نص السؤال

إن تلك الدُّونيَّةَ التي ألصَقَها التراثُ بالمرأةِ لأنها أنثى - كقولِهم: «إنها ناقصةُ العقلِ، ناقصةُ الدِّينِ» - ما هي إلا رؤيةٌ مشوَّهةٌ فرَضَها المجتمَعُ الذكوريُّ السائدُ، وكان مِن الطبيعيِّ أن تَطالَ هذه الرؤيةُ المشوَّهةُ عددًا مِن المواضيعِ والآياتِ في التنزيلِ الحكيمِ؛ فيأتي فهمُهما وتفسيرُها خاضعًا لهذه الرؤيةِ الذكوريَّةِ السائدة.

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

هل صحيحٌ أن المرأةَ غَبِيَّةٌ في نظرِ الإسلام؟


الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:
عند الحكمِ على موقفِ الإسلامِ مِن المرأةِ ينبغي النظرُ في كاملِ الصورة، وليس لمسألةٍ جزئيَّةٍ منقوصةِ النظر.
ونحتاجُ أن نَعرِفَ ما معنى «نقصانِ العقل»، ثم نتبيَّنَ هل فيه انتقاصٌ مِن قدرِ المرأةِ أو لا؟
والإشكالُ جاء على الحديثِ التالي:

عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ، قال: «خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ؛ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ»، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ»، قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا؛ أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ، لَمْ تُصَلِّ، وَلَمْ تَصُمْ؟»، قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا»؛

متفَقُ عليه؛ رواه البخاري (304)، ومسلم (80)

.
ويُمكِنُ فهمٌ أوسعُ بما يلي:
1- معنى نقصانِ عقلِ المرأةِ: هو - في الأصلِ - لشهادتِها على النصفِ مِن شهادةِ الرجل:
إن النقصانَ المذكورَ في هذا الحديثِ فسَّره الرسولُ ﷺ كما سبَقَ، وهو مثلُ كونِ شهادتِها على النصفِ مِن شهادةِ الرجلِ؛ لقولِهِ تعالى:

{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}

[البقرة: ٢٨٢]


وسواءٌ كان هذا حَصْرًا أو مِثالًا بارزًا، فهو دالٌّ على جزئيَّةِ هذه المسألة، وأنه لا يعُمُّ كاملَ المسائل؛ حتى إن الصحابةَ استفسَروا عن ذلك.
ولهذا تُقبَلُ شهادتُها لوحدِها فيما هو أعظمُ مِن المسائلِ الماليَّة؛ كالشهادةِ في روايةِ الحديثِ الذي يُعَدُّ مِثلَ القانونِ الذي يتأثَّرُ به ما لا يُحْصى مِن المسائلِ الماليَّة، بل له أثرٌ في الأمورِ الاعتقاديَّةِ، وأمورِ السياسةِ، وأمورِ الدِّماء.
وإنما احتِيطَ لشهادتِها في أمرٍ جزئيٍّ، وهو الشهادةُ على الأمورِ الماليَّة، ولم تبطُلْ شهادتُها مطلَقًا، بل طُلِبَ معها شاهدةٌ أخرى للتذكيرِ، والتذكيرُ هنا لا عَلاقةَ له بالذكاءِ كقدرةٍ عقليَّةٍ؛ فالذاكرةُ غيرُ الذكاءِ، والمرأةُ - لقلَّةِ مخالَطتِها للرجال، ونُدْرةِ ممارَستِها للشهادةِ في العقودِ الماليَّة - خِيفَ عليها النِّسْيانُ؛ فاحتِيطَ لذلك بتأكيدِ شهادتِها.
واشتراطُ المرأتَيْنِ: هو مِن بابِ التأكيدِ على توثيقِ العقود؛ لأن المرأةَ لا تَشهَدُ العقودَ الماليَّةَ عادةً؛ فكان الحكمُ مبنيًّا على الأغلبِ، وهذا ينسجِمُ مع التصوُّرِ الإسلاميِّ للمجتمَعِ؛ حيثُ إن المفاصَلةَ بين الرجالِ والنساءِ، ودرءَ الاختلاطِ، أصلٌ لا يُنقَضُ إلا لداعٍ شرعيٍّ خاصٍّ وقويٍّ.
فالمرأةُ ليس مِن شأنِها - غالبًا - الاشتغالُ بالمعامَلاتِ الماليَّةِ ونحوِها مِن المعاوَضاتِ؛ فلذلك تكونُ ذاكِرتُها فيها ضعيفةً، ولا تكونُ كذلك في الأمورِ المنزِليَّةِ التي هي شُغُلُها؛ فإنها فيها أقوى ذاكِرةً مِن الرجلِ، يعني: أن مِن طبعِ البشرِ ذُكْرانًا وإناثًا: أن يَقوَى تذكُّرُهم للأمورِ التي تُهِمُّهُم، ويكثُرُ اشتغالُهم بها.
وقد نَصَّ علماءُ المسلِمينَ على أن مِن القضايا ما تُقبَلُ فيها شهادةُ المرأةِ وحدها، وهي القضايا التي تطَّلِعُ عليها النساءُ، ولم تَجْرِ العادةُ باطِّلاعِ الرجالِ على موضوعاتِها؛ كالوِلادةِ، والبَكارةِ، وعيوبِ النساءِ الداخليَّة.
واللهُ تعالى في محكَمِ كتابِهِ قد بيَّن لنا أن الرجُلَ إذا اتَّهَمَ زوجتَهُ بالخيانةِ الزوجيَّة، ولم تكن عنده البيِّنةُ الكافيةُ، فعليه لإثباتِ دعواهُ: أن يَشهَدَ أربعَ شهاداتٍ بالله: إنه لَمِن الصادِقين، والخامسةَ: أنَّ لَعْنةَ اللهِ عليه إن كان مِن الكاذِبين، وعليها إذا أرادت أن تبرِّئَ نفسَها: أن تَشهَدَ كذلك أربعَ شهاداتٍ باللهِ: إنه لَمِن الكاذِبين، والخامسةَ: أنَّ غضَبَ اللهِ عليها إن كان مِن الصادِقين؛ فللرجُلِ أربعُ شهاداتٍ، وخامسةٌ، وللمرأةِ أربعُ شهاداتٍ، وخامسةٌ، وسواءٌ كان اللِّعانُ يمينًا أو شهادةً، فهو نوعُ اعتبارٍ لقولِها.
2- مَن لم يَفهَمْ رسالةَ المرأةِ الأساسيَّةَ في الإسلامِ - وهي رعايةُ الأسرةِ ومتطلَّباتِها - يعسُرُ عليه فهمُ هذا الحديث:
فإنَّ فهمَ هذه القضيَّةِ عَسِرٌ على مَن لم يُحِطْ بالتصوُّرِ الإسلاميِّ الكاملِ لدورِ المرأةِ في المجتمَعِ، وعَلاقتِها بالرجُلِ؛ فالمرأةُ في المجتمَعِ الإسلاميِّ لها وضعٌ خاصٌّ مِن حيثُ إن رسالتَها الأساسيَّةَ الاهتمامُ بالأُسْرةِ ومتطلَّباتِها؛ ولذا فهي قليلةُ الخروجِ إلى الأسواقِ والأماكنِ العامَّةِ إلا للحاجة؛ فهي لا تحضُرُ مِثلَ هذه المواقفِ التي تُراقُ فيها الدماء، أو تُعقَدُ فيها الصفَقات، وإذا وقَعَ شيءٌ منها أمامها، فإنها تمُرُّ عليه مَرَّ الكرام، دون أن تستوثِقَ وتَتتبَّعَ الأمرَ.
فاشتراطُ الإسلامِ رجُلَيْنِ أو رجلًا وامرأتَيْنِ، إجراءٌ رُوعِيَ فيه توفيرُ كلِّ الضماناتِ في الشهادةِ؛ لحمايةِ البريء، وإنصافِ المظلوم، والمرأةُ - بطبيعتِها العاطفيَّةِ - مَظِنَّةُ التأثُّرِ؛ لذا رُوعِيَ أن تكونَ معها امرأةٌ أخرى، وقد يُوجَدُ مِن الرجالِ ألوفٌ لا تُقبَلُ منهم شهادةٌ، ولكنَّ القانونَ الذي يساوي دائمًا بين مِزاجِ الرجلِ والمرأةِ في الحِسِّ والعاطفةِ قانونٌ يغالِطُ الواقعَ والمشاهَد.
3- قصورُ شهادةِ المرأةِ في الأمورِ الماليَّةِ، ليس فيه نقصُ فضلِها مطلَقًا، أو تفضيلُ كلِّ رجُلٍ عليها:
فقَبولُنا لشهادةِ الرجلِ في قضيَّةٍ معيَّنةٍ، ليس بالضرورةِ تفضيلًا له على المرأتَيْنِ اللتَيْنِ تقومانِ مقامَه، ولا على إحداهما.
ومما يدُلُّ على ذلك: أننا نَعلَمُ أن أبا بكرٍ وعليًّا رضيَ الله عنهما، لو شَهِدوا في زِنًى، لم يُحكَمْ بشهادتِهما إلا أن يُضافَ لهما شاهدانِ، ولو شَهِدَ به أربعةٌ منَّا عدولٌ في الظاهرِ، حُكِمَ بشهادتِهم، وليس ذلك بمُوجِبٍ أننا أفضلُ مِن أبي بكرٍ وعليٍّ رضيَ اللهُ عنهما.
وكذلك القولُ في شهادةِ النساءِ في أمورِ المال؛ فليس قَبولُ الشهادةِ دليلًا على تفضيلِ صاحبِها على غيرِهِ في كلِّ شيء.
4- ورَدَ في بعضِ رواياتِ الحديثِ وصفُ المرأةِ التي سألت النبيَّ ﷺ بأنها كانت «جَزْلةً»؛ كما في «صحيحِ مسلِمٍ» (79)؛ مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ:
والجَزْلةُ: هي المرأةُ «العاقلةُ»، «جيِّدةُ الرأي»، أو المرأةُ «لها قوَّةٌ واستضلاعٌ في الرأيِ والمخاطَبة»؛ ولذا يقالُ في الرجُلِ: جَزْلٌ، أي: ثَقِفٌ عاقلٌ أصيلُ الرأي.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:
ورَدَ في بعضِ الأحاديثِ في خطابِ النساءِ وصفُ «ناقِصاتِ عَقْلٍ ودِينٍ»، وتصوَّر أصحابُها أن مرادَ النبيِّ ﷺ: وصفُ النساءِ بالغَبَاءِ وعدمِ الفِطْنةِ، وينطلِقون مِن ذلك إلى إدراجِ هذا الحديثِ في قائمةِ الأحاديثِ التي يظُنُّونها مسيئةً للمرأة، ومكرِّسةً لدُونِيَّتِها؛ والجوابُ عن ذلك يتضمَّنُ الحاجةَ إلى بيانِ المعنى الصحيحِ لهذا الحديث. 
مختصَرُ الإجابة:
نقصانُ العقلِ عند المرأةِ ليس معناه الغَبَاءَ، بل هو نقصٌ نسبيٌّ، في أمرٍ جزئيٍّ فقطْ، وليس في كلِّ الأمور، وإنما احتِيطَ لشهادتِها على الأمورِ الماليَّة، ولم تبطُلْ شهادتُها مطلَقًا، بل طُلِبَ معها شاهدةٌ أخرى للتذكير، وهو مِن بابِ التأكيدِ على توثيقِ العقود.
وهذا النقصُ لظروفٍ طبيعيَّةٍ وجسَديَّة، ولا يَمنَعُ أن يكونَ هناك رجالٌ أنقصُ منها، ورجالٌ أكملُ منها، وهو ككونِ المرأةِ أضعفَ مِن الرجلِ في الجملة، وهناك مَن هو أقوى، ومَن هو أضعفُ، بل إن هذا النقصَ يُعَدُّ مِيزةً للمرأةِ تُعْطيها نوعًا مِن الرِّعايةِ والمعذرة.
ونقصُها في ضبطِ أمرِ الشهادةِ الماليَّةِ مما احتاجَتْ معه إلى امرأتَيْنِ، هو أمرٌ جزئيٌّ، وهذا الأمرُ لم يعارِضْ قَبولَ شهادتِها على أمورٍ أعظمَ - لكنها غيرُ ماليَّةٍ - كقَبولِ روايتِها للحديثِ الذي هو أشبهُ بالقانونِ الكلِّيِّ الذي يَحْوي ما لا يُحْصى مِن الجزئيَّاتِ؛ مِن الأمورِ الاعتقاديَّةِ، وأمورِ السياسةِ، وأمورِ الدِّماءِ، وغيرِ ذلك.
وقد نَصَّ علماءُ المسلِمينَ على أن مِن القضايا ما تُقبَلُ فيها شهادةُ المرأةِ وحدها، وهي القضايا التي تطَّلِعُ عليها النساءُ، ولم تَجْرِ العادةُ باطِّلاعِ الرجالِ على موضوعاتِها؛ كالوِلادةِ، والبَكارةِ، وعيوبِ النساءِ الداخليَّة.
وليس المرادُ هو المفاضَلةَ المطلَقةَ للرجالِ على النساءِ في الذَّكاءِ والفِطنةِ والنَّباهة، ولا في الفضلِ والمنزِلة؛ فإن مِن المتقرِّرِ أن مِن النساءِ مَن تكونُ أتَمَّ عقلًا وأكمَلَ دِينًا مِن كثيرٍ مِن الرجالِ بلا ريبٍ.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:
مما نُشيرُ إليه ختامًا: أن امتلاءَ القلبِ بالمقرَّراتِ السابِقةِ - التي تنتشِرُ في العصرِ الحاضرِ في وسائلِ الإعلامِ، والشبَكاتِ المختلِفةِ - تَمنَعُ المسلِمَ مِن التصوُّرِ الصحيحِ لبعضِ النصوص، ومنها ما يتعلَّقُ بالمرأةِ - كما في هذه الشبهة - ولا بدَّ لمَن أراد تحريرَ قلبِهِ وعقلِهِ: أن يَقرَأَ النصوصَ الشرعيَّةَ بقلبٍ نَقِيٍّ، وعقلٍ صافٍ، مع استصحابِ بقيَّةِ الأحكامِ والنصوصِ الأخرى؛ فالشريعةُ لا يُمكِنُ فهمُها إلا بوصفِها منظومةً متكامِلةً يشُدُّ بعضُها بعضًا، وليست أحكامًا جزئيَّةً متناثِرةً.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (135)، (143)، (147)، (149)، (205)، (211)، (213)، (214)، (227)، (233)، (246).

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:
ورَدَ في بعضِ الأحاديثِ في خطابِ النساءِ وصفُ «ناقِصاتِ عَقْلٍ ودِينٍ»، وتصوَّر أصحابُها أن مرادَ النبيِّ ﷺ: وصفُ النساءِ بالغَبَاءِ وعدمِ الفِطْنةِ، وينطلِقون مِن ذلك إلى إدراجِ هذا الحديثِ في قائمةِ الأحاديثِ التي يظُنُّونها مسيئةً للمرأة، ومكرِّسةً لدُونِيَّتِها؛ والجوابُ عن ذلك يتضمَّنُ الحاجةَ إلى بيانِ المعنى الصحيحِ لهذا الحديث. 
مختصَرُ الإجابة:
نقصانُ العقلِ عند المرأةِ ليس معناه الغَبَاءَ، بل هو نقصٌ نسبيٌّ، في أمرٍ جزئيٍّ فقطْ، وليس في كلِّ الأمور، وإنما احتِيطَ لشهادتِها على الأمورِ الماليَّة، ولم تبطُلْ شهادتُها مطلَقًا، بل طُلِبَ معها شاهدةٌ أخرى للتذكير، وهو مِن بابِ التأكيدِ على توثيقِ العقود.
وهذا النقصُ لظروفٍ طبيعيَّةٍ وجسَديَّة، ولا يَمنَعُ أن يكونَ هناك رجالٌ أنقصُ منها، ورجالٌ أكملُ منها، وهو ككونِ المرأةِ أضعفَ مِن الرجلِ في الجملة، وهناك مَن هو أقوى، ومَن هو أضعفُ، بل إن هذا النقصَ يُعَدُّ مِيزةً للمرأةِ تُعْطيها نوعًا مِن الرِّعايةِ والمعذرة.
ونقصُها في ضبطِ أمرِ الشهادةِ الماليَّةِ مما احتاجَتْ معه إلى امرأتَيْنِ، هو أمرٌ جزئيٌّ، وهذا الأمرُ لم يعارِضْ قَبولَ شهادتِها على أمورٍ أعظمَ - لكنها غيرُ ماليَّةٍ - كقَبولِ روايتِها للحديثِ الذي هو أشبهُ بالقانونِ الكلِّيِّ الذي يَحْوي ما لا يُحْصى مِن الجزئيَّاتِ؛ مِن الأمورِ الاعتقاديَّةِ، وأمورِ السياسةِ، وأمورِ الدِّماءِ، وغيرِ ذلك.
وقد نَصَّ علماءُ المسلِمينَ على أن مِن القضايا ما تُقبَلُ فيها شهادةُ المرأةِ وحدها، وهي القضايا التي تطَّلِعُ عليها النساءُ، ولم تَجْرِ العادةُ باطِّلاعِ الرجالِ على موضوعاتِها؛ كالوِلادةِ، والبَكارةِ، وعيوبِ النساءِ الداخليَّة.
وليس المرادُ هو المفاضَلةَ المطلَقةَ للرجالِ على النساءِ في الذَّكاءِ والفِطنةِ والنَّباهة، ولا في الفضلِ والمنزِلة؛ فإن مِن المتقرِّرِ أن مِن النساءِ مَن تكونُ أتَمَّ عقلًا وأكمَلَ دِينًا مِن كثيرٍ مِن الرجالِ بلا ريبٍ.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:
عند الحكمِ على موقفِ الإسلامِ مِن المرأةِ ينبغي النظرُ في كاملِ الصورة، وليس لمسألةٍ جزئيَّةٍ منقوصةِ النظر.
ونحتاجُ أن نَعرِفَ ما معنى «نقصانِ العقل»، ثم نتبيَّنَ هل فيه انتقاصٌ مِن قدرِ المرأةِ أو لا؟
والإشكالُ جاء على الحديثِ التالي:

عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ، قال: «خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ؛ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ»، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ»، قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا؛ أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ، لَمْ تُصَلِّ، وَلَمْ تَصُمْ؟»، قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا»؛

متفَقُ عليه؛ رواه البخاري (304)، ومسلم (80)

.
ويُمكِنُ فهمٌ أوسعُ بما يلي:
1- معنى نقصانِ عقلِ المرأةِ: هو - في الأصلِ - لشهادتِها على النصفِ مِن شهادةِ الرجل:
إن النقصانَ المذكورَ في هذا الحديثِ فسَّره الرسولُ ﷺ كما سبَقَ، وهو مثلُ كونِ شهادتِها على النصفِ مِن شهادةِ الرجلِ؛ لقولِهِ تعالى:

{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}

[البقرة: ٢٨٢]


وسواءٌ كان هذا حَصْرًا أو مِثالًا بارزًا، فهو دالٌّ على جزئيَّةِ هذه المسألة، وأنه لا يعُمُّ كاملَ المسائل؛ حتى إن الصحابةَ استفسَروا عن ذلك.
ولهذا تُقبَلُ شهادتُها لوحدِها فيما هو أعظمُ مِن المسائلِ الماليَّة؛ كالشهادةِ في روايةِ الحديثِ الذي يُعَدُّ مِثلَ القانونِ الذي يتأثَّرُ به ما لا يُحْصى مِن المسائلِ الماليَّة، بل له أثرٌ في الأمورِ الاعتقاديَّةِ، وأمورِ السياسةِ، وأمورِ الدِّماء.
وإنما احتِيطَ لشهادتِها في أمرٍ جزئيٍّ، وهو الشهادةُ على الأمورِ الماليَّة، ولم تبطُلْ شهادتُها مطلَقًا، بل طُلِبَ معها شاهدةٌ أخرى للتذكيرِ، والتذكيرُ هنا لا عَلاقةَ له بالذكاءِ كقدرةٍ عقليَّةٍ؛ فالذاكرةُ غيرُ الذكاءِ، والمرأةُ - لقلَّةِ مخالَطتِها للرجال، ونُدْرةِ ممارَستِها للشهادةِ في العقودِ الماليَّة - خِيفَ عليها النِّسْيانُ؛ فاحتِيطَ لذلك بتأكيدِ شهادتِها.
واشتراطُ المرأتَيْنِ: هو مِن بابِ التأكيدِ على توثيقِ العقود؛ لأن المرأةَ لا تَشهَدُ العقودَ الماليَّةَ عادةً؛ فكان الحكمُ مبنيًّا على الأغلبِ، وهذا ينسجِمُ مع التصوُّرِ الإسلاميِّ للمجتمَعِ؛ حيثُ إن المفاصَلةَ بين الرجالِ والنساءِ، ودرءَ الاختلاطِ، أصلٌ لا يُنقَضُ إلا لداعٍ شرعيٍّ خاصٍّ وقويٍّ.
فالمرأةُ ليس مِن شأنِها - غالبًا - الاشتغالُ بالمعامَلاتِ الماليَّةِ ونحوِها مِن المعاوَضاتِ؛ فلذلك تكونُ ذاكِرتُها فيها ضعيفةً، ولا تكونُ كذلك في الأمورِ المنزِليَّةِ التي هي شُغُلُها؛ فإنها فيها أقوى ذاكِرةً مِن الرجلِ، يعني: أن مِن طبعِ البشرِ ذُكْرانًا وإناثًا: أن يَقوَى تذكُّرُهم للأمورِ التي تُهِمُّهُم، ويكثُرُ اشتغالُهم بها.
وقد نَصَّ علماءُ المسلِمينَ على أن مِن القضايا ما تُقبَلُ فيها شهادةُ المرأةِ وحدها، وهي القضايا التي تطَّلِعُ عليها النساءُ، ولم تَجْرِ العادةُ باطِّلاعِ الرجالِ على موضوعاتِها؛ كالوِلادةِ، والبَكارةِ، وعيوبِ النساءِ الداخليَّة.
واللهُ تعالى في محكَمِ كتابِهِ قد بيَّن لنا أن الرجُلَ إذا اتَّهَمَ زوجتَهُ بالخيانةِ الزوجيَّة، ولم تكن عنده البيِّنةُ الكافيةُ، فعليه لإثباتِ دعواهُ: أن يَشهَدَ أربعَ شهاداتٍ بالله: إنه لَمِن الصادِقين، والخامسةَ: أنَّ لَعْنةَ اللهِ عليه إن كان مِن الكاذِبين، وعليها إذا أرادت أن تبرِّئَ نفسَها: أن تَشهَدَ كذلك أربعَ شهاداتٍ باللهِ: إنه لَمِن الكاذِبين، والخامسةَ: أنَّ غضَبَ اللهِ عليها إن كان مِن الصادِقين؛ فللرجُلِ أربعُ شهاداتٍ، وخامسةٌ، وللمرأةِ أربعُ شهاداتٍ، وخامسةٌ، وسواءٌ كان اللِّعانُ يمينًا أو شهادةً، فهو نوعُ اعتبارٍ لقولِها.
2- مَن لم يَفهَمْ رسالةَ المرأةِ الأساسيَّةَ في الإسلامِ - وهي رعايةُ الأسرةِ ومتطلَّباتِها - يعسُرُ عليه فهمُ هذا الحديث:
فإنَّ فهمَ هذه القضيَّةِ عَسِرٌ على مَن لم يُحِطْ بالتصوُّرِ الإسلاميِّ الكاملِ لدورِ المرأةِ في المجتمَعِ، وعَلاقتِها بالرجُلِ؛ فالمرأةُ في المجتمَعِ الإسلاميِّ لها وضعٌ خاصٌّ مِن حيثُ إن رسالتَها الأساسيَّةَ الاهتمامُ بالأُسْرةِ ومتطلَّباتِها؛ ولذا فهي قليلةُ الخروجِ إلى الأسواقِ والأماكنِ العامَّةِ إلا للحاجة؛ فهي لا تحضُرُ مِثلَ هذه المواقفِ التي تُراقُ فيها الدماء، أو تُعقَدُ فيها الصفَقات، وإذا وقَعَ شيءٌ منها أمامها، فإنها تمُرُّ عليه مَرَّ الكرام، دون أن تستوثِقَ وتَتتبَّعَ الأمرَ.
فاشتراطُ الإسلامِ رجُلَيْنِ أو رجلًا وامرأتَيْنِ، إجراءٌ رُوعِيَ فيه توفيرُ كلِّ الضماناتِ في الشهادةِ؛ لحمايةِ البريء، وإنصافِ المظلوم، والمرأةُ - بطبيعتِها العاطفيَّةِ - مَظِنَّةُ التأثُّرِ؛ لذا رُوعِيَ أن تكونَ معها امرأةٌ أخرى، وقد يُوجَدُ مِن الرجالِ ألوفٌ لا تُقبَلُ منهم شهادةٌ، ولكنَّ القانونَ الذي يساوي دائمًا بين مِزاجِ الرجلِ والمرأةِ في الحِسِّ والعاطفةِ قانونٌ يغالِطُ الواقعَ والمشاهَد.
3- قصورُ شهادةِ المرأةِ في الأمورِ الماليَّةِ، ليس فيه نقصُ فضلِها مطلَقًا، أو تفضيلُ كلِّ رجُلٍ عليها:
فقَبولُنا لشهادةِ الرجلِ في قضيَّةٍ معيَّنةٍ، ليس بالضرورةِ تفضيلًا له على المرأتَيْنِ اللتَيْنِ تقومانِ مقامَه، ولا على إحداهما.
ومما يدُلُّ على ذلك: أننا نَعلَمُ أن أبا بكرٍ وعليًّا رضيَ الله عنهما، لو شَهِدوا في زِنًى، لم يُحكَمْ بشهادتِهما إلا أن يُضافَ لهما شاهدانِ، ولو شَهِدَ به أربعةٌ منَّا عدولٌ في الظاهرِ، حُكِمَ بشهادتِهم، وليس ذلك بمُوجِبٍ أننا أفضلُ مِن أبي بكرٍ وعليٍّ رضيَ اللهُ عنهما.
وكذلك القولُ في شهادةِ النساءِ في أمورِ المال؛ فليس قَبولُ الشهادةِ دليلًا على تفضيلِ صاحبِها على غيرِهِ في كلِّ شيء.
4- ورَدَ في بعضِ رواياتِ الحديثِ وصفُ المرأةِ التي سألت النبيَّ ﷺ بأنها كانت «جَزْلةً»؛ كما في «صحيحِ مسلِمٍ» (79)؛ مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ:
والجَزْلةُ: هي المرأةُ «العاقلةُ»، «جيِّدةُ الرأي»، أو المرأةُ «لها قوَّةٌ واستضلاعٌ في الرأيِ والمخاطَبة»؛ ولذا يقالُ في الرجُلِ: جَزْلٌ، أي: ثَقِفٌ عاقلٌ أصيلُ الرأي.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:
مما نُشيرُ إليه ختامًا: أن امتلاءَ القلبِ بالمقرَّراتِ السابِقةِ - التي تنتشِرُ في العصرِ الحاضرِ في وسائلِ الإعلامِ، والشبَكاتِ المختلِفةِ - تَمنَعُ المسلِمَ مِن التصوُّرِ الصحيحِ لبعضِ النصوص، ومنها ما يتعلَّقُ بالمرأةِ - كما في هذه الشبهة - ولا بدَّ لمَن أراد تحريرَ قلبِهِ وعقلِهِ: أن يَقرَأَ النصوصَ الشرعيَّةَ بقلبٍ نَقِيٍّ، وعقلٍ صافٍ، مع استصحابِ بقيَّةِ الأحكامِ والنصوصِ الأخرى؛ فالشريعةُ لا يُمكِنُ فهمُها إلا بوصفِها منظومةً متكامِلةً يشُدُّ بعضُها بعضًا، وليست أحكامًا جزئيَّةً متناثِرةً.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (135)، (143)، (147)، (149)، (205)، (211)، (213)، (214)، (227)، (233)، (246).