نص السؤال

لماذا يُحارَبُ التبرُّجُ، مع أن العِبْرةَ هو الأخلاقُ، وطهارةُ القلب، ونجدُ كثيرًا مِن المتبرِّجاتِ مهذَّباتٍ، ونيَّتَهُنَّ سليمةً؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

الحجابُ ليس قِطْعةَ قُمَاشٍ.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

طهارةُ القلبِ مأمورٌ بها، وكذلك الحجابُ مأمورٌ به؛ فلا يُلْغى حكمُ أحدِهما لأجلِ الآخَر.

ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:

1- الشريعةُ لم تَشرِطْ عدمَ الأدبِ في المرأةِ في وجوبِ الحجاب:

فاللهُ تعالى أمَرَ النساءَ بالحجابِ أمرًا مطلَقًا؛ فالمَناطُ (العِلَّةُ) في المسألةِ، ليس التهذيبَ؛ بحيثُ يقالُ: «إن المرأةَ غيرَ المهذَّبةِ هي فقطِ المأمورةُ بالحجاب»؛ فهذا القولُ تغييرٌ للمَناطِ الشرعيِّ للأمرِ بالحجاب، وتعليقٌ للحُكمِ بغيرِ ما علَّقه به الشرع؛ فهو تعليقٌ منصرِمٌ مقطوع.

إن الأدبَ ليس مَناطًا (يعني: عِلَّةً) للحكمِ الشرعيِّ في المسألة؛ فالشريعةُ علَّقت وجوبَ الحجابِ بأوصافٍ تتعلَّقُ بالمرأةِ، ولا يَصِحُّ تعليقُ الأحكامِ الشرعيَّةِ بغيرِ ما علَّقها به الشارعُ؛ لأن ذلك تبديلٌ للدِّين، وتحريفٌ له.

ولو كانت قلَّةُ التهذيبِ هي مَناطَ الأمرِ بالحجابِ، لَمَا أمَرَ اللهُ تعالى بالحجابِ أكرَمَ النساءِ وأشرَفَهنَّ، وهنَّ نساءُ النبيِّ ^؛ قال اللهُ تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}

[الأحزاب: 59].

والغايةُ مِن الحجابِ: هي منعُ الرجُلِ مِن الافتتانِ بالمرأة؛ وبالتالي: فإن القولَ: «إن حجابَ المرأةِ في القلب، فإذا كانت المرأةُ مؤدَّبةً، لا يجبُ عليها الحجابُ»، يغدو بلا معنًى؛ لأن الحجابَ ليس مجرَّدَ رمزٍ بلا وظيفةٍ، أو شكلٍ بلا مضمونٍ فاعلٍ، وإنما وظيفتُهُ تغطيةُ مفاتنِ المرأةِ؛ حتى لا يتسلَّلَ الهوى الشيطانيُّ إلى قلبِ الرجُلِ، ويسوقَهُ إلى الزِّنى وتوابِعِه.

وكلامُ الرسولِ ^ في التحذيرِ مِن فتنةِ النساء، وكلامُ السلفِ رَحِمَهم اللهُ تعالى في ذلك: كثيرٌ جِدًّا.

وقولُ بعضِهم: «إن مِن النساءِ مَن لا ترتدي الحجابَ، لكنْ لا يستطيعُ أحدٌ مِن الرجالِ أن ينالَ منها شيئًا»، قولٌ غريبٌ، يجابُ عنه بأن كشفَ الحجابِ، يعني: كشفَ شيءٍ مأمورةٍ بسترِه، فهو شيءٌ يُمنَعُ النظَرُ إليه، وهي أباحَتْهُ للعَيْن، والعينُ قد أصابت بالنظَرِ إليه حظًّا مِن الزِّنى (أي: سبَبًا ونصيبًا)؛ لحديثِ أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ ^، قال:

«إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَى العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَى اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ»

متفَقٌ عليه؛ رواه البخاري (6243)، ومسلم (2657).

فكيف تكونُ مَن رفَضتِ الحجابَ لِباسًا، قد منَعتِ الرجالَ مما يُرِيدون، وهي التي بذَلتْ لهم ما فيه يَرْغَبون؟! فكشفُ شيءٍ مِن الجسَدِ المأمورِ بسترِهِ؛ كحَسْرِ الرأسِ، أو الملابسِ القصيرةِ -: مِن أسبابِ زِنَى العَيْن.

وهذا ليس تبريرًا - بطبيعةِ الحالِ - للرجالِ أن يَمُدُّوا أبصارَهم إلى النساءِ المتبرِّجات؛ فغَضُّ البصرِ واجبٌ على الرجالِ وعلى النساءِ على حدٍّ سواءٍ؛ كما أن الحجابَ واجبٌ على النساءِ خاصَّةً، وهذا مِن تكريمِ الإسلامِ للمرأة؛ حيثُ أحاطها بالعنايةِ في كلِّ مكان، وجعَلها مَصُونةً، فهي ليست سِلْعةً، ولا أداةً لعَرْضِ الأزياءِ في الشوارع، ووسائلِ الإعلامِ والإعلان، وصفَحاتِ المَجَلَّاتِ، يتاجِرُ بهِنَّ مَن يريدُ الترويجَ لسِلْعتِه، فتَجِدُ مُعظَمَ إعلاناتِ السِّلَعِ وغيرِها تقومُ بها النساءُ؛ فهل هذه هي العنايةُ بالمرأة، والحفاظُ عليها؟!

2- الحجابُ منظومةٌ متكامِلةٌ، وليس مجرَّدَ قطعةِ قُمَاشٍ:

نقولُ في جوابِ مَن يَنْفي: أنَّ الحجابَ قطعةُ قُمَاشٍ: نعَمْ، إن الحجابَ ليس قطعةَ قُمَاشٍ تضَعُها المرأةُ على رأسِها، وإنما هو غطاءٌ مُسبَل، ونهجٌ في الكلامِ والمعامَلةِ والإحساسِ مُتقَن.

فهو منظومةٌ عَقَديَّة، وسلوكيَّةٌ وشعوريَّة، تَمنَعُ مَن يتبنَّاها ويُؤمِنُ بها قولًا وعملًا، شِعارًا وتطبيقًا: تَمنَعُها مِن الأعمالِ والأفعالِ غيرِ المرضيَّة، والمواقفِ الشائنةِ المُرِيبة.

ومِن هنا نقولُ: إنَّ مَن عُلِمَ أنها ترتدي الحجابَ، لكنَّها تأتي أبوابَ الفسادِ، فهي مقصِّرةٌ مفرِّطة، وليس العيبُ في لباسِها، وإنما في أنها لم تلتزِمْ بقيَّةَ الأحكامِ التي ترتبِطُ بالحجابِ ارتباطَ العضوِ بالجسَد.

والواجبُ نحوَها هو: وعظُها، وأمرُها، وإلزامُها بسائرِ الأحكامِ التي خالَفَتْها، لا أمرُها بتركِ الحجابِ، ولا الطعنُ في الحجابِ بسببِها.

3- صلاحُ الباطنِ يؤدِّي إلى صلاحِ الظاهر:

بعضُ مَن يتحدَّثُ عن الحجابِ، وأنه مجرَّدُ قِشْرةٍ، وأن الحجابَ الممثِّلَ للعِفَّةِ: هو في القلبِ فقطْ -: يُشيرُ إلى أن طُهْرَ الباطنِ لا يؤثِّرُ في طُهْرِ الظاهر.

وهذا خطأٌ؛ فالعِفَّةُ ليست في القلبِ فقطْ، بل هي في القلبِ والجسَدِ جميعًا، ولا يُمكِنُ أن تكونَ في القلبِ مع فسادِ الجوارح.

فلا يقالُ: «إن الرجُلَ قد يكونُ طاهِرَ القلبِ، مؤمِنًا كاملَ الإيمان، لكنَّه لِصٌّ يَسرِقُ ويَنهَبُ، وزانٍ يعتدي على أعراضِ الناس، وكذَّابٌ يُخادِعُ مَن أمَّنوه».

فالفسادُ في الأعمالِ دليلٌ على ضعفِ الإيمانِ بحسَبِه.

وكذلك نقولُ: لا تكونُ عِفَّةُ القلبِ كاملةً، مع كشفِ المرأةِ لما أمَرَ الربُّ سبحانه بتغطيتِه.

وهذه المعصيةُ كسائرِ المعاصي؛ تصدُرُ عن جهالةٍ، وهوَى النفسِ وشهوتِها، فتَمنَعُها مِن الإتيانِ بالعملِ الظاهرِ كما يَرْضاهُ الله. إن العِفَّةَ نَبْتةٌ عظيمة؛ أصلُها وجِذرُها في القلب، وثمَرتُها باديةٌ على الجوارح.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

مِن وجهةِ نظَرِ السائلِ: لا حاجةَ للنساءِ في الحجابِ ما دُمْنَ مؤدَّباتٍ، ونيَّتُهُنَّ سليمةً؛ فلا يضُرُّهنَّ التبرُّجُ؛ فهو يريدُ أن يقولَ: إن المقصودَ بالحجابِ الحقيقيِّ حجابُ القلب، وليس مجرَّدَ قطعةِ قُمَاشٍ تُلْقى على الرأس.

مختصَرُ الإجابة:

إن الحاجةَ للحجابِ تأتي مِن جهةِ كونِهِ مانعًا مِن الطمعِ في المرأة؛ فإن الغايةَ مِن الحجابِ: هي منعُ الرجُلِ مِن الافتتانِ بالمرأة، والمتبرِّجةُ أقلُّ أحوالِها: أنها قدَّمتْ جسَدَها لأعيُنِ الرجال؛ كي تقَعَ في زِنَى النظَر، ونيَّتُها السليمةُ لن تُفيدَها شيئًا إنْ تطوَّر الأمرُ إلى ما هو أبعدُ مِن ذلك، وسلَكَ الشيطانُ بالرجالِ نحوَها خطواتِهِ المعروفةَ.

والحجابُ منظومةٌ متكامِلةٌ، وليس مجرَّدَ قطعةِ قُمَاشٍ؛ فهو غطاءٌ مُسبَل، ونهجٌ في الكلامِ والمعامَلةِ والإحساسِ مُتقَن؛ فهو منظومةٌ عَقَديَّة، وسلوكيَّةٌ وشعوريَّة، تَمنَعُ مَن يتبنَّاها ويُؤمِنُ بها قولًا وعملًا، شِعارًا وتطبيقًا: تَمنَعُها مِن الأعمالِ والأفعالِ غيرِ المرضيَّة، والمواقفِ الشائنةِ المُرِيبة. والمرأةُ إنْ كانت نيَّتُها سليمةً، وقلبُها طاهرًا، فلازِمُ ذلك: أن يَظهَرَ الطُّهْرُ في جوارحِها، فتمتثِلَ أمرَ ربِّها بالحجاب؛ فحينئذٍ ينصلِحُ ظاهِرُها وباطِنُها في ذلك؛ فإن صلاحَ الباطنِ يؤدِّي إلى صلاحِ الظاهر.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:

طاعةُ اللهِ تعالى قد يكونُ فيها الأمرُ المحبوبُ الميسَّر، وقد يكونُ فيها أمرٌ لا تحبُّهُ بعضُ النفوسِ أو يصعُبُ عليها؛ وهذا مِن ابتلاءِ اللهِ تعالى، وهو أمرٌ يَجْري في جميعِ مصالحِ الدِّينِ والدنيا: أن يكونَ فيها المحبوبُ والمكروه.

ولا يجوزُ تغييرُ الدِّينِ والحقائقِ لأجلِ موافَقةِ هَوَى النفوس. لكنَّ العاقلَ هو مَن آثَرَ رِضا اللهِ تعالى الذي تعودُ عليه مصلحتُهُ في الدنيا والآخِرةِ؛ فاللهُ تعالى لا يأمُرُ العبدَ بشيءٍ لا نفعَ فيه ولا مصلحةَ؛ فاللهُ تعالى إنما يأمُرُ بالخيرِ الخالصِ أو الغالب.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

مِن وجهةِ نظَرِ السائلِ: لا حاجةَ للنساءِ في الحجابِ ما دُمْنَ مؤدَّباتٍ، ونيَّتُهُنَّ سليمةً؛ فلا يضُرُّهنَّ التبرُّجُ؛ فهو يريدُ أن يقولَ: إن المقصودَ بالحجابِ الحقيقيِّ حجابُ القلب، وليس مجرَّدَ قطعةِ قُمَاشٍ تُلْقى على الرأس.

مختصَرُ الإجابة:

إن الحاجةَ للحجابِ تأتي مِن جهةِ كونِهِ مانعًا مِن الطمعِ في المرأة؛ فإن الغايةَ مِن الحجابِ: هي منعُ الرجُلِ مِن الافتتانِ بالمرأة، والمتبرِّجةُ أقلُّ أحوالِها: أنها قدَّمتْ جسَدَها لأعيُنِ الرجال؛ كي تقَعَ في زِنَى النظَر، ونيَّتُها السليمةُ لن تُفيدَها شيئًا إنْ تطوَّر الأمرُ إلى ما هو أبعدُ مِن ذلك، وسلَكَ الشيطانُ بالرجالِ نحوَها خطواتِهِ المعروفةَ.

والحجابُ منظومةٌ متكامِلةٌ، وليس مجرَّدَ قطعةِ قُمَاشٍ؛ فهو غطاءٌ مُسبَل، ونهجٌ في الكلامِ والمعامَلةِ والإحساسِ مُتقَن؛ فهو منظومةٌ عَقَديَّة، وسلوكيَّةٌ وشعوريَّة، تَمنَعُ مَن يتبنَّاها ويُؤمِنُ بها قولًا وعملًا، شِعارًا وتطبيقًا: تَمنَعُها مِن الأعمالِ والأفعالِ غيرِ المرضيَّة، والمواقفِ الشائنةِ المُرِيبة. والمرأةُ إنْ كانت نيَّتُها سليمةً، وقلبُها طاهرًا، فلازِمُ ذلك: أن يَظهَرَ الطُّهْرُ في جوارحِها، فتمتثِلَ أمرَ ربِّها بالحجاب؛ فحينئذٍ ينصلِحُ ظاهِرُها وباطِنُها في ذلك؛ فإن صلاحَ الباطنِ يؤدِّي إلى صلاحِ الظاهر.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

طهارةُ القلبِ مأمورٌ بها، وكذلك الحجابُ مأمورٌ به؛ فلا يُلْغى حكمُ أحدِهما لأجلِ الآخَر.

ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:

1- الشريعةُ لم تَشرِطْ عدمَ الأدبِ في المرأةِ في وجوبِ الحجاب:

فاللهُ تعالى أمَرَ النساءَ بالحجابِ أمرًا مطلَقًا؛ فالمَناطُ (العِلَّةُ) في المسألةِ، ليس التهذيبَ؛ بحيثُ يقالُ: «إن المرأةَ غيرَ المهذَّبةِ هي فقطِ المأمورةُ بالحجاب»؛ فهذا القولُ تغييرٌ للمَناطِ الشرعيِّ للأمرِ بالحجاب، وتعليقٌ للحُكمِ بغيرِ ما علَّقه به الشرع؛ فهو تعليقٌ منصرِمٌ مقطوع.

إن الأدبَ ليس مَناطًا (يعني: عِلَّةً) للحكمِ الشرعيِّ في المسألة؛ فالشريعةُ علَّقت وجوبَ الحجابِ بأوصافٍ تتعلَّقُ بالمرأةِ، ولا يَصِحُّ تعليقُ الأحكامِ الشرعيَّةِ بغيرِ ما علَّقها به الشارعُ؛ لأن ذلك تبديلٌ للدِّين، وتحريفٌ له.

ولو كانت قلَّةُ التهذيبِ هي مَناطَ الأمرِ بالحجابِ، لَمَا أمَرَ اللهُ تعالى بالحجابِ أكرَمَ النساءِ وأشرَفَهنَّ، وهنَّ نساءُ النبيِّ ^؛ قال اللهُ تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}

[الأحزاب: 59].

والغايةُ مِن الحجابِ: هي منعُ الرجُلِ مِن الافتتانِ بالمرأة؛ وبالتالي: فإن القولَ: «إن حجابَ المرأةِ في القلب، فإذا كانت المرأةُ مؤدَّبةً، لا يجبُ عليها الحجابُ»، يغدو بلا معنًى؛ لأن الحجابَ ليس مجرَّدَ رمزٍ بلا وظيفةٍ، أو شكلٍ بلا مضمونٍ فاعلٍ، وإنما وظيفتُهُ تغطيةُ مفاتنِ المرأةِ؛ حتى لا يتسلَّلَ الهوى الشيطانيُّ إلى قلبِ الرجُلِ، ويسوقَهُ إلى الزِّنى وتوابِعِه.

وكلامُ الرسولِ ^ في التحذيرِ مِن فتنةِ النساء، وكلامُ السلفِ رَحِمَهم اللهُ تعالى في ذلك: كثيرٌ جِدًّا.

وقولُ بعضِهم: «إن مِن النساءِ مَن لا ترتدي الحجابَ، لكنْ لا يستطيعُ أحدٌ مِن الرجالِ أن ينالَ منها شيئًا»، قولٌ غريبٌ، يجابُ عنه بأن كشفَ الحجابِ، يعني: كشفَ شيءٍ مأمورةٍ بسترِه، فهو شيءٌ يُمنَعُ النظَرُ إليه، وهي أباحَتْهُ للعَيْن، والعينُ قد أصابت بالنظَرِ إليه حظًّا مِن الزِّنى (أي: سبَبًا ونصيبًا)؛ لحديثِ أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ ^، قال:

«إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَى العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَى اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ»

متفَقٌ عليه؛ رواه البخاري (6243)، ومسلم (2657).

فكيف تكونُ مَن رفَضتِ الحجابَ لِباسًا، قد منَعتِ الرجالَ مما يُرِيدون، وهي التي بذَلتْ لهم ما فيه يَرْغَبون؟! فكشفُ شيءٍ مِن الجسَدِ المأمورِ بسترِهِ؛ كحَسْرِ الرأسِ، أو الملابسِ القصيرةِ -: مِن أسبابِ زِنَى العَيْن.

وهذا ليس تبريرًا - بطبيعةِ الحالِ - للرجالِ أن يَمُدُّوا أبصارَهم إلى النساءِ المتبرِّجات؛ فغَضُّ البصرِ واجبٌ على الرجالِ وعلى النساءِ على حدٍّ سواءٍ؛ كما أن الحجابَ واجبٌ على النساءِ خاصَّةً، وهذا مِن تكريمِ الإسلامِ للمرأة؛ حيثُ أحاطها بالعنايةِ في كلِّ مكان، وجعَلها مَصُونةً، فهي ليست سِلْعةً، ولا أداةً لعَرْضِ الأزياءِ في الشوارع، ووسائلِ الإعلامِ والإعلان، وصفَحاتِ المَجَلَّاتِ، يتاجِرُ بهِنَّ مَن يريدُ الترويجَ لسِلْعتِه، فتَجِدُ مُعظَمَ إعلاناتِ السِّلَعِ وغيرِها تقومُ بها النساءُ؛ فهل هذه هي العنايةُ بالمرأة، والحفاظُ عليها؟!

2- الحجابُ منظومةٌ متكامِلةٌ، وليس مجرَّدَ قطعةِ قُمَاشٍ:

نقولُ في جوابِ مَن يَنْفي: أنَّ الحجابَ قطعةُ قُمَاشٍ: نعَمْ، إن الحجابَ ليس قطعةَ قُمَاشٍ تضَعُها المرأةُ على رأسِها، وإنما هو غطاءٌ مُسبَل، ونهجٌ في الكلامِ والمعامَلةِ والإحساسِ مُتقَن.

فهو منظومةٌ عَقَديَّة، وسلوكيَّةٌ وشعوريَّة، تَمنَعُ مَن يتبنَّاها ويُؤمِنُ بها قولًا وعملًا، شِعارًا وتطبيقًا: تَمنَعُها مِن الأعمالِ والأفعالِ غيرِ المرضيَّة، والمواقفِ الشائنةِ المُرِيبة.

ومِن هنا نقولُ: إنَّ مَن عُلِمَ أنها ترتدي الحجابَ، لكنَّها تأتي أبوابَ الفسادِ، فهي مقصِّرةٌ مفرِّطة، وليس العيبُ في لباسِها، وإنما في أنها لم تلتزِمْ بقيَّةَ الأحكامِ التي ترتبِطُ بالحجابِ ارتباطَ العضوِ بالجسَد.

والواجبُ نحوَها هو: وعظُها، وأمرُها، وإلزامُها بسائرِ الأحكامِ التي خالَفَتْها، لا أمرُها بتركِ الحجابِ، ولا الطعنُ في الحجابِ بسببِها.

3- صلاحُ الباطنِ يؤدِّي إلى صلاحِ الظاهر:

بعضُ مَن يتحدَّثُ عن الحجابِ، وأنه مجرَّدُ قِشْرةٍ، وأن الحجابَ الممثِّلَ للعِفَّةِ: هو في القلبِ فقطْ -: يُشيرُ إلى أن طُهْرَ الباطنِ لا يؤثِّرُ في طُهْرِ الظاهر.

وهذا خطأٌ؛ فالعِفَّةُ ليست في القلبِ فقطْ، بل هي في القلبِ والجسَدِ جميعًا، ولا يُمكِنُ أن تكونَ في القلبِ مع فسادِ الجوارح.

فلا يقالُ: «إن الرجُلَ قد يكونُ طاهِرَ القلبِ، مؤمِنًا كاملَ الإيمان، لكنَّه لِصٌّ يَسرِقُ ويَنهَبُ، وزانٍ يعتدي على أعراضِ الناس، وكذَّابٌ يُخادِعُ مَن أمَّنوه».

فالفسادُ في الأعمالِ دليلٌ على ضعفِ الإيمانِ بحسَبِه.

وكذلك نقولُ: لا تكونُ عِفَّةُ القلبِ كاملةً، مع كشفِ المرأةِ لما أمَرَ الربُّ سبحانه بتغطيتِه.

وهذه المعصيةُ كسائرِ المعاصي؛ تصدُرُ عن جهالةٍ، وهوَى النفسِ وشهوتِها، فتَمنَعُها مِن الإتيانِ بالعملِ الظاهرِ كما يَرْضاهُ الله. إن العِفَّةَ نَبْتةٌ عظيمة؛ أصلُها وجِذرُها في القلب، وثمَرتُها باديةٌ على الجوارح.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:

طاعةُ اللهِ تعالى قد يكونُ فيها الأمرُ المحبوبُ الميسَّر، وقد يكونُ فيها أمرٌ لا تحبُّهُ بعضُ النفوسِ أو يصعُبُ عليها؛ وهذا مِن ابتلاءِ اللهِ تعالى، وهو أمرٌ يَجْري في جميعِ مصالحِ الدِّينِ والدنيا: أن يكونَ فيها المحبوبُ والمكروه.

ولا يجوزُ تغييرُ الدِّينِ والحقائقِ لأجلِ موافَقةِ هَوَى النفوس. لكنَّ العاقلَ هو مَن آثَرَ رِضا اللهِ تعالى الذي تعودُ عليه مصلحتُهُ في الدنيا والآخِرةِ؛ فاللهُ تعالى لا يأمُرُ العبدَ بشيءٍ لا نفعَ فيه ولا مصلحةَ؛ فاللهُ تعالى إنما يأمُرُ بالخيرِ الخالصِ أو الغالب.