نص السؤال

لا يصحُّ حديثُ أبي هُرَيرةَ، عن النبيِّ ﷺ: «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ»؛ رواه مسلم (511)؛ لِمَا تضمَّنه مِن إساءةٍ بالغةٍ للمرأة، وحَطٍّ مِن شأنِها، وقد كرَّمها الإسلامُ؛ وهذا يُعَدُّ تمييزًا على أساسِ النوع، والرسولُ ﷺ يُعرَفُ باحترامِهِ للنِّساء. كما أنه معارِضٌ لحديثِ مسروقٍ عن عائشةَ - وَذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ - فَقَالَتْ عَائِشَةُ:

«قَدْ شَبَّهْتُمُونَا بِالْحَمِيرِ وَالْكِلَابِ، وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً، فَتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ»؛

رواه البخاري (511، 514)، ومسلم (512)

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

هل حديثُ: «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ»، حديثٌ صحيحٌ؟


الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:
1- وجودُ المذكوراتِ الثلاثةِ في سياقٍ واحدٍ، لا يَعْني أنها متماثِلةٌ لا في القَدْرِ والمكانة، ولا في العلَّةِ التي تُقطَعُ بها الصلاةُ:
والمقصودُ: أنه لا يَلزَمُ أن تكونَ العلَّةُ مِن كونِ الكلبِ الأسودِ يَقطَعُ الصلاةَ، هي نفسَ العلَّةِ المحقَّقةِ في الحِمارِ أو المرأة.
 والاقترانُ في النظمِ لا يستلزِمُ الاقترانَ في الحُكمِ؛ كما في قولِهِ تعالى:

{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}

[الفتح: ٢٩]

فإن الجملةَ الثانيةَ معطوفةٌ على الأُولى، ولا يشارِكُ الصحابةُ رضيَ اللهُ عنهم النبيَّ ﷺ في الرِّسالة؛ فقد تكونُ لهذه الثلاثةِ عِللٌ مختلِفةٌ، وإن جمَعَها سياقٌ واحدٌ:
والعلَّةُ - كما قيل - في قطعِ المرأةِ للصلاةِ: هي اشتغالُ القلبِ وافتتانُهُ بها، ولو كانت العلَّةُ نجاستَها أو نقصَها، لَمُنِعَ النساءُ مِن صلاةِ الجماعة، حتى إن ترتيبَها يأتي خلفَ الإمامِ بعد الطِّفْلِ الذَّكَرِ؛ لهذه العلَّةِ المتقدِّمةِ أيضًا.
ولا يَرِدُ على هذا حديثُ عائشةَ: في أنها كانت بين يدَيْهِ ﷺ وهو يصلِّي؛ فإن ذلك خاصٌّ بالنبيِّ ﷺ، وهو ﷺ معصومٌ مِن الافتتان.
كما يُقالُ أيضًا: إن البيوتَ يومئذٍ ليس فيها مصابيحُ؛ كما قالت عائشةُ رضيَ اللهُ عنها؛ فالرؤيةُ غيرُ متحقِّقةٍ، وكذلك الافتتانُ مِن بابِ أَوْلى، فإذا انتفَتِ الرؤيةُ، انتفى الافتتان. 
وأما العلَّةُ في الكلبِ، فقيل: لأنه يروِّعُ ويشوِّشُ الفكرَ، مع نفورِ النفسِ منه.
وكذلك الحمارُ: يشوِّشُ بنهيقِهِ وحرَكتِه.
2- لحديثِ أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه شواهدُ مِن أحاديثِ غيرِهِ مِن الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم، مما ينقُضُ دعوى وضعِهِ للحديث:
أما دعوى وضعِ أبي هُرَيرةَ للحديث، فللحديثِ شواهدُ كثيرةٌ عن جمعٍ مِن الصحابة، تدُلُّ على بطلانِ دعوى وضعِ أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه الحديثَ؛ فقد جاء مِن روايةِ أبي ذَرٍّ، وعبدِ اللهِ بنِ مغفَّلٍ، وأنَسٍ، والحكَمِ بنِ عمرٍو الغِفاريِّ، وابنِ عبَّاسٍ، رضيَ اللهُ عنهم، ولم يتفرَّدْ به أبو هُرَيرةَ رضيَ الله عنه.
وكلُّ ما يُقالُ مِن أن أبا هُرَيرةَ اخترَعَ الحديثَ، مدفوعًا بموقِفِهِ السلبيِّ مِن المرأةِ -: هو قولٌ يفتقِر إلى أدنى درَجاتِ التحقيقِ العلميِّ النزيه، ومحاوَلةُ استحضارِ بعضِ الأخبارِ الشاذَّةِ في مثلِ هذا الشأنِ، وتوظيفِها لإثباتِ هذه الدعوى -: هي في الواقعِ طريقةٌ تُنادي على صاحبِها بالتجنِّي والقصدِ السيِّئ، إلا أن يُقالَ: بأن رواةَ الحديثِ الآخَرينَ مِن الصحابةِ - غيرَ أبي هُرَيرةَ - كان لهم أيضًا موقفٌ سلبيٌّ مِن المرأة؛ فتواطَؤوا مع أبي هُرَيرةَ على وضعِ هذا الحديث؛ وهذا مستحيلٌ وَفْقَ قانونِ العقلِ والمنطق.
والتشكيكُ في صدقِ صحابيٍّ، غرَضٌ خفيٌّ لمُثيرِي الشُّبُهات؛ فالصحابةُ هم مَن نقَلوا الدِّينَ، فإن شُوِّهَتْ صُورتُهم، فقد هُدِمَ الدِّينُ بطريقٍ غيرِ مباشر؛ وهذا ما يَرْمي له المغرِضون.
3- حديثُ أبي هُرَيرةَ وحديثُ عائشةَ رضيَ اللهُ عنهما، صحيحانِ، وللجمعِ بينهما مسالكُ متنوِّعةٌ:
فعند العودةِ إلى كلامِ العلماءِ على هذا الحديث، والإشكالِ المتعلِّقِ بمخالَفتِهِ لحديثِ عائشةَ: أنها كانت تنامُ بين يدَيِ رسولِ اللهِ ﷺ وهو يصلِّي، نجدُ أن لهم مسالكَ متنوِّعةً في دفعِ هذا الإشكال، وطرائقَ في التوفيقِ بين هذَيْنِ الحديثَيْنِ اللذَيْنِ ظاهِرُهما التعارُض: 
فمنهم: مَن قال بنسخِ حديثِ عائشةَ لحديثِ أبي هُرَيرةَ. 
ومنهم: مَن جمَعَ بينهما: بأن المرادَ مِن القطعِ الواردِ في حديثِ أبي هُرَيرةَ رضيَ الله عنه: هو قطعُ الخشوعِ، وليس إبطالَ الصلاة. 
ومنهم: مَن جمَعَ بينهما بأن حديثَ أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه إنما هو في المارِّ، وحديثُ عائشةَ هو في النائمِ بين يدَيِ المصلِّي؛ فتبطُلُ الصلاةُ بمرورِ هذه الثلاثةِ دون وقوفِها في قِبْلةِ المصلِّي، وقالوا: إن عائشةَ لم تعترِضْ في الأصلِ على حديثِ أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنهما، وكلُّ ما في الأمرِ: أنها أرادت تصحيحَ مفهومٍ قد يتبادَرُ إلى أذهانِ الناسِ مِن هذا الحديثِ النبويِّ؛ وهو: أن قطعَ المرأةِ للصلاةِ مطلَقٌ، سواءٌ حالَ مرورِها، أو قعودِها بين يدَيِ المصلِّي، أو نومِها، وهي تَرَى أن القطعَ إنما هو خاصٌّ بالمرور، لا بمجرَّدِ وجودِ المرأةِ في قِبْلةِ المصلِّي.
ويدُلُّ على ذلك قولُها عند البخاريِّ (6276):

«كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي وَسْطَ السَّرِيرِ، وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ، تَكُونُ لِي الحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَقُومَ فَأَسْتَقْبِلَهُ، فَأَنْسَلُّ انْسِلَالًا»

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:
يَرَى السائلُ: أن الحديثَ المذكورَ يُفهَمُ منه انتقاصُ المرأةِ؛ وبالتالي يقودُنا هذا إلى الطعنِ في صحَّةِ الحديثِ المذكور، أو الطعنِ في أبي هُرَيرةَ، أو الطعنِ في جملةِ السنَّةِ النبويَّةِ؛ لتضمُّنِها مثلَ هذا، أو الطعنَ في الإسلامِ عمومًا.
مختصَرُ الإجابة:
هذا الطعنُ مبنيٌّ على فهمٍ خاطئٍ لمعنى الحديث:
فوجودُ المذكوراتِ الثلاثةِ في سياقٍ واحدٍ، لا يَعْني أنها متماثِلةٌ؛ لا في القَدْرِ والمكانة، ولا في العلَّةِ التي تُقطَعُ بها الصلاةُ إطلاقًا، بل لكلِّ واحدةٍ سببٌ، وإن اشترَكَتْ في الحكم.
وهذا مثلُ كونِ النبيِّ ﷺ وأهلِ بيتِهِ لا يُعطَوْنَ مِن الصدَقة، وكونِ الكافرِ المحارِبِ لا يُعْطَى مِن الصدَقة؛ فالحكمُ واحدٌ، والسببُ مختلِفٌ، وجمعُهم في مقامٍ واحدٍ لا يدُلُّ على التماثُل.
والعلَّةُ - كما قيل - في قطعِ المرأةِ للصلاةِ: هي اشتغالُ القلبِ وافتتانُهُ بها، ولو كانت العلَّةُ نجاسةَ المرأةِ أو نقصَها، لَمُنِعَ النساءُ مِن صلاةِ الجماعة، حتى إن ترتيبَها يأتي خلفَ الإمامِ بعد الطِّفْلِ الذَّكَرِ؛ لهذه العلَّةِ المتقدِّمةِ أيضًا.
ولا يُمكِنُ الطعنُ في صحَّةِ الحديث؛ إذ له شواهدُ مِن أحاديثِ غيرِهِ مِن الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم؛ مما ينقُضُ دعوى وضعِهِ للحديث.
وحديثُ أبي هُرَيرةَ وحديثُ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها، صحيحانِ، وللجمعِ بينهما طرائقُ متنوِّعةٌ ذكَرها أهلُ العلم، غابت عن ذِهنِ السائل.
ومِن أهمِّها: طريقةُ مَن جمَعَ بينهما بأن حديثَ أبي هُرَيرةَ إنما هو في المارِّ، وحديثُ عائشةَ هو في النائمِ بين يدَيِ المصلِّي؛ فتبطُلُ الصلاةُ بمرورِ هذه الثلاثةِ دون وقوفِها في قِبْلةِ المصلِّي، وقالوا: إن عائشةَ لم تعترِضْ في الأصلِ على حديثِ أبي هُرَيرةَ، وكلُّ ما في الأمرِ: أنها أرادت تصحيحَ مفهومٍ خاطئٍ في الحديثِ؛ وهو: أن قطعَ المرأةِ للصلاةِ مطلَقٌ، سواءٌ حالَ مرورِها، أو قعودِها بين يدَيِ المصلِّي، أو نومِها؛ فهي تَرَى أن القطعَ إنما هو خاصٌّ بالمرور، لا بمجرَّدِ وجودِ المرأةِ في قِبْلةِ المصلِّي.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:
إن هذا الاستشكالَ يعبِّرُ عن ضعفٍ بالغٍ في النظرِ والتمحيص، والمنهجُ العلميِّ عند إرادةِ تحليلِ الخطابِ النبويِّ، واستنطاقِ دَلالتِهِ، وتفهُّمِ معاني ألفاظِهِ وجُمَلِه: يقتضي أن تُعطَى الأولويَّةُ - عند النظرِ - للمصنَّفاتِ المرصودةِ للشرحِ الحديثيِّ، والتي غالبًا ما تُعنَى - إضافةً إلى بيانِ المعنى المعجَميِّ للألفاظِ - بنقلِ نصوصِ السلفِ مِن أصحابِ النبيِّ ﷺ، ونصوصِ التابِعينَ ومَن جاء بعدَهم مِن أهلِ القرونِ الأُولى.
وهذا المسلكُ ضروريٌّ مِن الناحيةِ العلميَّة، بل هو مِن بدَهيَّاتِ البحثِ العلميِّ الذي تَفرِضُ قواعدُهُ على الباحِثين وجوبَ الرجوعِ إلى المصادرِ المتخصِّصة، ثم للباحثِ بعد ذلك أن يستدرِكَ ويتعقَّب.
أما أن يأتيَ مَن يزعُمُ التجرُّدَ في البحث، والموضوعيَّةَ في التحليل، والنزاهةَ في الطَّرْح، ثمَّ لا يتكلَّفُ النظرَ - ولو في واحدٍ - مِن مصنَّفاتِ الشرحِ الحديثيِّ - وهي بالمئاتِ - فهذا بلا ريبٍ عَوَارٌ في المنهج، وخلَلٌ بيِّنٌ في البحث؛ وهو يؤدِّي - بلا أدنى شكٍّ - إلى نتائجَ مغلوطةٍ تمامًا.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (135)، (143)، (146)، (149)، (205)، (211)، (213)، (214)، (227)، (233)، (246):

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:
يَرَى السائلُ: أن الحديثَ المذكورَ يُفهَمُ منه انتقاصُ المرأةِ؛ وبالتالي يقودُنا هذا إلى الطعنِ في صحَّةِ الحديثِ المذكور، أو الطعنِ في أبي هُرَيرةَ، أو الطعنِ في جملةِ السنَّةِ النبويَّةِ؛ لتضمُّنِها مثلَ هذا، أو الطعنَ في الإسلامِ عمومًا.
مختصَرُ الإجابة:
هذا الطعنُ مبنيٌّ على فهمٍ خاطئٍ لمعنى الحديث:
فوجودُ المذكوراتِ الثلاثةِ في سياقٍ واحدٍ، لا يَعْني أنها متماثِلةٌ؛ لا في القَدْرِ والمكانة، ولا في العلَّةِ التي تُقطَعُ بها الصلاةُ إطلاقًا، بل لكلِّ واحدةٍ سببٌ، وإن اشترَكَتْ في الحكم.
وهذا مثلُ كونِ النبيِّ ﷺ وأهلِ بيتِهِ لا يُعطَوْنَ مِن الصدَقة، وكونِ الكافرِ المحارِبِ لا يُعْطَى مِن الصدَقة؛ فالحكمُ واحدٌ، والسببُ مختلِفٌ، وجمعُهم في مقامٍ واحدٍ لا يدُلُّ على التماثُل.
والعلَّةُ - كما قيل - في قطعِ المرأةِ للصلاةِ: هي اشتغالُ القلبِ وافتتانُهُ بها، ولو كانت العلَّةُ نجاسةَ المرأةِ أو نقصَها، لَمُنِعَ النساءُ مِن صلاةِ الجماعة، حتى إن ترتيبَها يأتي خلفَ الإمامِ بعد الطِّفْلِ الذَّكَرِ؛ لهذه العلَّةِ المتقدِّمةِ أيضًا.
ولا يُمكِنُ الطعنُ في صحَّةِ الحديث؛ إذ له شواهدُ مِن أحاديثِ غيرِهِ مِن الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم؛ مما ينقُضُ دعوى وضعِهِ للحديث.
وحديثُ أبي هُرَيرةَ وحديثُ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها، صحيحانِ، وللجمعِ بينهما طرائقُ متنوِّعةٌ ذكَرها أهلُ العلم، غابت عن ذِهنِ السائل.
ومِن أهمِّها: طريقةُ مَن جمَعَ بينهما بأن حديثَ أبي هُرَيرةَ إنما هو في المارِّ، وحديثُ عائشةَ هو في النائمِ بين يدَيِ المصلِّي؛ فتبطُلُ الصلاةُ بمرورِ هذه الثلاثةِ دون وقوفِها في قِبْلةِ المصلِّي، وقالوا: إن عائشةَ لم تعترِضْ في الأصلِ على حديثِ أبي هُرَيرةَ، وكلُّ ما في الأمرِ: أنها أرادت تصحيحَ مفهومٍ خاطئٍ في الحديثِ؛ وهو: أن قطعَ المرأةِ للصلاةِ مطلَقٌ، سواءٌ حالَ مرورِها، أو قعودِها بين يدَيِ المصلِّي، أو نومِها؛ فهي تَرَى أن القطعَ إنما هو خاصٌّ بالمرور، لا بمجرَّدِ وجودِ المرأةِ في قِبْلةِ المصلِّي.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:
1- وجودُ المذكوراتِ الثلاثةِ في سياقٍ واحدٍ، لا يَعْني أنها متماثِلةٌ لا في القَدْرِ والمكانة، ولا في العلَّةِ التي تُقطَعُ بها الصلاةُ:
والمقصودُ: أنه لا يَلزَمُ أن تكونَ العلَّةُ مِن كونِ الكلبِ الأسودِ يَقطَعُ الصلاةَ، هي نفسَ العلَّةِ المحقَّقةِ في الحِمارِ أو المرأة.
 والاقترانُ في النظمِ لا يستلزِمُ الاقترانَ في الحُكمِ؛ كما في قولِهِ تعالى:

{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}

[الفتح: ٢٩]

فإن الجملةَ الثانيةَ معطوفةٌ على الأُولى، ولا يشارِكُ الصحابةُ رضيَ اللهُ عنهم النبيَّ ﷺ في الرِّسالة؛ فقد تكونُ لهذه الثلاثةِ عِللٌ مختلِفةٌ، وإن جمَعَها سياقٌ واحدٌ:
والعلَّةُ - كما قيل - في قطعِ المرأةِ للصلاةِ: هي اشتغالُ القلبِ وافتتانُهُ بها، ولو كانت العلَّةُ نجاستَها أو نقصَها، لَمُنِعَ النساءُ مِن صلاةِ الجماعة، حتى إن ترتيبَها يأتي خلفَ الإمامِ بعد الطِّفْلِ الذَّكَرِ؛ لهذه العلَّةِ المتقدِّمةِ أيضًا.
ولا يَرِدُ على هذا حديثُ عائشةَ: في أنها كانت بين يدَيْهِ ﷺ وهو يصلِّي؛ فإن ذلك خاصٌّ بالنبيِّ ﷺ، وهو ﷺ معصومٌ مِن الافتتان.
كما يُقالُ أيضًا: إن البيوتَ يومئذٍ ليس فيها مصابيحُ؛ كما قالت عائشةُ رضيَ اللهُ عنها؛ فالرؤيةُ غيرُ متحقِّقةٍ، وكذلك الافتتانُ مِن بابِ أَوْلى، فإذا انتفَتِ الرؤيةُ، انتفى الافتتان. 
وأما العلَّةُ في الكلبِ، فقيل: لأنه يروِّعُ ويشوِّشُ الفكرَ، مع نفورِ النفسِ منه.
وكذلك الحمارُ: يشوِّشُ بنهيقِهِ وحرَكتِه.
2- لحديثِ أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه شواهدُ مِن أحاديثِ غيرِهِ مِن الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم، مما ينقُضُ دعوى وضعِهِ للحديث:
أما دعوى وضعِ أبي هُرَيرةَ للحديث، فللحديثِ شواهدُ كثيرةٌ عن جمعٍ مِن الصحابة، تدُلُّ على بطلانِ دعوى وضعِ أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه الحديثَ؛ فقد جاء مِن روايةِ أبي ذَرٍّ، وعبدِ اللهِ بنِ مغفَّلٍ، وأنَسٍ، والحكَمِ بنِ عمرٍو الغِفاريِّ، وابنِ عبَّاسٍ، رضيَ اللهُ عنهم، ولم يتفرَّدْ به أبو هُرَيرةَ رضيَ الله عنه.
وكلُّ ما يُقالُ مِن أن أبا هُرَيرةَ اخترَعَ الحديثَ، مدفوعًا بموقِفِهِ السلبيِّ مِن المرأةِ -: هو قولٌ يفتقِر إلى أدنى درَجاتِ التحقيقِ العلميِّ النزيه، ومحاوَلةُ استحضارِ بعضِ الأخبارِ الشاذَّةِ في مثلِ هذا الشأنِ، وتوظيفِها لإثباتِ هذه الدعوى -: هي في الواقعِ طريقةٌ تُنادي على صاحبِها بالتجنِّي والقصدِ السيِّئ، إلا أن يُقالَ: بأن رواةَ الحديثِ الآخَرينَ مِن الصحابةِ - غيرَ أبي هُرَيرةَ - كان لهم أيضًا موقفٌ سلبيٌّ مِن المرأة؛ فتواطَؤوا مع أبي هُرَيرةَ على وضعِ هذا الحديث؛ وهذا مستحيلٌ وَفْقَ قانونِ العقلِ والمنطق.
والتشكيكُ في صدقِ صحابيٍّ، غرَضٌ خفيٌّ لمُثيرِي الشُّبُهات؛ فالصحابةُ هم مَن نقَلوا الدِّينَ، فإن شُوِّهَتْ صُورتُهم، فقد هُدِمَ الدِّينُ بطريقٍ غيرِ مباشر؛ وهذا ما يَرْمي له المغرِضون.
3- حديثُ أبي هُرَيرةَ وحديثُ عائشةَ رضيَ اللهُ عنهما، صحيحانِ، وللجمعِ بينهما مسالكُ متنوِّعةٌ:
فعند العودةِ إلى كلامِ العلماءِ على هذا الحديث، والإشكالِ المتعلِّقِ بمخالَفتِهِ لحديثِ عائشةَ: أنها كانت تنامُ بين يدَيِ رسولِ اللهِ ﷺ وهو يصلِّي، نجدُ أن لهم مسالكَ متنوِّعةً في دفعِ هذا الإشكال، وطرائقَ في التوفيقِ بين هذَيْنِ الحديثَيْنِ اللذَيْنِ ظاهِرُهما التعارُض: 
فمنهم: مَن قال بنسخِ حديثِ عائشةَ لحديثِ أبي هُرَيرةَ. 
ومنهم: مَن جمَعَ بينهما: بأن المرادَ مِن القطعِ الواردِ في حديثِ أبي هُرَيرةَ رضيَ الله عنه: هو قطعُ الخشوعِ، وليس إبطالَ الصلاة. 
ومنهم: مَن جمَعَ بينهما بأن حديثَ أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه إنما هو في المارِّ، وحديثُ عائشةَ هو في النائمِ بين يدَيِ المصلِّي؛ فتبطُلُ الصلاةُ بمرورِ هذه الثلاثةِ دون وقوفِها في قِبْلةِ المصلِّي، وقالوا: إن عائشةَ لم تعترِضْ في الأصلِ على حديثِ أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنهما، وكلُّ ما في الأمرِ: أنها أرادت تصحيحَ مفهومٍ قد يتبادَرُ إلى أذهانِ الناسِ مِن هذا الحديثِ النبويِّ؛ وهو: أن قطعَ المرأةِ للصلاةِ مطلَقٌ، سواءٌ حالَ مرورِها، أو قعودِها بين يدَيِ المصلِّي، أو نومِها، وهي تَرَى أن القطعَ إنما هو خاصٌّ بالمرور، لا بمجرَّدِ وجودِ المرأةِ في قِبْلةِ المصلِّي.
ويدُلُّ على ذلك قولُها عند البخاريِّ (6276):

«كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي وَسْطَ السَّرِيرِ، وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ، تَكُونُ لِي الحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَقُومَ فَأَسْتَقْبِلَهُ، فَأَنْسَلُّ انْسِلَالًا»

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:
إن هذا الاستشكالَ يعبِّرُ عن ضعفٍ بالغٍ في النظرِ والتمحيص، والمنهجُ العلميِّ عند إرادةِ تحليلِ الخطابِ النبويِّ، واستنطاقِ دَلالتِهِ، وتفهُّمِ معاني ألفاظِهِ وجُمَلِه: يقتضي أن تُعطَى الأولويَّةُ - عند النظرِ - للمصنَّفاتِ المرصودةِ للشرحِ الحديثيِّ، والتي غالبًا ما تُعنَى - إضافةً إلى بيانِ المعنى المعجَميِّ للألفاظِ - بنقلِ نصوصِ السلفِ مِن أصحابِ النبيِّ ﷺ، ونصوصِ التابِعينَ ومَن جاء بعدَهم مِن أهلِ القرونِ الأُولى.
وهذا المسلكُ ضروريٌّ مِن الناحيةِ العلميَّة، بل هو مِن بدَهيَّاتِ البحثِ العلميِّ الذي تَفرِضُ قواعدُهُ على الباحِثين وجوبَ الرجوعِ إلى المصادرِ المتخصِّصة، ثم للباحثِ بعد ذلك أن يستدرِكَ ويتعقَّب.
أما أن يأتيَ مَن يزعُمُ التجرُّدَ في البحث، والموضوعيَّةَ في التحليل، والنزاهةَ في الطَّرْح، ثمَّ لا يتكلَّفُ النظرَ - ولو في واحدٍ - مِن مصنَّفاتِ الشرحِ الحديثيِّ - وهي بالمئاتِ - فهذا بلا ريبٍ عَوَارٌ في المنهج، وخلَلٌ بيِّنٌ في البحث؛ وهو يؤدِّي - بلا أدنى شكٍّ - إلى نتائجَ مغلوطةٍ تمامًا.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (135)، (143)، (146)، (149)، (205)، (211)، (213)، (214)، (227)، (233)، (246):