، وبموافَقتِهِ لمقصدِ الشريعةِ في حفظِ الأنساب.
وقد يُقصَدُ مِن هذه الشبهةِ: الطعنُ في النبيِّ ﷺ بدعوى كاذبةٍ، وهي - كما يقولُهُ المفتَرون عليه مِن النصارى - اغتصابُ امرأةٍ بعد قتلِ زوجِها.
والاستشكالُ الواردُ في السؤالِ يتضمَّنُ الحاجةَ إلى كشفٍ عن ملابَساتِ زواجِ النبيِّ ﷺ مِن صفيَّةَ، وتوضيحِ الحكمِ الشرعيِّ في مسألةِ المستبرَأة.
ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:
1- المستبرَأةُ يجبُ طلبُ براءتِها مِن الحمل؛ وذلك يحصُلُ بحَيْضةٍ واحدة:
فالمستبرَأةُ: مستفعَلةٌ مِن الاستبراء؛ وهو أن يشترِيَ الرجلُ جاريةً، فلا يطَأَها حتى تَحيضَ عنده حَيْضةً، ثم تطهُرَ، وكذلك إذا سَبَاها، لم يطَأْها حتى يستبرِئَها بحَيْضةٍ، ومعناه: طلَبُ براءتِها مِن الحمل، فيحرُمُ نكاحُها حتى يستبرِئَها؛ لحديثِ رُوَيْفِعِ بنِ ثابتٍ؛ أن رسولَ اللهِ ﷺ قال يومَ حُنَينٍ:
«لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا»؛
رواه أبو داودَ (2155)، والتِّرمِذيُّ (1131)، وأحمدُ (17033، 17038)؛ واللفظُ لأبي داودَ
فهذا هو الحُكمُ الشرعيُّ في المستبرَأةِ، وهو متسِقٌ مع مقاصدِ الشريعةِ في حفظِ الأنسابِ، وعدمِ اختلاطِها؛ فهل خالَفَ النبيُّ ﷺ هذا الحُكمَ الشرعيَّ؟ هذا ما نوضِّحُهُ في النقطةِ التالية:
2- النبيُّ ﷺ استبرَأَ صفيَّةَ رضيَ اللهُ عنها:
فإن صفيَّةَ بعد توزيعِ السبيِ، كانت مِن نصيبِ دِحْيةَ الكَلْبيِّ، فاشتراها منه النبيُّ ﷺ، ثم استبرَأَها، ثم تزوَّجها:
ففي «صحيحِ البخاريِّ» (2235)،
عن أنَسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه، قال
«قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الحِصْنَ، ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا، وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الرَّوْحَاءِ، حَلَّتْ، فَبَنَى بِهَا»،
ومعنى «حَلَّتْ»: طَهُرَتْ مِن الحَيْض.
وعند مسلمٍ (1365):
«ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ؛ تُصَنِّعُهَا لَهُ، وَتُهَيِّئُهَا، وَتَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا»،
ومعنى «تعتَدُّ»: تستبرِئُ.
وقد جعَلَها النبيُّ ﷺ في مُدَّةِ الاستبراءِ في بيتِ أمِّ سُلَيْم.
فلم يكن النبيُّ ﷺ في زواجِهِ مِن صفيَّةَ قد خالَفَ الحُكمَ الشرعيَّ في الاستبراء.
3- صفيَّةُ رضيَ اللهُ عنها كانت راضيةً بزواجِها مِن رسولِ اللهِ ﷺ، صادقةً في حُبِّها له:
والصحابةُ أدرَكوا - بفطرتِهم النقيَّة - مكانةَ صفيَّة؛ فهي بنتُ سيِّدِ بني قُرَيظةَ، ولا تصلُحُ إلا للرسولِ ﷺ، فقالوا للرسولِ ﷺ لافتِينَ انتباهَهُ إليها، محبِّذينَ له زواجَها:
«إِنَّهَا بِنْتُ حُيَيٍّ سَيِّدِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ؛ مَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ»؛
كما عند مسلم (1365)
فخيَّرها الرسولُ ﷺ بين الإسلامِ؛ فيتزوَّجُها، وبين اليهوديَّةِ؛ فيُعتِقُها، ثم تَلحَقُ بأهلِها؛ فاختارت الإسلامَ، فأعتَقَها وبنى بها.
ونخلُصُ مِن ذلك إلى ما يلي:
1- الصحابةُ هم الذين لفَتُوا نظَرَ الرسولِ ﷺ لصفيَّةَ؛ لِما لها مِن مكانةٍ في قومِها.
2- أنها رضيَ اللهُ عنها لمَّا خيَّرها الرسولُ ﷺ دون إجبارٍ، اختارَتِ الإسلامَ والزواجَ منه على الحرِّيَّةِ واليهوديَّةِ والعودةِ لأهلِها، فلو كان الرسولُ ﷺ قاصدًا اغتصابَها - حاشاهُ - لم يخيِّرْها مِن الأساس.
ونحن نَعلَمُ أن بعضَ النساءِ اللواتي تزوَّجَهُنَّ النبيُّ ﷺ لم يَرْضَيْنَ به، فترَكَهُنَّ؛ كابنةِ الجَوْنِ التي تعوَّذتْ منه ﷺ، فترَكَها النبيُّ ﷺ؛ كما عند البخاري (5254)؛ فلم يكن النبيُّ ﷺ يُجبِرُ واحدةً على الرِّضا به.
أما صفيَّةُ رضيَ اللهُ عنها، فقد كانت راضيةً مسرورةً بذلك الزواج، وفي ذلك يقولُ الواقِديُّ - وهو مِن أعلمِ الناسِ بالمَغَازي -:
«ولم يخرُجِ النبيُّ ﷺ مِن خَيْبَرَ حتى طَهُرَتْ صفيَّةُ مِن حَيْضِها، فحمَلَها وراءَه، فلما صار إلى مَنزِلٍ على سِتَّةِ أميالٍ مِن خَيْبَرَ، مالَ يريدُ أن يعرِّسَ بها، فأبَتْ عليه، فوجَدَ في نفسِهِ، فلما كان بالصَّهْباءِ - وهي على بَرِيدٍ مِن خَيْبَرَ - نزَلَ بها هناك، فمشَطَتْها أُمُّ سُلَيْمٍ، وعَطَّرَتْها، قالت أُمُّ سِنَانٍ الأَسلَميَّةُ: وكانت مِن أَضْوَأِ ما يكونُ مِن النساءِ، فدخَلَ على أهلِهِ، فلما أصبَحَ، سألَتْها عما قال لها، فقالت: قال لي: «ما حمَلَكِ على الامتناعِ مِن النزولِ أوَّلًا؟»، فقلتُ: «خَشِيتُ عليك مِن قُرْبِ اليَهُودِ»؛ فزادها ذلك عنده»؛
«الطبقات الكبرى» لابن سعد (8/ 122) وأخرَجَ ابنُ سعدٍ بسندٍ حسَّنه ابنُ حجَرٍ في «الإصابة» (8/212)
عن زيدِ بنِ أسلَمَ، قال: «اجتمَعَ نِساءُ النبيِّ ﷺ في مَرَضِهِ الذي تُوُفِّيَ فيه، واجتمَعَ إليه نِساؤُه، فقالت صفيَّةُ بنتُ حُيَيٍّ: «إنِّي واللهِ يا نَبِيَّ اللهِ، لَودِدتُّ أنَّ الذي بِكَ بي»، فغَمَزْنَ أزواجُهُ ببَصَرِهِنَّ، فقال النبيُّ ﷺ: مَضْمِضْنَ، فقُلْنَ: مِن أيِّ شيءٍ؟ فقال: مِن تَغَامُزِكُنَّ بها، واللهِ، إنَّها لَصَادِقَةٌ»
«الطبقاتُ الكبرى» (8/ 128)
وكانت تأتي إلى النبيِّ ﷺ في معتكَفِهِ، ويحادِثُها؛ كما في «الصحيحَيْن»: البخاري (6219)، ومسلم (6219).
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (65)، (241)، (264).