نص السؤال

هل الحجابُ فريضةٌ إسلاميَّةٌ، أم عادةٌ اجتماعيَّةٌ توارَثَها الناسُ جِيلًا بعد جِيل، ولم يأمُرِ اللهُ تعالى به؟ ولماذا لم يُذكَرْ في القرآنِ الكريم؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

الحجابُ عادةٌ، وليس عبادةً.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

لا يُمكِنُ القولُ بأن الحجابَ عادةٌ، وليس عبادةً؛ لوجوهٍ منها:

1- إن الاستنادَ إلى أن الحجابَ عادةٌ متوارَثةٌ للطعنِ في فرضيَّتِهِ، أمرٌ واهٍ، فتوارُثُ أمرٍ في مجتمَعٍ معيَّنٍ لا يُنافي أن يكونَ هذا الأمرُ مستمَدًّا مِن الوحيِ؛ فنحن نجدُ كثيرًا مِن العاداتِ والتقاليدِ في مجتمَعاتٍ معيَّنةٍ، ونجدُ لها أصلًا في الوحي.

2- يَكْفينا للجوابِ عن هذه الشبهةِ: أن نبيِّنَ أن «الحجابَ» بالمعنى المذكورِ أعلاهُ أمرٌ جاء به الوحيُ:

قال تعالى:

{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}

[النور: 31].

وقال تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا}

[الأحزاب: 59]

ففي الآيةِ الأُولى: جاء التصريحُ بوجوبِ سَتْرِ الزينةِ كلِّها، وعدمِ إظهارِ شيءٍ منها أمامَ الأجانبِ، ولا يُستثنَى مِن ذلك إلا مَا ظَهَرَ مِن الزِّينة؛ وهذا دليلٌ أن على المرأةِ أن ترتدِيَ ما تستُرُ به نفسَها، ولا يُستثنَى مِن ذلك إلا ما ظهَرَ منها.

ومحلُّ خلافِ أهلِ العِلمِ: في أمرِ الزِّينةِ (الظاهرةِ)، إنما هو في الوجهِ والكفَّيْنِ، لا في سائرِ أعضاءِ البدَنِ؛ كالرأسِ، والشَّعْرِ، والنَّحْرِ، وغيرِ ذلك:

قال تعالى:

{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}

[النور: 31]

 وقد روى البخاريُّ (4759)، عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها، قالت:

«لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ:

{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}

[النور: 31]

، أَخَذْنَ أُزْرَهُنَّ، فَشَقَّقْنَهَا مِنْ قِبَلِ الحَوَاشِي، فَاخْتَمَرْنَ بِهَا»

وفي هذا النصِّ دليلٌ قاطعٌ على أن شَعَرَ المرأةِ عَوْرةٌ؛ فقد غطَّت الصحابيَّاتُ رؤوسَهنَّ لمَّا نزَلتْ هذه الآيةُ، وهو فَهْمٌ للآيةِ أقرَّه عليهِنَّ الرسولُ ^.

وقال الرسولُ ^:

«الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ؛ فَإِذَا خَرَجَتِ، اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ»

رواه التِّرمِذيُّ (1173)

وهذا دليلٌ على أن جميعَ بدَنِ المرأةِ عَوْرةٌ؛ ومَن أراد أن يستثنِيَ، فعلَيْهِ الدليلُ، ولا يُعلَمُ للمستثنِينَ غيرُ استثناءٍ لبعضِهم للوجهِ واليدَيْنِ، والأكثرون بخلافِ ذلك، وليس وراءَ ذلك مجالٌ للزيادة.

وقال رسولُ اللهِ ^:

«مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ، لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: يُرْخِينَ شِبْرًا، فَقَالَتْ: إِذَنْ تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ: فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ»

رواه التِّرمِذيُّ (1731).

هذا الحديثُ دليلٌ على أن الأصلَ في المرأةِ السترُ، وقد كانت هذه الصحابيَّةُ تَخْشى أن يَظهَرَ منها قَدَماها لحُرْمةِ ذلك؛ فكيف يُقالُ مع ذلك: «إن الإسلامَ لم يحدِّدْ للمرأةِ لِباسًا شرعيًّا ساترًا، وإن ذلك الحجابَ مجرَّدُ عادةٍ متوارَثة»؟!

وما ورَدَ في النصوصِ هو ما جَرَى عليه عمَلُ الصحابةِ والتابِعين فمَن بعدَهم:

قال الإمامُ مالكٌ في «المستخرَجةِ»: «وبلَغَني أن عُمَرَ بنَ الخطَّابِ نَهَى النساءَ عن لِباسِ القَبَاطيِّ، قال: «فإن كانت لا تَشِفّ، فإنها تَصِف»؛ [رواه ابنُ أبي شَيْبةَ (24792)، وغيرُه]، قال أبو الوليدِ ابنُ رشدٍ في شرحِ «المستخرَجةِ»، المسمَّى «البيانَ والتحصيلَ» (17/95): «القَبَاطيُّ: ثيابٌ ضيِّقةٌ تُلصَقُ بالجسمِ لضِيقِها، فتبدو ثَخَانةُ جسمِ لابسِها مِن نَحَافتِه، وتصفُ مَحاسِنَهُ، وتُبْدي ما يُستحسَنُ منه مما لا يُستحسَنُ، فنهى عُمَرُ بنُ الخطَّابِ أن يَلبَسَها النساءُ؛ امتثالًا لقولِهِ تعالى:

{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

[النور: 31]

والله أعلم».

ونصوصُ العلماءِ في ذلك كثيرةٌ.

3- حجابُ المرأةِ في الأديانِ الأخرى:

إن مما يدُلُّ على قطعيَّةِ وجوبِ الحجابِ، والسَّتْرِ على المرأةِ: اشتراكَ الأديانِ في إيجابِه،، والنصوصُ الدالَّةُ على وجوبِ الحجابِ - وإن كانت قد ورَدتْ في أسفارِ اليهودِ والنصارى المحرَّفةِ - فإن ورودَها فيه مع تتابُعِ عمَلِ اليهودِ والنصارى عليه قبلَ ظهورِ العَلْمانيَّةِ واللِّيبْراليَّةِ يُعَدُّ قرينةً دالَّةً على أصلِهِ السماويِّ في ديانتِهم:

حجابُ المرأةِ في التوراة:

ففي سِفرِ التكوينِ عن (رفقة): «أنها رفَعَتْ عينَيْها، فرأَتْ إسحاقَ، فنزَلتْ عن الجَمَلِ، وقالت للعبدِ: مَن هذا الرجُلُ الماشي في الحقلِ لِلِقَائي، فقال العبدُ: هو سيِّدي، فأخذَتِ البُرقُعَ وتغطَّت».

يقولُ القُسُّ (وِلْيَم مارْش): «كانت العَرُوسُ في الشرقِ تُزَفُّ على زوجِها محجَّبةَ الجسَدِ كلِّه، وكان بُرقُعُها حينئذٍ أحمَرَ، والبُرقُعُ العاديُّ - أي: في غيرِ أيَّامِ الزِّفافِ - أزرَقَ، أو أبيَضَ».

حجابُ المرأةِ في الإنجيل: جاء في رسالةِ (بُولُسَ الرسولِ) إلى أهلِ (كورنثوس): «وأما كلُّ امرأةٍ تصلِّي، أو تتنبَّأُ، ورأسُها غيرُ مغطًّى، فتَشِينُ رأسَها؛ لأنها والمحلوقةَ شيءٌ واحدٌ بعَيْنِه ... إذِ المرأةُ إن كانت لا تتغطَّى، فليُقَصَّ شَعَرُها، وإن كان قبيحًا بالمرأةِ أن تُقَصَّ أو تُحلَقَ، فلتَتَغَطَّ».

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

المقصودُ بالحجابِ في السؤالِ: هو اللِّباسُ الذي يغطِّي جسَدَ المرأةِ كاملًا، أو يغطِّيهِ مع كشفِ الوجهِ والكفَّيْن، وهو اللِّباسُ الذي تَظهَرُ به المرأةُ أمام الرجالِ الذين لا يحرُمُ عليها أن تتزوَّجَ منهم؛ كابنِ العمِّ، وابنِ الخالِ، ومَن لا تَربِطُها بهم قَرابةٌ؛ فهذا الحجابُ بهذا المعنى يَرَى السائلُ أن الشريعةَ الإسلاميَّةَ لم تأتِ بفرضيَّتِهِ، وإنما هو عادةٌ متوارَثةٌ يُمكِنُ تركُها والتخلِّي عنها.

مختصَرُ الإجابة:

كونُ حجاب المرأةِ - ومنه سترُ شَعَرِها - عادَةً ومتوارَثًا، لا يَمنَعُ كونَهُ عبادةً وشرعيًّا، وقد ثبَتَتْ فرضيَّةُ الحجابِ بالقرآنِ والسنَّةِ وإجماعِ العلماء، بل هو وارِدٌ في شرائعِ الأُمَمِ مِن قبلِنا.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:

على المرأةِ المسلِمةِ: أن تُدرِكَ أهدافَ دعوةِ نبذِ الحجابِ التي تَدعَمُها تيَّاراتٌ معيَّنةٌ لأغراضٍ مشبوهةٍ، ويكفي المُنصِفَ والمُنصِفةَ قراءةٌ صادقةٌ لنصوصِ الوحيِ، وكلامِ العلماءِ الراسِخين، وسماعٌ بقلبٍ صادقٍ لنداءِ الفطرة.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

المقصودُ بالحجابِ في السؤالِ: هو اللِّباسُ الذي يغطِّي جسَدَ المرأةِ كاملًا، أو يغطِّيهِ مع كشفِ الوجهِ والكفَّيْن، وهو اللِّباسُ الذي تَظهَرُ به المرأةُ أمام الرجالِ الذين لا يحرُمُ عليها أن تتزوَّجَ منهم؛ كابنِ العمِّ، وابنِ الخالِ، ومَن لا تَربِطُها بهم قَرابةٌ؛ فهذا الحجابُ بهذا المعنى يَرَى السائلُ أن الشريعةَ الإسلاميَّةَ لم تأتِ بفرضيَّتِهِ، وإنما هو عادةٌ متوارَثةٌ يُمكِنُ تركُها والتخلِّي عنها.

مختصَرُ الإجابة:

كونُ حجاب المرأةِ - ومنه سترُ شَعَرِها - عادَةً ومتوارَثًا، لا يَمنَعُ كونَهُ عبادةً وشرعيًّا، وقد ثبَتَتْ فرضيَّةُ الحجابِ بالقرآنِ والسنَّةِ وإجماعِ العلماء، بل هو وارِدٌ في شرائعِ الأُمَمِ مِن قبلِنا.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

لا يُمكِنُ القولُ بأن الحجابَ عادةٌ، وليس عبادةً؛ لوجوهٍ منها:

1- إن الاستنادَ إلى أن الحجابَ عادةٌ متوارَثةٌ للطعنِ في فرضيَّتِهِ، أمرٌ واهٍ، فتوارُثُ أمرٍ في مجتمَعٍ معيَّنٍ لا يُنافي أن يكونَ هذا الأمرُ مستمَدًّا مِن الوحيِ؛ فنحن نجدُ كثيرًا مِن العاداتِ والتقاليدِ في مجتمَعاتٍ معيَّنةٍ، ونجدُ لها أصلًا في الوحي.

2- يَكْفينا للجوابِ عن هذه الشبهةِ: أن نبيِّنَ أن «الحجابَ» بالمعنى المذكورِ أعلاهُ أمرٌ جاء به الوحيُ:

قال تعالى:

{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}

[النور: 31].

وقال تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا}

[الأحزاب: 59]

ففي الآيةِ الأُولى: جاء التصريحُ بوجوبِ سَتْرِ الزينةِ كلِّها، وعدمِ إظهارِ شيءٍ منها أمامَ الأجانبِ، ولا يُستثنَى مِن ذلك إلا مَا ظَهَرَ مِن الزِّينة؛ وهذا دليلٌ أن على المرأةِ أن ترتدِيَ ما تستُرُ به نفسَها، ولا يُستثنَى مِن ذلك إلا ما ظهَرَ منها.

ومحلُّ خلافِ أهلِ العِلمِ: في أمرِ الزِّينةِ (الظاهرةِ)، إنما هو في الوجهِ والكفَّيْنِ، لا في سائرِ أعضاءِ البدَنِ؛ كالرأسِ، والشَّعْرِ، والنَّحْرِ، وغيرِ ذلك:

قال تعالى:

{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}

[النور: 31]

 وقد روى البخاريُّ (4759)، عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها، قالت:

«لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ:

{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}

[النور: 31]

، أَخَذْنَ أُزْرَهُنَّ، فَشَقَّقْنَهَا مِنْ قِبَلِ الحَوَاشِي، فَاخْتَمَرْنَ بِهَا»

وفي هذا النصِّ دليلٌ قاطعٌ على أن شَعَرَ المرأةِ عَوْرةٌ؛ فقد غطَّت الصحابيَّاتُ رؤوسَهنَّ لمَّا نزَلتْ هذه الآيةُ، وهو فَهْمٌ للآيةِ أقرَّه عليهِنَّ الرسولُ ^.

وقال الرسولُ ^:

«الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ؛ فَإِذَا خَرَجَتِ، اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ»

رواه التِّرمِذيُّ (1173)

وهذا دليلٌ على أن جميعَ بدَنِ المرأةِ عَوْرةٌ؛ ومَن أراد أن يستثنِيَ، فعلَيْهِ الدليلُ، ولا يُعلَمُ للمستثنِينَ غيرُ استثناءٍ لبعضِهم للوجهِ واليدَيْنِ، والأكثرون بخلافِ ذلك، وليس وراءَ ذلك مجالٌ للزيادة.

وقال رسولُ اللهِ ^:

«مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ، لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: يُرْخِينَ شِبْرًا، فَقَالَتْ: إِذَنْ تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ: فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ»

رواه التِّرمِذيُّ (1731).

هذا الحديثُ دليلٌ على أن الأصلَ في المرأةِ السترُ، وقد كانت هذه الصحابيَّةُ تَخْشى أن يَظهَرَ منها قَدَماها لحُرْمةِ ذلك؛ فكيف يُقالُ مع ذلك: «إن الإسلامَ لم يحدِّدْ للمرأةِ لِباسًا شرعيًّا ساترًا، وإن ذلك الحجابَ مجرَّدُ عادةٍ متوارَثة»؟!

وما ورَدَ في النصوصِ هو ما جَرَى عليه عمَلُ الصحابةِ والتابِعين فمَن بعدَهم:

قال الإمامُ مالكٌ في «المستخرَجةِ»: «وبلَغَني أن عُمَرَ بنَ الخطَّابِ نَهَى النساءَ عن لِباسِ القَبَاطيِّ، قال: «فإن كانت لا تَشِفّ، فإنها تَصِف»؛ [رواه ابنُ أبي شَيْبةَ (24792)، وغيرُه]، قال أبو الوليدِ ابنُ رشدٍ في شرحِ «المستخرَجةِ»، المسمَّى «البيانَ والتحصيلَ» (17/95): «القَبَاطيُّ: ثيابٌ ضيِّقةٌ تُلصَقُ بالجسمِ لضِيقِها، فتبدو ثَخَانةُ جسمِ لابسِها مِن نَحَافتِه، وتصفُ مَحاسِنَهُ، وتُبْدي ما يُستحسَنُ منه مما لا يُستحسَنُ، فنهى عُمَرُ بنُ الخطَّابِ أن يَلبَسَها النساءُ؛ امتثالًا لقولِهِ تعالى:

{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

[النور: 31]

والله أعلم».

ونصوصُ العلماءِ في ذلك كثيرةٌ.

3- حجابُ المرأةِ في الأديانِ الأخرى:

إن مما يدُلُّ على قطعيَّةِ وجوبِ الحجابِ، والسَّتْرِ على المرأةِ: اشتراكَ الأديانِ في إيجابِه،، والنصوصُ الدالَّةُ على وجوبِ الحجابِ - وإن كانت قد ورَدتْ في أسفارِ اليهودِ والنصارى المحرَّفةِ - فإن ورودَها فيه مع تتابُعِ عمَلِ اليهودِ والنصارى عليه قبلَ ظهورِ العَلْمانيَّةِ واللِّيبْراليَّةِ يُعَدُّ قرينةً دالَّةً على أصلِهِ السماويِّ في ديانتِهم:

حجابُ المرأةِ في التوراة:

ففي سِفرِ التكوينِ عن (رفقة): «أنها رفَعَتْ عينَيْها، فرأَتْ إسحاقَ، فنزَلتْ عن الجَمَلِ، وقالت للعبدِ: مَن هذا الرجُلُ الماشي في الحقلِ لِلِقَائي، فقال العبدُ: هو سيِّدي، فأخذَتِ البُرقُعَ وتغطَّت».

يقولُ القُسُّ (وِلْيَم مارْش): «كانت العَرُوسُ في الشرقِ تُزَفُّ على زوجِها محجَّبةَ الجسَدِ كلِّه، وكان بُرقُعُها حينئذٍ أحمَرَ، والبُرقُعُ العاديُّ - أي: في غيرِ أيَّامِ الزِّفافِ - أزرَقَ، أو أبيَضَ».

حجابُ المرأةِ في الإنجيل: جاء في رسالةِ (بُولُسَ الرسولِ) إلى أهلِ (كورنثوس): «وأما كلُّ امرأةٍ تصلِّي، أو تتنبَّأُ، ورأسُها غيرُ مغطًّى، فتَشِينُ رأسَها؛ لأنها والمحلوقةَ شيءٌ واحدٌ بعَيْنِه ... إذِ المرأةُ إن كانت لا تتغطَّى، فليُقَصَّ شَعَرُها، وإن كان قبيحًا بالمرأةِ أن تُقَصَّ أو تُحلَقَ، فلتَتَغَطَّ».

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:

على المرأةِ المسلِمةِ: أن تُدرِكَ أهدافَ دعوةِ نبذِ الحجابِ التي تَدعَمُها تيَّاراتٌ معيَّنةٌ لأغراضٍ مشبوهةٍ، ويكفي المُنصِفَ والمُنصِفةَ قراءةٌ صادقةٌ لنصوصِ الوحيِ، وكلامِ العلماءِ الراسِخين، وسماعٌ بقلبٍ صادقٍ لنداءِ الفطرة.